هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
7164 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
7164 حدثني أحمد بن إشكاب ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

The Prophet (ﷺ) said, (There are) two words which are dear to the Beneficent (Allah) and very light (easy) for the tongue (to say), but very heavy in weight in the balance. They are: ''Subhan Allah wa-bi hamdihi'' and ''Subhan Allah Al-`Azim.

(see Hadith 6682).

":"ہم سے احمد بن اشکاب نے بیان کیا ‘ کہا ہم سے محمد بن فضیل نے ‘ ان سے عمارہ بن قعقاع نے ‘ انہوں نے ابو زرعہ سے ‘ انہوں نے حضرت ابوہریر رضی اللہ عنہ سے انہوں نے کہا کہآنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا دو کلمے ایسے ہیں جو اللہ تبارک وتعالیٰ کو بہت ہی پسند ہیں جو زبان پر ہلکے ہیں اور قیامت کے دن اعمال کے ترازو میں بوجھل اور باوزن ہوں گے ۔ وہ کلمات مبارکہ یہ ہیں سبحان الله وبحمده ، ‏‏‏‏ سبحان الله العظيم ۔

شرح الحديث من إرشاد الساري

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} [الشعراء: 105] وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِى آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ،.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: الْقُسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَيُقَالُ الْقِسْطُ: مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهْوَ الْعَادِلُ،.
وَأَمَّا الْقَاسِطُ: فَهْوَ الْجَائِرُ.

(باب قول الله تعالى: { ونضع الموازين القسط} ) العدل وهو منصوب على أنه نعت للموازين وعلى هذا فلم أفرد.
وأجيب: بأنه في الأصل مصدر والمصدر يوحد مطلقًا أو على أنه على حذف مضاف أي ذوات القسط والموازين جمع ميزان وجاء ذكرها في القرآن بلفظ الجمع، وفي السّنة به وبالإفراد فيجوّز بعضهم لما أشكل عليه الجميع في الآية أن يكون ثم موازين للعامل الواحد يوزن بكِل ميزان منها صنف واحد من أعماله قال الشاعر:
ملك تقوم الحادثات لأجله ... فلكل حادثة لها ميزان
والذي عليه الأكثرون أنه ميزان واحد عبّر عنه بلفظ الجمع للتفخيم كقوله تعالى: { كذبت قوم نوح المرسلين} [الشعراء: 105] وإنما هو رسول واحد أو الجميع باعتبار العباد وأنواع الموزونات أي: ونضع الموازين العادلات ({ ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] ) وثبت قوله ليوم القيامة لأبي ذر وسقط لغيره واللام بمعنى في وإليه ذهب ابن قتيبة وابن مالك وهو رأي الكوفيين ومنه عندهم لا يجليها لوقتها إلا هو أو هي للتعليل ولكن على حذف مضاف أي لحساب يوم القيامة أو بمعنى عند كقوله جئتك لخمس خلون من الشهر وقول النابغة:
توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام وذا العام سابع
(وأن) بفتح الهمزة وقد تكسر (أعمال بني آدم وقولهم يوزن) بالإفراد وللقابسي وأقوالهم توزن بميزان له لسان وكفّتان خلافًا للمعتزلة المنكرين لذلك إلا أن منهم من أحاله عقلاً ومنهم من جوّزه ولم يكن يحكم بثبوته كالعلاف وابن المعتز واحتجوا بأن الأعمال أعراض وقد عدمت فلا يمكن إعادتها وإن أمكن إعادتها يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها فلا توصف بخفة ولا ثقل والقرآن يردّ عليهم قال الله تعالى: { والوزن يومئذ الحق} أي وزن الأعمال يومئذ الحق { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية} [القارعة: 6] سلمنا أن الأعراض لا توصف بخفة ولا ثقل
لكن لما ورد الدليل على ثبوت الميزان والوزن كالحساب والصراط وجب علينا اعتقاده وإن عجزت عقولنا عن إدراك بعض فنَكِل علمه إلى الله تعالى ولا نشتغل بكيفيته والعمدة في إثباتها عند أهل الحق أنها ممكنة في نفسها إذ لا يلزم من فرض وقوعها مُحال لذاته مع إخبار الصادق عنها فأجمع المسلمون عليها قبل ظهور المخالف عليها والله تعالى قادر على أن يعرف عباده مقادير أعمالهم وأقوالهم يوم القيامة بأي طريق شاء إما بأن يجعل الأعمال والأقوال أجسامًا أو يجعلها في أجسام، وقد روى بعض المتكلمين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الله تعالى يقلب الأعراض أجسامًا فيزنها أو توزن صحفها.

