هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
7163 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ ، يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ ، قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ ؟ قَالَ : سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ - أَوْ قَالَ : التَّسْبِيدُ -
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو قال : التسبيد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Sa`id Al-Khudri:

The Prophet (ﷺ) said, There will emerge from the East some people who will recite the Qur'an but it will not exceed their throats and who will go out of (renounce) the religion (Islam) as an arrow passes through the game, and they will never come back to it unless the arrow, comes back to the middle of the bow (by itself) (i.e., impossible). The people asked, What will their signs be? He said, Their sign will be the habit of shaving (of their beards). (Fath-ul-Bari, Page 322, Vol. 17th)

":"ہم سے ابو النعمان محمد بن فضل سدوسی نے بیان کیا ‘ انہوں نے کہا ہم سے مہدی بن میمون ازدی نے بیان کیا ‘ کہا کہ میں نے محمد بن سیرین سے سنا ‘ ان سے معبد بن سیرین نے بیان کیا اور ان سے ابو سعید خدری رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کچھ لوگ مشرق کی طرف سے نکلیں گے اور قرآن پڑھیں گے جو ان کے حلق سے نیچے نہیں اترے گا ۔ یہ لوگ دین سے اس طرح دور پھینک دئیے جائیں گے جیسے تیر پھینک دیا جاتا ہے ۔ پھر یہ لوگ کبھی دین میں نہیں واپس آ سکتے ۔ یہاں تک کہ تیرا پنی جگہ ۔ ( خود ) واپس آ جائے ۔ پوچھا گیا کہ ان کی علامت کیا ہو گی ؟ تو فرمایا کہ ان کی علامت سر منڈوانا ہو گی ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [7562] .

     قَوْلُهُ  عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ هُوَ أَخُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا الصَّحَابِيَّ وَقَدْ دَخَلَ الْبَصْرَةَ .

     قَوْلُهُ  يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ أَنَّهُمْ الْخَوَارِجُ وَبَيَانُ مَبْدَأِ أَمْرِهِمْ وَمَا وَرَدَ فِيهِمْ وَكَانَ ابْتِدَاءُ خُرُوجِهِمْ فِي الْعِرَاقِ وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ .

     قَوْلُهُ  لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ جَمْعُ تَرْقُوَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ نَقْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ وَذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ بِلَفْظِ حَنَاجِرَهُمْ جَمْعُ حَنْجَرَةٍ وَهِيَ الْحُلْقُومُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحُلْقُومِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ وَقَدْ رَوَاهُ عبد الرَّحْمَنبْنُ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ حَنَاجِرَهُمْ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ .

     قَوْلُهُ  قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ عَلَامَتُهُمْ وَالسَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ .

     قَوْلُهُ  التَّحْلِيقُ أَوْ قَالَ التَّسْبِيدُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بِمَعْنَى التَّحْلِيقِ وَقِيلَ أَبْلَغُ مِنْهُ وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِئْصَالِ وَقِيلَ إِنْ نَبَتَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ دَهْنِ الشَّعْرِ وَغَسْلُهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِيهِ إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْعَلَامَةِ وُجُودُ ذِي الْعَلَامَةِ فَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَهُوَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا لَا يَحْلِقُونَ رؤوسهم إِلَّا لِلنُّسُكِ أَوْ فِي الْحَاجَةِ وَالْخَوَارِجُ اتَّخَذُوهُ دَيْدَنًا فَصَارَ شِعَارًا لَهُمْ وَعُرِفُوا بِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَلْقُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَجَمِيعُ شُعُورِهِمْ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِفْرَاطُ فِي الْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ فِي أَمْرِ الدِّيَانَةِ.

.

قُلْتُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ طُرُقَ الْحَدِيثِ الْمُتَكَاثِرَةِ كَالصَّرِيحَةِ فِي إِرَادَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ وَالثَّالِثُ كَالثَّانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ لِابْنِ بَطَّالٍ فِي وَصْفِ الْخَوَارِجِ خَبْطٌ أَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي قَوْمٍ عَرَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ بِالنَّهْرَوَانِ حِينَ قَالُوا إِنَّكَ رَبُّنَا فَاغْتَاظَ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَ بِهِمْ فَحُرِّقُوا بِالنَّارِ فَزَادَهُمْ ذَلِكَ فِتْنَةً وَقَالُوا الْآنَ تَيَقَّنَّا أَنَّكَ رَبُّنَا إِذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ لِعَلِيٍّ فِي الْفِتَنِ وَلَيْسَتْ لِلْخَوَارِجِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلزَّنَادِقَةِ كَمَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلرَّافِعِيِّ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ قَالَ هُمْ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِرِضَاهُ بِقَتْلِهِ وَمُوَاطَأَتِهِ إِيَّاهُمْ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ كَفَرَ وَاسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَيَطْعَنُونَ لِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ انْتَهَى وَلَيْسَ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ وَصْفَ الْخَوَارِجِ الْمُبْتَدِعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفُ النَّوَاصِبِ أَتْبَاعِ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ.

