هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
7 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ : أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا ، فَقَالَ : أَدْنُوهُ مِنِّي ، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ . فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ . ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ : هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ ، قَالَ : فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ؟ قُلْتُ : لاَ قَالَ : فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ قُلْتُ : بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ : فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ قُلْتُ : لاَ ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا ، قَالَ : وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الكَلِمَةِ ، قَالَ : فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قُلْتُ : الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ . قَالَ : مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ : قُلْ لَهُ : سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا . وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْلَ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ ، لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ . وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ، قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلْتُكَ ، هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ . وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ . وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ . وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ . وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ . وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ . ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ : سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ { يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ . وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ ، صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ ، سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ : قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ : وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ : إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ؟ قَالُوا : لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا اليَهُودُ ، فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ اليَهُودِ . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ ، أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ : اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ ، وَسَأَلَهُ عَنِ العَرَبِ ، فَقَالَ : هُمْ يَخْتَتِنُونَ ، فَقَالَ هِرَقْلُ : هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ . ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي العِلْمِ ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرُّشْدِ ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ ، قَالَ : رُدُّوهُمْ عَلَيَّ ، وَقَالَ : إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَيُونُسُ ، وَمَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
7 حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أن عبد الله بن عباس ، أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره : أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشأم في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش ، فأتوه وهم بإيلياء ، فدعاهم في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه ، فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم نسبا ، فقال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه . فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه . ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب ، قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها ، قال : ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة ، قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم . قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ، ينال منا وننال منه . قال : ماذا يأمركم ؟ قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة . فقال للترجمان : قل له : سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله ، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله . وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت فلو كان من آبائه من ملك ، قلت رجل يطلب ملك أبيه ، وسألتك ، هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله . وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل . وسألتك أيزيدون أم ينقصون ، فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم . وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب . وسألتك هل يغدر ، فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر . وسألتك بما يأمركم ، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه . ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل ، فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } قال أبو سفيان : فلما قال ما قال ، وفرغ من قراءة الكتاب ، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا ، فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر . فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام . وكان ابن الناظور ، صاحب إيلياء وهرقل ، سقفا على نصارى الشأم يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء ، أصبح يوما خبيث النفس ، فقال بعض بطارقته : قد استنكرنا هيئتك ، قال ابن الناظور : وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم ، فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر ، فمن يختتن من هذه الأمة ؟ قالوا : ليس يختتن إلا اليهود ، فلا يهمنك شأنهم ، واكتب إلى مداين ملكك ، فيقتلوا من فيهم من اليهود . فبينما هم على أمرهم ، أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما استخبره هرقل قال : اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ، فنظروا إليه ، فحدثوه أنه مختتن ، وسأله عن العرب ، فقال : هم يختتنون ، فقال هرقل : هذا ملك هذه الأمة قد ظهر . ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية ، وكان نظيره في العلم ، وسار هرقل إلى حمص ، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه نبي ، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ، ثم اطلع فقال : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم ، فتبايعوا هذا النبي ؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى هرقل نفرتهم ، وأيس من الإيمان ، قال : ردوهم علي ، وقال : إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه ، فكان ذلك آخر شأن هرقل رواه صالح بن كيسان ، ويونس ، ومعمر ، عن الزهري
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ  أَنَّ  أَبا سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ : أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا ، فَقَالَ : أَدْنُوهُ مِنِّي ، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ . فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ . ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ : هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ ، قَالَ : فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ؟ قُلْتُ : لاَ قَالَ : فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ قُلْتُ : بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ : فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ قُلْتُ : لاَ ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا ، قَالَ : وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الكَلِمَةِ ، قَالَ : فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قُلْتُ : الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ . قَالَ : مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ : قُلْ لَهُ : سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا . وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْلَ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ ، لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ . وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ، قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلْتُكَ ، هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ . وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ . وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ . وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ . وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ . وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ . ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ : سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ { يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ . وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ ، صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ ، سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ : قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ : وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ : إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ؟ قَالُوا : لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا اليَهُودُ ، فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ اليَهُودِ . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ ، أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ : اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ ، وَسَأَلَهُ عَنِ العَرَبِ ، فَقَالَ : هُمْ يَخْتَتِنُونَ ، فَقَالَ هِرَقْلُ : هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ . ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي العِلْمِ ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرُّشْدِ ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ ، قَالَ : رُدُّوهُمْ عَلَيَّ ، وَقَالَ : إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ.

Narrated 'Abdullah bin 'Abbas:

Abu Sufyan bin Harb informed me that Heraclius had sent a messenger to him while he had been accompanying a caravan from Quraish. They were merchants doing business in Sham (Syria, Palestine, Lebanon and Jordan), at the time when Allah's Messenger (ﷺ) had truce with Abu Sufyan and Quraish infidels. So Abu Sufyan and his companions went to Heraclius at Ilya (Jerusalem). Heraclius called them in the court and he had all the senior Roman dignitaries around him. He called for his translator who, translating Heraclius's question said to them, Who amongst you is closely related to that man who claims to be a Prophet? Abu Sufyan replied, I am the nearest relative to him (amongst the group).

Heraclius said, Bring him (Abu Sufyan) close to me and make his companions stand behind him. Abu Sufyan added, Heraclius told his translator to tell my companions that he wanted to put some questions to me regarding that man (The Prophet) and that if I told a lie they (my companions) should contradict me. Abu Sufyan added, By Allah! Had I not been afraid of my companions labeling me a liar, I would not have spoken the truth about the Prophet. The first question he asked me about him was:

'What is his family status amongst you?'

I replied, 'He belongs to a good (noble) family amongst us.'

Heraclius further asked, 'Has anybody amongst you ever claimed the same (i.e. to be a Prophet) before him?'

I replied, 'No.'

He said, 'Was anybody amongst his ancestors a king?'

I replied, 'No.'

Heraclius asked, 'Do the nobles or the poor follow him?'

I replied, 'It is the poor who follow him.'

He said, 'Are his followers increasing decreasing (day by day)?'

I replied, 'They are increasing.'

He then asked, 'Does anybody amongst those who embrace his religion become displeased and renounce the religion afterwards?'

I replied, 'No.'

Heraclius said, 'Have you ever accused him of telling lies before his claim (to be a Prophet)?'

I replied, 'No. '

Heraclius said, 'Does he break his promises?'

I replied, 'No. We are at truce with him but we do not know what he will do in it.' I could not find opportunity to say anything against him except that.

Heraclius asked, 'Have you ever had a war with him?'

I replied, 'Yes.'

Then he said, 'What was the outcome of the battles?'

I replied, 'Sometimes he was victorious and sometimes we.'

Heraclius said, 'What does he order you to do?'

I said, 'He tells us to worship Allah and Allah alone and not to worship anything along with Him, and to renounce all that our ancestors had said. He orders us to pray, to speak the truth, to be chaste and to keep good relations with our Kith and kin.'

Heraclius asked the translator to convey to me the following, I asked you about his family and your reply was that he belonged to a very noble family. In fact all the Apostles come from noble families amongst their respective peoples. I questioned you whether anybody else amongst you claimed such a thing, your reply was in the negative. If the answer had been in the affirmative, I would have thought that this man was following the previous man's statement. Then I asked you whether anyone of his ancestors was a king. Your reply was in the negative, and if it had been in the affirmative, I would have thought that this man wanted to take back his ancestral kingdom.

I further asked whether he was ever accused of telling lies before he said what he said, and your reply was in the negative. So I wondered how a person who does not tell a lie about others could ever tell a lie about Allah. I, then asked you whether the rich people followed him or the poor. You replied that it was the poor who followed him. And in fact all the Apostle have been followed by this very class of people. Then I asked you whether his followers were increasing or decreasing. You replied that they were increasing, and in fact this is the way of true faith, till it is complete in all respects. I further asked you whether there was anybody, who, after embracing his religion, became displeased and discarded his religion. Your reply was in the negative, and in fact this is (the sign of) true faith, when its delight enters the hearts and mixes with them completely. I asked you whether he had ever betrayed. You replied in the negative and likewise the Apostles never betray. Then I asked you what he ordered you to do. You replied that he ordered you to worship Allah and Allah alone and not to worship any thing along with Him and forbade you to worship idols and ordered you to pray, to speak the truth and to be chaste. If what you have said is true, he will very soon occupy this place underneath my feet and I knew it (from the scriptures) that he was going to appear but I did not know that he would be from you, and if I could reach him definitely, I would go immediately to meet him and if I were with him, I would certainly wash his feet.' Heraclius then asked for the letter addressed by Allah's Apostle

which was delivered by Dihya to the Governor of Busra, who forwarded it to Heraclius to read. The contents of the letter were as follows: In the name of Allah the Beneficent, the Merciful (This letter is) from Muhammad the slave of Allah and His Apostle to Heraclius the ruler of Byzantine. Peace be upon him, who follows the right path. Furthermore I invite you to Islam, and if you become a Muslim you will be safe, and Allah will double your reward, and if you reject this invitation of Islam you will be committing a sin by misguiding your Arisiyin (peasants). (And I recite to you Allah's Statement:)

'O people of the scripture! Come to a word common to you and us that we worship none but Allah and that we associate nothing in worship with Him, and that none of us shall take others as Lords beside Allah. Then, if they turn away, say: Bear witness that we are Muslims (those who have surrendered to Allah).' (3:64).

Abu Sufyan then added, When Heraclius had finished his speech and had read the letter, there was a great hue and cry in the Royal Court. So we were turned out of the court. I told my companions that the question of Ibn-Abi-Kabsha) (the Prophet (ﷺ) Muhammad) has become so prominent that even the King of Bani Al-Asfar (Byzantine) is afraid of him. Then I started to become sure that he (the Prophet) would be the conqueror in the near future till I embraced Islam (i.e. Allah guided me to it).

The sub narrator adds, Ibn An-Natur was the Governor of llya' (Jerusalem) and Heraclius was the head of the Christians of Sham. Ibn An-Natur narrates that once while Heraclius was visiting ilya' (Jerusalem), he got up in the morning with a sad mood. Some of his priests asked him why he was in that mood? Heraclius was a foreteller and an astrologer. He replied, 'At night when I looked at the stars, I saw that the leader of those who practice circumcision had appeared (become the conqueror). Who are they who practice circumcision?' The people replied, 'Except the Jews nobody practices circumcision, so you should not be afraid of them (Jews).

'Just Issue orders to kill every Jew present in the country.'

While they were discussing it, a messenger sent by the king of Ghassan to convey the news of Allah's Messenger (ﷺ) to Heraclius was brought in. Having heard the news, he (Heraclius) ordered the people to go and see whether the messenger of Ghassan was circumcised. The people, after seeing him, told Heraclius that he was circumcised. Heraclius then asked him about the Arabs. The messenger replied, 'Arabs also practice circumcision.'

(After hearing that) Heraclius remarked that sovereignty of the 'Arabs had appeared. Heraclius then wrote a letter to his friend in Rome who was as good as Heraclius in knowledge. Heraclius then left for Homs. (a town in Syrian and stayed there till he received the reply of his letter from his friend who agreed with him in his opinion about the emergence of the Prophet (ﷺ) and the fact that he was a Prophet. On that Heraclius invited all the heads of the Byzantines to assemble in his palace at Homs. When they assembled, he ordered that all the doors of his palace be closed. Then he came out and said, 'O Byzantines! If success is your desire and if you seek right guidance and want your empire to remain then give a pledge of allegiance to this Prophet (i.e. embrace Islam).'

(On hearing the views of Heraclius) the people ran towards the gates of the palace like onagers but found the doors closed. Heraclius realized their hatred towards Islam and when he lost the hope of their embracing Islam, he ordered that they should be brought back in audience.

(When they returned) he said, 'What already said was just to test the strength of your conviction and I have seen it.' The people prostrated before him and became pleased with him, and this was the end of Heraclius's story (in connection with his faith).

0007 ‘Ubayd-ul-Lâh ben ‘Abd-ul-Lâh ben ‘Utba ben Mas’ûd dit qu’Abd-ul-Lâh ben ‘Abbâs l’informa que ‘Abu Sufuân ben Harb l’avait informé de ceci :Durant la trêve d’al-Hudaybiya que le Messager de dieu avait conclue avec les mécréants de Quraych et Abu-Sufyân, et au moment où celui-ci était en Syrie, dans une caravane de quelques marchands Quraychites, il (Abu Sufyân) se vit mandé par Héraclius qui se trouvait ‘avec sa suite) à Ilya’ (Jérusalem) au moment où ses émissaires arrivèrent auprès d’Abu Sufyân. Il (Héraclius) les convoqua alors qu’il était entouré des grands personnages de Byzance. A l’arrivée des Quraychites, Héraclius les invita à se rapprocher… avant de convoquer son interprète pour leur demander: « Lequel d’entre vous est le plus proche de cet homme qui prétend être un prophète ?  » « moi » répondit Abu Sufyân. « Qu’on le fasse rapprocher ! » commanda Héraclius « et qu’on fasse aussi rapprocher ses compagnons en les mettant derrière lui » Ensuite, Héraclius s’adressa à son interprête : « Dis-leur que je vais interroger celui-ci sur cet homme qui prétend être un prophète; s’il ment signalez-moi la chose! » Et Abu Sufyân de rapporter: « Par Dieu! si ce n’était la honte de les voir signaler mes mensonges, j’aurais menti sur le compte du Prophète. » La première chose sur laquelle il m’interrogea fut : « Quel est le rang de sa famille ? » « C’est un noble » répondis-je « Y a-t-il quelqu’un avant lui qui a tenu de tels propos ? » « Non » « L’un de ces ancêtres était-il roi ? » « Non » « Est-ce les nobles qui le suivent ou c’est le bas-peuple ? » « C’est plutôt le bas-peuple. » « Le nombre de ses partisans est-il en croissance ou en décroissance ? » « Leur nombre s’accroît. » « Est-ce que l’un d’eux apostasie après avoir embrassé cette nouvelle religion ? » « Non » « L’accusiez-vous d’être un menteur avant cela ? » « Non! » « Est-il perfide ? » « Non, mais cette période est une période de trêve et nous ne savons pas comment il va agir. » Cette phrase fut la seule que je pus dire contre le Prophète. « L’avez-vous combattu ? » reprit Héraclius. « Oui » « Comment était la chose ? » « Tantôt c’était nous qui emportions la victoire, tantôt c’était lui. » « Que vous recommande-t-il ? » « Il nous recommande d’adorer Dieu, Seul et sans aucun associé, de délaisser les croyances de nos pères, d’observer la prière et véracité, et d’être chaste. Enfin, il nous recommande aussi de maintenir les liens de parenté. » Sur ce, Héraclius s’adressa à son interprète et lui dit : « Dis-lui ce qui suit : Je t’ai interrogé sur son rang social et tu m’as répondu qu’il était noble. Or, les apôtres ont toujours appartenu aus familles les plus nobles. Je t’ai demandé s’il avait déjà été précédé par une autre personne sur ce sujet et tu m’as répondu négativement. Si ta réponse était affirmative, j’aurais dit que cet homme veut imiter une personne qui l’a déjà précédé. Aussi, je t’ai demandé si l’un de ses ancêtre était roi et tu m’as dit que non. Si par hasard l’un de ses ancêtres était roi, j’aurais cru qu’il veut avoir le trône de son père. Je t’ai en plus interrogé s’il était accusé de mensonge ou non, et tu m’as répondu que non. Ainsi, j’ai su qu’il ne pouvait guère mentir sur le compte du Seigneur tant qu’il a évité ce défaut à l’égard des hommes. Je t’ai aussi interrogé au sujet de ses partisans, et tu m’as dit que c’était le bas-peuple. Eh bien! sache que le bas-peuple a toujours été le partisans des prophètes. Et je t’ai ensuite demandé au sujet du nombre de ces partisans-là: augmente-il ou diminue-t-il ? et tu m’as dit qu’il était en croissance continue; et c’est ainsi le cas de la foi: elle augmente toujours. Quant à la conviction des nouveaux convertis, tu m’as dit qu’aucun d’eux n’apostasiait, et c’est bien là le cas de la foi quand sa douceur se mélange avec le coeur. Et sur ses engagements, tu m’as répondu qu’il ne les trahissait jamais, c’est là aussi un caractère qui appartient aux Messagers. Enfin, tu m’as dit qu’il vous recommandait d’adorer Dieu, Seul, et de ne rien Lui associer et qu’il vous exhortait à ne pas adorer les idoles, d’accomplir la prière, d’être véridique et décent. Maintenant, si ce que tu viens de dire est vrai, cet homme s’emparera même de cet endroit où je suis. Je savais bien qu’un tel personnage apparaîtra mais je n’avais jamais pensé qu’il serait l’un de vous! Si je savais que je pourrais parvenir jusqu’à lui, j’aurais tout fait pour le rencontrer; et si j’étais auprès de lui, je lui aurais lavé les pieds. » Après cela, Héraclius demanda la lettre que le Messager de Dieu avait envoyée avec Dihya au gouverneur de Bosrâ et que ce dernier avait envoyée à Héraclius. Il la lut donc et y trouva: Au nom de Dieu, le Tout miséricorde, le Miséricordieux.De Muhammad, le serviteur de Dieu et son Messager, à Héraclius, le grand chef des Byzantins.Que le salut soit sur celui qui suit la Guidance! Je t’appelle selon la formule de l’Islam: embrasse l’Islam et tu seras sauvé; tu auras de la part de Dieu une double récompense.Si jamais tu refuses tu assumeras les crimes commis contre les Ariens. O vous qui avez reçu l’Ecriture, adoptons une formule valable pour nous et pour vous impliquant que nous n’adorerons que Dieu, que nous ne lui associerons rien d’autre, que nous ne prendrons point les uns parmi les autres des maîtres en dehors de Dieu. S’ils refusent, dites-leur: « Soyez témoins qu’à la volonté de Dieu nous sommes soumis ». Et une fois la lecture de la lettre terminée, un grand bruit et des voix hautes s’élevèrent. On nous fit sortir et je dis ensuite à mes compagnons: « L’affaire d’ibn Abu Kabcha devient grave. Voilà que le roi des Byzantins le redoute maintenant! » Et c’est à partir de ces évènements que je fus sûr que le Prophète triomphera. En effet, Dieu m’a guidé vers l’Islam. Az-Zuhry de ‘Ubayd-ul-Lâh dit : Ibn an-Nâtûr, le gouverneur de ‘Ilyâ, l’ami de Héraclius et l’évêque des Chrétiens de Syrie rapporte ceci: A son arrivée à ‘Ilyâ , Héraclius devint d’une mauvaise humeur. Quelques patriarches lui dirent : »Ton air nous laisse craintifs! » Héraclius, qui était devins et aimait l’astrologie, répondit à leur question en disant : « Cette nuit, en contemplant les étoiles, j’ai vu que le seigneur des circoncis est apparu, Quel est le peuple qui pratique la circoncision ? Ce sont les Juifs, répondit-on, mais il ne faut guère leur attacher de l’importance. Envoie plutôt dans les cités de ton royaume afin qu’on y tue tous les juifs. » Entre temps, l’émissaire du roi de Ghasân arriva et informa Héraclius au sujet du Messager de Dieu. Héraclius donna ensuite l’ordre de voir si cet émissaire était circoncis ou non. La réponse fut affirmative, et on interrogea alors ce messager si les Arabes pratiquaient la circoncision ou non, et la réponse fut de nouveau affirmative. et Héraclius de s’écrier:  » Voilà que le seigneur de ce peuple est apparu! » Il adressa une lettre à un de ses amis qui était aussi savant que lui et qui habitait à Rûmiya (Rome), puis se dirigea vers Hims (émèse). La réponse à sa lettre arriva avant son arrivée à Hims, son contenu concordait avec son avis: Muhammad est vraiment un prophète. Héraclius donna alors l’ordre de faire venir à son palais de Hims les personnalités de Byzance et de fermer toutes les portes derrières eux. Cela fait, il leur dit : « O Byzantins ! Voulez-vous suivre la bonne voie et conserver votre règne ? Prêtez allégeance à cet homme !  » En entendant cela, les présents s’effarouchèrent comme des ânes sauvages et se dirigèrent vers les portes, mais ils les trouvèrent fermée. Voyant leur réaction hostile à l’égard de l’Islam, Héraclius donna l’ordre de les ramener puis leur dit : « Je n’ai fait cela que pour voir votre attachement à votre religion. Je l’ai vu… » Sur ce, ils se prosternèrent devant sa personne et se montrèrent satisfait de lui. Rapporté par : Sâlih ben Kaysân, Yûnus et Ma’mar, et ce d’az-Zuhry

":"ہم کو ابوالیمان حکم بن نافع نے حدیث بیان کی ، انہیں اس حدیث کی شعیب نے خبر دی ۔ انھوں نے زہری سے یہ حدیث سنی ۔ انہیں عبیداللہ ابن عبداللہ ابن عتبہ بن مسعود نے خبر دی کہ عبداللہ بن عباس سے ابوسفیان بن حرب نے یہ واقعہ بیان کیا کہہرقل ( شاہ روم ) نے ان کے پاس قریش کے قافلے میں ایک آدمی بلانے کو بھیجا اور اس وقت یہ لوگ تجارت کے لیے ملک شام گئے ہوئے تھے اور یہ وہ زمانہ تھا جب رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے قریش اور ابوسفیان سے ایک وقتی عہد کیا ہوا تھا ۔ جب ابوسفیان اور دوسرے لوگ ہرقل کے پاس ایلیاء پہنچے جہاں ہرقل نے دربار طلب کیا تھا ۔ اس کے گرد روم کے بڑے بڑے لوگ ( علماء وزراء امراء ) بیٹھے ہوئے تھے ۔ ہرقل نے ان کو اور اپنے ترجمان کو بلوایا ۔ پھر ان سے پوچھا کہ تم میں سے کون شخص مدعی رسالت کا زیادہ قریبی عزیز ہے ؟ ابوسفیان کہتے ہیں کہ میں بول اٹھا کہ میں اس کا سب سے زیادہ قریبی رشتہ دار ہوں ۔ ( یہ سن کر ) ہرقل نے حکم دیا کہ اس کو ( ابوسفیان کو ) میرے قریب لا کر بٹھاؤ اور اس کے ساتھیوں کو اس کی پیٹھ کے پیچھے بٹھا دو ۔ پھر اپنے ترجمان سے کہا کہ ان لوگوں سے کہہ دو کہ میں ابوسفیان سے اس شخص کے ( یعنی محمد صلی اللہ علیہ وسلم کے ) حالات پوچھتا ہوں ۔ اگر یہ مجھ سے کسی بات میں جھوٹ بول دے تو تم اس کا جھوٹ ظاہر کر دینا ، ( ابوسفیان کا قول ہے کہ ) خدا کی قسم ! اگر مجھے یہ غیرت نہ آتی کہ یہ لوگ مجھ کو جھٹلائیں گے تو میں آپ صلی اللہ علیہ وسلم کی نسبت ضرور غلط گوئی سے کام لیتا ۔ خیر پہلی بات جو ہرقل نے مجھ سے پوچھی وہ یہ کہ اس شخص کا خاندان تم لوگوں میں کیسا ہے ؟ میں نے کہا وہ تو بڑے اونچے عالی نسب والے ہیں ۔ کہنے لگا اس سے پہلے بھی کسی نے تم لوگوں میں ایسی بات کہی تھی ؟ میں نے کہا نہیں کہنے لگا ، اچھا اس کے بڑوں میں کوئی بادشاہ ہوا ہے ؟ میں نے کہا نہیں ۔ پھر اس نے کہا ، بڑے لوگوں نے اس کی پیروی اختیار کی ہے یا کمزوروں نے ؟ میں نے کہا نہیں کمزوروں نے ۔ پھر کہنے لگا ، اس کے تابعدار روز بڑھتے جاتے ہیں یا کوئی ساتھی پھر بھی جاتا ہے ؟ میں نے کہا نہیں ۔ کہنے لگا کہ کیا اپنے اس دعوائے ( نبوت ) سے پہلے کبھی ( کسی بھی موقع پر ) اس نے جھوٹ بولا ہے ؟ میں نے کہا نہیں ۔ اور اب ہماری اس سے ( صلح کی ) ایک مقررہ مدت ٹھہری ہوئی ہے ۔ معلوم نہیں وہ اس میں کیا کرنے والا ہے ۔ ( ابوسفیان کہتے ہیں ) میں اس بات کے سوا اور کوئی ( جھوٹ ) اس گفتگو میں شامل نہ کر سکا ۔ ہرقل نے کہا کیا تمہاری اس سے کبھی لڑائی بھی ہوتی ہے ؟ ہم نے کہا کہ ہاں ۔ بولا پھر تمہاری اور اس کی جنگ کا کیا حال ہوتا ہے ؟ میں نے کہا ، لڑائی ڈول کی طرح ہے ، کبھی وہ ہم سے ( میدان جنگ ) جیت لیتے ہیں اور کبھی ہم ان سے جیت لیتے ہیں ۔ ہرقل نے پوچھا ۔ وہ تمہیں کس بات کا حکم دیتا ہے ؟ میں نے کہا وہ کہتا ہے کہ صرف ایک اللہ ہی کی عبادت کرو ، اس کا کسی کو شریک نہ بناؤ اور اپنے باپ دادا کی ( شرک کی ) باتیں چھوڑ دو اور ہمیں نماز پڑھنے ، سچ بولنے ، پرہیزگاری اور صلہ رحمی کا حکم دیتا ہے ۔ ( یہ سب سن کر ) پھر ہرقل نے اپنے ترجمان سے کہا کہ ابوسفیان سے کہہ دے کہ میں نے تم سے اس کا نسب پوچھا تو تم نے کہا کہ وہ ہم میں عالی نسب ہے اور پیغمبر اپنی قوم میں عالی نسب ہی بھیجے جایا کرتے ہیں ۔ میں نے تم سے پوچھا کہ ( دعویٰ نبوت کی ) یہ بات تمہارے اندر اس سے پہلے کسی اور نے بھی کہی تھی ، تو تم نے جواب دیا کہ نہیں ، تب میں نے ( اپنے دل میں ) کہا کہ اگر یہ بات اس سے پہلے کسی نے کہی ہوتی تو میں سمجھتا کہ اس شخص نے بھی اسی بات کی تقلید کی ہے جو پہلے کہی جا چکی ہے ۔ میں نے تم سے پوچھا کہ اس کے بڑوں میں کوئی بادشاہ بھی گزرا ہے ، تم نے کہا کہ نہیں ۔ تو میں نے ( دل میں ) کہا کہ ان کے بزرگوں میں سے کوئی بادشاہ ہوا ہو گا تو کہہ دوں گا کہ وہ شخص ( اس بہانہ ) اپنے آباء و اجداد کی بادشاہت اور ان کا ملک ( دوبارہ ) حاصل کرنا چاہتا ہے ۔ اور میں نے تم سے پوچھا کہ اس بات کے کہنے ( یعنی پیغمبری کا دعویٰ کرنے ) سے پہلے تم نے کبھی اس کو دروغ گوئی کا الزام لگایا ہے ؟ تم نے کہا کہ نہیں ۔ تو میں نے سمجھ لیا کہ جو شخص آدمیوں کے ساتھ دروغ گوئی سے بچے وہ اللہ کے بارے میں کیسے جھوٹی بات کہہ سکتا ہے ۔ اور میں نے تم سے پوچھا کہ بڑے لوگ اس کے پیرو ہوتے ہیں یا کمزور آدمی ۔ تم نے کہا کمزوروں نے اس کی اتباع کی ہے ، تو ( دراصل ) یہی لوگ پیغمبروں کے متبعین ہوتے ہیں ۔ اور میں نے تم سے پوچھا کہ اس کے ساتھی بڑھ رہے ہیں یا کم ہو رہے ہیں ۔ تم نے کہا کہ وہ بڑھ رہے ہیں اور ایمان کی کیفیت یہی ہوتی ہے ۔ حتیٰ کہ وہ کامل ہو جاتا ہے اور میں نے تم سے پوچھا کہ آیا کوئی شخص اس کے دین سے ناخوش ہو کر مرتد بھی ہو جاتا ہے تم نے کہا نہیں ، تو ایمان کی خاصیت بھی یہی ہے جن کے دلوں میں اس کی مسرت رچ بس جائے وہ اس سے لوٹا نہیں کرتے ۔ اور میں نے تم سے پوچھا کہ آیا وہ کبھی عہد شکنی کرتے ہیں ۔ تم نے کہا نہیں ، پیغمبروں کا یہی حال ہوتا ہے ، وہ عہد کی خلاف ورزی نہیں کرتے ۔ اور میں نے تم سے کہا کہ وہ تم سے کس چیز کے لیے کہتے ہیں ۔ تم نے کہا کہ وہ ہمیں حکم دیتے ہیں کہ اللہ کی عبادت کرو ، اس کے ساتھ کسی کو شریک نہ ٹھہراؤ اور تمہیں بتوں کی پرستش سے روکتے ہیں ۔ سچ بولنے اور پرہیزگاری کا حکم دیتے ہیں ۔ لہٰذا اگر یہ باتیں جو تم کہہ رہے ہو سچ ہیں تو عنقریب وہ اس جگہ کا مالک ہو جائے گا کہ جہاں میرے یہ دونوں پاؤں ہیں ۔ مجھے معلوم تھا کہ وہ ( پیغمبر ) آنے والا ہے ۔ مگر مجھے یہ معلوم نہیں تھا کہ وہ تمہارے اندر ہو گا ۔ اگر میں جانتا کہ اس تک پہنچ سکوں گا تو اس سے ملنے کے لیے ہر تکلیف گوارا کرتا ۔ اگر میں اس کے پاس ہوتا تو اس کے پاؤں دھوتا ۔ ہرقل نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم وہ خط منگایا جو آپ نے دحیہ کلبی رضی اللہ عنہ کے ذریعہ حاکم بصریٰ کے پاس بھیجا تھا اور اس نے وہ ہرقل کے پاس بھیج دیا تھا ۔ پھر اس کو پڑھا تو اس میں ( لکھا تھا ) : ¤¤ اللہ کے نام کے ساتھ جو نہایت مہربان اور رحم والا ہے ۔ ¤ اللہ کے بندے اور اس کے پیغمبر محمد صلی اللہ علیہ وسلم کی طرف سے یہ خط ہے شاہ روم کے لیے ۔ اس شخص پر سلام ہو جو ہدایت کی پیروی کرے اس کے بعد میں آپ کے سامنے دعوت اسلام پیش کرتا ہوں ۔ اگر آپ اسلام لے آئیں گے تو ( دین و دنیا میں ) سلامتی نصیب ہو گی ۔ اللہ آپ کو دوہرا ثواب دے گا اور اگر آپ ( میری دعوت سے ) روگردانی کریں گے تو آپ کی رعایا کا گناہ بھی آپ ہی پر ہو گا ۔ اور اے اہل کتاب ! ایک ایسی بات پر آ جاؤ جو ہمارے اور تمہارے درمیان یکساں ہے ۔ وہ یہ کہ ہم اللہ کے سوا کسی کی عبادت نہ کریں اور کسی کو اس کا شریک نہ ٹھہرائیں اور نہ ہم میں سے کوئی کسی کو خدا کے سوا اپنا رب بنائے ۔ پھر اگر وہ اہل کتاب ( اس بات سے ) منہ پھیر لیں تو ( مسلمانو ! ) تم ان سے کہہ دو کہ ( تم مانو یا نہ مانو ) ہم تو ایک خدا کے اطاعت گزار ہیں ۔ ابوسفیان کہتے ہیں : جب ہرقل نے جو کچھ کہنا تھا کہہ دیا اور خط پڑھ کر فارغ ہوا تو اس کے اردگرد بہت شور و غوغہ ہوا ، بہت سی آوازیں اٹھیں اور ہمیں باہر نکال دیا گیا ۔ تب میں نے اپنے ساتھیوں سے کہا کہ ابوکبشہ کے بیٹے ( آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم ) کا معاملہ تو بہت بڑھ گیا ( دیکھو تو ) اس سے بنی اصفر ( روم ) کا بادشاہ بھی ڈرتا ہے ۔ مجھے اس وقت سے اس بات کا یقین ہو گیا کہ حضور صلی اللہ علیہ وسلم عنقریب غالب ہو کر رہیں گے ۔ حتیٰ کہ اللہ نے مجھے مسلمان کر دیا ۔ ( راوی کا بیان ہے کہ ) ابن ناطور ایلیاء کا حاکم ہرقل کا مصاحب اور شام کے نصاریٰ کا لاٹ پادری بیان کرتا تھا کہ ہرقل جب ایلیاء آیا ، ایک دن صبح کو پریشان اٹھا تو اس کے درباریوں نے دریافت کیا کہ آج ہم آپ کی حالت بدلی ہوئی پاتے ہیں ۔ ( کیا وجہ ہے ؟ ) ابن ناطور کا بیان ہے کہ ہرقل نجومی تھا ، علم نجوم میں وہ پوری مہارت رکھتا تھا ۔ اس نے اپنے ہم نشینوں کو بتایا کہ میں نے آج رات ستاروں پر نظر ڈالی تو دیکھا کہ ختنہ کرنے والوں کا بادشاہ ہمارے ملک پر غالب آ گیا ہے ۔ ( بھلا ) اس زمانے میں کون لوگ ختنہ کرتے ہیں ؟ انھوں نے کہا کہ یہود کے سوا کوئی ختنہ نہیں کرتا ۔ سو ان کی وجہ سے پریشان نہ ہوں ۔ سلطنت کے تمام شہروں میں یہ حکم لکھ بھیجئے کہ وہاں جتنے یہودی ہوں سب قتل کر دئیے جائیں ۔ وہ لوگ انہی باتوں میں مشغول تھے کہ ہرقل کے پاس ایک آدمی لایا گیا ۔ جسے شاہ غسان نے بھیجا تھا ۔ اس نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کے حالات بیان کئے ۔ جب ہرقل نے ( سارے حالات ) سن لیے تو کہا کہ جا کر دیکھو وہ ختنہ کئے ہوئے ہے یا نہیں ؟ انھوں نے اسے دیکھا تو بتلایا کہ وہ ختنہ کیا ہوا ہے ۔ ہرقل نے جب اس شخص سے عرب کے بارے میں پوچھا تو اس نے بتلایا کہ وہ ختنہ کرتے ہیں ۔ تب ہرقل نے کہا کہ یہ ہی ( محمد صلی اللہ علیہ وسلم ) اس امت کے بادشاہ ہیں جو پیدا ہو چکے ہیں ۔ پھر اس نے اپنے ایک دوست کو رومیہ خط لکھا اور وہ بھی علم نجوم میں ہرقل کی طرح ماہر تھا ۔ پھر وہاں سے ہرقل حمص چلا گیا ۔ ابھی حمص سے نکلا نہیں تھا کہ اس کے دوست کا خط ( اس کے جواب میں ) آ گیا ۔ اس کی رائے بھی حضور صلی اللہ علیہ وسلم کے ظہور کے بارے میں ہرقل کے موافق تھی کہ محمد صلی اللہ علیہ وسلم ( واقعی ) پیغمبر ہیں ۔ اس کے بعد ہرقل نے روم کے بڑے آدمیوں کو اپنے حمص کے محل میں طلب کیا اور اس کے حکم سے محل کے دروازے بند کر لیے گئے ۔ پھر وہ ( اپنے خاص محل سے ) باہر آیا اور کہا ” اے روم والو ! کیا ہدایت اور کامیابی میں کچھ حصہ تمہارے لیے بھی ہے ؟ اگر تم اپنی سلطنت کی بقا چاہتے ہو تو پھر اس نبی کی بیعت کر لو اور مسلمان ہو جاؤ “ ( یہ سننا تھا کہ ) پھر وہ لوگ وحشی گدھوں کی طرح دروازوں کی طرف دوڑے ( مگر ) انہیں بند پایا ۔ آخر جب ہرقل نے ( اس بات سے ) ان کی یہ نفرت دیکھی اور ان کے ایمان لانے سے مایوس ہو گیا تو کہنے لگا کہ ان لوگوں کو میرے پاس لاؤ ۔ ( جب وہ دوبارہ آئے ) تو اس نے کہا میں نے جو بات کہی تھی اس سے تمہاری دینی پختگی کی آزمائش مقصود تھی سو وہ میں نے دیکھ لی ۔ تب ( یہ بات سن کر ) وہ سب کے سب اس کے سامنے سجدے میں گر پڑے اور اس سے خوش ہو گئے ۔ بالآخر ہرقل کی آخری حالت یہ ہی رہی ۔ ابوعبداللہ کہتے ہیں کہ اس حدیث کو صالح بن کیسان ، یونس اور معمر نے بھی زہری سے روایت کیا ہے ۔

0007 ‘Ubayd-ul-Lâh ben ‘Abd-ul-Lâh ben ‘Utba ben Mas’ûd dit qu’Abd-ul-Lâh ben ‘Abbâs l’informa que ‘Abu Sufuân ben Harb l’avait informé de ceci :Durant la trêve d’al-Hudaybiya que le Messager de dieu avait conclue avec les mécréants de Quraych et Abu-Sufyân, et au moment où celui-ci était en Syrie, dans une caravane de quelques marchands Quraychites, il (Abu Sufyân) se vit mandé par Héraclius qui se trouvait ‘avec sa suite) à Ilya’ (Jérusalem) au moment où ses émissaires arrivèrent auprès d’Abu Sufyân. Il (Héraclius) les convoqua alors qu’il était entouré des grands personnages de Byzance. A l’arrivée des Quraychites, Héraclius les invita à se rapprocher… avant de convoquer son interprète pour leur demander: « Lequel d’entre vous est le plus proche de cet homme qui prétend être un prophète ?  » « moi » répondit Abu Sufyân. « Qu’on le fasse rapprocher ! » commanda Héraclius « et qu’on fasse aussi rapprocher ses compagnons en les mettant derrière lui » Ensuite, Héraclius s’adressa à son interprête : « Dis-leur que je vais interroger celui-ci sur cet homme qui prétend être un prophète; s’il ment signalez-moi la chose! » Et Abu Sufyân de rapporter: « Par Dieu! si ce n’était la honte de les voir signaler mes mensonges, j’aurais menti sur le compte du Prophète. » La première chose sur laquelle il m’interrogea fut : « Quel est le rang de sa famille ? » « C’est un noble » répondis-je « Y a-t-il quelqu’un avant lui qui a tenu de tels propos ? » « Non » « L’un de ces ancêtres était-il roi ? » « Non » « Est-ce les nobles qui le suivent ou c’est le bas-peuple ? » « C’est plutôt le bas-peuple. » « Le nombre de ses partisans est-il en croissance ou en décroissance ? » « Leur nombre s’accroît. » « Est-ce que l’un d’eux apostasie après avoir embrassé cette nouvelle religion ? » « Non » « L’accusiez-vous d’être un menteur avant cela ? » « Non! » « Est-il perfide ? » « Non, mais cette période est une période de trêve et nous ne savons pas comment il va agir. » Cette phrase fut la seule que je pus dire contre le Prophète. « L’avez-vous combattu ? » reprit Héraclius. « Oui » « Comment était la chose ? » « Tantôt c’était nous qui emportions la victoire, tantôt c’était lui. » « Que vous recommande-t-il ? » « Il nous recommande d’adorer Dieu, Seul et sans aucun associé, de délaisser les croyances de nos pères, d’observer la prière et véracité, et d’être chaste. Enfin, il nous recommande aussi de maintenir les liens de parenté. » Sur ce, Héraclius s’adressa à son interprète et lui dit : « Dis-lui ce qui suit : Je t’ai interrogé sur son rang social et tu m’as répondu qu’il était noble. Or, les apôtres ont toujours appartenu aus familles les plus nobles. Je t’ai demandé s’il avait déjà été précédé par une autre personne sur ce sujet et tu m’as répondu négativement. Si ta réponse était affirmative, j’aurais dit que cet homme veut imiter une personne qui l’a déjà précédé. Aussi, je t’ai demandé si l’un de ses ancêtre était roi et tu m’as dit que non. Si par hasard l’un de ses ancêtres était roi, j’aurais cru qu’il veut avoir le trône de son père. Je t’ai en plus interrogé s’il était accusé de mensonge ou non, et tu m’as répondu que non. Ainsi, j’ai su qu’il ne pouvait guère mentir sur le compte du Seigneur tant qu’il a évité ce défaut à l’égard des hommes. Je t’ai aussi interrogé au sujet de ses partisans, et tu m’as dit que c’était le bas-peuple. Eh bien! sache que le bas-peuple a toujours été le partisans des prophètes. Et je t’ai ensuite demandé au sujet du nombre de ces partisans-là: augmente-il ou diminue-t-il ? et tu m’as dit qu’il était en croissance continue; et c’est ainsi le cas de la foi: elle augmente toujours. Quant à la conviction des nouveaux convertis, tu m’as dit qu’aucun d’eux n’apostasiait, et c’est bien là le cas de la foi quand sa douceur se mélange avec le coeur. Et sur ses engagements, tu m’as répondu qu’il ne les trahissait jamais, c’est là aussi un caractère qui appartient aux Messagers. Enfin, tu m’as dit qu’il vous recommandait d’adorer Dieu, Seul, et de ne rien Lui associer et qu’il vous exhortait à ne pas adorer les idoles, d’accomplir la prière, d’être véridique et décent. Maintenant, si ce que tu viens de dire est vrai, cet homme s’emparera même de cet endroit où je suis. Je savais bien qu’un tel personnage apparaîtra mais je n’avais jamais pensé qu’il serait l’un de vous! Si je savais que je pourrais parvenir jusqu’à lui, j’aurais tout fait pour le rencontrer; et si j’étais auprès de lui, je lui aurais lavé les pieds. » Après cela, Héraclius demanda la lettre que le Messager de Dieu avait envoyée avec Dihya au gouverneur de Bosrâ et que ce dernier avait envoyée à Héraclius. Il la lut donc et y trouva: Au nom de Dieu, le Tout miséricorde, le Miséricordieux.De Muhammad, le serviteur de Dieu et son Messager, à Héraclius, le grand chef des Byzantins.Que le salut soit sur celui qui suit la Guidance! Je t’appelle selon la formule de l’Islam: embrasse l’Islam et tu seras sauvé; tu auras de la part de Dieu une double récompense.Si jamais tu refuses tu assumeras les crimes commis contre les Ariens. O vous qui avez reçu l’Ecriture, adoptons une formule valable pour nous et pour vous impliquant que nous n’adorerons que Dieu, que nous ne lui associerons rien d’autre, que nous ne prendrons point les uns parmi les autres des maîtres en dehors de Dieu. S’ils refusent, dites-leur: « Soyez témoins qu’à la volonté de Dieu nous sommes soumis ». Et une fois la lecture de la lettre terminée, un grand bruit et des voix hautes s’élevèrent. On nous fit sortir et je dis ensuite à mes compagnons: « L’affaire d’ibn Abu Kabcha devient grave. Voilà que le roi des Byzantins le redoute maintenant! » Et c’est à partir de ces évènements que je fus sûr que le Prophète triomphera. En effet, Dieu m’a guidé vers l’Islam. Az-Zuhry de ‘Ubayd-ul-Lâh dit : Ibn an-Nâtûr, le gouverneur de ‘Ilyâ, l’ami de Héraclius et l’évêque des Chrétiens de Syrie rapporte ceci: A son arrivée à ‘Ilyâ , Héraclius devint d’une mauvaise humeur. Quelques patriarches lui dirent : »Ton air nous laisse craintifs! » Héraclius, qui était devins et aimait l’astrologie, répondit à leur question en disant : « Cette nuit, en contemplant les étoiles, j’ai vu que le seigneur des circoncis est apparu, Quel est le peuple qui pratique la circoncision ? Ce sont les Juifs, répondit-on, mais il ne faut guère leur attacher de l’importance. Envoie plutôt dans les cités de ton royaume afin qu’on y tue tous les juifs. » Entre temps, l’émissaire du roi de Ghasân arriva et informa Héraclius au sujet du Messager de Dieu. Héraclius donna ensuite l’ordre de voir si cet émissaire était circoncis ou non. La réponse fut affirmative, et on interrogea alors ce messager si les Arabes pratiquaient la circoncision ou non, et la réponse fut de nouveau affirmative. et Héraclius de s’écrier:  » Voilà que le seigneur de ce peuple est apparu! » Il adressa une lettre à un de ses amis qui était aussi savant que lui et qui habitait à Rûmiya (Rome), puis se dirigea vers Hims (émèse). La réponse à sa lettre arriva avant son arrivée à Hims, son contenu concordait avec son avis: Muhammad est vraiment un prophète. Héraclius donna alors l’ordre de faire venir à son palais de Hims les personnalités de Byzance et de fermer toutes les portes derrières eux. Cela fait, il leur dit : « O Byzantins ! Voulez-vous suivre la bonne voie et conserver votre règne ? Prêtez allégeance à cet homme !  » En entendant cela, les présents s’effarouchèrent comme des ânes sauvages et se dirigèrent vers les portes, mais ils les trouvèrent fermée. Voyant leur réaction hostile à l’égard de l’Islam, Héraclius donna l’ordre de les ramener puis leur dit : « Je n’ai fait cela que pour voir votre attachement à votre religion. Je l’ai vu… » Sur ce, ils se prosternèrent devant sa personne et se montrèrent satisfait de lui. Rapporté par : Sâlih ben Kaysân, Yûnus et Ma’mar, et ce d’az-Zuhry

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [7] .

     قَوْلُهُ  قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ وَهُوَ هُوَ أخبرنَا شُعَيْب هُوَ بن أَبِي حَمْزَةَ دِينَارٌ الْحِمْصِيُّ وَهُوَ مِنْ أَثْبَاتِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ هُوَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ .

     قَوْلُهُ  هِرَقْلُ هُوَ مَلِكُ الرُّومِ وَهِرَقْلُ اسْمُهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ كَمَا يُلَقَّبُ مَلِكُ الْفُرْسِ كِسْرَى وَنَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رَكْبٍ جَمْعُ رَاكِبٍ كَصَحْبٍ وَصَاحِبٍ وَهُمْ أُولُو الْإِبِلِ الْعَشْرَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَالْمَعْنَى أَرْسَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ حَالَ كَوْنِهِ فِي جُمْلَةِ الرَّكْبِ وَذَاكَ لِأَنَّهُ كَانَ كَبِيرَهُمْ فَلِهَذَا خَصَّهُ وَكَانَ عَدَدُ الرَّكْبِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَلِابْنِ السَّكَنِ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ وَسَمَّى مِنْهُم الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي مُصَنف بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ مُرْسَلٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ مُسْلِمًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ حِينَئِذٍ إِلَى قَيْصَرَ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُسْلِمًا وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُهُ أَيْضًا فِي أَثَرٍ آخَرَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ وَكِتَابِ الْأَمْوَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَلَمَّا قَرَأَ قَيْصَرُ الْكِتَابَ قَالَ هَذَا كِتَابٌ لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهِ وَدَعَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَكَانَا تَاجِرَيْنِ هُنَاكَ فَسَأَلَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانُوا تُجَّارًا بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَوْ كَسْرِهَا وَالتَّخْفِيفِجَمْعُ تَاجِرٍ .

     قَوْلُهُ  فِي الْمُدَّةِ يَعْنِي مُدَّةَ الصُّلْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُا فِي الْمَغَازِي وَكَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَكَانَتْ مُدَّتُهَا عَشْرَ سِنِينَ كَمَا فِي السِّيرَةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ كَانَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْبُيُوعِ مِنَ الْمُسْتَدْرَكِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ لَكِنَّهُمْ نَقَضُوا فَغَزَاهُمْ سَنَةَ ثَمَانٍ وَفَتَحَ مَكَّةَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  فَأَتَوْهُ تَقْدِيرُهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فِي طَلَبِ إِتْيَانِ الرَّكْبِ فَجَاءَ الرَّسُولُ يَطْلُبُ إِتْيَانَهُمْ فَأَتَوْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْجِهَادِ أَنَّ الرَّسُولَ وَجَدَهُمْ بِبَعْضِ الشَّامِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ وَهُوَ غَزَّةُ قَالَ وَكَانَتْ وَجْهَ مَتْجَرِهِمْ وَكَذَا رَوَاهُ بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ كُنَّا قَوْمًا تُجَّارًا وَكَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَصَبَتْنَا فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا إِلَّا وَقَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً فَذَكَرَهُ وَفِيهِ فَقَالَ هِرَقْلُ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ قَلِّبِ الشَّامَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ حَتَّى تَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَأْنِهِ فَوَاللَّهِ إِنِّي وَأَصْحَابِي بِغَزَّةَ إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا فَسَاقَنَا جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  بِإِيلِيَاءَ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ أَخِيرَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ أَخِيرَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ مَهْمُوزَةٌ وَحَكَى الْبَكْرِيُّ فِيهَا الْقَصْرَ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا إِلْيَا بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَسُكُونِ اللَّامِ حَكَاهُ الْبَكْرِيُّ وَحَكَى النَّوَوِيُّ مِثْلَهُ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ عَلَى اللَّامِ وَاسْتَغْرَبَهُ قِيلَ مَعْنَاهُ بَيْتُ اللَّهِ وَفِي الْجِهَادِ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِلَّهِ زَاد بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ تُبْسَطُ لَهُ الْبُسُطَ وَتُوضَعُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ فَيَمْشِي عَلَيْهَا وَنَحْوَهُ لِأَحْمَد من حَدِيث بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ وبن عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَاضِدَةٍ مُلَخَّصُهَا أَنَّ كِسْرَى أَغْزَى جَيْشَهُ بِلَادَ هِرَقْلَ فَخَرَّبُوا كَثِيرًا مِنْ بِلَادِهِ ثُمَّ اسْتَبْطَأَ كِسْرَى أَمِيرَهُ فَأَرَادَ قَتْلَهُ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَاطَّلَعَ أَمِيرُهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاطَنَ هِرَقْلَ وَاصْطَلَحَ مَعَهُ عَلَى كِسْرَى وَانْهَزَمَ عَنْهُ بِجُنُودِ فَارِسَ فَمَشَى هِرَقْلُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَاسْمُ الْأَمِيرِ الْمَذْكُورِ شَهْرَ بَرَازَ وَاسْمُ الْغَيْرِ الَّذِي أَرَادَ كسْرَى تأميره فرحان .

     قَوْلُهُ  فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ فِي مَجْلِسِهِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ .

     قَوْلُهُ  وَحَوْلَهُ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ ظَرْفُ مَكَانٍ .

     قَوْلُهُ  عُظَمَاءُ جَمْعُ عَظِيمٍ وَلِابْنِ السَّكَنِ فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ وَالْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ وَالرُّومُ مِنْ وَلَدِ عِيصَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَلَى الصَّحِيحِ وَدَخَلَ فِيهِمْ طَوَائِفُ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ تَنُّوخَ وَبَهْرَاءَ وَسُلَيْحٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ غَسَّانَ كَانُوا سُكَّانًا بِالشَّامِ فَلَمَّا أَجْلَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهَا دَخَلُوا بِلَادَ الرُّومِ فَاسْتَوْطَنُوهَا فَاخْتَلَطَتْ أَنْسَابُهُمْ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا تَرْجُمَانَهُ وَلِلْمُسْتَمْلِي بِالتَّرْجُمَانِ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِهِمْ فَلَمَّا حَضَرُوا اسْتَدْنَاهُمْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ دَعَاهُمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ فَيَنْزِلُ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَقَعْ تَكْرَارُ ذَلِكَ إِلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالتَّرْجُمَانُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيَجُوزُ ضَمُّ التَّاءِ إِتْبَاعًا وَيَجُوزُ فَتْحُ الْجِيمِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِالرَّابِعَةِ وَهِيَ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحُ الْجِيمِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ بِتَرْجُمَانِهِ يَعْنِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا أَحْضَرَهُ صُحْبَتَهُ وَالتَّرْجُمَانُ الْمُعَبِّرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا أَيْ قَالَ التَّرْجُمَانُ عَلَى لِسَانِ هِرَقْلَ .

     قَوْلُهُ  بِهَذَا الرَّجُلِ زَادَ بن السَّكَنِ الَّذِي خَرَجَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ فَقَالُوا هَذَا أَقْرَبُنَا بِهِ نَسَبًا هُوَ بن عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو سُفْيَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِهَادِ بِقَوْلِهِ قَالَ مَا قرابتك مِنْهُ قلت هُوَ بن عَمِّي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الرَّكْبِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي اه وَعَبْدُ مَنَافٍ الْأَبُ الرَّابِعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا لِأَبِي سُفْيَانَ وَأَطْلَقَعَلَيْهِ بن عَمٍّ لِأَنَّهُ نَزَّلَ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْزِلَةَ جَدِّهِ فَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بن عَمِّ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَعَلَى هَذَا فَفِيمَا أُطْلِقَ فِي رِوَايَةِ بن السَّكَنِ تَجَوُّزٌ وَإِنَّمَا خَصَّ هِرَقْلُ الْأَقْرَبَ لِأَنَّهُ أَحْرَى بِالِاطِّلَاعِ عَلَى أُمُورِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْأَبْعَدَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقْدَحَ فِي نَسَبِهِ بِخِلَافِ الْأَقْرَبَ وَظَهَرَ ذَلِكَ فِي سُؤَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ وَقَولُهُ بِهَذَا الرَّجُلِ ضَمَّنَ أَقْرَبَ مَعْنَى أَوْصَلَ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ وَقَولُهُ الَّذِي يزْعم فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ يَدَّعِي وَزَعَمَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ بِمَعْنَى قَالَ وَحَكَاهُ أَيْضًا ثَعْلَبٌ وَجَمَاعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي قِصَّةِ ضِمَامٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ.

.

قُلْتُ وَهُوَ كَثِيرٌ وَيَأْتِي مَوْضِعُ الشَّكِّ غَالِبًا .

     قَوْلُهُ  فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ أَيْ لِئَلَّا يَسْتَحْيُوا أَنْ يُوَاجِهُوهُ بِالتَّكْذِيبِ إِنْ كَذَبَ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْوَاقِدِيُّ وَقَولُهُ إِنْ كَذَبَنِي بِتَخْفِيفِ الذَّالِ أَيْ إِنْ نَقَلَ إِلَيَّ الْكَذِبَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَيْ أَبُو سُفْيَانَ وَسَقَطَ لَفْظُ قَالَ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَأَبِي الْوَقْتِ فَأَشْكَلَ ظَاهِرُهُ وَبِإِثْبَاتِهَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا أَيْ يَنْقُلُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ وَلِلْأَصِيلِيِّ عَنْهُ أَيْ عَنِ الْإِخْبَارِ بِحَالِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْبِحُونَ الْكَذِبَ إِمَّا بِالْأَخْذِ عَنِ الشَّرْعِ السَّابِقِ أَوْ بِالْعُرْفِ وَفِي قَوْلِهِ يَأْثِرُوا دُونَ قَوْلِهِ يُكَذِّبُوا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَاثِقًا مِنْهُمْ بِعَدَمِ التَّكْذِيبِ أَنْ لَوْ كَذَبَ لِاشْتِرَاكِهِمْ مَعَهُ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اسْتِحْيَاءً وَأَنَفَةً مِنْ أَنْ يَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعُوا فَيَصِيرُ عِنْدَ سَامِعِي ذَلِكَ كذابا وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَوَاللَّهِ لَوْ قَدْ كذبت مَا ردوا على وَلَكِنِّي كنت امْرَءًا سَيِّدًا أَتَكَرَّمُ عَنِ الْكَذِبِ وَعَلِمْتُ أَنَّ أَيْسَرَ مَا فِي ذَلِكَ إِنْ أَنَا كَذَبْتُهُ أَنْ يَحْفَظُوا ذَلِكَ عَنِّي ثُمَّ يَتَحَدَّثُوا بِهِ فَلَمْ أكذبه وَزَاد بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ قَطُّ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الْأَقْلَفِ يَعْنِي هِرَقْلَ .

     قَوْلُهُ  كَانَ أَوَّلَ هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِ وَبِهِ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ أَيْ مَا حَالُ نَسَبِهِ فِيكُمْ أَهُوَ مِنْ أَشْرَافِكُمْ أَمْ لَا فَقَالَ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ فَالتَّنْوِينُ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ وَأَشْكَلَ هَذَا عَلَى بَعْضِ الشَّارِحِينَ وَهَذَا وَجْهُهُ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ بَدَلَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ فَ.

     قَوْلُهُ  مِنْكُمْ أَيْ مِنْ قَوْمِكُمْ يَعْنِي قُرَيْشًا أَوِ الْعَرَب وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الشفاهى يَعُمُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْمُخَاطَبِينَ فَقَطْ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَولُهُ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ وَاسْتَعْمَلَ قَطُّ بِغَيْرِ أَدَاةِ النَّفْيِ وَهُوَ نَادِرٌ وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ صَلَّيْنَا أَكْثَرَ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنَهُ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّفْيَ مُضَمَّنٌ فِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطُّ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ وَلِكَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ بِزِيَادَةِ مِنْ الْجَارَّةِ وَلِابْنِ عَسَاكِرَ بِفَتْحِ مِنْ وَمَلَكَ فِعْلٌ مَاضٍ وَالْجَارَّةُ أَرْجَحُ لِسُقُوطِهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْمَعْنَى فِي الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ .

     قَوْلُهُ  فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ فِيهِ إِسْقَاطُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَقَدْ ثَبَتَ لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ وَلَفْظُهُ أَيَتْبَعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْأَشْرَافِ هُنَا أَهْلُ النَّخْوَةِ وَالتَّكَبُّرِ مِنْهُمْ لَا كُلُّ شَرِيفٍ حَتَّى لَا يَرِدَ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَمْثَالِهِمَا مِمَّنْ أَسْلَمَ قبل هَذَا السُّؤَال وَوَقع فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ تَبِعَهُ مِنَّا الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَأَمَّا ذَوُو الْأَنْسَابِ وَالشَّرَفِ فَمَا تَبِعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ .

     قَوْلُهُ  سُخْطَةً بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ وَأَخْرَجَ بِهَذَا مَنِ ارْتَدَّ مُكْرَهًا أَولا لِسَخَطٍ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بَلْ لِرَغْبَةٍ فِي غَيْرِهِ كَحَظٍّ نَفْسَانِيٍّ كَمَا وَقَعَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ .

     قَوْلُهُ  هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ أَيْ عَلَى النَّاسِ وَإِنَّمَا عَدَلَ إِلَى السُّؤَالِ عَنِ التُّهْمَةِ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ نَفْسِ الْكَذِبِ تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّ التُّهْمَةَ إِذَا انْتَفَتِ انْتَفَى سَبَبُهَا وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِالسُّؤَالِ عَنِ الْغَدْرِ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَيْ أَنْتَقِصُهُ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّنْقِيصَ هُنَا أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ يَقْطَعْ بِعَدَمِ غَدْرِهِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِمَّنْ يُجَوِّزُ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْبِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ مَغِيبًا لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ أَمِنَ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يُنْسَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْكَذِبِ وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ بِالتَّرَدُّدِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعَرِّجْ هِرَقْلُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا مِنِّي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ هُوَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَقَالَ هِرَقْلُ إِنِّي لَا أُرِيدُ شَتْمَهُ وَلَكِنْ كَيْفَ نَسَبُهُ إِلَى أَنْ قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ إِذَا عَاهَدَ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَغْدِرَ فِي هُدْنَتِهِ هَذِهِ فَقَالَ وَمَا يَخَافُ مِنْ هَذِهِ فَقَالَ إِنَّ قَوْمِي أَمَدُّوا حُلَفَاءَهُمْ عَلَى حُلَفَائِهِ قَالَ إِنْ كُنْتُمْ بَدَأْتُمْ فَأَنْتُمْ أَغْدَرُ .

     قَوْلُهُ  سِجَالٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ نُوَبٌ وَالسَّجْلُ الدَّلْوُ وَالْحَرْبُ اسْمُ جِنْسٍ وَلِهَذَا جُعِلَ خَبَرُهُ اسْمَ جَمْعٍ وَيَنَالُ أَيْ يُصِيبُ فَكَأَنَّهُ شبه الْمُحَاربين بالمستقيين يَسْتَقِي هَذَا دَلْوًا وَهَذَا دَلْوًا وَأَشَارَ أَبُو سُفْيَانَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي قَوْلِهِ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بَلْ نَطَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيِّ لَمَّا كَانَ يحدث وَفد ثَقِيف أخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ غُلِبْنَا مَرَّةً يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَا غَائِبٌ ثُمَّ غَزَوْتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ بِبَقْرِ الْبُطُونِ وَجَدْعِ الْآذَانِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى يَوْمِ أُحُدٍ .

     قَوْلُهُ  بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ فِيهِ أَنَّ لِلْأَمْرِ صِيغَةً مَعْرُوفَةً لِأَنَّهُ أَتَى بِقَوْلِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ فِي جَوَابِ مَا يَأْمُرُكُمْ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مِنْ أهل اللِّسَان وَكَذَلِكَ الرَّاوِي عَنهُ بن عَبَّاسٍ بَلْ هُوَ مِنْ أَفْصَحِهِمْ وَقَدْ رَوَاهُ عَنهُ مقرى لَهُ قَوْله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَسقط مِنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الْوَاوُ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ وَحْدَهُ .

     قَوْلُهُ  وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ هِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآبَاءَ تَنْبِيهًا عَلَى عُذْرِهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ لَهُ لِأَنَّ الْآبَاءَ قُدْوَةٌ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ أَيْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالنَّصَارَى .

     قَوْلُهُ  وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي رِوَايَةٍ الصَّدَقَةِ بَدَلَ الصِّدْقِ وَرَجَّحَهَا شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيُقَوِّيهَا رِوَايَةُ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّفْسِيرِ الزَّكَاةَ وَاقْتِرَانُ الصَّلَاةِ بِالزَّكَاةِ مُعْتَادٌ فِي الشَّرْعِ وَيُرَجِّحُهَا أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْبِحُونَ الْكَذِبَ فَذِكْرُ مَا لَمْ يَأْلَفُوهُ أَوْلَى.

.

قُلْتُ وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ مُمْتَنِعًا كَمَا فِي أَمْرِهِمْ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَقَدْ كَانَا مِنْ مَأْلُوفِ عُقَلَائِهِمْ وَقَدْ ثَبَتَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْجِهَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ شَيْخِهِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ قَالَ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالصَّدَقَةِ وَفِي قَوْلِهِ يَأْمُرُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُخَالِفِهِمَا إِذْ مُخَالِفُ الْأَوَّلِ كَافِرٌ وَالثَّانِي مِمَّنْ قَبِلَ الْأَوَّلُ عَاصٍ .