ويؤيد هذا حديث البطاقة المروي في الترمذي، وقال حسن غريب وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاًّ كل سجل مثل مدّ البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كَتَبَتي الحافظون؟ فيقول لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلاّت؟ فيقول: فإنك لا تظلم فتوضع في السجلاّت في كفّة والبطاقة في كفّة فطاشت السجلاّت وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء".
وقال ابن ماجة بدل لقوله إن الله يستخلص رجلاً من أمتي يصاح برجل من أمتي، وقال محمد بن يحيى: البطاقة الرقعة وهذا يدل على الميزان الحقيقي؛ وأن الموزون صحف الأعمال ويكون رجحانها باعتبار كثرة ما كتب فيها وخفتها بقلّته فلا إشكال، وقيل إنه ميزان كميزان الشعر وفائدته إظهار العدل والمبالغة في الإنصاف ولو جاز حمله على ذلك لجاز حمل الصراط على الدين الحق والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد من الأحزان والأفراح وهذا كله فاسد لأنه ورد لما جاء به الصادق على ما لا يخفى.

فإن قلت: أهل القيامة إما أن يكونوا عالمين بكونه تعالى عادلاً غير ظالم أو لا.
فإن علموا ذلك كان مجرد حكمه كافيًا فلا فائدة في وضع الميزان وإن لم يعلموا ذلك لم تحصل الفائدة في وزن الصحائف وحينئذ فلا فائدة في وضعها أصلاً.
أجيب: بأنهم عالمون بعدله تعالى وإنما فعل ذلك لإقامة الحجة عليهم وبيانًا لكونه لا يظلم مثقال ذرة وإظهارًا لعظمة قدرته في أن كل كفّة طباق السماوات والأرض ترجح بمثقال الحبة من الخردل وتخف وأيضًا فإنه سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل.
وقد روي عن سلمان أنه قال: فإن أنكر ذلك منكر جاهل بمعنى توجيه معنى خبر الله تعالى وخبر رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الميزان وقال أو بالله حاجة إلى وزن الأشياء وهو العالم بمقدر كل شيء قبل خلقه إياه وبعده في كل حال.
قيل له: وزان ذلك إثباته إياه في أم الكتاب واستنساخه في الكتب من غير حاجة إلى ذلك لأنه سبحانه لا يخاف النسيان وهو عالم بكل ذلك على كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده وإنما يفعل ذلك تعالى ليكون حجة على خلقه كما قال تعالى: { كل
أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}
[الجاثية: 28، 29] فكذلك وزنه تعالى لأعمال خلقه بالميزان حجة عليهم ولهم إما بالتقصير في طاعته والتضييع وإما بالتكميل والتتميم وإظهار لكرمه وعفوه ومغفرته وحلمه مع قدرته بعد اطّلاع كل أحد منّا على مساويه ومسامحته له وغفرانه وإدخاله إياه الجنة بعد معصيته.

وحكى الزركشي عن بعضهم أن رجحان الوزن في الآخرة بصعود الراجح عكس الوزن في الدنيا واستند في ذلك إلى قوله تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10] الآية.
وهو غريب مصادم لقوله تعالى: { فأما من ثقلت موازينه} [القارعة: 6] الآية.
وقد جاء أن كفّة الحسنات من نور والأخرى من ظلام وأن الجنة توضع عن يمين العرش والنار عن يساره ويؤتى بالميزان فينصب بين يدي الله عز وجل كفّة الحسنات عن يمين العرش مقابلة الجنة وكفّة السيئات عن يسار العرش مقابلة النار ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأبو القاسم اللالكائي في سُننه، وعن حذيفة موقوفًا: إن صاحب الميزان يوم القيامة جبريل عليه السلام، وعند البيهقي عن أنس مرفوعًا قال: ملك الموت موكل بالميزان.

وفي الطبراني الصغير من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يقول الله أي يوم القيامة يا آدم قد جعلتك حكمًا بيني وبين ذريّتك قم عند الميزان فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم أني لا أُدخل منهم النار إلا ظالمًا.
الحديث.
قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرّد به عبد الأعلى.

وعند الحاكم عن سلمان مرفوعًا يوضع الميزان يوم القيامة فلو آوى فيه السماوات والأرض لوضعت فتقول الملائكة: يا رب لم تزن بهذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي.
فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

وعند صاحب الفردوس وابنه أبي منصور الديلمي عن عائشة مرفوعًا: خلق الله عز وجل كفّتي الميزان مثل أو ملء السماوات والأرض فقالت الملائكة: يا ربنا ما تزن بهذا؟ قال: أزن به من شئت من خلقي، وقيل سأل داود عليه السلام ربه عز وجل أن يُرِيه الميزان فلما رآه أغمي عليه من هوله ثم أفاق فقال: إلهي من يقدر على ملء كفّة هذا الميزان حسنات؟ فقال الله تعالى: يا داود إني إذا رضيت على عبدي ملأته بتمرة واحدة، يا داود أملؤها بكلمة لا إله إلا الله، ثم إن ظاهر قول البخاري: وإن أعمال بني آدم وقولهم يوزن التعميم وليس كذلك بل خصّ منهم من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفًا، كما في البخاري فإنه لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفًا وإنما هي براءات مكتوبة كما قاله الغزالي، وكذلك من لا ذنب له إلا الكفر فقط ولم يعمل حسنة فإنه يقع في النار من غير حساب ولا ميزان.
وفي البخاري مرفوعًا: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرؤوا إن شئتم { فلا نقيم لهم
يوم القيامة وزنًا}
[الكهف: 105] أي لا ثواب لهم وأعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن في موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو في النار.