.
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَمِنْ مُعْتَقَدِهِمْ تَكْفِيرُ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ وَلَمْ يَزَالُوا مَعَ عَلِيٍّ حَتَّى وَقَعَ التَّحْكِيمُ بِصِفِّينَ فَأَنْكَرُوا التَّحْكِيمَ وَخَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَكَفَّرُوهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِمْ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ لِأَكْثَرِهِمْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْمَوَازِينُ جَمْعُ مِيزَانٍ وَأَصْلُهُ مِوْزَانٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكِسْرَةِ مَا قَبْلَهَا وَاخْتُلِفَ فِي ذِكْرِهِ هُنَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ هَلِ الْمُرَادُ أَنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ مِيزَانًا أَوْ لِكُلِّ عَمَلٍ مِيزَانٌ فَيَكُونُ الْجَمْعُ حَقِيقَةً أَوْ لَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَعْمَالِ أَوِ الْأَشْخَاصِ وَيَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْأَعْمَالِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَمَنْ خفت مَوَازِينه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُلِلتَّفْخِيمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَذَّبَتْ قَوْمُ نوح الْمُرْسلين مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ إِلَّا وَاحِدٌ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَلَا يُشْكِلُ بِكَثْرَةِ مَنْ يُوزَنُ عَمَلُهُ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ لَا تُكَيَّفُ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ وَهُوَ نَعْتُ الْمَوَازِينِ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا وَهِيَ جَمْعٌ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ قَالَ الطَّبَرِيُّ الْقِسْطُ الْعَدْلُ وَجُعِلَ وَهُوَ مُفْرَدٌ مِنْ نَعْتِ الْمَوَازِينِ وَهِيَ جَمْعٌ لِأَنَّهُ كَقَوْلِكَ عَدْلٌ وَرِضًا.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ الْمَعْنَى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ ذَوَاتَ الْقِسْطِ وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ يُقَالُ مِيزَانُ قِسْطٍ وَمِيزَانَانِ قِسْطٍ وَمَوَازِينُ قِسْطٍ وَقِيلَ هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ الْقِسْطِ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلتَّعْلِيلِ مَعَ حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لِحِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنى فِي كَذَا جزم بِهِ بن قُتَيْبَة وَاخْتَارَهُ بن مَالِكٍ وَقِيلَ لِلتَّوْقِيتِ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامِ سَابِعٌ وَحَكَى حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ رَدًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْمِيزَانَ مَا مَعْنَاهُ قَالَ الله تَعَالَى وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة وَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ رَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْقَابِسِيِّ وَطَائِفَةٍ وَأَقْوَالَهُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَعْمَالِ وَظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ لَكِنْ خَصَّ مِنْهُ طَائِفَتَانِ فَمِنَ الْكُفَّارِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ إِلَّا الْكُفْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي النَّارِ مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ وَلَا مِيزَانٍ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا سَيِّئَةَ لَهُ وَلَهُ حَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَحْضِ الْإِيمَانِ فَهَذَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ كَمَا فِي قِصَّةِ السَّبْعِينَ أَلْفًا وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِمْ وَهُمُ الَّذِينَ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَمَنْ عَدَا هَذَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ يُحَاسَبُونَ وَتُعْرَضُ أَعْمَالُهُمْ عَلَى الْمَوَازِينِ وَيَدُلُّ عَلَى مُحَاسَبَةِ الْكُفَّارِ وَوَزْنِ أَعْمَالِهِمْ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى قَوْلِهِ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فكنتم بهَا تكذبون وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ الْكَافِرُ لَا ثَوَابَ لَهُ وَعَمَلُهُ مُقَابَلٌ بِالْعَذَابِ فَلَا حَسَنَةَ لَهُ تُوزَنُ فِي مَوَازِينِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَا حَسَنَةَ لَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة وزنا وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ فِي الْكَافِرِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَتُعُقِّبَ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ حَقَارَةِ قَدْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوَزْنِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي صِفَةِ وَزْنِ عَمَلِ الْكَافِرِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُفْرَهُ يُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ وَلَا يَجِدُ لَهُ حَسَنَةً يَضَعُهَا فِي الْأُخْرَى فَتَطِيشُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا قَالَ وَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمِيزَانَ بِالْخِفَّةِ لَا الْمَوْزُونَ ثَانِيهُمَا قَدْ يَقَعُ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ الْمَالِيَّةِ مِمَّا لَوْ فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ لَكَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ جُمِعَتْ وَوُضِعَتْ غَيْرَ أَنَّ الْكُفْرَ إِذَا قَابَلَهَا رَجَحَ بِهَا.