     قَوْلُهُ  فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا الظَّاهِرُ أَنَّ إِخْبَارَ هِرَقْلَ بِذَلِكَ بِالْجَزْمِ كَانَ عَنِ الْعِلْمِ الْمُقَرَّرِ عِنْدَهُ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ .

     قَوْلُهُ  لَقُلْتُ رَجُلٌ تَأَسَّى بِقَوْلٍ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِغَيْرِهِ يَتَأَسَّى بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ هِرَقْلُ فَقُلْتُ إِلَّا فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ مَقَامُ فِكْرٍ وَنَظَرٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَسْئِلَةِ فَإِنَّهَا مَقَامُ نَقْلٍ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ ضُعَفَاؤُهُمْ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُتَسَامَحُ بِهِ لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى وَقَوْلُ هِرَقْلَ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ مَعْنَاهُ أَنَّ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ فِي الْغَالِبِ أَهْلُ الِاسْتِكَانَةِ لَا أَهْلُ الِاسْتِكْبَارِ الَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَى الشِّقَاقِ بَغْيًا وَحَسَدًا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَشْيَاعِهِ إِلَى أَنْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْقَذَ بَعْدَ حِينٍ مَنْ أَرَادَ سَعَادَتَهُ مِنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ أَيْ أَمْرُ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ نُورًا ثُمَّ لَا يَزَالُ فِي زِيَادَةٍ حَتَّى يَتِمَّ بِالْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِهَا وَلِهَذَا نَزَلَتْ فِي آخِرِ سِنِيِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نعمتي وَمِنْهُ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَكَذَا جَرَى لِأَتْبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَالُوا فِي زِيَادَةٍ حَتَّى كَمُلَ بِهِمْ مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ وَتَمَامِ نِعْمَتِهِ فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

     قَوْلُهُ  حِينَ يُخَالِطُ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ كَذَا رُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَالْقُلُوبُ مُضَافٌ إِلَيْهِ أَيْ يُخَالِطُ الْإِيمَانُ انْشِرَاحَ الصُّدُورِ وَرُوِيَ بَشَاشَةٌ الْقُلُوبَ بِالضَّمِّ وَالْقُلُوبَمَفْعُولٌ أَيْ يُخَالِطُ بَشَاشَةَ الْإِيمَانِ وَهُوَ شَرْحُهُ الْقُلُوبَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِيمَانِ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ بن السَّكَنِ فِي رِوَايَتِهِ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ يَزْدَادُ بِهِ عجبا وفرحا وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ وَكَذَلِكَ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ لَا تَدْخُلُ قَلْبًا فَتَخْرُجُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ لِأَنَّهَا لَا تَطْلُبُ حَظَّ الدُّنْيَا الَّذِي لَا يُبَالِي طَالِبُهُ بِالْغَدْرِ بِخِلَافِ مَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ وَلَمْ يُعَرِّجْ هِرَقْلُ عَلَى الدَّسِيسَةِ الَّتِي دَسَّهَا أَبُو سُفْيَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِيرَادُ تَقْرِيرِ السُّؤَالِ الْعَاشِرِ وَالَّذِي بَعْدَهُ وَجَوَابِهِ وَقَدْ ثَبَتَ الْجَمِيعُ فِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ الَّتِي فِي الْجِهَادِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ ثَمَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَائِدَةٌ قَالَ الْمَازِنِيُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا هِرَقْلُ لَيْسَتْ قَاطِعَةً عَلَى النُّبُوَّةِ إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَامَاتٌ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَمَا أوردهُ احْتِمَالا جزم بِهِ بن بَطَّالٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي سُفْيَانَ ذِكْرُ الْأَمْرِ بَلْ صِيغَتُهُ وَقَولُهُ وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ لِأَنَّ مَقُولَهُمُ الْأَمْرُ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ .

     قَوْلُهُ  أَخْلُصُ بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ أَصِلُ يُقَالُ خَلُصَ إِلَى كَذَا أَيْ وَصَلَ .

     قَوْلُهُ  لَتَجَشَّمْتُ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنَ الْقَتْلِ إِنْ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَفَادَ ذَلِكَ بِالتَّجْرِبَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ ضُغَاطِرَ الَّذِي أَظْهَرَ لَهُمْ إِسْلَامه فَقَتَلُوهُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ دِحْيَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُخْتَصَرًا فَقَالَ قَيْصَرُ أَعْرِفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ إِنْ فَعَلْتُ ذَهَبَ ملكي وقتلني الرّوم وَفِي مُرْسل بن إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ وَيْحَكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَكِنِّي أَخَافُ الرُّومَ عَلَى نَفْسِي وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتَّبَعْتُهُ لَكِنْ لَوْ تَفَطَّنَ هِرَقْلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَحَمَلَ الْجَزَاءَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَسَلِمَ لَوْ أَسْلَمَ مِنْ كُلِّ مَا يَخَافُهُ وَلَكِنَّ التَّوْفِيقَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَولُهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ مُبَالَغَةٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ لَهُ وَالْخِدْمَةِ زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ هُوَ لَمَشَيْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أُقَبِّلَ رَأْسَهُ وَأَغْسِلَ قَدَمَيْهِ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَقِيَ عِنْدَهُ بَعْضُ شَكٍّ وَزَادَ فِيهَا وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَبْهَتَهُ تَتَحَادَرُ عَرَقًا مِنْ كَرْبِ الصَّحِيفَةِ يَعْنِي لَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ سَالِمًا لَا وِلَايَةً وَلَا مَنْصِبًا وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مَا تَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْبَرَكَةُ وَقَولُهُ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ أَيْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَكَنَّى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اسْتِقْرَارِهِ أَوْ أَرَادَ الشَّامَ كُلَّهُ لِأَنَّ دَارَ مَمْلَكَتِهِ كَانَتْ حِمْصَ وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ هِرَقْلَ آثَرَ مُلْكَهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الضَّلَالِ أَنَّهُ حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِدُونِ السنتين فَفِي مغازي بن إِسْحَاقَ وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا نَزَلُوا مَعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ أَنَّ هِرَقْلَ نَزَلَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَحَكَى كَيْفِيَّةَ الْوَقْعَةِ وَكَذَا روى بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَيْضًا مِنْ تَبُوكَ يَدْعُوهُ وَأَنَّهُ قَارَبَ الْإِجَابَةَ وَلَمْ يُجِبْ فَدَلَّ ظَاهِرُ ذَلِكَ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُضْمِرُ الْإِيمَانَ وَيَفْعَلُ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ مُرَاعَاةً لِمُلْكِهِ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَقْتُلَهُ قَوْمُهُ إِلَّا أَنَّ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَتَبَ مِنْ تَبُوكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ بَلْ هُوَ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ وَفِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ نَحْوُهُ وَلَفْظُهُ فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ فَعَلَى هَذَا إِطْلَاقُ صَاحِبِ الِاسْتِيعَابِ أَنَّهُ آمَنَ أَيْ أَظْهَرَ التَّصْدِيقَ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ وَيَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ بَلْ شَحَّ بِمُلْكِهِ وَآثَرَ الْفَانِيَةَ عَلَى الْبَاقِيَةِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَا أَيْ مَنْ وَكَّلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَلِهَذَا عُدِّيَ إِلَى الْكِتَابِ بِالْبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  دِحْيَةُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لُغَتَانِ وَيُقَالُ إِنَّهُالرئيس بلغَة أهل الْيمن وَهُوَ بن خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَسْلَمَ قَدِيمًا وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَى هِرَقْلَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَوَقَعَ فِي تَارِيخِ خَلِيفَةَ أَنَّ إِرْسَالَ الْكِتَابِ إِلَى هِرَقْلَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ بَلْ هَذَا غَلَطٌ لِتَصْرِيحِ أَبِي سُفْيَانَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ وَالْهُدْنَةُ كَانَتْ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ اتِّفَاقًا وَمَاتَ دِحْيَةُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَبُصْرَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْقَصْرُ مَدِينَةٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَدِمَشْقَ وَقِيلَ هِيَ حَوْرَانُ وَعَظِيمُهَا هُوَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيُّ وَفِي الصَّحَابَةِ لِابْنِ السَّكَنِ أَنَّهُ أُرْسِلَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ مَعَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَكَانَ عَدِيٌّ إِذْ ذَاكَ نَصْرَانِيًّا فَوَصَلَ بِهِ هُوَ وَدِحْيَةُ مَعًا وَكَانَتْ وَفَاةُ الْحَارِثِ الْمَذْكُورِ عَامَ الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَبْدَأَ الْكِتَابَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ بَلْ حَكَى فِيهِ النَّحَّاسُ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالْحَقُّ إِثْبَاتُ الْخِلَافِ وَفِيهِ أَنَّ مِنْ الَّتِي لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ تَأْتِي مِنْ غَيْرِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَذَا قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا هُنَا أَيْضًا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ ذَلِكَ لَكِنْ بِارْتِكَابِ مجَاز زَاد فِي حَدِيث دحْيَة وَعِنْده بن أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبْطُ الرَّأْسِ وَفِيهِ لما قَرَأَ الْكتاب سخر فَقَالَ لاتقرأه إِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ قَيْصَرُ لَتَقْرَأَنَّهُ فَقَرَأَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ هُوَ نَاوَلَ الْكِتَابَ لِقَيْصَرَ وَلَفْظُهُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِهِ إِلَى قَيْصَرَ فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ .

     قَوْلُهُ  عَظِيمِ الرُّومِ فِيهِ عُدُولٌ عَنْ ذِكْرِهِ بِالْمُلْكِ أَوِ الْإِمْرَةِ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يُخْلِهِ مِنْ إِكْرَامٍ لِمَصْلَحَةِ التَّأَلُّفِ وَفِي حَدِيثِ دحْيَة أَن بن أَخِي قَيْصَرَ أَنْكَرَ أَيْضًا كَوْنَهُ لَمْ يَقُلْ مَلِكُ الرُّومِ .

     قَوْلُهُ  سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ السَّلَامُ بِالتَّعْرِيفِ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَهَارُونَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُمِرَا بِهِ أَنْ يَقُولَاهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُبْدَأُ الْكَافِرُ بِالسَّلَامِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّحِيَّةَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ سَلِمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَنْ أَسْلَمَ وَلِهَذَا جَاءَ بَعْدَهُ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَكَذَا جَاءَ فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْكِتَابِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ فَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمْ يَبْدَأِ الْكَافِرَ بِالسَّلَامِ قَصْدًا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يُشْعِرُ بِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُرَادِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنِ اتَّبَعَ الْهُدَى فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  أَمَّا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ وَتُسْتَعْمَلُ لِتَفْصِيلِ مَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا غَالِبًا وَقَدْ تَرِدُ مُسْتَأْنَفَةً لَا لِتَفْصِيلٍ كَالَّتِي هُنَا وَلِلتَّفْصِيلِ وَالتَّقْرِيرِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ هِيَ هُنَا لِلتَّفْصِيلِ وَتَقْدِيرُهُ أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَهُوَ اسْمُ اللَّهِ.

.
وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَهُوَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ إِلَخْ كَذَا قَالَ وَلَفْظَةُ بَعْدُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ تُفْتَحَ لَوِ اسْتَمَرَّتْ عَلَى الْإِضَافَةِ لَكِنَّهَا قُطِعَتْ عَنِ الْإِضَافَةِ فَبُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ .

     قَوْلُهُ  بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ قَوْلِكَ دَعَا يَدْعُو دِعَايَةً نَحْوَ شَكَا يَشْكُو شِكَايَةً وَلِمُسْلِمٍ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ أَيْ بِالْكَلِمَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَالْبَاءُ مَوْضِعُ إِلَى وَقَولُهُ أَسْلِمْ تَسْلَمْ غَايَةٌ فِي الْبَلَاغِ وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْبَدِيعِ وَهُوَ الْجِنَاسُ الِاشْتِقَاقِيُّ .

     قَوْلُهُ  يُؤْتِكَ جَوَابٌ ثَانٍ لِلْأَمْرِ وَفِي الْجِهَادِ لِلْمُؤَلِّفِ أَسْلِمْ أَسْلِمْ يُؤْتِكَ بِتَكْرَارِ أَسْلِمْ فَيُحْتَمَلُ التَّأْكِيدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَالثَّانِي لِلدَّوَامِ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّه وَرَسُوله الْآيَةَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أجرهم مرَّتَيْنِ الْآيَةَ وَإِعْطَاؤُهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ لِكَوْنِهِ كَانَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَضْعِيفُ الْأَجْرِ لَهُ مِنْ جِهَةِ إِسْلَامِهِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ إِسْلَامَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِ أَتْبَاعِهِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَانَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ فِي حُكْمِهِمْ فِي الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبَائِحِ لِأَنَّ هِرَقْلَ هُوَ وَقَوْمَهُ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَقَدْ قَالَ لَهُ وَلِقَوْمِهِ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُمْحُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالْإِسْرَائِيلِيِّينَ أَوْ بِمَنْ عُلِمَ أَنَّ سَلَفَهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ قَبْلَ التَّبْدِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ تَوَلَّيْتَ أَيْ أَعْرَضْتَ عَنِ الْإِجَابَةِ إِلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَحَقِيقَةُ التَّوَلِّي إِنَّمَا هُوَ بِالْوَجْهِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الشَّيْءِ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ .

     قَوْلُهُ  الْأَرِيسِيِّينَ هُوَ جَمْعُ أَرِيسِيٍّ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَرِيسَ بِوَزْنِ فَعِيلٍ وَقَدْ تُقْلَبُ هَمْزَتُهُ يَاءً كَمَا جَاءَتْ بِهِ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ والأصيلي وَغَيرهمَا هُنَا قَالَ بن سِيدَهْ الْأَرِيسُ الْأَكَّارُ أَيِ الْفَلَّاحُ عِنْدَ ثَعْلَبٍ وَعِنْدَ كُرَاعٍ الْأَرِيسُ هُوَ الْأَمِيرُ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ هِيَ لُغَة شامية وَأنكر بن فَارِسٍ أَنْ تَكُونَ عَرَبِيَّةً وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ هُنَا فقد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ زَادَ الْبَرْقَانِيُّ فِي رِوَايَتِهِ يَعْنِي الْحَرَّاثِينَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي رِوَايَةِ الْمَدَائِنِيِّ مِنْ طَرِيقٍ مُرْسَلَةٍ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْفَلَّاحِينَ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا تَحُلْ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَين الْإِسْلَام قَالَ أَبُو عبيد الْمُرَادُ بِالْفَلَّاحِينَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يزرع فَهُوَ عندالعرب فَلَّاحٌ سَوَاءٌ كَانَ يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ أَنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الضُّعَفَاءِ وَالْأَتْبَاعِ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا تَقْلِيدًا لَهُ لِأَنَّ الْأَصَاغِرَ أَتْبَاعُ الْأَكَابِرِ.

.

قُلْتُ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ دَلَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَهُوَ فَإِنَّ عَلَيْكَ مَعَ إِثْمِكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ إِثْمُ الْأَتْبَاعِ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ تَبِعُوهُ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ فَلَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ إِثْمُ نَفْسِهِ أَوْلَى وَهَذَا يُعَدُّ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لِأَنَّ وِزْرَ الْآثِمِ لَا يَتَحَمَّلُهُ غَيْرُهُ وَلَكِنَّ الْفَاعِلَ الْمُتَسَبِّبَ وَالْمُتَلَبِّسَ بِالسَّيِّئَاتِ يَتَحَمَّلُ مِنْ جِهَتَيْنِ جِهَةِ فِعْلِهِ وَجِهَةِ تَسَبُّبِهِ وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُ الْأَرِيسِيِّينَ بِمَعْنًى آخَرَ فَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الْأَرِيسِيُّونَ الْعَشَّارُونَ يَعْنِي أَهْلَ الْمَكْسِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهَذَا إِنْ صَحَّ أَنَّهُ الْمُرَادُ فَالْمَعْنَى الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِثْمِ فَفِي الصَّحِيحِ فِي الْمَرْأَة الَّتِي اعْترفت بالزنى لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَقُبِلَتْ .

     قَوْلُهُ  وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَخْ هَكَذَا وَقَعَ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فِي أَوَّلِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْوَاوَ سَاقِطَةٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَعَلَى ثُبُوتِهَا فَهِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ أَدْعُوكَ فَالتَّقْدِيرُ أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ وَأَقُولُ لَكَ وَلِأَتْبَاعِكَ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَهْلَ الْكِتَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَبِي سُفْيَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ جَمِيعَ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ فَاسْتَحْضَرَ مِنْهَا أَوَّلَ الْكِتَابِ فَذَكَرَهُ وَكَذَا الْآيَةُ وَكَأَنَّهُ قَالَ فِيهِ كَانَ فِيهِ كَذَا وَكَانَ فِيهِ يَا أَهْلَ الْكتاب فَالْوَاوُ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ نَفْسِ الْكِتَابِ وَقِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فَوَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَهَا لَمَّا نَزَلَتْ وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ وَفْدِ نَجْرَانَ وَكَانَتْ قِصَّتُهُمْ سَنَةَ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ وَقِصَّةُ أبي سُفْيَانَ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَاضِحًا فِي الْمَغَازِي وَقِيلَ بَلْ نَزَلَتْ سَابِقَةً فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلَامُ بن إِسْحَاقَ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ نُزُولَهَا مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَائِدَةٌ قِيلَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ لِلْآيَةِ أَوِ الْآيَتَيْنِ وَبِإِرْسَالِ بَعْضِ الْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدو وَكَذَا بِالسَّفرِ بِهِ وَأغْرب بن بَطَّالٍ فَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ نُسِخَ بِالنَّهْيِ عَنِ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَيَحْتَاجُ إِلَى اثبات التَّارِيخ بذلك وَيحْتَمل أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ السَّفَرِ بِهِ أَيِ الْمُصْحَفُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.

.
وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِذَا لَمْ يَقْصِدِ التِّلَاوَةَ جَازَ عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ نَظَرًا فَإِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيُقَيَّدُ الْجَوَازُ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ احْتِيَاجٌ إِلَى ذَلِكَ كَالْإِبْلَاغِ وَالْإِنْذَارِ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ.

.
وَأَمَّا الْجَوَازُ مُطْلَقًا حَيْثُ لاضرورة فَلَا يَتَّجِهُ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمَلُ الْقَلِيلَةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا هَذَا الْكِتَابُ عَلَى الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ أَسْلِمْ وَالتَّرْغِيبُ بِقَوْلِهِ تَسْلَمْ وَيُؤْتِكَ وَالزَّجْرُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَوَالتَّرْهِيبُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ عَلَيْكَ وَالدِّلَالَةُ بِقَوْلِهِ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاغَةِ مَا لَا يَخْفَى وَكَيْفَ لَا وَهُوَ كَلَامُ مَنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِير بذلك إِلَى الْقِصَّة الَّتِي ذكرهَا بن النَّاطُورِ بَعْدُ وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا تَعُودُ عَلَى هِرَقْلَ وَالصَّخَبُ اللَّغَطُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ فِي الْمُخَاصَمَةِ زَادَ فِي الْجِهَادِ فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي زَادَ فِي الْجِهَادِ حِينَ خَلَوْتُ بِهِمْ .

     قَوْلُهُ  أَمِرَ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ عَظُمَ وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُبْحَانَ وبن أَبِي كَبْشَةَ أَرَادَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ أَبَا كَبْشَةَ أَحَدُ أَجْدَادِهِ وَعَادَةُ الْعَرَبِ إِذَا انْتَقَصَتْ نَسَبَتْ إِلَى جَدٍّ غَامِضٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ النَّسَّابَةُ الْجُرْجَانِيُّ هُوَ جَدُّ وَهْبٍ جَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّهِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ وَهْبًا جَدَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَوْقَصِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ إِنَّ الْأَوْقَصَ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ وَقِيلَ هُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأُمِّهِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْخَزْرَجِيِّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ إِنَّ عَمْرَو بْنَ زَيْدٍ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَة وَلَكِن ذكر بن حَبِيبٍ فِي الْمُجْتَبَى جَمَاعَةً مِنْ أَجْدَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ وَقِيلَ هُوَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَهُ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ وبن مَاكُولَا وَذكر يُونُس بن بكير عَن بن إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَكَانَتْ لَهُ بِنْتٌ تُسَمَّى كَبْشَةَ يكنى بهَا.

     وَقَالَ  بن قُتَيْبَةَ وَالْخَطَّابِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ خَالَفَ قُرَيْشًا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَعَبَدَ الشِّعْرَى فَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ وَكَذَا قَالَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ وَاسْمُهُ وَجْزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ غَالِبٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ يَخَافُهُ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافًا تَعْلِيلِيًّا لَا بِفَتْحِهَا وَلِثُبُوتِ اللَّامِ فِي لَيَخَافُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى .

     قَوْلُهُ  مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ هُمُ الرُّومُ وَيُقَالُ إِنَّ جَدَّهُمْ رُومَ بْنَ عِيصَ تَزَوَّجَ بِنْتَ مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَجَاءَ لَوْنُ وَلَدِهِ بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فَقِيلَ لَهُ الْأَصْفَر حَكَاهُ بن الْأَنْبَارِي.

     وَقَالَ  بن هِشَامٍ فِي التِّيجَانِ إِنَّمَا لُقِّبَ الْأَصْفَرَ لِأَنَّ جَدَّتَهُ سَارَةَ زَوْجَ إِبْرَاهِيمَ حَلَّتْهُ بِالذَّهَبِ .

     قَوْلُهُ  فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا زَادَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ فَمَا زِلْتُ مَرْعُوبًا مِنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى أَسْلَمْتُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ أَيْ فَأَظْهَرْتُ ذَلِكَ الْيَقِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِك الْيَقِين ارْتَفع قَوْله وَكَانَ بن النَّاطُورِ هُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ حَارِسُ الْبُسْتَانِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اللَّيْث عَن يُونُس بن نَاطُورَا بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فِي آخِرِهِ فَعَلَى هَذَا هُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ تَنْبِيهٌ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ بن النَّاطُورِ يُحَدِّثُ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَهِيَ مَوْصُولَةٌ إِلَى بن النَّاطُورِ لَا مُعَلَّقَةٌ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا عِنَايَةَ لَهُ بِهَذَا الشَّأْنِ وَكَذَلِكَ أَغْرَبَ بعض المغاربة فَزعم أَن قصَّة بن النَّاطُورِ مَرْوِيَّةٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنهُ لِأَنَّهُ لما رَآهَا لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِالسَّمَاعِ حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ لَقِيتُهُ بِدِمَشْقَ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَظُنُّهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ كَانَ سُقُفًّا لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِهِمْ عَالِمًا بِحَقَائِقِ أَخْبَارِهِمْ وَكَأَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا وَقع فِي سيرة بن إِسْحَاق فَإِنَّهُ قدم قصَّة بن النَّاطُورِ هَذِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فَعِنْدَهُ عَن عبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ هِرَقْلَ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَجَزَمَ الْحُفَّاظُ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْإِدْرَاجِ أَوَّلَ الْخَبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَاحِبُ إِيلِيَاءَ أَيْ أَمِيرُهَا هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ الْحَالِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الصِّفَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ وَالْإِضَافَةُ الَّتِي فِيهِ تَقُومُ مَقَامَ التَّعْرِيفِ وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا فِي تَقْدِيرالِانْفِصَالِ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ وَهِرَقْلُ مَعْطُوفٌ عَلَى إِيلِيَاءَ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الصُّحْبَةَ لَهُ إِمَّا بِمَعْنَى التَّبَعِ وَإِمَّا بِمَعْنَى الصَّدَاقَةِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ صَاحِبٍ فِي مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيٍّ وَحَقِيقِيٍّ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِيلِيَاءَ أَمِيرٌ وَذَاكَ مَجَازٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى هِرَقْلَ تَابِعٌ وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَإِرَادَةُ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى إِرَادَةِ مَعْنًى شَامِلٍ لَهُمَا وَهَذَا يُسَمَّى عُمُومَ الْمَجَازِ وَقَولُهُ سُقُفًّا بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ كَذَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خبر كَانَ وَيحدث خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ سُقِّفَ بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ مِثْلُهُ لَكِنْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ وَالْأُسْقُفُّ وَالسُّقْفُ لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ وَمَعْنَاهُ رَئِيسُ دِينِ النَّصَارَى وَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ الطَّوِيلُ فِي انْحِنَاءٍ وَقِيلَ ذَلِكَ لِلرَّئِيسِ لِأَنَّهُ يَتَخَاشَعُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي وَزْنِهِ إِلَّا الْأُسْرُبُّ وَهُوَ الرَّصَاصُ لَكِنْ حَكَى بن سِيدَهْ ثَالِثًا وَهُوَ الْأُسْكُفُّ لِلصَّانِعِ وَلَا يَرِدُ الْأُتْرُجُّ لِأَنَّهُ جَمْعٌ وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُفْرَدِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ يَكُونُ الْخَبَرُ الْجُمْلَةَ الَّتِي هِيَ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سُفْيَانَ بِطُولِهِ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ بن النَّاطُورِ يُحَدِّثُ وَهَذَا صُورَةُ الْإِرْسَالِ .

     قَوْلُهُ  حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَهِيَ عِنْدَ غَلَبَةِ جُنُودِهِ عَلَى جُنُودِ فَارِسَ وَإِخْرَاجِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي اعْتَمَرَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ نَصْرَةُ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ فَفَرِحُوا وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ الْقِصَّةَ مُسْتَوْفَاةً فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله وَفِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  خَبِيثُ النَّفْسِ أَيْ رَدِيء النَّفس غَيْرُ طَيِّبِهَا أَيْ مَهْمُومًا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي كَسَلِ النَّفْسِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي كَأَنَّهُ كَرِهَ اللَّفْظَ وَالْمُرَادُ بِالْخِطَابِ الْمُسْلِمُونَ.

.
وَأَمَّا فِي حَقِّ هِرَقْلَ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَصرح فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ بِقَوْلِهِمْ لَهُ لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَهْمُومًا وَالْبَطَارِقَةُ جَمْعُ بِطْرِيقٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُمْ خَوَاصُّ دَوْلَةِ الرُّومِ .

     قَوْلُهُ  حَزَّاءً بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ آخِرُهُ هَمْزَةٌ مُنَوَّنَةٌ أَيْ كَاهِنًا يُقَالُ حَزَا بِالتَّخْفِيفِ يَحْزُو حَزْوًا أَيْ تَكَهَّنَ وَقَولُهُ يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ إِنْ جَعَلْتَهَا خَبَرًا ثَانِيًا صَحَّ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ جَعَلْتَهَا تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ فَالْكَهَانَةُ تَارَةً تَسْتَنِدُ إِلَى إِلْقَاءِ الشَّيَاطِينِ وَتَارَةً تُسْتَفَادٌ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ وَكَانَ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَائِعًا ذَائِعًا إِلَى أَنْ أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فَانْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُمْ وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ هِرَقْلُ مِنْ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَوْلِدَ النَّبَوِيَّ كَانَ بِقِرَانِ الْعُلْوِيَّيْنِ بِبُرْجِ الْعَقْرَبِ وَهُمَا يَقْتَرِنَانِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ سنة مرّة إِلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْمُثَلَّثَةُ بُرُوجَهَا فِي سِتِّينَ سَنَةً فَكَانَ ابْتِدَاءُ الْعِشْرِينَ الْأُولَى الْمَوْلِدَ النَّبَوِيَّ فِي الْقِرَانِ الْمَذْكُورِ وَعِنْدَ تَمَامِ الْعِشْرِينَ الثَّانِيَةَ مَجِيءُ جِبْرِيلَ بِالْوَحْيِ وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّالِثَةِ فَتْحُ خَيْبَرَ وَعُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ الَّتِي جَرَّتْ فَتْحَ مَكَّةَ وَظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ رَأَى هِرَقْلُ مَا رَأَى وَمِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا أَنَّ بُرْجَ الْعَقْرَبِ مَائِيٌّ وَهُوَ دَلِيلُ مُلْكِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَخْتَتِنُونَ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى انْتِقَالِ الْمُلْكِ إِلَى الْعَرَبِ.

.
وَأَمَّا الْيَهُودُ فَلَيْسُوا مُرَادًا هُنَا لِأَنَّ هَذَا لِمَنْ يُنْقَلُ إِلَيْهِ الْمُلْكُ لَا لِمَنِ انْقَضَى مُلْكُهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ سَاغَ لِلْبُخَارِيِّ إِيرَادُ هَذَا الْخَبَرَ الْمُشْعِرَ بِتَقْوِيَةِ أَمْرِ الْمُنَجِّمِينَ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ قَصَدَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْإِشَارَاتِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ وَعَلَى لِسَانِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ كَاهِنٍ أَوْ مُنَجِّمٍ مُحِقٍّ أَوْ مُبْطِلٍ إِنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ عَالِمٌ أَوْ يَجْنَحُ إِلَيْهِ مُحْتَجٌّ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْحَزَّاءَ هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي الْأَعْضَاءِ وَفِي خَيَلَانِ الْوَجْهِ فَيَحْكُمُ عَلَى صَاحِبِهَا بِطَرِيقِ الْفَرَاسَةِ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حَصْرُهُ فِي ذَلِكَ بَلِاللَّائِقُ بِالسِّيَاقِ فِي حَقِّ هِرَقْلَ مَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  مُلْكَ الْخِتَانِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ .

     قَوْلُهُ  قَدْ ظَهَرَ أَيْ غَلَبَ يَعْنِي دَلَّهُ نَظَرُهُ فِي حُكْمِ النُّجُومِ عَلَى أَنَّ مُلْكَ الْخِتَانِ قَدْ غَلَبَ وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَانَ ابْتِدَاءُ ظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ صَالَحَ كُفَّارَ مَكَّةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فتحا مُبينًا إِذْ فَتْحُ مَكَّةَ كَانَ سَبَبُهُ نَقْضَ قُرَيْشٍ الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَمُقَدِّمَةُ الظُّهُورِ ظُهُورٌ .

     قَوْلُهُ  مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ وَإِطْلَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ كُلِّهِمْ فِيهِ تَجَوُّزٌ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْعَرَبُ خَاصَّةً وَالْحَصْرُ فِي قَوْلِهِمْ إِلَّا الْيَهُودَ هُوَ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِمْ لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا بِإِيلِيَاءَ وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ كَثِيرِينَ تَحْتَ الذِّلَّةِ مَعَ الرُّومِ بِخِلَافِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ تَحْتَ طَاعَةِ مَلِكِ الرُّومِ كَآلِ غَسَّانَ لَكِنَّهُمْ كَانُوا مُلُوكًا بِرَأْسِهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يُهِمَّنَّكَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَهَمَّ أَثَارَ الْهَمَّ وَقَولُهُ شَأْنُهُمْ أَيْ أَمْرُهُمْ وَمَدَائِن جَمْعُ مَدِينَةٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ مَنْ جَعَلَهُ فَعِيلَةً مِنْ قَوْلِكَ مَدَنَ بِالْمَكَانِ أَيْ أَقَامَ بِهِ هَمَزَهُ كَقَبَائِلَ وَمَنْ جَعَلَهُ مُفْعِلَةً مِنْ قَوْلِكَ دَيَنَ أَيْ مُلِكَ لَمْ يَهْمِزْ كَمَعَايِشَ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَعَايِشَ هُوَ الْمَشْهُور وَقد روى خَارِجَة عَن نَافِع الْقَارئ الْهَمْزَ فِي مَعَايِشَ.

     وَقَالَ  الْقَزَّازُ مَنْ هَمَزَهَا تَوَهَّمَهَا مِنْ فَعِيلَةٍ لِشَبَهِهَا بِهَا فِي اللَّفْظِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أَيْ فِي هَذِهِ الْمَشُورَةِ .

     قَوْلُهُ  أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَحْضَرَهُ وَمَلِكُ غَسَّانَ هُوَ صَاحِبُ بُصْرَى الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَأَشَرْنَا إِلَى أَن بن السَّكَنِ رَوَى أَنَّهُ أَرْسَلَ مِنْ عِنْدِهِ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْكُورَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر ذَلِك بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَدِ اتَّبَعَهُ نَاسٌ وَخَالَفَهُ نَاسٌ فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلَاحِمُ فِي مَوَاطِن فتركتهم وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَبَيَّنَ مَا أُجْمِلَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَائِلِ مَا ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ قَالَ جَرِّدُوهُ فَإِذَا هُوَ مُخْتَتِنٌ فَقَالَ هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَعْطِهِ ثَوْبَهُ .

     قَوْلُهُ  هُمْ يَخْتَتِنُونَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُمْ مُخْتَتِنُونَ بِالْمِيمِ وَالْأَوَّلُ أَفْيَدُ وَأَشْمَلُ .

     قَوْلُهُ  هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُونِ وللقابسى بِالْفَتْح ثمَّ الْكسر وَلأبي ذَر عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ يَمْلِكُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ قَالَ الْقَاضِي أَظُنُّهَا ضَمَّةَ الْمِيمِ اتَّصَلَتْ بِهَا فَتَصَحَّفَتْ وَوَجَّهَهُ السُّهَيْلِيُّ فِي أَمَالِيهِ بِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ هَذَا الْمَذْكُورُ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَمْلِكُ نَعْتًا أَيْ هَذَا رَجُلٌ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ.

     وَقَالَ  شَيْخُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ هُوَ الْمَوْصُولَ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ أَيْ هَذَا الَّذِي يَمْلِكُ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقٌ عَلَى أَنَّ الْكُوفِيِّينَ يُجَوِّزُونَ اسْتِعْمَالَ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِمَعْنَى الِاسْمِ الْمَوْصُولِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ الَّذِي يَمْلِكُ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ.

.

قُلْتُ لَكِنَّ اتِّفَاقَ الرُّوَاةِ عَلَى حَذْفِ الْيَاءِ فِي أَوَّلِهِ دَالٌّ عَلَى مَا قَالَ الْقَاضِي فَيَكُونُ شَاذًّا عَلَى أَنَّنِي رَأَيْتُ فِي أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ وَعَلَيْهِ عَلَامَةُ السَّرَخْسِيِّ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَتَوْجِيهُهَا أَقْرَبُ مِنْ تَوْجِيهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَظَرِهِ فِي حُكْمِ النُّجُومِ وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِظَهَرَ أَيْ هَذَا الْحُكْمُ ظَهَرَ بِمُلْكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي تَخْتَتِنُ .

     قَوْلُهُ  بِرُومِيَةَ بِالتَّخْفِيفِ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِلرُّومِ وَحِمْصَ مَجْرُورٌ بِالْفَتْحَةِ مُنِعَ صَرْفُهُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ صَرْفُهُ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَرِمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَمْ يَصِلْ إِلَى حِمْصَ وَزَيَّفُوهُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَالَ فَلَمَّا خَرَجُوا أَدْخَلَنِي عَلَيْهِ وَأَرْسَلَ إِلَيَّ الْأُسْقُفَّ وَهُوَ صَاحِبُ أَمْرِهِمْ فَقَالَ هَذَا الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَبَشَّرَنَا بِهِ عِيسَى أَمَّا أَنَا فَمُصَدِّقُهُ وَمُتَّبِعُهُ فَقَالَ لَهُ قَيْصَرُ أَمَّا أَنَا إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ذَهَبَ مُلْكِي فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ لِيَ الْأُسْقُفُّ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ وَاذْهَبْ إِلَى صَاحِبِكِ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنِّي قَدْ آمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُهُ وَأَنَّهُمْ قَدْ أَنْكَرُوا عَلَيَّ ذَلِكَثمَّ خرج إِلَيْهِم فَقَتَلُوهُ وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ دِحْيَةَ إِلَى ضُغَاطِرَ الرُّومِيَّ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ فِي الرُّومِ أَجْوَزُ قَوْلًا مِنِّي وَإِنَّ ضُغَاطِرَ الْمَذْكُورَ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَأَلْقَى ثِيَابَهُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَلَبِسَ ثِيَابًا بِيضًا وَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ دِحْيَةُ إِلَى هِرَقْلَ قَالَ لَهُ قَدْ.

.

قُلْتُ لَكَ إِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا فَضُغَاطِرُ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَهُمْ مِنِّي.

.

قُلْتُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ رُومِيَّةَ الَّذِي أُبْهِمَ هُنَا لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا قِيلَ إِنَّ دِحْيَةَ لَمْ يَقْدَمْ عَلَى هِرَقْلَ بِهَذَا الْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِنَّمَا قَدِمَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَالرَّاجِحُ أَنَّ دِحْيَةَ قَدِمَ عَلَى هِرَقْلَ أَيْضًا فِي الْأُولَى فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ لِكُلٍّ مِنَ الْأُسْقُفِّ وَمِنْ ضُغَاطِرَ قِصَّةٌ قُتِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِسَبَبِهَا أَوْ وَقَعَتْ لِضُغَاطِرَ قِصَّتَانِ إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكرهَا بن النَّاطُورِ وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَا أَنَّهُ قتل وَالثَّانيَِة الَّتِي ذكرهَا بن إِسْحَاقَ فَإِنَّ فِيهَا قِصَّتَهُ مَعَ دِحْيَةَ وَأَنَّهُ أَسْلَمَ وَقُتِلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ لِأَنَّهَا كَانَتْ دَارَ مُلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَانَتْ فِي زَمَانِهِمْ أَعْظَمُ مِنْ دِمَشْقَ وَكَانَ فَتْحُهَا عَلَى يَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّهُ نَبِيٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِرَقْلَ وَصَاحِبَهُ أَقَرَّا بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ هِرَقْلَ كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ صَاحِبِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَذِنَ هِيَ بِالْقَصْرِ مِنَ الْإِذْنِ وَفِي رِوَايَةِ المستملى وَغَيره بِالْمدِّ وَمَعْنَاهُ أعلم والدسكرة بِسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْقَصْرُ الَّذِي حَوْلَهُ بُيُوتٌ وَكَأَنَّهُ دَخَلَ الْقَصْرَ ثُمَّ أَغْلَقَهُ وَفَتَحَ أَبْوَابَ الْبُيُوتِ الَّتِي حَوْلَهُ وَأَذِنَ لِلرُّومِ فِي دُخُولِهَا ثُمَّ أَغْلَقَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَخَاطَبَهُمْ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَثِبُوا بِهِ كَمَا وَثبُوا بضغاطر قَوْله والرشد بفتحتتين وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ لِأَنَّهُمْ إِنْ تَمَادَوْا عَلَى الْكُفْرِ كَانَ سَبَبًا لِذَهَابِ مُلْكِهِمْ كَمَا عَرِفَ هُوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ .

     قَوْلُهُ  فَتُبَايِعُوا بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِمُثَنَّاتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ وَلِلْأَصِيلِيِّ فَنُبَايِعُ بِنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ لِهَذَا النَّبِيِّ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ بِحَذْفِ اللَّامِ .

     قَوْلُهُ  فَحَاصُوا بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ نَفَرُوا وَشَبَّهَهُمْ بِالْوُحُوشِ لِأَنَّ نَفْرَتَهَا أَشَدُّ مِنْ نَفْرَةِ الْبَهَائِمِ الْإِنْسِيَّةِ وَشَبَّهَهُمْ بِالْحُمْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْوُحُوشِ لِمُنَاسَبَةِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الْفِطْنَةِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ .

     قَوْلُهُ  وَأِيسَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَيَئِسَ بِيَائَيْنِ تَحْتَانِيَّتَيْنِ وَهُمَا بِمَعْنَى قَنَطَ وَالْأَوَّلُ مَقْلُوبٌ مِنَ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْإِيمَانِ أَيْ مِنْ إِيمَانِهِمْ لِمَا أَظْهَرُوهُ وَمِنْ إِيمَانِهِ لِأَنَّهُ شَحَّ بِمُلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُطِيعُوهُ فَيَسْتَمِرَّ مُلْكُهُ وَيَسْلَمَ وَيَسْلَمُوا بِإِسْلَامِهِمْ فَمَا أِيسَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي أَرَادَهُ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَفِرَّ عَنْهُمْ وَيَتْرُكَ مُلْكَهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

     قَوْلُهُ  آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ رَأَيْتُ زَادَ فِي التَّفْسِيرِ فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بدعائه إِلَى الْإِيمَان خَاصَّة لَا أَنه انْقَضَى أَمْرُهُ حِينَئِذٍ وَمَاتَ أَوْ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْآخِرِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ وَهَذَا أَوْجَهُ لِأَنَّ هِرَقْلَ وَقَعَتْ لَهُ قِصَصٌ أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَجْهِيزِهِ الْجُيُوشَ إِلَى مُؤْتَةَ وَمِنْ تَجْهِيزِهِ الْجُيُوشَ أَيْضًا إِلَى تَبُوكَ وَمُكَاتَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثَانِيًا وَإِرْسَالِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَهَبٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ أَصْحَابه كَمَا فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا قَبْلُ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ التَّنُوخِيِّ رَسُولِ هِرَقْلَ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ فَبَعَثَ دِحْيَةَ إِلَى هِرَقْلَ فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِتَابُ دَعَا قِسِّيسِي الرُّومِ وَبَطَارِقَتَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَتَحَيَّرُوا حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَجَ مِنْ بُرْنُسِهِ فَقَالَ اسْكُتُوا فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ تَمَسُّكَكُمْ بِدِينِكُمْ وروى بن إِسْحَاق عَن خَالِد بن بشار عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ الشَّامِ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ عَرَضَ عَلَى الرُّومِ أُمُورًا إِمَّا الْإِسْلَامَوَإِمَّا الْجِزْيَةَ وَإِمَّا أَنْ يُصَالِحَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَبْقَى لَهُمْ مَا دُونَ الدَّرْبِ فَأَبَوْا وَأَنَّهُ انْطَلَقَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الدَّرْبِ اسْتَقْبَلَ أَرْضَ الشَّامِ ثُمَّ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكِ أَرْضَ سُورِيَّةَ يَعْنِي الشَّامَ تَسْلِيمَ الْمُوَدِّعِ ثُمَّ رَكَضَ حَتَّى دَخَلَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَاخْتَلَفَ الْإِخْبَارِيُّونَ هَلْ هُوَ الَّذِي حَارَبَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوِ ابْنُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ هُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ لَمَّا كَانَ أَمْرُ هِرَقْلَ فِي الْإِيمَانِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مُسْتَبْهَمًا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَصْرِيحِهِ بِالْإِيمَانِ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَمَرَّ عَلَى الشَّكِّ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا.

     وَقَالَ  الرَّاوِي فِي آخِرِ الْقِصَّةِ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ خَتَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْبَابَ الَّذِي اسْتَفْتَحَهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ كَأَنَّهُ قَالَ إِنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ انْتَفَعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فظهرت مُنَاسبَة إِيرَاد قصَّة بن النَّاطُورِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ لِمُنَاسَبَتِهَا حَدِيثَ الْأَعْمَالِ الْمُصَدَّرِ الْبَابُ بِهِ وَيُؤْخَذُ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ آخِرِ لَفْظٍ فِي الْقِصَّةِ بَرَاعَةُ الِاخْتِتَامِ وَهُوَ وَاضِحٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فَإِنْ قِيلَ مَا مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ بِبَدْءِ الْوَحْيِ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ كَيْفِيَّةَ حَالِ النَّاسِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّ الْآيَةَ الْمَكْتُوبَةَ إِلَى هِرَقْلَ لِلدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ مُلْتَئِمَةٌ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي فِي التَّرْجَمَةِ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ الْآيَةَ.

     وَقَالَ  تَعَالَى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ماوصى بِهِ نوحًا الْآيَةَ فَبَانَ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِمْ كُلِّهِمْ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى سَوَاءٍ بَيْننَا وَبَيْنكُم الْآيَةَ تَكْمِيلٌ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ هِرَقْلَ وَضَعَ الْكِتَابَ فِي قَصَبَةٍ مِنْ ذَهَبٍ تَعْظِيمًا لَهُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَتَوَارَثُونَهُ حَتَّى كَانَ عِنْدَ مَلِكِ الْفِرِنْجِ الَّذِي تَغَلَّبَ عَلَى طُلَيْطِلَةَ ثُمَّ كَانَ عِنْدَ سَبْطِهِ فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابنَا أَن عبد الْملك بن سعد أَحَدَ قُوَّادِ الْمُسْلِمِينَ اجْتَمَعَ بِذَلِكَ الْمَلِكِ فَأَخْرَجَ لَهُ الْكِتَابَ فَلَمَّا رَآهُ اسْتَعْبَرَ وَسَأَلَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ تَقْبِيلِهِ فَامْتَنَعَ.

.

قُلْتُ وَأَنْبَأَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْقَاضِي نُورِ الدِّينِ بْنِ الصَّائِغِ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَيْفُ الدِّينِ فُلَيْحٌ الْمَنْصُورِيُّ قَالَ أَرْسَلَنِي الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ قَلَاوُونُ إِلَى مَلِكِ الْغَرْبِ بِهَدِيَّةٍ فَأَرْسَلَنِي مَلِكُ الْغَرْبِ إِلَى مَلِكِ الْفِرِنْجِ فِي شَفَاعَةٍ فَقَبِلَهَا وَعَرَضَ عَلَيَّ الْإِقَامَةَ عِنْدَهُ فَامْتَنَعْتُ فَقَالَ لِي لَأُتْحِفَنَّكَ بِتُحْفَةٍ سَنِيَّةٍ فَأَخْرَجَ لِي صُنْدُوقًا مُصَفَّحًا بِذَهَبٍ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مِقْلَمَةَ ذَهَبٍ فَأَخْرَجَ مِنْهَا كِتَابًا قَدْ زَالَتْ أَكْثَرُ حُرُوفِهِ وَقَدِ الْتَصَقَتْ عَلَيْهِ خِرْقَةُ حَرِيرٍ فَقَالَ هَذَا كِتَابُ نَبِيِّكُمْ إِلَى جَدِّي قَيْصَرَ مَا زِلْنَا نَتَوَارَثُهُ إِلَى الْآنَ وَأَوْصَانَا آبَاؤُنَا أَنَّهُ مَا دَامَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَنَا لَا يَزَالُ الْمُلْكُ فِينَا فَنَحْنُ نَحْفَظُهُ غَايَةَ الْحِفْظِ وَنُعَظِّمُهُ وَنَكْتُمُهُ عَنِ النَّصَارَى لِيَدُومَ الْمُلْكُ فِينَا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ آنِفًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى التَّنُوخِيِّ رَسُولِ هِرَقْلَ الْإِسْلَامَ فَامْتَنَعَ فَقَالَ لَهُ يَا أَخَا تَنُوخَ إِنِّي كَتَبْتُ إِلَى مَلِكِكُمْ بِصَحِيفَةٍ فَأَمْسَكَهَا فَلَنْ يَزَالَ النَّاسُ يَجِدُونَ مِنْهُ بَأْسًا مَا دَامَ فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ مُرْسَلِ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَأَمَّا كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ مَزَّقَهُ.

.
وَأَمَّا قَيْصَرُ فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَاهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُمَزَّقُونَ.

.
وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَسَتَكُونُ لَهُمْ بَقِيَّةٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُ جَوَابُ كِسْرَى قَالَ مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ وَلَمَّا جَاءَهُ جَوَابُ هِرَقْلَ قَالَ ثَبَّتَ اللَّهُ مُلْكَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ أَنْ يَرْوِيَ الْبُخَارِيُّ عَنِ الثَّلَاثَةِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَنْ يَرْوِيَ عَنْهُمْ بِطَرِيقٍ آخَرَ كَمَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَحْتَمِلُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَرْوِيَ لَهُم عَن عبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ وَأَنْ يَرْوِيَ لَهُمْ عَنْ غَيْرِهِ هَذَا مَا يَحْتَمِلُ اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ الِاتِّحَادَ قلتهَذَا الظَّاهِرُ كَافٍ لِمَنْ شَمَّ أَدْنَى رَائِحَةٍ مِنْ عِلْمِ الْإِسْنَادِ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْعَقْلِيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي هَذَا الْفَنِّ.

.
وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَأَشَدُّ بُعْدًا لِأَنَّ أَبَا الْيَمَانِ لَمْ يَلْحَقْ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ وَلَا سَمِعَ مِنْ يُونُسَ وَهَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالنَّقْلِ الْمَحْضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا عَدَاهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ لَاطَّلَعَ عَلَى كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ الثَّلَاثَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِخُصُوصِهِ فَاسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا التَّرَدُّدِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي تَغْلِيقُ التَّعْلِيقِ وَأُشِيرُ هُنَا إِلَيْهِ إِشَارَةً مُفْهِمَةً فَرِوَايَةُ صَالِحٍ وَهُوَ بن كَيْسَانَ أَخْرَجَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ بِتَمَامِهَا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَفِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ الزَّوَائِدِ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَبْلُ وَلَكِنَّهُ انْتَهَى حَدِيثُهُ عِنْدَ قَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ زَادَ هُنَا وَأَنَا كَارِهٌ وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ بن النَّاطُورِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِدُونِهَا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ وَرِوَايَةُ يُونُسَ أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَخْرَجَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْجِهَادِ مُخْتَصَرَةً مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ وَفِي الِاسْتِئْذَانِ مُخْتَصَرَةً أَيْضًا من طَرِيق بن الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَسُقْهُ بِتَمَامِهِ وَقَدْ سَاقَهُ بِتَمَامِهِ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْث وَذكر فِيهِ قصَّة بن النَّاطُورِ وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ سَاقَهَا الْمُؤَلِّفُ بِتَمَامِهَا فِي التَّفْسِيرِ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى بَعْضِ فَوَائِدَ زَائِدَةٍ فِيمَا مَضَى أَيْضًا وَذَكَرَ فِيهِ من قصَّة بن النَّاطُورِ قِطْعَةً مُخْتَصَرَةً عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلَةً فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ أَبَا الْيَمَانِ مَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ الزُّهْرِيَّ إِنَّمَا رَوَاهُ لِأَصْحَابِهِ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ عَنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَّ أَحَادِيثَ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ عَنْ غَيْرِ أَبِي الْيَمَانِ وَلَوِ احْتَمَلَ أَنْ يَرْوِيَهُ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ عَنْ شَيْخٍ آخَرَ لَكَانَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا قَدْ يُفْضِي إِلَى الِاضْطِرَابِ الْمُوجِبِ لِلضَّعْفِ فَلَاحَ فَسَادُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ وَالْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ لَا إِلَهَ الا هُوَ( قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْإِيمَانِ) هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا كِتَابُ الْإِيمَانِ وَكِتَابُ مَصْدَرٌ يُقَالُ كَتَبَ يَكْتُبُ كِتَابَةً وَكِتَابًا وَمَادَّةُ كَتَبَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ وَالضَّمِّ وَمِنْهَا الْكَتِيبَةُ وَالْكِتَابَةُ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِيمَا يَجْمَعُ أَشْيَاءَ مِنَ الْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ الْجَامِعَةِ لِلْمَسَائِلِ وَالضَّمُّ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَكْتُوبِ مِنَ الْحُرُوفِ حَقِيقَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهَا مَجَازٌ وَالْبَابُ مَوْضُوعُهُ الْمَدْخَلُ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعَانِي مَجَازٌ وَالْإِيمَانُ لُغَةً التَّصْدِيقُ وَشَرْعًا تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ مَزِيدُ أَمْرٍ مِنْ جِهَةِ إِبْدَاءِ هَذَا التَّصْدِيقِ بِاللِّسَانِ الْمُعَبِّرِ عَمَّا فِي الْقَلْبِ إِذِ التَّصْدِيقُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْتَهَيَاتِ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِيمَانُ فِيمَا قِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَبَايُنِ مَدْلُولِي الْأَمْنِ وَالتَّصْدِيقِ إِلَّا إِنْ لُوحِظَ فِيهِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ فَيُقَالُ أَمِنَهُ إِذَا صَدَّقَهُ أَيْ أَمِنَهُ التَّكْذِيبَ وَلَمْ يَسْتَفْتِحِ الْمُصَنِّفُ بَدْءَ الْوَحْيِ بِكِتَابٍ لِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ لَا تُسْتَفْتَحُ بِمَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ غَيْرُهَا لِأَنَّهَا تَنْطَوِي عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهَا وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى كِتَابٍ أَوْ تَأْخِيرِهَا وَلِكُلٍّ وَجْهٌ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَوَجْهُ الثَّانِي وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ قَائِمَةً مَقَامَ تَسْمِيَةِ السُّورَةِ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ كَالْآيَاتِ مُسْتَفْتَحَةٌ بِالْبَسْمَلَةِ قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ سَقَطَ لَفْظُ بَابُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَقَدْ وُصِلَ الْحَدِيثُ بَعْدُ تَامًّا وَاقْتِصَارُهُ عَلَى طَرَفِهِ فِيهِ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ وَالْمُرَادُ بَابُ هَذَا الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ أَيِ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّلَفِ الَّذين اطلقوا ذَلِك وَوهم بن التِّينِ فَظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ إِلَى آخِرِهِ مَرْفُوعٌ لَمَّا رَآهُ مَعْطُوفًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَرَدَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ قَوْلًا وَعَمَلًا وَالثَّانِي كَوْنُهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَأَمَّا الْقَوْلُ فَالْمُرَادُ بِهِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ.

.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ لِيَدْخُلَ الِاعْتِقَادُ وَالْعِبَادَاتُ وَمُرَادُ مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ وَمَنْ نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَالسَّلَفُ قَالُوا هُوَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ شَرْطٌ فِي كَمَاله وَمن هُنَا نشا لَهُم الْقَوْلُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرْجِئَةُ قَالُوا هُوَ اعْتِقَادٌ وَنُطْقٌ فَقَطْ وَالْكَرَّامِيَّةُ قَالُوا هُوَ نُطْقٌ فَقَطْ وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا هُوَ الْعَمَلُ وَالنُّطْقُ وَالِاعْتِقَادُ وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَالَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَالسَّلَفُ جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قُلْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَنَا فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ فَمَنْ أَقَرَّ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلَّا إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ كَالْفِسْقِ فَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى إِقْرَارِهِ وَمَنْ نُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى كَمَالِهِ وَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلَ الْكَافِرِ وَمَنْ نَفَاهُ عَنْهُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى حَقِيقَتِهِ وَأَثْبَتَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْوَاسِطَةَ فَقَالُوا الْفَاسِقُ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ.

.
وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي فَذَهَبَ السَّلَفُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالُوا مَتَى قبل ذَلِكَ كَانَ شَكًّا قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ وَإِلَّا ظهر الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذَا كَانَ إِيمَانُ الصِّدِّيقِ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْتَرِيهِ الشُّبْهَةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ يَتَفَاضَلُ حَتَّى إِنَّهُ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْإِيمَانُ أَعْظَمَ يَقِينًا وَإِخْلَاصًا وَتَوَكُّلًا مِنْهُ فِي بَعْضِهَا وَكَذَلِكَ فِي التَّصْدِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ بِحَسَبِ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ وَكَثْرَتِهَا وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّفِي كِتَابِهِ تَعْظِيمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ نَحْوَ ذَلِكَ وَمَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ صَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وبن جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمْ وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي عَصْرِهِمْ وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْةِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَرَوَى بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنَ أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَطْنَبَ بن أَبِي حَاتِمٍ وَاللَّالِكَائِيُّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَكُلِّ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَحَكَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَوَكِيعٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

     وَقَالَ  الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَيَنْقُصُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ مِنَ الْحِلْيَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الرَّبِيعِ وَزَادَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ ثُمَّ تَلَا ويزداد الَّذين آمنُوا ايمانا الْآيَةَ ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ يَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُصَرِّحَةٍ بِالزِّيَادَةِ وَبِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ الْمُقَابِلُ فَإِنَّ كُلَّ قَابِلٍ لِلزِّيَادَةِ قَابِلٌ لِلنُّقْصَانِ ضَرُورَةً .

     قَوْلُهُ  وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ هُوَ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَفْظُهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَلَفْظُ أَبِي أُمَامَةَ مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَزَادَ أَحْمَدُ فِيهِ وَنَصَحَ لِلَّهِ وَزَادَ فِي أُخْرَى وَيُعْمِلُ لِسَانَهُ فِي ذِكْرِ اللَّهِ وَلَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بِلَفْظِ لَا يَجِدُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ وَيبغض لله وَلَفظ الْبَزَّار رَفعه أوثق عرا الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ لِأَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ يَتَفَاوَتَانِ .

     قَوْلُهُ  وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ أَي بن عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيِّ وَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْجَزِيرَةِ فَلِذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ كَذَا ثَبَتَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّامِ وَفَرَائِضَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا اسْم أَن وَفِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ فَإِنَّ الْإِيمَانَ فَرَائِضُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمُ إِنَّ وَفَرَائِضُ خَبَرُهَا وَبِالْأَوَّلِ جَاءَ الْمَوْصُولُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَرَائِضَ أَيْ أَعْمَالًا مَفْرُوضَةً وَشَرَائِعَ أَيْ عَقَائِدَ دِينِيَّةً وَحُدُودًا أَيْ مَنْهِيَّاتٍ مَمْنُوعَةً وَسُنَنًا أَيْ مَنْدُوبَاتٍ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا أَيْ أُبَيِّنُ تَفَارِيعَهَا لَا أُصُولَهَا لِأَن اصولها كَانَت مَعْلُومَة لَهُم مجمله عَلَى تَجْوِيزِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِذِ الْحَاجَةُ هُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْأَثَرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ حَيْثُ قَالَ اسْتكْمل وَلم يستكمل قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَهَذَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

.
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ غَيْرَ الْفَرَائِضِ.

.

قُلْتُ لَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا أَيِ الْفَرَائِضَ وَمَا مَعَهَا فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ فَالْمُرَادُ أَنَّهَا مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ عَلَى مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ إِيمَانًا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قلبِي أَشَارَ إِلَى تَفْسِيرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيرهمَا لهَذِهِ الْآيَة فروى بن جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ إِلَى سَعِيدٍ قَالَ .

     قَوْلُهُ  لِيَطمَئِن قلبِي أَيْ يَزْدَادَ يَقِينِي وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لِأَزْدَادَ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِي وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ كَانَ كَأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَصَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ تِلْكَ بِالنَّصِّ وَمِنْ هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله.

     وَقَالَ  معَاذ هُوَ بن جَبَلٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصِيلِيُّ وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرٍ أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ قَالَ لِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ لِلرَّجُلِ مِنْ إِخْوَانِهِ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً فَيَجْلِسَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَانِهِ وَعُرِفَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْوَدَ أَبْهَمَ نَفْسَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ قَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ لِكَوْنِهِ كَانَ مُؤْمِنًا وَأَيُّ مُؤْمِنٍ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى إِرَادَةِ أَنَّهُ يَزْدَادُ إِيمَانًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَا تَعَلُّقَ فِيهِ لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّ مُعَاذًا إِنَّمَا أَرَادَ تَجْدِيدَ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُؤْمِنُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَرْضًا ثُمَّ يَكُونُ أَبَدًا مُجَدِّدًا كُلَّمَا نَظَرَ أَوْ فَكَّرَ وَمَا نَفَاهُ أَوَّلًا أَثْبَتَهُ آخِرًا لِأَنَّ تَجْدِيدَ الْإِيمَان إِيمَان قَوْله.

     وَقَالَ  بن مَسْعُودٍ الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ هَذَا التَّعْلِيقُ طَرَفٌ مِنْ أَثَرٍ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَبَقِيَّتُهُ وَالصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا وَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى عَادَتِهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا يَدُلُّ بِالْإِشَارَةِ وَحَذْفِ مَا يَدُلُّ بِالصَّرَاحَةِ إِذْ لَفْظُ النِّصْفِ صَرِيحٌ فِي التَّجْزِئَةِ وَفِي الْإِيمَانِ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عبد الله بن عكيم عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا وَفِقْهًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْأَثَرِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَ بن مَسْعُودٍ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ فَإِذَا أَيْقَنَ الْقَلْبُ انْبَعَثَتِ الْجَوَارِحُ كُلُّهَا لِلِقَاءِ اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَوْ أَنَّ الْيَقِينَ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يَنْبَغِي لَطَارَ اشْتِيَاقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَهَرَبًا مِنَ النَّارِ قَوْله.

     وَقَالَ  بن عُمَرَ إِلَخْ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى وِقَايَةُ النَّفْسِ عَنِ الشِّرْكِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ وَالْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ وَقَولُهُ حَاكَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ الْخَفِيفَةِ أَيْ تَرَدَّدَ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ بَلَغَ كُنْهَ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتَهُ وَبَعْضَهُمْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى قَول بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ مَرْفُوعًا وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء عَلَى شَرْطِ الْمُصَنِّفِ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَثَرِ بن عُمَرَ وَلَمْ أَرَهُ إِلَى الْآنَ مَوْصُولًا وَقَدْ أخرج بن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّقْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ حَتَّى تَتْرُكَ مَا تَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ وَصَلَ هَذَا التَّعْلِيقَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُوَ شَرْعُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ تَنْبِيهٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَعَ فِي أَصْلِ الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فِي أَثَرِ مُجَاهِدٍ هَذَا تَصْحِيفٌ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِبَيَانِهِ وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَهُ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ شَرَعَ لَكُمْ أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا وَالصَّوَابُ أَوْصَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَأَنْبِيَاءَهُ كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْفِرْيَابِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وبن الْمُنْذِرِ فِي تَفَاسِيرِهِمْ وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ وَكَيْفَ يُفْرِدُ مُجَاهِدٌ الضَّمِيرَ لِنُوحٍ وَحْدَهُ مَعَ أَنَّ فِي السِّيَاقِ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ انْتَهَى وَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِفْرَادِ فِي التَّفْسِيرِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ بِالْجَمْعِ عَلَى إِرَادَةِ الْمُخَاطَبِ وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ لَا يَمْتَنِعُ لِأَنَّ نُوحًا أُفْرِدَ فِي الْآيَةِ فَلَمْ يَتَعَيَّنِ التَّصْحِيفُ وَغَايَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ مَجِيءِ التَّفَاسِيرِ بِخِلَافِ لَفْظِهِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا أمروا الا ليعبدوا الله إِلَى قَوْله دين الْقيمَة قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَحَجَّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَخْرَجَهُ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ وَصَلَ هَذَا التَّعْلِيقَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالْمِنْهَاجُ السَّبِيلُ أَيِ الطَّرِيقُ الْوَاضِح والشرعةوَالشَّرِيعَةُ بِمَعْنًى وَقَدْ شَرَعَ أَيْ سَنَّ فَعَلَى هَذَا فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الِاتِّحَادِ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَهَذَا فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُهُ النَّسْخُ ( .