(وقال مجاهد): المفسر في قوله تعالى: ({ وزنوا بالقسطاس المستقيم} [الشعراء: 182] مما وصله الفريابي في تفسيره (القسطاص) بضم القاف وكسرها (العدل بالرومية) أي بلغة أهل الروم ففيه وقوع المعرّب في القرآن، وأما قوله تعالى: { قرآنًا عربيًّا} فلا ينافيه ألفاظ نادرة أو هو من توافق اللغتين لقوله تعالى: { إنّا أنزلناه قرآنًا عربيًّا} ) [يوسف: 2] وليس بشيء لأن المعنى أنه عربي الأسلوب والنظم ولو سلمنا فباعتبار الأعم الأغلب ولم يشترط في الكلام العربي أن تكون كل كلمة منه عربية ولا يجوز اشتمال القرآن على كلمة غير فصيحة، وقيل يجوز، وردّه المولى سعد الدين التفتازاني بأن ذلك يقود إلى نسبة الجهل والعجز إلى الله تعالى عن ذلك واعترضه البوني أحد تلامذة الشيخ بأنه يجوز أن يختار الله تعالى غير الفصيح مع القدرة على الفصيح لحكمة هي إما أن دلالته على المراد أوضح من الفصيح أو غير ذلك مما لا يعلمه إلا هو فلا يلزم شيء من العجز والجهل قال: وعرضته على الشيخ فاستحسنه.

(ويقال: القسط مصدر المقسط) اعترضه الإسماعيلي بأن مصدر المقسط الإقساط لأنه رباعي.
وأجيب: بأن المراد المصدر المحذوف الزوائد نظرًا إلى أصله فهو مصدر مصدره إذ لا خفاء أن المصدر الجاري على فعله هو الإقساط قاله في اللامع والمصابيح كالكواكب (وهو) أي المقسط (العادل) قال الله تعالى: { إن الله يحب المقسطين} [المائدة: 42] .

(وأما القاسط فهو الجائر) قال الله تعالى: { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا} وقسط الثلاثي بمعنى جار وأقسط الرباعي بمعنى عدل، وحكى الزجّاج أن الثلاثي يستعمل كالرباعي والمشهور الأول ومن الغريب ما حكي أن الحجاج لما أحضر سعيد بن جبير قال: ما تقول فيّ؟ قال: قاسط عادل فأعجب الحاضرين فقال لهم الحجاج: ويلكم لم تفهموا جعلني جائرًا كافرًا ألم تسمعوا قوله تعالى: { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا} [الجن: 15] وقوله تعالى: { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1] .


[ قــ :7164 ... غــ : 7563 ]
- حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ».

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (أحمد بن إشكاب) بكسر الهمزة وفتحها وسكون الشين المعجمة وبعد الألف موحدة غير منصرف وقيل منصرف الصفار الكوفي ثم المصري قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة مصغرًا الضبي بالمعجمة والموحدة المشددة (عن عمارة بن القعقاع) بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع بقافين مفتوحتين
بينهما عين مهملة ساكنة الضبي أيضًا (عن أبي زرعة) هرم بفتح الهاء وكسر الراء البجلي بالموحدة والجيم المفتوحة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(كلمتان) خبر مقدم وما بعده صفة بعد صفة أي كلامان فهو من باب إطلاق الكلمة على الكلام ككلمة الشهادة (حبيبتان إلى الرحمن) تثنية حبيبة أي محبوبة بمعنى المفعول لا الفاعل وفعيل إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا ذكر الموصوف نحو: رجل قتيل وامرأة قتيل فإن لم يذكر الموصوف فرّق بينهما نحو: قتيل وقتيلة وحينئذٍ فما وجه لحوق علامة التأنيث هنا؟ أجيب: بأن التسوية جائزة لا واجبة وقيل إنما أنّثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة، والمراد محبوبية قائلها ومحبة الله تعالى لعبده وإرادته إيصال الخير له والتكريم، وخصّ اسمه الرحمن دون غيره من الأسماء الحسنى لأن كل اسم منها إنما يذكر في المكان اللائق به، وهذا من محاسن البديع الواقع في الكتاب العزيز وغيره من الفصيح كقوله تعالى: { استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} [نوح: 10] وكذلك هنا لما كان جزاء من يسبح بحمده تعالى الرحمة ذكر في سياقها الاسم المناسب لذلك وهو الرحمن (خفيفتان على اللسان) للين حروفهما وسهولة خروجهما فالنطق بهما سريع وذلك لأنه ليس فيهما من حروف الشّدة المعروفة عند أهل العربية وهي الهمزة والباء الموحدة والتاء المثناة الفوقية والجيم والدال والطاء المهملتان والقاف والكاف ولا من حروف الاستعلاء أيضًا وهي: الخاء المعجمة والصاد والضاد والطاء والظاء والغين المعجمة والقاف سوى حرفين الباء الموحدة والظاء المعجمة، ومما يستثقل أيضًا من الحروف الثاء المثلثة والشين المعجمة وليستا فيهما، ثم إن الأفعال أثقل من الأسماء وليس فيهما فعل وفي الأسماء أيضًا ما يستثقل كالذي لا ينصرف وليس فيهما شيء من ذلك وقد اجتمعت فيهما حروف اللين الثلاثة الألف والواو والياء وبالجملة فالحروف السهلة الخفيفة فيهما أكثر من العكس (ثقيلتان في الميزان) حقيقة لكثرة الأجور المدّخرة لقائلهما والحسنات المضاعفة للذاكر بهما وقوله: حبيبتان وخفيفتان وثقيلتان صفة لقوله كلمتان وفي هذه الرواية تقديم حبيبتان وتأخير ثقيلتان وقوله (سبحان الله) اسم مصدر لا مصدر يقال سبّح يسبّح تسبيحًا لأن قياس فعل بالتشديد إذا كان صحيح اللام التفعيل كالتسليم والتكريم، وقيل: إن سبحان مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي، وقول الشاعر:
سبحانه ثم سبحانًا يعود له ... وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد
يساعد من قال إن سبحان مصدر لوروده منصرفًا قاله في اللباب وغيره، وقال بعض الكبراء: إن فيه وجوهًا.