.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجَازَى بِهَا عَمَّا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ ظُلْمِ الْعِبَادِ مَثَلًا فَإِنِ اسْتَوَتْ عُذِّبَ بِكُفْرِهِ مَثَلًا فَقَطْ وَإِلَّا زِيدَ عَذَابُهُ بِكُفْرِهِ أَوْ خُفِّفَ عَنْهُ كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمِيزَانِ وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَيَمِيلُ بِالْأَعْمَالِ وَأَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ وَقَالُوا هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَدْلِ فَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَضَعُ الْمَوَازِينَ لِوَزْنِ الْأَعْمَالِ لِيَرَى الْعِبَادُ أَعْمَالَهُمْ مُمَثَّلَةً لِيَكُونُوا على أنفسهم شَاهِدين.

     وَقَالَ  بن فَوْرَكٍ أَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَاضَ يَسْتَحِيلُ وَزْنُهَا إِذْ لَا تَقُومُ بِأَنْفُسِهَا قَالَ وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْلِبُ الْأَعْرَاضَ أَجْسَامًا فَيَزِنُهَا انْتَهَى وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الْمِيزَانَ بِمَعْنَى الْعَدْلِوَالْقَضَاء فأسند الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة قَالَ إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ كَمَا يَجُوزُ وَزْنُ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْحَطُّ وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمَوَازِينُ الْعَدْلُ وَالرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ يُوضَعُ الْمِيزَانُ وَلَهُ كِفَتَّانِ لَوْ وُضِعَ فِي إِحْدَاهُمَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ لَوَسِعَتْهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ذُكِرَ الْمِيزَانُ عِنْدَ الْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ قِيلَ إِنَّمَا تُوزَنُ الصُّحُفُ.

.
وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّهَا أَعْرَاضٌ فَلَا تُوصَفُ بِثِقَلٍ وَلَا خِفَّةٍ وَالْحَقُّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَعْمَالَ حِينَئِذٍ تُجَسَّدُ أَوْ تُجْعَلُ فِي أَجْسَامٍ فَتَصِيرُ أَعْمَالُ الطَّائِعِينَ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَأَعْمَالُ الْمُسِيئِينَ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ ثُمَّ تُوزَنُ وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الَّذِي يُوزَنُ الصَّحَائِفُ الَّتِي تُكْتَبُ فِيهَا الْأَعْمَال وَنقل عَن بن عُمَرَ قَالَ تُوزَنُ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ قَالَ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالصُّحُفُ أَجْسَامٌ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ الْبِطَاقَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِيهِ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ انْتَهَى وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ النَّارَ قِيلَ فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ قَالَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ أَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ فِي فَوَائِدِهِ وَعند بن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنِ حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا أَنَّ صَاحِبَ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ الْقِسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ رجل عَن مُجَاهِد وَعَن وَرْقَاء عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم قَالَ هُوَ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ مَعْنَى قَوْله وزنوا بالقسطاس بالميزان.

     وَقَالَ  بن دُرَيْدٍ مِثْلَهُ وَزَادَ وَهُوَ رُومِيٌّ عُرِّبَ وَيُقَالُ قِسْطَارٌ بِالرَّاءِ آخِرَهُ بَدَلَ السِّينِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْقِسْطَاسُ أَعْدَلُ الْمَوَازِينِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِضَمِّهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ .

     قَوْلُهُ  وَيُقَالُ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهُوَ الْعَادِلُ.

.
وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ قَالَ الْفَرَّاءُ الْقَاسِطُونَ الْجَائِرُونَ وَالْمُقْسِطُونَ الْعَادِلُونَ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ الْقِسْطُ النَّصِيبُ بِالْعَدْلِ كَالنِّصْفِ وَالنَّصَفَةِ وَالْقَسْطُ بِفَتْحِ الْقَافِ أَنْ يَأْخُذَ قِسْطَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ جَوْرٌ وَالْإِقْسَاطُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ قِسْطَهُ وَذَلِكَ إِنْصَافٌ وَلِذَلِكَ قِيلَ قَسَطَ إِذَا جَارَ وَأَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْقِسْطُ النَّصِيبُ إِذَا تَقَاسَمُوهُ بِالسَّوِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ مُتَعَقِّبًا عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ مَا نَصُّهُ الْقِسْطُ الْعَدْلُ وَمَصْدَرُ الْمُقْسِطِ الْإِقْسَاطُ يُقَالُ أَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ وَقَسَطَ إِذَا جَارَ وَيَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى مُتَقَارِبٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَدَلَ عَنْ كَذَا إِذَا مَالَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَسَطَ إِذْ عَدَلَ عَنِ الْحَقِّ وَأَقْسَطَ كَأَنَّهُ لَزِمَ الْقِسْطَ وَهُوَ الْعَدْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى.

.
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا.