     قَوْلُهُ  دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ)
قَالَ النَّوَوِيُّ يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ هُنَا بَابٌ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَصَوَابُهُ بِحَذْفِهِ وَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُ بَابِ هُنَا إِذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ هُنَا.

.

قُلْتُ ثَبَتَ بَابٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَّصِلَةِ مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ لَكِنْ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ إِنَّهُ وَقَفَ عَلَى نُسْخَةٍ مَسْمُوعَةٍ عَلَى الْفَرَبْرِيِّ بِحَذْفِهِ وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ من قَول بن عَبَّاسٍ وَعَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلِهِ كَعَادَتِهِ فِي حَذْفِ أَدَاةِ الْعَطْفِ حَيْثُ يُنْقَلُ التَّفْسِيرُ وَقَدْ وَصله بن جرير من قَول بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ مَا يعبأ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم قَالَ يَقُولُ لَوْلَا إِيمَانُكُمْ أَخْبَرَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِهِمْ وَلَوْلَا إِيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَعْبَأْ بِهِمْ أَيْضًا وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّعَاءَ عَمَلٌ وَقَدْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَيَصِحُّ إِطْلَاقُ أَنَّ الْإِيمَانَ عَمَلٌ وَهَذَا عَلَى تَفْسِير بن عَبَّاس.

     وَقَالَ  غَيره الدُّعَاء هُنَا مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ وَالْمُرَادُ دُعَاءُ الرُّسُلِ الْخَلْقَ إِلَى الْإِيمَانِ فَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَكُمُ الرَّسُولُ فَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ وَيَكْفُرُ مَنْ كَفَرَ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أَنْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ الْعَذَابُ لَازِمًا لَكُمْ وَقِيلَ مَعْنَى الدُّعَاءِ هُنَا الطَّاعَةُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [7] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ -وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّاْمِ- فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا تَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.
فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ.
فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.
قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.
قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ لاَ.
قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ لاَ.
قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا.
قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.
قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ نَعَمْ.
قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.
قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ.
فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ.
وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.
فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِيهِ.
ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ.
سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ.
فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} .
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ.
فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ.
وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ -صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ- أُسْقُف عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ.
قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ.
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ.
فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.
ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَيَّ.
وَقَالَ إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ.
فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ.
رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
[الحديث أطرافه في: 51، 2681، 2804، 2941، 2978، 3174، 4553، 5980، 6260، 7196، 7541] .
( حدّثنا أبو اليمان) بفتح المثناة وتخفيف الميم واسمه ( الحكم بن نافع) بفتح الحاء المهملة والكاف الحمصي البهراني مولى امرأة من بهراء بفتح الموحدة المتوفى سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين، وللأصيلي وكريمة وأبي ذر وابن عساكر في نسخة حدّثنا الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي دينار القرشيالأموي مولاهم أبو بشر المتوفى سنة اثنتين أو ثلاث وستين ومائة، ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بالتصغير ( ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن) بفتح الهمزة ( عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما ( أخبره أن) بفتح الهمزة ( أبا سفيان) بتثليث السين يكنى أبا حنظلة واسمه صخر بالهملة ثم المعجمة ( ابن حرب) بالمهملة والراء ثم الموحدة ابن أمية ولد قبل الفيل بعشر سنين، وأسلم ليلة الفتح، وشهد الطائف وحنينًا، وفقئت عينه في الأولى والأخرى يوم اليرموك، وتوفي بالمدينة سنة إحدى أو أربع وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما.
( أخبره) ( أن) أي بأن ( هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء كدمشق، وهو غير منصرف للعجمة والعلمية، وحكي فيه هرقل بسكون الراء وكسر القاف كخندف والأوّل هو الأشهر والثاني حكاه الجوهري وغيره، واقتصر عليه صاحب الموعب والقزاز ولقبه قيصر، قاله الشافعي وهو أوّل من ضرب الدنانير وملك الروم إحدى وثلاثين سنة وفي ملكه توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أرسل اليه) أي إلى أبي سفيان حال كونه ( في) أي مع ( ركب) جمع راكب كصحب وصاحب، وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها، ( من قريش) صفة لركب وحرف الجر لبيان الجن أو للتبعيض، وكان عدد الركب ثلاثين رجلاً كما عند الحاكم في الإكليل، وعند ابن السكن نحو من عشرين، وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب أن المغيرة بن شعبة منهم، واعترضه الإمام البلقيني بسبق إسلام المغيرة فإنه أسلم عام الخندق فيبعد أن يكون حاضرًا ويسكن مع كونه مسلمًا ( و) الحال أنهم ( كانوا تجارًا) بالضم والتشديد على وزن كفّار وبالكسر والتخفيف على وزن كلاب، وهو الذي في الفرع كأصله جمع تاجر أي متلبسين بصفة التجارة ( بالشام) بالهمز، وقد يترك وقدّ تفتح الشين مع المد وهو متعلق بتجارًا أو بكانوا أو يكون صفة بعد صفة ( في المدة التي كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مادّ) بتشديد الدال من مادد فأدغم الأوّل في الثاني من المثلين وهو مدة صلح الحديبية سنة ست التي مادّ ( فيها أبا سفيان) زاد الأصيلي ابن حرب، ( وكفار قريش) أي مع كفار قريش على وضع الحرب عشر سنين.
وعند أبي النعيم أربع، ورجح الأوّل.
وكفار بالنصب مفعل معه أو عطف على المفعول به وهو أبا سفيان، ( فأتوه) أي أرسل إليه في طلب إتيان الركب، فجاء الرسول فوجدهم بغزة وكانت وجه متجرهم كما في الدلائل لأبي نعيم، فطلب إتيانهم فأتوه ( وهم) بالميم أي هرقل وجماعته، ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني والأصيلي وهو ( بإيلياء) بهمزة مكسورة فمثناتين آخر الحروف أولاهما ساكنة بينهما لام آخره ألف مهموزة بوزن كبرياء، وإيليا بالقصر حكاه البكري، وإلياء بحذف الياء الأولى وسكون اللام.
قال البرماوي: بوزن إعطاء، وإيلاء مثله لكن بتقديم الياء على اللام، حكاه النووي واستغربه.
وإيليا بتشديد الياء الثانية والقصر حكاه البرماوي عن جاجع الأصول، ورأيته في النهاية.
والإيلياء بالألف واللام كذا نقله النووي في شرح مسلم عن مسند أبي يعلى الموصلي واستغربه وهو بيت المقدس والباء بمعنى في ( فدعاهم) هرقل حال كونه ( في مجلسه وحوله) نصب على الظرفية وهو خبر المبتدأ الذي هو ( عظماء الروم) وهم من ولد عيص بن إسحق بن إبراهيم على الصحجح، ودخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهراء وغيرهم من غسان كانوا بالشام، فلما أجلاهم المسلمون عنها دخلوا بلاد الروم واستوطنوها فاختلطت أنسابهم.
وعند ابن السكن وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان ( ثم دعاهم) عطف على قوله فدعاهم، وليس بتكرار بل معناه أمر بإحضارهم، فلما حضروا وقعت مهلة ثم استدناهم كما أشعر بها الأداة الدالّة عليها، ( ودعا ترجمانه) بالنصب على المفعولية وللأصيلي كما في الفتح وأبي الوقت كما في الفرع كأصاله وغيرهما بترجمانه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالترجمان بفتح المثناة الفوقية وضم الجيم فيهما وقد تضم التاء فيهما إتباعًا، وهو في ضبط الأصيلي ويجوز فتحهما وضم الأوّل وفتح الثاني وهو المفسرلغة بلغة، يعني أرسل إليه رسولاً أحضره بصحبته أو كان حاضرًا واقفًا في المجلس كلما جرت به عادة ملوك الأعاجم، ثم أمره بالجلوس إلى جنب أبي سفيان ليعبر عنه بما أراد، ولم يسم الترجمان.
ثم قال هرقل للترجمان قل لهم أيكم أقرب ( فقال) الترجمان ( أيكم أقرب نسبًا لهذا الرجل) ضمن أقرب معنى اقعد فعدّاه بالباء، وعند مسلم المؤلف في آل عمران من هذا الرجل وهو على الأصل، وفي الجهاد إلى هذا الرجل ولا إشكال فيها، فإن أقرب يتعدى بإلى.
قال الله تعالى: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق: 16] والمفضل عليه محذوف أي من غيره، وزاد ابن السكن الذي خرج بأرض العرب ( الذي يزعم) ، وعند ابن إسحق عن الزهري يدّعي ( أنه نبيّ فقال) بالفاء، ولأبي الوقت وابن عساكر والأصيلي قال ( أبو سفيان: قلت) وفي رواية كما في اليونينية بغير رقم فقلت بزيادة الفاء ( أنا أقربهم نسبًا) .
وللأصيلي كما في الفرع كأصله أنا أقربهم به نسبًا أي من حيث النسب، وأقربية أبي سفيان لكونه من بني عبد مناف وهو الأب الرابع للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي سفيان، وخصّ هرقل الأقرب لكونه أحرى بالاطّلاع على ظاهره وباطنه أكثر من غيره، ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب، لكن قد يقال: إن القريب متهم في الإخبار عن نسب قريبه بما يقتضي شرفًا وفخرًا، ولو كان عدوًّا له لدخوله في شرف النسب الجامع لهما، ( فقال) أي هرقل، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي قال: ( أدنوه مني) بهمزة قطع مفتوحة كما في الفرع، وإنما أمر بإدناء أبي سفيان ليمعن في السؤال ويشفي غليله.
( وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره) لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب كما صرح به الواقدي في روايته.
( ثم قال) هرقل ( لترجمانه: قل لهم) أي لأصحاب أبي سفيان ( إني سائل هذا) أي أبا سفيان ( عن هذا الرجل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأشار إليه إشارة القريب لقرب العهد بذكره أو لأنه معهود في أذهانهم ( فإن كذبني) بالتخفيف أي إن نقل إليّ الكذب ( فكذبوه) بتشديد الذال المعجمة المكسورة، قال التيمي كذب بالتخفيف يتعدّى إلى مفعولين مثل صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث، وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد وهما من غرائب الألفاظ لمخالفتهما الغالب، لأن الزيادة تناسب الزيادة وبالعكس والأمر هنا بالعكس اهـ.
( قال) أي أبو سفيان وسقط لفظ قال لكريمة وأبي الوقت كذا هي ساقطة من اليونينية مطلقًا، ( فوالله لولا الحياء) وفي نسخة كريمة لولا أن الحياء: ( من أن يأثروا عليّ) بضم المثلثة وكسرها، وعلي بمعنى عني أي رفقتي يروون عني ( كذبًا) بالتنكير، وفي غير الفرع وأصله الكذب فأعاب به لأنه قبيح ولو على عدوّ ( لكذبت عنه) .
لأخبرت عن حاله بكذب لبغضي اياه.
وللأصيلي وأبوي الوقت وذر عن الحموي لكذبت عليه.
( ثم كان أوّل ما سألني عنه) بنصب أوّل في فرع اليونينية كهي، قال في الفتح: وبه جاءت الرواية وهو خبر كان واسمها ضمير الشأن وقوله الآتي إن قال، بدل من قوله ما سألني عنه.
ويجوز أن يكون إن قال اسم ان، وقوله أوّل ما سألني خبره وتقديره، ثم كان قوله كيف نسبه فيكم أوّل ما سألني عنه، ويجوز رفعه اسمًا لكان، وذكر العيني وروده رواية ولم يصرح به في الفتح، إنما قال: ويجوز رفعه على الاسمية وخبره قوله ( أن قال كيف نسبه) عليه الصلاة والسلام ( قيكم) أي ما حال نسبه أهو من أشرافكم أم لا؟ لكن قال العلاّمة البدر الدماميني: إن جواز النصب والرفع لا يصح على إطلاقه، وإنما الصواب التفصيل، فإن جعلنا ما نكرة بمعنى شيء تعين نصبه على الخبرية، وذلك لأن إن قال وأوّل ما سألني هو الخبر ضرورة أنه متى اختلف الاسمان تعريفًا وتنكيرًا فالمعرف الاسم والمنكر الخبر، ولا بعكس إلاّ في الضرورة.
وإن جعلناها موصولة جاز الأمران، لكن المختار جعل أن قال هو الاسم لكونه أعرف اهـ.
قال أبو سفيان: ( قلت هو فينا ذو نسب) أيصاحب نسب عظيم، فالتنوين للتعظيم كقوله تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] أي عظيمة، ( قال) هرقل ( فهل قال هذا القول منكم) من قريش ( أحد قط) بتشديد الطاء المضمومة مع فتح القاف، وقد يضمان وقد تخفف الطاء وتفتح القاف ولا يستعمل إلا في الماضي المنفي، واستعمل هنا بغير أداة النفي وهو نادر، وأجيب بأن الاستفهام حكمه حكم النفي كأنه قال: هل قال هذا القول أحد أو لم يقله أحد قط ( قبله) بالنصب على الظرفية، وللأصيلي والكشميهني وكريمة وابن عساكر مثله بدل قوله قبله، وحينئذ يكون بدلاً من قوله هذا القول، قال أبو سفيان ( قلت لا) أي لم يقله أحد قبله.
( قال) هرقل ( فهل كان من آبائه من) بكسر الميم حرف جر ( ملك) بفتح الميم وكسر اللام صفة مشبهة، وهذه رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، ورواه ابن عساكر في نسخة وأبو ذر عن الكشميهني من بفتح الميم اسم موصول وملك فعل ماضٍ، ولأبي ذر كما في الفتح فهل كان من آبائه ملك بإسقاط من، والأوّل أشهر وأرجح.
قال أبو سفيان ( قلت: لا.
قال)
هرقل ( فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم) وعند المؤلف في التفسير أيتبعه أشراف الناس بإثبات همزة الاستفهام، وللأربعة فأشراف الناس اتبعوه.
قال أبو سفيان ( قلت) ولغير الأربعة فقلت ( بل ضعفاؤهم) أي اتبعوه، والشرف علو الحسب والمجد والمكان العالي، وقد شرف بالضم فهو شريف وقوم شرفاء وأشراف وفي الفتح تخصيص الشرف هنا بأهل النخوة والتكبّر لا كل شريف ليخرج مثل العمرين ممن أسلم قبل سؤال هرقل، وتعقبه العيني بأن العمرين وحمزة كانوا من أهل النخوة.
فقول أبي سفيان جرى على الغالب.
ووقع في رواية ابن إسحق تبعه منا الضعفاء والمساكين والأحداث، وأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد.
قال الحافظ ابن حجر، وهو محمول على الأكثر الأغلب.
( قال) هرقل ( أيزيدون أم ينقصون) بهمزة الاستفهام، وفي رواية سورة آل عمران بإسقاطها، وجزم ابن مالك بجوازه مطلقًا خلافًا لمن خصّه بالشعر.
قال أبو سفيان ( قلت بل يزيدون.
قال)
هرقل: ( فهل يرتد أحد منهم سخطة) بفتح السين المهملة في اليونينية ليس إلا وبالنصب مفعول لأجله أو حال أي ساخطًا أي كراهة وعدم رضا، وجوّز في الفتح ضم السين.
وعبارته سخطة بضم أوّله وفتحه، وتعقبه العيني فقال: السخطة بالتاء إنما هي بالفتح فقط، والسخط بلا تاء يجوز فيه الضم والفتح مع أن الفتح يأتي بفتح الخاء، والسخط بالضم يجوز فيه الوجهان ضم الخاء معه وإسكانها اهـ.
قلت: في رواية الحموي والمستملي سخطة بضم السين وسكون الخاء، أي فهل يرتد أحد منهم كراهة ( لدينه بعد أن يدخل فيه) أخرج به من ارتد مكرهًا أولاً سخطًا لدين الإسلام بك لرغبة في غيره كحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن جحش.
قال أبو سفيان ( قلت: لا) .
فإن قلت: لمِ لم يستغن هرقل بقوله بل يزيدون عن قوله هل يرتد أحد منهم الخ، أجيب: بأنه لا ملازمة بين الازدياد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلاً، وإنما سأل عن الارتداد لأن من دخل على بصيرة في أمر محقق لا يرجع عنه بخلاف من دخل في أباطيل.
( قال) هرقل: ( فهل كنتم تتهمونه بالكذب) على الناس ( قبل أن يقول ما قال) قال أبو سفيان: ( قلت: لا) وإنما عدل عن السؤال عن نفس الكذب إلى السؤال عن التهمة تقريرًا لهم على صدقه لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها.
( قال) هرقل ( فهل يغدر) بدال مهملة مكسورة أي ينقض العهد؟ قال أبو سفيان: ( قلت لا، ونحن منه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في مدة) أي مدة صلح الحديبية أو غيبته وانقطاع أخباره عنّا.
( لاّ ندري ما هو فاعل فيها) أي في المدة، وفي قوله: لا ندري إشارة إلى عدم الجزم بغدره ( قال) أبو سفيان ( ولم تمكني) بالمثناة الفوقية أو التحتية ( كلمة أدخل فيها شيئًا) انتقصه به ( غير هذه الكلمة) .
قال في الفتح: التنقيص هنا أمر نسبي لأن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوعذلك منه في الجملة، وقد كان عليه الصلاة والسلام معروفًا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر، ولكن لما كان الأمر مغيبًا لأنه مستقبل أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب، ولذا أورده على التردد ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه اهـ.
وغير بالرفع صفة لكلمة، ويجوز فيها النصب صفة لشيئًا وليس في الفرع غير الأوّل، وصحح عليه.
فإن قلت: كيف يكون غير صفة لهما وهما نكرتان وغير مضاف إلى المعرفة؛ أجيب: بأنه لا يتعرف بالإضافة إلا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه، وههنا ليس كذلك.
وعورض بأن هذا مذهب ابن السراج والجمهور على خلافه فنحو غير المغضوب عليهم يعرب بدلاً من الذين أو صفة له تنزيلاً للموصول منزلة النكرة فجاز وصفها بالنكرة.
( قال) هرقل ( فهل قاتلتموه) نسب ابتداء القتال إليهم ولم ينسبه إليه عليه الصلاة والسلام لما اطّلع عليه من أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يبدأ قومه بالقتال حتى يقاتلوه، قال أبو سفيان ( قلت نعم) قاتلناه.
( قال) هرقل ( فكيف كان قتالكم إياه) بفصل ثاني الضميرين والاختيار أن لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل، وقيل قتالكم إياه أفصح من قتالكموه باتصال الضمير، فلذلك فصله وصوّبه العيني تبعًا لنص الزمخشري.
قال أبو سفيان ( قلت) وللأصيلي قال ( الحرب بيننا وبينه سجال) بكسر السين المهملة وبالجيم المخففة أي نوب نوبة لنا ونوبة له كما قال ( ينال منا وننال منه) أي يصيب منا ونصيب منه.
قال البلقيني: هذه الكلمة فيها دسيسة أيضًا لأنهم لم ينالوا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطّ، وغاية ما في غزوة أُحُد أن بعض المقاتلين قتل وكانت العزة والنصرة للمؤمنين اهـ.
وتعقب بأنه قد وقعت المقاتلة بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم قبل هذه القصة في ثلاثة مواطن: بدر وأُحُد والخندق، فأصاب المسلمون من المثركين في بدر وعكسه في أُحُد وأصيب من الطائفتين ناس قليل في الخندق، فصح قول أبي سفيان يصيب منا ونصيب منه، وحينئذ فلا دسيسة هنا في كلام أبي سفيان كما لا يخفى، والجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب.
قال في المصابيح: فإن قلت: فما يصنع الشلوبين القائل بأنها في حكم مفسرها إن كان ذا محل فهي كذلك وإلاّ فلا، وهي ههنا مفسرة للخبر فيلزم أن تكون ذات محل لكنها خالية عن رابط يربطها بالمبتدأ قلت: تقدره أي ينال منا فيها وننال فيها منه اهـ.
والسجال مرفوع خبر للحرب واستشكل جعله خبرًا لكونه جمعًا والمبتدأ مفرد فلم تحصل المطابقة بينهما، وأجيب كما في الفتح بأن الحرب اسم جنس والسجال اسم جمع، وتعقبه العيني بأن السجال ليس اسم جمع بل هو جمع وبينهما فرق، وجوّز أن يكون سجال بمعنى المساجلة فلا يرد السؤال أصلاً.
وفي قوله الحرب بيننا وبينه سجال تشبيه بليغ شبه الحرب بالسجال مع حذف أداة التشبيه لقصد المبالغة كقولك: زيد أسد إذا أردت به المبالغة في بيان شجاعته فصار كأنه عين الأسد.
وذكر السجال وأراد به النوب يعني الحرب بيننا وبينه نوب نوبة لنا ونوبة له كالمستقيين إذا كان بينهما دلو يستقي أحدهما دلوًا والآخر دلوًا.
( قال) هرقل ( ما) بإسقاط الباء الموحدة في اليونينية وهي مكشوطة من الفرع، وفي بعض الأصول بما، وفي نسخة فما ( ذا يأمركم) ، أي ما الذي يأمركم به؟ قال أبو سفيان: ( قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا) بالواو، وفي رواية المستملي اعبدوا الله لا تشركوا بحذف الواو، وحينئذ فيكون تأكيدًا لقوله وحده، وهذه الجملة عطف على اعبدوا الله وهي من عطف المنفي على المثبت وعطف الخاص على العام؛ على حدّ { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر: 4] ، فإن عبادته تعالى أعمّ من عدم الإشراك به ( واتركوا ما يقول آباؤكم) من عبادة الأصنام وغيرهما مما كانوا عليه في الجاهلية.
( ويأمرنا بالصلاة) المعهودة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، وفي نسخة مما في اليونينية بزيادة والزكاة ( والصدق) وهو القول المطابق للواقع.
وفي رواية للمؤلف بالصدقة بدل الصدق، ورجحها الإمام البلقيني، قال الحافظ ابن حجر: ويقوّيها رواية المؤلف في التفسير والزكاة وقد ثبت عنده من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي اللفظان الصدقةوالصدق ( والعفاف) بفتح العين أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة ( والصلة) للأرحام وهي كل ذي رحم لا تحلّ مناكحته أو فرضت الأنوثة مع الذكورة، أو كل ذي قرابة.
والصحيح عمومه في كل ما أمر الله به أن يوصل كالصدقة والبر والإنعام.
قال في التوضيح: من تأمل ما استقرأه هرقل من هذه الأوصاف تبين له حسن ما استوصف من أمره واستبرأه من حاله والله دره من رجل ما كان أعقله لو ساعدته المقادير بتخليد ملكه والأتباع ( فقال) هرقل ( للترجمان قل له) أي لأبي سفيان: ( سألتك عن) رتبة ( نسبه) فيكم أهو شريف أم لا ( فذكرت أنه فيكم ذو) أي صاحب ( نسب) شريف عظيم ( فكذلك) بالفاء وللأربعة وكذلك ( الرسل تبعث في) أشرف ( نسب قومها) جزم به هرقل لما تقرر عنده في الكتب السالفة.
( وسألتك: هل قال أحد) ولأبي ذر كما في الفرع كأصله وسألتك قال أحد ( منكم هذا القول) زاد في نسخة قبله.
( فذكرت أن لا فقلت) أي في نفسي وأطلق على حديث النفس قولاً ( لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله) يأتسي بهمزة ساكنة بعدها مثناة فوقية مفتوحة وسين مهملة مكسورة أي يقتدي ويتبع.
ولأبي ذر عن الكشميهني يتأسى بتقديم المثناة الفوقية على الهمزة المفتوحة، وفتح السين المشدّدة.
( وسألتك هل كان من آبائه من ملك) وللكشميهني من ملك بفتح الميمين ( فذكرت أن لا قلت) وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني فقلت ( فلو) ولأبي الوقت لو ( كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه) .
فإن قلت لم قال أبيه بالإفراد؟ أجيب: ليكون أعذر في طلب الملك بخلاف ما لو قال ملك آبائه أو المراد بالأب ما هو أعم من حقيقته ومجازه.
نعم في سورة آل عمران آبائه بالجمع.
فإن قلت لم قال هرقل فقلت في هذين الموضعين وهما: هل قال هذا القول أحد منكم، وهل كان من آبائه من ملك؟ أجيب: بأن هذين المقامين مقاما فكر ونظر بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنها مقام نقل.
قال هرقل لأبي سفيان: ( وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أئه لم يكن ليذر) اللام فيه لام الجحود لملازمتها النفي وفائدتها تأكيد النفي نحو: { لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 168] أي لم يكن ليدع ( الكذب على الناس) قبل أن يظهر رسالته.
( ويكذب) بالنصب ( على الله) بعد إظهارها.
( وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل) غالبًا لأنهم أهل الاستكانة بخلاف أهل الاستكبار المصرّين على الشقاق بغيًا وحسدًا كأبي جهل، ويؤيد استشهاده على ذلك قوله تعالى: { قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُون} [الشعراء: 111] المفسر بأنهم الضعفاء على الصحيح.
قال هرقل لأبي سفيان ( وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان) فإنه لا يزال في زيادة ( حتى يتم) بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها، ولهذا نزل في آخر سنيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] .
( وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين) بالنون، وفي بعض النسخ حتى بالمثناة الفوقية، وفي آل عمران، وكذلك الإيمان إذا خالط قال في الفتح وهو يرجح أن رواية حتى وهم، والصواب وهو رواية الأكثر حين ( تخالط) بالمثناة الفوقية ( بشاشته القلوب) بفتح الموحدة والشينين المعجمتين وضم التاء وإضافته إلى ضمير الإيمان.
والقلوب نصب على المفعولية.
أي تخالط بشاشة الإيمان القلوب التي تدخل فيها، وللحموي والمستملي يخالط بالمثناة التحتيه بشاشة بالنصب على المفعولية والقلوب بالجر على الإضافة، والمراد ببشاشة القلوب انشراح الصدر والفرح والسرور بالإيمان.
( وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة.
( وسألتك بما يأمركم) بإثبات الألف معما الاستفهامية وهو قليل.
كذا قاله الزركشي وغيره، وتعقبه في المصابيح بأنه لا داعي هنا إلى التخريج على ذلك، إذ يجوز أن تكون الباء بمعنى عن متعلقة بسأل نحو فاسأل به خبيرًا، وما موصولة والعائد محذوف، ثم أورد سؤالاً وهو أن أمر يتعدى بالباء إلى المفعول الثاني، تقول: أمرتك بكذا فالعائد حينئذ مجرور بغير ما جر به الموصول معنى، فيمتنع حذفه.
وأجاب بأنه قد ثبت حذف حرف الجر من المفعول الثاني فينصب حينئذ نحو: أمرتك الخير، وعليه حمل جماعة من المغربين قوله تعالى: { مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33] فجملوا ماذا المفعول الثاني، وجعلوا الأوّل محذوفًا لفهم المعنى، أي تأمريننا.
وإذا كان كذلك جعلنا العائد المحذوف منصوبًا ولا ضير اهـ.
( فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و) أنه ( ينهاكم عن عبادة الأوثان) جمع وثن بالمثلثة وهو الصنم واستفاده هرقل من قوله ولا تشركوا به شيئًا واتركوا ما يقول آباؤكم لأن مقولهم الأمر بعبادة الأوثان ( و) أنه ( يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف) ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان، وسقط هنا إيراد تقدير السؤال العاشر، والذي بعده جوابه وثبت ذلك جميعه في الجهاد كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم قال هرقل لأبي سفيان: ( فإن كان ما تقول حقًا) لأن الخبر يحتمل الصدق والكذب ( فسيملك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( موضع قدميّ هاتين) أرض بيت المقدس أو أرض ملكه.
( وقد كنت أعلم أنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( خارج) قاله لما عنده من علامات نبوّته عليه الصلاة والسلام الثابتة في الكتب القديمة، وفي رواية سورة آل عمران فإن كان ما تقول حقًا فإنه نبي؛ وفي الجهاد وهذه صفة نبي، ووقع في أمالي المحاملي رواية الأصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان أن صاحب بصرى أخذه وناسًا معه في تجارة، فذكر القصة مختصرة دون الكتاب وزاد في آخرها قال: فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها، قلت: نعم، قال: فأدخلت كنيسة لهم فيها الصور فلم أره ثم أدخلت أخرى فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر ( لم) بإسقاط الواو ولابن عساكر في نسخة ولم ( أكن أظن أنه منكم) أي من قريش ( فلو أني أعلم أني) وسقطت أني الأولى في نسخة، ولأبي الوقت إنني ( أخلص) بضم اللام أي أصل ( إليه لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة أي لتكلفت ( لقاءه) على ما فيه من المشقة، وهذا التجشم كما قاله ابن بطال هو الهجرة وكانت فرضًا قبل الفتح على كل مسلم، وفي مرسل ابن إسحق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال: ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته، ونحوه عند الطبراني بسند ضعيف فقد خاف هرقل على نفسه أن يقتله الروم كما جرى لغيره وخفي عليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآتي أسلم تسلم، فلو حمل الجزاء على عمومه في الدارين لسلم لو أسلم من جميع المخلوف .. ( ولو كنت عندما) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لغسلت عن قدميه) مما لعله يكون عليهما.
قاله مبالغة في الخدمة أو لأزلت عنهما كقوله تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] قال الزمخشري: أي الذين يصدّون عن أمره، وقال غيره: عدي بعن لأن في المخالفة معنى التباعد والحيد، كأن المعنى الذين يحيدون عن أمره بالمخالفة والإتيان بعن أبلغ للتنبيه على هذا الغرض.
وفي باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إلى الإسلام والنبوّة، ولو كنت عنده لغسلت قدميه.
وفي رواية عن عبد الله بن شدّاد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه.
وزاد فيها ولقد رأيت جبهته يتحادر عرقها من كرب الصحيفة يعني لما قرىء عليه الكتاب، وتثنية قدميه رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي.
وفي رواية قدمه بالإفراد.
قال أبو سفيان: ( ثم دعا) هرقل ( بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من وكّل ذلك إليه، ولهذا عدي إلى الكتاب بالباء كذا قرره في الفتح.
وقال العيني: الأحسن أن يقال: ثم دعا من أتى بكتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وجوز زيادة الباء، أي دعا الكتاب على سبيل المجاز أو ضمن دعا معنى طلب ( الذي بعث به دحية) بكسر الدال وفتحها ورفع التاء على الفاعلية ابن خليفة الكلبي، ولأبوي ذر والوقت عن المستملي وابن عساكر بعث به مع دحية أي بعثه عليه الصلاة والسلام معه، وكان في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية ( إلى عظيم) أهل ( بصرى) بضم الموحدة مقصورًا مدينة حوران أي أميرها الحرث بن أبي شمر الغساني.
( فدفعه إلى هرقل) فيه مجاز لأنه أرسل به إليه صحبة عديّ بن حاتم كما في رواية ابن السكن في الصحابة، وكان وصوله إليه كما قاله الواقدي وصوّبه الحافظ ابن حجر في سنة سبع ( فقرأه) هرقل بنفسه أو الترجمان بأمره، وفي مرسل محمد بن كعب القرظيّ عند الواقدي في هذه القصة فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية فقرأه ( فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم) فيه استحباب تصدير الكتب بالبسملة، وإن كان المبعوث إليه كافرًا.
فإن قلت: قد قدم سليمان اسمه على البسملة، أجيب: أنه إنما ابتدأ بالبسملة وكتب اسمه عنوانًا بعد ختمه لأن بلقيس إنما عرفت كونه من سليمان بقراءة عنوانه المعهود، ولذلك قالت: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
فالتقديم واقع في حكاية الحال.
( من محمد عبد الله ورسوله) وصف نفسه الشريفة بالعبودية تعريضًا لبطلان قول النصارى في المسيح أنه ابن الله، لأن الرسل مستوون في أنهم عباد الله.
وللأصيلي وابن عساكر من محمد بن عبد الله ورسول الله ( إلى هرقل عظيم) أهل ( الروم) أي المعظم عندهم ووصفه بذلك لمصلحة التأليف ولم يصفه بالأمرة ولا الملك لكونه معزولاً بحكم الإسلام، وقوله: عظيم بالجر بدل من سابقه، ويجوز الرفع على القطع والنصب على الاختصاص وذكر المدائني أن القارىء لما قرأ من محمد رسول الله غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب فقال له هرقل: ما لك؟ فقال: لأنه بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم.
قال: إنك لضعيف الرأي أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه لئن كان رسول الله إنه لأحق أن يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكي ومالكه.
( سلام) بالتنكير، وعند المؤلف في الاستئذان السلام ( على من اتبع الهدى) أي الرشاد على حد قول موسى وهارون لفرعون: { وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47] ، والظاهر أنه من جملة ما أُمرا به أن يقولاه، ومعناه سلم من عذاب الله من أسلم فليس المراد به التحية وإن كان اللفظ يُشعِر به لأنه لم يسلم، فليس هو ممن اتبع الهدى.
( أما بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة المنوية لفظًا، ويؤتى بها للفصل بين الكلامين.
قال في الفتح: واختلف في أول من قالها فقيل داود، وقيل يعرب بن قحطان، وقيل كعب بن لؤي، وقيل قس بن ساعدة، وقيل سحبان.
وفي خمس غرائب مالك للدارقطني أن يعقوب عليه السلام أول من قالها، فإن ثبت وقلنا إن قحطان من ذرية إسماعيل فيعقوب أوّل من قالها مطلقًا، وإن قلنا إن قحطان قبل إبراهيم فيعرب أوّل من قالها.
( فإني أدعوك بدعاية الإسلام) .
بكسر الدال المهملة، ولمسلم كالمؤلف في الجهاد بداعية الإسلام أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، والباء بمعنى إلى، أي أدعوك إلى الإسلام.
( أسلم) بكسر اللام ( تسلم) بفتحها ( يؤتك الله أجرك مرتين) بالجزم في الأول على الأمر، وفي الثاني جواب له، والثالث بحذف حرف العلة جواب ثانٍ له أيضًا، أو بدل منه، وإعطاء الأجر مرتين لكونه مؤمنًا بنبيّه.
ثم آمن بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو من جهة أن إسلامه يكون سببًا لإسلام أتباعه.
وقوله: أسلم تسلم فيه غاية الاختصار ونهاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من الجناس الاشتقاقي، وهو أن يرجع اللفظان في الاشتقاق إلى أصل واحد، وعند المؤلف في الجهاد أسلم تسلم وأسلم يؤتك بتكرار أسلم مع زيادة الواو في الثانية، فيكون الأمر الأوّل للدخول في الإسلام والثاني للدوام عليه على حدّ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء: 136] قاله في الفتح، وعورض بأن الآية في حق المنافقين، أي يا أيها الذين آمنوا نفاقًا آمنوا إخلاصًا.
وأجيب بأنه قول مجاهد.
وقال ابن عباس في مؤمني أهل الكتاب، وقال جماعة من المفسّرين: خطاب للمؤمنين، وتأويل آمنوا بالله أقيمواودوموا واثبتوا على أيمانكم.
( فإن توليت) أي أعرضت عن الإسلام ( فإن عليك) مع إثمك ( إثم اليريسين) بمثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة بينهما راء مكسورة ثم سين مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم نون، جمع يريس على وزن كريم.
وفي رواية الأريسين بقلب المثناة الأولى همزة وفي أخرى اليريسيين بتشديد الياء بعد السين جمع يريسيّ وهي التي في الفرع كأصله عن الأربعة، والرابعة وهي للأصيلي كما في اليونينية الأريسيين بتشديد الياء بعد السين كذلك، إلا أنه بالهمزة في أوّله موضع الياء، والمعنى أنه إذا كان عليه إثم الاتباع بسبب اتباعهم له على استمرار الكفر، فلأن يكون عليه إثم نفسه أولى.
فإن قلت: هذا معارض بقوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أجيب بأن وزر الإثم لا يتحمله غيره، ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين، جهة فعله وجهة تسببه.
والأريسيون الأكارون أي الفلاحون والزراعون، أي عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك.
ونبّه بهم على جميع الرعايا لأنهم الأغلب في رعاياه، وأسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا.
وقال أبو عبيد المراد بالفلاحين أهل مملكته لأن كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح، سواء كان يلي ذلك بنفسه أم بغيره، وعند كراع هم الأجراء.
وعند الليث العشارون يعني أهل المكس.
وعند أبي عبيدة الخدم والخول يعني لصده إياهم عن الدين.
كما قال تعالى: { رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} [الأحزاب: 67] الآية.
والأوّل أظهر.
وقيل: كان أهل السواد أهل فلاحة وكانوًا مجوسًا، وأهل الروم أهل صناعة، فاعلموا بأنهم وإن كانوا أهل كتاب بأن عليهم إن لم يؤمنوا من الإثم مثل إثم المجوس الذين لا كتاب لهم، وفي قوله: فإن توليت استعارة تبعية لأن حقيقة التولي إنما هو بالوجه، ثم استعمل مجازًا في الإعراض عن الشيء.
( ويا أهل الكتاب) كذا في رواية عبدوس والنسفيّ والقابسي، وهو الذي في اليونينية بالواو عطفًا على قوله أدعوك أي أدعوك بدعاية الإسلام وأدعوك بقوله تعالى أو أتلو عليك أو أقرأ عليك أهل الكتاب، وعلى هذا التقدير فلا تكون زائدة في التلاوة لأن الواو إنما دخلت على محذوف ولا محذور فيه.
قإن قلت: يلزم عليه حذف المعطوف وبقاء حرف العطف وهو ممتنع أجيب: بأنما ذاك إذا حذف المعطوف وجميع متعلقاته، أما إذا بقي من اللفظ شيء هو معمول للمحذوف فلا نسلم امتناع ذلك كقوله تعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] ، أي وأخلصوا الإيمان.
وكقوله: وزججن الحواجب والعيونا أي وكحلن وعلفتها تبنًا وماءً باردًا أي وسقيتها إلى غير ذلك.
فإن قلت: العطف مشكل لأنه يقتضي تقييد التلاوة بتوليه وليس كذلك، أجيب: بأنه إنما هو معطوف على مجموع الجملة المشتملة على الشرط والجزاء لا على الجزاء فقط، وقيل: إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد التلاوة بل أراد مخاطبتهم بذلك، وحينئذ فلا إشكال، وعورض بأن العلماء استدلوا بهذا الحديث على جواز كتابة الآية والآيتين إلى أرض العدو، ولولا أن المراد الآية لما صح الاستدلال، وهم أقوم وأعرف.
وبأنه لو لم يرد الآية لقال عليه الصلاة والسلام فإن توليتم، وفي الحديث: فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون، لكن يمكن الانفصال عن هذا الأخير بأنه من باب الالتفات.
وفي رواية الأصيلي وأبي ذر كما قاله عياض يا أهل الكتاب بإسقاط الواو، فيكون بيانًا لقوله بدعاية الإسلام.
وقوله: يا أهل الكتاب يعمّ أهل الكتابين.
( تعالوا) بفتح اللام ( إلى كلمة سواء) أي مستوية ( بيننا وبينكم) لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، وتفسير الكلمة ( أن لا نعبد إلاّ الله) أي نوحده بالعبادة ونخلص له فيها ( ولا نشرك به شيئًا) ولا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلاً لأن يعبد ( ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله) .
فلا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل، لأن كلاً منهم بعضنا بشر مثلنا.
روي أنه لما نزلت { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله.
قال: أليس كانوا يحلون لكم ويحرمونفتأخذون بقولهم؟ قال: نعم.
قال: ( فإن تولوا) عن التوحيد ( فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) .
أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم، أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب وتطابقت عليه الرسل، وقد قيل: إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب ذلك قبل نزول الآية، فوافق لفظه لفظها لما نزلت لأنها نزلت في وفد نجران سنة الوفود سنة تسع، وقصة أبي سفيان قبل ذلك سنة ست، وقيل: بل نزلت في اليهود، وجوّز بعضهم نزولها مرتين.
وقيل، فيما حكاه السهيلي: إن هرقل وضع هذا الكتاب في قصبة من ذهب تعظيمًا له وإنهم لم يزالوا يتوارثونه كابرًا عن كابر في أعز مكانٍ.
وحكي أن ملك الفرنج في دولة الملك المنصور قلاوون الصالحي أخرج لسيف الدين قلج صندوقًا مصفحًا بالذهب، واستخرج منه مقلمة من ذهب فأخرج منها كتابًا زالت أكثر حروفه فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه.
( قال أبو سفيان فلما قال) هرقل ( ما قال) أي الذي قاله في السؤال والجواب، ( وفرغ من قراءة الكتاب) النبوي ( كثر عنده الصخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة المفتوحتين أي اللغط كما في مسلم، وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة، ( وارتفعت الأصوات) بذلك ( وأخرجنا) بضم الهمزة وكسر الراء ( فقلت لأصحابي حين أخرجنا) وعند المؤلف في الجهاد حين خلوت بهم، والله ( لقد أمر) بفتح أوله مقصورًا وكسر ثانيه أي كبر وعظم ( أمر ابن أبي كبشة) بسكون الميم أي شأنه، وكبشة بفتح الكاف وسكون الموحدة.
قال ابن جني: اسم مرتجل ليس بمؤنث الكبش، لأن مؤنث الكبش من غير لفظه يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها كنية أبيه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى فيما قاله ابن ماكولا وغيره، وعند ابن بكير أنه أسلم وكانت له بنت تسمى كبشة، فكنّي بها أو هو والد حليمة مرضعته أو ذلك نسبة إلى جد جده وهب لأن أمه آمنة بنت وهب وأم جد وهب قيلة بنت أبي كبشة، أو لجد جده عبد المطلب لأمه، أو هو رجل من خزاعة اسمه وجز بواو مفتوحة فجيم ساكنة فزاي، ابن غالب خالف قريشًا في عبادة الأوثان فعبد الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة.
( إنه يخافه) .
بكسر الهمزة على الاستئناف.
وجوّز العيني فتحها قال: وإن كان على ضعف على أنه مفعول من أجله، والمعنى عظم عليه الصلاة والسلام لأجل أنه يخافه ( ملك بني الأصفر) وهم الروم لأن جدهم روم بن عيص بن إسحق تزوّج بنت ملك الحبشة فجاء ولده بين البياض والسواد، فقيل له الأصفر، أو لأن جدته سارة حفّته بالذهب.
وقيل غير ذلك.
قال أبو سفيان ( فما زلت موقنًا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام) فأبرزت ذلك اليقين، ( وكان ابن الناطور) بالمهملة أي حافظ البستان وهو لفظ عجمي تكلمت به العرب، وفي رواية الحموي الناظور بالمعجمة.
وفي رواية الليث عن يونس بن ناطورا بزيادة ألف في آخره والواو عاطفة، فالقصة الآتية موصولة إلى ابن الناطور مروية عن الزهري خلاقًا لمن توهم أنها معلقة أو مروية بالإسناد المذكور عن أبي سفيان، والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله وذكر الحديث، ثم قال الزهري: وكان ابن الناطور يحدث فذكر هذه القصة.
وقوله ( صاحب إيلياء) بكسر الهمزة واللام بينهما مثناة تحتية مع المد على الأشهر وهي بيت المقدس أي أميرها، وصاحب منصوب في رواية أبي ذر على الاختصاص أو الحال لا خبر كان لأن خبرها إما أسقفًا أو يحدث، وجوّزه البدر الدماميني بأنه لا مانع من تعدد الخبر.
وفي رواية غير أبي ذر صاحب بالرفع صفة لابن الناطور، ورده الزركشي بأنه معرفة.
وصاحب لا يتعرف بالإضافة لأنها في تقدير الانفصال.
وجوّزه الكرماني لأن الإضافة معنوية.
قال البرماوي وهو الظاهر.
وقال البدر الدماميني: وهو أي قول الزركشي وهم، فقد قال سيبويه: تقول مررت بعبد الله ضاربك، كما تقول مررت بعبد الله صاحبك أي المعروف بضربك.
قال الرضي: فإذا قصدت هذا المعنى لم يعمل اسم الفاعل في محل المجرور به نصبًا كما في صاحبك، وإنكان أصله اسم فاعل من صحب يصحب، بل نقدره كأنه جامد، وأعربه بعضهم خبر مبتدأ محذوف أي هو صاحب إيلياء.
( وهرقل) بفتح اللام مجرور عطفًا على إيلياء أي صاحب إيلياء وصاحب هرقل، وأطلق عليه الصحبة إما بمعنى التبع وإما بمعنى الصداقة، فوقع استعمال صاحب في المجاز بالنسبة لامرية إيلياء، وفي الحقيقة بالنسبة إلى هرقل.
( أسقف) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول من الثلاثي المزيد وهي رواية المستملي والحموي، وعزاها في الفرع كأصله للكشميهني فقط، وعند الجواليقي.
وهي في الفرع كأصله للقابسي فقط أسقفًا بضم الهمزة وسكون السين وضم القاف وتخفيف الفاء، وعند القابسي أسقفًا كذلك إلا أنه بتشديد الفاء.
وعزاها في الفرع كأصله لابن عساكر فقط.
قال النووي وهو الأشهر، وعند الكشميهني وهي في اليونينية نسخة بغير رقم سقف بضم أوّله مبنيًّا للمفعول من التسقيف.
ولأبي ذر والأصيلي عن المروزي سقف بالتخفيف مبنيًّا للمفعول، وللجرجاني سقفًا بضم السين وكسر القاف وتشديد الفاء، ولأبي ذر عن المستملي سقفًّا بضم السين والقاف وتشديد الفاء أي مقدّمًا.
( على نصارى الشام) لكونه رئيس دينهم أو عالمهم أو هو قيم شريعتهم، وهو دون القاضي أو هو فوق القسيس ودون المطران أو الملك المتخاشع في مشيته، الجمع أساقفة وأساقف ( يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء) عند غلبة جنوده على جنود فارس وإخراجهم في سنة عمرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديبية ( أصبح خبيث النفس) رديئها غير طيبها مما حل به من الهم وعبّر بالنفس عن جملة الإنسان روحه وجسده اتساعًا لغلبة أوصاف الجسد على الروح، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر أصبح يومًا خبيث النفس ( فقال) له ( بعض بطارقته) بفتح الموحدة جمع بطريق بكسرها أي قواده وخواص دولته وأهل الرأي والشورى منهم، ( قد استنكرنا هيئتك) أي سمتك وحالتك لكونها مخالفة لسائر الأيام ( قال ابن الناطور) ولابن عساكر الناظور بالظاء المعجمة ( وكان) عطف على مقدر تقديره قال ابن الناطور: كان ( هرقل) عالمًا وكان ( حزاء) فلما حذف المعطوف عليه أظهر هرقل في المعطوف، وحزاء منصوب لأنه خبر كان، وهو بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منوّنة أي كاهنًا ( ينظر في النجوم) خير ثانٍ لكان.
إن قلنا إنه ينظر في الأمرين، أو هو تفسير لحزاء، لأن الكهانة تؤخذ تارة من ألفاظ الشياطين وتارة من أحكام النجوم، وكان هرقل علم ذلك بمقتضى حساب المنجمين الزاعمين بأن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج العقرب وهما يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن تستوفي الثلاثة بروجها في ستين سنة، وكان ابتداء العشرين الأول للمولد النبوي في القرآن المذكور، وعند تمام العشرين الثانية مجيء جبريل عليه السلام بالوحي، وعند تمام الثالثة فتح خيبر وعمرة القضية التي جرّت.
فتح مكة وظهور الإسلام، وفي تلك الأيام رأى هرقل ما رأى.
وليس المراد بذكر هذا هنا تقوية قول المنجمين، بل المراد البشارات به عليه الصلاة والسلام على لسان كل فريق من إنسي وجني، والجملة السابقة من قوله قال ابن الناطور اعتراض بين سؤال بعض البطارقة وجواب هرقل إياهم إلى قوله ( فقال) هرقل ( لهم) أي لبعض بطارقته ( حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان) بفتح الميم وكسر اللام، ولغير الكشميهني ملك بالضم ثم الإسكان ( قد ظهر) أي غلب، وهو كما قال لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذ صالح الكفار بالحديبية وأنزل الله تعالى سورة الفتح ومقدمة الظهور ظهور ( فمن يختتن من هذه الأمة) أي من أهل هذا العصر، وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز.
وفي رواية يونس فمن يختتن من هذه الأمم؟ ( قالوا) مجيبين لاستفهامه إياهم ( ليس يختتن إلا اليهود) أجابوا بمقتضى علمهم لأن اليهود كانوا بإيلياء تحت الذلة مع النصارى بخلاف العرب.
( فلا يهمنّك) بضم المثناة التحتية من أهم، أي لا يقلقنك ( شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك) بالهمز وقد يترك ( فيقتلوا من فيهم مناليهود) .
وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فليقتلوا باللام ( فبينما هم) بالميم وأصله بين فأشبعت الفتحة فصار بينا ثم زيدت عليها الميم، وفي رواية الأربعة فبينما بغير ميم ومعناهما واحد وهم مبتدأ خبره ( على أمرهم) مشورتهم التي كانوا فيها ( أتي هرقل برجل) أي بينا هم أوقات أمرهم إذ أُتي برجل ( أرسل به ملك غسان) بالغين المعجمة والسين المهملة المشددة والملك هو الحرث بن أبي شمر وغسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه، أو ماء بالمشلل ولم يسم الرجل ولا من أرسل به ( يخبر عن خبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال كما عند ابن إسحاق خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي، فقد اتبعه ناس وصدقوه وخالفه ناس فكانت بينهم ملاحم في مواطن وتركتهم وهم على ذلك ( فلما استخبره هرقل) وأخبره بذلك ( قال) هرقل لجماعته: ( اذهبوا فانظروا) إلى الرجل ( أمختتن هو) بهمزة الاستفهام وفتح المثناة الفوقية الأولى وكسر الثانية ( أم لا فنظروا إليه) .
وعند ابن إسحاق فجرّدوه فإذا هو مختتن ( فحدثوه) أي هرقل ( أنه مختتن) بفتح الفوقية الأولى وكسر الثانية.
( وسأله عن العرب) هل يختتنون ( فقال) أي الرجل ( هم يختتنون) .
وفي رواية الأصيلي وابن عساكر في نسخة مختتنون بالميم قال العيني كابن حجر والأول أفيد وأشمل.
( فقال هرقل: هذا) الذي نظرته في النجوم ( ملك هذه الأمة) أي العرب، ( قد ظهر) بضم الميم وسكون اللام وللقابسي ملك بالفتح ثم الكسر.
فاسم الإشارة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو مبتدأ خبره ملك هذه الأمة، وقد ظهر حال، ولأبي ذر عن الكشميهني وحده: يملك فعل مضارع هذه الأمة بالنصب على المفعولية لكنه في فرع اليونينية كالأصل ضبب على الياء ثم ضرب على الضبة بالحمرة خافيًا.
وقال عياض: أظنها أي الياء ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت، ووجهها العيني كغيره بأن قوله هذا مبتدأ ويملك جملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبره، وقوله هذه الأمة مفعول يملك، وقوله قد ظهر جملة وقعت حالاً.
قال: وقد علم أن الماضي المثبت إذا وقع حالاً لا بدّ أن تكون فيه ظاهرة أو مقدّرة.
وقال غيره: قوله قد ظهر جملة مستأنفة لا في موضع الصفة ولا الخبر، ويجوز أن يكون يملك صفة أي هذا الرجل يملك هذه الأمة، وقد جاء النعت بعد النعت ثم حذف المنعوت انتهى.
( ثم كتب هرقل إلى صاحب له) يسمى ضغاطر الأسقف ( برومية) بالتخفيف أي فيها، وفي رواية ابن عساكر بالرومية وهي مدينة رياسة الروم، وقيل: إن دور سورها أربعة وعشرون ميلاً: ( وكان نظيره) ، وفي رواية ابن عساكر والأصيلي وكان هرقل نظيره ( في العلم، وسار هرقل إلى حمص) مجرور بالفتحة لأنه غير منصرف للعلمية والتأنيث لا للعلمية والعجمة على الصحيح لأنها لا تمنع صرف الثلاثي، وجوّز بعضهم صرفه كعدمه نحو هند وغيره من الثلاثي الساكن الوسط، ولم يجعل للعجمة أثرًا وإنما سار هرقل إلى حمص لأنها دار ملكه ( فلم يرم) هرقل ( حمص) بفتح المثناة التحتية وكسر الراء، أي لم يبرح منها أو لم يصل إليها ( حتى أتاه كتاب من صاحبه) ضغاطر ( يوافق رأي هرقل على خروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ظهوره ( وأنه نبي) بفتح الهمزة عطف على خروج، وهذا يدل على أن هرقل وصاحبه أقرّا بنبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن هرقل لم يستمر على ذلك ولم يعمل بمقتضاه بل شح بملكه ورغب في الرئاسة فآثرهما على الإسلام بخلاف صاحبه ضغاطر: فإنه أظهر إسلامه وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام فقتلوه ( فأذن) بالقصر من الإذن، وللمستملي وغيره فآذن بالمد أي أعلم ( هرقل لعظماء الروم في دسكرة) بمهملتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وفتح الكاف والراء كائنة ( له بحمص) أي فيها، والدسكرة القصر حوله البيوت، ( ثم أمر بأبوابها) أي الدسكرة ( فغلقت) بتشديد اللام لأبي ذر وكأنه دخلها ثم أغلقها وفتح أبواب البيوت التي حولها وأذن للروم في دخولها ثم أغلقها، ( ثم اطلع) عليهم من علو خوف أن ينكروا مقالته فيقتلوه ثم خاطبهم ( فقال: يا معشر الروم هل لكم) رغبة ( في الفلاح والرشد) بالضم ثم السكون أو بفتحتين خلاف الغي،( وأن يثبث) بفتح الهمزة وهي مصدرية عطفًا على قوله في الفلاح، أي وهل لكم في ثبوت ( ملككم فتبايعوا) بمثناة فوقية مضمومة ثم موحدة وبعد الألف مثناة تحتية منصوب بحذف النون بأن مقدرة في جواب الاستفهام، وفي نسخة بفرع اليونينية كأصلها فبايعوا بإسقاط المثناة قبل الموحدة، وفي رواية الأصيلي نبايع بنون الجمع ثم موحدة، وفي أخرى لأبي الوقت نتابع بنون الجمع أيضًا ثم مثناة فوقية فألف فموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني فتتابعوا بمثناتين فوقيتين وبعد الألف موحدة، فالثلاثة الأول من البيعة والتي بعدها من الاتباع كالرواية الأخرى لابن عساكر في نسخة فنتبع ( هذا النبي) ، وفي اليونينية بين الأسطر من غير رقم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية ابن عساكر وأبي ذر لهذا باللام، وإنما قال هذا لما عرفه من الكتب السالفة أن التمادي على الكفر سبب لذهاب الملك.
ونقل أن في التوراة ونبيًّا مثلك أرسله أيّ إنسان لم يقبل كلامي الذي يؤدّيه عنّي فإني أهلكه ( فحاصوا) بمهملتين أي نفروا ( حيصة حمر الوحش) أي كحيصتها ( إلى الأبواب) المعهودة ( فوجدوها قد غلقت) بضم الغين المعجمة وكسر اللام مشددة، وشبه نفرتهم وجفلهم مما قال لهم من أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام بنفرة حمر الوحش لأنها أشد نفرة من سائر الحيوانات، ( فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس) بهمزة ثم مثناة تحتية جملة حالية بتقدير قد، وفي رواية الأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني يئس بتقديم الياء على الهمزة وهما بمعنى والأوّل مقلوب من الثاني أي قنط، ( من الإيمان) أي من إيمانهم لما أظهروه، ومن إيمانه لكونه شح بملكه: وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه ويسلم ويسلمون.
( قال: ردّوهم عليّ وقال) لهم ( إنّي قلت مقالتي آنفًا) بالمد مع كسر النون، وقد تقصر، وهو نصب على الظرفية.
أي.
قلت مقالتي هذه الساعة حال كوني ( اختبر) .
أي امتحن ( بها شدتكم) أي رسوخكم ( على دينكم فقد رأيت) شدتكم، فحذف المفعول للعلم به مما سبق.
وعند المؤلف في التفسير فقد رأيت منكم الذي أحببت.
( فسجدوا له) حقيقة على عادتهم لملوكهم أو قبلوا الأرض بين يديه لأن ذلك ربما كان كهيئة السجود، ( ورضوا عنه فكان ذلك آخر) بالنصب خبر كان ( شأن هرقل) فيما يتعلق بهذه القصة خاصة، أو فيما يتعلق بالإيمان، فإنه قد وقعت له أمور من تجهيز الجيش إلى مؤتة وتبوك ومحاربته للمسلمين، وهذا يدل ظاهره على استمراره على الكفر، ولكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لمملكته وخوفًا من أن يقتله قومه، إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني مسلم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بل هو على نصرانيته الحديث.
( رواه) أي حديث هرقل، وفي رواية ابن عساكر، ورواه بواو العطف، وفي رواية قال محمد أي البخاري رواه ( صالح بن كيسان) بفتح الكاف أبو محمد أو أبو الحرث الغفاري بكسر الغين المعجمة مخفف الفاء المدني المتوفى بعد الأربعين ومائة أو سنة خمس وأربعين ومائة عن مائة سنة ونيف وستين سنة.
( و) رواه أيضًا ( يونس) بن يزيد الأيلي، ( و) رواه ( معمر) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة ابن راشد الثلاثة ( عن الزهري) .
فالأول أخرجه المصنف في الجهاد من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح عن الزهري، لكنه انتهى عند قول أبي سفيان حتى أدخل الله عليّ الإسلام وكذا مسلم، والثاني أيضًا بهذا الإسناد في الجهاد مختصرًا من طريق الليث، وفي الاستئذان أيضًا مختصرًا من طريق ابن المبارك كلاهما عن يونس عن الزهري بسنده بعينه، والثالث أيضًا بتمامه في التفسير.
فالأحاديث الثلاثة عند المصنف عن غير أبي اليمان والزهري إنما رواها لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله، وفي هذا الحديث من لطائف الإسناد رواية حمصي عن حمصي عن شامي عن مدني، وأخرج متنه المؤلف هنا.
وفي الجهاد والتفسير في موضعين، وفي الشهادات والجزيةوالأدب في موضعين، وفي الإيمان والعلم والأحكام والمغازي وخبر الواحد والاستئذان، وأخرجه مسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في التفسير.
ولم يخرجه ابن ماجة ووجه مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب أنه مشتمل على ذكر جمل من أوصاف من يوحى إليه، والباب في كيفية بدء الوحي، وأيضًا فإنّ قصة هرقل متضمنة كيفية حاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ابتداء الأمر.
ولما فرغ المؤلف من باب الوحي الذي هو كالمقدمة لهذا الكتاب الجامع شرع يذكر المقاصد الدينية وبدأ منها بالإيمان لأنه ملاك الأمر كله، لأن الباقي مبنيّ عليه ومشروط به وهو أوّل واجب على المكلف فقال مبتدئًا: ( بسم الله الرحمن الرحيم) كأكثر كتب هذا الجامع تبركًا وزيادة في الاعتناء بالتمسك بالسُّنَّة، واختلفت الروايات في تقديمها هنا على كتاب أو تأخيرها عنه، ولكلٍّ وجه ووجه الثاني بأنه جعل الترجمة قائمة مقام تسمية السورة ووجه الأوّل ظاهر.
بسم الله الرحمن الرحيم 2 - كتاب الإيمان بكسر الهمزة وهو لغة التصديق، وهو كما قاله التفتازاني إذعان لحكم المخبر وقبوله وجعله صادقًا، إفعال من الأمن كأن حقيقة آمن به أمنه التكذيب والمخالفة، يعدّى باللام كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف: { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17] ، أي مصدق لنا، وبالباء كما في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الإيمان أن تؤمن بالله".
الحديث.
فليس حقيقة التصديق أن يقع في القلب نسبة التصديق إلى الخبر أو الخبر من غير إذعان وقبول، بل هو إذعان وقبول لذلك بحيث يقع عليه اسم التسليم على ما صرَّح به الإمام الغزالي.
والكتاب من الكتب وهو الجمع والضم، ومن ثم استعمل جامعًا للأبواب والفصول الجامعة للمسائل، والضم فيه بالنسبة إلى الحروف المكتوبة حقيقة، وبالنسبة إلى المعاني المرادة منها مجاز.
ولم يقل في الأول كتاب بدء الوحي لأنه كالمقدمة، ومن ثم بدأ به لأن من شأن المقدمة كونها أمام المراد، وأيضًا فإن من الوحي عرف الإيمان وغيره.
1 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ» وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} - { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} - { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} - { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} - { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} وَقَوْلُهُ: { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} .
وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: { فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} .
وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ إِنَّ لِلإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ.
فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} .
وَقَالَ مُعَاذٌ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْيَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: { شَرَعَ لَكُمْ ...
}
أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} : سَبِيلاً وَسُنَّةً.
هذا ( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث الموصول الآتي تامًّا إن شاء الله تعالى.
( بُنيّ الإسلام على خمس) .
وفي فرع اليونينية كهي، كتاب الإيمان، وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي أخرى باب الإيمان وقول النبي، والأول أصح لأن ذكر الإيمان بعد ذكر كتاب الإيمان لا طائل تحته كما لا يخفى، وسقط لفظ باب عند الأصيلي.
والإسلام لغة الانقياد والخضوع، ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام والإذعان، وذلك حقيقة التصديق كما سبق، قال الله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِين} [الذاريات: 35، 36] فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكمًا فهما متحدان في الصدق وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإيمان تصديق القلب، ومفهوم الإسلام أعمال الجوارح، وبالجملة لا يصح في الشرع أن يحكم على أحد بأنه مؤمن وليس بمسلم أو مسلم وليس بمؤمن، ولا نعني بوحدتهما سوى هذا.
ومن أثبت التغاير فقد يقال له ما حكم من آمن ولم يسلم أو أسلم ولم يؤمن، فإن أثبت لأحدهما حكمًا ليس بثابت للآخر فقد ظهر بطلان قوله، فإن قيل قوله تعالى: { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] .
صريح في تحقيق الإسلام بدون الإيمان.
أجيب بأن المراد أنهم انقادوا في الظاهر اهـ.
( وهو) أي الإيمان المبوَّب عليه عند المصنف كابن عيينة والثوري وابن جريح ومجاهد ومالك بن أنس وغيرهم من سلف الأمة وخنفها من المتكلمين والمحدثين: ( قول) باللسان وهو النطق بالشهادتين.
( وفعل) ، ولأبي ذر عن الكشميهني وعمل بدل فعل، وهو أعمّ من عمل القلب والجوارح، لتدخل الاعتقادات والعبادات.
وهو موافق لقول السلف اعتقاد بالقلبونطق باللسان وعمل بالأركان.
وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط كماله.
وقال المتأخرون ومنهم الأشعرية وأكثر الأئمة كالقاضي ووافقهم ابن الراوندي من المعتزلة هو تصديق الرسول عليه السلام بما علم مجيئه ضرورة، وتفصيلاً فيما علم تفصيلاً، وإجمالاً فيما علم إجمالاً تصديقًا جازمًا مطلقًا، سواء كان لدليل أم لا، قال الله تعالى: { أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون} [المجادلة: 22] .
وقال عليه الصلاة والسلام: "اللهمّ ثبّث قلبي على دينك".
وإذا ثبت أنه فعل القلب وجب أن يكون عبارة عن مجرد التصديق، وقد خرج بقيد الضرورة ما لم يعلم بالضرورة أنه جاء به كالاجتهادات، وبالجازم التصديق الظني، فإنه غير كافِ.
وقيل هو المعرفة، فقوم بالله وهو مذهب جهم بن صفوان، وقوم بالله وبما جاء به الرسول إجمالاً وهو منقول عن بعض الفقهاء.
وقال الحنفية التصديق بالجنان والإقرار باللسان، قال العلاّمة التفتازاني: إلا أن التصديق ركن لا يحتمل السقوط أصلاً، والإقرار قد يحتمله كما في حالة الإكراه.
فإن قلت: التصديق قد يذهل عنه كما في حالة النوم والغفلة، أجيب: بأن التصديق باقٍ في القلب والذهول إنما هو عن حصوله.
وذهب جمهور المحققين إلى أنه هو التصديق بالقلب وإنما الإقرار شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، كما أن تصديق القلب أمر باطني لا بدّ له من علامة اهـ.
وقال النووي: اتفق أهل السُّنَّة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا عن الشكوك ونطق مع ذلك بالشهادتين، فإن اقتصر على أحدهما لم يكن من أهل القبلة أصلاً بل يخلد في النار، إلا أن يعجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكّن منه لمعالجة المنية أو لغير ذلك، فإنه حينئذ يكون مؤمنًا بالاعتقاد من غير لفظ اهـ.
وقال الكرامية: انطق بكلمتي الشهادة فقط، وقال قوم العمل.
وذهب الخوارج والعلاف وعبد الجبار إلى أنه الطاعة بأسرها فرضًا كانت أو نفلاً.
وذهب الجبائي وابنه وأكثر المعتزلة البصرية إلى أنه الطاعات المفترضه من الأفعال والتروك دون النوافل.
وقال الباقون منهم العمل والنطق والاعتقاد.
والفارق بينه وبين قول السلف السالف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في الكمال، والمعتزلة جعلوها شرطًا في الصحة فهذه ثمانية أقوال، خمسة منها بسيطة والأول والثامن مركب ثلاثي والرابع مركب ثنائي، ووجه الحصر أن الإيمان لا يخرج بإجماع المسلمين عن فعل القلب وفعل الجوارح، فهو حينئذ إما فعل القلب فقط وهو المعرفة على الوجهين أو التصديق المذكور، وإما فعل الجوارح فقط وهو فعل اللسان وهو الكلمتان، أو غير فعل اللسان وهو العمل بالطاعة المطلقة أو المفترضة.
وإما فعل القلب والجوارح معًا، والجارحة إما اللسان وحده أو جميع الجوارح، وهذا كله بالنظر إلى ما عند الله تعالى.
أما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط، فإذا أقرّ حكمنا بإيمانه اتفاقًا، نعم النزاع واقع في نفس الإيمان والكمال فإنه لا بدّ فيه من الثلاثة إجماعًا فمن أقرّ بالكلمة جرت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم بكفره، إلا إن اقترن به فعل كالسجود لصنم، فإن كان غير دال عليه كالفسق، فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره، ومن نفى عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنه فعل الكافر، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته.
وأثبت المعتزلة الواسطة فقالوا الفاسق لا مؤمن ولا كافر.
( و) إذا تقرر هذا فاعلم أن الإيمان ( يزيد) بالطاعة ( وينقص) بالمعصية كما عند المؤلف وغيره، وأخرجه أبو نعيم كذا بهذا اللفظ في ترجمة الشافعي من الحلية، وهو عند الحاكم بلفظ الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وكذا نقله اللالكائي في كتاب السُّنة عن الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه، بل قال به من الصحابة عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وعمارة، وأبو هريرة، وحذيفة، وعائشة وغيرهم، ومن التابعين كعب الأحبار، وعروة، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.
وروىاللالكائي أيضًا بسند صحيح عن البخاري قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدًا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص.
وأما توقف مالك رحمه الله عن القول بنقصانه فخشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج، ثم استدل المؤلف على زيادة الإيمان بثمان آيات من القرآن العظيم مصرّحة بالزيادة، وبثبوتها يثبت المقابل، فإن كل قابل للزيادة قابل للنقصان ضرورة فقال: ( قال) وفي رواية الأصيلي وقال ( الله تعالى) بالواو في سورة الفتح، ولأبي ذر: عز وجل ( ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم) وقال تعالى في الكهف: ( وزدناهم هدى) أي بالتوفيق والتثبيت وهذه الآية ساقطة في رواية ابن عساكر كما في فرع اليونينية كهي، والآية الثالثة في مريم: ( ويزيد الله) بالواو، وفي رواية ابن عساكر يزيد الله، وفي أخرى للأصيلي، وقال: ويزيد الله ( الذين اهتدوا هدى) أي بتوفيقه.
وقال في القتال وفي رواية ابن عساكر والأصيلي، وقوله وفي رواية بإسقاطهما والابتداء بقوله: ( والذين اهتدوا زادهم هدى) بالتوفيق، ( وآتاهم تقواهم) .
أي بيَّن لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها، وقال تعالى في المدثر: ( ويزداد) ولابن عساكر والأصيلي، وقوله: ويزداد ( الذين آمنوا إيمانًا) بتصديقهم بأصحاب النار المذكورين في قوله: { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} الآية [المدّثر: 31] .
( وقوله) تعالى في براءة ( أيّكم زادته هذه) أي السورة ( إيمانًا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا) بزيادة العلم الحاصل من تدبرها وبانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم.
( وقوله جل ذكره) في آل عمران ( فاخشوهم فزادهم إيمانًا) لعدم التفاتهم إلى من ثبطهم عن قتال المشركين بل ثبت يقينهم بالله وازداد إيمانهم، قال البيضاوي وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص.
( وقوله تعالى) في الأحزاب ( وما زادهم) أي لما رأوا الخطب أو البلاء في قصة الأحزاب، وسقطت واو وما للأصيلي فقال: ما زادهم ( إلا إيمانًا) بالله ومواعيده، ( وتسليمًا) لأوامره ومقاديره.
فإن قلت: الإيمان هو التصديق بالله وبرسوله والتصديق شيء واحد لا يتجزأ فلا يتصور كماله تارة ونقصه أخرى، أجيب بأن قبوله الزيادة والنقص ظاهر على تقدير دخول القول والفعل فيه.
وفي الشاهد شاهد بذلك، فإن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى أنه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكلاً منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، ومن ثم كان إيمان الصدّيقين أقوى من إيمان غيرهم، وهذا مبني على ما ذهب إليه المحققون من الأشاعرة من أن نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، وأن الإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته التي هي الأعمال ونقصانها، وبهذا يحصل التوفيق بين ظواهر النصوص الدالّة على الزيادة وأقاويل السلف بذلك، وبين أصل وضعه اللغوي وما عليه أكثر المتكلمين.
نعم يزيد وينقص قوة وضعفًا إجمالاً وتفصيلاً أو تعدّدًا بحسب تعدد المؤمن به.
وارتضاه النووي.
وعزاه التفتازاني في شرح عقائد النسفيّ لبعض المحققين، وقال في المواقف: إنه الحق وأنكر ذلك أكثر المتكلمين والحنفية، لأنه متى قبل ذلك كان شكًّا وكفرًا، وأجابوا عن الآيات السابقة ونحوها بما نقلوه عن إمامهم أنها محمولة على أنهم كانوا آمنوا في الجملة، ثم يأتي فرض بعد فرض فكانوا يؤمنون بكل فرض خاص.
وحاصله أنه كان يزيد بزيادة ما يجب الإيمان به، وهذا لا يتصور في غير عصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفيه نظر، لأن الاطلاع على تفاصيل الفرائض يمكن في غير عصره عليه السلام، والإيمان واجب إجمالاً فيما علم إجمالاً، وتفصيلاً فيما علم تفصيلاً، ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد اهـ.
ثم استدل المؤلف على قبول الزيادة أيضًا بقوله: ( والحب في الله) وهو بالرفع مبتدأ ( والبغض في الله) عطف عليه.
وقوله: ( من الأيمان) خبر المبتدأ وهذا لفظ حديث رواه أبو داود من حديث أبي أمامة لأن الحب والبغض يتفاوتان.
( وكتب عمر بن عبد العزيز) بن مروان الأموي القرشي أحد الخلفاء الراشدين المتوفى بدير سمعان بحمص يومالجمعة لخمس ليالٍ بقين من رجب سنة إحدى ومائة، ( إلى عديّ بن عديّ) بفتح العين وكسر الدال المهملتين فيهما ابن عمرة بفتح العين الكندي التابعي المتوفى سنة عشرين ومائة، ( ان للإيمان) بكسر همزة ان في اليونينية ( فرائض) بالنصب اسم ان مؤخر أي أعمالاً مفروضة ( وشرائع) أي عقائد دينية ( وحدودًا) أي منهيّات ممنوعة ( وسُننًا) أي مندوبات، وفي رواية ابن عساكر أن الإيمان فرائض بالرفع خبر ان وما بعده معطوف عليه، ووقع للجرجاني فرائع وليس بشيء.
( فمن استكملها) أي الفرائض وما معها فقد ( استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان) فيه إشارة إلى قبول الإيمان الزيادة والنقصان.
ومن ثم ذكره المؤلف هنا استشهادًا لا يقال إنه لا يدل على ذلك بل على خلافه، إذ قال للإيمان كذا وكذا، فجعل الإيمان غير الفرائض وما ذكر معها، وقال من استكملها أي الفرائض وما معها فجعل الكمال لما للإيمان لا للإيمان، لأنا نقول آخر كلامه يُشعِر بذلك حيث قال: فمن استكملها أي الفرائض وما معها استكمل الإيمان.
( فإن أعش فسأبينها) أي فسأوضحها ( لكم) إيضاحًا يفهمه كل أحد منكم.
والمراد تفاريعها لا أصولها إذ كانت معلومة لهم على سبيل الإجمال.
وأراد سأبينها لكم على سبيل التفصيل.
( حتى تعملوا بها، وإن مت فما أنا على صحبتكم بحريص) وليس في هذا تأخير البيان عن وقت الحاجة إذ الحاجة لم تتحقّق، أو أنه علم أنهم يعلمون مقاصدها ولكنه استظهر وبالغ في نصحهم وتنبيههم على المقصود وعرَّفهم أقسام الإيمان مجملاً، وأنه سيذكرها مفصلاً إذا تفرع لها فقد كان مشغولاً بالأهم، وهو من تعاليق المؤلف المجزومة وهي محكوم بصحتها.
ووصله أحمد وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان لهما من طريق عيسى بن عاصم، قال: حدّثني عديّ بن عديّ فذكره.
( وقال إبراهيم) الخليل زاد الأصيلي في روايته كما في فرع اليونينية كهي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد عاش فيما روي مائة سنة وخمسًا وسبعين سنة أو مائتي سنة ودفن بحبرون بالحاء المهملة: ( ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزداد بصيرة وسكونًا بمضامة العيان إلى الوحي والاستدلال، فإن عين اليقين فيه طمأنينة ليست في علم اليقين ففيه دلالة على قبول التصديق اليقيني للزيادة، وعند ابن جرير بسند صحيح إلى سعيد بن جبير أي يزداد يقيني.
وعن مجاهد لأزداد إيمانًا إلى إيماني.
لا يقال كان المناسب أن ذكر المؤلف هذه الآية عند الآيات السابقة، لأنّا نقول إن هاتيك دلالتها على الزيادة صريحة بخلاف هذه فلذا أخّرها إشعارًا بالتفاوت.
( وقال معاذ) بضم الميم والذال المعجمة وللأصيلي في روايته، وقال معاذ بن جبل كما في فرع اليونينية كهي ابن عمرو الخزرجي الأنصاري المتوفى سنة ثمانية عشر، وله في البخاري ستة أحاديث للأسود بن هلال.
( اجلس بنا) بهمزة وصل ( نؤمن) بالجزم ( ساعة) أي نزداد إيمانًا لأن معاذًا كان مؤمنًا أي مؤمن، وقال النووي معناه نتذاكر الخير وأحكام الآخرة وأمور الدين، فإن ذلك إيمان.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي لا تتعلق فيه للزيادة لأن معاذًا إنما أراد تجديد الإيمان لأن العبد يؤمن في أول مرة فرضًا، ثم يكون أبدًا مجددًا لما نظر أو فكر، وقال في الفتح متعقبًا له وما نفاه أولاً أثبته آخرًا لأن تجديد الإيمان إيمان، وهذا التعليق وصله أحمد وابن أبي شيبة كالأول بسند صحيح إلى الأسود بن هلال، قال: قال لي معاذ: اجلس فذكره، وعرف من هذا أن الأسود أبهم نفسه.
( وقال ابن مسعود) عبد الله وجده غافل بالمعجمة والفاء الهذلي نسبة إلى جده هذيل بن مدركة المتوفّى بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وله في البخاري خمسة وثمانون حديثًا، ( اليقين الإيمان كله) أكده بكل لدلالتها كأجمع على التبعيض للإيمان إذ لا يؤكد بهما إلا ذو أجزاء يصح افتراقها حسًّا أو حكمًا، وهذا التعليق طرف من أثر.
رواه الطبراني بسند صحيح وتتمته والصبر نصف الإيمان.
ولفظ النصف صريح في التجزئة.
( وقال ابن عمر) عبد الله وجدّهالخطاب أحد العبادلة السابق للإسلام مع أبيه أحد الستة المكثرين للرواية المتوفى سنة ثلاث أو أربع وسبعين.
( لا يبلغ العبد) بالتعريف وفي رواية ابن عساكر عبد بالتنكير ( حقيقة التقوى) ، التي هي وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة والمواظبة على الأعمال الصالحة.
( حتى يدع ما حاك) بالمهملة، والكاف الخفيفة أي اضطرب ( في الصدر) ولم ينشرح له وخاف الإثم فيه.
وفي بعض نسخ المغاربة ما حك بتشديد الكاف، وفي بعض نسخ العراق ما حاك بالألف والتشديد من المحاكة، حكاهما صاحب عمدة القاري والبرماوي.
وقد روى مسلم معناه من حديث النواس بن سمعان مرفوعًا: البرّ حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطّلع الناس عليه.
وفي أثر ابن عمر هذا إشارة إلى أن بعض المؤمنين بلغ كنه الإيمان وبعضهم لم يبلغه، فتجوز الزيادة والنقصان.
( وقال مجاهد) أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة غير مصغر على الأشهر المخزومي مولى عبد الله بن السائب المخزومي المتوفى وهو ساجد سنة مائة في تفسير قوله تعالى: { شَرَعَ لَكُمْ} [الشورى: 13] زاد الهروي وابن عساكر من الدين أي ( أوصيناك يا محمد وإياه) أي نوحًا ( دينًا واحدًا) خصّ نوحًا عليه السلام لما قيل أنه الذي جاء بتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأوّل من جاء بتحريم الأمهات والبنات والأخوات.
لا يقال إن إياه تصحيف وقع في أصل البخاري في هذا الأثر، وإن الصواب وأنبياءه كما عند عبد بن حميد وابن المنذر وغيرهما.
وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وحده مع أن في السياق ذكر جماعة، لأنه أجيب بأن نوحًا عليه السلام أفرد في الآية، وبقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عطف عليه وهم داخلون فيما وصى به نوحًا في تفسير مجاهد، وكلهم مشتركون في ذلك، فذكر واحد منهم يغني عن الكل على أن نوحًا أقرب مذكور في الآية، وهو أولى بعود الضمير إليه في تفسير مجاهد، فليس بتصحيف بل هو صحيح، وهذا التعليق أخرجه عبد بن حميد في تفسيره بسند صحيح عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح.
( وقال ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما في تفسيره قوله تعالى: { شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] سبيلاً أي طريقًا واضحًا وهو تفسير لمنهاجًا ( وسُنّة) .
يقال شرع يشرع شرعًا أي سنّ، فهو تفسير لشرعة فيكون من باب اللف والنشر الغير المرتب، وسقطت الواو من وقال لابن عساكر، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح وقد وقع هنا في رواية أبي ذر وغيره باب بالتنوين، وهو ثابت في أصل عليه خط الحافظ قطب الدين الحلبي كما قال العيني أنه رآه ورأيته أنا كذلك في فرع اليونينية كهي، لكنه فيها ساقط في رواية الأصيلي وابن عساكر، وأيّده قول الكرماني أنه وقف على أصل مسموع على الفربري بحذفه، بل قال النووي: ويقع في كثير من النسخ هنا باب وهو غلط فاحش وصوابه بحذفه، ولا يصح إدخاله هنا لأنه لا يتعلق له بما نحن فيه، ولأنه ترجم لقوله عليه الصلاة والسلام: بُنِيَ الإسلام ولم يذكره قبل هذا، وإنما ذكره بعده وليس مطابقًا للترجمة.
وعلى هذا فقوله: [الفرقان: 77] ( دعاؤكم إيمانكم) من قول ابن عباس يشير به إلى قوله تعالى: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} فسمي الدعاء إيمانًا والدعاء عمل، فاحتجّ به على أن الإيمان عمل وعطفه على ما قبله كعادته في حذف أداة العطف، حيث ينقل التفسير.
وهذا التعليق وصله ابن جرير من قوله ابن عباس، وفي رواية أبي ذر لقوله تعالى { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان.
2 - باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :7 ... غــ :7] .