أحدهما: أنه مصدر تأكيدي كما في ضربت ضربًا فهو في قوة قولنا أسبّح الله تسبيحًا فلما حذف الفعل أضيف المصدر إلى المفعول ومعنى أسبح المده أي أنظم نفسي في سلك الموقنين بتقديسه عن جميع ما لا يليق بجنابه سبحانه وأنه مقدس أزلاً وأبدًا وإن لم يقدسه أحد.

الثاني: أنه مصدر نوعي على مثال ما يقال عظم السلطان تعظيم السلطان أي تعظيمًا يليق بجنابه ويناسب من يتصف بالسلطنة والمعنى أسبّحه تسبيحًا يختص به، وذلك إذا كان بما يليق بجنابه ولا يستحقه غيره فالإضافة لا إلى الفاعل ولا إلى المفعول بل للاختصاص فتأمله.

الثالث: أنه مصدر نوعي ولكنه على مثال ما يقال اذكر الله مثل ذكر الله فالمعنى أسبّح الله تسبيحًا مثل تسبيح الله لنفسه أي مثل ما سبّح الله به نفسه فهو صفة لمصدر محذوف بحذف المضاف إلى سبحان وهو لفظ المثل فالإضافة في سبحان الله إلى الفاعل.

الرابع: أنه مصدر أريد به الفعل مجازًا كما أن الفعل يذكر ويراد به المصدر مجازاً كقوله: تسمع بالمعيدي وذلك لأن المصدر جزء مفهوم الفعل وذكر البعض وإرادة الكل مجاز كعكسه، ولما كان المراد منه الفعل الذي أريد به إنشاء التسبيح بني هذا المصدر على الفتح فلا محل له من الإعراب، وذلك لأن الأصل في الفعل أن يكون مبنيًّا وذلك لأن الشبه الذي به أعرب المضارع منعدم في الإنشاء فمثله كمثل أسماء الأفعال وهذا وجه نحوي يمكن أن يقال به فافهم.
قال: وما ذكرناه لا يبطل كون هذا اللفظ معربًا في الأصل فلا يضرّنا ما جاء في شعر أمية منوّنًا وأما ما يتعلق بمعناه ومغزاه فهو أنه قد فهم من هذا أيضًا تقدّس الأسماء والصفات لأن الذات مع الأسماء والصفات متلازمان في الوجود والعدم بالتحقيق ولأن انتفاء تقديس الأسماء والصفات يستلزم انتفاء تقديس الذات لأنها قائمة بالذات ومقتضياتها لكن انتفاء تقديس الذات منتفٍ، وإذا حصل الاعتراف والاعتقاد بأنه منزّه عن جميع النقائص وما لا ينبغي أن ينسب إليه ثبتت الكمالات ضرورة التزامًا وحصل توحيد الربوبية وثبت التقديس في كل كمال عن المشابهة والمماثلة والشركة وكلا ما لا يليق فثبت أنه الرب على الإطلاق للأنفس والآفاق فهو المستحق لأن يشكر ويعبد بكل ما يمكن على الانفراد بالحق والحقيقة وتوحيد الربوبية حجة ملزمة وبرهان موجب توحيد الألوهية فتتضمن هذه الكلمة إثبات التوحيدين كما تتضمن إثبات الكمالين، وهذان الإثباتان في ضمنهما كل مدح ممكن فيما يرجع إلى الله تعالى ولما كان الاتّصاف بالكمال الوجودي مشروطًا بخلوّه عما ينافيه قدّم التسبيح على التحميد في الذكر ما تقدّم التخلية عن التحلية ومن هذا القبيل تقدّم النفي على الإثبات في لا إله إلا الله انتهى.