     وَقَالَ  النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ انْتَهَى وَكَانَ مِنْ حَقه ان يستشهد للمعنى الثَّانِي بِالْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يحب المقسطين وَهِيَ فِي الْمَائِدَةِ وَفِي الْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أبي هُرَيْرَة رَفعه فِي ذكر عِيسَى بن مَرْيَمَ يَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا وَفِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الْمُقْسِطُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ هُوَ الْمُعْطِي عِبَادَهُ الْقِسْطَ وَهُوَ الْعَدْلُ مِنْ نَفْسِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ الْمُعْطِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ قِسْطًا مِنْ خَيْرِهِ وَقَولُهُ كَأَنَّهُ لَزِمَ الْقِسْطَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلسَّلْبِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَذَكَرَ بن الْقَطَّاعِ أَنَّ قَسَطَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَقَدْ أَجَابَ بن بطالبْنُ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ حَنَاجِرَهُمْ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ .

     قَوْلُهُ  قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ عَلَامَتُهُمْ وَالسَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ .

     قَوْلُهُ  التَّحْلِيقُ أَوْ قَالَ التَّسْبِيدُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بِمَعْنَى التَّحْلِيقِ وَقِيلَ أَبْلَغُ مِنْهُ وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِئْصَالِ وَقِيلَ إِنْ نَبَتَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ دَهْنِ الشَّعْرِ وَغَسْلُهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِيهِ إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْعَلَامَةِ وُجُودُ ذِي الْعَلَامَةِ فَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَهُوَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا لَا يَحْلِقُونَ رؤوسهم إِلَّا لِلنُّسُكِ أَوْ فِي الْحَاجَةِ وَالْخَوَارِجُ اتَّخَذُوهُ دَيْدَنًا فَصَارَ شِعَارًا لَهُمْ وَعُرِفُوا بِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَلْقُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَجَمِيعُ شُعُورِهِمْ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِفْرَاطُ فِي الْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ فِي أَمْرِ الدِّيَانَةِ.

.

قُلْتُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ طُرُقَ الْحَدِيثِ الْمُتَكَاثِرَةِ كَالصَّرِيحَةِ فِي إِرَادَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ وَالثَّالِثُ كَالثَّانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ لِابْنِ بَطَّالٍ فِي وَصْفِ الْخَوَارِجِ خَبْطٌ أَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي قَوْمٍ عَرَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ بِالنَّهْرَوَانِ حِينَ قَالُوا إِنَّكَ رَبُّنَا فَاغْتَاظَ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَ بِهِمْ فَحُرِّقُوا بِالنَّارِ فَزَادَهُمْ ذَلِكَ فِتْنَةً وَقَالُوا الْآنَ تَيَقَّنَّا أَنَّكَ رَبُّنَا إِذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ لِعَلِيٍّ فِي الْفِتَنِ وَلَيْسَتْ لِلْخَوَارِجِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلزَّنَادِقَةِ كَمَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلرَّافِعِيِّ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ قَالَ هُمْ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِرِضَاهُ بِقَتْلِهِ وَمُوَاطَأَتِهِ إِيَّاهُمْ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ كَفَرَ وَاسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَيَطْعَنُونَ لِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ انْتَهَى وَلَيْسَ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ وَصْفَ الْخَوَارِجِ الْمُبْتَدِعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفُ النَّوَاصِبِ أَتْبَاعِ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ.