     قَوْلُهُ  قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ وَهُوَ هُوَ أخبرنَا شُعَيْب هُوَ بن أَبِي حَمْزَةَ دِينَارٌ الْحِمْصِيُّ وَهُوَ مِنْ أَثْبَاتِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ هُوَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ .

     قَوْلُهُ  هِرَقْلُ هُوَ مَلِكُ الرُّومِ وَهِرَقْلُ اسْمُهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ كَمَا يُلَقَّبُ مَلِكُ الْفُرْسِ كِسْرَى وَنَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رَكْبٍ جَمْعُ رَاكِبٍ كَصَحْبٍ وَصَاحِبٍ وَهُمْ أُولُو الْإِبِلِ الْعَشْرَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَالْمَعْنَى أَرْسَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ حَالَ كَوْنِهِ فِي جُمْلَةِ الرَّكْبِ وَذَاكَ لِأَنَّهُ كَانَ كَبِيرَهُمْ فَلِهَذَا خَصَّهُ وَكَانَ عَدَدُ الرَّكْبِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَلِابْنِ السَّكَنِ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ وَسَمَّى مِنْهُم الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي مُصَنف بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ مُرْسَلٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ مُسْلِمًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ حِينَئِذٍ إِلَى قَيْصَرَ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُسْلِمًا وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُهُ أَيْضًا فِي أَثَرٍ آخَرَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ وَكِتَابِ الْأَمْوَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَلَمَّا قَرَأَ قَيْصَرُ الْكِتَابَ قَالَ هَذَا كِتَابٌ لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهِ وَدَعَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَكَانَا تَاجِرَيْنِ هُنَاكَ فَسَأَلَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانُوا تُجَّارًا بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَوْ كَسْرِهَا وَالتَّخْفِيفِ جَمْعُ تَاجِرٍ .

     قَوْلُهُ  فِي الْمُدَّةِ يَعْنِي مُدَّةَ الصُّلْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُا فِي الْمَغَازِي وَكَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَكَانَتْ مُدَّتُهَا عَشْرَ سِنِينَ كَمَا فِي السِّيرَةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ كَانَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْبُيُوعِ مِنَ الْمُسْتَدْرَكِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ لَكِنَّهُمْ نَقَضُوا فَغَزَاهُمْ سَنَةَ ثَمَانٍ وَفَتَحَ مَكَّةَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  فَأَتَوْهُ تَقْدِيرُهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فِي طَلَبِ إِتْيَانِ الرَّكْبِ فَجَاءَ الرَّسُولُ يَطْلُبُ إِتْيَانَهُمْ فَأَتَوْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْجِهَادِ أَنَّ الرَّسُولَ وَجَدَهُمْ بِبَعْضِ الشَّامِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ وَهُوَ غَزَّةُ قَالَ وَكَانَتْ وَجْهَ مَتْجَرِهِمْ وَكَذَا رَوَاهُ بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ كُنَّا قَوْمًا تُجَّارًا وَكَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَصَبَتْنَا فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا إِلَّا وَقَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً فَذَكَرَهُ وَفِيهِ فَقَالَ هِرَقْلُ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ قَلِّبِ الشَّامَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ حَتَّى تَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَأْنِهِ فَوَاللَّهِ إِنِّي وَأَصْحَابِي بِغَزَّةَ إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا فَسَاقَنَا جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  بِإِيلِيَاءَ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ أَخِيرَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ أَخِيرَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ مَهْمُوزَةٌ وَحَكَى الْبَكْرِيُّ فِيهَا الْقَصْرَ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا إِلْيَا بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَسُكُونِ اللَّامِ حَكَاهُ الْبَكْرِيُّ وَحَكَى النَّوَوِيُّ مِثْلَهُ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ عَلَى اللَّامِ وَاسْتَغْرَبَهُ قِيلَ مَعْنَاهُ بَيْتُ اللَّهِ وَفِي الْجِهَادِ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِلَّهِ زَاد بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ تُبْسَطُ لَهُ الْبُسُطَ وَتُوضَعُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ فَيَمْشِي عَلَيْهَا وَنَحْوَهُ لِأَحْمَد من حَدِيث بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ وبن عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَاضِدَةٍ مُلَخَّصُهَا أَنَّ كِسْرَى أَغْزَى جَيْشَهُ بِلَادَ هِرَقْلَ فَخَرَّبُوا كَثِيرًا مِنْ بِلَادِهِ ثُمَّ اسْتَبْطَأَ كِسْرَى أَمِيرَهُ فَأَرَادَ قَتْلَهُ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَاطَّلَعَ أَمِيرُهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاطَنَ هِرَقْلَ وَاصْطَلَحَ مَعَهُ عَلَى كِسْرَى وَانْهَزَمَ عَنْهُ بِجُنُودِ فَارِسَ فَمَشَى هِرَقْلُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَاسْمُ الْأَمِيرِ الْمَذْكُورِ شَهْرَ بَرَازَ وَاسْمُ الْغَيْرِ الَّذِي أَرَادَ كسْرَى تأميره فرحان .

     قَوْلُهُ  فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ فِي مَجْلِسِهِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ .

     قَوْلُهُ  وَحَوْلَهُ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ ظَرْفُ مَكَانٍ .

     قَوْلُهُ  عُظَمَاءُ جَمْعُ عَظِيمٍ وَلِابْنِ السَّكَنِ فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ وَالْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ وَالرُّومُ مِنْ وَلَدِ عِيصَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَلَى الصَّحِيحِ وَدَخَلَ فِيهِمْ طَوَائِفُ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ تَنُّوخَ وَبَهْرَاءَ وَسُلَيْحٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ غَسَّانَ كَانُوا سُكَّانًا بِالشَّامِ فَلَمَّا أَجْلَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهَا دَخَلُوا بِلَادَ الرُّومِ فَاسْتَوْطَنُوهَا فَاخْتَلَطَتْ أَنْسَابُهُمْ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا تَرْجُمَانَهُ وَلِلْمُسْتَمْلِي بِالتَّرْجُمَانِ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِهِمْ فَلَمَّا حَضَرُوا اسْتَدْنَاهُمْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ دَعَاهُمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ فَيَنْزِلُ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَقَعْ تَكْرَارُ ذَلِكَ إِلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالتَّرْجُمَانُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيَجُوزُ ضَمُّ التَّاءِ إِتْبَاعًا وَيَجُوزُ فَتْحُ الْجِيمِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِالرَّابِعَةِ وَهِيَ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحُ الْجِيمِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ بِتَرْجُمَانِهِ يَعْنِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا أَحْضَرَهُ صُحْبَتَهُ وَالتَّرْجُمَانُ الْمُعَبِّرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا أَيْ قَالَ التَّرْجُمَانُ عَلَى لِسَانِ هِرَقْلَ .

     قَوْلُهُ  بِهَذَا الرَّجُلِ زَادَ بن السَّكَنِ الَّذِي خَرَجَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ فَقَالُوا هَذَا أَقْرَبُنَا بِهِ نَسَبًا هُوَ بن عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو سُفْيَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِهَادِ بِقَوْلِهِ قَالَ مَا قرابتك مِنْهُ قلت هُوَ بن عَمِّي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الرَّكْبِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي اه وَعَبْدُ مَنَافٍ الْأَبُ الرَّابِعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا لِأَبِي سُفْيَانَ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ بن عَمٍّ لِأَنَّهُ نَزَّلَ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْزِلَةَ جَدِّهِ فَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بن عَمِّ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَعَلَى هَذَا فَفِيمَا أُطْلِقَ فِي رِوَايَةِ بن السَّكَنِ تَجَوُّزٌ وَإِنَّمَا خَصَّ هِرَقْلُ الْأَقْرَبَ لِأَنَّهُ أَحْرَى بِالِاطِّلَاعِ عَلَى أُمُورِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْأَبْعَدَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقْدَحَ فِي نَسَبِهِ بِخِلَافِ الْأَقْرَبَ وَظَهَرَ ذَلِكَ فِي سُؤَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ وَقَولُهُ بِهَذَا الرَّجُلِ ضَمَّنَ أَقْرَبَ مَعْنَى أَوْصَلَ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ وَقَولُهُ الَّذِي يزْعم فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ يَدَّعِي وَزَعَمَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ بِمَعْنَى قَالَ وَحَكَاهُ أَيْضًا ثَعْلَبٌ وَجَمَاعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي قِصَّةِ ضِمَامٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ.

.

قُلْتُ وَهُوَ كَثِيرٌ وَيَأْتِي مَوْضِعُ الشَّكِّ غَالِبًا .

     قَوْلُهُ  فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ أَيْ لِئَلَّا يَسْتَحْيُوا أَنْ يُوَاجِهُوهُ بِالتَّكْذِيبِ إِنْ كَذَبَ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْوَاقِدِيُّ وَقَولُهُ إِنْ كَذَبَنِي بِتَخْفِيفِ الذَّالِ أَيْ إِنْ نَقَلَ إِلَيَّ الْكَذِبَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَيْ أَبُو سُفْيَانَ وَسَقَطَ لَفْظُ قَالَ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَأَبِي الْوَقْتِ فَأَشْكَلَ ظَاهِرُهُ وَبِإِثْبَاتِهَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا أَيْ يَنْقُلُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ وَلِلْأَصِيلِيِّ عَنْهُ أَيْ عَنِ الْإِخْبَارِ بِحَالِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْبِحُونَ الْكَذِبَ إِمَّا بِالْأَخْذِ عَنِ الشَّرْعِ السَّابِقِ أَوْ بِالْعُرْفِ وَفِي قَوْلِهِ يَأْثِرُوا دُونَ قَوْلِهِ يُكَذِّبُوا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَاثِقًا مِنْهُمْ بِعَدَمِ التَّكْذِيبِ أَنْ لَوْ كَذَبَ لِاشْتِرَاكِهِمْ مَعَهُ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اسْتِحْيَاءً وَأَنَفَةً مِنْ أَنْ يَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعُوا فَيَصِيرُ عِنْدَ سَامِعِي ذَلِكَ كذابا وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَوَاللَّهِ لَوْ قَدْ كذبت مَا ردوا على وَلَكِنِّي كنت امْرَءًا سَيِّدًا أَتَكَرَّمُ عَنِ الْكَذِبِ وَعَلِمْتُ أَنَّ أَيْسَرَ مَا فِي ذَلِكَ إِنْ أَنَا كَذَبْتُهُ أَنْ يَحْفَظُوا ذَلِكَ عَنِّي ثُمَّ يَتَحَدَّثُوا بِهِ فَلَمْ أكذبه وَزَاد بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ قَطُّ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الْأَقْلَفِ يَعْنِي هِرَقْلَ .

     قَوْلُهُ  كَانَ أَوَّلَ هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِ وَبِهِ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ أَيْ مَا حَالُ نَسَبِهِ فِيكُمْ أَهُوَ مِنْ أَشْرَافِكُمْ أَمْ لَا فَقَالَ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ فَالتَّنْوِينُ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ وَأَشْكَلَ هَذَا عَلَى بَعْضِ الشَّارِحِينَ وَهَذَا وَجْهُهُ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ بَدَلَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ فَ.

     قَوْلُهُ  مِنْكُمْ أَيْ مِنْ قَوْمِكُمْ يَعْنِي قُرَيْشًا أَوِ الْعَرَب وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الشفاهى يَعُمُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْمُخَاطَبِينَ فَقَطْ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَولُهُ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ وَاسْتَعْمَلَ قَطُّ بِغَيْرِ أَدَاةِ النَّفْيِ وَهُوَ نَادِرٌ وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ صَلَّيْنَا أَكْثَرَ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنَهُ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّفْيَ مُضَمَّنٌ فِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطُّ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ وَلِكَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ بِزِيَادَةِ مِنْ الْجَارَّةِ وَلِابْنِ عَسَاكِرَ بِفَتْحِ مِنْ وَمَلَكَ فِعْلٌ مَاضٍ وَالْجَارَّةُ أَرْجَحُ لِسُقُوطِهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْمَعْنَى فِي الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ .

     قَوْلُهُ  فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ فِيهِ إِسْقَاطُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَقَدْ ثَبَتَ لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ وَلَفْظُهُ أَيَتْبَعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْأَشْرَافِ هُنَا أَهْلُ النَّخْوَةِ وَالتَّكَبُّرِ مِنْهُمْ لَا كُلُّ شَرِيفٍ حَتَّى لَا يَرِدَ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَمْثَالِهِمَا مِمَّنْ أَسْلَمَ قبل هَذَا السُّؤَال وَوَقع فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ تَبِعَهُ مِنَّا الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَأَمَّا ذَوُو الْأَنْسَابِ وَالشَّرَفِ فَمَا تَبِعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ .

     قَوْلُهُ  سُخْطَةً بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ وَأَخْرَجَ بِهَذَا مَنِ ارْتَدَّ مُكْرَهًا أَولا لِسَخَطٍ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بَلْ لِرَغْبَةٍ فِي غَيْرِهِ كَحَظٍّ نَفْسَانِيٍّ كَمَا وَقَعَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ .

     قَوْلُهُ  هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ أَيْ عَلَى النَّاسِ وَإِنَّمَا عَدَلَ إِلَى السُّؤَالِ عَنِ التُّهْمَةِ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ نَفْسِ الْكَذِبِ تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّ التُّهْمَةَ إِذَا انْتَفَتِ انْتَفَى سَبَبُهَا وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِالسُّؤَالِ عَنِ الْغَدْرِ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَيْ أَنْتَقِصُهُ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّنْقِيصَ هُنَا أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ يَقْطَعْ بِعَدَمِ غَدْرِهِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِمَّنْ يُجَوِّزُ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ مَغِيبًا لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ أَمِنَ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يُنْسَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْكَذِبِ وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ بِالتَّرَدُّدِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعَرِّجْ هِرَقْلُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا مِنِّي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ هُوَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَقَالَ هِرَقْلُ إِنِّي لَا أُرِيدُ شَتْمَهُ وَلَكِنْ كَيْفَ نَسَبُهُ إِلَى أَنْ قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ إِذَا عَاهَدَ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَغْدِرَ فِي هُدْنَتِهِ هَذِهِ فَقَالَ وَمَا يَخَافُ مِنْ هَذِهِ فَقَالَ إِنَّ قَوْمِي أَمَدُّوا حُلَفَاءَهُمْ عَلَى حُلَفَائِهِ قَالَ إِنْ كُنْتُمْ بَدَأْتُمْ فَأَنْتُمْ أَغْدَرُ .

     قَوْلُهُ  سِجَالٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ نُوَبٌ وَالسَّجْلُ الدَّلْوُ وَالْحَرْبُ اسْمُ جِنْسٍ وَلِهَذَا جُعِلَ خَبَرُهُ اسْمَ جَمْعٍ وَيَنَالُ أَيْ يُصِيبُ فَكَأَنَّهُ شبه الْمُحَاربين بالمستقيين يَسْتَقِي هَذَا دَلْوًا وَهَذَا دَلْوًا وَأَشَارَ أَبُو سُفْيَانَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي قَوْلِهِ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بَلْ نَطَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيِّ لَمَّا كَانَ يحدث وَفد ثَقِيف أخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ غُلِبْنَا مَرَّةً يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَا غَائِبٌ ثُمَّ غَزَوْتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ بِبَقْرِ الْبُطُونِ وَجَدْعِ الْآذَانِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى يَوْمِ أُحُدٍ .

     قَوْلُهُ  بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ فِيهِ أَنَّ لِلْأَمْرِ صِيغَةً مَعْرُوفَةً لِأَنَّهُ أَتَى بِقَوْلِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ فِي جَوَابِ مَا يَأْمُرُكُمْ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مِنْ أهل اللِّسَان وَكَذَلِكَ الرَّاوِي عَنهُ بن عَبَّاسٍ بَلْ هُوَ مِنْ أَفْصَحِهِمْ وَقَدْ رَوَاهُ عَنهُ مقرى لَهُ قَوْله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَسقط مِنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الْوَاوُ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ وَحْدَهُ .

     قَوْلُهُ  وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ هِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآبَاءَ تَنْبِيهًا عَلَى عُذْرِهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ لَهُ لِأَنَّ الْآبَاءَ قُدْوَةٌ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ أَيْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالنَّصَارَى .

     قَوْلُهُ  وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي رِوَايَةٍ الصَّدَقَةِ بَدَلَ الصِّدْقِ وَرَجَّحَهَا شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيُقَوِّيهَا رِوَايَةُ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّفْسِيرِ الزَّكَاةَ وَاقْتِرَانُ الصَّلَاةِ بِالزَّكَاةِ مُعْتَادٌ فِي الشَّرْعِ وَيُرَجِّحُهَا أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْبِحُونَ الْكَذِبَ فَذِكْرُ مَا لَمْ يَأْلَفُوهُ أَوْلَى.

.

قُلْتُ وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ مُمْتَنِعًا كَمَا فِي أَمْرِهِمْ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَقَدْ كَانَا مِنْ مَأْلُوفِ عُقَلَائِهِمْ وَقَدْ ثَبَتَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْجِهَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ شَيْخِهِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ قَالَ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالصَّدَقَةِ وَفِي قَوْلِهِ يَأْمُرُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُخَالِفِهِمَا إِذْ مُخَالِفُ الْأَوَّلِ كَافِرٌ وَالثَّانِي مِمَّنْ قَبِلَ الْأَوَّلُ عَاصٍ .

     قَوْلُهُ  فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا الظَّاهِرُ أَنَّ إِخْبَارَ هِرَقْلَ بِذَلِكَ بِالْجَزْمِ كَانَ عَنِ الْعِلْمِ الْمُقَرَّرِ عِنْدَهُ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ .

     قَوْلُهُ  لَقُلْتُ رَجُلٌ تَأَسَّى بِقَوْلٍ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِغَيْرِهِ يَتَأَسَّى بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ هِرَقْلُ فَقُلْتُ إِلَّا فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ مَقَامُ فِكْرٍ وَنَظَرٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَسْئِلَةِ فَإِنَّهَا مَقَامُ نَقْلٍ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ ضُعَفَاؤُهُمْ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُتَسَامَحُ بِهِ لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى وَقَوْلُ هِرَقْلَ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ مَعْنَاهُ أَنَّ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ فِي الْغَالِبِ أَهْلُ الِاسْتِكَانَةِ لَا أَهْلُ الِاسْتِكْبَارِ الَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَى الشِّقَاقِ بَغْيًا وَحَسَدًا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَشْيَاعِهِ إِلَى أَنْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْقَذَ بَعْدَ حِينٍ مَنْ أَرَادَ سَعَادَتَهُ مِنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ أَيْ أَمْرُ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ نُورًا ثُمَّ لَا يَزَالُ فِي زِيَادَةٍ حَتَّى يَتِمَّ بِالْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِهَا وَلِهَذَا نَزَلَتْ فِي آخِرِ سِنِيِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نعمتي وَمِنْهُ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَكَذَا جَرَى لِأَتْبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَالُوا فِي زِيَادَةٍ حَتَّى كَمُلَ بِهِمْ مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ وَتَمَامِ نِعْمَتِهِ فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

     قَوْلُهُ  حِينَ يُخَالِطُ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ كَذَا رُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَالْقُلُوبُ مُضَافٌ إِلَيْهِ أَيْ يُخَالِطُ الْإِيمَانُ انْشِرَاحَ الصُّدُورِ وَرُوِيَ بَشَاشَةٌ الْقُلُوبَ بِالضَّمِّ وَالْقُلُوبَ مَفْعُولٌ أَيْ يُخَالِطُ بَشَاشَةَ الْإِيمَانِ وَهُوَ شَرْحُهُ الْقُلُوبَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِيمَانِ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ بن السَّكَنِ فِي رِوَايَتِهِ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ يَزْدَادُ بِهِ عجبا وفرحا وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ وَكَذَلِكَ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ لَا تَدْخُلُ قَلْبًا فَتَخْرُجُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ لِأَنَّهَا لَا تَطْلُبُ حَظَّ الدُّنْيَا الَّذِي لَا يُبَالِي طَالِبُهُ بِالْغَدْرِ بِخِلَافِ مَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ وَلَمْ يُعَرِّجْ هِرَقْلُ عَلَى الدَّسِيسَةِ الَّتِي دَسَّهَا أَبُو سُفْيَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِيرَادُ تَقْرِيرِ السُّؤَالِ الْعَاشِرِ وَالَّذِي بَعْدَهُ وَجَوَابِهِ وَقَدْ ثَبَتَ الْجَمِيعُ فِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ الَّتِي فِي الْجِهَادِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ ثَمَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَائِدَةٌ قَالَ الْمَازِنِيُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا هِرَقْلُ لَيْسَتْ قَاطِعَةً عَلَى النُّبُوَّةِ إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَامَاتٌ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَمَا أوردهُ احْتِمَالا جزم بِهِ بن بَطَّالٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي سُفْيَانَ ذِكْرُ الْأَمْرِ بَلْ صِيغَتُهُ وَقَولُهُ وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ لِأَنَّ مَقُولَهُمُ الْأَمْرُ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ .

     قَوْلُهُ  أَخْلُصُ بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ أَصِلُ يُقَالُ خَلُصَ إِلَى كَذَا أَيْ وَصَلَ .

     قَوْلُهُ  لَتَجَشَّمْتُ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنَ الْقَتْلِ إِنْ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَفَادَ ذَلِكَ بِالتَّجْرِبَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ ضُغَاطِرَ الَّذِي أَظْهَرَ لَهُمْ إِسْلَامه فَقَتَلُوهُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ دِحْيَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُخْتَصَرًا فَقَالَ قَيْصَرُ أَعْرِفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ إِنْ فَعَلْتُ ذَهَبَ ملكي وقتلني الرّوم وَفِي مُرْسل بن إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ وَيْحَكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَكِنِّي أَخَافُ الرُّومَ عَلَى نَفْسِي وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتَّبَعْتُهُ لَكِنْ لَوْ تَفَطَّنَ هِرَقْلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَحَمَلَ الْجَزَاءَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَسَلِمَ لَوْ أَسْلَمَ مِنْ كُلِّ مَا يَخَافُهُ وَلَكِنَّ التَّوْفِيقَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَولُهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ مُبَالَغَةٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ لَهُ وَالْخِدْمَةِ زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ هُوَ لَمَشَيْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أُقَبِّلَ رَأْسَهُ وَأَغْسِلَ قَدَمَيْهِ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَقِيَ عِنْدَهُ بَعْضُ شَكٍّ وَزَادَ فِيهَا وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَبْهَتَهُ تَتَحَادَرُ عَرَقًا مِنْ كَرْبِ الصَّحِيفَةِ يَعْنِي لَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ سَالِمًا لَا وِلَايَةً وَلَا مَنْصِبًا وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مَا تَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْبَرَكَةُ وَقَولُهُ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ أَيْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَكَنَّى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اسْتِقْرَارِهِ أَوْ أَرَادَ الشَّامَ كُلَّهُ لِأَنَّ دَارَ مَمْلَكَتِهِ كَانَتْ حِمْصَ وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ هِرَقْلَ آثَرَ مُلْكَهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الضَّلَالِ أَنَّهُ حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِدُونِ السنتين فَفِي مغازي بن إِسْحَاقَ وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا نَزَلُوا مَعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ أَنَّ هِرَقْلَ نَزَلَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَحَكَى كَيْفِيَّةَ الْوَقْعَةِ وَكَذَا روى بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَيْضًا مِنْ تَبُوكَ يَدْعُوهُ وَأَنَّهُ قَارَبَ الْإِجَابَةَ وَلَمْ يُجِبْ فَدَلَّ ظَاهِرُ ذَلِكَ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُضْمِرُ الْإِيمَانَ وَيَفْعَلُ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ مُرَاعَاةً لِمُلْكِهِ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَقْتُلَهُ قَوْمُهُ إِلَّا أَنَّ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَتَبَ مِنْ تَبُوكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ بَلْ هُوَ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ وَفِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ نَحْوُهُ وَلَفْظُهُ فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ فَعَلَى هَذَا إِطْلَاقُ صَاحِبِ الِاسْتِيعَابِ أَنَّهُ آمَنَ أَيْ أَظْهَرَ التَّصْدِيقَ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ وَيَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ بَلْ شَحَّ بِمُلْكِهِ وَآثَرَ الْفَانِيَةَ عَلَى الْبَاقِيَةِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَا أَيْ مَنْ وَكَّلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَلِهَذَا عُدِّيَ إِلَى الْكِتَابِ بِالْبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  دِحْيَةُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لُغَتَانِ وَيُقَالُ إِنَّهُ الرئيس بلغَة أهل الْيمن وَهُوَ بن خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَسْلَمَ قَدِيمًا وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَى هِرَقْلَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَوَقَعَ فِي تَارِيخِ خَلِيفَةَ أَنَّ إِرْسَالَ الْكِتَابِ إِلَى هِرَقْلَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ بَلْ هَذَا غَلَطٌ لِتَصْرِيحِ أَبِي سُفْيَانَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ وَالْهُدْنَةُ كَانَتْ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ اتِّفَاقًا وَمَاتَ دِحْيَةُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَبُصْرَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْقَصْرُ مَدِينَةٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَدِمَشْقَ وَقِيلَ هِيَ حَوْرَانُ وَعَظِيمُهَا هُوَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيُّ وَفِي الصَّحَابَةِ لِابْنِ السَّكَنِ أَنَّهُ أُرْسِلَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ مَعَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَكَانَ عَدِيٌّ إِذْ ذَاكَ نَصْرَانِيًّا فَوَصَلَ بِهِ هُوَ وَدِحْيَةُ مَعًا وَكَانَتْ وَفَاةُ الْحَارِثِ الْمَذْكُورِ عَامَ الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَبْدَأَ الْكِتَابَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ بَلْ حَكَى فِيهِ النَّحَّاسُ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالْحَقُّ إِثْبَاتُ الْخِلَافِ وَفِيهِ أَنَّ مِنْ الَّتِي لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ تَأْتِي مِنْ غَيْرِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَذَا قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا هُنَا أَيْضًا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ ذَلِكَ لَكِنْ بِارْتِكَابِ مجَاز زَاد فِي حَدِيث دحْيَة وَعِنْده بن أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبْطُ الرَّأْسِ وَفِيهِ لما قَرَأَ الْكتاب سخر فَقَالَ لاتقرأه إِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ قَيْصَرُ لَتَقْرَأَنَّهُ فَقَرَأَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ هُوَ نَاوَلَ الْكِتَابَ لِقَيْصَرَ وَلَفْظُهُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِهِ إِلَى قَيْصَرَ فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ .

     قَوْلُهُ  عَظِيمِ الرُّومِ فِيهِ عُدُولٌ عَنْ ذِكْرِهِ بِالْمُلْكِ أَوِ الْإِمْرَةِ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يُخْلِهِ مِنْ إِكْرَامٍ لِمَصْلَحَةِ التَّأَلُّفِ وَفِي حَدِيثِ دحْيَة أَن بن أَخِي قَيْصَرَ أَنْكَرَ أَيْضًا كَوْنَهُ لَمْ يَقُلْ مَلِكُ الرُّومِ .

     قَوْلُهُ  سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ السَّلَامُ بِالتَّعْرِيفِ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَهَارُونَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُمِرَا بِهِ أَنْ يَقُولَاهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُبْدَأُ الْكَافِرُ بِالسَّلَامِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّحِيَّةَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ سَلِمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَنْ أَسْلَمَ وَلِهَذَا جَاءَ بَعْدَهُ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَكَذَا جَاءَ فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْكِتَابِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ فَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمْ يَبْدَأِ الْكَافِرَ بِالسَّلَامِ قَصْدًا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يُشْعِرُ بِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُرَادِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنِ اتَّبَعَ الْهُدَى فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  أَمَّا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ وَتُسْتَعْمَلُ لِتَفْصِيلِ مَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا غَالِبًا وَقَدْ تَرِدُ مُسْتَأْنَفَةً لَا لِتَفْصِيلٍ كَالَّتِي هُنَا وَلِلتَّفْصِيلِ وَالتَّقْرِيرِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ هِيَ هُنَا لِلتَّفْصِيلِ وَتَقْدِيرُهُ أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَهُوَ اسْمُ اللَّهِ.

.
وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَهُوَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ إِلَخْ كَذَا قَالَ وَلَفْظَةُ بَعْدُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ تُفْتَحَ لَوِ اسْتَمَرَّتْ عَلَى الْإِضَافَةِ لَكِنَّهَا قُطِعَتْ عَنِ الْإِضَافَةِ فَبُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ .

     قَوْلُهُ  بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ قَوْلِكَ دَعَا يَدْعُو دِعَايَةً نَحْوَ شَكَا يَشْكُو شِكَايَةً وَلِمُسْلِمٍ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ أَيْ بِالْكَلِمَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَالْبَاءُ مَوْضِعُ إِلَى وَقَولُهُ أَسْلِمْ تَسْلَمْ غَايَةٌ فِي الْبَلَاغِ وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْبَدِيعِ وَهُوَ الْجِنَاسُ الِاشْتِقَاقِيُّ .

     قَوْلُهُ  يُؤْتِكَ جَوَابٌ ثَانٍ لِلْأَمْرِ وَفِي الْجِهَادِ لِلْمُؤَلِّفِ أَسْلِمْ أَسْلِمْ يُؤْتِكَ بِتَكْرَارِ أَسْلِمْ فَيُحْتَمَلُ التَّأْكِيدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَالثَّانِي لِلدَّوَامِ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّه وَرَسُوله الْآيَةَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أجرهم مرَّتَيْنِ الْآيَةَ وَإِعْطَاؤُهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ لِكَوْنِهِ كَانَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَضْعِيفُ الْأَجْرِ لَهُ مِنْ جِهَةِ إِسْلَامِهِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ إِسْلَامَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِ أَتْبَاعِهِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَانَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ فِي حُكْمِهِمْ فِي الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبَائِحِ لِأَنَّ هِرَقْلَ هُوَ وَقَوْمَهُ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَقَدْ قَالَ لَهُ وَلِقَوْمِهِ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالْإِسْرَائِيلِيِّينَ أَوْ بِمَنْ عُلِمَ أَنَّ سَلَفَهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ قَبْلَ التَّبْدِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ تَوَلَّيْتَ أَيْ أَعْرَضْتَ عَنِ الْإِجَابَةِ إِلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَحَقِيقَةُ التَّوَلِّي إِنَّمَا هُوَ بِالْوَجْهِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الشَّيْءِ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ .

     قَوْلُهُ  الْأَرِيسِيِّينَ هُوَ جَمْعُ أَرِيسِيٍّ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَرِيسَ بِوَزْنِ فَعِيلٍ وَقَدْ تُقْلَبُ هَمْزَتُهُ يَاءً كَمَا جَاءَتْ بِهِ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ والأصيلي وَغَيرهمَا هُنَا قَالَ بن سِيدَهْ الْأَرِيسُ الْأَكَّارُ أَيِ الْفَلَّاحُ عِنْدَ ثَعْلَبٍ وَعِنْدَ كُرَاعٍ الْأَرِيسُ هُوَ الْأَمِيرُ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ هِيَ لُغَة شامية وَأنكر بن فَارِسٍ أَنْ تَكُونَ عَرَبِيَّةً وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ هُنَا فقد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ زَادَ الْبَرْقَانِيُّ فِي رِوَايَتِهِ يَعْنِي الْحَرَّاثِينَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي رِوَايَةِ الْمَدَائِنِيِّ مِنْ طَرِيقٍ مُرْسَلَةٍ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْفَلَّاحِينَ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا تَحُلْ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَين الْإِسْلَام قَالَ أَبُو عبيد الْمُرَادُ بِالْفَلَّاحِينَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يزرع فَهُوَ عندالعرب فَلَّاحٌ سَوَاءٌ كَانَ يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ أَنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الضُّعَفَاءِ وَالْأَتْبَاعِ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا تَقْلِيدًا لَهُ لِأَنَّ الْأَصَاغِرَ أَتْبَاعُ الْأَكَابِرِ.

.

قُلْتُ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ دَلَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَهُوَ فَإِنَّ عَلَيْكَ مَعَ إِثْمِكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ إِثْمُ الْأَتْبَاعِ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ تَبِعُوهُ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ فَلَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ إِثْمُ نَفْسِهِ أَوْلَى وَهَذَا يُعَدُّ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لِأَنَّ وِزْرَ الْآثِمِ لَا يَتَحَمَّلُهُ غَيْرُهُ وَلَكِنَّ الْفَاعِلَ الْمُتَسَبِّبَ وَالْمُتَلَبِّسَ بِالسَّيِّئَاتِ يَتَحَمَّلُ مِنْ جِهَتَيْنِ جِهَةِ فِعْلِهِ وَجِهَةِ تَسَبُّبِهِ وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُ الْأَرِيسِيِّينَ بِمَعْنًى آخَرَ فَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الْأَرِيسِيُّونَ الْعَشَّارُونَ يَعْنِي أَهْلَ الْمَكْسِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهَذَا إِنْ صَحَّ أَنَّهُ الْمُرَادُ فَالْمَعْنَى الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِثْمِ فَفِي الصَّحِيحِ فِي الْمَرْأَة الَّتِي اعْترفت بالزنى لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَقُبِلَتْ .

     قَوْلُهُ  وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَخْ هَكَذَا وَقَعَ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فِي أَوَّلِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْوَاوَ سَاقِطَةٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَعَلَى ثُبُوتِهَا فَهِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ أَدْعُوكَ فَالتَّقْدِيرُ أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ وَأَقُولُ لَكَ وَلِأَتْبَاعِكَ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَهْلَ الْكِتَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَبِي سُفْيَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ جَمِيعَ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ فَاسْتَحْضَرَ مِنْهَا أَوَّلَ الْكِتَابِ فَذَكَرَهُ وَكَذَا الْآيَةُ وَكَأَنَّهُ قَالَ فِيهِ كَانَ فِيهِ كَذَا وَكَانَ فِيهِ يَا أَهْلَ الْكتاب فَالْوَاوُ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ نَفْسِ الْكِتَابِ وَقِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فَوَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَهَا لَمَّا نَزَلَتْ وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ وَفْدِ نَجْرَانَ وَكَانَتْ قِصَّتُهُمْ سَنَةَ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ وَقِصَّةُ أبي سُفْيَانَ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَاضِحًا فِي الْمَغَازِي وَقِيلَ بَلْ نَزَلَتْ سَابِقَةً فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلَامُ بن إِسْحَاقَ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ نُزُولَهَا مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَائِدَةٌ قِيلَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ لِلْآيَةِ أَوِ الْآيَتَيْنِ وَبِإِرْسَالِ بَعْضِ الْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدو وَكَذَا بِالسَّفرِ بِهِ وَأغْرب بن بَطَّالٍ فَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ نُسِخَ بِالنَّهْيِ عَنِ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَيَحْتَاجُ إِلَى اثبات التَّارِيخ بذلك وَيحْتَمل أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ السَّفَرِ بِهِ أَيِ الْمُصْحَفُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.

.
وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِذَا لَمْ يَقْصِدِ التِّلَاوَةَ جَازَ عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ نَظَرًا فَإِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيُقَيَّدُ الْجَوَازُ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ احْتِيَاجٌ إِلَى ذَلِكَ كَالْإِبْلَاغِ وَالْإِنْذَارِ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ.

.
وَأَمَّا الْجَوَازُ مُطْلَقًا حَيْثُ لاضرورة فَلَا يَتَّجِهُ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمَلُ الْقَلِيلَةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا هَذَا الْكِتَابُ عَلَى الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ أَسْلِمْ وَالتَّرْغِيبُ بِقَوْلِهِ تَسْلَمْ وَيُؤْتِكَ وَالزَّجْرُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ وَالتَّرْهِيبُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ عَلَيْكَ وَالدِّلَالَةُ بِقَوْلِهِ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاغَةِ مَا لَا يَخْفَى وَكَيْفَ لَا وَهُوَ كَلَامُ مَنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِير بذلك إِلَى الْقِصَّة الَّتِي ذكرهَا بن النَّاطُورِ بَعْدُ وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا تَعُودُ عَلَى هِرَقْلَ وَالصَّخَبُ اللَّغَطُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ فِي الْمُخَاصَمَةِ زَادَ فِي الْجِهَادِ فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي زَادَ فِي الْجِهَادِ حِينَ خَلَوْتُ بِهِمْ .

     قَوْلُهُ  أَمِرَ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ عَظُمَ وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُبْحَانَ وبن أَبِي كَبْشَةَ أَرَادَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ أَبَا كَبْشَةَ أَحَدُ أَجْدَادِهِ وَعَادَةُ الْعَرَبِ إِذَا انْتَقَصَتْ نَسَبَتْ إِلَى جَدٍّ غَامِضٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ النَّسَّابَةُ الْجُرْجَانِيُّ هُوَ جَدُّ وَهْبٍ جَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّهِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ وَهْبًا جَدَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَوْقَصِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ إِنَّ الْأَوْقَصَ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ وَقِيلَ هُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأُمِّهِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْخَزْرَجِيِّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ إِنَّ عَمْرَو بْنَ زَيْدٍ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَة وَلَكِن ذكر بن حَبِيبٍ فِي الْمُجْتَبَى جَمَاعَةً مِنْ أَجْدَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ وَقِيلَ هُوَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَهُ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ وبن مَاكُولَا وَذكر يُونُس بن بكير عَن بن إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَكَانَتْ لَهُ بِنْتٌ تُسَمَّى كَبْشَةَ يكنى بهَا.

     وَقَالَ  بن قُتَيْبَةَ وَالْخَطَّابِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ خَالَفَ قُرَيْشًا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَعَبَدَ الشِّعْرَى فَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ وَكَذَا قَالَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ وَاسْمُهُ وَجْزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ غَالِبٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ يَخَافُهُ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافًا تَعْلِيلِيًّا لَا بِفَتْحِهَا وَلِثُبُوتِ اللَّامِ فِي لَيَخَافُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى .

     قَوْلُهُ  مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ هُمُ الرُّومُ وَيُقَالُ إِنَّ جَدَّهُمْ رُومَ بْنَ عِيصَ تَزَوَّجَ بِنْتَ مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَجَاءَ لَوْنُ وَلَدِهِ بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فَقِيلَ لَهُ الْأَصْفَر حَكَاهُ بن الْأَنْبَارِي.

     وَقَالَ  بن هِشَامٍ فِي التِّيجَانِ إِنَّمَا لُقِّبَ الْأَصْفَرَ لِأَنَّ جَدَّتَهُ سَارَةَ زَوْجَ إِبْرَاهِيمَ حَلَّتْهُ بِالذَّهَبِ .

     قَوْلُهُ  فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا زَادَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ فَمَا زِلْتُ مَرْعُوبًا مِنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى أَسْلَمْتُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ أَيْ فَأَظْهَرْتُ ذَلِكَ الْيَقِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِك الْيَقِين ارْتَفع قَوْله وَكَانَ بن النَّاطُورِ هُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ حَارِسُ الْبُسْتَانِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اللَّيْث عَن يُونُس بن نَاطُورَا بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فِي آخِرِهِ فَعَلَى هَذَا هُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ تَنْبِيهٌ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ بن النَّاطُورِ يُحَدِّثُ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَهِيَ مَوْصُولَةٌ إِلَى بن النَّاطُورِ لَا مُعَلَّقَةٌ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا عِنَايَةَ لَهُ بِهَذَا الشَّأْنِ وَكَذَلِكَ أَغْرَبَ بعض المغاربة فَزعم أَن قصَّة بن النَّاطُورِ مَرْوِيَّةٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنهُ لِأَنَّهُ لما رَآهَا لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِالسَّمَاعِ حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ لَقِيتُهُ بِدِمَشْقَ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَظُنُّهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ كَانَ سُقُفًّا لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِهِمْ عَالِمًا بِحَقَائِقِ أَخْبَارِهِمْ وَكَأَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا وَقع فِي سيرة بن إِسْحَاق فَإِنَّهُ قدم قصَّة بن النَّاطُورِ هَذِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فَعِنْدَهُ عَن عبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ هِرَقْلَ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَجَزَمَ الْحُفَّاظُ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْإِدْرَاجِ أَوَّلَ الْخَبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَاحِبُ إِيلِيَاءَ أَيْ أَمِيرُهَا هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ الْحَالِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الصِّفَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ وَالْإِضَافَةُ الَّتِي فِيهِ تَقُومُ مَقَامَ التَّعْرِيفِ وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا فِي تَقْدِير الِانْفِصَالِ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ وَهِرَقْلُ مَعْطُوفٌ عَلَى إِيلِيَاءَ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الصُّحْبَةَ لَهُ إِمَّا بِمَعْنَى التَّبَعِ وَإِمَّا بِمَعْنَى الصَّدَاقَةِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ صَاحِبٍ فِي مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيٍّ وَحَقِيقِيٍّ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِيلِيَاءَ أَمِيرٌ وَذَاكَ مَجَازٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى هِرَقْلَ تَابِعٌ وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَإِرَادَةُ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى إِرَادَةِ مَعْنًى شَامِلٍ لَهُمَا وَهَذَا يُسَمَّى عُمُومَ الْمَجَازِ وَقَولُهُ سُقُفًّا بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ كَذَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خبر كَانَ وَيحدث خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ سُقِّفَ بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ مِثْلُهُ لَكِنْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ وَالْأُسْقُفُّ وَالسُّقْفُ لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ وَمَعْنَاهُ رَئِيسُ دِينِ النَّصَارَى وَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ الطَّوِيلُ فِي انْحِنَاءٍ وَقِيلَ ذَلِكَ لِلرَّئِيسِ لِأَنَّهُ يَتَخَاشَعُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي وَزْنِهِ إِلَّا الْأُسْرُبُّ وَهُوَ الرَّصَاصُ لَكِنْ حَكَى بن سِيدَهْ ثَالِثًا وَهُوَ الْأُسْكُفُّ لِلصَّانِعِ وَلَا يَرِدُ الْأُتْرُجُّ لِأَنَّهُ جَمْعٌ وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُفْرَدِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ يَكُونُ الْخَبَرُ الْجُمْلَةَ الَّتِي هِيَ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سُفْيَانَ بِطُولِهِ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ بن النَّاطُورِ يُحَدِّثُ وَهَذَا صُورَةُ الْإِرْسَالِ .

     قَوْلُهُ  حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَهِيَ عِنْدَ غَلَبَةِ جُنُودِهِ عَلَى جُنُودِ فَارِسَ وَإِخْرَاجِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي اعْتَمَرَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ نَصْرَةُ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ فَفَرِحُوا وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ الْقِصَّةَ مُسْتَوْفَاةً فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله وَفِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  خَبِيثُ النَّفْسِ أَيْ رَدِيء النَّفس غَيْرُ طَيِّبِهَا أَيْ مَهْمُومًا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي كَسَلِ النَّفْسِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي كَأَنَّهُ كَرِهَ اللَّفْظَ وَالْمُرَادُ بِالْخِطَابِ الْمُسْلِمُونَ.

.
وَأَمَّا فِي حَقِّ هِرَقْلَ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَصرح فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ بِقَوْلِهِمْ لَهُ لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَهْمُومًا وَالْبَطَارِقَةُ جَمْعُ بِطْرِيقٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُمْ خَوَاصُّ دَوْلَةِ الرُّومِ .