والواو في قوله: (وبحمده) للحال أي أسبّحه متلبّسًا بحمدي له من أجل توقه لي للتسبيح ونحوه، وقيل عاطفة أي أسبّح وأتلبس بحمده وأما الباء فيحتمل أن تكون سببية أي أسبّح الله وأثني عليه بحمده، وقال ابن هشام في مغنيه: اختلف في الباء من قوله فسبّح بحمد ربك فقيل: إنها للمصاحبة والحمد مضاف للمفعول أي سبّحه حامدًا له أي نزّهه عما لا يليق به وأثبت له ما يليق به.
قال البدر الدماميني في شرحه للمغني: قصد أي ابن هشام تفسير التسبيح والحمد بما ذكره إذ هو الثناء بالصفات الجميلة.

فان قلت: من أين يلزم الأمر بالحمد وهو إنما وقع حالاً مقيدة للتسبيح ولا يلزم من الأمر
بشيء الأمر بحاله المقيدة له بدليل اضرب هندًا جالسة؟ وأجاب: بأنه إنما يلزم ذلك إذا لم يكن الحال من نوع الفعل المأمور به ولا من فعل الشخص المأمور كالمثال المذكور أما إذا كانت بعض أنواع الفعل المأمور به نحو: حج مفردًا أو قارنًا أو كانت من فعل المأمور به نحو: ادخل مكة محرمًا فهي مأمور بها وما تكلم فيه في المغني من هذا القبيل انتهى.

قال في المغني: وقيل الباء للاستعانة والحمد مضاف للفاعل أي سبّحه بما حمد به نفسه إذ ليس كل تنزيه محمودًا ألا ترى أن تسبيح المعتزلة اقتضى تعطيل كثير من الصفات، وقال الخطابي: المعنى وبمعونتك التي هي نعمة توجب عليّ حمدك سبّحتك لا بحولي وقوّتي يريد أنه مما أقيم فيه المسبب مقام السبب ثم إن جنس الحمد كما قاله بعض العلماء لما وقع ذكره بعد التقديس عن كل ما لا يليق به تعالى بغير تخصيص بعض المحامد تضمن الكلام، واستلزام إثبات جميع الكمالات الوجودية الجائزة له مطابقة ولزم منه التقديس عن كل ما لا يليق وهو كل ما ينافيها ولا يجامعها هذا مع أن كلمة الجلالة تدل على الذات المقدسة المستجمعة للكمالات أجمع، وكذا الضمير في وبحمده إلى الهوية الخاصة السبوحية القدوسية الجامعة لجميع خاصيات الذات الواجبة وخواصها فهذه الكلمة اشتملت على اسمي الذات اللذين لا أجمع منهما.
أحدهما فيه اعتبار عليه أحكام الشهادة والغيب والآخر فيه علية أحكام الغيب وغيب الغيب، وأيضًا تشتمل على جميع التقديسات والتنزيهات وعلى جميع الأسماء والصفات وعلى كل توحيد.

وختم بقوله: (سبحان الله العظيم) ليجمع بين مقامي الرجاء والخوف إذ معنى الرحمن يرجع إلى الإنعام والإحسان ومعنى العظيم يرجع إلى الخوف من هيبته تعالى، وقوله سبحان إلى آخره مبتدأ وما بينه وبين الخبر صفة له بعد صفة.

وقد أورد صاحب المصابيح سؤالين فقال: فإن قلت: المبتدأ مرفوع وسبحان الله في المحلين منصوب فكيف وقع مبتدأ مع ذلك؟ وأجاب: بأن لفظهما محكي، وقال في الثاني فإن قلت: الخبر مثنى والمخبر عنه غير متعدد ضرورة أنه ليس ثم حرف عطف يجمعهما.
ألا ترى أنه لا يصح قولك زيد عمرو قائمان.
وأجاب: بأنه على حذف العاطف أي سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم كلمتان خفيفتان على اللسان إلى آخره.

وقد نص أهل المعاني على أن من جملة الأسباب المقتضية لتقديم المسند تشويق السامع إلى المبتدأ بأن يكون في المسند المقدّم طول يشوّق النفس إلى ذكر المسند إليه فيكون أوقع في النفس وأدخل في القبول لأن الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب ولا يخفى أن ما ذكره القوم متحقّق في هذا الحديث بل هو أحسن من المثال الذي أورده وبثّه بكير وهو قول الشاعر:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
ومراعاة مثل هذه النكتة البلاغية هو الظاهر من تقديم الخبر على المبتدأ لكن رجح المحقق الكمال ابن الهمام -رحمه الله- أن سبحان الله هو الخبر قال: لأنه مؤخر لفظًا والأصل عدم مخالفة
اللفظ محله إلا لموجب يوجبه.
قال: وهو من قبيل الخبر المفرد بلا تعدد لأن كلاًّ من سبحان الله مع عامله المحذوف.
الأول والثاني مع عامله الثاني إنما أريد لفظه والجمل المتعددة إذا أريد لفظها فهي من قبيل المفرد الجامد ولذا لا تتحمل ضميرًا ولأنه محطّ الفائدة بنفسه بخلاف كلمتان فإنه إنما يكون محطًّا للفائدة باعتبار وصفه بالخفّة على اللسان والثقل في الميزان والمحبة للرحمن.
ألا ترى أن جعل كلمتان الخبر غير بيّن لأنه ليس متعلق الغرض الإخبار منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن سبحان الله إلى آخره أنهما كلمتان بل بملاحظة وصف الخبر بما تقدم أعني خفيفتان ثقيلتان حبيبتان فكان اعتبار سبحان الله إلى آخره خبرًا أولى وقد ذهب بعضهم إلى تعيين خبرية سبحان الله إلى آخره ووجهه بوجهين.