.
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَمِنْ مُعْتَقَدِهِمْ تَكْفِيرُ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ وَلَمْ يَزَالُوا مَعَ عَلِيٍّ حَتَّى وَقَعَ التَّحْكِيمُ بِصِفِّينَ فَأَنْكَرُوا التَّحْكِيمَ وَخَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَكَفَّرُوهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِمْ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ لِأَكْثَرِهِمْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْمَوَازِينُ جَمْعُ مِيزَانٍ وَأَصْلُهُ مِوْزَانٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكِسْرَةِ مَا قَبْلَهَا وَاخْتُلِفَ فِي ذِكْرِهِ هُنَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ هَلِ الْمُرَادُ أَنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ مِيزَانًا أَوْ لِكُلِّ عَمَلٍ مِيزَانٌ فَيَكُونُ الْجَمْعُ حَقِيقَةً أَوْ لَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَعْمَالِ أَوِ الْأَشْخَاصِ وَيَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْأَعْمَالِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَمَنْ خفت مَوَازِينه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُلِلتَّفْخِيمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَذَّبَتْ قَوْمُ نوح الْمُرْسلين مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ إِلَّا وَاحِدٌ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَلَا يُشْكِلُ بِكَثْرَةِ مَنْ يُوزَنُ عَمَلُهُ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ لَا تُكَيَّفُ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ وَهُوَ نَعْتُ الْمَوَازِينِ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا وَهِيَ جَمْعٌ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ قَالَ الطَّبَرِيُّ الْقِسْطُ الْعَدْلُ وَجُعِلَ وَهُوَ مُفْرَدٌ مِنْ نَعْتِ الْمَوَازِينِ وَهِيَ جَمْعٌ لِأَنَّهُ كَقَوْلِكَ عَدْلٌ وَرِضًا.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ الْمَعْنَى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ ذَوَاتَ الْقِسْطِ وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ يُقَالُ مِيزَانُ قِسْطٍ وَمِيزَانَانِ قِسْطٍ وَمَوَازِينُ قِسْطٍ وَقِيلَ هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ الْقِسْطِ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلتَّعْلِيلِ مَعَ حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لِحِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنى فِي كَذَا جزم بِهِ بن قُتَيْبَة وَاخْتَارَهُ بن مَالِكٍ وَقِيلَ لِلتَّوْقِيتِ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامِ سَابِعٌ وَحَكَى حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ رَدًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْمِيزَانَ مَا مَعْنَاهُ قَالَ الله تَعَالَى وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة وَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ رَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْقَابِسِيِّ وَطَائِفَةٍ وَأَقْوَالَهُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَعْمَالِ وَظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ لَكِنْ خَصَّ مِنْهُ طَائِفَتَانِ فَمِنَ الْكُفَّارِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ إِلَّا الْكُفْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي النَّارِ مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ وَلَا مِيزَانٍ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا سَيِّئَةَ لَهُ وَلَهُ حَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَحْضِ الْإِيمَانِ فَهَذَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ كَمَا فِي قِصَّةِ السَّبْعِينَ أَلْفًا وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِمْ وَهُمُ الَّذِينَ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَمَنْ عَدَا هَذَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ يُحَاسَبُونَ وَتُعْرَضُ أَعْمَالُهُمْ عَلَى الْمَوَازِينِ وَيَدُلُّ عَلَى مُحَاسَبَةِ الْكُفَّارِ وَوَزْنِ أَعْمَالِهِمْ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى قَوْلِهِ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فكنتم بهَا تكذبون وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ الْكَافِرُ لَا ثَوَابَ لَهُ وَعَمَلُهُ مُقَابَلٌ بِالْعَذَابِ فَلَا حَسَنَةَ لَهُ تُوزَنُ فِي مَوَازِينِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَا حَسَنَةَ لَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة وزنا وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ فِي الْكَافِرِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَتُعُقِّبَ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ حَقَارَةِ قَدْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوَزْنِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي صِفَةِ وَزْنِ عَمَلِ الْكَافِرِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُفْرَهُ يُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ وَلَا يَجِدُ لَهُ حَسَنَةً يَضَعُهَا فِي الْأُخْرَى فَتَطِيشُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا قَالَ وَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمِيزَانَ بِالْخِفَّةِ لَا الْمَوْزُونَ ثَانِيهُمَا قَدْ يَقَعُ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ الْمَالِيَّةِ مِمَّا لَوْ فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ لَكَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ جُمِعَتْ وَوُضِعَتْ غَيْرَ أَنَّ الْكُفْرَ إِذَا قَابَلَهَا رَجَحَ بِهَا.

.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجَازَى بِهَا عَمَّا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ ظُلْمِ الْعِبَادِ مَثَلًا فَإِنِ اسْتَوَتْ عُذِّبَ بِكُفْرِهِ مَثَلًا فَقَطْ وَإِلَّا زِيدَ عَذَابُهُ بِكُفْرِهِ أَوْ خُفِّفَ عَنْهُ كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمِيزَانِ وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَيَمِيلُ بِالْأَعْمَالِ وَأَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ وَقَالُوا هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَدْلِ فَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَضَعُ الْمَوَازِينَ لِوَزْنِ الْأَعْمَالِ لِيَرَى الْعِبَادُ أَعْمَالَهُمْ مُمَثَّلَةً لِيَكُونُوا على أنفسهم شَاهِدين.

     وَقَالَ  بن فَوْرَكٍ أَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَاضَ يَسْتَحِيلُ وَزْنُهَا إِذْ لَا تَقُومُ بِأَنْفُسِهَا قَالَ وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْلِبُ الْأَعْرَاضَ أَجْسَامًا فَيَزِنُهَا انْتَهَى وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الْمِيزَانَ بِمَعْنَى الْعَدْلِوَالْقَضَاء فأسند الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة قَالَ إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ كَمَا يَجُوزُ وَزْنُ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْحَطُّ وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمَوَازِينُ الْعَدْلُ وَالرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ يُوضَعُ الْمِيزَانُ وَلَهُ كِفَتَّانِ لَوْ وُضِعَ فِي إِحْدَاهُمَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ لَوَسِعَتْهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ذُكِرَ الْمِيزَانُ عِنْدَ الْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ قِيلَ إِنَّمَا تُوزَنُ الصُّحُفُ.