     قَوْلُهُ  حَزَّاءً بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ آخِرُهُ هَمْزَةٌ مُنَوَّنَةٌ أَيْ كَاهِنًا يُقَالُ حَزَا بِالتَّخْفِيفِ يَحْزُو حَزْوًا أَيْ تَكَهَّنَ وَقَولُهُ يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ إِنْ جَعَلْتَهَا خَبَرًا ثَانِيًا صَحَّ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ جَعَلْتَهَا تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ فَالْكَهَانَةُ تَارَةً تَسْتَنِدُ إِلَى إِلْقَاءِ الشَّيَاطِينِ وَتَارَةً تُسْتَفَادٌ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ وَكَانَ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَائِعًا ذَائِعًا إِلَى أَنْ أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فَانْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُمْ وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ هِرَقْلُ مِنْ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَوْلِدَ النَّبَوِيَّ كَانَ بِقِرَانِ الْعُلْوِيَّيْنِ بِبُرْجِ الْعَقْرَبِ وَهُمَا يَقْتَرِنَانِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ سنة مرّة إِلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْمُثَلَّثَةُ بُرُوجَهَا فِي سِتِّينَ سَنَةً فَكَانَ ابْتِدَاءُ الْعِشْرِينَ الْأُولَى الْمَوْلِدَ النَّبَوِيَّ فِي الْقِرَانِ الْمَذْكُورِ وَعِنْدَ تَمَامِ الْعِشْرِينَ الثَّانِيَةَ مَجِيءُ جِبْرِيلَ بِالْوَحْيِ وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّالِثَةِ فَتْحُ خَيْبَرَ وَعُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ الَّتِي جَرَّتْ فَتْحَ مَكَّةَ وَظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ رَأَى هِرَقْلُ مَا رَأَى وَمِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا أَنَّ بُرْجَ الْعَقْرَبِ مَائِيٌّ وَهُوَ دَلِيلُ مُلْكِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَخْتَتِنُونَ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى انْتِقَالِ الْمُلْكِ إِلَى الْعَرَبِ.

.
وَأَمَّا الْيَهُودُ فَلَيْسُوا مُرَادًا هُنَا لِأَنَّ هَذَا لِمَنْ يُنْقَلُ إِلَيْهِ الْمُلْكُ لَا لِمَنِ انْقَضَى مُلْكُهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ سَاغَ لِلْبُخَارِيِّ إِيرَادُ هَذَا الْخَبَرَ الْمُشْعِرَ بِتَقْوِيَةِ أَمْرِ الْمُنَجِّمِينَ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ قَصَدَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْإِشَارَاتِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ وَعَلَى لِسَانِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ كَاهِنٍ أَوْ مُنَجِّمٍ مُحِقٍّ أَوْ مُبْطِلٍ إِنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ عَالِمٌ أَوْ يَجْنَحُ إِلَيْهِ مُحْتَجٌّ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْحَزَّاءَ هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي الْأَعْضَاءِ وَفِي خَيَلَانِ الْوَجْهِ فَيَحْكُمُ عَلَى صَاحِبِهَا بِطَرِيقِ الْفَرَاسَةِ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حَصْرُهُ فِي ذَلِكَ بَلِ اللَّائِقُ بِالسِّيَاقِ فِي حَقِّ هِرَقْلَ مَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  مُلْكَ الْخِتَانِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ .

     قَوْلُهُ  قَدْ ظَهَرَ أَيْ غَلَبَ يَعْنِي دَلَّهُ نَظَرُهُ فِي حُكْمِ النُّجُومِ عَلَى أَنَّ مُلْكَ الْخِتَانِ قَدْ غَلَبَ وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَانَ ابْتِدَاءُ ظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ صَالَحَ كُفَّارَ مَكَّةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فتحا مُبينًا إِذْ فَتْحُ مَكَّةَ كَانَ سَبَبُهُ نَقْضَ قُرَيْشٍ الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَمُقَدِّمَةُ الظُّهُورِ ظُهُورٌ .

     قَوْلُهُ  مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ وَإِطْلَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ كُلِّهِمْ فِيهِ تَجَوُّزٌ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْعَرَبُ خَاصَّةً وَالْحَصْرُ فِي قَوْلِهِمْ إِلَّا الْيَهُودَ هُوَ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِمْ لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا بِإِيلِيَاءَ وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ كَثِيرِينَ تَحْتَ الذِّلَّةِ مَعَ الرُّومِ بِخِلَافِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ تَحْتَ طَاعَةِ مَلِكِ الرُّومِ كَآلِ غَسَّانَ لَكِنَّهُمْ كَانُوا مُلُوكًا بِرَأْسِهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يُهِمَّنَّكَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَهَمَّ أَثَارَ الْهَمَّ وَقَولُهُ شَأْنُهُمْ أَيْ أَمْرُهُمْ وَمَدَائِن جَمْعُ مَدِينَةٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ مَنْ جَعَلَهُ فَعِيلَةً مِنْ قَوْلِكَ مَدَنَ بِالْمَكَانِ أَيْ أَقَامَ بِهِ هَمَزَهُ كَقَبَائِلَ وَمَنْ جَعَلَهُ مُفْعِلَةً مِنْ قَوْلِكَ دَيَنَ أَيْ مُلِكَ لَمْ يَهْمِزْ كَمَعَايِشَ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَعَايِشَ هُوَ الْمَشْهُور وَقد روى خَارِجَة عَن نَافِع الْقَارئ الْهَمْزَ فِي مَعَايِشَ.

     وَقَالَ  الْقَزَّازُ مَنْ هَمَزَهَا تَوَهَّمَهَا مِنْ فَعِيلَةٍ لِشَبَهِهَا بِهَا فِي اللَّفْظِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أَيْ فِي هَذِهِ الْمَشُورَةِ .

     قَوْلُهُ  أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَحْضَرَهُ وَمَلِكُ غَسَّانَ هُوَ صَاحِبُ بُصْرَى الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَأَشَرْنَا إِلَى أَن بن السَّكَنِ رَوَى أَنَّهُ أَرْسَلَ مِنْ عِنْدِهِ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْكُورَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر ذَلِك بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَدِ اتَّبَعَهُ نَاسٌ وَخَالَفَهُ نَاسٌ فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلَاحِمُ فِي مَوَاطِن فتركتهم وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَبَيَّنَ مَا أُجْمِلَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَائِلِ مَا ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ قَالَ جَرِّدُوهُ فَإِذَا هُوَ مُخْتَتِنٌ فَقَالَ هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَعْطِهِ ثَوْبَهُ .

     قَوْلُهُ  هُمْ يَخْتَتِنُونَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُمْ مُخْتَتِنُونَ بِالْمِيمِ وَالْأَوَّلُ أَفْيَدُ وَأَشْمَلُ .

     قَوْلُهُ  هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُونِ وللقابسى بِالْفَتْح ثمَّ الْكسر وَلأبي ذَر عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ يَمْلِكُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ قَالَ الْقَاضِي أَظُنُّهَا ضَمَّةَ الْمِيمِ اتَّصَلَتْ بِهَا فَتَصَحَّفَتْ وَوَجَّهَهُ السُّهَيْلِيُّ فِي أَمَالِيهِ بِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ هَذَا الْمَذْكُورُ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَمْلِكُ نَعْتًا أَيْ هَذَا رَجُلٌ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ.

     وَقَالَ  شَيْخُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ هُوَ الْمَوْصُولَ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ أَيْ هَذَا الَّذِي يَمْلِكُ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقٌ عَلَى أَنَّ الْكُوفِيِّينَ يُجَوِّزُونَ اسْتِعْمَالَ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِمَعْنَى الِاسْمِ الْمَوْصُولِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ الَّذِي يَمْلِكُ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ.

.

قُلْتُ لَكِنَّ اتِّفَاقَ الرُّوَاةِ عَلَى حَذْفِ الْيَاءِ فِي أَوَّلِهِ دَالٌّ عَلَى مَا قَالَ الْقَاضِي فَيَكُونُ شَاذًّا عَلَى أَنَّنِي رَأَيْتُ فِي أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ وَعَلَيْهِ عَلَامَةُ السَّرَخْسِيِّ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَتَوْجِيهُهَا أَقْرَبُ مِنْ تَوْجِيهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَظَرِهِ فِي حُكْمِ النُّجُومِ وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِظَهَرَ أَيْ هَذَا الْحُكْمُ ظَهَرَ بِمُلْكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي تَخْتَتِنُ .

     قَوْلُهُ  بِرُومِيَةَ بِالتَّخْفِيفِ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِلرُّومِ وَحِمْصَ مَجْرُورٌ بِالْفَتْحَةِ مُنِعَ صَرْفُهُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ صَرْفُهُ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَرِمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَمْ يَصِلْ إِلَى حِمْصَ وَزَيَّفُوهُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَالَ فَلَمَّا خَرَجُوا أَدْخَلَنِي عَلَيْهِ وَأَرْسَلَ إِلَيَّ الْأُسْقُفَّ وَهُوَ صَاحِبُ أَمْرِهِمْ فَقَالَ هَذَا الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَبَشَّرَنَا بِهِ عِيسَى أَمَّا أَنَا فَمُصَدِّقُهُ وَمُتَّبِعُهُ فَقَالَ لَهُ قَيْصَرُ أَمَّا أَنَا إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ذَهَبَ مُلْكِي فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ لِيَ الْأُسْقُفُّ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ وَاذْهَبْ إِلَى صَاحِبِكِ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنِّي قَدْ آمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُهُ وَأَنَّهُمْ قَدْ أَنْكَرُوا عَلَيَّ ذَلِكَ ثمَّ خرج إِلَيْهِم فَقَتَلُوهُ وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ دِحْيَةَ إِلَى ضُغَاطِرَ الرُّومِيَّ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ فِي الرُّومِ أَجْوَزُ قَوْلًا مِنِّي وَإِنَّ ضُغَاطِرَ الْمَذْكُورَ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَأَلْقَى ثِيَابَهُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَلَبِسَ ثِيَابًا بِيضًا وَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ دِحْيَةُ إِلَى هِرَقْلَ قَالَ لَهُ قَدْ.

.

قُلْتُ لَكَ إِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا فَضُغَاطِرُ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَهُمْ مِنِّي.

.

قُلْتُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ رُومِيَّةَ الَّذِي أُبْهِمَ هُنَا لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا قِيلَ إِنَّ دِحْيَةَ لَمْ يَقْدَمْ عَلَى هِرَقْلَ بِهَذَا الْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِنَّمَا قَدِمَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَالرَّاجِحُ أَنَّ دِحْيَةَ قَدِمَ عَلَى هِرَقْلَ أَيْضًا فِي الْأُولَى فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ لِكُلٍّ مِنَ الْأُسْقُفِّ وَمِنْ ضُغَاطِرَ قِصَّةٌ قُتِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِسَبَبِهَا أَوْ وَقَعَتْ لِضُغَاطِرَ قِصَّتَانِ إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكرهَا بن النَّاطُورِ وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَا أَنَّهُ قتل وَالثَّانيَِة الَّتِي ذكرهَا بن إِسْحَاقَ فَإِنَّ فِيهَا قِصَّتَهُ مَعَ دِحْيَةَ وَأَنَّهُ أَسْلَمَ وَقُتِلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ لِأَنَّهَا كَانَتْ دَارَ مُلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَانَتْ فِي زَمَانِهِمْ أَعْظَمُ مِنْ دِمَشْقَ وَكَانَ فَتْحُهَا عَلَى يَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّهُ نَبِيٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِرَقْلَ وَصَاحِبَهُ أَقَرَّا بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ هِرَقْلَ كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ صَاحِبِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَذِنَ هِيَ بِالْقَصْرِ مِنَ الْإِذْنِ وَفِي رِوَايَةِ المستملى وَغَيره بِالْمدِّ وَمَعْنَاهُ أعلم والدسكرة بِسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْقَصْرُ الَّذِي حَوْلَهُ بُيُوتٌ وَكَأَنَّهُ دَخَلَ الْقَصْرَ ثُمَّ أَغْلَقَهُ وَفَتَحَ أَبْوَابَ الْبُيُوتِ الَّتِي حَوْلَهُ وَأَذِنَ لِلرُّومِ فِي دُخُولِهَا ثُمَّ أَغْلَقَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَخَاطَبَهُمْ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَثِبُوا بِهِ كَمَا وَثبُوا بضغاطر قَوْله والرشد بفتحتتين وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ لِأَنَّهُمْ إِنْ تَمَادَوْا عَلَى الْكُفْرِ كَانَ سَبَبًا لِذَهَابِ مُلْكِهِمْ كَمَا عَرِفَ هُوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ .

     قَوْلُهُ  فَتُبَايِعُوا بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِمُثَنَّاتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ وَلِلْأَصِيلِيِّ فَنُبَايِعُ بِنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ لِهَذَا النَّبِيِّ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ بِحَذْفِ اللَّامِ .

     قَوْلُهُ  فَحَاصُوا بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ نَفَرُوا وَشَبَّهَهُمْ بِالْوُحُوشِ لِأَنَّ نَفْرَتَهَا أَشَدُّ مِنْ نَفْرَةِ الْبَهَائِمِ الْإِنْسِيَّةِ وَشَبَّهَهُمْ بِالْحُمْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْوُحُوشِ لِمُنَاسَبَةِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الْفِطْنَةِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ .

     قَوْلُهُ  وَأِيسَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَيَئِسَ بِيَائَيْنِ تَحْتَانِيَّتَيْنِ وَهُمَا بِمَعْنَى قَنَطَ وَالْأَوَّلُ مَقْلُوبٌ مِنَ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْإِيمَانِ أَيْ مِنْ إِيمَانِهِمْ لِمَا أَظْهَرُوهُ وَمِنْ إِيمَانِهِ لِأَنَّهُ شَحَّ بِمُلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُطِيعُوهُ فَيَسْتَمِرَّ مُلْكُهُ وَيَسْلَمَ وَيَسْلَمُوا بِإِسْلَامِهِمْ فَمَا أِيسَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي أَرَادَهُ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَفِرَّ عَنْهُمْ وَيَتْرُكَ مُلْكَهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

     قَوْلُهُ  آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ رَأَيْتُ زَادَ فِي التَّفْسِيرِ فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بدعائه إِلَى الْإِيمَان خَاصَّة لَا أَنه انْقَضَى أَمْرُهُ حِينَئِذٍ وَمَاتَ أَوْ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْآخِرِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ وَهَذَا أَوْجَهُ لِأَنَّ هِرَقْلَ وَقَعَتْ لَهُ قِصَصٌ أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَجْهِيزِهِ الْجُيُوشَ إِلَى مُؤْتَةَ وَمِنْ تَجْهِيزِهِ الْجُيُوشَ أَيْضًا إِلَى تَبُوكَ وَمُكَاتَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثَانِيًا وَإِرْسَالِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَهَبٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ أَصْحَابه كَمَا فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا قَبْلُ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ التَّنُوخِيِّ رَسُولِ هِرَقْلَ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ فَبَعَثَ دِحْيَةَ إِلَى هِرَقْلَ فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِتَابُ دَعَا قِسِّيسِي الرُّومِ وَبَطَارِقَتَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَتَحَيَّرُوا حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَجَ مِنْ بُرْنُسِهِ فَقَالَ اسْكُتُوا فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ تَمَسُّكَكُمْ بِدِينِكُمْ وروى بن إِسْحَاق عَن خَالِد بن بشار عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ الشَّامِ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ عَرَضَ عَلَى الرُّومِ أُمُورًا إِمَّا الْإِسْلَامَ وَإِمَّا الْجِزْيَةَ وَإِمَّا أَنْ يُصَالِحَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَبْقَى لَهُمْ مَا دُونَ الدَّرْبِ فَأَبَوْا وَأَنَّهُ انْطَلَقَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الدَّرْبِ اسْتَقْبَلَ أَرْضَ الشَّامِ ثُمَّ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكِ أَرْضَ سُورِيَّةَ يَعْنِي الشَّامَ تَسْلِيمَ الْمُوَدِّعِ ثُمَّ رَكَضَ حَتَّى دَخَلَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَاخْتَلَفَ الْإِخْبَارِيُّونَ هَلْ هُوَ الَّذِي حَارَبَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوِ ابْنُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ هُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ لَمَّا كَانَ أَمْرُ هِرَقْلَ فِي الْإِيمَانِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مُسْتَبْهَمًا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَصْرِيحِهِ بِالْإِيمَانِ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَمَرَّ عَلَى الشَّكِّ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا.

     وَقَالَ  الرَّاوِي فِي آخِرِ الْقِصَّةِ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ خَتَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْبَابَ الَّذِي اسْتَفْتَحَهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ كَأَنَّهُ قَالَ إِنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ انْتَفَعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فظهرت مُنَاسبَة إِيرَاد قصَّة بن النَّاطُورِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ لِمُنَاسَبَتِهَا حَدِيثَ الْأَعْمَالِ الْمُصَدَّرِ الْبَابُ بِهِ وَيُؤْخَذُ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ آخِرِ لَفْظٍ فِي الْقِصَّةِ بَرَاعَةُ الِاخْتِتَامِ وَهُوَ وَاضِحٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فَإِنْ قِيلَ مَا مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ بِبَدْءِ الْوَحْيِ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ كَيْفِيَّةَ حَالِ النَّاسِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّ الْآيَةَ الْمَكْتُوبَةَ إِلَى هِرَقْلَ لِلدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ مُلْتَئِمَةٌ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي فِي التَّرْجَمَةِ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ الْآيَةَ.

     وَقَالَ  تَعَالَى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ماوصى بِهِ نوحًا الْآيَةَ فَبَانَ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِمْ كُلِّهِمْ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى سَوَاءٍ بَيْننَا وَبَيْنكُم الْآيَةَ تَكْمِيلٌ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ هِرَقْلَ وَضَعَ الْكِتَابَ فِي قَصَبَةٍ مِنْ ذَهَبٍ تَعْظِيمًا لَهُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَتَوَارَثُونَهُ حَتَّى كَانَ عِنْدَ مَلِكِ الْفِرِنْجِ الَّذِي تَغَلَّبَ عَلَى طُلَيْطِلَةَ ثُمَّ كَانَ عِنْدَ سَبْطِهِ فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابنَا أَن عبد الْملك بن سعد أَحَدَ قُوَّادِ الْمُسْلِمِينَ اجْتَمَعَ بِذَلِكَ الْمَلِكِ فَأَخْرَجَ لَهُ الْكِتَابَ فَلَمَّا رَآهُ اسْتَعْبَرَ وَسَأَلَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ تَقْبِيلِهِ فَامْتَنَعَ.

.

قُلْتُ وَأَنْبَأَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْقَاضِي نُورِ الدِّينِ بْنِ الصَّائِغِ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَيْفُ الدِّينِ فُلَيْحٌ الْمَنْصُورِيُّ قَالَ أَرْسَلَنِي الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ قَلَاوُونُ إِلَى مَلِكِ الْغَرْبِ بِهَدِيَّةٍ فَأَرْسَلَنِي مَلِكُ الْغَرْبِ إِلَى مَلِكِ الْفِرِنْجِ فِي شَفَاعَةٍ فَقَبِلَهَا وَعَرَضَ عَلَيَّ الْإِقَامَةَ عِنْدَهُ فَامْتَنَعْتُ فَقَالَ لِي لَأُتْحِفَنَّكَ بِتُحْفَةٍ سَنِيَّةٍ فَأَخْرَجَ لِي صُنْدُوقًا مُصَفَّحًا بِذَهَبٍ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مِقْلَمَةَ ذَهَبٍ فَأَخْرَجَ مِنْهَا كِتَابًا قَدْ زَالَتْ أَكْثَرُ حُرُوفِهِ وَقَدِ الْتَصَقَتْ عَلَيْهِ خِرْقَةُ حَرِيرٍ فَقَالَ هَذَا كِتَابُ نَبِيِّكُمْ إِلَى جَدِّي قَيْصَرَ مَا زِلْنَا نَتَوَارَثُهُ إِلَى الْآنَ وَأَوْصَانَا آبَاؤُنَا أَنَّهُ مَا دَامَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَنَا لَا يَزَالُ الْمُلْكُ فِينَا فَنَحْنُ نَحْفَظُهُ غَايَةَ الْحِفْظِ وَنُعَظِّمُهُ وَنَكْتُمُهُ عَنِ النَّصَارَى لِيَدُومَ الْمُلْكُ فِينَا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ آنِفًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى التَّنُوخِيِّ رَسُولِ هِرَقْلَ الْإِسْلَامَ فَامْتَنَعَ فَقَالَ لَهُ يَا أَخَا تَنُوخَ إِنِّي كَتَبْتُ إِلَى مَلِكِكُمْ بِصَحِيفَةٍ فَأَمْسَكَهَا فَلَنْ يَزَالَ النَّاسُ يَجِدُونَ مِنْهُ بَأْسًا مَا دَامَ فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ مُرْسَلِ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَأَمَّا كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ مَزَّقَهُ.

.
وَأَمَّا قَيْصَرُ فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَاهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُمَزَّقُونَ.

.
وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَسَتَكُونُ لَهُمْ بَقِيَّةٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُ جَوَابُ كِسْرَى قَالَ مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ وَلَمَّا جَاءَهُ جَوَابُ هِرَقْلَ قَالَ ثَبَّتَ اللَّهُ مُلْكَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ أَنْ يَرْوِيَ الْبُخَارِيُّ عَنِ الثَّلَاثَةِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَنْ يَرْوِيَ عَنْهُمْ بِطَرِيقٍ آخَرَ كَمَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَحْتَمِلُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَرْوِيَ لَهُم عَن عبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ وَأَنْ يَرْوِيَ لَهُمْ عَنْ غَيْرِهِ هَذَا مَا يَحْتَمِلُ اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ الِاتِّحَادَ قلت هَذَا الظَّاهِرُ كَافٍ لِمَنْ شَمَّ أَدْنَى رَائِحَةٍ مِنْ عِلْمِ الْإِسْنَادِ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْعَقْلِيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي هَذَا الْفَنِّ.

.
وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَأَشَدُّ بُعْدًا لِأَنَّ أَبَا الْيَمَانِ لَمْ يَلْحَقْ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ وَلَا سَمِعَ مِنْ يُونُسَ وَهَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالنَّقْلِ الْمَحْضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا عَدَاهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ لَاطَّلَعَ عَلَى كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ الثَّلَاثَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِخُصُوصِهِ فَاسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا التَّرَدُّدِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي تَغْلِيقُ التَّعْلِيقِ وَأُشِيرُ هُنَا إِلَيْهِ إِشَارَةً مُفْهِمَةً فَرِوَايَةُ صَالِحٍ وَهُوَ بن كَيْسَانَ أَخْرَجَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ بِتَمَامِهَا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَفِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ الزَّوَائِدِ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَبْلُ وَلَكِنَّهُ انْتَهَى حَدِيثُهُ عِنْدَ قَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ زَادَ هُنَا وَأَنَا كَارِهٌ وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ بن النَّاطُورِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِدُونِهَا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ وَرِوَايَةُ يُونُسَ أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَخْرَجَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْجِهَادِ مُخْتَصَرَةً مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ وَفِي الِاسْتِئْذَانِ مُخْتَصَرَةً أَيْضًا من طَرِيق بن الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَسُقْهُ بِتَمَامِهِ وَقَدْ سَاقَهُ بِتَمَامِهِ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْث وَذكر فِيهِ قصَّة بن النَّاطُورِ وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ سَاقَهَا الْمُؤَلِّفُ بِتَمَامِهَا فِي التَّفْسِيرِ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى بَعْضِ فَوَائِدَ زَائِدَةٍ فِيمَا مَضَى أَيْضًا وَذَكَرَ فِيهِ من قصَّة بن النَّاطُورِ قِطْعَةً مُخْتَصَرَةً عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلَةً فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ أَبَا الْيَمَانِ مَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ الزُّهْرِيَّ إِنَّمَا رَوَاهُ لِأَصْحَابِهِ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ عَنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَّ أَحَادِيثَ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ عَنْ غَيْرِ أَبِي الْيَمَانِ وَلَوِ احْتَمَلَ أَنْ يَرْوِيَهُ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ عَنْ شَيْخٍ آخَرَ لَكَانَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا قَدْ يُفْضِي إِلَى الِاضْطِرَابِ الْمُوجِبِ لِلضَّعْفِ فَلَاحَ فَسَادُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ وَالْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ لَا إِلَهَ الا هُوَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب

[ قــ :7 ... غــ : 7 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ -وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّاْمِ- فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا تَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.
فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ.
فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ.

.

قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.
قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟

قُلْتُ: لاَ.
قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.
قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟.

.

قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟.

.

قُلْتُ لاَ.
قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟.

.

قُلْتُ لاَ.
قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ؟.

.

قُلْتُ لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا.
قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.
قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟.

.

قُلْتُ نَعَمْ.
قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟.

.

قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.
قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟.

.

قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ.
فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ،.

.

قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ.

.

قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ.
وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.
فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِيهِ.

ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ.
سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ.
فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} .


قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ.
فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ.


وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ -صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ- أُسْقُف عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ.
قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ.
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ.
فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.
ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَيَّ..
     وَقَالَ  إِنِّي.

.

قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ.
فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ.
رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
[الحديث 7 - أطرافه في: 51، 2681، 2804، 2941، 2978، 3174، 4553، 5980، 6260، 7196، 7541] .

( حدّثنا أبو اليمان) بفتح المثناة وتخفيف الميم واسمه ( الحكم بن نافع) بفتح الحاء المهملة والكاف الحمصي البهراني مولى امرأة من بهراء بفتح الموحدة المتوفى سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين، وللأصيلي وكريمة وأبي ذر وابن عساكر في نسخة حدّثنا الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي دينار القرشي الأموي مولاهم أبو بشر المتوفى سنة اثنتين أو ثلاث وستين ومائة، ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بالتصغير ( ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن) بفتح الهمزة ( عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما ( أخبره أن) بفتح الهمزة ( أبا سفيان) بتثليث السين يكنى أبا حنظلة واسمه صخر بالهملة ثم المعجمة ( ابن حرب) بالمهملة والراء ثم الموحدة ابن أمية ولد قبل الفيل بعشر سنين، وأسلم ليلة الفتح، وشهد الطائف وحنينًا، وفقئت عينه في الأولى والأخرى يوم اليرموك، وتوفي بالمدينة سنة إحدى أو أربع وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما.

( أخبره) ( أن) أي بأن ( هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء كدمشق، وهو غير منصرف للعجمة والعلمية، وحكي فيه هرقل بسكون الراء وكسر القاف كخندف والأوّل هو الأشهر والثاني حكاه الجوهري وغيره، واقتصر عليه صاحب الموعب والقزاز ولقبه قيصر، قاله الشافعي وهو أوّل من ضرب الدنانير وملك الروم إحدى وثلاثين سنة وفي ملكه توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أرسل اليه) أي إلى أبي سفيان حال كونه ( في) أي مع ( ركب) جمع راكب كصحب وصاحب، وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها، ( من قريش) صفة لركب وحرف الجر لبيان الجن أو للتبعيض، وكان عدد الركب ثلاثين رجلاً كما عند الحاكم في الإكليل، وعند ابن السكن نحو من عشرين، وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب أن المغيرة بن شعبة منهم، واعترضه الإمام البلقيني بسبق إسلام المغيرة فإنه أسلم عام الخندق فيبعد أن يكون حاضرًا ويسكن مع كونه مسلمًا ( و) الحال أنهم ( كانوا تجارًا) بالضم والتشديد على وزن كفّار وبالكسر والتخفيف على وزن كلاب، وهو الذي في الفرع كأصله جمع تاجر أي متلبسين بصفة التجارة ( بالشام) بالهمز، وقد يترك وقدّ تفتح الشين مع المد وهو متعلق بتجارًا أو بكانوا أو يكون صفة بعد صفة ( في المدة التي كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مادّ) بتشديد الدال من مادد فأدغم الأوّل في الثاني من المثلين وهو مدة صلح الحديبية سنة ست التي مادّ ( فيها أبا سفيان) زاد الأصيلي ابن حرب، ( وكفار قريش) أي مع كفار قريش على وضع الحرب عشر سنين.
وعند أبي النعيم أربع، ورجح الأوّل.
وكفار بالنصب مفعل معه أو عطف على المفعول به وهو أبا سفيان، ( فأتوه) أي أرسل إليه في طلب إتيان الركب، فجاء الرسول فوجدهم بغزة وكانت وجه متجرهم كما في الدلائل لأبي نعيم، فطلب إتيانهم فأتوه ( وهم) بالميم أي هرقل وجماعته، ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني والأصيلي وهو ( بإيلياء) بهمزة مكسورة فمثناتين آخر الحروف أولاهما ساكنة بينهما لام آخره ألف مهموزة بوزن كبرياء، وإيليا بالقصر حكاه البكري، وإلياء بحذف الياء الأولى وسكون اللام.
قال البرماوي: بوزن إعطاء، وإيلاء مثله لكن بتقديم الياء على اللام، حكاه النووي واستغربه.
وإيليا بتشديد الياء الثانية والقصر حكاه البرماوي عن جاجع الأصول، ورأيته في النهاية.

والإيلياء بالألف واللام كذا نقله النووي في شرح مسلم عن مسند أبي يعلى الموصلي واستغربه وهو بيت المقدس والباء بمعنى في ( فدعاهم) هرقل حال كونه ( في مجلسه وحوله) نصب على الظرفية وهو خبر المبتدأ الذي هو ( عظماء الروم) وهم من ولد عيص بن إسحق بن إبراهيم على الصحجح، ودخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهراء وغيرهم من غسان كانوا بالشام، فلما أجلاهم المسلمون عنها دخلوا بلاد الروم واستوطنوها فاختلطت أنسابهم.
وعند ابن السكن وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان ( ثم دعاهم) عطف على قوله فدعاهم، وليس بتكرار بل معناه أمر بإحضارهم، فلما حضروا وقعت مهلة ثم استدناهم كما أشعر بها الأداة الدالّة عليها، ( ودعا ترجمانه) بالنصب على المفعولية وللأصيلي كما في الفتح وأبي الوقت كما في الفرع كأصاله وغيرهما بترجمانه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالترجمان بفتح المثناة الفوقية وضم الجيم فيهما وقد تضم التاء فيهما إتباعًا، وهو في ضبط الأصيلي ويجوز فتحهما وضم الأوّل وفتح الثاني وهو المفسر لغة بلغة، يعني أرسل إليه
رسولاً أحضره بصحبته أو كان حاضرًا واقفًا في المجلس كلما جرت به عادة ملوك الأعاجم، ثم أمره بالجلوس إلى جنب أبي سفيان ليعبر عنه بما أراد، ولم يسم الترجمان.
ثم قال هرقل للترجمان قل لهم أيكم أقرب ( فقال) الترجمان ( أيكم أقرب نسبًا لهذا الرجل) ضمن أقرب معنى اقعد فعدّاه بالباء، وعند مسلم المؤلف في آل عمران من هذا الرجل وهو على الأصل، وفي الجهاد إلى هذا الرجل ولا إشكال فيها، فإن أقرب يتعدى بإلى.
قال الله تعالى: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق: 16] والمفضل عليه محذوف أي من غيره، وزاد ابن السكن الذي خرج بأرض العرب ( الذي يزعم) ، وعند ابن إسحق عن الزهري يدّعي ( أنه نبيّ فقال) بالفاء، ولأبي الوقت وابن عساكر والأصيلي قال ( أبو سفيان: قلت) وفي رواية كما في اليونينية بغير رقم فقلت بزيادة الفاء ( أنا أقربهم نسبًا) .
وللأصيلي كما في الفرع كأصله أنا أقربهم به نسبًا أي من حيث النسب، وأقربية أبي سفيان لكونه من بني عبد مناف وهو الأب الرابع للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي سفيان، وخصّ هرقل الأقرب لكونه أحرى بالاطّلاع على ظاهره وباطنه أكثر من غيره، ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب، لكن قد يقال: إن القريب متهم في الإخبار عن نسب قريبه بما يقتضي شرفًا وفخرًا، ولو كان عدوًّا له لدخوله في شرف النسب الجامع لهما، ( فقال) أي هرقل، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي قال: ( أدنوه مني) بهمزة قطع مفتوحة كما في الفرع، وإنما أمر بإدناء أبي سفيان ليمعن في السؤال ويشفي غليله.
( وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره) لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب كما صرح به الواقدي في روايته.
( ثم قال) هرقل ( لترجمانه: قل لهم) أي لأصحاب أبي سفيان ( إني سائل هذا) أي أبا سفيان ( عن هذا الرجل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأشار إليه إشارة القريب لقرب العهد بذكره أو لأنه معهود في أذهانهم ( فإن كذبني) بالتخفيف أي إن نقل إليّ الكذب ( فكذبوه) بتشديد الذال المعجمة المكسورة، قال التيمي كذب بالتخفيف يتعدّى إلى مفعولين مثل صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث، وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد وهما من غرائب الألفاظ لمخالفتهما الغالب، لأن الزيادة تناسب الزيادة وبالعكس والأمر هنا بالعكس اهـ.

( قال) أي أبو سفيان وسقط لفظ قال لكريمة وأبي الوقت كذا هي ساقطة من اليونينية مطلقًا، ( فوالله لولا الحياء) وفي نسخة كريمة لولا أن الحياء: ( من أن يأثروا عليّ) بضم المثلثة وكسرها، وعلي بمعنى عني أي رفقتي يروون عني ( كذبًا) بالتنكير، وفي غير الفرع وأصله الكذب فأعاب به لأنه قبيح ولو على عدوّ ( لكذبت عنه) .
لأخبرت عن حاله بكذب لبغضي اياه.
وللأصيلي وأبوي الوقت وذر عن الحموي لكذبت عليه.
( ثم كان أوّل ما سألني عنه) بنصب أوّل في فرع اليونينية كهي، قال في الفتح: وبه جاءت الرواية وهو خبر كان واسمها ضمير الشأن وقوله الآتي إن قال، بدل من قوله ما سألني عنه.
ويجوز أن يكون إن قال اسم ان، وقوله أوّل ما سألني خبره وتقديره، ثم كان قوله كيف نسبه فيكم أوّل ما سألني عنه، ويجوز رفعه اسمًا لكان، وذكر العيني وروده رواية ولم يصرح به في الفتح، إنما قال: ويجوز رفعه على الاسمية وخبره قوله ( أن قال كيف نسبه) عليه الصلاة والسلام ( قيكم) أي ما حال نسبه أهو من أشرافكم أم لا؟ لكن قال العلاّمة البدر الدماميني: إن جواز

النصب والرفع لا يصح على إطلاقه، وإنما الصواب التفصيل، فإن جعلنا ما نكرة بمعنى شيء تعين نصبه على الخبرية، وذلك لأن إن قال وأوّل ما سألني هو الخبر ضرورة أنه متى اختلف الاسمان تعريفًا وتنكيرًا فالمعرف الاسم والمنكر الخبر، ولا بعكس إلاّ في الضرورة.
وإن جعلناها موصولة جاز الأمران، لكن المختار جعل أن قال هو الاسم لكونه أعرف اهـ.

قال أبو سفيان: ( قلت هو فينا ذو نسب) أي صاحب نسب عظيم، فالتنوين للتعظيم كقوله تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] أي عظيمة، ( قال) هرقل ( فهل قال هذا القول منكم) من قريش ( أحد قط) بتشديد الطاء المضمومة مع فتح القاف، وقد يضمان وقد تخفف الطاء وتفتح القاف ولا يستعمل إلا في الماضي المنفي، واستعمل هنا بغير أداة النفي وهو نادر، وأجيب بأن الاستفهام حكمه حكم النفي كأنه قال: هل قال هذا القول أحد أو لم يقله أحد قط ( قبله) بالنصب على الظرفية، وللأصيلي والكشميهني وكريمة وابن عساكر مثله بدل قوله قبله، وحينئذ يكون بدلاً من قوله هذا القول، قال أبو سفيان ( قلت لا) أي لم يقله أحد قبله.
( قال) هرقل ( فهل كان من آبائه من) بكسر الميم حرف جر ( ملك) بفتح الميم وكسر اللام صفة مشبهة، وهذه رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، ورواه ابن عساكر في نسخة وأبو ذر عن الكشميهني من بفتح الميم اسم موصول وملك فعل ماضٍ، ولأبي ذر كما في الفتح فهل كان من آبائه ملك بإسقاط من، والأوّل أشهر وأرجح.
قال أبو سفيان ( قلت: لا.
قال)
هرقل ( فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم) وعند المؤلف في التفسير أيتبعه أشراف الناس بإثبات همزة الاستفهام، وللأربعة فأشراف الناس اتبعوه.
قال أبو سفيان ( قلت) ولغير الأربعة فقلت ( بل ضعفاؤهم) أي اتبعوه، والشرف علو الحسب والمجد والمكان العالي، وقد شرف بالضم فهو شريف وقوم شرفاء وأشراف وفي الفتح تخصيص الشرف هنا بأهل النخوة والتكبّر لا كل شريف ليخرج مثل العمرين ممن أسلم قبل سؤال هرقل، وتعقبه العيني بأن العمرين وحمزة كانوا من أهل النخوة.
فقول أبي سفيان جرى على الغالب.

ووقع في رواية ابن إسحق تبعه منا الضعفاء والمساكين والأحداث، وأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد.
قال الحافظ ابن حجر، وهو محمول على الأكثر الأغلب.
( قال) هرقل ( أيزيدون أم ينقصون) بهمزة الاستفهام، وفي رواية سورة آل عمران بإسقاطها، وجزم ابن مالك بجوازه مطلقًا خلافًا لمن خصّه بالشعر.
قال أبو سفيان ( قلت بل يزيدون.
قال)
هرقل: ( فهل يرتد أحد منهم سخطة) بفتح السين المهملة في اليونينية ليس إلا وبالنصب مفعول لأجله أو حال أي ساخطًا أي كراهة وعدم رضا، وجوّز في الفتح ضم السين.
وعبارته سخطة بضم أوّله وفتحه، وتعقبه العيني فقال: السخطة بالتاء إنما هي بالفتح فقط، والسخط بلا تاء يجوز فيه الضم والفتح مع أن الفتح يأتي بفتح الخاء، والسخط بالضم يجوز فيه الوجهان ضم الخاء معه وإسكانها اهـ.

قلت: في رواية الحموي والمستملي سخطة بضم السين وسكون الخاء، أي فهل يرتد أحد منهم كراهة ( لدينه بعد أن يدخل فيه) أخرج به من ارتد مكرهًا أولاً سخطًا لدين الإسلام بك لرغبة في

غيره كحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن جحش.
قال أبو سفيان ( قلت: لا) .

فإن قلت: لمِ لم يستغن هرقل بقوله بل يزيدون عن قوله هل يرتد أحد منهم الخ، أجيب: بأنه لا ملازمة بين الازدياد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلاً، وإنما سأل عن الارتداد لأن من دخل على بصيرة في أمر محقق لا يرجع عنه بخلاف من دخل في أباطيل.
( قال) هرقل: ( فهل كنتم تتهمونه بالكذب) على الناس ( قبل أن يقول ما قال) قال أبو سفيان: ( قلت: لا) وإنما عدل عن السؤال عن نفس الكذب إلى السؤال عن التهمة تقريرًا لهم على صدقه لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها.
( قال) هرقل ( فهل يغدر) بدال مهملة مكسورة أي ينقض العهد؟ قال أبو سفيان: ( قلت لا، ونحن منه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في مدة) أي مدة صلح الحديبية أو غيبته وانقطاع أخباره عنّا.
( لاّ ندري ما هو فاعل فيها) أي في المدة، وفي قوله: لا ندري إشارة إلى عدم الجزم بغدره ( قال) أبو سفيان ( ولم تمكني) بالمثناة الفوقية أو التحتية ( كلمة أدخل فيها شيئًا) انتقصه به ( غير هذه الكلمة) .
قال في الفتح: التنقيص هنا أمر نسبي لأن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة، وقد كان عليه الصلاة والسلام معروفًا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر، ولكن لما كان الأمر مغيبًا لأنه مستقبل أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب، ولذا أورده على التردد ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه اهـ.
وغير بالرفع صفة لكلمة، ويجوز فيها النصب صفة لشيئًا وليس في الفرع غير الأوّل، وصحح عليه.

فإن قلت: كيف يكون غير صفة لهما وهما نكرتان وغير مضاف إلى المعرفة؛ أجيب: بأنه لا يتعرف بالإضافة إلا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه، وههنا ليس كذلك.
وعورض بأن هذا مذهب ابن السراج والجمهور على خلافه فنحو غير المغضوب عليهم يعرب بدلاً من الذين أو صفة له تنزيلاً للموصول منزلة النكرة فجاز وصفها بالنكرة.
( قال) هرقل ( فهل قاتلتموه) نسب ابتداء القتال إليهم ولم ينسبه إليه عليه الصلاة والسلام لما اطّلع عليه من أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يبدأ قومه بالقتال حتى يقاتلوه، قال أبو سفيان ( قلت نعم) قاتلناه.
( قال) هرقل ( فكيف كان قتالكم إياه) بفصل ثاني الضميرين والاختيار أن لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل، وقيل قتالكم إياه أفصح من قتالكموه باتصال الضمير، فلذلك فصله وصوّبه العيني تبعًا لنص الزمخشري.
قال أبو سفيان ( قلت) وللأصيلي قال ( الحرب بيننا وبينه سجال) بكسر السين المهملة وبالجيم المخففة أي نوب نوبة لنا ونوبة له كما قال ( ينال منا وننال منه) أي يصيب منا ونصيب منه.
قال البلقيني: هذه الكلمة فيها دسيسة أيضًا لأنهم لم ينالوا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطّ، وغاية ما في غزوة أُحُد أن بعض المقاتلين قتل وكانت العزة والنصرة للمؤمنين اهـ.

وتعقب بأنه قد وقعت المقاتلة بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم قبل هذه القصة في ثلاثة مواطن: بدر وأُحُد والخندق، فأصاب المسلمون من المثركين في بدر وعكسه في أُحُد وأصيب من

الطائفتين ناس قليل في الخندق، فصح قول أبي سفيان يصيب منا ونصيب منه، وحينئذ فلا دسيسة هنا في كلام أبي سفيان كما لا يخفى، والجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب.

قال في المصابيح: فإن قلت: فما يصنع الشلوبين القائل بأنها في حكم مفسرها إن كان ذا محل فهي كذلك وإلاّ فلا، وهي ههنا مفسرة للخبر فيلزم أن تكون ذات محل لكنها خالية عن رابط يربطها بالمبتدأ قلت: تقدره أي ينال منا فيها وننال فيها منه اهـ.

والسجال مرفوع خبر للحرب واستشكل جعله خبرًا لكونه جمعًا والمبتدأ مفرد فلم تحصل المطابقة بينهما، وأجيب كما في الفتح بأن الحرب اسم جنس والسجال اسم جمع، وتعقبه العيني بأن السجال ليس اسم جمع بل هو جمع وبينهما فرق، وجوّز أن يكون سجال بمعنى المساجلة فلا يرد السؤال أصلاً.
وفي قوله الحرب بيننا وبينه سجال تشبيه بليغ شبه الحرب بالسجال مع حذف أداة التشبيه لقصد المبالغة كقولك: زيد أسد إذا أردت به المبالغة في بيان شجاعته فصار كأنه عين الأسد.
وذكر السجال وأراد به النوب يعني الحرب بيننا وبينه نوب نوبة لنا ونوبة له كالمستقيين إذا كان بينهما دلو يستقي أحدهما دلوًا والآخر دلوًا.

( قال) هرقل ( ما) بإسقاط الباء الموحدة في اليونينية وهي مكشوطة من الفرع، وفي بعض الأصول بما، وفي نسخة فما ( ذا يأمركم) ، أي ما الذي يأمركم به؟ قال أبو سفيان: ( قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا) بالواو، وفي رواية المستملي اعبدوا الله لا تشركوا بحذف الواو، وحينئذ فيكون تأكيدًا لقوله وحده، وهذه الجملة عطف على اعبدوا الله وهي من عطف المنفي على المثبت وعطف الخاص على العام؛ على حدّ { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر: 4] ، فإن عبادته تعالى أعمّ من عدم الإشراك به ( واتركوا ما يقول آباؤكم) من عبادة الأصنام وغيرهما مما كانوا عليه في الجاهلية.
( ويأمرنا بالصلاة) المعهودة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، وفي نسخة مما في اليونينية بزيادة والزكاة ( والصدق) وهو القول المطابق للواقع.
وفي رواية للمؤلف بالصدقة بدل الصدق، ورجحها الإمام البلقيني، قال الحافظ ابن حجر: ويقوّيها رواية المؤلف في التفسير والزكاة وقد ثبت عنده من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي اللفظان الصدقة والصدق ( والعفاف) بفتح العين أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة ( والصلة) للأرحام وهي كل ذي رحم لا تحلّ مناكحته أو فرضت الأنوثة مع الذكورة، أو كل ذي قرابة.
والصحيح عمومه في كل ما أمر الله به أن يوصل كالصدقة والبر والإنعام.
قال في التوضيح: من تأمل ما استقرأه هرقل من هذه الأوصاف تبين له حسن ما استوصف من أمره واستبرأه من حاله والله دره من رجل ما كان أعقله لو ساعدته المقادير بتخليد ملكه والأتباع ( فقال) هرقل ( للترجمان قل له) أي لأبي سفيان: ( سألتك عن) رتبة ( نسبه) فيكم أهو شريف أم لا ( فذكرت أنه فيكم ذو) أي صاحب ( نسب) شريف عظيم ( فكذلك) بالفاء وللأربعة وكذلك ( الرسل تبعث في) أشرف ( نسب قومها) جزم به هرقل لما تقرر عنده في الكتب السالفة.


( وسألتك: هل قال أحد) ولأبي ذر كما في الفرع كأصله وسألتك قال أحد ( منكم هذا القول) زاد في نسخة قبله.
( فذكرت أن لا فقلت) أي في نفسي وأطلق على حديث النفس قولاً ( لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله) يأتسي بهمزة ساكنة بعدها مثناة فوقية مفتوحة وسين مهملة مكسورة أي يقتدي ويتبع.
ولأبي ذر عن الكشميهني يتأسى بتقديم المثناة الفوقية على الهمزة المفتوحة، وفتح السين المشدّدة.
( وسألتك هل كان من آبائه من ملك) وللكشميهني من ملك بفتح الميمين ( فذكرت أن لا قلت) وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني فقلت ( فلو) ولأبي الوقت لو ( كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه) .

فإن قلت لم قال أبيه بالإفراد؟ أجيب: ليكون أعذر في طلب الملك بخلاف ما لو قال ملك آبائه أو المراد بالأب ما هو أعم من حقيقته ومجازه.
نعم في سورة آل عمران آبائه بالجمع.

فإن قلت لم قال هرقل فقلت في هذين الموضعين وهما: هل قال هذا القول أحد منكم، وهل كان من آبائه من ملك؟ أجيب: بأن هذين المقامين مقاما فكر ونظر بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنها مقام نقل.

قال هرقل لأبي سفيان: ( وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أئه لم يكن ليذر) اللام فيه لام الجحود لملازمتها النفي وفائدتها تأكيد النفي نحو: { لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 168] أي لم يكن ليدع ( الكذب على الناس) قبل أن يظهر رسالته.

( ويكذب) بالنصب ( على الله) بعد إظهارها.
( وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل) غالبًا لأنهم أهل الاستكانة بخلاف أهل الاستكبار المصرّين على الشقاق بغيًا وحسدًا كأبي جهل، ويؤيد استشهاده على ذلك قوله تعالى: { قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُون} [الشعراء: 111] المفسر بأنهم الضعفاء على الصحيح.
قال هرقل لأبي سفيان ( وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان) فإنه لا يزال في زيادة ( حتى يتم) بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها، ولهذا نزل في آخر سنيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] .
( وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين) بالنون، وفي بعض النسخ حتى بالمثناة الفوقية، وفي آل عمران، وكذلك الإيمان إذا خالط قال في الفتح وهو يرجح أن رواية حتى وهم، والصواب وهو رواية الأكثر حين ( تخالط) بالمثناة الفوقية ( بشاشته القلوب) بفتح الموحدة والشينين المعجمتين وضم التاء وإضافته إلى ضمير الإيمان.
والقلوب نصب على المفعولية.
أي تخالط بشاشة الإيمان القلوب التي تدخل فيها، وللحموي والمستملي يخالط بالمثناة التحتيه بشاشة بالنصب على المفعولية والقلوب بالجر على الإضافة، والمراد ببشاشة القلوب انشراح الصدر والفرح والسرور بالإيمان.
( وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة.
( وسألتك بما يأمركم) بإثبات الألف مع ما الاستفهامية وهو قليل.
كذا قاله الزركشي وغيره، وتعقبه في المصابيح بأنه لا داعي هنا إلى التخريج على ذلك، إذ يجوز أن تكون الباء بمعنى عن متعلقة بسأل نحو فاسأل به خبيرًا، وما موصولة والعائد محذوف، ثم أورد سؤالاً وهو أن أمر يتعدى بالباء إلى المفعول الثاني، تقول: أمرتك بكذا فالعائد حينئذ مجرور بغير ما جر به الموصول معنى، فيمتنع حذفه.
وأجاب بأنه قد ثبت حذف حرف الجر من المفعول الثاني فينصب حينئذ نحو: أمرتك الخير، وعليه حمل جماعة من المغربين قوله تعالى: { مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33] فجملوا ماذا المفعول الثاني، وجعلوا الأوّل محذوفًا لفهم المعنى، أي تأمريننا.
وإذا كان كذلك جعلنا العائد المحذوف منصوبًا ولا ضير اهـ.

( فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و) أنه ( ينهاكم عن عبادة الأوثان) جمع وثن بالمثلثة وهو الصنم واستفاده هرقل من قوله ولا تشركوا به شيئًا واتركوا ما يقول آباؤكم لأن مقولهم الأمر بعبادة الأوثان ( و) أنه ( يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف) ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان، وسقط هنا إيراد تقدير السؤال العاشر، والذي بعده جوابه وثبت ذلك جميعه في الجهاد كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم قال هرقل لأبي سفيان: ( فإن كان ما تقول حقًا) لأن الخبر يحتمل الصدق والكذب ( فسيملك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( موضع قدميّ هاتين) أرض بيت المقدس أو أرض ملكه.
( وقد كنت أعلم أنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( خارج) قاله لما عنده من علامات نبوّته عليه الصلاة والسلام الثابتة في الكتب القديمة، وفي رواية سورة آل عمران فإن كان ما تقول حقًا فإنه نبي؛ وفي الجهاد وهذه صفة نبي، ووقع في أمالي المحاملي رواية الأصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان أن صاحب بصرى أخذه وناسًا معه في تجارة، فذكر القصة مختصرة دون الكتاب وزاد في آخرها قال: فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها، قلت: نعم، قال: فأدخلت كنيسة لهم فيها الصور فلم أره ثم أدخلت أخرى فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر ( لم) بإسقاط الواو ولابن عساكر في نسخة ولم ( أكن أظن أنه منكم) أي من قريش ( فلو أني أعلم أني) وسقطت أني الأولى في نسخة، ولأبي الوقت إنني ( أخلص) بضم اللام أي أصل ( إليه لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة أي لتكلفت ( لقاءه) على ما فيه من المشقة، وهذا التجشم كما قاله ابن بطال هو الهجرة وكانت فرضًا قبل الفتح على كل مسلم، وفي مرسل ابن إسحق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال: ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته، ونحوه عند الطبراني بسند ضعيف فقد خاف هرقل على نفسه أن يقتله الروم كما جرى لغيره وخفي عليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآتي أسلم تسلم، فلو حمل الجزاء على عمومه في الدارين لسلم لو أسلم من جميع المخلوف .. ( ولو كنت عندما) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لغسلت عن قدميه) مما لعله يكون عليهما.
قاله مبالغة في الخدمة أو لأزلت عنهما كقوله تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] قال الزمخشري: أي الذين يصدّون عن أمره، وقال غيره: عدي بعن لأن في المخالفة معنى التباعد والحيد، كأن المعنى الذين يحيدون عن أمره بالمخالفة والإتيان بعن أبلغ للتنبيه على هذا الغرض.
وفي باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إلى الإسلام والنبوّة، ولو كنت عنده لغسلت قدميه.
وفي رواية عن

عبد الله بن شدّاد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه.
وزاد فيها ولقد رأيت جبهته يتحادر عرقها من كرب الصحيفة يعني لما قرىء عليه الكتاب، وتثنية قدميه رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي.
وفي رواية قدمه بالإفراد.

قال أبو سفيان: ( ثم دعا) هرقل ( بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من وكّل ذلك إليه، ولهذا عدي إلى الكتاب بالباء كذا قرره في الفتح.
وقال العيني: الأحسن أن يقال: ثم دعا من أتى بكتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجوز زيادة الباء، أي دعا الكتاب على سبيل المجاز أو ضمن دعا معنى طلب ( الذي بعث به دحية) بكسر الدال وفتحها ورفع التاء على الفاعلية ابن خليفة الكلبي، ولأبوي ذر والوقت عن المستملي وابن عساكر بعث به مع دحية أي بعثه عليه الصلاة والسلام معه، وكان في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية ( إلى عظيم) أهل ( بصرى) بضم الموحدة مقصورًا مدينة حوران أي أميرها الحرث بن أبي شمر الغساني.
( فدفعه إلى هرقل) فيه مجاز لأنه أرسل به إليه صحبة عديّ بن حاتم كما في رواية ابن السكن في الصحابة، وكان وصوله إليه كما قاله الواقدي وصوّبه الحافظ ابن حجر في سنة سبع ( فقرأه) هرقل بنفسه أو الترجمان بأمره، وفي مرسل محمد بن كعب القرظيّ عند الواقدي في هذه القصة فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية فقرأه ( فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم) فيه استحباب تصدير الكتب بالبسملة، وإن كان المبعوث إليه كافرًا.

فإن قلت: قد قدم سليمان اسمه على البسملة، أجيب: أنه إنما ابتدأ بالبسملة وكتب اسمه عنوانًا بعد ختمه لأن بلقيس إنما عرفت كونه من سليمان بقراءة عنوانه المعهود، ولذلك قالت: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
فالتقديم واقع في حكاية الحال.

( من محمد عبد الله ورسوله) وصف نفسه الشريفة بالعبودية تعريضًا لبطلان قول النصارى في المسيح أنه ابن الله، لأن الرسل مستوون في أنهم عباد الله.
وللأصيلي وابن عساكر من محمد بن عبد الله ورسول الله ( إلى هرقل عظيم) أهل ( الروم) أي المعظم عندهم ووصفه بذلك لمصلحة التأليف ولم يصفه بالأمرة ولا الملك لكونه معزولاً بحكم الإسلام، وقوله: عظيم بالجر بدل من سابقه، ويجوز الرفع على القطع والنصب على الاختصاص وذكر المدائني أن القارىء لما قرأ من محمد رسول الله غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب فقال له هرقل: ما لك؟ فقال: لأنه بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم.
قال: إنك لضعيف الرأي أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه لئن كان رسول الله إنه لأحق أن يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكي ومالكه.
( سلام) بالتنكير، وعند المؤلف في الاستئذان السلام ( على من اتبع الهدى) أي الرشاد على حد قول موسى وهارون لفرعون: { وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47] ، والظاهر أنه من جملة ما أُمرا به أن يقولاه، ومعناه سلم من عذاب الله من أسلم فليس المراد به التحية وإن كان اللفظ يُشعِر به لأنه لم يسلم، فليس هو ممن اتبع الهدى.

( أما بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة المنوية لفظًا، ويؤتى بها للفصل بين الكلامين.
قال في الفتح: واختلف في أول من قالها فقيل داود، وقيل يعرب بن قحطان، وقيل كعب بن لؤي،

وقيل قس بن ساعدة، وقيل سحبان.
وفي خمس غرائب مالك للدارقطني أن يعقوب عليه السلام أول من قالها، فإن ثبت وقلنا إن قحطان من ذرية إسماعيل فيعقوب أوّل من قالها مطلقًا، وإن قلنا إن قحطان قبل إبراهيم فيعرب أوّل من قالها.
( فإني أدعوك بدعاية الإسلام) .
بكسر الدال المهملة، ولمسلم كالمؤلف في الجهاد بداعية الإسلام أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، والباء بمعنى إلى، أي أدعوك إلى الإسلام.
( أسلم) بكسر اللام ( تسلم) بفتحها ( يؤتك الله أجرك مرتين) بالجزم في الأول على الأمر، وفي الثاني جواب له، والثالث بحذف حرف العلة جواب ثانٍ له أيضًا، أو بدل منه، وإعطاء الأجر مرتين لكونه مؤمنًا بنبيّه.
ثم آمن بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو من جهة أن إسلامه يكون سببًا لإسلام أتباعه.
وقوله: أسلم تسلم فيه غاية الاختصار ونهاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من الجناس الاشتقاقي، وهو أن يرجع اللفظان في الاشتقاق إلى أصل واحد، وعند المؤلف في الجهاد أسلم تسلم وأسلم يؤتك بتكرار أسلم مع زيادة الواو في الثانية، فيكون الأمر الأوّل للدخول في الإسلام والثاني للدوام عليه على حدّ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء: 136] قاله في الفتح، وعورض بأن الآية في حق المنافقين، أي يا أيها الذين آمنوا نفاقًا آمنوا إخلاصًا.
وأجيب بأنه قول مجاهد.
وقال ابن عباس في مؤمني أهل الكتاب، وقال جماعة من المفسّرين: خطاب للمؤمنين، وتأويل آمنوا بالله أقيموا ودوموا واثبتوا على أيمانكم.
( فإن توليت) أي أعرضت عن الإسلام ( فإن عليك) مع إثمك ( إثم اليريسين) بمثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة بينهما راء مكسورة ثم سين مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم نون، جمع يريس على وزن كريم.
وفي رواية الأريسين بقلب المثناة الأولى همزة وفي أخرى اليريسيين بتشديد الياء بعد السين جمع يريسيّ وهي التي في الفرع كأصله عن الأربعة، والرابعة وهي للأصيلي كما في اليونينية الأريسيين بتشديد الياء بعد السين كذلك، إلا أنه بالهمزة في أوّله موضع الياء، والمعنى أنه إذا كان عليه إثم الاتباع بسبب اتباعهم له على استمرار الكفر، فلأن يكون عليه إثم نفسه أولى.

فإن قلت: هذا معارض بقوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أجيب بأن وزر الإثم لا يتحمله غيره، ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين، جهة فعله وجهة تسببه.
والأريسيون الأكارون أي الفلاحون والزراعون، أي عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك.
ونبّه بهم على جميع الرعايا لأنهم الأغلب في رعاياه، وأسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا.
وقال أبو عبيد المراد بالفلاحين أهل مملكته لأن كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح، سواء كان يلي ذلك بنفسه أم بغيره، وعند كراع هم الأجراء.
وعند الليث العشارون يعني أهل المكس.
وعند أبي عبيدة الخدم والخول يعني لصده إياهم عن الدين.
كما قال تعالى: { رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} [الأحزاب: 67] الآية.
والأوّل أظهر.
وقيل: كان أهل السواد أهل فلاحة وكانوًا مجوسًا، وأهل الروم أهل صناعة، فاعلموا بأنهم وإن كانوا أهل كتاب بأن عليهم إن لم يؤمنوا

من الإثم مثل إثم المجوس الذين لا كتاب لهم، وفي قوله: فإن توليت استعارة تبعية لأن حقيقة التولي إنما هو بالوجه، ثم استعمل مجازًا في الإعراض عن الشيء.

( ويا أهل الكتاب) كذا في رواية عبدوس والنسفيّ والقابسي، وهو الذي في اليونينية بالواو عطفًا على قوله أدعوك أي أدعوك بدعاية الإسلام وأدعوك بقوله تعالى أو أتلو عليك أو أقرأ عليك أهل الكتاب، وعلى هذا التقدير فلا تكون زائدة في التلاوة لأن الواو إنما دخلت على محذوف ولا محذور فيه.

قإن قلت: يلزم عليه حذف المعطوف وبقاء حرف العطف وهو ممتنع أجيب: بأنما ذاك إذا حذف المعطوف وجميع متعلقاته، أما إذا بقي من اللفظ شيء هو معمول للمحذوف فلا نسلم امتناع ذلك كقوله تعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] ، أي وأخلصوا الإيمان.
وكقوله:
وزججن الحواجب والعيونا
أي وكحلن
وعلفتها تبنًا وماءً باردًا
أي وسقيتها إلى غير ذلك.

فإن قلت: العطف مشكل لأنه يقتضي تقييد التلاوة بتوليه وليس كذلك، أجيب: بأنه إنما هو معطوف على مجموع الجملة المشتملة على الشرط والجزاء لا على الجزاء فقط، وقيل: إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد التلاوة بل أراد مخاطبتهم بذلك، وحينئذ فلا إشكال، وعورض بأن العلماء استدلوا بهذا الحديث على جواز كتابة الآية والآيتين إلى أرض العدو، ولولا أن المراد الآية لما صح الاستدلال، وهم أقوم وأعرف.
وبأنه لو لم يرد الآية لقال عليه الصلاة والسلام فإن توليتم، وفي الحديث: فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون، لكن يمكن الانفصال عن هذا الأخير بأنه من باب الالتفات.
وفي رواية الأصيلي وأبي ذر كما قاله عياض يا أهل الكتاب بإسقاط الواو، فيكون بيانًا لقوله بدعاية الإسلام.
وقوله: يا أهل الكتاب يعمّ أهل الكتابين.