أحدهما: أن سبحان الله لزم الإضافة إلى مفرد فجرى مجرى الظروف والظروف لا تقع إلا خبرًا.

ثانيهما: أن سبحان الله إلى آخره كلمة إذ المراد بالكلمة في الحديث اللغوية كما تقدم فلو جعل مبتدأ لزم الإخبار عما هو كلمة بأنه كلمتان.

وأجيب: بأنه لا يخفى على سامع أن المراد اعتبار سبحان الله وبحمده كلمة وسبحان الله العظيم كلمة فهذا كما يصح أن يعبر عنه بكلمة كذلك يصح أن يعبر عن كل جملة منه بكلمة غير أنه لما كان كلٌّ من الجملتين أعني سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مما يستقل ذكرًا تامًّا ويفرد بالقصد اعتبر كلمة وعبر عنهما بكلمتين على أن ما ذكره لازم على تقدير جعل سبحان الله الخبر كما هو لازم على تقدير جعله مبتدأ لأنه كما لا يصح أن يخبر عما هو بكلمة بأنه كلمتان كذلك لا يخبر عما هو كلمتان بما هو كلمة انتهى.

وفي هذا الحديث من علم البديع المقابلة والمناسبة والموازنة في السجع أما المقبلة فقد قابل الخفة على اللسان بالثقل وفي الميزان وأما الموازنة في السجع ففي قوله حبيبتان إلى الرحمن ولم يقل للرحمن لأجل موازنته على اللسان وفيه نوع من الاستعارة في قوله خفيفتان فإنه كناية عن قلة حروفهما ورشاقتهما.
قال الطيبي: فيه استعارة لأن الخفة مستعارة للسهولة انتهى.

والظاهر أنها من قبيل الاستعارة بالكناية فإنه شبه سهولة جريانهما على اللسان بما يخف على الحامل من بعض الأمتعة فلا تتعبه كالشيء الثقيل فحذف ذكر المشبه به وأبقى شيئًا من لوازمه وهو الخفة وأما الثقل فعلى الحقيقة عند أهل السُّنّة إذ الأعمال تتجسم كما مرّ وفيه حثّ على المواظبة عليها وتحريض على ملازمتها وتعريض بأن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفوس ثقيلة وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان، وقد روي في الآثار أن عيسى عليه السلام سئل ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخل؟ فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنّك ثقلها على تركها والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفّت عليكم فلا يحملنك على فعلها خفتها فإن بذلك تخف الموازين يوم القيامة، ويستفاد من هذا الحديث أن مثل هذا السجع جائز وأن المنهي عنه في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجع كسجع الكهان ما كان متكلفًا أو متضمنًا لباطل لا
ما جاء من غير قصد أو تضمن حقًّا، وفيه من علم العروض إفادة أن الكلام المسجع ليس بشعر فلا يوزن وإن جاء على وفق البحور في الجملة هذا مع ضميمة قوله تعالى: { وما علمناه الشعر وما ينبغي له} [يس: 69] وقد جاء في الكتاب والسُّنّة أشياء على وفق البحور فمنها ما جاء على وفق الرجز نحو: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف، ومن السُّنّة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت".

وسبق مزيد لذلك في هذا الشرح فليراجع، وفي سنده من اللطائف القول في موضعين والتحديث في موضعين والعنعنة وهي في البخاري محمولة على السماع فهي مثل أخبرنا إذ العنعنة من غير المدلس محمولة على السماع كما تقرر في المقدمة أول هذا الشرح.

وفي الحديث أيضًا الاعتناء بشأن التسبيح أكثر من التحميد لكثرة المخالفين فيه وذلك من جهة تكريره بقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، وقد جاءت السُّنّة به على أنواع شتى ففي مسلم عن سمرة مرفوعًا: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" أي أفضل الذكر بعد كتاب الله والموجب لفضلها اشتمالها على جملة أنواع الذكر من التنزيه والتحميد والتمجيد ودلالتها على جميع المطالب الإلهية إجمالاً لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أوّلاً بنعوت الجلال التي تنزه ذاته عما يوجب حاجة أو نقصًا ثم بصفات الإكرام وهي الصفات الثبوتية التي يستحق بها الحمد، ثم يعلم أن من هذا شأنه لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه.

وفي الترمذي وقال حديث غريب عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها حجاب دون الله حتى تخلص إليه".
وفيه وجهان.

أحدهما: أن يراد التسوية بين التسبيح والتحميد بأن كل واحد منهما يأخذ نصف الميزان فيملآن الميزان معًا وذلك لأن الأذكار التي هي أم العبادات البدنية الغرض الأصلي من شرعها ينحصر في نوعين، أحدهما التنزيه، والآخر التحميد والتسبيح يستوعب القسم الأول والتحميد يتضمن القسم الثاني.