.
وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّهَا أَعْرَاضٌ فَلَا تُوصَفُ بِثِقَلٍ وَلَا خِفَّةٍ وَالْحَقُّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَعْمَالَ حِينَئِذٍ تُجَسَّدُ أَوْ تُجْعَلُ فِي أَجْسَامٍ فَتَصِيرُ أَعْمَالُ الطَّائِعِينَ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَأَعْمَالُ الْمُسِيئِينَ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ ثُمَّ تُوزَنُ وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الَّذِي يُوزَنُ الصَّحَائِفُ الَّتِي تُكْتَبُ فِيهَا الْأَعْمَال وَنقل عَن بن عُمَرَ قَالَ تُوزَنُ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ قَالَ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالصُّحُفُ أَجْسَامٌ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ الْبِطَاقَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِيهِ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ انْتَهَى وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ النَّارَ قِيلَ فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ قَالَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ أَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ فِي فَوَائِدِهِ وَعند بن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنِ حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا أَنَّ صَاحِبَ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ الْقِسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ رجل عَن مُجَاهِد وَعَن وَرْقَاء عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم قَالَ هُوَ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ مَعْنَى قَوْله وزنوا بالقسطاس بالميزان.

     وَقَالَ  بن دُرَيْدٍ مِثْلَهُ وَزَادَ وَهُوَ رُومِيٌّ عُرِّبَ وَيُقَالُ قِسْطَارٌ بِالرَّاءِ آخِرَهُ بَدَلَ السِّينِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْقِسْطَاسُ أَعْدَلُ الْمَوَازِينِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِضَمِّهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ .

     قَوْلُهُ  وَيُقَالُ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهُوَ الْعَادِلُ.

.
وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ قَالَ الْفَرَّاءُ الْقَاسِطُونَ الْجَائِرُونَ وَالْمُقْسِطُونَ الْعَادِلُونَ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ الْقِسْطُ النَّصِيبُ بِالْعَدْلِ كَالنِّصْفِ وَالنَّصَفَةِ وَالْقَسْطُ بِفَتْحِ الْقَافِ أَنْ يَأْخُذَ قِسْطَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ جَوْرٌ وَالْإِقْسَاطُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ قِسْطَهُ وَذَلِكَ إِنْصَافٌ وَلِذَلِكَ قِيلَ قَسَطَ إِذَا جَارَ وَأَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْقِسْطُ النَّصِيبُ إِذَا تَقَاسَمُوهُ بِالسَّوِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ مُتَعَقِّبًا عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ مَا نَصُّهُ الْقِسْطُ الْعَدْلُ وَمَصْدَرُ الْمُقْسِطِ الْإِقْسَاطُ يُقَالُ أَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ وَقَسَطَ إِذَا جَارَ وَيَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى مُتَقَارِبٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَدَلَ عَنْ كَذَا إِذَا مَالَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَسَطَ إِذْ عَدَلَ عَنِ الْحَقِّ وَأَقْسَطَ كَأَنَّهُ لَزِمَ الْقِسْطَ وَهُوَ الْعَدْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى.

.
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا.

     وَقَالَ  النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ انْتَهَى وَكَانَ مِنْ حَقه ان يستشهد للمعنى الثَّانِي بِالْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يحب المقسطين وَهِيَ فِي الْمَائِدَةِ وَفِي الْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أبي هُرَيْرَة رَفعه فِي ذكر عِيسَى بن مَرْيَمَ يَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا وَفِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الْمُقْسِطُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ هُوَ الْمُعْطِي عِبَادَهُ الْقِسْطَ وَهُوَ الْعَدْلُ مِنْ نَفْسِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ الْمُعْطِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ قِسْطًا مِنْ خَيْرِهِ وَقَولُهُ كَأَنَّهُ لَزِمَ الْقِسْطَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلسَّلْبِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَذَكَرَ بن الْقَطَّاعِ أَنَّ قَسَطَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَقَدْ أَجَابَ بن بطال( قَولُهُ بَابُ قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ وَتِلَاوَتُهُمْ لَا تُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْمُرَادُ بِالْفَاجِرِ الْمُنَافِقُ بِقَرِينَةٍ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلْمُؤْمِنِ فِي الْحَدِيثِ يَعْنِي الْأَوَّلَ وَمُقَابِلًا لَهُ فَعَطْفُ الْمُنَافِقِ عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ قَالَ وَقَولُهُ وَتِلَاوَتُهُمْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ وَإِنَّمَا جَمَعَ الضَّمِيرَ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ قَالَ وَزِيدَ فِي بَعْضِهَا وَأَصْوَاتُهُمْ.

.