( تعالوا) بفتح اللام ( إلى كلمة سواء) أي مستوية ( بيننا وبينكم) لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، وتفسير الكلمة ( أن لا نعبد إلاّ الله) أي نوحده بالعبادة ونخلص له فيها ( ولا نشرك به شيئًا) ولا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلاً لأن يعبد ( ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله) .
فلا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل، لأن كلاً منهم بعضنا بشر مثلنا.
روي أنه لما نزلت { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله.
قال: أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال: نعم.
قال: ( فإن تولوا) عن التوحيد ( فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) .
أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم، أو اعترفوا بأنكم كافرون

بما نطقت به الكتب وتطابقت عليه الرسل، وقد قيل: إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب ذلك قبل نزول الآية، فوافق لفظه لفظها لما نزلت لأنها نزلت في وفد نجران سنة الوفود سنة تسع، وقصة أبي سفيان قبل ذلك سنة ست، وقيل: بل نزلت في اليهود، وجوّز بعضهم نزولها مرتين.
وقيل، فيما حكاه السهيلي: إن هرقل وضع هذا الكتاب في قصبة من ذهب تعظيمًا له وإنهم لم يزالوا يتوارثونه كابرًا عن كابر في أعز مكانٍ.
وحكي أن ملك الفرنج في دولة الملك المنصور قلاوون الصالحي أخرج لسيف الدين قلج صندوقًا مصفحًا بالذهب، واستخرج منه مقلمة من ذهب فأخرج منها كتابًا زالت أكثر حروفه فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه.


( قال أبو سفيان فلما قال) هرقل ( ما قال) أي الذي قاله في السؤال والجواب، ( وفرغ من قراءة الكتاب) النبوي ( كثر عنده الصخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة المفتوحتين أي اللغط كما في مسلم، وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة، ( وارتفعت الأصوات) بذلك ( وأخرجنا) بضم الهمزة وكسر الراء ( فقلت لأصحابي حين أخرجنا) وعند المؤلف في الجهاد حين خلوت بهم، والله ( لقد أمر) بفتح أوله مقصورًا وكسر ثانيه أي كبر وعظم ( أمر ابن أبي كبشة) بسكون الميم أي شأنه، وكبشة بفتح الكاف وسكون الموحدة.
قال ابن جني: اسم مرتجل ليس بمؤنث الكبش، لأن مؤنث الكبش من غير لفظه يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها كنية أبيه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى فيما قاله ابن ماكولا وغيره، وعند ابن بكير أنه أسلم وكانت له بنت تسمى كبشة، فكنّي بها أو هو والد حليمة مرضعته أو ذلك نسبة إلى جد جده وهب لأن أمه آمنة بنت وهب وأم جد وهب قيلة بنت أبي كبشة، أو لجد جده عبد المطلب لأمه، أو هو رجل من خزاعة اسمه وجز بواو مفتوحة فجيم ساكنة فزاي، ابن غالب خالف قريشًا في عبادة الأوثان فعبد الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة.
( إنه يخافه) .
بكسر الهمزة على الاستئناف.
وجوّز العيني فتحها قال: وإن كان على ضعف على أنه مفعول من أجله، والمعنى عظم عليه الصلاة والسلام لأجل أنه يخافه ( ملك بني الأصفر) وهم الروم لأن جدهم روم بن عيص بن إسحق تزوّج بنت ملك الحبشة فجاء ولده بين البياض والسواد، فقيل له الأصفر، أو لأن جدته سارة حفّته بالذهب.
وقيل غير ذلك.
قال أبو سفيان ( فما زلت موقنًا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام) فأبرزت ذلك اليقين، ( وكان ابن الناطور) بالمهملة أي حافظ البستان وهو لفظ عجمي تكلمت به العرب، وفي رواية الحموي الناظور بالمعجمة.
وفي رواية الليث عن يونس بن ناطورا بزيادة ألف في آخره والواو عاطفة، فالقصة الآتية موصولة إلى ابن الناطور مروية عن الزهري خلاقًا لمن توهم أنها معلقة أو مروية بالإسناد المذكور عن أبي سفيان، والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله وذكر الحديث، ثم قال الزهري: وكان ابن الناطور يحدث فذكر هذه القصة.

وقوله ( صاحب إيلياء) بكسر الهمزة واللام بينهما مثناة تحتية مع المد على الأشهر وهي بيت
المقدس أي أميرها، وصاحب منصوب في رواية أبي ذر على الاختصاص أو الحال لا خبر كان لأن خبرها إما أسقفًا أو يحدث، وجوّزه البدر الدماميني بأنه لا مانع من تعدد الخبر.
وفي رواية غير أبي ذر صاحب بالرفع صفة لابن الناطور، ورده الزركشي بأنه معرفة.
وصاحب لا يتعرف بالإضافة لأنها في تقدير الانفصال.
وجوّزه الكرماني لأن الإضافة معنوية.
قال البرماوي وهو الظاهر.
وقال البدر الدماميني: وهو أي قول الزركشي وهم، فقد قال سيبويه: تقول مررت بعبد الله ضاربك، كما تقول مررت بعبد الله صاحبك أي المعروف بضربك.
قال الرضي: فإذا قصدت هذا المعنى لم يعمل اسم الفاعل في محل المجرور به نصبًا كما في صاحبك، وإن كان أصله اسم فاعل من صحب يصحب، بل نقدره كأنه جامد، وأعربه بعضهم خبر مبتدأ محذوف أي هو صاحب إيلياء.
( وهرقل) بفتح اللام مجرور عطفًا على إيلياء أي صاحب إيلياء وصاحب هرقل، وأطلق عليه الصحبة إما بمعنى التبع وإما بمعنى الصداقة، فوقع استعمال صاحب في المجاز بالنسبة لامرية إيلياء، وفي الحقيقة بالنسبة إلى هرقل.


( أسقف) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول من الثلاثي المزيد وهي رواية المستملي والحموي، وعزاها في الفرع كأصله للكشميهني فقط، وعند الجواليقي.
وهي في الفرع كأصله للقابسي فقط أسقفًا بضم الهمزة وسكون السين وضم القاف وتخفيف الفاء، وعند القابسي أسقفًا كذلك إلا أنه بتشديد الفاء.
وعزاها في الفرع كأصله لابن عساكر فقط.
قال النووي وهو الأشهر، وعند الكشميهني وهي في اليونينية نسخة بغير رقم سقف بضم أوّله مبنيًّا للمفعول من التسقيف.
ولأبي ذر والأصيلي عن المروزي سقف بالتخفيف مبنيًّا للمفعول، وللجرجاني سقفًا بضم السين وكسر القاف وتشديد الفاء، ولأبي ذر عن المستملي سقفًّا بضم السين والقاف وتشديد الفاء أي مقدّمًا.
( على نصارى الشام) لكونه رئيس دينهم أو عالمهم أو هو قيم شريعتهم، وهو دون القاضي أو هو فوق القسيس ودون المطران أو الملك المتخاشع في مشيته، الجمع أساقفة وأساقف ( يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء) عند غلبة جنوده على جنود فارس وإخراجهم في سنة عمرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديبية ( أصبح خبيث النفس) رديئها غير طيبها مما حل به من الهم وعبّر بالنفس عن جملة الإنسان روحه وجسده اتساعًا لغلبة أوصاف الجسد على الروح، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر أصبح يومًا خبيث النفس ( فقال) له ( بعض بطارقته) بفتح الموحدة جمع بطريق بكسرها أي قواده وخواص دولته وأهل الرأي والشورى منهم، ( قد استنكرنا هيئتك) أي سمتك وحالتك لكونها مخالفة لسائر الأيام ( قال ابن الناطور) ولابن عساكر الناظور بالظاء المعجمة ( وكان) عطف على مقدر تقديره قال ابن الناطور: كان ( هرقل) عالمًا وكان ( حزاء) فلما حذف المعطوف عليه أظهر هرقل في المعطوف، وحزاء منصوب لأنه خبر كان، وهو بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منوّنة أي كاهنًا ( ينظر في النجوم) خير ثانٍ لكان.
إن قلنا إنه ينظر في الأمرين، أو هو تفسير لحزاء، لأن الكهانة تؤخذ تارة من ألفاظ الشياطين وتارة من أحكام النجوم، وكان هرقل علم ذلك بمقتضى حساب المنجمين الزاعمين بأن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج العقرب وهما يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن تستوفي الثلاثة بروجها في ستين
سنة، وكان ابتداء العشرين الأول للمولد النبوي في القرآن المذكور، وعند تمام العشرين الثانية مجيء جبريل عليه السلام بالوحي، وعند تمام الثالثة فتح خيبر وعمرة القضية التي جرّت.
فتح مكة وظهور الإسلام، وفي تلك الأيام رأى هرقل ما رأى.
وليس المراد بذكر هذا هنا تقوية قول المنجمين، بل المراد البشارات به عليه الصلاة والسلام على لسان كل فريق من إنسي وجني، والجملة السابقة من قوله قال ابن الناطور اعتراض بين سؤال بعض البطارقة وجواب هرقل إياهم إلى قوله ( فقال) هرقل ( لهم) أي لبعض بطارقته ( حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان) بفتح الميم وكسر اللام، ولغير الكشميهني ملك بالضم ثم الإسكان ( قد ظهر) أي غلب، وهو كما قال لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذ صالح الكفار بالحديبية وأنزل الله تعالى سورة الفتح ومقدمة الظهور ظهور ( فمن يختتن من هذه الأمة) أي من أهل هذا العصر، وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز.
وفي رواية يونس فمن يختتن من هذه الأمم؟ ( قالوا) مجيبين لاستفهامه إياهم ( ليس يختتن إلا اليهود) أجابوا بمقتضى علمهم لأن اليهود كانوا بإيلياء تحت الذلة مع النصارى بخلاف العرب.
( فلا يهمنّك) بضم المثناة التحتية من أهم، أي لا يقلقنك ( شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك) بالهمز وقد يترك ( فيقتلوا من فيهم من اليهود) .
وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فليقتلوا باللام ( فبينما هم) بالميم وأصله بين فأشبعت الفتحة فصار بينا ثم زيدت عليها الميم، وفي رواية الأربعة فبينما بغير ميم ومعناهما واحد وهم مبتدأ خبره ( على أمرهم) مشورتهم التي كانوا فيها ( أتي هرقل برجل) أي بينا هم أوقات أمرهم إذ أُتي برجل ( أرسل به ملك غسان) بالغين المعجمة والسين المهملة المشددة والملك هو الحرث بن أبي شمر وغسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه، أو ماء بالمشلل ولم يسم الرجل ولا من أرسل به ( يخبر عن خبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال كما عند ابن إسحاق خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي، فقد اتبعه ناس وصدقوه وخالفه ناس فكانت بينهم ملاحم في مواطن وتركتهم وهم على ذلك ( فلما استخبره هرقل) وأخبره بذلك ( قال) هرقل لجماعته: ( اذهبوا فانظروا) إلى الرجل ( أمختتن هو) بهمزة الاستفهام وفتح المثناة الفوقية الأولى وكسر الثانية ( أم لا فنظروا إليه) .
وعند ابن إسحاق فجرّدوه فإذا هو مختتن ( فحدثوه) أي هرقل ( أنه مختتن) بفتح الفوقية الأولى وكسر الثانية.
( وسأله عن العرب) هل يختتنون ( فقال) أي الرجل ( هم يختتنون) .
وفي رواية الأصيلي وابن عساكر في نسخة مختتنون بالميم قال العيني كابن حجر والأول أفيد وأشمل.
( فقال هرقل: هذا) الذي نظرته في النجوم ( ملك هذه الأمة) أي العرب، ( قد ظهر) بضم الميم وسكون اللام وللقابسي ملك بالفتح ثم الكسر.
فاسم الإشارة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو مبتدأ خبره ملك هذه الأمة، وقد ظهر حال، ولأبي ذر عن الكشميهني وحده: يملك فعل مضارع هذه الأمة بالنصب على المفعولية لكنه في فرع اليونينية كالأصل ضبب على الياء ثم ضرب على الضبة بالحمرة خافيًا.
وقال عياض: أظنها أي الياء ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت، ووجهها العيني كغيره بأن قوله هذا مبتدأ ويملك جملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبره، وقوله هذه الأمة مفعول يملك، وقوله قد ظهر جملة وقعت حالاً.
قال: وقد علم أن الماضي المثبت إذا وقع حالاً لا بدّ أن

تكون فيه ظاهرة أو مقدّرة.
وقال غيره: قوله قد ظهر جملة مستأنفة لا في موضع الصفة ولا الخبر، ويجوز أن يكون يملك صفة أي هذا الرجل يملك هذه الأمة، وقد جاء النعت بعد النعت ثم حذف المنعوت انتهى.

( ثم كتب هرقل إلى صاحب له) يسمى ضغاطر الأسقف ( برومية) بالتخفيف أي فيها، وفي رواية ابن عساكر بالرومية وهي مدينة رياسة الروم، وقيل: إن دور سورها أربعة وعشرون ميلاً: ( وكان نظيره) ، وفي رواية ابن عساكر والأصيلي وكان هرقل نظيره ( في العلم، وسار هرقل إلى حمص) مجرور بالفتحة لأنه غير منصرف للعلمية والتأنيث لا للعلمية والعجمة على الصحيح لأنها لا تمنع صرف الثلاثي، وجوّز بعضهم صرفه كعدمه نحو هند وغيره من الثلاثي الساكن الوسط، ولم يجعل للعجمة أثرًا وإنما سار هرقل إلى حمص لأنها دار ملكه ( فلم يرم) هرقل ( حمص) بفتح المثناة التحتية وكسر الراء، أي لم يبرح منها أو لم يصل إليها ( حتى أتاه كتاب من صاحبه) ضغاطر ( يوافق رأي هرقل على خروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ظهوره ( وأنه نبي) بفتح الهمزة عطف على خروج، وهذا يدل على أن هرقل وصاحبه أقرّا بنبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن هرقل لم يستمر على ذلك ولم يعمل بمقتضاه بل شح بملكه ورغب في الرئاسة فآثرهما على الإسلام بخلاف صاحبه ضغاطر: فإنه أظهر إسلامه وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام فقتلوه ( فأذن) بالقصر من الإذن، وللمستملي وغيره فآذن بالمد أي أعلم ( هرقل لعظماء الروم في دسكرة) بمهملتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وفتح الكاف والراء كائنة ( له بحمص) أي فيها، والدسكرة القصر حوله البيوت، ( ثم أمر بأبوابها) أي الدسكرة ( فغلقت) بتشديد اللام لأبي ذر وكأنه دخلها ثم أغلقها وفتح أبواب البيوت التي حولها وأذن للروم في دخولها ثم أغلقها، ( ثم اطلع) عليهم من علو خوف أن ينكروا مقالته فيقتلوه ثم خاطبهم ( فقال: يا معشر الروم هل لكم) رغبة ( في الفلاح والرشد) بالضم ثم السكون أو بفتحتين خلاف الغي، ( وأن يثبث) بفتح الهمزة وهي مصدرية عطفًا على قوله في الفلاح، أي وهل لكم في ثبوت ( ملككم فتبايعوا) بمثناة فوقية مضمومة ثم موحدة وبعد الألف مثناة تحتية منصوب بحذف النون بأن مقدرة في جواب الاستفهام، وفي نسخة بفرع اليونينية كأصلها فبايعوا بإسقاط المثناة قبل الموحدة، وفي رواية الأصيلي نبايع بنون الجمع ثم موحدة، وفي أخرى لأبي الوقت نتابع بنون الجمع أيضًا ثم مثناة فوقية فألف فموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني فتتابعوا بمثناتين فوقيتين وبعد الألف موحدة، فالثلاثة الأول من البيعة والتي بعدها من الاتباع كالرواية الأخرى لابن عساكر في نسخة فنتبع ( هذا النبي) ، وفي اليونينية بين الأسطر من غير رقم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية ابن عساكر وأبي ذر لهذا باللام، وإنما قال هذا لما عرفه من الكتب السالفة أن التمادي على الكفر سبب لذهاب الملك.
ونقل أن في التوراة ونبيًّا مثلك أرسله أيّ إنسان لم يقبل كلامي الذي يؤدّيه عنّي فإني أهلكه ( فحاصوا) بمهملتين أي نفروا ( حيصة حمر الوحش) أي كحيصتها ( إلى الأبواب) المعهودة ( فوجدوها قد غلقت) بضم الغين المعجمة وكسر اللام مشددة، وشبه نفرتهم وجفلهم مما قال لهم من أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام بنفرة حمر

الوحش لأنها أشد نفرة من سائر الحيوانات، ( فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس) بهمزة ثم مثناة تحتية جملة حالية بتقدير قد، وفي رواية الأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني يئس بتقديم الياء على الهمزة وهما بمعنى والأوّل مقلوب من الثاني أي قنط، ( من الإيمان) أي من إيمانهم لما أظهروه، ومن إيمانه لكونه شح بملكه: وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه ويسلم ويسلمون.
( قال: ردّوهم عليّ وقال) لهم ( إنّي قلت مقالتي آنفًا) بالمد مع كسر النون، وقد تقصر، وهو نصب على الظرفية.
أي.
قلت مقالتي هذه الساعة حال كوني ( اختبر) .
أي امتحن ( بها شدتكم) أي رسوخكم ( على دينكم فقد رأيت) شدتكم، فحذف المفعول للعلم به مما سبق.
وعند المؤلف في التفسير فقد رأيت منكم الذي أحببت.
( فسجدوا له) حقيقة على عادتهم لملوكهم أو قبلوا الأرض بين يديه لأن ذلك ربما كان كهيئة السجود، ( ورضوا عنه فكان ذلك آخر) بالنصب خبر كان ( شأن هرقل) فيما يتعلق بهذه القصة خاصة، أو فيما يتعلق بالإيمان، فإنه قد وقعت له أمور من تجهيز الجيش إلى مؤتة وتبوك ومحاربته للمسلمين، وهذا يدل ظاهره على استمراره على الكفر، ولكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لمملكته وخوفًا من أن يقتله قومه، إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني مسلم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بل هو على نصرانيته الحديث.

( رواه) أي حديث هرقل، وفي رواية ابن عساكر، ورواه بواو العطف، وفي رواية قال محمد أي البخاري رواه ( صالح بن كيسان) بفتح الكاف أبو محمد أو أبو الحرث الغفاري بكسر الغين المعجمة مخفف الفاء المدني المتوفى بعد الأربعين ومائة أو سنة خمس وأربعين ومائة عن مائة سنة ونيف وستين سنة.

( و) رواه أيضًا ( يونس) بن يزيد الأيلي، ( و) رواه ( معمر) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة ابن راشد الثلاثة ( عن الزهري) .
فالأول أخرجه المصنف في الجهاد من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح عن الزهري، لكنه انتهى عند قول أبي سفيان حتى أدخل الله عليّ الإسلام وكذا مسلم، والثاني أيضًا بهذا الإسناد في الجهاد مختصرًا من طريق الليث، وفي الاستئذان أيضًا مختصرًا من طريق ابن المبارك كلاهما عن يونس عن الزهري بسنده بعينه، والثالث أيضًا بتمامه في التفسير.
فالأحاديث الثلاثة عند المصنف عن غير أبي اليمان والزهري إنما رواها لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله، وفي هذا الحديث من لطائف الإسناد رواية حمصي عن حمصي عن شامي عن مدني، وأخرج متنه المؤلف هنا.
وفي الجهاد والتفسير في موضعين، وفي الشهادات والجزية والأدب في موضعين، وفي الإيمان والعلم والأحكام والمغازي وخبر الواحد والاستئذان، وأخرجه مسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في التفسير.
ولم يخرجه ابن ماجة ووجه مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب أنه مشتمل على ذكر جمل من أوصاف من يوحى إليه، والباب في كيفية بدء الوحي، وأيضًا فإنّ قصة هرقل متضمنة كيفية حاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ابتداء الأمر.


ولما فرغ المؤلف من باب الوحي الذي هو كالمقدمة لهذا الكتاب الجامع شرع يذكر المقاصد الدينية وبدأ منها بالإيمان لأنه ملاك الأمر كله، لأن الباقي مبنيّ عليه ومشروط به وهو أوّل واجب على المكلف فقال مبتدئًا: ( بسم الله الرحمن الرحيم) كأكثر كتب هذا الجامع تبركًا وزيادة في الاعتناء بالتمسك بالسُّنَّة، واختلفت الروايات في تقديمها هنا على كتاب أو تأخيرها عنه، ولكلٍّ وجه ووجه الثاني بأنه جعل الترجمة قائمة مقام تسمية السورة ووجه الأوّل ظاهر.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :7 ... غــ :7 ]
- (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع قَالَ أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش وَكَانُوا تجارًا بالشأم فِي الْمدَّة الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماد فِيهَا أَبَا سُفْيَان وكفار قُرَيْش فَأتوهُ وهم بإيلياء فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسه وَحَوله عُظَمَاء الرّوم ثمَّ دعاهم ودعا بترجمانه فَقَالَ أَيّكُم أقرب نسبا بِهَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي فَقَالَ أَبُو سُفْيَان فَقلت أَنا أقربهم نسبا فَقَالَ أدنوه مني وقربوا أَصْحَابه فاجعلوهم عِنْد ظَهره ثمَّ قَالَ لِترْجُمَانِهِ قل لَهُم إِنِّي سَائل هَذَا عَن هَذَا الرجل فَإِن كَذبَنِي فَكَذبُوهُ فوَاللَّه لَوْلَا الْحيَاء من أَن يأثروا عَليّ كذبا لكذبت عَنهُ ثمَّ كَانَ أول مَا سَأَلَني عَنهُ أَن قَالَ كَيفَ نسبه فِيكُم قلت هُوَ فِينَا ذُو نسب قَالَ فَهَل قَالَ هَذَا القَوْل مِنْكُم أحد قطّ قبله قلت لَا قَالَ فَهَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك قلت لَا قَالَ فأشراف النَّاس يتبعونه أم ضُعَفَاؤُهُمْ فَقلت بل ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ أيزيدون أم ينقصُونَ قلت بل يزِيدُونَ قَالَ فَهَل يرْتَد أحد مِنْهُم سخطَة لدينِهِ بعد أَن يدْخل فِيهِ قلت لَا قَالَ فَهَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا قَالَ قلت لَا قَالَ فَهَل يغدر قلت لَا وَنحن مِنْهُ فِي مُدَّة لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعل فِيهَا قَالَ وَلم تمكني كلمة أَدخل فِيهَا شَيْئا غير هَذِه الْكَلِمَة قَالَ فَهَل قاتلتموه قلت نعم قَالَ فَكيف كَانَ قتالكم إِيَّاه قلت الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سِجَال ينَال منا وننال مِنْهُ قَالَ مَاذَا يَأْمُركُمْ قلت يَقُول اعبدوا الله وَحده وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا واتركوا مَا يَقُول آباؤكم ويأمرنا بِالصَّلَاةِ والصدق والعفاف والصلة فَقَالَ للترجمان قل لَهُ سَأَلتك عَن نسبه فَذكرت أَنه فِيكُم ذُو نسب فَكَذَلِك الرُّسُل تبْعَث فِي نسب قَومهَا وَسَأَلْتُك هَل قَالَ أحد مِنْكُم هَذَا القَوْل فَذكرت أَن لَا فَقلت لَو كَانَ أحد قَالَ هَذَا القَوْل قبله لَقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله وَسَأَلْتُك هَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك فَذكرت أَن لَا قلت فَلَو كَانَ من آبَائِهِ من ملك قلت رجل يطْلب ملك أَبِيه وَسَأَلْتُك هَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا قَالَ فَذكرت أَن لَا فقد أعرف أَنه لم يكن ليذر الْكَذِب على النَّاس ويكذب على الله وَسَأَلْتُك أَشْرَاف النَّاس اتَّبعُوهُ أم ضُعَفَاؤُهُمْ فَذكرت أَن ضعفاءهم اتَّبعُوهُ وهم أَتبَاع الرُّسُل وَسَأَلْتُك أيزيدون أم ينقصُونَ فَذكرت أَنهم يزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمر الْإِيمَان حَتَّى يتم وَسَأَلْتُك أيرتد أحد سخطَة لدينِهِ بعد أَن يدْخل فِيهِ فَذكرت أَن لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَان حِين تخالط بشاشته الْقُلُوب وَسَأَلْتُك هَل يغدر فَذكرت أَن لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُل لَا تغدر وَسَأَلْتُك بِمَا يَأْمُركُمْ فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ أَن تعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وينهاكم عَن عبَادَة الْأَوْثَان ويأمركم بِالصَّلَاةِ والصدق والعفاف فَإِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فسيملك مَوضِع قدمي هَاتين وَقد كنت أعلم أَنه خَارج لم أكن أَظن أَنه مِنْكُم فَلَو أَنِّي أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ لتجشمت لقاءه وَلَو كنت عِنْده لغسلت عَن قَدَمَيْهِ ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بعث بِهِ دحْيَة إِلَى عَظِيم بصرى فَدفعهُ إِلَى هِرقل فقرأه فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين { وَيَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبابًُُا من دون الله فَإِن توَلّوا فقولو اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ} .
قَالَ أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفرغ من قِرَاءَة الْكتاب كثر عِنْده الصخب وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وأخرجنا فَقلت لِأَصْحَابِي حِين اخرجنا لقد أَمر أَمر ابْن أبي كَبْشَة إِنَّه يخافه ملك بني الْأَصْفَر فَمَا زلت موقنا أَنه سَيظْهر حَتَّى أَدخل الله عَليّ الْإِسْلَام وَكَانَ ابْن الناظور صَاحب إيلياء وهرقل سقفا على نَصَارَى الشأم يحدث أَن هِرقل حِين قدم إيلياء أصبح يَوْمًا خَبِيث النَّفس فَقَالَ بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قَالَ ابْن الناظور وَكَانَ هِرقل حزاء ينظر فِي النُّجُوم فَقَالَ لَهُم حِين سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْت اللَّيْلَة حِين نظرت فِي النُّجُوم ملك الْخِتَان قد ظهر فَمن يختتن من هَذِه الْأمة قَالُوا لَيْسَ يختتن إِلَّا الْيَهُود فَلَا يهمنك شَأْنهمْ واكتب إِلَى مَدَائِن ملكك فيقتلوا من فيهم من الْيَهُود فَبَيْنَمَا هم على أَمرهم أُتِي هِرقل بِرَجُل أرسل بِهِ ملك غَسَّان يخبر عَن خبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا استخبره هِرقل قَالَ اذْهَبُوا فانظروا أمختتن هُوَ أم لَا فنظروا إِلَيْهِ فحدثوه أَنه مختتن وَسَأَلَهُ عَن الْعَرَب فَقَالَ هم يختتنون فَقَالَ هِرقل هَذَا ملك هَذِه الْأمة قد ظهر ثمَّ كتب هِرقل إِلَى صَاحب لَهُ برومية وَكَانَ نَظِيره فِي الْعلم وَسَار هِرقل إِلَى حمص فَلم يرم حمص حَتَّى أَتَاهُ كتاب من صَاحبه يُوَافق رَأْي هِرقل على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه نَبِي فَأذن هِرقل لعظماء الرّوم فِي دسكرة لَهُ بحمص ثمَّ أَمر بأبوابها فغلقت ثمَّ اطلع فَقَالَ يَا معشر الرّوم هَل لكم فِي الْفَلاح والرشد وَأَن يثبت ملككم فتبايعوا هَذَا النَّبِي فحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش إِلَى الْأَبْوَاب فوجدوها قد غلقت فَلَمَّا رأى هِرقل نفرتهم وأيس من الْإِيمَان قَالَ ردوهم عَليّ.

     وَقَالَ  إِنِّي قلت مَقَالَتي آنِفا أختبر بهَا شدتكم على دينكُمْ فقد رَأَيْت فسجدوا لَهُ وَرَضوا عَنهُ فَكَانَ ذَلِك آخر شَأْن هِرقل وَجه مُنَاسبَة ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ هُوَ أَنه مُشْتَمل على ذكر جمل من أَوْصَاف من يُوحى إِلَيْهِم وَالْبابُُ فِي كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي وَأَيْضًا فَإِن قصَّة هِرقل متضمنة كَيْفيَّة حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ابْتِدَاء الْأَمر وَأَيْضًا فَإِن الْآيَة الْمَكْتُوبَة إِلَى هِرقل وَالْآيَة الَّتِي صدر بهَا الْبابُُ مشتملتان على أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِإِقَامَة الدّين وإعلان كلمة التَّوْحِيد يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ (بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة وَقد ذكر الزُّهْرِيّ وَعبيد الله بن عبد الله وَابْن عَبَّاس وَبقيت ثَلَاثَة الأول أَبُو الْيَمَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم واسْمه الحكم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف ابْن نَافِع بالنُّون وَالْفَاء الْحِمصِي البهراني مولى امْرَأَة من بهراء بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد يُقَال لَهَا أم سَلمَة روى عَن خلق مِنْهُم إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَعنهُ خلائق مِنْهُم أَحْمد وَيحيى بن معِين وَأَبُو حَاتِم والذهلي ولد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة من اسْمه الحكم بن نَافِع غير هَذَا وَفِي الروَاة الحكم بن نَافِع آخر روى عَنهُ الطَّبَرَانِيّ وَهُوَ قَاضِي القلزم وَالثَّانِي شُعَيْب بن أبي حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي دِينَار الْقرشِي الْأمَوِي مَوْلَاهُم أَبُو بشر الْحِمصِي سمع خلقا من التَّابِعين مِنْهُم الزُّهْرِيّ وَعنهُ خلق وَهُوَ ثِقَة حَافظ متقن مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَقيل ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة وَقد جَاوز السّبْعين وَهَذَا الِاسْم مَعَ أَبِيه من أَفْرَاد الْكتب السِّتَّة لَيْسَ فِيهَا سواهُ وَالثَّالِث أَبُو سُفْيَان واسْمه صَخْر بِالْمُهْمَلَةِ ثمَّ بِالْمُعْجَمَةِ ابْن حَرْب بِالْمُهْمَلَةِ وَالرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة ابْن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي الْأمَوِي الْمَكِّيّ ويكنى بِأبي حَنْظَلَة أَيْضا ولد قبل الْفِيل بِعشر وَأسلم لَيْلَة الْفَتْح وَشهد الطَّائِف وحنينا وَأَعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَنَائِم حنين مائَة من الْإِبِل وَأَرْبَعين أُوقِيَّة وفقئت عينه الْوَاحِدَة يَوْم الطَّائِف وَالْأُخْرَى يَوْم اليرموك تَحت راية ابْنه يزِيد فَنزل بِالْمَدِينَةِ وَمَات بهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَقيل سنة أَربع وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ وَالِد مُعَاوِيَة وَأُخْته صَفِيَّة بنت حزن بن بحير بن الْهدم بن رويبة بن عبد الله بن هِلَال بن عَامر بن صعصعة وَهِي عمَّة مَيْمُونَة بنت الْحَارِث أم الْمُؤمنِينَ روى عَنهُ ابْن عَبَّاس وَابْنه مُعَاوِيَة وَأَبُو سُفْيَان فِي الصَّحَابَة جمَاعَة لَكِن أَبُو سُفْيَان ابْن حَرْب من الْأَفْرَاد (بَيَان الْأَسْمَاء الْوَاقِعَة فِيهِ) مِنْهُم هِرقل بِكَسْر الْهَاء وَفتح الرَّاء على الْمَشْهُور وَحكى جمَاعَة إسكان الرَّاء وَكسر الْقَاف كخندف مِنْهُم الْجَوْهَرِي وَلم يذكر الْقَزاز غَيره وَكَذَا صَاحب المرغب وَلما أنْشد صَاحب الْمُحكم بَيت لبيد بن ربيعَة
(غلب اللَّيَالِي خلف آل محرق ... وكما فعلن بتبع وبهرقل)
بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الرَّاء قَالَ أَرَادَ هرقلا بِفَتْح الرَّاء فاضطر فَغير والهرقل المنخل وَدلّ هَذَا أَن تسكين الرَّاء ضَرُورَة لَيست بلغَة وَجَاء فِي الشّعْر أَيْضا على الْمَشْهُور كدينار الهرقلي أصفرا وَاحْتج بَعضهم فِي تسكين الرَّاء بِمَا أنْشدهُ أَبُو الْفرج لدعبل بن عَليّ الْخُزَاعِيّ فِي ابْن عباد وَزِير الْمَأْمُون
(أولى الْأُمُور بضيعة وَفَسَاد ... أَمر يدبره أَبُو عباد)

(وَكَأَنَّهُ من دير هِرقل مفلت ... فَرد يجر سلاسل الأقياد)
قلت لَا يحْتَج بدعبل فِي مثل هَذَا وَلَئِن سلمنَا يكون هَذَا أَيْضا للضَّرُورَة وَزعم الجواليقي أَنه عجمي تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب وَهُوَ اسْم علم لَهُ غير منصرف للعلمية والعجمة ملك إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة فَفِي ملكه مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولقبه قَيْصر كَمَا أَن كل من ملك الْفرس يُقَال لَهُ كسْرَى وَالتّرْك يُقَال لَهُ خاقَان والحبشة النَّجَاشِيّ والقبط فِرْعَوْن ومصر الْعَزِيز وحمير تبع والهند دهمى والصين فغفور والزنج غانة واليونان بطلميوس وَالْيَهُود قيطون أَو ماتح والبربر جالوت والصابئة نمْرُود واليمن تبعا وفرعانة إخشيد وَالْعرب من قبل الْعَجم النُّعْمَان وأفريقية جرجير وخلاط شهرمان والسندفور والحزز رتبيل والنوبة كابل والصقالبة ماجدا والأرمن تقفور والأجات خدواند كار وأشروشنه أفشين وخوارزم خوارزم شاه وجرجان صول وآذربيجان أصبهيذ وطبرستان سالار وإقليم خلاط شهرمان ونيابة ملك الرّوم مشق وإسكندرية ملك مقوقس وهرقل أول من ضرب الدِّينَار وأحدث الْبيعَة فَإِن قلت مَا معنى الحَدِيث الصَّحِيح إِذا هلك قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده وَإِذا هلك كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده قلت مَعْنَاهُ لَا قَيْصر بعده بِالشَّام وَلَا كسْرَى بعده بالعراق قَالَه الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر.
وَسبب الحَدِيث أَن قُريْشًا كَانَت تَأتي الشَّام وَالْعراق كثيرا للتِّجَارَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا أَسْلمُوا خَافُوا انْقِطَاع سفرهم إِلَيْهِمَا لمخالفتهم أهل الشَّام وَالْعراق بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا قَيْصر وَلَا كسْرَى أَي بعدهمَا فِي هذَيْن الإقليمين وَلَا ضَرَر عَلَيْكُم فَلم يكن قَيْصر بعده بِالشَّام وَلَا كسْرَى بعده بالعراق وَلَا يكون وَمعنى قَيْصر التبقير وَالْقَاف على لغتهم غير صَافِيَة وَذَلِكَ أَن أمه لما أَتَاهَا الطلق بِهِ مَاتَت فبقر بَطنهَا عَنهُ فَخرج حَيا وَكَانَ يفخر بذلك لِأَنَّهُ لم يخرج من فرج وَاسم قَيْصر فِي لغتهم مُشْتَقّ من الْقطع لِأَن أحشاء أمه قطعت حَتَّى أخرج مِنْهَا وَكَانَ شجاعا جبارا مقداما فِي الحروب وَمِنْهُم دحْيَة بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا ابْن خَليفَة بن فَرْوَة بن فضَالة بن زيد بن امرىء الْقَيْس ابْن الْخَزْرَج بخاء مَفْتُوحَة مُعْجمَة ثمَّ زَاي سَاكِنة ثمَّ جِيم وَهُوَ الْعَظِيم واسْمه زيد مَنَاة سمي بذلك لعظم بَطْنه ابْن عَامر بن بكر بن عَامر الْأَكْبَر بن عَوْف وَهُوَ زيد اللات وَقيل ابْن عَامر الْأَكْبَر بن بكر بن زيد اللات وَهُوَ مَا سَاقه الْمزي أَولا قَالَ وَقيل عَامر الْأَكْبَر بن عَوْف بن بكر بن عَوْف بن عبد زيد اللات بن رفيدة بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء بن ثَوْر بن كلب بن وبرة بِفَتْح الْبَاء ابْن تغلب بالغين الْمُعْجَمَة بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء بن قضاعة بن معد بن عدنان وَقيل قضاعة إِنَّمَا هُوَ ابْن مَالك بن حمير بن سبا كَانَ من أجل الصَّحَابَة وَجها وَمن كبارهم وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صورته وَذكر السُّهيْلي عَن ابْن سَلام فِي قَوْله تَعَالَى { أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} قَالَ كَانَ اللَّهْو نظرهم إِلَى وَجه دحْيَة لجماله وَرُوِيَ أَنه كَانَ إِذا قدم الشَّام لم تبْق معصر إِلَّا خرجت للنَّظَر إِلَيْهِ قَالَ ابْن سعد أسلم قَدِيما وَلم يشْهد بَدْرًا وَشهد الْمشَاهد بعْدهَا وَبَقِي إِلَى خلَافَة مُعَاوِيَة.

     وَقَالَ  غَيره شهد اليرموك وَسكن المزة قَرْيَة بِقرب دمشق ومزة بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه دحْيَة سواهُ وَلم يخرج من السِّتَّة حَدِيثه إِلَّا السجسْتانِي فِي سنَنه وَهُوَ من أَصْحَاب الْمُحدثين قَالَه ابْن البرقي.

     وَقَالَ  الْبَزَّار لما سَاق الحَدِيث من طَرِيق عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد عَنهُ لم يحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَمِنْهُم أَبُو كَبْشَة رجل من خُزَاعَة كَانَ يعبد الشعرى العبور وَلم يُوَافقهُ أحد من الْعَرَب على ذَلِك قَالَه الْخطابِيّ وَفِي الْمُخْتَلف والمؤتلف للدارقطني أَن اسْمه وجز بن غَالب من بني غبشان ثمَّ من بني خُزَاعَة.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن الْجِرْجَانِيّ النسابة فِي معنى نِسْبَة الْجَاهِلِيَّة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي كَبْشَة إِنَّمَا ذَلِك عَدَاوَة لَهُ ودعوة إِلَى غير نسبه الْمَعْلُوم الْمَشْهُور وَكَانَ وهب بن عبد منَاف بن زهرَة جده أَبُو آمِنَة يكنى بِأبي كَبْشَة وَكَذَلِكَ عَمْرو بن زيد بن أَسد النجاري أَبُو سلمى أم عبد الْمطلب كَانَ يدعى أَبَا كَبْشَة وَهُوَ خزاعي وَكَانَ وجز بن غَالب بن حَارِث أَبُو قيلة أم وهب بن عبد منَاف بن زهرَة أَبُو أم جده لأمه يكنى أَبَا كَبْشَة وَهُوَ خزاعي وَكَانَ أَبوهُ من الرضَاعَة الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى بن رِفَاعَة السَّعْدِيّ يكنى بذلك أَيْضا وَقيل أَنه وَالِد حليمة مرضعته حَكَاهُ ابْن مَاكُولَا وَذكر الْكَلْبِيّ فِي كتاب الدفائن أَن أَبَا كَبْشَة هُوَ حاضن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوج حليمة ظئر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واسْمه الْحَارِث كَمَا سلف وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا وَنقل ابْن التِّين فِي الْجِهَاد عَن الشَّيْخ أبي الْحسن أَن أَبَا كَبْشَة جد ظئر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ قيل أَن فِي أجداده سِتَّة يسمون أَبَا كَبْشَة فَأنْكر ذَلِك (بَيَان الْأَسْمَاء المبهمة) مِنْهَا ابْن الناطور قَالَ القَاضِي هُوَ بطاء مُهْملَة وَعند الْحَمَوِيّ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ أهل اللُّغَة فلَان ناطور بني فلَان وناظرهم بِالْمُعْجَمَةِ المنظور إِلَيْهِ مِنْهُم والناطور بِالْمُهْمَلَةِ الْحَافِظ النّخل عجمي تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب قَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ من النّظر والنبط يجْعَلُونَ الظَّاء طاء وَفِي الْعبابُ فِي فصل الطَّاء الْمُهْملَة الناطر والناطور حَافظ الْكَرم وَالْجمع النواطير.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد الناطور لَيْسَ بعربي فَافْهَم وَمِنْهَا ملك غَسَّان وَهُوَ الْحَارِث بن أبي شمر أَرَادَ حزب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج إِلَيْهِم فِي غَزْوَة وَنزل قبيل بن كِنْدَة مَاء يُقَال لَهُ غَسَّان بالمشلل فسموا بِهِ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي غَسَّان اسْم مَاء نزل عَلَيْهِ قوم من الأزد فنسبوا إِلَيْهِ مِنْهُم بَنو جَفْنَة رَهْط الْمُلُوك وَيُقَال غَسَّان اسْم قَبيلَة.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام غَسَّان مَاء بسد مأرب وَيُقَال لَهُ مَاء بالمشلل قريب من الْجحْفَة وَحكى المَسْعُودِيّ أَن غَسَّان مَا بَين زبيد وزمع بِأَرْض الْيمن والمشلل بِضَم الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة قَالَ فِي الْعبابُ جبل يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد.

     وَقَالَ  صَاحب الْمطَالع المشلل قديد من نَاحيَة الْبَحْر وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد.

     وَقَالَ  صَاحب الْمطَالع المشلل قديد من نَاحيَة الْبَحْر وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد وَمِنْهَا بَنو الْأَصْفَر وهم الرّوم سموا بذلك لِأَن حَبَشِيًّا غلب على ناحيتهم فِي بعض الدهور فوطىء نِسَاءَهُمْ فَولدت أَوْلَادًا فيهم بَيَاض الرّوم وَسَوَاد الْحَبَشَة فَكَانُوا صفرا فنسب الرّوم إِلَى الْأَصْفَر لذَلِك قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي.

     وَقَالَ  الْحَرْبِيّ نِسْبَة إِلَى الْأَصْفَر بن الرّوم بن عيصو بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ القَاضِي عِيَاض وَهُوَ الْأَشْبَه وَعبارَة الْقَزاز قَالَ قوم بَنو الْأَصْفَر من الرّوم وهم مُلُوكهمْ وَلذَلِك قَالَ عَليّ بن زيد
(وَبَنُو الْأَصْفَر الْكِرَام مُلُوك الر روم ... لم يبْق مِنْهُم مَذْكُور)
قَالَ وَيُقَال إِنَّمَا سموا بذلك لِأَن عيصو بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام كَانَ رجلا أَحْمَر أشعر الْجلد كَانَ عَلَيْهِ خَوَاتِيم من شعر وَهُوَ أَبُو الرّوم وَكَانَ الرّوم رجلا أصفر فِي بَيَاض شَدِيد الصُّفْرَة فَمن أجل ذَلِك سموا بِهِ وَتزَوج عيصو بنت عَمه إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام فَولدت لَهُ الرّوم بن عيصو وَخَمْسَة أُخْرَى فَكل من فِي الرّوم فَهُوَ من نسل هَؤُلَاءِ الرَّهْط وَفِي المغيث تزوج الرّوم بن عيصو إِلَى الْأَصْفَر ملك الْحَبَشَة فَاجْتمع فِي وَلَده بَيَاض الرّوم وَسَوَاد الْحَبَشَة فأعطوا جمالا وَسموا ببني الْأَصْفَر وَفِي تَارِيخ دمشق لِابْنِ عَسَاكِر تزوج بهَا طيل الرُّومِي إِلَى النّوبَة فولد لَهُ الْأَصْفَر وَفِي التيجان لِابْنِ هِشَام إِنَّمَا قيل لعيصو بن إِسْحَاق الْأَصْفَر لِأَن جدته سارة حلته بِالذَّهَب فَقيل لَهُ ذَلِك لصفرة الذَّهَب قَالَ.

     وَقَالَ  بعض الروَاة أَنه كَانَ أصفر أَي أسمر إِلَى صفرَة وَذَلِكَ مَوْجُود فِي ذُريَّته إِلَى الْيَوْم فَإِنَّهُم سمر كحل الْأَعْين وَفِي خطف البارق كَانَت امْرَأَة ملكت على الرّوم فَخَطَبَهَا كبار دولتها واختصموا فِيهَا فرضوا بِأول دَاخل عَلَيْهِم يَتَزَوَّجهَا فَدخل رجل حبشِي فَتَزَوجهَا فَولدت مِنْهُ ولدا سمته أصفر لصفرته فبنو الْأَصْفَر من نَسْله وَمِنْهَا الرّوم وهم هَذَا الجيل الْمَعْرُوف قَالَ الْجَوْهَرِي هم من ولد الرّوم بن عيصو واحدهم رومي كزنجي وزنج وَلَيْسَ بَين الْوَاحِد وَالْجمع إِلَّا الْيَاء الْمُشَدّدَة كَمَا قَالُوا تَمْرَة وتمر وَلم يكن بَين الْوَاحِد وَالْجمع إِلَّا الْهَاء.

     وَقَالَ  الواحدي هم جيل من ولد أرم بن عيص بن إِسْحَاق غلب عَلَيْهِم فَصَارَ كالاسم للقبيلة.

     وَقَالَ  الرشاطي الرّوم منسوبون إِلَى رومي بن النبطي ابْن يونان بن يافث بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَهَؤُلَاءِ الرّوم من اليونانيين وَقوم من الرّوم يَزْعمُونَ أَنهم من قضاعة من تنوخ وبهراء وسليخ وَكَانَت تنوخ أَكْثَرهَا على دين النَّصَارَى وكل هَذِه الْقَبَائِل خَرجُوا مَعَ هِرقل عِنْد خُرُوجهمْ من الشَّام فَتَفَرَّقُوا فِي بِلَاد الرّوم وَمِنْهَا قُرَيْش وهم ولد النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة واسْمه عَامر دون سَائِر ولد كنَانَة وهم مَالك وملكان ومويلك وغزوان وَعمر وعامر أخوة النَّضر لِأَبِيهِ وَأمه وأمهم مرّة بنت مر أُخْت تَمِيم بن مر وَهَذَا قَول الشّعبِيّ وَابْن هِشَام وَأبي عُبَيْدَة وَمعمر بن الْمثنى وَهُوَ الَّذِي ذكره الْجَوْهَرِي وَرجحه السَّمْعَانِيّ وَغَيره قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور هُوَ قَول أَكثر النسابين وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَهُوَ أصح مَا قيل وَقيل أَن قُريْشًا بَنو فهر بن مَالك وفهر جماع قُرَيْش وَلَا يُقَال لمن فَوْقه قرشي وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ كناني رَجحه الزبيدِيّ بن بكار وَحَكَاهُ عَن عَمه مُصعب بن عبد الله قَالَ وَهُوَ قَول من أدْركْت من نساب قُرَيْش وَنحن أعلم بأمورنا وأنسابنا وَذكر الرَّافِعِيّ وَجْهَيْن غريبين قَالَ وَمِنْهُم من قَالَ هم ولد الياس بن مُضر وَمِنْهُم من قَالَ هم ولد مُضر بن نزار وَفِي الْعبابُ قُرَيْش قَبيلَة وأبوهم النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر وكل من كَانَ من ولد النَّضر فَهُوَ قرشي دون ولد كنَانَة وَمن فَوْقه.

     وَقَالَ  قوم سميت قُرَيْش بِقُرَيْش بن يخلد بن غَالب بن فهر وَكَانَ صَاحب عيرهم فَكَانُوا يَقُولُونَ قدمت عير قُرَيْش وَخرجت عير قُرَيْش قَالَ الصغاني ذكر إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي غَرِيب الحَدِيث من تأليفه فِي تَسْمِيَة قُرَيْش قُريْشًا سَبْعَة أَقْوَال وَبسط الْكَلَام وَأَنا أجمع ذَلِك مُخْتَصرا فَقَالَ سَأَلَ عبد الْملك أَبَاهُ عَن ذَلِك فَقَالَ لتجمعهم إِلَى الْحرم وَالثَّانِي أَنهم كَانُوا يتقرشون الْبياعَات فيشترونها وَالثَّالِث أَنه جَاءَ النَّضر بن كنَانَة فِي ثوب لَهُ يَعْنِي اجْتمع فِي ثَوْبه فَقَالُوا قد تقرش فِي ثَوْبه وَالرَّابِع قَالُوا جَاءَ إِلَى قومه فَقَالُوا كَأَنَّهُ جمل قُرَيْش أَي شَدِيد وَالْخَامِس أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُم لم سميت قُريْشًا قَالَ بِدَابَّة فِي الْبَحْر تسمى قُريْشًا.
وَالسَّادِس قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان سَمِعت أَن قصيا كَانَ يُقَال لَهُ الْقرشِي لم يسم قرشي قبله.
وَالسَّابِع قَالَ مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ سميت قُريْشًا لأَنهم كَانُوا يفتشون الْحَاج عَن خلتهم فيسدونها انْتهى..
     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ إِنَّمَا نبذت فهرا أمه بِقُرَيْش كَمَا يُسمى الصَّبِي غرارة وشملة وَأَشْبَاه ذَلِك وَقيل من القرش وَهُوَ الْكسْب.

     وَقَالَ  الزبير قَالَ عمي سميت قُرَيْش بِرَجُل يُقَال لَهُ قُرَيْش بن بدر بن يخلد بن النَّضر كَانَ دَلِيل بني كنَانَة فِي تجاراتهم فَكَانَ يُقَال قدمت عير قُرَيْش وَأَبوهُ بدر صَاحب بدر الْموضع.

     وَقَالَ  غير عمي سميت بِقُرَيْش بن الْحَارِث بن يخلد اسْمه بدر الَّتِي سميت بِهِ بدر وَهُوَ احتفرها.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَسَأَلَ مُعَاوِيَة ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِمَ سميت قُرَيْش قَالَ بِدَابَّة فِي الْبَحْر تَأْكُل وَلَا تُؤْكَل وَتَعْلُو وَلَا تعلى والتصغير للتعظيم.

     وَقَالَ  اللَّيْث القرش الْجمع من هَهُنَا وَهَهُنَا وَضم بعض إِلَى بعض يُقَال قِرْش يقرش قرشا.

     وَقَالَ  ابْن عباد قِرْش الشَّيْء خفيقه وصوته يُقَال سَمِعت قرشه أَي وَقع حوافر الْخَيل وقرش الشَّيْء إِذا قطعه وقرضه.

     وَقَالَ  غَيره قِرْش بِكَسْر الرَّاء جمع لُغَة فِي فتحهَا والقرش دَابَّة من دَوَاب الْبَحْر وأقرشت الشَّجَّة إِذا صدعت الْعظم وَلم تهشمه والتقريش التحريش والإغراء والتقريش الِاكْتِسَاب وتقرشوا تجمعُوا وتقرش فلَان الشَّيْء إِذا أَخذه أَولا فأولا فَإِن أردْت بِقُرَيْش الْحَيّ صرفته وَإِن أردْت بِهِ الْقَبِيلَة لم تصرفه وَالْأَوْجه صرفه قَالَ تَعَالَى { لِإِيلَافِ قُرَيْش} وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ قرشي وقريشي بِالْيَاءِ وحذفها وَمِنْهَا قَوْله إِلَى صَاحب لَهُ يُقَال هُوَ صفاطر الأسقف الرُّومِي وَقيل فِي اسْمه يقاطر (بَيَان أَسمَاء الْأَمَاكِن فِيهِ) قَوْله بالشأم مَهْمُوز وَيجوز تَركه وَفِيه لُغَة ثَالِثَة شآم بِفَتْح الشين وَالْمدّ وَهُوَ مُذَكّر وَيُؤَنث أَيْضا حَكَاهُ الْجَوْهَرِي وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ شَامي وشآم بِالْمدِّ على فعال وشاءمى بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد حَكَاهَا الْجَوْهَرِي عَن سِيبَوَيْهٍ وأنكرها غَيره لِأَن الْألف عوض من يَاء النّسَب فَلَا يجمع بَينهمَا سمى بشامات هُنَاكَ حمر وسود.

     وَقَالَ  الرشاطي الشَّام جمع شامة سميت بذلك لِكَثْرَة قراها وتداني بَعْضهَا بِبَعْض فشبهت بالشامات وَقيل سميت بسام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أول من نزلها فَجعلت السِّين شينا.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد لم يدخلهَا سَام قطّ.

     وَقَالَ  أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي يجوز أَن يكون مأخوذا من الْيَد الشومى وَهِي الْيُسْرَى لكَونهَا من يسَار الْكَعْبَة وحد الشَّام طولا من الْعَريش إِلَى الْفُرَات وَقيل إِلَى بالس.

     وَقَالَ  أَبُو حَيَّان فِي صَحِيحه أول الشَّام بالس وَآخره الْعَريش وَأما حَده عرضا فَمن جبل طي من نَحْو الْقبْلَة إِلَى بَحر الرّوم وَمَا يسامت ذَلِك من الْبِلَاد.

     وَقَالَ  ابْن حوقل أما طول الشَّام فَخمس وَعِشْرُونَ مرحلة من ملطية إِلَى رفح.
وَأما عرضه فَأَعْرض مَا فِيهِ طرفاه فأحد طَرفَيْهِ من الْفُرَات من جسر منبح على منبح ثمَّ على قورص فِي حد قسرين ثمَّ على العواصم فِي حد أنطاكية ثمَّ مقطع جبل اللكام ثمَّ على المصيصة ثمَّ على أُذُنه ثمَّ على طرسوس وَذَلِكَ نَحْو عشر مراحل وَهَذَا هُوَ السمت الْمُسْتَقيم.
وَأما الطّرف الآخر فَهُوَ من حد فلسطين فَيَأْخُذ من الْبَحْر من حد يافا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الرملة ثمَّ إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ إِلَى أرِيحَا ثمَّ إِلَى زعز ثمَّ إِلَى جبل الشراه إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى معَان وَمِقْدَار هَذَا سِتّ مراحل فَأَما مَا بَين هذَيْن الطَّرفَيْنِ من الشَّام فَلَا يكَاد يزِيد عرضه موضعا من الْأُرْدُن ودمشق وحمص على أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام.

     وَقَالَ  الْملك الْمُؤَيد وَقد عد ابْن حوقل ملطية من جملَة بِلَاد الشَّام وَابْن خرداذية جعلهَا من الثغور الجزيرية وَالصَّحِيح أَنَّهَا من الرّوم ودخله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا ودخله أَيْضا عشرَة آلَاف صَحَابِيّ قَالَه ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي دخله نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّتَيْنِ قبل النُّبُوَّة مرّة مَعَ عَمه أبي طَالب وَهُوَ ابْن ثِنْتَيْ عشرَة سنة حَتَّى بلغ بصرى وَهُوَ حِين لقِيه الراهب وَالْتمس الرَّد إِلَى مَكَّة.
وَمرَّة فِي تِجَارَة خَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا إِلَى سوق بصرى وَهُوَ ابْن خمس وَعشْرين سنة ومرتين بعد النُّبُوَّة إِحْدَاهمَا لَيْلَة الْإِسْرَاء وَهُوَ من مَكَّة وَالثَّانيَِة فِي غَزْوَة تَبُوك وَهُوَ من الْمَدِينَة قَوْله بإيلياء وَهِي بَيت الْمُقَدّس وَفِيه ثَلَاث لُغَات أشهرها كسر الْهمزَة وَاللَّام وَإِسْكَان الْيَاء آخر الْحُرُوف بَينهمَا وبالمد وَالثَّانيَِة مثلهَا إِلَّا أَنه بِالْقصرِ وَالثَّالِثَة الْيَاء بِحَذْف الْيَاء الأولى وَإِسْكَان اللَّام وبالمد حكاهن ابْن قرقول.

     وَقَالَ  قيل مَعْنَاهُ بَيت الله وَفِي الْجَامِع أَحْسبهُ عبرانيا وَيُقَال الإيلياء كَذَا رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي مُسْنده فِي مُسْند ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَيُقَال بَيت الْمُقَدّس وَبَيت الْمُقَدّس قَوْله بصرى بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مَدِينَة حوران مَشْهُورَة ذَات قلعة وَهِي قريبَة من طرف الْعِمَارَة والبرية الَّتِي بَين الشَّام والحجاز وضبطها الْملك الْمُؤَيد بِفَتْح الْبَاء وَالْمَشْهُور على السّنة النَّاس بِالضَّمِّ وَلها قلعة ذَات بِنَاء وبساتين وَهِي على أَرْبَعَة مراحل من دمشق مَدِينَة أولية مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ السود وَهِي من ديار بني فَزَارَة وَبني مرّة وَغَيرهم.

     وَقَالَ  ابْن عَسَاكِر فتحت صلحا فِي ربيع الأول لخمس بَقينَ سنة ثَلَاث عشرَة وَهِي أول مَدِينَة فتحت بِالشَّام قَوْله إِلَى مَدَائِن ملكك جمع مَدِينَة وَيجمع أَيْضا على مدن بِإِسْكَان الدَّال وَضمّهَا قَالُوا الْمَدَائِن بِالْهَمْز أفْصح من تَركه وَأشهر وَبِه جَاءَ الْقُرْآن قَالَ الْجَوْهَرِي مدن بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ وَمِنْه سميت الْمَدِينَة وَهِي فعيلة وَقيل مفعلة من دينت أَي ملكت وَقيل من جعله من الأول همزه وَمن الثَّانِي حذفه كَمَا لَا يهمز معايش.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي وَالنِّسْبَة إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مدنِي وَإِلَى مَدِينَة الْمَنْصُور مديني وَإِلَى مداين كسْرَى مدايني للْفرق بَين النّسَب لِئَلَّا تختلط.
قلت مَا ذكره مَحْمُول على الْغَالِب وَإِلَّا فقد جَاءَ فِيهِ خلاف ذَلِك كَمَا يَجِيء فِي أثْنَاء الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله بالرومية بِضَم الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء مَدِينَة مَعْرُوفَة للروم وَكَانَت مَدِينَة رياستهم وَيُقَال أَن روماس بناها قلت.
قد ذكرت فِي تاريخي أَنَّهَا تسمى رومة أَيْضا وَهِي الرومية الْكُبْرَى وَهِي مَدِينَة مَشْهُورَة على جَانِبي نهر الصغر وَهِي مقرة خَليفَة النَّصَارَى الْمُسَمّى بِالْبابُُِ وَهِي على جنوبي حوز البنادقة وبلاد رُومِية غربي قلفرية.

     وَقَالَ  الإدريسي طول سورها أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ميلًا وَهُوَ مَبْنِيّ بالآجر وَلها وَاد يشق وسط الْمَدِينَة وَعَلِيهِ قناطير يجاز عَلَيْهَا من الْجِهَة الشرقية إِلَى الغربية.

     وَقَالَ  أَيْضا امتداد كنيستها سِتّمائَة ذِرَاع فِي مثله وَهِي مسقفة بالرصاص ومفروشة بالرخام وفيهَا أعمدة كَثِيرَة عَظِيمَة وَفِي صدر الْكَنِيسَة كرْسِي من ذهب يجلس عَلَيْهِ الْبابُُ وَتَحْته بابُُ مصفح بِالْفِضَّةِ يدْخل مِنْهُ إِلَى أَرْبَعَة أَبْوَاب وَاحِد بعد آخر يُفْضِي إِلَى سرداب فِيهِ مدفن بطرس حوارِي عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي الرومية كَنِيسَة أُخْرَى فِيهَا مدفن بولص قَوْله إِلَى حمص بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الْمِيم بَلْدَة مَعْرُوفَة بِالشَّام سميت باسم رجل من العمالقة اسْمه حمص بن الْمهْر بن حاف كَمَا سميت حلب بحلب بن الْمهْر وَكَانَت حمص فِي قديم الزَّمَان أشهر من دمشق.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ دَخلهَا تِسْعمائَة رجل من الصَّحَابَة افتتحها أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح سنة سِتّ عشرَة قَالَ الجواليقي وَلَيْسَت عَرَبِيَّة تذكر وتؤنث قَالَ الْبكْرِيّ وَلَا يجوز فِيهَا الصّرْف كَمَا يجوز فِي هِنْد لِأَنَّهُ اسْم أعجمي.

     وَقَالَ  ابْن التِّين يجوز الصّرْف وَعَدَمه لقلَّة حُرُوفه وَسُكُون وَسطه قلت إِذا أنثته تَمنعهُ من الصّرْف لِأَن فِيهِ حِينَئِذٍ ثَلَاث علل التَّأْنِيث والعجمة والعلمية فَإِذا كَانَ سُكُون وَسطه يُقَاوم أحد السببين يبْقى بسببين أَيْضا وبالسببين يمْنَع من الصّرْف كَمَا فِي ماه وجور وَيُقَال سميت بِرَجُل من عاملة هُوَ أول من نزلها.

     وَقَالَ  ابْن حوقل هِيَ أصح بِلَاد الشَّام تربة وَلَيْسَ فِيهَا عقارب وحيات قَوْله فِي دسكرة بِفَتْح الدَّال وَالْكَاف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَهُوَ بِنَاء كالقصر حوله بيُوت وَلَيْسَ بعربي وَهِي بيُوت الْأَعَاجِم وَفِي جَامع الْقَزاز الدسكرة الأَرْض المستوية.

     وَقَالَ  أَبُو زَكَرِيَّا التبريزي الدسكرة مُجْتَمع الْبَسَاتِين والرياض.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده الدسكرة الصومعة وَأنْشد الأخطل
(فِي قبابُ حول دسكرة ... حولهَا الزَّيْتُون قد ينعا)
وَفِي المغيث لأبي مُوسَى الدسكرة بِنَاء على صُورَة الْقصر فِيهَا منَازِل وبيوت للخدم والحشم وَفِي الْجَامِع الدسكرة تكون للملوك تتنزه فِيهَا وَالْجمع الدساكرة وَقيل الدساكر بيُوت الشَّرَاب وَفِي الْكَامِل للمبرد قَالَ أَبُو عُبَيْدَة هَذَا الشّعْر مُخْتَلف فِيهِ فبعضهم ينْسبهُ إِلَى الْأَحْوَص وَبَعْضهمْ إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة.

     وَقَالَ  عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش الَّذِي صَحَّ أَنه ليزِيد وَزعم ابْن السَّيِّد فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بالغرر شرح كَامِل الْمبرد أَنه لأبي دهبل الجُمَحِي.