وثانيهما: أن يراد تفضيل الحمد على التسبيح وأن ثوابه ضعف ثواب التسبيح لأن التسبيح نصف الميزان والتحميد وحده يملؤه وذلك لأن الحمد المطلق إنما يستحقه من كان مبرأ عن النقائص منعوتًا بنعوت الجلال وصفات الإكرام فيكون الحمد شاملاً للأمرين وأعلى القسمين، وإلى الوجه الأول أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان" وقوله: "لا إله إلا الله ليس لها حجاب" لأنها اشتملت على التنزيه والتحميد ونفي ما سواه تعالى صريحًا ومن ثم جعله من جنس آخر لأن الأولين دخلا في معنى الوزن والمقدار في الأعمال، وهذا حصل منه القرب إلى الله تعالى من غير جائز ولا مانع ففي مسلم من حديث جويرية أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج من عندها بكرة حين صلّى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة
قال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليه؟ قالت: نعم، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ولو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ، سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
صرّح في القرينة الأولى بالعدد وفي الثانية بالزنة وترك الثانية والرابعة منهما ليؤذن بأنهما لا يدخلان في جنس المعدود والموزون ولا يحصرهما المقدار لا حقيقة ولا مجازًا فيحصل الترقي حينئذ من عدد الخلق إلى رضا الحق ومن زنة العرش إلى مداد الكلمات.

وفي الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه دخل مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبّح به فقال: "ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك.
ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك".
وفي قوله عدد ما هو خالق إجمال بعد تفصيل لأن اسم الفاعل إذا أسند إلى الله يفيد الاستمرار من بدء الخلق إلى الأبد.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطّت خطاياه وإن كنت مثل زبد البحر" رواه الشيخان وهذا وأمثاله نحو: ما طلعت عليه الشمس وكنايات عبّر بها عن الكثرة عرفًا.
وظاهرًا لإطلاق يُشْعِر بأنه يحصل هذا الأجر المذكور لمن قال ذلك مائة مرة سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار وهذه الفضائل الواردة في التسبيح ونحوه ما قال ابن بطال وغيره إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام والمعاصي العظام، فلا يظن ظانّ أن من أدمن الذكر وأصرّ على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أنه يلتحق بالمطهرين المقدّسين ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح وفي الترمذي وقال حديث حسن غريب عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" والقيعان: جمع القاع وهو المستوي من الأرض والغراس: جمع غرس وهو ما يغرس، والغرس: إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو بالماء العذب أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه قاله التوربشتي.

وقال الطيبي: وهاهنا إشكال لأن هذا الحديث يدل على أن أرض الجنة خالية عن الأشجار والقصور ويدل قوله تعالى: { جنات تجري من تحتها الأنهار} وقوله تعالى: ({ أُعِدَّت للمتقين} [آل عمران: 133] على أنها غير خالية عنها لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة المظلة
بالتفاف أغصانها وتركيب الجنة دائر على معنى الستر وأنها مخلوقة معدّة والجواب أنها كانت قيعانًا، ثم إن الله تعالى أوجد بفضله وسعة رحمته فيها أشجارًا وقصورًا على حسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بحسب عمله ثم إن الله تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال به ذلك الثواب جعله كالغارس لتلك الأشجار على سبيل المجاز إطلاقًا للسبب على المسبب ولما كان سبب إيجاد الله للأشجار عمل العامل أسند الغراس إليه والله أعلم بالصواب.

ولما كان التسبيح مشروعًا في الختام ختم البخاري -رحمه الله تعالى- كتابه بكتاب التوحيد والحمد بعد التسبيح آخر دعوى أهل الجنة.
قال الله تعالى: { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10] قال القاضي: لعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حيّاهم الملائكة بالسلامة من الآفات والفوز بأصناف الكرامات فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإكرام.
قال في فتوح الغيب: ولعل الظاهر أن يضاف السلام إلى الله عز وجل إكرامًا لأهل الجنة، وينصره قوله تعالى في سورة يس: { سلام قولاً من رب رحيم} [يس: 58] أي يسلم عليهم بغير واسطة مبالغة في تعظيمهم وإكرامهم وذلك متمناهم وهذا يدل على أنه يحصل للمؤمنين بعد نعيمهم في الجنة ثلاثة أنواع من الكرامات.
أولها { سلام قولاً من رب رحيم} وثانيها: ما يقولون عند مشاهدتها سبحانك اللهم وهي سطوع نور الجمال من وراء حجاب الجلال وما أفخم شأن اقتران اللهم بسبحانك في هذا المقام كأنهم لما رأوا أشعة تلك الأنوار لم يتمالكوا أن لا يرفعوا أصواتهم وآخرها أجل منهما، ولذلك ختموا الدعاء عند رؤيتها بالحمد لله رب العالمين وما هي إلا نعمة الرؤية التي كل نعمة دونها، فكأن الكرامات الأول كالتمهيد للثالثة وما أشد طباق هذا التأويل بما رويناه عن ابن ماجة عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب سبحانه وتعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة قال وذلك قوله تعالى: { سلام قولاً من رب رحيم} قال: فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والله أعلم.