قُلْتُ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قِرَاءَةُ الْفَاجِرِ أَوِ الْمُنَافِقِ بِالشَّكِّ وَهُوَ يُؤَيِّدُ تَأْوِيلَ الْكِرْمَانِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّنْوِيعِ وَالْفَاجِرُ أَعَمُّ مِنَ الْمُنَافِقِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَهُوَ الْأَشْعَرِيُّ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَبْوَابِ أَنَّ التِّلَاوَةَ مُتَفَاوِتَةٌ بِتَفَاوُتِ التَّالِي فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ عَمَلِهِ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ مَعْنَى هَذَا الْبَابِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ لَا تَرْتَفِعُ إِلَى اللَّهِ وَلَا تَزْكُو عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يَزْكُو عِنْدَهُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ وَكَانَ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَشَبَّهَهُ بِالرَّيْحَانَةِ حِينَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِبَرَكَةِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَفُزْ بِحَلَاوَةِ أَجْرِهِ فَلَمْ يُجَاوِزِ الطِّيبُ مَوْضِعَ الصَّوْتِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَلَا اتَّصَلَ بِالْقَلْبِ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ الْحَدِيثُ الثَّانِي

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :7163 ... غــ :7562] .

     قَوْلُهُ  عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ هُوَ أَخُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا الصَّحَابِيَّ وَقَدْ دَخَلَ الْبَصْرَةَ .

     قَوْلُهُ  يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ أَنَّهُمْ الْخَوَارِجُ وَبَيَانُ مَبْدَأِ أَمْرِهِمْ وَمَا وَرَدَ فِيهِمْ وَكَانَ ابْتِدَاءُ خُرُوجِهِمْ فِي الْعِرَاقِ وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ .

     قَوْلُهُ  لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ جَمْعُ تَرْقُوَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ نَقْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ وَذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ بِلَفْظِ حَنَاجِرَهُمْ جَمْعُ حَنْجَرَةٍ وَهِيَ الْحُلْقُومُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحُلْقُومِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ وَقَدْ رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بْنُ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ حَنَاجِرَهُمْ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ .

     قَوْلُهُ  قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ عَلَامَتُهُمْ وَالسَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ .

     قَوْلُهُ  التَّحْلِيقُ أَوْ قَالَ التَّسْبِيدُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بِمَعْنَى التَّحْلِيقِ وَقِيلَ أَبْلَغُ مِنْهُ وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِئْصَالِ وَقِيلَ إِنْ نَبَتَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ دَهْنِ الشَّعْرِ وَغَسْلُهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِيهِ إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْعَلَامَةِ وُجُودُ ذِي الْعَلَامَةِ فَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَهُوَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا لَا يَحْلِقُونَ رؤوسهم إِلَّا لِلنُّسُكِ أَوْ فِي الْحَاجَةِ وَالْخَوَارِجُ اتَّخَذُوهُ دَيْدَنًا فَصَارَ شِعَارًا لَهُمْ وَعُرِفُوا بِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَلْقُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَجَمِيعُ شُعُورِهِمْ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِفْرَاطُ فِي الْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ فِي أَمْرِ الدِّيَانَةِ.

.

قُلْتُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ طُرُقَ الْحَدِيثِ الْمُتَكَاثِرَةِ كَالصَّرِيحَةِ فِي إِرَادَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ وَالثَّالِثُ كَالثَّانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ لِابْنِ بَطَّالٍ فِي وَصْفِ الْخَوَارِجِ خَبْطٌ أَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي قَوْمٍ عَرَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ بِالنَّهْرَوَانِ حِينَ قَالُوا إِنَّكَ رَبُّنَا فَاغْتَاظَ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَ بِهِمْ فَحُرِّقُوا بِالنَّارِ فَزَادَهُمْ ذَلِكَ فِتْنَةً وَقَالُوا الْآنَ تَيَقَّنَّا أَنَّكَ رَبُّنَا إِذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ لِعَلِيٍّ فِي الْفِتَنِ وَلَيْسَتْ لِلْخَوَارِجِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلزَّنَادِقَةِ كَمَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلرَّافِعِيِّ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ قَالَ هُمْ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِرِضَاهُ بِقَتْلِهِ وَمُوَاطَأَتِهِ إِيَّاهُمْ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَدْ كَفَرَ وَاسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَيَطْعَنُونَ لِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ انْتَهَى وَلَيْسَ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ وَصْفَ الْخَوَارِجِ الْمُبْتَدِعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفُ النَّوَاصِبِ أَتْبَاعِ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ.