     وَقَالَ  الْحَافِظ مغلطاي بعد أَن نقل أَن الْبَيْت الْمَذْكُور للأخطل وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن هَذَا الْبَيْت لَيْسَ للأخطل وَذَلِكَ أَنِّي نظرت عدَّة رِوَايَات من شعره ليعقوب وَأبي عُبَيْدَة والأصمعي والسكري وَالْحسن بن المظفر النَّيْسَابُورِي فَلم أر فِيهَا هَذَا الْبَيْت وَلَا شَيْئا على رويه قلت قَائِله يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان من قصيدة يتغزل بهَا فِي نَصْرَانِيَّة كَانَت قد ترهبت فِي دير خراب عِنْد الماطرون وَهُوَ بُسْتَان بِظَاهِر دمشق يُسمى الْيَوْم المنطور وأولها
(آب هَذَا اللَّيْل فاكتنعا ... وَأمر النّوم فامتنعا)

(رَاعيا للنجم ارقبه ... فَإِذا مَا كَوْكَب طلعا) (حَان حَتَّى أنني لَا أرى ... أَنه بالغور قد رجعا)

(وَلها بالماطرون إِذا ... أكل النَّمْل الَّذِي جمعا)

(خزفة حَتَّى إِذا ارتبعت ... ذكرت من جلق بيعا)

(فِي قبابُ حول دسكرة حو لَهَا ... الزَّيْتُون قد ينعا)
وَهِي من الرمل آب أَي رَجَعَ قَوْله فاكتنعا أَي فرسا قَوْله خزفة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة مَا يختزق من التَّمْر أَي يجتني قَوْله ينعا بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالنُّون من ينع التَّمْر يينع من بابُُ ضرب يضْرب ينعا وينعا وينوعا إِذا نضج وَكَذَلِكَ أينع (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهَا رِوَايَة حمصي عَن حمصي عَن شَامي عَن مدنِي وَمِنْهَا أَنه قَالَ أَولا حَدثنَا وَثَانِيا أخبرنَا وثالثا بِكَلِمَة عَن ورابعا بِلَفْظ أَخْبرنِي مُحَافظَة على الْفرق الَّذِي بَين الْعبارَات أَو حِكَايَة عَن أَلْفَاظ الروَاة بِأَعْيَانِهَا مَعَ قطع النّظر عَن الْفرق أَو تَعْلِيما لجَوَاز اسْتِعْمَال الْكل إِذا قُلْنَا بِعَدَمِ الْفرق بَينهَا وَمِنْهَا لَيْسَ فِي البُخَارِيّ مثل هَذَا الْإِسْنَاد يَعْنِي عَن أبي سُفْيَان لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ حَدِيث غَيره وَلم يرو عَنهُ إِلَّا ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (بَيَان تعدد الحَدِيث) قَالَ الْكرْمَانِي قد ذكر البُخَارِيّ حَدِيث هِرقل فِي كِتَابه فِي عشرَة مَوَاضِع قلت ذكره فِي أَرْبَعَة عشر موضعا الأول هَهُنَا كَمَا ترى الثَّانِي فِي الْجِهَاد عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح الثَّالِث فِي التَّفْسِير عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام الرَّابِع فِيهِ أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن عبد الرَّزَّاق قَالَا حَدثنَا معمر كلهم عَن الزُّهْرِيّ بِهِ الْخَامِس فِي الشَّهَادَات عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا سَأَلتك هَل يزِيدُونَ أَو ينقصُونَ السَّادِس فِي الْجِزْيَة عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا السَّابِع فِي الْأَدَب عَن أبي بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا أَيْضا الثَّامِن فِيهِ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا التَّاسِع فِي الْإِيمَان الْعَاشِر فِي الْعلم الْحَادِي عشر فِي الْأَحْكَام الثَّانِي عشر فِي الْمَغَازِي الثَّالِث عشر فِي خبر الْوَاحِد الرَّابِع عشر فِي الاسْتِئْذَان (بَيَان من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن خَمْسَة من شُيُوخه إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي عَمْرو وَأبي رَافع وَعبد بن حميد والحلواني عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ بِطُولِهِ وَعَن الآخرين عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان وَالنَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير وَلم يُخرجهُ ابْن مَاجَه (بَيَان اللُّغَات) قَوْله فِي ركب بِفَتْح الرَّاء جمع رَاكب كتجر وتاجر وَقيل اسْم جمع كقوم وذود وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وهم أَصْحَاب الْإِبِل فِي السّفر الْعشْرَة فَمَا فَوْقهَا قَالَه ابْن السّكيت وَغَيره.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده أرى أَن الركب يكون للخيل وَالْإِبِل وَفِي التَّنْزِيل (والركب أَسْفَل مِنْكُم) فقد يجوز أَن يكون مِنْهُمَا جَمِيعًا وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَ مَعنا يَوْمئِذٍ فرس إِلَّا فرس عَلَيْهِ الْمِقْدَاد بن الْأسود يصحح أَن الركب هَهُنَا ركاب الْإِبِل قَالُوا وَالركبَة بِفَتْح الرَّاء وَالْكَاف أقل مِنْهُ وَإِلَّا ركُوب بِالضَّمِّ أَكثر مِنْهُ وَجمع الركب اركب وركوب وَالْجمع أراكب والركاب الْإِبِل وَاحِدهَا رَاحِلَة وَجَمعهَا ركب وَفِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث أَنهم كَانُوا ثَلَاثِينَ رجلا مِنْهُم أَبُو سُفْيَان رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الإكليل وَفِي رِوَايَة ابْن السكن نَحْو من عشْرين وسمى مِنْهُم الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة بِسَنَد مُرْسل وَفِيه نظر لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك كَانَ مُسلما قَالَه بَعضهم وَلَكِن إِسْلَامه لَا يُنَافِي مرافقتهم وهم كفار إِلَى دَار الْحَرْب قَوْله تجار بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْجِيم وَكسرهَا وبالتخفيف جمع تَاجر وَيُقَال أَيْضا تجر كصاحب وَصَحب قَوْله وَحَوله بِفَتْح اللَّام يُقَال حوله وحواله وحوليه وحواليه أَربع لُغَات وَاللَّام مَفْتُوحَة فِيهِنَّ أَي يطوفون بِهِ من جوانبه قَالَ الْجَوْهَرِي وَلَا تقل حواليه بِكَسْر اللَّام قَوْله عُظَمَاء الرّوم جمع عَظِيم قَوْله وترجمانه وَفِي الْجَامِع الترجمان الَّذِي يبين الْكَلَام يُقَال بِفَتْح التَّاء وَضمّهَا وَالْفَتْح أحسن عِنْد قوم وَقيل الضَّم يدل على أَن التَّاء أصل لِأَنَّهُ يكون فعللان كعقربابُ وَلم يَأْتِ فعللان وَفِي الصِّحَاح وَالْجمع التراجم مثل زعفران وزعافر وَلَك أَن تضم التَّاء كضمة الْجِيم وَيُقَال الترجمان هُوَ الْمعبر عَن لُغَة بلغَة وَهُوَ مُعرب وَقيل عَرَبِيّ وَالتَّاء فِيهِ أَصْلِيَّة وَأنكر على الْجَوْهَرِي قَوْله أَنَّهَا زَائِدَة وَتَبعهُ ابْن الْأَثِير فَقَالَ فِي نهايته وَالتَّاء وَالنُّون زائدتان قَوْله فَإِن كَذبَنِي بِالتَّخْفِيفِ من كذب يكذب كذبا وكذبا وكذبة وَفِي الْعبابُ وأكذوبة وكاذبة ومكذوبا ومكذوبة وَزَاد ابْن الْأَعرَابِي مكذبة وكذبانا مثل غفران وكذبى مثل بشرى فَهُوَ كَاذِب وَكَذَّاب وكذوب وكيذبان وكيذبان ومكذبان وكذبة مثل تؤدة وكذبذب وكذبذبان بالضمات الثَّلَاث وَلم يذكر سِيبَوَيْهٍ فِيمَا ذكر من الْأَمْثِلَة وكذبذب بِالتَّشْدِيدِ وَجمع الكذوب كذب مِثَال صبور وصبر وَيُقَال كذب كذابا بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد أَي متناهيا وَقَرَأَ عمر بن عبد الْعَزِيز { وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا} وَيكون صِيغَة على الْمُبَالغَة كوضاء وَحسان وَالْكذب نقيض الصدْق ثمَّ معنى قَوْله فَإِن كَذبَنِي أَي نقل إِلَى الْكَذِب.

     وَقَالَ  لي خلاف الْوَاقِع.

     وَقَالَ  التَّيْمِيّ كذب يتَعَدَّى إِلَى المفعولين يُقَال كَذبَنِي الحَدِيث وَكَذَا نَظِيره صدق قَالَ الله تَعَالَى { لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا} وهما من غرائب الْأَلْفَاظ فَفعل بِالتَّشْدِيدِ يقْتَصر على مفعول وَاحِد وَفعل بِالتَّخْفِيفِ يتَعَدَّى إِلَى مفعولين قَوْله من أَن يأثروا بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضمّهَا من أثرت الحَدِيث بِالْقصرِ آثره بِالْمدِّ وَضم الْمُثَلَّثَة وَكسرهَا أثرا سَاكِنة الثَّاء حدثت بِهِ وَيُقَال أثرت الحَدِيث أَي رُؤْيَته وَمَعْنَاهُ لَوْلَا الْحيَاء من أَن رفقتي يروون عني ويحكون فِي بلادي عني كذبا فأعاب بِهِ لِأَن الْكَذِب قَبِيح وَإِن كَانَ على الْعَدو لكذبت وَيعلم مِنْهُ قبح الْكَذِب فِي الْجَاهِلِيَّة أَيْضا.
وَقيل هَذَا دَلِيل لمن يَدعِي أَن قبح الْكَذِب عَقْلِي.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي لَا يلْزم مِنْهُ لجَوَاز أَن يكون قبحه بِحَسب الْعرف أَو مستفادا من الشَّرْع السَّابِق.
قلت بل الْعقل يحكم بقبح الْكَذِب وَهُوَ خلاف مُقْتَضى الْعقل وَلم تنقل إِبَاحَة الْكَذِب فِي مِلَّة من الْملَل قَوْله لكذبت عَنهُ أَي لأخبرت عَن حَاله بكذب لبغضي إِيَّاه ولمحبتي نَقصه قَوْله قطّ فِيهَا لُغَتَانِ أشهرهما فتح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء المضمومة قَالَ الْجَوْهَرِي مَعْنَاهَا الزَّمَان يُقَال مَا رَأَيْته قطّ قَالَ وَمِنْهُم من يَقُول قطّ بِضَمَّتَيْنِ وقط بتَخْفِيف الطَّاء وَفتح الْقَاف وَضمّهَا مَعَ التَّخْفِيف وَهِي قَليلَة قَوْله فأشراف النَّاس أَي كبارهم وَأهل الْإِحْسَان.

     وَقَالَ  بَعضهم المُرَاد بالأشراف هُنَا أهل النخوة والتكبر مِنْهُم لَا كل شرِيف حَتَّى لَا يرد مثل أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وأمثالهما مِمَّن أسلم قبل هَذَا السُّؤَال.
قلت هَذَا على الْغَالِب وَإِلَّا فقد سبق إِلَى أَتْبَاعه أكَابِر أَشْرَاف زَمَنه كالصديق والفاروق وَحَمْزَة وَغَيرهم وهم أَيْضا كَانُوا أهل النخوة والأشراف جمع شرِيف من الشّرف وَهُوَ الْعُلُوّ وَالْمَكَان العالي وَقد شرف بِالضَّمِّ فَهُوَ شرِيف وَقوم شرفاء وأشراف.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت الشّرف وَالْمجد لَا يكونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ والحسب وَالْكَرم يكونَانِ فِي الرجل وَإِن لم يكن لَهُ أَبَا.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد الشّرف علو الْحسب قَوْله سخطَة بِفَتْح السِّين وَهُوَ الْكَرَاهَة للشَّيْء وَعدم الرضى بِهِ.

     وَقَالَ  بَعضهم سخطَة بِضَم أَوله وفتحه وَلَيْسَ بِصَحِيح بل السخطة بِالتَّاءِ إِنَّمَا هِيَ بِالْفَتْح فَقَط والسخط بِلَا تَاء يجوز فِيهِ الضَّم وَالْفَتْح مَعَ أَن الْفَتْح يَأْتِي بِفَتْح الْخَاء والسخط بِالضَّمِّ يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ ضم الْخَاء مَعَه وإسكانها وَفِي الْعبابُ السخط والسخط مِثَال خلق وَخلق والسخط بِالتَّحْرِيكِ والمسخط خلاف الرضى تَقول مِنْهُ سخط يسْخط أَي غضب وأسخطه أَي أغضبهُ وتسخط أَي تغْضب وَفِي بعض الشُّرُوح وَالْمعْنَى أَن من دخل فِي الشَّيْء على بَصِيرَة يمْتَنع رُجُوعه بِخِلَاف من لم يدْخل على بَصِيرَة وَيُقَال أخرج بِهَذَا من ارْتَدَّ مكْرها أَو غير مكره لَا لسخط دين الْإِسْلَام بل لرغبة فِي غَيره لحظ نفساني كَمَا وَقع لعبد الله بن جحش قَوْله يغدر بِكَسْر الدَّال والغدر ترك الْوَفَاء بالعهد وَهُوَ مَذْمُوم عِنْد جَمِيع النَّاس قَوْله سِجَال بِكَسْر السِّين وبالجيم وَهُوَ جمع سجل وَهُوَ الدَّلْو الْكَبِير وَالْمعْنَى الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه نوب نوبَة لنا ونوبة لَهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(فَيوم علينا وَيَوْم لنا ... وَيَوْم نسَاء وَيَوْم نسر)
والمساجلة الْمُفَاخَرَة بِأَن تصنع مثل صنعه فِي جري أَو سعي قَوْله ينَال أَي يُصِيب من نَالَ ينَال نيلا ونالا قَوْله ويأمرنا بِالصَّلَاةِ أَرَادَ بهَا الصَّلَاة الْمَعْهُودَة الَّتِي مفتتحها التَّكْبِير ومختمها التَّسْلِيم قَوْله والصدق وَهُوَ القَوْل المطابق للْوَاقِع ويقابله الْكَذِب قَوْله والعفاف بِفَتْح الْعين الْكَفّ عَن الْمَحَارِم وخوارم الْمُرُوءَة.

     وَقَالَ  صَاحب الْمُحكم الْعِفَّة الْكَفّ عَمَّا لَا يحل وَلَا يجمل يُقَال عف يعف عَفا وعفافا وعفافة وعفة وتعفف واستعف وَرجل عف وعفيف وَالْأُنْثَى عفيفة وَجمع الْعَفِيف أعفة وأعفاء قَوْله والصلة وَهِي كل مَا أَمر الله تَعَالَى أَن يُوصل وَذَلِكَ بِالْبرِّ وَالْإِكْرَام وَحسن المراعاة وَيُقَال المُرَاد بهَا صلَة الرَّحِم وَهِي تشريك ذَوي الْقرَابَات فِي الْخيرَات وَاخْتلفُوا فِي الرَّحِم فَقيل هُوَ كل ذِي رحم محرم بِحَيْثُ لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْآخر أُنْثَى حرمت مناكحتهما فَلَا يدْخل أَوْلَاد الْأَعْمَام فِيهِ وَقيل هُوَ عَام فِي كل ذِي رحم فِي الْمِيرَاث محرما أَو غَيره قَوْله يأتسي أَي يَقْتَدِي وَيتبع وَهُوَ بِهَمْزَة بعد الْيَاء قَوْله بشاشة الْقُلُوب بِفَتْح الْبَاء وبشاشة الْإِسْلَام وضوحه يُقَال بش بِهِ وتبشبش وَيُقَال بش بالشَّيْء يبش بشاشة إِذا أظهر بشرى عِنْد رُؤْيَته.

     وَقَالَ  اللَّيْث البش اللطف فِي الْمَسْأَلَة والإقبال على أَخِيك.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي هُوَ فَرح الصَّدْر بِالصديقِ.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد بشه إِذا ضحك إِلَيْهِ ولقيه لِقَاء جميلا قَوْله الْأَوْثَان جمع وثن وَهُوَ الصَّنَم وَهُوَ مُعرب شنم قَوْله اخلص بِضَم اللَّام أَي أصل يُقَال خلص إِلَى كَذَا أَي وصل إِلَيْهِ قَوْله لتجشمت بِالْجِيم والشين الْمُعْجَمَة أَي لتكلفت الْوُصُول إِلَيْهِ ولتكلفت على خطر ومشقة قَوْله إِلَى عَظِيم بصرى أَي أميرها وَكَذَا عَظِيم الرّوم أَي الَّذِي يعظمه الرّوم وتقدمه قَوْله إِن توليت أَي أَعرَضت عَن الْإِسْلَام قَوْله اليريسين بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الرَّاء ثمَّ الْيَاء الْأُخْرَى الساكنة ثمَّ السِّين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة ثمَّ الْيَاء الْأُخْرَى الساكنة جمع يريس على وزن فعيل نَحْو كريم وَجَاء الأريسين بقلب الْيَاء الأولى همزَة وَجَاء اليريسيين بتَشْديد الْيَاء بعد السِّين جمع يريسي مَنْسُوب إِلَى يريس وَجَاء أَيْضا بِالنِّسْبَةِ كَذَلِك إِلَّا أَنه بِالْهَمْزَةِ فِي أَوله مَوضِع الْيَاء أَعنِي الأريسين جمع أريس مَنْسُوب إِلَى أريس فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده الأريس الأكار عِنْد ثَعْلَب والأريس الْأَمِير عَن كرَاع حَكَاهُ فِي بابُُ فعيل وعدله بأبيل وَالْأَصْل عِنْده أريس فعيل من الرياسة فَقلب وَفِي الْجَامِع الأريس الزَّارِع وَالْجمع أرارسة قَالَ الشَّاعِر
(إِذا فَازَ فِيكُم عبدود فليتكم ... أرارسة ترعون دين الْأَعَاجِم)
فوزن أريس فعيل وَلَا يُمكن أَن تكون الْهمزَة فِيهِ من غير أَصله لِأَنَّهُ كَانَ تبقى عينه وفاؤه من لفظ وَاحِد وَهَذَا لم يَأْتِ فِي كَلَامهم إِلَّا فِي أحرف يسيرَة نَحْو كَوْكَب ديدن وددن وبابُوس.
والأريس عِنْد قوم الْأَمِير كَأَنَّهُ من الأضداد وَفِي الصِّحَاح أرس يأرس أرسا صَار أريسا وَهُوَ الأكار وأرس مثله.
وَهُوَ الأريس وَجمعه الأريسون وأراريس وَهِي شامية.

     وَقَالَ  ابْن فَارس الْهمزَة وَالرَّاء وَالسِّين لَيست عَرَبِيَّة وَفِي الْعبابُ والأريس مثل جليس والأريس مثل سكيت الأكار فَالْأول جمعه أريسون وَالثَّانِي أريسيون وأرارسة وأراريس وَالْفِعْل مِنْهُ أرس يأرس أرسا.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي أرس تأرسا صَار أكارا مثل أرس أرسا قَالَ وَيُقَال أَن الأراريس الزارعون وَهِي شامية وبئر أريس من آبار الْمَدِينَة وَهِي الَّتِي وَقع فِيهَا خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  بعض الشُّرَّاح وَالصَّحِيح الْمَشْهُور أَنهم الأكارون أَي الفلاحون والزارعون أَي عَلَيْك إِثْم رعاياك الَّذين يتبعونك وينقادون لأمرك وَنبهَ بهؤلاء على جَمِيع الرعايا لأَنهم الْأَغْلَب فِي رعاياهم وأسرع انقيادا وَأكْثر تقليدا فَإِذا أسلم أَسْلمُوا وَإِذا امْتنع امْتَنعُوا وَيُقَال أَن الأريسين الَّذين كَانُوا يحرثون أَرضهم كَانُوا مجوسا وَكَانَ الرّوم أهل كتاب فيريد أَن عَلَيْك مثل وزر الْمَجُوس إِن لم تؤمن وَتصدق.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة هم الخدم والخول يَعْنِي بصده إيَّاهُم عَن الدّين كَمَا قَالَ تَعَالَى { رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا} أَي عَلَيْك مثل إثمهم حَكَاهُ ابْن الْأَثِير وَقيل المُرَاد الْمُلُوك والرؤساء الَّذين يقودون النَّاس إِلَى الْمذَاهب الْفَاسِدَة وَقيل هم المتبخترون قَالَ الْقُرْطُبِيّ فعلى هَذَا يكون المُرَاد عَلَيْك إِثْم من تكبر عَن الْحق وَقيل هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَتبَاع عبد الله بن أريس الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الأريسية من النَّصَارَى رجل كَانَ فِي الزَّمن الأول قتل هُوَ وَمن مَعَه نَبيا بَعثه الله إِلَيْهِم قَالَ أَبُو الزِّنَاد وحذره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ كَانَ رَئِيسا متبوعا مسموعا أَن يكون عَلَيْهِ إِثْم الْكفْر وإثم من عمل بِعَمَلِهِ وَأتبعهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من عمل سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ إثمها وإثم من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَوْله الصخب بِفَتْح الصَّاد وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَيُقَال بِالسِّين أَيْضا بدل الصَّاد وَضَعفه الْخَلِيل وَهُوَ اخْتِلَاط الْأَصْوَات وارتفاعها.

     وَقَالَ  أهل اللُّغَة الصخب هُوَ أصوات مُبْهمَة لَا تفهم قَوْله أَمر بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمِيم قَالَ ابْن الْأَعرَابِي كثر وَعظم.

     وَقَالَ  ابْن سيدة وَالِاسْم مِنْهُ الْأَمر بِالْكَسْرِ.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ الأمرة على وزن بركَة الزِّيَادَة وَمِنْه قَول أبي سُفْيَان أَمر أَمر مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي الصِّحَاح عَن أبي عُبَيْدَة آمرته بِالْمدِّ وأمرته لُغَتَانِ بِمَعْنى كثرته وَأمر هُوَ أَي كثر.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش أَمر أمره يَأْمر أمرا اشْتَدَّ وَالِاسْم الْأَمر وَفِي أَفعَال ابْن القطاع أَمر الشَّيْء أمرا وَأمر أَي كثر وَفِي الْمُجَرّد لكراع يُقَال زرع أَمر وَأمر كثير وَفِي أَفعَال ابْن ظريف أَمر الشَّيْء امرا وإمارة وَفِي أَمْثَال الْعَرَب من قل ذل وَمن أَمر قل وَفِي الْجَامِع أَمر الشَّيْء إِذا كثر والأمرة الْكَثْرَة وَالْبركَة والنماء وأمرته زِيَادَته وخيره وبركته قَوْله على نَصَارَى الشَّام سموا نَصَارَى لنصرة بَعضهم بَعْضًا أَو لأَنهم نزلُوا موضعا يُقَال لَهُ نصرانة ونصرة أَو ناصرة أَو لقَوْله { من أَنْصَارِي إِلَى الله} وَهُوَ جمع نَصْرَانِيّ قَوْله خَبِيث النَّفس أَي كسلها وَقلة نشاطها أَو سوء خلقهَا قَوْله بطارقته بِفَتْح الْبَاء هُوَ جمع بطرِيق بِكَسْر الْبَاء وهم قواد الْملك وخواص دولته وَأهل الرَّأْي والشورى مِنْهُ وَقيل البطريق المختال المتعاظم وَلَا يُقَال ذَلِك للنِّسَاء وَفِي الْعبابُ قَالَ اللَّيْث البطريق الْقَائِد بلغَة أهل الشَّام وَالروم فَمن هَذَا عرفت أَن تَفْسِير بَعضهم البطريق بقوله وَهُوَ خَواص دولة الرّوم تَفْسِير غير موجه قَوْله قد استنكر ناهيئتك أَي أنكرناها ورأيناها مُخَالفَة لسَائِر الْأَيَّام والهيئة السمت وَالْحَالة والشكل قَوْله حزاء بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة وبالمد على وزن فعال أَي كَاهِنًا وَيُقَال فِيهِ الحازي يُقَال حزى يحزي حزا يحزو وتحزى إِذا تكهن قَالَ الْأَصْمَعِي حزيت الشَّيْء أحزيه حزيا وحزوا وَفِي الصِّحَاح حزى الشَّيْء يحزيه ويحزوه إِذا قدر وخرص والحازي الَّذِي ينظر فِي الْأَعْضَاء وَفِي خيلان الْوَجْه يتكهن وَفِي الْمُحكم حزى الطير حزوا زجرها قَوْله فَلَا يهمنك شَأْنهمْ بِضَم الْيَاء يُقَال أهمني الْأَمر أقلقني وأحزنني والهم الْحزن وهمني أذاني أَي إِذا بَالغ فِي ذَلِك وَمِنْه المهموم قَالَ الْأَصْمَعِي هَمَمْت بالشَّيْء أهم بِهِ إِذا أردته وعزمت عَلَيْهِ وهممت بِالْأَمر أَيْضا إِذا قصدته يهمني وهم يهم بِالْكَسْرِ هميما ذاب وَمرَاده أَنهم أَحْقَر من أَن يهتم لَهُم أَو يُبَالِي بهم والشأن الْأَمر قَوْله فَلم يرم بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الرَّاء أَي لم يفارقها يُقَال مَا رمت وَلم أرم وَلَا يكَاد يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ حرف النَّفْي وَيُقَال مَا يريم يفعل أَي مَا يبرح وَيُقَال رامه يريمه ريما أَي يريحه وَيُقَال لَا يرمه أَي لَا يبرحه قَالَ ابْن ظريف مَا رامني وَلَا يريمني لم يبرح وَلَا يُقَال إِلَّا منفيا قَوْله يَا معشر الرّوم قَالَ أهل اللُّغَة هم الْجمع الَّذين شَأْنهمْ وَاحِد وَالْإِنْس معشر وَالْجِنّ معشر والأنبياء معشر وَالْفُقَهَاء معشر وَالْجمع معاشر قَوْله الْفَلاح والرشد الْفَلاح الْفَوْز والتقى والنجاة والرشد بِضَم الرَّاء وَإِسْكَان الشين وبفتحهما أَيْضا لُغَتَانِ وَهُوَ خلاف الغي.

     وَقَالَ  أهل اللُّغَة هُوَ إِصَابَة الْخَيْر.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ هُوَ الْهدى والاستقامة وَهُوَ بِمَعْنَاهُ يُقَال رشد يرشد ورشد يرشد لُغَتَانِ قَوْله فحاصوا بِالْحَاء وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي نفروا وكروا رَاجِعين يُقَال حَاص يحيص إِذا نفر.

     وَقَالَ  الْفَارِسِي وَفِي مجمع الغرائب هُوَ الروغان والعدول عَن طَرِيق الْقَصْد.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ يُقَال حَاص وجاض بِمَعْنى وَاحِد يَعْنِي بِالْجِيم وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد وَغَيره قَالُوا وَمَعْنَاهُ عدل عَن الطَّرِيق.

     وَقَالَ  أَبُو زيد مَعْنَاهُ بِالْحَاء رَجَعَ وبالجيم عدل قَوْله آنِفا أَي قَرِيبا أَو هَذِه السَّاعَة والآنف أول الشَّيْء وَهُوَ بِالْمدِّ وَالْقصر وَالْمدّ أشهر وَبِه قَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء السَّبْعَة وروى الْبَزَّار عَن ابْن كثير الْقصر.

     وَقَالَ  الْمَهْدَوِيّ الْمَدّ هُوَ الْمَعْرُوف قَوْله اختبر أَي امتحن شدتكم أَي رسوخكم فِي الدّين قَوْله فقد رَأَيْت أَي شدتكم (بَيَان اخْتِلَاف الرِّوَايَات) قَوْله حَدثنَا أَبُو الْيَمَان وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة حَدثنَا الحكم بن نَافِع وَأَبُو الْيَمَان كنية الحكم قَوْله وَحَوله عُظَمَاء الرّوم وَفِي رِوَايَة ابْن السكن فأدخلت عَلَيْهِ وَعِنْده بطارقته والقسيسون والرهبان وَفِي بعض السّير دعاهم وَهُوَ جَالس فِي مجْلِس ملكه عَلَيْهِ التَّاج وَفِي شرح السّنة دعاهم لمجلسه قَوْله ودعا ترجمانه وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَغَيره بترجمانه قَوْله بِهَذَا الرجل وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم من هَذَا الرجل وَهُوَ على الأَصْل وعَلى رِوَايَة البُخَارِيّ ضمن أقرب معنى أبعد فعداه بِالْبَاء قَوْله الَّذِي يزْعم وَفِي رِوَايَة ابْن اسحق عَن الزُّهْرِيّ يَدعِي قَوْله فَكَذبُوهُ فوَاللَّه لَوْلَا الْحيَاء سقط فِيهِ لَفْظَة قَالَ من رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت تَقْدِيره فَكَذبُوهُ قَالَ فوَاللَّه أَي أَبُو سُفْيَان فبالاسقاط يحصل الْإِشْكَال على مَا لَا يخفى وَلذَا قَالَ الْكرْمَانِي فوَاللَّه كَلَام أبي سُفْيَان لَا كَلَام الترجمان قَوْله لكذبت عَنهُ رِوَايَة الْأصيلِيّ وَفِي رِوَايَة غَيره لكذبت عَلَيْهِ وَلم تقع هَذِه اللَّفْظَة فِي مُسلم وَوَقع فِيهِ لَوْلَا مَخَافَة أَن يؤثروا على الْكَذِب وعَلى يَأْتِي بِمَعْنى عَن كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(إِذا رضيت على بَنو قُشَيْر ... )
أَي عَنى وَوَقع لَفْظَة عَنى أَيْضا فِي البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير قَوْله ثمَّ كَانَ أول بِالنّصب فِي رِوَايَة وَسَنذكر وَجهه قَوْله فَهَل قَالَ هَذَا القَوْل مِنْكُم أحد قبله وَفِي رِوَايَة الكشمهيني والأصيلي بدل قبله.
مثله قَوْله فَهَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا أَن كلمة من حرف جر وَملك صفة مشبهة أَعنِي بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَهِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي وَأبي الْوَقْت وَالثَّانيَِة أَن كلمة من مَوْصُولَة وَملك فعل مَاض وَهِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر وَالثَّالِثَة بِإِسْقَاط حرف الْجَرّ وَهِي رِوَايَة أبي ذَر وَالْأولَى أصح وَأشهر وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مُسلم هَل كَانَ فِي آبَائِهِ ملك بِحَذْف من كَمَا هِيَ رِوَايَة أبي ذَر وَكَذَا هُوَ فِي كتاب التَّفْسِير فِي البُخَارِيّ قَوْله فأشراف النَّاس اتَّبعُوهُ أم ضُعَفَاؤُهُمْ فَقلت بل ضُعَفَاؤُهُمْ وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن اسحق تبعه منا الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين والأحداث فَأَما ذَوُو الْأَنْسَاب والشرف فَمَا تبعه مِنْهُم أحد قَوْله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي لَا تُشْرِكُوا بِهِ بِلَا وَاو فَيكون تَأْكِيدًا لقَوْله وَحده قَوْله ويأمرنا بِالصَّلَاةِ والصدق وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَََقَة وَفِي مُسلم ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَكَذَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَالزَّكَاة وَفِي الْجِهَاد من رِوَايَة أبي ذَر عَن شَيْخه الْكشميهني والسرخسي بِالصَّلَاةِ والصدق وَالصَّدَََقَة.

     وَقَالَ  بَعضهم ورجحها شَيخنَا أَي رجح الصَّدَقَة على الصدْق ويقويها رِوَايَة الْمُؤلف فِي التَّفْسِير الزَّكَاة واقتران الصَّلَاة بِالزَّكَاةِ مُعْتَاد فِي الشَّرْع.
قلت بل الرَّاجِح لَفْظَة الصدْق لِأَن الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة داخلتان فِي عُمُوم قَوْله والصلة لِأَن الصِّلَة اسْم لكل مَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ أَن يُوصل وَذَلِكَ يكون بِالزَّكَاةِ وَالصَّدَََقَة وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْبر وَالْإِكْرَام وَتَكون لَفْظَة الصدْق فِيهِ زِيَادَة فَائِدَة.
وَقَوله واقتران الصَّلَاة بِالزَّكَاةِ مُعْتَاد فِي الشَّرْع لَا يصلح دَلِيلا للترجيح على أَن أَبَا سُفْيَان لم يكن يعرف حِينَئِذٍ اقتران الزَّكَاة بِالصَّلَاةِ وَلَا فرضيتها قَوْله يأتسي بِتَقْدِيم الْهمزَة فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره يتأسى بِتَقْدِيم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق قَوْله حِين يخالط بشاشة الْقُلُوب هَكَذَا وَقع فِي أَكثر النّسخ حِين بالنُّون وَفِي بَعْضهَا حَتَّى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَوَقع فِي الْمُسْتَخْرج للإسماعيلي حَتَّى أَو حِين على الشَّك وَالرِّوَايَتَانِ وقعتا فِي مُسلم أَيْضا وَوَقع فِي مُسلم أَيْضا إِذا بدل حِين.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين رَحمَه الله كَذَا روينَاهُ فِيهِ على الشَّك.

     وَقَالَ  القَاضِي الرِّوَايَتَانِ وقعتا فِي البُخَارِيّ وَمُسلم وروى أَيْضا بشاشة الْقُلُوب بِالْإِضَافَة وَنصب البشاشة على المفعولية أَي حِين يخالط الْإِيمَان بشاشة الْقُلُوب وروى بشاشة بِالرَّفْع وإضافتها إِلَى الضَّمِير أَعنِي ضمير الْإِيمَان وبنصب الْقُلُوب وَزَاد البُخَارِيّ فِي الْإِيمَان حِين يخالط بشاشة الْقُلُوب لَا يسخطه أحد وَزَاد ابْن السكن فِي رِوَايَته فِي مُعْجم الصَّحَابَة يزْدَاد فِيهِ عجبا وفرحا وَفِي رِوَايَة ابْن اسحق وَكَذَلِكَ حلاوة الْإِيمَان لَا تدخل قلبا فَتخرج مِنْهُ قَوْله لتجشمت لقاءه وَفِي مُسلم لأحببت لقاءه وَالْأول أوجه قَوْله لغسلت عَن قَدَمَيْهِ وَفِي رِوَايَة عبد الله بن شَدَّاد عَن أبي سُفْيَان لَو علمت أَنه هُوَ لمشيت إِلَيْهِ حَتَّى أقبل رَأسه وأغسل قَدَمَيْهِ وَزَاد فِيهَا وَلَقَد رَأَيْت جَبهته يتحادر عرقها من كرب الصَّحِيفَة يَعْنِي لما قرىء عَلَيْهِ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله سَلام على من اتبع الْهدى وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الاسْتِئْذَان السَّلَام بالتعريف قَوْله بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام وَفِي مُسلم بداعية الْإِسْلَام وَكَذَا رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد بداعية الْإِسْلَام قَوْله فَإِنَّمَا عَلَيْك إِثْم اليريسين وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَق عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ فَإِن عَلَيْك إِثْم الأكارين وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة وَزَاد البرقاني فِي رِوَايَته يَعْنِي الحراثين وَفِي رِوَايَة الْمَدِينِيّ من طَرِيق مُرْسلَة فَإِن عَلَيْكُم إِثْم الفلاحين والإسماعيلي فَإِن عَلَيْك إِثْم الركوسيين وهم أهل دين النَّصَارَى والصابية يُقَال لَهُم الركوسية.

     وَقَالَ  اللَّيْث بن سعد عَن يُونُس فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيقه الأريسيون العشارون يَعْنِي أهل المكس قَوْله يَا أهل الْكتاب هَكَذَا هُوَ بِإِثْبَات الْوَاو فِي أَوله وَذكر القَاضِي أَن الْوَاو سَاقِطَة فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر قلت إِثْبَات الْوَاو هُوَ رِوَايَة عَبدُوس والنسفي والقابسي قَوْله عِنْده الصخب وَوَقع فِي مُسلم اللَّغط وَفِي البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد وَكثر لغطهم وَفِي التَّفْسِير وَكثر اللَّغط وَهُوَ الْأَصْوَات الْمُخْتَلفَة قَوْله فَمَا زلت موقنا زَاد فِي حَدِيث عبد الله بن شَدَّاد عَن أبي سُفْيَان فَمَا زلت مَرْعُوبًا من مُحَمَّد حَتَّى أسلمت أخرجه الطَّبَرَانِيّ قَوْله ابْن الناطور بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ بالظاء الْمُعْجَمَة وَوَقع فِي رِوَايَة اللَّيْث عَن يُونُس ابْن ناطورا بِزِيَادَة الْألف فِي آخِره فعلى هَذَا هُوَ اسْم أعجمي قَوْله صَاحب إيلياء بِالنّصب وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالرَّفْع قَوْله أَسْقُف على نَصَارَى الشَّام على صِيغَة الْمَجْهُول من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي وَفِي رِوَايَة الْكشميهني سقف على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا من التسقيف وَفِي رِوَايَة وَقع هُنَا سقفا بِضَم السِّين وَالْقَاف وَتَشْديد الْفَاء ويروى أسقفا بِضَم الْهمزَة وَسُكُون السِّين وَضم الْقَاف وَتَخْفِيف الْفَاء ويروى أسقفا مثله إِلَّا أَنه بتَشْديد الْفَاء ذكرهمَا الجواليقي وَغَيره.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ فِيهِ من أساقفة نَصَارَى الشَّام مَوضِع سقف.

     وَقَالَ  صَاحب الْمطَالع وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي عَن الْمروزِي سقف وَعند الْجِرْجَانِيّ سقفا وَعند الْقَابِسِيّ أسقفا وَهَذَا أعرفهَا مشدد الْفَاء فيهمَا وَحكى بَعضهم أسقفا وسقفا وَهُوَ من النَّصَارَى رَئِيس الدّين فِيمَا قَالَه الْخَلِيل وسقف قدم لذَلِك.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي يحْتَمل أَن يكون سمى بذلك لانحنائه وخضوعه لتدينه عِنْدهم وَأَنه قيم شريعتهم وَهُوَ دون القَاضِي والأسقف الطَّوِيل فِي انحناء فِي الْعَرَبيَّة وَالِاسْم مِنْهُ السّقف والسقيفي.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ هُوَ الْعَالم وَيُقَال سقف كَفعل أعجمي مُعرب وَلَا نَظِير لأسقف إِلَّا أسرب قلت حكى ابْن سَيّده ثَالِثا وَهُوَ الأسكف للصانع وَلَا يرد الأترج لِأَنَّهُ جمع وَالْكَلَام فِي الْمُفْرد:.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ الْأَشْهر بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْفَاء.

     وَقَالَ  ابْن فَارس السّقف بِالتَّحْرِيكِ طول فِي انحناء وَرجل أَسْقُف قَالَ ابْن السّكيت وَمِنْه اشتقاق أَسْقُف النَّصَارَى قَوْله أصبح يَوْمًا خَبِيث النَّفس وَصرح فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَق بقَوْلهمْ لَهُ لقد أَصبَحت مهموما قَوْله ملك الْخِتَان ضبط على وَجْهَيْن أَحدهمَا بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني وَالْآخر ضم الْمِيم وَإِسْكَان اللَّام وَكِلَاهُمَا صَحِيح قَوْله هم يختتنون وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ يختنون وَالْأول أفيد وأشمل قَوْله فَقَالَ هِرقل هَذَا يملك هَذِه الْأمة هَذَا رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني وَحده على صُورَة الْفِعْل الْمُضَارع وَأكْثر الروَاة على هَذَا ملك هَذِه الْأمة بِضَم الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ هَذَا ملك هَذِه الْأمة بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام.

     وَقَالَ  صَاحب الْمطَالع الْأَكْثَرُونَ على رِوَايَة الْقَابِسِيّ هَذَا هُوَ الْأَظْهر.

     وَقَالَ  عِيَاض أرى رِوَايَة أبي ذَر مصحفة لِأَن ضمة الْمِيم اتَّصَلت بهَا فتصحفت وَلما حَكَاهَا صَاحب الْمطَالع قَالَ أَظُنهُ تصحيفا:.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ كَذَا ضبطناه عَن أهل التَّحْقِيق وَكَذَا هُوَ فِي أَكثر أصُول بِلَادنَا قَالَ وَهِي صَحِيحَة أَيْضا وَمَعْنَاهَا هَذَا الْمَذْكُور يملك هَذِه الْأمة وَقد ظهر وَالْمرَاد بالأمة هُنَا أهل الْعَصْر قَوْله فَأذن بِالْقصرِ من الْإِذْن وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَغَيره بِالْمدِّ وَمَعْنَاهُ اعْلَم من الإيذان وَهُوَ الْإِعْلَام قَوْله فتبايعوا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف وَفِي رِوَايَة الْكشميهني فتتابعوا بتاءين مثناتين من فَوق وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ فنبايع بنُون الْجَمَاعَة بعْدهَا الْبَاء الْمُوَحدَة قَوْله لهَذَا النَّبِي بِاللَّامِ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره هَذَا بِدُونِ اللَّام قَوْله وأيس بِالْهَمْزَةِ ثمَّ الْيَاء آخر الْحُرُوف هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ يئس بِتَقْدِيم الْيَاء على الْهمزَة وهما بِمَعْنى وَالْأول مقلوب من الثَّانِي فَافْهَم (بَيَان الصّرْف) قَوْله سُفْيَان من سفى الرّيح التُّرَاب تسفيه سفيا إِذا ذرته وفاؤه مُثَلّثَة قَوْله حَرْب مصدر فِي الأَصْل قَوْله ماد فِيهَا بتَشْديد الدَّال من بابُُ المفاعلة وَأَصله مادد أدغمت الدَّال فِي الدَّال وجوبا لِاجْتِمَاع المثلين ومضارعه يماد وَأَصله يمادد ومصدره مماددة ومماد وأصل هَذَا الْبابُُ أَن يكون بَين اثْنَيْنِ وَأَصله من الْمدَّة وَهِي الْقطعَة من الزَّمَان يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير أَي اتَّفقُوا على الصُّلْح مُدَّة من الزَّمَان وَهَذِه الْمدَّة هِيَ صلح الْحُدَيْبِيَة الَّذِي جرى بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكفار قُرَيْش سنة سِتّ من الْهِجْرَة لما خرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة مُعْتَمِرًا قصدته قُرَيْش وصالحوه على أَن يدخلهَا فِي الْعَام الْقَابِل على وضع الْحَرْب عشر سِنِين فَدخلت بَنو بكر فِي عهد قُرَيْش وَبَنُو خُزَاعَة فِي عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نقضت قُرَيْش الْعَهْد بقتالهم خُزَاعَة حلفاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر الله تَعَالَى بقتالهم بقوله { أَلا تقاتلون قوما نكثوا أَيْمَانهم} وَفِي كتاب أبي نعيم فِي مُسْند عبد الله بن دِينَار كَانَت مُدَّة الصُّلْح أَربع سِنِين وَالْأول أشهر قَوْله أدنوه بِفَتْح الْهمزَة من الإدناء وَأَصله أدنيو استثقلت الضمة على الْيَاء فحذفت فَالتقى ساكنان وهما الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء لِأَن الْوَاو عَلامَة الْجمع ثمَّ أبدلت كسرة النُّون ضمة لتدل على الْوَاو المحذوفة فَصَارَ أدنوا على وزن أفعوا قَوْله تَتَّهِمُونَهُ من بابُُ الافتعال تَقول اتهمَ يتهم اتهاما وَأَصله اوتهم لِأَنَّهُ من الْوَهم قلبت الْوَاو تَاء وأدغمت التَّاء فِي التَّاء وأصل تَتَّهِمُونَهُ توتهمونه فَفعل بِهِ مثل مَا ذكرنَا وَكَذَا سَائِر مواده قَوْله بِالْكَذِبِ بِفَتْح الْكَاف وَكسر الذَّال مصدر كذب وَكَذَلِكَ الْكَذِب بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون الذَّال وَقد ذَكرْنَاهُ مرّة قَوْله يأتسي من الإيتساء من بابُُ الافتعال ومادته همزَة وسين وياء قَوْله ليذر الْكَذِب أَي ليَدع الْكَذِب وَقد أماتوا ماضي هَذَا الْفِعْل وَفِي الْعبابُ تَقول ذره أَي دَعه وَهُوَ يذره أَي يَدعه وَأَصله وذره يذره مِثَال وَسعه يَسعهُ وَقد أميت صَدره وَلَا يُقَال وذره وَلَا واذره وَلَكِن تَركه وَهُوَ تَارِك إِلَّا أَن يضْطَر إِلَيْهِ شَاعِر وَقيل هُوَ من بابُُ منع يمْنَع مَحْمُولا على ودع يدع لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ قَالُوا وَلَو كَانَ من بابُُ وَحل يوحل لقيل فِي مستقبله يوذر كيوحل وَلَو لم يكن مَحْمُولا لم تخل عينه أَو لامه من حُرُوف الْحلق وَهَذَا القَوْل أصح وَإِذا أردْت ذكر مصدره فَقل ذره تركا وَلَا تقل ذره وذرا قَوْله دحْيَة أَصله من دحوت الشَّيْء دحوا أَي بسطته قَالَ تَعَالَى { وَالْأَرْض بعد ذَاك دحاها} أَي بسطها قَوْله الْهدى مصدر من هداه يهديه وَفِي الصِّحَاح الْهدى الرشاد وَالدّلَالَة يذكر وَيُؤَنث يُقَال هداه الله للدّين هدى وهديته الطَّرِيق وَالْبَيْت هِدَايَة أَي عَرفته هَذِه لُغَة أهل الْحجاز وَغَيرهم تَقول هديته إِلَى الطَّرِيق وَإِلَى الدَّار حَكَاهُمَا الْأَخْفَش وَهدى واهتدى بِمَعْنى قَوْله بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام بِكَسْر الدَّال أَي يَدعُوهُ وَهُوَ مصدر كالشكاية من شكى والرماية من رمى وَقد تُقَام المصادر مقَام الْأَسْمَاء وَفِي رِوَايَة بداعية الْإِسْلَام على مَا ذكرنَا وَهِي أَيْضا بِمَعْنى الدعْوَة وَقد يَجِيء الْمصدر على وزن فاعلة كَقَوْلِه تَعَالَى { لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة} أَي كذب.
قَوْله استنكرنا من الاستنكار من بابُُ الاستفعال وأصل بابُُ الاستفعال أَن يكون للطلب وَقد يخرج عَن بابُُه وَهَذِه اللَّفْظَة من هَذَا الْقَبِيل يُقَال استنكرت الشَّيْء إِذا أنكرته.

     وَقَالَ  اللَّيْث الاستنكار استفهامك أمرا تنكره قَوْله حزاء مُبَالغَة حَاز على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ قَوْله فَلم يرم أَصله يريم فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ الْجَازِم حذفت الْيَاء لالتقاء الساكنين وَقد ذكرنَا تَفْسِيره قَوْله أيس على وزن فعل بِكَسْر الْعين.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت أَيِست مِنْهُ يئيس إياسا أَي قنطت لُغَة فِي يئست مِنْهُ أيأس يأسا والإياس انْقِطَاع الطمع (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله أَن عبد الله بن عَبَّاس كلمة أَن هَهُنَا وَفِي أَن أَبَا سُفْيَان وَفِي أَن هِرقل مفتوحات فِي مَحل الْجَرّ بِالْبَاء الْمقدرَة كَمَا فِي قَوْلك أَخْبرنِي أَن زيدا منطلق وَالتَّقْدِير بِأَن زيدا منطلق أَي أَخْبرنِي بانطلاق زيد قَوْله فِي ركب جملَة فِي مَوضِع النصب على الْحَال وَالتَّقْدِير أرسل هِرقل إِلَى أبي سُفْيَان حَال كَونه كَائِنا فِي جملَة الركب وَقَوله من قُرَيْش فِي مَحل الْجَرّ على أَنه صفة للركب وَكلمَة من تصلح أَن تكون لبَيَان الْجِنْس كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { يلبسُونَ ثيابًا خضرًا من سندس} وَيجوز أَن تكون للتَّبْعِيض قَوْله وَكَانُوا تجارًا الْوَاو فِيهِ تصلح أَن تكون للْحَال بِتَقْدِير قد فَإِن قلت فِي حَال الطّلب لم يَكُونُوا تجارًا قلت تَقْدِيره ملتبسين بِصفة التُّجَّار قَوْله فِي الْمدَّة جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال وَالْألف وَاللَّام فِيهَا بدل من الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي فِي مُدَّة الصُّلْح بِالْحُدَيْبِية قَوْله أَبَا سُفْيَان بِالنّصب مفعول لقَوْله مَاذَا قَوْله وكفار قُرَيْش كَلَام إضافي مَنْصُوب عطفا على أَبَا سُفْيَان وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا مَعَه قَوْله فَأتوهُ الْفَاء فِيهِ فصيحة إِذْ تَقْدِير الْكَلَام فَأرْسل إِلَيْهِ فِي طلب إتْيَان الركب إِلَيْهِ فجَاء الرَّسُول فَطلب إتيانهم فَأتوهُ وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى { فَقُلْنَا اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت} أَي فَضرب فانفجرت فَإِن قلت مَا معنى فَاء الفصيحة قلت سميت بهَا لِأَنَّهَا يسْتَدلّ بهَا على فصاحة الْمُتَكَلّم وَهَذَا إِنَّمَا سَموهَا بهَا على رَأْي الزَّمَخْشَرِيّ وَهِي تدل على مَحْذُوف هُوَ سَبَب لما بعْدهَا سَوَاء كَانَ شرطا أَو مَعْطُوفًا.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى { فانفجرت} الْفَاء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف أَي فَضرب فانفجرت أَو فَإِن ضربت فقد انفجرت كَمَا ذكرنَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَتَابَ عَلَيْكُم} وَهِي على هَذَا فَاء فصيحة لَا تقع إِلَّا فِي كَلَام فصيح فَإِن قلت هم فِي أَيْن مَوضِع كَانُوا حَتَّى أرسل إِلَيْهِم أَبُو سُفْيَان قلت فِي الْجِهَاد فِي البُخَارِيّ أَن الرَّسُول وجدهم بِبَعْض الشَّام وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي الدَّلَائِل تعْيين الْموضع وَهِي غَزَّة قَالَ وَكَانَت وَجه متجرهم وَكَذَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي عَن الزُّهْرِيّ قَوْله وهم بإيلياء الْوَاو فِيهِ للْحَال وَالْبَاء فِي بإيلياء بِمَعْنى فِي.
قَوْله فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسه الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي فَدَعَاهُمْ يرجع إِلَى هِرقل والمنصوب إِلَى أبي سُفْيَان وَمن مَعَه وَقَوله فِي مَجْلِسه حَال أَي فِي حَال كَونه فِي مَجْلِسه فَإِن قلت دَعَا يسْتَعْمل بِكَلِمَة إِلَى يُقَال دَعَا إِلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى { وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال فَدَعَاهُمْ إِلَى مَجْلِسه قلت دَعَا هَهُنَا من قبيل قَوْلهم دَعَوْت فلَانا أَي صحت بِهِ وَكلمَة فِي لَا تتَعَلَّق بِهِ وَلَا هِيَ صلته وَإِنَّمَا هِيَ حَال كَمَا ذكرنَا تتَعَلَّق بِمَحْذُوف وَتَقْدِيره كَمَا ذكرنَا أَو تكون فِي بِمَعْنى إِلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} أَي إِلَى أَفْوَاههم وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة شرح السّنة دعاهم لمجلسه قَوْله وَحَوله عُظَمَاء الرّوم الْوَاو فِيهِ للْحَال وَحَوله نصب على الظّرْف وَلكنه فِي تَقْدِير الرّفْع لِأَنَّهُ خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي قَوْله عُظَمَاء الرّوم قَوْله ثمَّ دعاهم عطف على قَوْله فَدَعَاهُمْ فَإِن قلت هَذَا تكْرَار فَمَا الْفَائِدَة فِيهِ قلت لَيْسَ بتكرار لِأَنَّهُ أَولا دعاهم بِأَن أَمر بإحضارهم من الْموضع الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَلَمَّا حَضَرُوا اسْتَأْذن لَهُم فَتَأمل زَمَانا حَتَّى أذن لَهُم وَهُوَ معنى قَوْله ثمَّ دعاهم وَلِهَذَا ذكره بِكَلِمَة ثمَّ الَّتِي تدل على التَّرَاخِي وَهَكَذَا عَادَة الْمُلُوك الْكِبَار إِذا طلبُوا شخصا يحْضرُون بِهِ ويوقفونه على بابُهم زَمَانا حَتَّى يَأْذَن لَهُم بِالدُّخُولِ ثمَّ يُؤذن لَهُم بِالدُّخُولِ وَلَا شكّ أَن هَهُنَا لَا بُد من دعوتين الدعْوَة فِي الْحَالة الأولى والدعوة فِي الْحَالة الثَّانِيَة قَوْله ودعا ترجمانه بِنصب الترجمان لِأَنَّهُ مفعول وعَلى رِوَايَة بترجمانه تكون الْبَاء زَائِدَة لِأَن دَعَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَوْله فَقَالَ أَيّكُم الْفَاء فِيهِ فصيحة أَيْضا وَالضَّمِير فِي قَالَ يرجع إِلَى الترجمان وَالتَّقْدِير أَي فَقَالَ هِرقل للترجمان قل أَيّكُم أقرب فَقَالَ الترجمان أَيّكُم أقرب ثمَّ أَن لَفْظَة أقرب إِن كَانَ أفعل التَّفْضِيل فَلَا بُد أَن تسْتَعْمل بِأحد الْوُجُوه الثَّلَاثَة الْإِضَافَة وَاللَّام وَمن وَقد جَاءَ هَهُنَا مُجَردا عَنْهَا وَأَيْضًا معنى الْقرب لَا بُد أَن يكون من شَيْء فَلَا بُد من صلَة وَأجِيب بِأَن كليهمَا محذوفان وَالتَّقْدِير أَيّكُم أقرب من النَّبِي من غَيْركُمْ قَوْله فَقلت أَنا أقربهم نسبا أَي من حَيْثُ النّسَب وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو سُفْيَان أقرب لِأَنَّهُ من بني عبد منَاف وَقد أوضح ذَلِك البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد بقوله قَالَ مَا قرابتك مِنْهُ قلت هُوَ ابْن عمي قَالَ أَبُو سُفْيَان وَلم يكن فِي الركب من بني عبد منَاف غَيْرِي انْتهى.
وَعبد منَاف هُوَ الْأَب الرَّابِع للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا لأبي سُفْيَان وَأطلق عَلَيْهِ ابْن عَم لِأَنَّهُ نزل كلا مِنْهُمَا منزلَة جده فعبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف وَإِنَّمَا خص هِرقل الْأَقْرَب لِأَنَّهُ أَحْرَى بالاطلاع على أُمُوره ظَاهرا وَبَاطنا أَكثر من غَيره وَلِأَن الْأَبْعَد لَا يُؤمن أَن يقْدَح فِي نسبه بِخِلَاف الْأَقْرَب قَوْله فَقَالَ أَي هِرقل ادنوه مني وَإِنَّمَا أَمر بإدنائه ليمعن فِي السُّؤَال قَوْله فاجعلوهم عِنْد ظَهره أَي عِنْد ظهر أبي سُفْيَان إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِئَلَّا يستحيوا أَن يواجهوه بالتكذيب إِن كذب وَقد صرح بذلك الْوَاقِدِيّ فِي رِوَايَته قَوْله قل لَهُم أَي لأَصْحَاب أبي سُفْيَان قَوْله هَذَا أَشَارَ بِهِ إِلَى أبي سُفْيَان وَأَرَادَ بقوله عَن الرجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد قَوْله فَإِن كَذبَنِي بِالتَّخْفِيفِ فَكَذبُوهُ بِالتَّشْدِيدِ أَي فَإِن نقل إِلَى الْكَذِب.

     وَقَالَ  لي خلاف الْوَاقِع.
قَوْله فوَاللَّه من كَلَام أبي سُفْيَان كَمَا ذكرنَا قَوْله لكذبت عَنهُ جَوَاب لَوْلَا قَوْله ثمَّ كَانَ أول بِالرَّفْع اسْم كَانَ وَخَبره قَوْله أَن قَالَ وَأَن مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره قَوْله وَجَاء النصب وَوَجهه أَن يكون خَبرا لَكَانَ فَإِن قلت أَيْن اسْم كَانَ على هَذَا التَّقْدِير وَمَا مَوضِع قَوْله أَن قَالَ قلت يجوز أَن يكون اسْم كَانَ ضمير الشَّأْن وَيكون قَوْله أَن قَالَ بَدَلا من قَوْله مَا سَأَلَني عَنهُ أَو يكون التَّقْدِير بِأَن قَالَ أَي بقوله وَيجوز أَن يكون أَن قَالَ اسْم كَانَ وَقَوله أول مَا سَأَلَني خَبره وَالتَّقْدِير ثمَّ كَانَ قَوْله كَيفَ نسبه فِيكُم أول مَا سَأَلَني مِنْهُ.
قَوْله ذُو نسب أَي صَاحب نسب عَظِيم والتنوين للتعظيم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} أَي حَيَاة عَظِيمَة.
قَوْله قطّ قد ذكرنَا أَنه لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْمَاضِي الْمَنْفِيّ.
فَإِن قلت فَأَيْنَ النَّفْي هَهُنَا قلت الِاسْتِفْهَام حكمه حكم النَّفْي قَوْله قبله قبله نصب على الظّرْف وَأما على رِوَايَة مثله بدل قبله يكون بَدَلا عَن قَوْله هَذَا القَوْل.
قَوْله مِنْكُم أَي من قومكم فالمضاف مَحْذُوف قَوْله فأشراف النَّاس اتَّبعُوهُ أم ضُعَفَاؤُهُمْ فِيهِ حذف همزَة الِاسْتِفْهَام وَالتَّقْدِير اتبعهُ أَشْرَاف النَّاس أم اتبعهُ ضُعَفَاؤُهُمْ وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَلَفظه اتبعهُ أَشْرَاف النَّاس وَأم هَهُنَا مُتَّصِلَة معادلة لهمزة الِاسْتِفْهَام قَوْله بل ضُعَفَاؤُهُمْ أَي بل اتبعهُ ضعفاء النَّاس وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله أيزيدون أم ينقصُونَ قَوْله سخطَة نصب على التَّعْلِيل وَيجوز أَن يكون نصبا على الْحَال على تَأْوِيل ساخطا قَوْله وَنحن مِنْهُ أَي من الرجل الْمَذْكُور وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مُدَّة أَرَادَ بهَا مُدَّة الْهُدْنَة وَهِي صلح الْحُدَيْبِيَة نَص عَلَيْهِ النَّوَوِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا يُرِيد غيبته عَن الأَرْض وَانْقِطَاع أخباره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ وَلذَلِك قَالَ وَلم يمكني كلمة أَدخل فِيهَا شَيْئا لِأَن الْإِنْسَان قد يتَغَيَّر وَلَا يدْرِي الْآن هَل هُوَ على مَا فارقناه أَو بدل شَيْئا.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي فِي قَوْله لَا نَدْرِي إِشَارَة إِلَى أَن عدم غدره غير مجزوم بِهِ قلت لَيْسَ كَذَلِك بل لكَون الْأَمر مغيبا عَنهُ وَهُوَ فِي الِاسْتِقْبَال تردد فِيهِ بقوله لَا نَدْرِي.
قَوْله فِيهَا أَي فِي الْمدَّة.
قَوْله قَالَ أَي أَبُو سُفْيَان.
قَوْله كلمة مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل لقَوْله لم يمكني.
قَوْله أَدخل بِضَم الْهمزَة من الإدخال.
قَوْله فِيهَا أَي فِي الْكَلِمَة ذكر الْكَلِمَة وَأَرَادَ بهَا الْكَلَام.
قَوْله شَيْئا مفعول لقَوْله ادخل.
قَوْله غير هَذِه الْكَلِمَة يجوز فِي غير الرّفْع وَالنّصب أما الرّفْع فعلى كَونه صفة لكلمة وَأما النصب فعلى كَونه صفة لقَوْله شَيْئا وَاعْترض كَيفَ يكون غير صفة لَهما وهما نكرَة وَغير مُضَاف إِلَى الْمعرفَة وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا يتعرف بِالْإِضَافَة إِلَّا إِذا اشْتهر الْمُضَاف بمغايرة الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك.
قَوْله وَكَيف كَانَ قتالكم إِيَّاه قَالَ بعض الشَّارِحين فِيهِ انْفِصَال ثَانِي الضميرين وَالِاخْتِيَار أَن لَا يَجِيء الْمُنْفَصِل إِذا تأتى مَجِيء الْمُتَّصِل.

     وَقَالَ  شَارِح آخر قتالكم إِيَّاه أفْصح من قتالكموه باتصال الضَّمِير فَلذَلِك فَصله قلت الصَّوَاب مَعَه نَص عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ قَوْله الْحَرْب مُبْتَدأ وَقَوله سِجَال خَبره لَا يُقَال الْحَرْب مُفْرد والسجال جمع فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر لأَنا نقُول الْحَرْب اسْم جنس.

     وَقَالَ  بَعضهم الْحَرْب اسْم جمع وَلِهَذَا جعل خَبره اسْم جمع.
قلت لَا نسلم أَن السجال اسْم جمع بل هُوَ جمع وَبَين الْجمع وَاسم الْجمع فرق كَمَا علم فِي مَوْضِعه وَيجوز أَن يكون سِجَال بِمَعْنى المساجلة وَلَا يكون جمع سجل فَلَا يرد السُّؤَال أصلا قَوْله قَالَ مَاذَا يَأْمُركُمْ أَي قَالَ هِرقل وَكلمَة مَا اسْتِفْهَام وَذَا إِشَارَة وَيجوز أَن يكون كُله استفهاما على التَّرْكِيب كَقَوْلِك لماذا جِئْت وَيجوز أَن يكون ذَا مَوْصُولَة بِدَلِيل افتقاره إِلَى الصِّلَة كَمَا فِي قَول لبيد أَلا تَسْأَلَانِ الْمَرْء مَاذَا يحاول وَيجوز أَن يكون ذَا زَائِدَة أجَاز ذَلِك جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك فِي نَحْو مَاذَا صنعت.
قَوْله لم يكن ليذر الْكَذِب اللَّام فِيهِ تسمى لَام الْجُحُود لملازمتها للجحد أَي النَّفْي وفائدتها توكيد النَّفْي وَهِي الدَّاخِلَة فِي اللَّفْظ على الْفِعْل مسبوقة بِمَا كَانَ أَو لم يكن ناقصتين مسندتين لما أسْند إِلَيْهِ الْفِعْل المقرون بِاللَّامِ نَحْو { وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب} { لم يكن الله ليغفر لَهُم} .