ولقد أخبرني الحافظ الشيخ شمس الدين أبو الخير محمد بن زين الدين السخاوي، وأبو عمرو عثمان الديمي، ونجم الدين عمر بن تقي الدين، وقاضي القضاة أبو المعالي محمد بن الرضي محمد الطبري المكيّان الشافعيون، وقاضي القضاة أبو الحسن علي ابن قاضي القضاة أبي اليمن النويري المالكي، والعلاّمة المقري أبو العباس أحمد بن أسد الأسيوطي إذنًا مشافهة قالوا: أخبرنا شيخ الإسلام والحفّاظ أبو الفضل بن أبي الحسن العسقلاني قال: قرأت على إمام الأئمة عز الدين محمد بن المسند الأصيل شرف الدين أبي بكر بسماعه على جده قاضي القضاة عز الدين أبي عمر عبد العزيز قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة ح.

وأباح لي أيضًا مسند وقته أبو العباس أحمد بن محيي الدين بن طريف الحنفي، أنبأنا الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، أخبرنا القاضي أبو عمر عبد العزيز عز الدين ابن القاضي بدر الدين بن جماعة سماعًا عليه، أخبرنا القاضي أبو العباس أحمد بن محمد الحلبي إجازة أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ بحلب، أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر السلفي بأصبهان، أخبرنا الحسن بن أحمد الحدّاد، أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله السفياني، حدّثنا عبد الله بن جعفر الفارسي، حدّثنا إسماعيل بن عبد الله العبدي، حدّثنا سعيد بن الحكم، حدّثنا خلاد بن سليمان الحضرمي أبو سليمان، حدّثني خالد بن أبي عمران، عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: ما جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجلسًا ولا تلا قرآنًا ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات فقلت: يا رسول الله أراك ما تجلس مجلسًا ولا تتلو قرآنًا ولا تصلي صلاة إلاّ ختمت بهؤلاء الكلمات.
قال: "نعم من قال خيرًا كنّ طابعًا له على ذلك الخير، ومن قال شرًّا كانت كفّارة له سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

هذا الحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة، عن محمد بن سهل بن عسكر، عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم فوقع لنا به عاليًا.

وأنبأني الشيخ شهاب الدين بن عبد القادر الشاوي، وأم حبيبة زينب ابنة الشيخ شهاب الدين السُّبكي، وأم كمال كمالية ابنة الإمام نجم الدين المرجاني المكيّتان بها قالوا: أنبأنا الحافظ الزين بن الحسين العراقي قال: أخبرنا القاضي أبو عمر عز الدّين سماعًا عليه بجامع الأقمر في القاهرة سنة إحدى وستين وسبعمائة قال: قرأت على موسى بن أبي الحسن المقرئ بالقاهرة، أخبرك أبو الفرج بن عبد المنعم بن علي قراءة عليه وأنت تسمع عن أحمد بن محمد بن محمد التيمي؟ فأقرّ به.

أخبرنا الحسن بن أحمد الحداد، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ، حدّثنا أبو بكر الطلحي، حدّثنا أحمد بن عبد الرحيم بن دحيم، حدّثنا عمرو الأودي، حدّثني أبي عن سليمان عن أبي حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية عن الأصبغ وهو ابن نباتة عن علي -رضي الله عنه- قال: من أحب أن يكتال بالمكيال فليقل آخر مجلسه أو حين يقوم سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

وقد آن أن أثني عنان القلم، وأستغفر الله مما زلّت به القدم، ووقع لي في هذا الشرح من الزلل والخطأ ملتمسًا ممن وقف عليه من الفضلاء أن يسدّ بسداد فضله ما عشر عليه من الخلل، فالمتصدي للتأليف، والمعتني بالتصنيف، ولو بلغ السها في النهى إذا صنف فقد استهدف، ومن أنصف أسعف، ولله درّ بعض الأكياس حيث قال: من صنف فقد وضع عقله في طبق وعرضه على الناس، لا سيما من كان مثلي قليل البضاعة في كل علم وصناعة، على أني والله عز وجل يعلم في أكثر مدة جمعي له في كرب ووجل، مع قلة المعين والناصر، والمنبّه والمذاكر، فإن تصفح الناظر فيه الغلط فليصفح ولا يكن من أناس بالأغاليط يفرحون وليصلح ما يجده فاسدًا فإن الله تعالى ذم رهطًا قال فيهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، والله أسأل أن يجعل هذا الشرح وسيلة إلى رضاه والجنة ويحول بيننا وبين النار بأوثق جنة وكما منّ به يتم القبول حسنة تلك المنة.

قال مؤلفه: وقد فرغت من تأليفه وكتابته في يوم السبت سابع عشري ربيع الثاني سنة ست عشرة وتسعمائة حامدًا مُصَلّيًا مسلّمًا ومحوقلاً ومحسبلاً.