.
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَمِنْ مُعْتَقَدِهِمْ تَكْفِيرُ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ وَلَمْ يَزَالُوا مَعَ عَلِيٍّ حَتَّى وَقَعَ التَّحْكِيمُ بِصِفِّينَ فَأَنْكَرُوا التَّحْكِيمَ وَخَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَكَفَّرُوهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِمْ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :7163 ... غــ : 7562 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ».
قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: «سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ -أَوْ قَالَ- التَّسْبِيدُ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: ( حدّثنا مهدي بن ميمون) الأزدي قال: ( سمعت محمد بن سيرين) أبا بكر أحد الأعلام ( يحدّث عن) أخيه ( معبد بن سيرين) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها موحدة مفتوحة فدال مهملة ( عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( يخرج ناس من قِبل المشرق) أي من جهة مشرق المدينة كنجد وما بعده وهم الخوارج ومن معتقدهم تكفير عثمان -رضي الله عنه- وأنه قتل بحق ولم يزالوا مع عليّ حتى وقع التحكيم بصفين فأنكروا التحكيم وخرجوا على عليّ وكفّروه ( ويقرؤون) بالواو ولأبي ذر يقرؤون ( القرآن لا يجاوز تراقيهم) بالنصب على المفعولية جمع ترقوة بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو العظم الذي بين ثغرة النحر والعنق وهذا موضع الترجمة ( يمرقون) بضم الراء يخرجون ( من الدين كما يمرق السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية أي المرمي إليها ( ثم لا يعودون فيه) أي في الدين وسقط ثم في بعض النسخ ( حتى يعود السهم إلى فوقه) بضم الفاء موضع الوتر من السهم وهو لا يعود إلى فوقه قط بنفسه ( قيل ما سيماهم) بكسر السين المهملة مقصورًا ما علامتهم؟ قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- والسائل لم أقف على تعيينه ( قال) عليه الصلاة والسلام ( سيماهم) أي علامتهم ( التحليق) أي إزالة الشعر أو إزالة شعر الرأس.
قال الحافظ ابن حجر: طرق الحديث المتكاثرة كالصريحة في إرادة حلق الرأس وإنما كان هذا علامتهم وإن كان غيرهم يحلق رأسه أيضًا لأنهم جعلوا الحلق لهم دائمًا زمن الصحابة إنما كانوا يحلقون رؤوسهم في نسك أو حاجة وقيل المراد حلق الرأس واللحية وجميع الشعور ( أو قال: التسبيد) بفوقية مفتوحة فسين
مهملة ساكنة وبعد الموحدة المكسورة تحتية ساكنة فدال مهملة وهو بمعنى التحليق أو هو أبلغ منه استئصال الشعر أو ترك غسله وترك دهنه والشك من الراوي ولما كان آخر الأمور التي يظهر بها المفلح من الخاسر ثقل الموازين وخفتها جعله المؤلف آخر تراجم كتابه فبدأ بحديث الأعمال بالنيات وذلك في الدنيا وختم بأن الأعمال توزن يوم القيامة إشارة إلى أنه إنما يتقبل منها ما كان بالنية الخالصة لله تعالى فقال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :7163 ... غــ :7562 ]
- حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حَدثنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيرين، يُحَدِّثُ عنْ مَعْبَدِ بنِ سِيرين عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَخْرُجُ ناسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ ويَقْرأونَ القُرْآنَ لَا يُجاوِزُ تَراقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودونَ فِيهِ حتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ، قِيلَ: مَا سِيْماهُمْ؟ قَالَ: سِيْماهُمُ التَّحْلِيقُ أوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم
وَأخرجه عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل عَن مهْدي بن مَيْمُون الْأَزْدِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أَخِيه معبد بن سِيرِين بِفَتْح الْمِيم، وَالْأَرْبَعَة بصريون.

قَوْله: يخرج نَاس من قبل الْمشرق تقدم فِي الْفِتَن أَنهم: الْخَوَارِج.
قَوْله: تراقيهم جمع ترقوة بِفَتْح أَوله وَسُكُون الرَّاء وَضم الْقَاف وَفتح الْوَاو وَهِي الْعظم الَّذِي بَين نقرة النَّحْر والعاتق.
قَوْله: يَمْرُقُونَ أَي: يخرجُون.
قَوْله: من الرَّمية بِكَسْر الْمِيم الْخَفِيفَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، فعيلة بِمَعْنى المرمية أَي: المرمى إِلَيْهَا.
قَوْله: إِلَى فَوْقه بِضَم الْفَاء وَهُوَ مَوضِع الْوتر من السهْم.
قَوْله: مَا سِيمَاهُمْ؟ بِكَسْر الْمُهْملَة مَقْصُورا وممدوداً: الْعَلامَة.
قَوْله: التحليق هُوَ إِزَالَة الشّعْر.
قَوْله: أَو التسبيد بِالْمُهْمَلَةِ وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ استيصال الشّعْر.
فَإِن قلت: يلْزم من وجود الْعَلامَة وجود ذِي الْعَلامَة، فَكل محلوق الرَّأْس مِنْهُم لكنه خلاف الْإِجْمَاع.
قلت: كَانَ فِي عهد الصَّحَابَة لَا يحلقون رؤوسهم إلاَّ فِي النّسك أَو الْحَاجة، وَأما هَؤُلَاءِ فقد جعلُوا الْحلق شعارهم، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ حلق الرَّأْس واللحية وَجَمِيع شُعُورهمْ.