     وَقَالَ  النّحاس الصَّوَاب تَسْمِيَتهَا لَام النَّفْي لِأَن الْجحْد فِي اللُّغَة إِنْكَار مَا تعرفه لَا مُطلق الْإِنْكَار قَوْله حِين تخالط بشاشته الْقُلُوب قد ذكرنَا التَّوْجِيه فِيهِ قَوْله فَذكرت أَنه أَي بِأَنَّهُ وَمحل أَن جر بِهَذِهِ وَكَذَلِكَ أَن فِي قَوْله { أَن تعبدوا الله} قَوْله ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ حذف تَقْدِيره قَالَ أَبُو سُفْيَان ثمَّ دَعَا هِرقل ومفعول دَعَا أَيْضا مَحْذُوف قدره الْكرْمَانِي بقوله ثمَّ دَعَا هِرقل النَّاس بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدره بَعضهم ثمَّ دَعَا من وكل ذَلِك إِلَيْهِ.
قلت الْأَحْسَن أَن يُقَال ثمَّ دَعَا من يَأْتِي بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى التَّقْدِير لِأَن الْكتاب مدعُو بِهِ وَلَيْسَ بمدعو فَلهَذَا عدى إِلَيْهِ بِالْبَاء وَيجوز أَن تكون الْبَاء زَائِدَة وَالتَّقْدِير ثمَّ دَعَا الْكتاب على سَبِيل الْمجَاز أَو ضمن دَعَا معنى اشْتغل وَنَحْوه قَوْله بعث بِهِ مَعَ دحْيَة أَي أرْسلهُ مَعَه وَيُقَال أَيْضا بَعثه وابتعثه بِمَعْنى أرْسلهُ وَكلمَة مَعَ بِفَتْح الْعين على اللُّغَة الفصحى وَبهَا جَاءَ الْقُرْآن وَيُقَال أَيْضا بإسكانها وَقيل مَعَ لفظ مَعْنَاهُ الصُّحْبَة سَاكن الْعين ومفتوحها غير أَن الْمَفْتُوحَة تكون اسْما وحرفا والساكنة حرف لَا غير قَوْله فَإِذا فِيهِ كلمة إِذا هَذِه للمفاجأة قَوْله من مُحَمَّد يدل على أَن من تَأتي فِي غير الزَّمَان وَالْمَكَان وَنَحْوه قَوْله { من الْمَسْجِد الْحَرَام} { إِنَّه من سُلَيْمَان} قَوْله سَلام مَرْفُوع على الابتدا وَهَذَا من الْمَوَاضِع الَّتِي يكون الْمُبْتَدَأ فِيهَا نكرَة بِوَجْه التَّخْصِيص وَهُوَ مصدر فِي معنى الدُّعَاء وَأَصله سلم الله أَو سلمت سَلاما إِذْ الْمَعْنى فِيهِ ثمَّ حذف الْفِعْل للْعلم بِهِ ثمَّ عدل عَن النصب إِلَى الرّفْع لغَرَض الدَّوَام والثبوت وأصل الْمَعْنى على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَقد كَانَ سَلاما فِي الأَصْل مَخْصُوصًا بِأَنَّهُ صادر من الله تَعَالَى وَمن الْمُتَكَلّم لدلَالَة فعله وفاعله الْمُتَقَدِّمين عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَن يكون بَاقِيا على تَخْصِيصه قَوْله أما بعد كلمة أما فِيهَا معنى الشَّرْط فَلذَلِك لزمتها الْفَاء وتستعمل فِي الْكَلَام على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يستعملها الْمُتَكَلّم لتفصيل مَا أجمله على طَرِيق الِاسْتِئْنَاف كَمَا تَقول جَاءَنِي أخوتك أما زيد فأكرمته وَأما خَالِد فأهنته وَأما بشر فَأَعْرَضت عَنهُ وَالْآخر أَن يستعملها أخذا فِي كَلَام مُسْتَأْنف من غير أَن يتقدمها كَلَام وَأما هَهُنَا من هَذَا الْقَبِيل.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أما للتفصيل فَلَا بُد فِيهِ من التّكْرَار فَأَيْنَ قسيمه ثمَّ قَالَ الْمَذْكُور قبله قسيمه وَتَقْدِيره أما الِابْتِدَاء فباسم الله تَعَالَى وَأما الْمَكْتُوب فَمن مُحَمَّد وَنَحْوه وَأما بعد ذَلِك فَكَذَا انْتهى.
قلت هَذَا كُله تعسف وَذُهُول عَن الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة وَلم يقل أحد أَن أما فِي مثل هَذَا الْموضع تَقْتَضِي التَّقْسِيم وَالتَّحْقِيق مَا قُلْنَا.
وَكلمَة بعد مَبْنِيَّة على الضَّم إِذْ أَصْلهَا أما بعد كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا قطعت عَن الْإِضَافَة بنيت على الضَّم وَتسَمى حِينَئِذٍ غَايَة قَوْله بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أَي أَدْعُوك بالمدعو الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام وَالْبَاء بِمَعْنى إِلَى وجوزت النُّحَاة إِقَامَة حُرُوف الْجَرّ بَعْضهَا مقَام بعض أَي أَدْعُوك إِلَى الْإِسْلَام.
قَوْله أسلم تسلم كِلَاهُمَا مجزومان الأول لِأَنَّهُ أَمر وَالثَّانِي لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر وَالْأول بِكَسْر اللَّام لِأَنَّهُ من أسلم.
وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا لِأَنَّهُ مضارع من سلم قَوْله يؤتك الله مجزوم أَيْضا إِمَّا جَوَاب ثَان لِلْأَمْرِ وَإِمَّا بدل مِنْهُ وَإِمَّا جَوَاب لأمر مَحْذُوف تَقْدِيره أسلم يؤتك الله على مَا صرح بِهِ البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد أسلم يؤتك الله.

     وَقَالَ  بَعضهم يحْتَمل أَن يكون الْأَمر الأول للدخول فِي الْإِسْلَام وَالثَّانِي للدوام عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} الْآيَة قلت الأصوب أَن يكون من بابُُ التَّأْكِيد وَالْآيَة فِي حق الْمُنَافِقين مَعْنَاهَا يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا نفَاقًا آمنُوا إخلاصا كَذَا فِي التَّفْسِير قَوْله وَيَا أهل الْكتاب عطف هَذَا الْكَلَام على مَا قبله بِالْوَاو وَالَّذِي يدل على الْجمع وَالتَّقْدِير أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام وأدعوك بقول الله { يَا أهل الْكتاب} إِلَى آخِره وَأما الرِّوَايَة الَّتِي سَقَطت فِيهَا الْوَاو فوجهها أَن يكون قَوْله { يَا أهل الْكتاب} بَيَانا لقَوْله بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام قَوْله { تَعَالَوْا} بِفَتْح اللَّام وَأَصله تعاليوا تَقول تعال تعاليا تعاليوا قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَ تَعَالَوْا وَالْمرَاد من أهل الْكتاب أهل الْكِتَابَيْنِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقيل وَفد نَجْرَان وَقيل يهود الْمَدِينَة قَوْله { سَوَاء} أَي مستوية بَيْننَا وَبَيْنكُم لَا يخْتَلف فِيهَا الْقُرْآن والتوراة وَالْإِنْجِيل وَتَفْسِير الْكَلِمَة قَوْله { أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبابًُُا من دون الله} يَعْنِي تَعَالَوْا إِلَيْهَا حَتَّى لَا نقُول عُزَيْر ابْن الله وَلَا الْمَسِيح ابْن الله لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بشر مثلنَا وَلَا نطيع أحبارنا فِيمَا أَحْدَثُوا من التَّحْرِيم والتحليل من غير رُجُوع إِلَى مَا شرع الله.
قَوْله { فَإِن توَلّوا} أَي عَن التَّوْحِيد { فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ} أَي لزمتكم الْحجَّة فَوَجَبَ عَلَيْكُم أَن تعترفوا وتسلموا فَإنَّا مُسلمُونَ دونكم.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ يجوز أَن يكون من بابُُ التَّعْرِيض وَمَعْنَاهُ اشْهَدُوا اعْتَرَفُوا بأنكم كافرون حَيْثُ توليتم عَن الْحق بعد ظُهُوره قَوْله فَلَمَّا قَالَ أَي هِرقل قَوْله مَا قَالَ جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول قَالَ وَمَا مَوْصُولَة والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره مَا قَالَه من السُّؤَال وَالْجَوَاب قَوْله أخرجنَا على صِيغَة الْمَجْهُول فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَيجوز أَن يكون الثَّانِي على صِيغَة الْمَعْلُوم بِفَتْح الرَّاء فَافْهَم قَوْله لقد أَمر جَوَاب الْقسم الْمَحْذُوف أَي وَالله لقد أَمر قَوْله إِنَّه يخافه بِكَسْر إِن لِأَنَّهُ كَلَام مُسْتَأْنف وَلَا سِيمَا جَاءَ فِي رِوَايَة بِاللَّامِ فِي خَبَرهَا.

     وَقَالَ  بَعضهم أَنه يخافه بِكَسْر الْهمزَة لَا بِفَتْحِهَا لثُبُوت اللَّام فِي خَبَرهَا قلت يجوز فتحهَا أَيْضا وَإِن كَانَ على ضعف على أَنه مفعول من أَجله وَقد قرىء فِي الشواذ { إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون} بِالْفَتْح فِي أَنهم وَالْمعْنَى على الْفَتْح فِي الحَدِيث عظم أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل أَنه يخافه ملك بني الْأَصْفَر قَوْله وَكَانَ ابْن الناطور الْوَاو فِيهِ عاطفة لما قبلهَا دَاخِلَة فِي سَنَد الزُّهْرِيّ وَالتَّقْدِير عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي عبيد الله إِلَى آخِره ثمَّ قَالَ الزُّهْرِيّ وَكَانَ ابْن الناطور يحدث فَذكر هَذِه الْقِصَّة فَهِيَ مَوْصُولَة إِلَى ابْن الناطور لَا معلقَة كَمَا توهمه بَعضهم وَهَذَا مَوضِع يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّنْبِيه على هَذَا وعَلى أَن قصَّة ابْن الناطور غير مروية بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور عَن أبي سُفْيَان عَنهُ وَإِنَّمَا هِيَ عَن الزُّهْرِيّ وَقد بَين ذَلِك أَبُو نعيم فِي دَلَائِل النُّبُوَّة أَن الزُّهْرِيّ قَالَ لَقيته بِدِمَشْق فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَقَوله ابْن الناطور كَلَام إضافي اسْم كَانَ وَخَبره قَوْله أَسْقُف على اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِيهِ وَقَوله صَاحب إيلياء كَلَام إضافي يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ النصب على الِاخْتِصَاص وَالرَّفْع على أَنه صفة لِابْنِ الناطور أَو خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هُوَ صَاحب إيلياء.

     وَقَالَ  بَعضهم نصب على الْحَال وَفِيه بعد قَوْله وهرقل بِفَتْح اللَّام فِي مَحل الْجَرّ على أَنه مَعْطُوف على إيلياء أَي صَاحب إيلياء وَصَاحب هِرقل قَوْله يحدث جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر ثَان لَكَانَ قَوْله أصبح خبر أَن وَيَوْما نصب على الظّرْف وخبيث النَّفس نصب على أَنه خبر أصبح قَوْله قَالَ ابْن الناطور إِلَى قَوْله فَقَالَ لَهُم جمل مُعْتَرضَة بَين سُؤال بعض البطارقة وَجَوَاب هِرقل إيَّاهُم قَوْله وَكَانَ هِرقل حزاء عطف على مُقَدّر تَقْدِيره قَالَ ابْن الناطور كَانَ هِرقل عَالما وَكَانَ حزاء فَلَمَّا حذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ أظهر هِرقل فِي الْمَعْطُوف وحزاء نصب لِأَنَّهُ خبر كَانَ قَوْله ينظر فِي النُّجُوم خبر بعد خبر فعلى هَذَا محلهَا الرّفْع وَيجوز أَن يكون تَفْسِيرا لقَوْله حزاء فَحِينَئِذٍ يكون محلهَا النصب قَوْله ملك الْخِتَان كَلَام إضافي مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله قد ظهر قَوْله فَمن يختتن فَمن هَهُنَا استفهامية قَوْله فَبَيْنَمَا هم أَصله بَين أشبعت الفتحة فَصَارَ بَينا ثمَّ زيدت عَلَيْهَا مَا.
وَالْمعْنَى وَاحِد وَقَوله هم مُبْتَدأ وعَلى أَمرهم خَبره وَقَوله أَتَى هِرقل جَوَابه وَقد يَأْتِي بإذ وَإِذا والأفصح تَركهمَا وَالتَّقْدِير بَين أَوْقَات أَمرهم إِذْ أَتَى وَأَرَادَ بِالْأَمر مشورتهم الَّتِي كَانُوا فِيهَا قَوْله أرسل بِهِ جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة لرجل وَلم يسم هَذَا الرجل من هُوَ وَلَا سمى من أحضرهُ أَيْضا قَوْله أمختتن الْهمزَة فِيهِ للاستفهام قَوْله هَذَا يملك هَذِه الْأمة قد ظهر قد ذكرنَا أَن فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات يحْتَاج إِلَى توجيهها على الْوَجْه المرضي وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح قَدِيما وحديثا شفى العليل هَهُنَا وَلَا أروى الغليل وَإِنَّمَا رَأَيْت شارحا نقل عَن السُّهيْلي وَعَن شيخ نَفسه أما الَّذِي نقل عَن السُّهيْلي فَهُوَ قَوْله وَوَجهه السُّهيْلي فِي أَمَالِيهِ بِأَنَّهُ مُبْتَدأ وَخبر أَي هَذَا الْمَذْكُور يملك هَذِه الْأمة وَهَذَا تَوْجِيه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا هَذَا يملك هَذِه الْأمة بِالْفِعْلِ الْمُضَارع وَهَذَا فِيهِ خدش لِأَن قَوْله قد ظهر يبْقى سائبا من هَذَا الْكَلَام وَأما الَّذِي نقل عَن شَيْخه فَهُوَ أَنه قد وَجه قَول من قَالَ أَن يملك يجوز أَن يكون نعتا أَي هَذَا رجل يملك هَذِه الْأمة فَقَالَ فِي تَوْجِيهه يجوز أَن يكون الْمَحْذُوف وَهُوَ الْمَوْصُول على رَأْي الْكُوفِيّين أَي هَذَا الَّذِي يملك وَهُوَ نَظِير قَوْله وَهَذَا تحملين طليق وَهَذَا أَيْضا فِيهِ خدش من وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا ذكرنَا وَالْآخر أَن قَوْله وَهُوَ نَظِير قَوْله وَهَذَا تحملين طليق قِيَاس غير صَحِيح لِأَن الْبَيْت لَيْسَ فِيهِ حذف وَإِنَّمَا فِيهِ أَن الْكُوفِيّين قَالُوا أَن لَفْظَة هَذَا هَهُنَا بِمَعْنى الَّذِي تَقْدِيره وَالَّذِي تحملين طليق وَأما البصريون فيمنعون ذَلِك وَيَقُولُونَ هَذَا اسْم إِشَارَة وتحملين حَال من ضمير الْخَبَر وَالتَّقْدِير وَهَذَا طليق مَحْمُولا فَنَقُول بعون الله تَعَالَى أما وَجه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا يملك بِالْفِعْلِ الْمُضَارع فَإِن قَوْله هَذَا مُبْتَدأ وَقَوله يملك جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل الرّفْع خَبره وَقَوله هَذِه الْأمة مفعول يملك وَقَوله قد ظهر جملَة وَقعت حَالا وَقد علم أَن الْمَاضِي الْمُثبت إِذا وَقع حَالا لَا بُد أَن يكون فِيهِ قد ظَاهِرَة أَو مقدرَة وَأما وَجه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا ملك هَذِه الْأمة بِضَم الْمِيم وَسُكُون اللَّام فَإِن قَوْله هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن من الْإِعْرَاب أَحدهمَا أَن يكون مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر تَقْدِيره هَذَا الَّذِي نظرته فِي النُّجُوم وَالْآخر أَن يكون فَاعِلا لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره جَاءَ هَذَا أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله ملك الْخِتَان قد ظهر وبكون قَوْله ملك هَذِه الْأمة مُبْتَدأ وَقَوله قد ظهر خَبره وَتَكون هَذِه الْجُمْلَة كالكاشفة للجملة الأولى فَلذَلِك ترك العاطف بَينهمَا وَأما وَجه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا هَذَا ملك هَذِه الْأمة قد ظهر بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام فَإِن قَوْله هَذَا يكون إِشَارَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون مُبْتَدأ وَقَوله ملك هَذِه الْأمة خَبره وَقَوله قد ظهر حَال منتظرة وَالْعَامِل فِيهَا معنى الْإِشَارَة فِي هَذَا وروى هُنَا أَيْضا هَذَا بِملك هَذِه الْأمة بِالْبَاء الجارة فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة تكون الْبَاء مُتَعَلقَة بقوله قد ظهر وبكون التَّقْدِير هَذَا الَّذِي رَأَيْته فِي النُّجُوم قد ظهر بِملك هَذِه الْأمة الَّتِي تختتن فَافْهَم قَوْله بالرومية صفة لصَاحب وَالْبَاء ظرفية قَوْله إِلَى حمص مَفْتُوح فِي مَوضِع الْجَرّ لِأَنَّهُ غير منصرف للعلمية والتأنيث والعجمة.

     وَقَالَ  بَعضهم يحْتَمل أَن يجوز صرفه.
قلت لَا يحْتَمل أصلا لِأَن هَذَا الْقَائِل إِنَّمَا غره فِيمَا قَالَه سُكُون أَوسط حمص فَإِن مَا لَا ينْصَرف إِذا سكن أوسطه يكون فِي غَايَة الخفة وَذَلِكَ يُقَاوم أحد السببين فَيبقى الِاسْم بِسَبَب وَاحِد فَيجوز صرفه وَلَكِن هَذَا فِيمَا إِذا كَانَ الِاسْم فِيهِ عِلَّتَانِ فبسكون الْأَوْسَط يبْقى بِسَبَب وَاحِد وَأما إِذا كَانَت فِيهِ ثَلَاث علل مثل ماه وجور فَإِنَّهُ لَا ينْصَرف الْبَتَّةَ لِأَن بعد مقاومة سكونه أحد الْأَسْبابُُ يبْقى سببان وحمص كَمَا ذكرنَا فِيهَا ثَلَاث علل فَافْهَم قَوْله أَنه نَبِي بِفَتْح أَن عطف على قَوْله على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَرَادَ بِالْخرُوجِ الظُّهُور قَوْله لَهُ فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهُ صفة لدسكرة أَي كائنة لَهُ وَقَوله بحمص يجوز أَن يكون صفة لدسكرة وَيجوز أَن يكون حَالا من هِرقل قَوْله ثمَّ اطلع أَي خرج من الْحرم وَظهر على النَّاس قَوْله وَأَن يثبت بِفَتْح أَن وَهِي مَصْدَرِيَّة عطف على قَوْله فِي الْفَلاح أَي وَهل لكم فِي ثُبُوت ملككم قَوْله وأيس من الْإِيمَان جملَة وَقعت حَالا بِتَقْدِير قد قَوْله آنِفا قَالَ بَعضهم مَنْصُوب على الْحَال قلت لَا يَصح أَن يكون حَالا بل هُوَ نصب على الظّرْف لِأَن مَعْنَاهُ سَاعَة أَو أول وَقت كَمَا ذكرنَا قَوْله اختبر بهَا حَال وَقد علم أَن الْمُضَارع الْمُثبت إِذا وَقع حَالا لَا يجوز فِيهِ الْوَاو قَوْله آخر شَأْن هِرقل أَي آخر أمره فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْقَضِيَّة لِأَنَّهُ وَقعت لَهُ قصَص أُخْرَى بعد ذَلِك وَآخر بِالنّصب هُوَ الصَّحِيح من الرِّوَايَة لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَقَوله ذَلِك اسْمه وَهُوَ إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من الْأُمُور فَإِن صحت الرِّوَايَة بِالرَّفْع فوجهه أَن يكون اسْم كَانَ وَخَبره ذَلِك مقدما (بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان) قَوْله الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سِجَال هَذَا تَشْبِيه بليغ شبه الْحَرْب بالسجال مَعَ حذف أَدَاة التَّشْبِيه لقصد الْمُبَالغَة كَمَا فِي قَوْلك زيد أَسد إِذا أردْت بِهِ الْمُبَالغَة فِي بَيَان شجاعته فَصَارَ كَأَنَّهُ عين الْأسد وَلِهَذَا حمل الْأسد عَلَيْهِ وَذكر السجال وَأَرَادَ بِهِ النوب يَعْنِي الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه نوب نوبَة لنا ونوبة لَهُ كالمستقيين إِذا كَانَ بَينهمَا دلوان يستقى أَحدهمَا.
دلوا وَالْآخر دلوا هَذَا إِذا أُرِيد من السجال الدلاء لِأَنَّهُ جمع سجل بِالْفَتْح وَهُوَ الدَّلْو الْعَظِيم وَأَن أُرِيد بِهِ الْمصدر كالمساجلة وَهِي الْمُفَاخَرَة وَهِي أَن يصنع أَحدهمَا مَا يصنع الآخر لَا يكون من هَذَا الْبابُُ فَافْهَم.
قَوْله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ أَي بِاللَّه وَهَذِه الْجُمْلَة عطف على قَوْله اعبدوا الله وَحده من عطف الْمَنْفِيّ على الْمُثبت وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة عطف الْخَاص على الْعَام من قبيل { تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح} فَإِن عبَادَة الله أَعم من عدم الْإِشْرَاك بِهِ وَفِي رِوَايَة لَا تُشْرِكُوا بِهِ بِدُونِ الْوَاو فَتكون الْجُمْلَة الثَّانِيَة فِي حكم التَّأْكِيد لِأَن بَين الجملتين كَمَال الِاتِّصَال فَتكون الثَّانِيَة مُؤَكدَة للأولى ومنزلة مِنْهَا منزلَة التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ من متبوعه فِي إِفَادَة التَّقْرِير مَعَ الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ قَوْله واتركوا مَا تَقول آباؤكم حذف الْمَفْعُول مِنْهُ ليدل على الْعُمُوم أَعنِي عُمُوم قَوْله مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِي ذكر الْآبَاء تَنْبِيه على أَنهم هم الْقدْوَة فِي مخالفتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم عَبدة الْأَوْثَان وَالنَّصَارَى وَالْيَهُود قَوْله حِين يخالط بشاشته الْقُلُوب مُخَالطَة بشاشة الْإِيمَان الْقُلُوب كِنَايَة عَن انْشِرَاح الصَّدْر والفرح بِهِ وَالسُّرُور قَوْله فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ أَن تعبدوا الله فِيهِ من فن المشاكلة والمطابقة وَذَلِكَ لِأَن فِي كَلَام هِرقل سَأَلتك بِمَا يَأْمُركُمْ فَكَذَلِك فِي حكايته عَن كَلَام أبي سُفْيَان قَالَ فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ بطرِيق المشاكلة وَأَبُو سُفْيَان فِي جَوَابه إِيَّاه فِيمَا مضى لم يقل إِلَّا قلت يَقُول اعبدوا الله فَعدل هَهُنَا عَنهُ إِلَى قَوْله فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي فِي جَوَاب هَذَا أَن هِرقل إِنَّمَا غير عِبَارَته تَعْظِيمًا للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتأدبا لَهُ قَوْله أسلم تسلم فِيهِ جناس اشتقاقي وَهُوَ أَن يرجع اللفظان فِي الِاشْتِقَاق إِلَى أصل وَاحِد قَوْله فَإِن توليت أَي أَعرَضت وَحَقِيقَة التولي إِنَّمَا هُوَ بِالْوَجْهِ ثمَّ اسْتعْمل مجَازًا فِي الْإِعْرَاض عَن الشَّيْء قلت هَذَا اسْتِعَارَة تَبَعِيَّة وَقد علم أَن الِاسْتِعَارَة على قسمَيْنِ أَصْلِيَّة وتبعية وَذَلِكَ بِاعْتِبَار اللَّفْظ لِأَنَّهُ إِن كَانَ اسْم جنس سَوَاء كَانَ عينا أَو معنى فالاستعارة أَصْلِيَّة كأسد وفيل وَإِن كَانَ غير اسْم جنس فالاستعارة تَبَعِيَّة وَجه كَونهَا تَبَعِيَّة أَن الِاسْتِعَارَة تعتمد التَّشْبِيه والتشبيه يعْتَمد كَون الْمُشبه مَوْصُوفا والأمور الثَّلَاثَة عَن الموصوفية بمعزل فَتَقَع الِاسْتِعَارَة أَولا فِي المصادر ومتعلقات مَعَاني الْحُرُوف ثمَّ تسري فِي الْأَفْعَال وَالصِّفَات والحروف قَوْله وَكَانَ ابْن الناطور صَاحب إيلياء وهرقل قَالَ الْكرْمَانِي وَلَفظ الصاحب هُنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هِرقل حَقِيقَة وبالنسبة إِلَى إيلياء مجَاز إِذْ المُرَاد مِنْهُ الْحَاكِم فِيهِ وَإِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَالْمعْنَى الْمجَازِي من لفظ وَاحِد بِاسْتِعْمَال وَاحِد جَائِز عِنْد الشَّافِعِي وَأما عِنْد غَيره فَهُوَ مجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنيين بِاعْتِبَار معنى شَامِل لَهما وَمثله يُسمى بِعُمُوم الْمجَاز قلت لَا نسلم اجْتِمَاع الْحَقِيقَة وَالْمجَاز هَهُنَا لِأَن فِيهِ حذفا تَقْدِيره وَكَانَ ابْن الناطور صَاحب إيلياء وَصَاحب هِرقل فَفِي الأول مجَاز وَفِي الثَّانِي حَقِيقَة فَلَا جمع هَهُنَا وارتكاب الْحَذف أولى من ارْتِكَاب الْمجَاز فضلا عَن الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز الَّذِي هُوَ كالمستحيل على مَا عرف فِي مَوْضِعه قَوْله من هَذِه الْأمة أَي من أهل هَذَا الْعَصْر وَإِطْلَاق الْأمة على أهل الْعَصْر كلهم فِيهِ تجوز وَالْأمة فِي اللُّغَة الْجَمَاعَة قَالَ الْأَخْفَش هُوَ فِي اللَّفْظ وَاحِد وَفِي الْمَعْنى جمع وكل جنس من الْحَيَوَان أمة وَفِي الحَدِيث لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها وَالْمرَاد من قَوْله ملك هَذِه الْأمة قد ظهر الْعَرَب خَاصَّة قَوْله فحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش أَي كحيصة حمر الْوَحْش شبه نفرتهم وجهلهم مِمَّا قَالَ لَهُم هِرقل وَأَشَارَ إِلَيْهِم من اتِّبَاع الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنفرة حمر الْوَحْش لِأَنَّهَا أَشد نفرة من سَائِر الْحَيَوَانَات وَيضْرب الْمثل بِشدَّة نفرتها..
     وَقَالَ  بَعضهم شبههم بالحمر دون غَيرهَا من الوحوش لمناسبة الْجَهْل فِي عدم الفطنة بل هم أضلّ.
قلت هَذَا كَلَام من لَا وقُوف لَهُ فِي علمي الْمعَانِي وَالْبَيَان وَلَا يخفى وَجه التَّشْبِيه هَهُنَا على من لَهُ أدنى ذوق فِي الْعُلُوم (الأسئلة والأجوبة) الأول مَا قيل أَن قصَّة أبي سُفْيَان مَعَ هِرقل إِنَّمَا كَانَت فِي أَوَاخِر عهد الْبعْثَة فَمَا مُنَاسبَة ذكرهَا لما ترْجم عَلَيْهِ الْبابُُ وَهُوَ كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي وَأجِيب بِأَن كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي تعلم من جَمِيع مَا فِي الْبابُُ وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى الثَّانِي مَا قيل أَن هِرقل لم خص الْأَقْرَب بقوله أَيهمْ أقرب نسبا وَأجِيب بِأَنَّهُ أَحْرَى بالاطلاع على أُمُوره ظَاهرا وَبَاطنا وَلِأَن الْأَبْعَد لَا يُؤمن أَن يقْدَح فِي نسبه بِخِلَاف الْأَقْرَب الثَّالِث مَا قيل لم عدل عَن السُّؤَال عَن نفس الْكَذِب إِلَى السُّؤَال عَن التُّهْمَة وَأجِيب بِأَنَّهُ لتقريرهم على صدقه لِأَن التُّهْمَة إِذا انْتَفَت انْتَفَى سَببهَا الرَّابِع مَا قيل أَن أَبَا سُفْيَان لما قَالَ لَهُ هِرقل فَهَل يغدر قَالَ قلت لَا فَمَا معنى كَلَامه بعده وَنحن مِنْهُ فِي مُدَّة إِلَى آخِره أُجِيب بِأَنَّهُ لما قطع بِعَدَمِ غدره لعلمه من أخلاقه الْوَفَاء والصدق أحَال الْأَمر على الزَّمن الْمُسْتَقْبل لكَونه مغيبا وَأوردهُ على التَّرَدُّد وَمَعَ هَذَا كَانَ يعلم أَن صدقه ووفاءه ثَابت مُسْتَمر وَلِهَذَا لم يقْدَح هِرقل على هَذَا الْقدر مِنْهُ الْخَامِس مَا قيل مَا وَجه قَول أبي سُفْيَان الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سِجَال أُجِيب بِأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا وَقع بَينهم فِي غَزْوَة بدر وغزوة أحد وَقد صرح بذلك أَبُو سُفْيَان يَوْم أحد فِي قَوْله يَوْم بِيَوْم بدر وَالْحَرب سِجَال السَّادِس مَا قيل كَيفَ خصص أَبُو سُفْيَان الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة بِالذكر وَهِي الصَّلَاة والصدق والعفاف والصلة وَأجِيب للْإِشَارَة إِلَى تَمام مَكَارِم الْأَخْلَاق وَكَمَال أَنْوَاع فضائله لِأَن الْفَضِيلَة إِمَّا قولية وَهِي الصدْق وَإِمَّا فعلية وَهِي إِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله تَعَالَى وَهِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ تَعْظِيم الله تَعَالَى وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفسه وَهِي الْعِفَّة وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره وَهِي الصِّلَة وَلما كَانَ مبْنى هَذِه الْأُمُور الصدْق وصحتها مَوْقُوفَة على التَّوْحِيد وَترك الْإِشْرَاك بِاللَّه تَعَالَى أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَولا يَقُول اعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَشَارَ بِهَذَا الْقسم إِلَى التخلي عَن الرذائل وبالقسم الأول إِلَى التحلي بالفضائل ويؤول حَاصِل الْكَلَام إِلَى أَنه ينهانا عَن النقائص ويأمرنا بالكمالات فَافْهَم السَّابِع مَا قيل لَا تُشْرِكُوا كَيفَ يكون مَأْمُورا بِهِ والعدم لَا يُؤمر بِهِ إِذْ لَا تَكْلِيف إِلَّا بِفعل لَا سِيمَا فِي الْأَوَامِر وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِهِ التَّوْحِيد الثَّامِن مَا قيل لَا تُشْرِكُوا نهى فَمَا معنى ذَلِك إِذْ لَا يُقَال لَهُ أَمر وَأجِيب بِأَن الْإِشْرَاك مَنْهِيّ عَنهُ وَعدم الْإِشْرَاك مَأْمُور بِهِ مَعَ أَن كل نهي عَن شَيْء أَمر بضده وكل أَمر بِشَيْء نهي عَن ضِدّه.
قلت هَذَا الْموضع فِيهِ تَفْصِيل لَا نزاع فِي أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ترك ذَلِك الشَّيْء بالتضمن نهي تَحْرِيم إِن كَانَ الْأَمر للْوُجُوب وَنهي كَرَاهَة إِن كَانَ للنَّدْب فَإِذا قَالَ صم يلْزمه أَن لَا يتْرك الصَّوْم وَإِنَّمَا النزاع فِي أَن الْأَمر هَل هُوَ نهي عَن ضِدّه الوجودي مثلا قَوْلك اسكن عين قَوْلك لَا تتحرك بِمَعْنى أَن الْمَعْنى الَّذِي عبر عَنهُ بأسكن عين مَا عبر عَنهُ بِلَا تتحرك فَتكون عبارتان لإِفَادَة معنى وَاحِد أم لَا فِيهِ النزاع لَا فِي أَن صِيغَة أسكن عين صِيغَة لَا تتحرك فَإِنَّهُ ظَاهر الْفساد لم يذهب إِلَيْهِ أحد.
فَذهب بعض الشَّافِعِيَّة وَالْقَاضِي أَبُو بكر أَولا أَن الْأَمر بالشَّيْء عين النَّهْي عَن ضِدّه بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور..
     وَقَالَ  القَاضِي آخرا وَكثير من الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْمُعْتَزلَة أَن الْأَمر بالشَّيْء يسْتَلْزم النَّهْي عَن ضِدّه لَا أَنه عينه إِذْ اللَّازِم غير الْمَلْزُوم.
وَذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَبَاقِي الْمُعْتَزلَة إِلَى أَنه لَا حكم لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي ضِدّه أصلا بل هُوَ مسكوت عَنهُ.
وَمِنْهُم من اقْتصر فَقَالَ الْأَمر بالشَّيْء عين النَّهْي عَن ضِدّه أَو يستلزمه وَلم يتَجَاوَز وَمِنْهُم من تجَاوز إِلَى الْجَانِب الآخر.

     وَقَالَ  النَّهْي عَن الشَّيْء عين الْأَمر بضده أَو يستلزمه..
     وَقَالَ  أَبُو بكر الْجَصَّاص وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء الْحَنَفِيَّة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَأهل الحَدِيث أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه إِذا كَانَ لَهُ ضد وَاحِد كالأمر بِالْإِيمَان نهي عَن الْكفْر وَإِن كَانَ لَهُ أضداد كالأمر بِالْقيامِ لَهُ أضداد من الْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود والاضطجاع يكون الْأَمر بِهِ نهيا عَن جَمِيع أضداده كلهَا.

     وَقَالَ  بَعضهم يكون نهيا عَن وَاحِد مِنْهَا من غير عين وَفصل بَعضهم بَين الْأَمر بِالْإِيجَابِ وَالْأَمر بالندب فَقَالَ أَمر الْإِيجَاب يكون نهيا عَن ضد الْمَأْمُور بِهِ وَعَن أضداده لكَونهَا مَانِعَة من قبل الْمُوجب وَأمر النّدب لَا يكون كَذَلِك فَكَانَت أضداد الْمَنْدُوب غير مَنْهِيّ عَنْهَا لَا نهي تَحْرِيم وَلَا نهي تَنْزِيه وَمن لم يفصل جعل أَمر النّدب نهيا عَن ضِدّه نهي ندب حَتَّى يكون الِامْتِنَاع عَن ضد الْمَنْدُوب مَنْدُوبًا كَمَا يكون فعله مَنْدُوبًا وَأما النَّهْي عَن الشَّيْء فَأمر بضده إِن كَانَ لَهُ ضد وَاحِد باتفاقهم كالنهي عَن الْكفْر أَمر بِالْإِيمَان وَإِن كَانَ لَهُ أضداد فَعِنْدَ بعض الْحَنَفِيَّة وَبَعض أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بالأضداد كلهَا كَمَا فِي جَانب الْأَمر وَعند عَامَّة الْحَنَفِيَّة وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بِوَاحِد من الأضداد غير عين.
وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه يُوجب حُرْمَة ضِدّه.

     وَقَالَ  بَعضهم يدل على حُرْمَة ضِدّه.

     وَقَالَ  بعض الْفُقَهَاء يدل على كَرَاهَة ضِدّه.

     وَقَالَ  بَعضهم يُوجب كَرَاهَة ضِدّه.
ومختار القَاضِي أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام وَمن تَابعهمْ أَنه يَقْتَضِي كَرَاهَة ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء يُوجب أَن يكون ضِدّه فِي معنى سنة مُؤَكدَة التَّاسِع مَا قيل وينهاكم عَن عبَادَة الْأَوْثَان لم يذكرهُ أَبُو سُفْيَان فَلم ذكره هِرقل وَأجِيب بِأَنَّهُ قد لزم ذَلِك من قَول أبي سُفْيَان وَحده وَمن وَلَا تُشْرِكُوا وَمن واتركوا مَا يَقُول آباؤكم ومقولهم كَانَ عبَادَة الْأَوْثَان الْعَاشِر مَا قيل مَا ذكر هِرقل لَفْظَة الصِّلَة الَّتِي ذكرهَا أَبُو سُفْيَان فَلم تَركهَا وَأجِيب بِأَنَّهَا دَاخِلَة فِي العفاف إِذْ الْكَفّ عَن الْحَرَام وخوارم الْمُرُوءَة يسْتَلْزم الصِّلَة وَفِيه نظر إِلَّا أَن يُرَاد أَن الاستلزام عَقْلِي فَافْهَم الْحَادِي عشر مَا قيل لم مَا رَاعى هِرقل التَّرْتِيب وَقدم فِي الْإِعَادَة سُؤال التُّهْمَة على سُؤال الِاتِّبَاع وَالزِّيَادَة والارتداد وَأجِيب بِأَن الْوَاو لَيست للتَّرْتِيب أَو أَن شدَّة اهتمام هِرقل بِنَفْي الْكَذِب على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنهُ بَعثه على التَّقْدِيم الثَّانِي عشر مَا قيل السُّؤَال من أحد عشر وَجها والمعاد فِي كَلَام هِرقل تِسْعَة حَيْثُ لم يقل وَسَأَلْتُك عَن الْقِتَال وَسَأَلْتُك كَيفَ كَانَ قتالكم فَلم ترك هذَيْن الْإِثْنَيْنِ وَأجِيب لِأَن مَقْصُوده بَيَان عَلَامَات النُّبُوَّة وَأمر الْقِتَال لَا دخل لَهُ فِيهَا إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى الْعَاقِبَة وَذَلِكَ عِنْد وُقُوع هَذِه الْقِصَّة كَانَت فِي الْغَيْب وَغير مَعْلُوم لَهُم أَو لِأَن الرَّاوِي اكْتفى بِمَا سَيذكرُهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى يوردها فِي كتاب الْجِهَاد فِي بابُُ دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْإِسْلَام بعد تكَرر هَذِه الْقِصَّة مَعَ الزِّيَادَات وَهُوَ أَنه قَالَ وَسَأَلْتُك هَل قاتلتموه وقاتلكم وَزَعَمت أَن قد فعل وَأَن حربكم وحربه يكون دولا وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبتلى وَتَكون لَهَا الْعَاقِبَة الثَّالِث عشر مَا قيل كَيفَ قَالَ هِرقل وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبْعَث فِي نسب قَومهَا وَمن أَيْن علم ذَلِك وَأجِيب باطلاعه فِي الْعُلُوم المقررة عِنْدهم من الْكتب السالفة الرَّابِع عشر مَا قيل كَيفَ قَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَقلت وَفِي غَيرهمَا لم يذكرهُ وَأجِيب بِأَن هذَيْن المقامين مقَام تكبر وبطر بِخِلَاف غَيرهمَا الْخَامِس عشر مَا قيل كَيفَ قَالَ وَكنت أعلم أَنه خَارج ومأخذه من أَيْن وَأجِيب بِأَن مأخذه أما من الْقَرَائِن الْعَقْلِيَّة وَأما من الْأَحْوَال العادية وَأما من الْكتب الْقَدِيمَة كَمَا ذكرنَا السَّادِس عشر مَا قيل هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي سَأَلَهَا هِرقل لَيست بقاطعة على النُّبُوَّة وَإِنَّمَا الْقَاطِع المعجزة الخارقة للْعَادَة فَكيف قَالَ وَكنت أعلم أَنه خَارج بالتأكيدات والجزم وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَ عِنْده علم بِكَوْنِهَا عَلَامَات هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه قطع ابْن بطال..
     وَقَالَ  أَخْبَار هِرقل وسؤاله عَن كل فصل فصل إِنَّمَا كَانَ عَن الْكتب الْقَدِيمَة وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك كُله نعتا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل السَّابِع عشر مَا قيل هَل يحكم بِإِسْلَام هِرقل بقوله فَلَو أَنِّي أعلم أَنِّي أخْلص لَهُ لتجشمت لقاءه وَلَو كنت عِنْده لغسلت رجلَيْهِ وَأجِيب بِأَنا لَا نحكم بِهِ لِأَنَّهُ ظهر مِنْهُ مَا يُنَافِيهِ حَيْثُ قَالَ إِنِّي قلت مَقَالَتي آنِفا أختبر بهَا شدتكم على دينكُمْ فَعلمنَا أَنه مَا صدر مِنْهُ مَا صدر عَن التَّصْدِيق القلبي والاعتقاد الصَّحِيح بل لامتحان الرّعية بِخِلَاف إِيمَان ورقة فَإِنَّهُ لم يظْهر مِنْهُ مَا يُنَافِيهِ وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون قَوْله ذَلِك خوفًا على نَفسه لما رَآهُمْ حاصوا حَيْصَة الْحمر الوحشية وَأَرَادَ بذلك إسكاتهم وتطمينهم وَمن أَيْن وقفنا على مَا فِي قلبه هَل صدر هَذَا القَوْل عَن تَصْدِيق قلبِي أم لَا وَلَكِن قَالَ النَّوَوِيّ لَا عذر فِيمَا قَالَ لَو أعلم لتجشمت لِأَنَّهُ قد عرف صدق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا شح بِالْملكِ وَرغب فِي الرياسة فآثرهما على الْإِسْلَام وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَلَو أَرَادَ الله هدايته لوفقه كَمَا وفْق النَّجَاشِيّ وَمَا زَالَت عَنهُ الرياسة.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ إِذا تَأَمَّلت مَعَاني هَذَا الْكَلَام الَّذِي وَقع فِي مَسْأَلته عَن أَحْوَال الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا استخرجه من أَوْصَافه تبينت حسن مَا استوصف من أمره وجوامع شَأْنه وَللَّه دره من رجل مَا كَانَ أعقله لَو ساعد معقوله مقدوره.

     وَقَالَ  أَبُو عمر آمن قَيْصر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبت بطارقته قلت قَوْله لَو أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ يدل على أَنه لم يكن يتَحَقَّق السَّلامَة من الْقَتْل لَو هَاجر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقاس ذَلِك على قصَّة ضفاطر الَّذِي أظهر لَهُم إِسْلَامه فَقَتَلُوهُ وَلَكِن لَو نظر هِرقل فِي الْكتاب إِلَيْهِ إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسلم تسلم وَحمل الْجَزَاء على عُمُومه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَو أسلم لسلم من كل مَا كَانَ يخافه وَلَكِن الْقدر مَا ساعده وَمِمَّا يُقَال أَن هِرقل آثر ملكه على الْإِيمَان وَتَمَادَى على الضلال أَنه حَارب الْمُسلمين فِي غَزْوَة مُؤْتَة سنة ثَمَان بعد هَذِه الْقِصَّة بِدُونِ السنتين فَفِي مغازي ابْن إِسْحَق وَبلغ الْمُسلمين لما نزلُوا معَان من أَرض الشَّام أَن هِرقل نزل فِي مائَة ألف من الْمُشْركين فَحكى كَيْفيَّة الْوَاقِعَة وَكَذَا روى ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَيْهِ أَيْضا من تَبُوك يَدعُوهُ وَأَنه قَارب الْإِجَابَة وَلم يجب فَدلَّ ظَاهر هَذَا على استمراره على الْكفْر لَكِن يحْتَمل مَعَ ذَلِك أَنه كَانَ يضمر الْإِيمَان وَيفْعل هَذِه الْمعاصِي مُرَاعَاة لملكه وخوفا من أَن يقْتله قومه لَكِن فِي مُسْند أَحْمد رَحمَه الله أَنه كتب من تَبُوك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي مُسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كذب بل هُوَ على نصرانيته فعلى هَذَا إِطْلَاق أبي عمر أَنه آمن أَي أظهر التَّصْدِيق لكنه لم يسْتَمر عَلَيْهِ وآثر الفانية على الْبَاقِيَة.

     وَقَالَ  ابْن بطال قَول هِرقل لَو أعلم أَنِّي أخْلص إِلَيْهِ لتجشمت لقاءه أَي دون خلع ملكه وَدون اعْتِرَاض عَلَيْهِ وَكَانَت الْهِجْرَة فرضا على كل مُسلم قبل فتح مَكَّة فَإِن قيل النَّجَاشِيّ لم يُهَاجر وَهُوَ مُؤمن قلت النَّجَاشِيّ كَانَ ردأ لِلْإِسْلَامِ هُنَاكَ وملجأ لمن أوذي من الصَّحَابَة وَحكم الردء حكم الْمقَاتل وَكَذَا رده اللُّصُوص والمحاربين عِنْد مَالك والكوفيين يقتل بِقَتْلِهِم وَيجب عَلَيْهِ مَا يجب عَلَيْهِم وَإِن لم يحضروا الْقَتْل خلافًا للشَّافِعِيّ وَمثله تخلف عُثْمَان وَطَلْحَة وَسَعِيد بن زيد عَن بدر وَضرب لَهُم الشَّارِع بسهمهم وأجرهم.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَلم يَصح عندنَا أَن هِرقل جهر بِالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا عندنَا أَنه آثر ملكه على الْجَهْر بِكَلِمَة الْحق ولسنا نقنع بِالْإِسْلَامِ دون الْجَهْر بِهِ وَلم يكن هِرقل مكْرها حَتَّى يعْذر وَأمره إِلَى الله تَعَالَى.
وَقد حكى القَاضِي عِيَاض فِيمَن اطْمَأَن قلبه بِالْإِيمَان وَلم يتَلَفَّظ وَتمكن من الْإِتْيَان بكلمتي الشَّهَادَة فَلم يَأْتِ بهَا هَل يحكم بِإِسْلَامِهِ أم لَا اخْتِلَافا بَين الْعلمَاء مَعَ أَن الْمَشْهُور لَا يحكم بِهِ وَقيل أَن قَوْله هَل لكم فِي الْفَلاح والرشد فتبايعوا هَذَا الرجل يظْهر أَنه أعلن وَالله أعلم بِحَقِيقَة أمره الثَّامِن عشر مَا قيل أَن قَوْله يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى { وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} وَأجِيب بِأَن هَذَا كَانَ عدلا وَكَانَ ذَاك فضلا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} وَنَحْو ذَلِك وَأما أَنه يُؤْتى الْأجر مرَّتَيْنِ مرّة لإيمانه بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمرَّة لإيمانه بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ مُوَافق لقَوْله تَعَالَى { أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ} الْآيَة التَّاسِع عشر مَا قيل فِي قَوْله فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين كَيفَ يكون إِثْم غَيره عَلَيْهِ وَقد قَالَ الله تَعَالَى { وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَأجِيب بِأَن المُرَاد أَن إِثْم الإضلال عَلَيْهِ والإضلال أَيْضا وزره كالضلال على أَنه معَارض بقوله { وليحملن أثقالهم وأثقالا مَعَ أثقالهم} الْعشْرُونَ مَا قيل كَيفَ علم هِرقل أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نظر فِي النُّجُوم وَأجِيب بِأَنَّهُ علم ذَلِك بِمُقْتَضى حِسَاب المنجمين لأَنهم زَعَمُوا أَن المولد النَّبَوِيّ كَانَ بقران العلويين برج الْعَقْرَب وهما يقرنان فِي كل عشْرين سنة مرّة إِلَى أَن يَسْتَوْفِي الثَّلَاثَة بروجها فِي سِتِّينَ سنة وَكَانَ ابْتِدَاء الْعشْرين الأولى المولد النَّبَوِيّ فِي الْقرَان الْمَذْكُور وَعند تَمام الْعشْرين الثَّانِيَة مَجِيء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْوَحْي وَعند تَمام الثَّالِثَة فتح خَيْبَر وَعمرَة الْقَضَاء الَّتِي جرت فتح مَكَّة وَظُهُور الْإِسْلَام وَفِي تِلْكَ الْأَيَّام رأى هِرقل مَا رأى وَقَالُوا أَيْضا أَن برج الْعَقْرَب مائي وَهُوَ دَلِيل ملك الْقَوْم الَّذين يختتنون فَكَانَ ذَلِك دَلِيلا على انْتِقَال الْملك إِلَى الْعَرَب وَأما الْيَهُود فليسوا مرَادا هَهُنَا لِأَن هَذَا لمن سينتقل إِلَيْهِ الْملك لَا لمن انْقَضى ملكه الْحَادِي وَالْعشْرُونَ مَا قيل كَيفَ سوغ البُخَارِيّ إِيرَاد هَذَا الْخَبَر الْمشعر بتقوية خبر المنجم والاعتماد على مَا يدل عَلَيْهِ أحكامهم وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يقْصد ذَلِك بل قصد أَن يبين أَن البشارات بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَت من كل طَرِيق وعَلى لِسَان كل فريق من كَاهِن أَو منجم محق أَو مُبْطل إنسي أَو جني الثَّانِي وَالْعشْرُونَ مَا قيل أَن قَوْله حَتَّى أَتَاهُ كتاب من صَاحبه يُوَافق رَأْي هِرقل على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه نَبِي يدل على أَن كلا من هِرقل وَصَاحبه قد أسلم فَكيف حكمت بِإِسْلَام صَاحبه وَلم تحكم بِإِسْلَام هِرقل وَأجِيب بِأَن ذَلِك اسْتمرّ على إِسْلَامه وَقتل وهرقل لم يسْتَمر وآثر ملكه على الْإِسْلَام وَقد روى ابْن إِسْحَاق أَن هِرقل أرسل دحْيَة إِلَى ضفاطر الرُّومِي.

     وَقَالَ  أَنه فِي الرّوم أجوز قولا مني وَأَن ضفاطر الْمَذْكُور أظهر إِسْلَامه وَألقى ثِيَابه الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ وَلبس ثيابًا بيضًا وَخرج إِلَى الرّوم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام وَشهد شَهَادَة الْحق فَقَامُوا إِلَيْهِ فضربوه حَتَّى قَتَلُوهُ قَالَ فَلَمَّا خرج دحْيَة إِلَى هِرقل قَالَ لَهُ قد قلت لَك أَنا نخافهم على أَنْفُسنَا فضفاطر كَانَ أعظم عِنْدهم مني.

     وَقَالَ  بَعضهم فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ صَاحب رُومِية الَّذِي أبهم هُنَا ثمَّ قَالَ لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ مَا قيل أَن دحْيَة لم يقدم على هِرقل بِهَذَا الْكتاب الْمَكْتُوب فِي سنة الْحُدَيْبِيَة وَإِنَّمَا قدم عَلَيْهِ بِالْكتاب الْمَكْتُوب فِي غَزْوَة تَبُوك فعلى هَذَا يحْتَمل أَن يكون وَقعت لضفاطر قضيتان إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكرهَا ابْن الناطور وَلَيْسَ فِيهَا أَنه أسلم وَلَا أَنه قتل وَالثَّانيَِة الَّتِي ذكرهَا ابْن إِسْحَاق فَإِن فِيهَا قصَّته مَعَ دحْيَة بِالْكتاب إِلَى قَيْصر وَأَنه أسلم فَقتل وَالله أعلم.
قلت غَزْوَة تَبُوك كَانَت فِي سنة تسع من الْهِجْرَة وَذكر ابْن جرير الطَّبَرِيّ بعث دحْيَة بِالْكتاب إِلَى قَيْصر فِي سنة ثَمَان.
وَذكر السُّهيْلي رَحمَه الله أَن هِرقل وضع كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه إِلَيْهِ فِي قَصَبَة من ذهب تَعْظِيمًا وَأَنَّهُمْ لم يزَالُوا يتوارثونه كَابِرًا عَن كَابر فِي أعز مَكَان حَتَّى كَانَ عِنْد اذفرنش الَّذِي تغلب على طيطلة وَمَا أَخذهَا من بِلَاد الأندلس ثمَّ كَانَ عِنْد ابْنه الْمَعْرُوف بشليطن وَحكى أَن الْملك الْمَنْصُور قلاون الألفي الصَّالِحِي أرسل سيف الدّين طلح المنصوري إِلَى ملك الغرب بهدية فَأرْسلهُ ملك الغرب إِلَى ملك الإفرنج فِي شَفَاعَة فقبلها وَعرض عَلَيْهِ الْإِقَامَة عِنْده فَامْتنعَ فَقَالَ لَهُ لأتحفنك بتحفة سنية فَأخْرج لَهُ صندوقا مصفحا من ذهب فَأخْرج مِنْهُ مقلمة من ذهب فَأخْرج مِنْهَا كتابا قد زَالَت أَكثر حُرُوفه فَقَالَ هَذَا كتاب نَبِيكُم إِلَى جدي قَيْصر فَمَا زلنا نتوارثه إِلَى الْآن وأوصانا آبَاؤُنَا أَنه مادام هَذَا الْكتاب عندنَا لَا يزَال الْملك فِينَا فَنحْن نَحْفَظهُ غَايَة الْحِفْظ ونعظمه ونكتمه عَن النَّصَارَى ليدوم لنا الْملك ثمَّ اخْتلف الإخباريون هَل هِرقل هُوَ الَّذِي حاربه الْمُسلمُونَ فِي زمن أبي بكر وَعمر أَو ابْنه فَقَالَ بَعضهم هُوَ إِيَّاه.

     وَقَالَ  بَعضهم هُوَ ابْنه وَالَّذِي أثْبته فِي تاريخي عَن أهل التواريخ وَالْأَخْبَار أَن هِرقل الَّذِي كتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد هلك وَملك بعده ابْنه قَيْصر واسْمه مُورق وَكَانَ فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ ملك بعده ابْنه هِرقل بن قَيْصر وَكَانَ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَعَلِيهِ كَانَ الْفَتْح وَهُوَ الْمخْرج من الشَّام أَيَّام أبي عُبَيْدَة وخَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنْهُمَا فاستقر بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وعدة مُلُوكهمْ أَرْبَعُونَ ملكا وسنوهم خَمْسمِائَة وَسبع سِنِين وَالله أعلم (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول يُسْتَفَاد من قَوْله إِلَى عَظِيم الرّوم ملاطفة الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وتعظيمه فَإِن قلت لم لم يقل إِلَى ملك الرّوم.
قلت لِأَنَّهُ مَعْزُول عَن الحكم بِحكم دين الْإِسْلَام وَلَا سلطنة لأحد إِلَّا من قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَإِن قلت إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلم لم يقل إِلَى هِرقل فَقَط.
قلت ليَكُون فِيهِ نوع من الملاطفة فَقَالَ عَظِيم الرّوم أَي الَّذِي تعظمه الرّوم وَقد أَمر الله تَعَالَى بتليين القَوْل لمن يدعى إِلَى الْإِسْلَام.

     وَقَالَ  تَعَالَى { ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة} الثَّانِي فِيهِ تصدير الْكتاب بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَإِن كَانَ الْمَبْعُوث إِلَيْهِ كَافِرًا.
فَإِن قلت كَيفَ صدر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كِتَابه باسمه حَيْثُ قَالَ { إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} قلت خَافَ من بلقيس أَن تسب فَقدم اسْمه حَتَّى إِذا سبت يَقع على اسْمه دون اسْم الله تَعَالَى..
     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين وَفِيه أَن السّنة فِي المكاتبات أَن يبْدَأ بِنَفسِهِ فَيَقُول من فلَان إِلَى فلَان وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين وَكَذَا فِي العنوان أَيْضا يكْتب كَذَلِك وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث وَبِمَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وَكَانَ عَامل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبَحْرين وَكَانَ إِذا كتب إِلَيْهِ بَدَأَ بِنَفسِهِ وَفِي لفظ بَدَأَ باسمه.

     وَقَالَ  حَمَّاد بن زيد كَانَ النَّاس يَكْتُبُونَ من فلَان بن فلَان إِلَى فلَان بن فلَان أما بعد قَالَ بَعضهم وَهُوَ إِجْمَاع الصَّحَابَة..
     وَقَالَ  أَبُو جَعْفَر النّحاس وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.

     وَقَالَ  غَيره وَكره جمَاعَة من السّلف خِلَافه وَهُوَ أَن يكْتب أَولا باسم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَرخّص فِيهِ بَعضهم.

     وَقَالَ  يبْدَأ باسم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ رُوِيَ أَن زيد بن ثَابت كتب إِلَى مُعَاوِيَة فَبَدَأَ باسم مُعَاوِيَة وَعَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا بَأْس بذلك وَقيل يقدم الْأَب وَلَا يبْدَأ ولد باسمه على وَالِده وَالْكَبِير السن كَذَلِك.
قلت يردهُ حَدِيث الْعَلَاء لكتابته إِلَى أفضل الْبشر وَحقه أعظم من حق الْوَالِد وَغَيره الثَّالِث فِيهِ التوقي فِي الْمُكَاتبَة وَاسْتِعْمَال عدم الإفراط الرَّابِع فِيهِ دَلِيل لمن قَالَ بِجَوَاز مُعَاملَة الْكفَّار بِالدَّرَاهِمِ المنقوشة فِيهَا اسْم الله تَعَالَى للضَّرُورَة وَإِن كَانَ عَن مَالك الْكَرَاهَة لِأَن مَا فِي هَذَا الْكتاب أَكثر مِمَّا فِي هَذَا المنقوش من ذكر الله تَعَالَى الْخَامِس فِيهِ الْوُجُوب بِعَمَل خبر الْوَاحِد وَإِلَّا لم يكن لبعثه مَعَ دحْيَة فَائِدَة مَعَ غَيره من الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَيْهِ السَّادِس فِيهِ حجَّة لمن منع أَن يبتدأ الْكَافِر بِالسَّلَامِ وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأكْثر الْعلمَاء وَأَجَازَهُ جمَاعَة مُطلقًا وَجَمَاعَة للاستئلاف أَو الْحَاجة وَقد جَاءَ عَنهُ النَّهْي فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تبدؤا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ الحَدِيث.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ وَغَيره وَلَا يسلم على المبتدع وَلَا على من اقْتَرَف ذَنبا كَبِيرا وَلم يتب مِنْهُ وَلَا يرد عَلَيْهِم السَّلَام وَاحْتج البُخَارِيّ بِحَدِيث كَعْب بن مَالك وَفِيه نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كلامنا السَّابِع فِيهِ اسْتِحْبابُُ أما بعد فِي الْمُكَاتبَة وَالْخطْبَة وَفِي أول من قَالَهَا خَمْسَة أَقْوَال.
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام.
أَو قس بن سَاعِدَة.
أَو كَعْب بن لؤَي.
أَو يعرب بن قحطان أَو سحبان الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فِي الفصاحة الثَّامِن فِيهِ أَن من أدْرك من أهل الْكتاب نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَآمن بِهِ فَلهُ أَجْرَانِ التَّاسِع قَالَ الْخطابِيّ فِي هَذَا الْخَبَر دَلِيل على أَن النَّهْي عَن المسافرة بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو إِنَّمَا هُوَ فِي حمل الْمُصحف والسور الْكَثِيرَة دون الْآيَة والآيتين وَنَحْوهمَا.

     وَقَالَ  ابْن بطال إِنَّمَا فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ فِي أول الْإِسْلَام وَلم يكن بُد من الدعْوَة الْعَامَّة وَقد نهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  لَا تُسَافِر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو.

     وَقَالَ  الْعلمَاء وَلَا يُمكن الْمُشْركُونَ من الدَّرَاهِم الَّتِي فِيهَا ذكر الله تَعَالَى.
قلت كَلَام الْخطابِيّ أصوب لِأَنَّهُ يلْزم من كَلَام ابْن بطال النّسخ وَلَا يلْزم من كَلَام الْخطابِيّ والْحَدِيث مَحْمُول على مَا إِذا خيف وُقُوعه فِي أَيدي الْكفَّار الْعَاشِر فِيهِ دُعَاء الْكفَّار إِلَى الْإِسْلَام قبل قِتَالهمْ وَهُوَ وَاجِب والقتال قبله حرَام إِن لم تكن بلغتهم الدعْوَة وَإِن كَانَت بلغتهم فالدعاء مُسْتَحبّ هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَفِيه خلاف للْجَمَاعَة ثَلَاثَة مَذَاهِب حَكَاهَا الْمَازرِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض.
أَحدهَا يجب الْإِنْذَار مُطلقًا قَالَه مَالك وَغَيره.
وَالثَّانِي لَا يجب مُطلقًا.
وَالثَّالِث يجب إِن لم تبلغهم الدعْوَة وَإِن بلغتهم فَيُسْتَحَب وَبِه قَالَ نَافِع وَالْحسن وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْمُنْذر.
قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء وَهُوَ الصَّحِيح قلت مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه يسْتَحبّ أَن يَدْعُو الإِمَام من بلغته مُبَالغَة فِي الْإِنْذَار وَلَا يجب ذَلِك كمذهب الْجُمْهُور.
الْحَادِي عشر فِيهِ دَلِيل على أَن ذَا الْحسب أولى بالتقديم فِي أُمُور الْمُسلمين ومهمات الدّين وَالدُّنْيَا وَلذَلِك جعلت الْخُلَفَاء من قُرَيْش لِأَنَّهُ أحوط من أَن يدنسوا أحسابهم الثَّانِي عشر فِيهِ دَلِيل لجمهور الْأُصُولِيِّينَ أَن لِلْأَمْرِ صِيغَة مَعْرُوفَة لِأَنَّهُ أَتَى بقول اعبدوا الله فِي جَوَاب مَا يَأْمُركُمْ وَهُوَ من أحسن الْأَدِلَّة لِأَن أَبَا سُفْيَان من أهل اللِّسَان وَكَذَلِكَ الرَّاوِي عَنهُ ابْن عَبَّاس بل هُوَ من أفصحهم وَقد رَوَاهُ عَنهُ مقرا لَهُ وَمذهب بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي أَنه مُشْتَرك بَين القَوْل وَالْفِعْل بالاشتراك اللَّفْظِيّ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ بالاشتراك الْمَعْنَوِيّ وَهُوَ التواطؤ بِأَن يكون الْقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا على مَا عرف فِي الْأُصُول الثَّالِث عشر قَالَ بعض الشَّارِحين اسْتدلَّ بِهِ بعض أَصْحَابنَا على جَوَاز مس الْمُحدث وَالْكَافِر كتابا فِيهِ آيَة أَو آيَات يسيرَة من الْقُرْآن مَعَ غير الْقُرْآن قلت قَالَ صَاحب الْهِدَايَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقْرَأ الْحَائِض وَالْجنب شَيْئا من الْقُرْآن بِإِطْلَاقِهِ يتَنَاوَل مَا دون الْآيَة أَرَادَ أَنه لَا يجوز للحائض وَالنُّفَسَاء وَالْجنب قِرَاءَة مَا دون الْآيَة خلافًا للطحاوي وَخِلَافًا لمَالِك فِي الْحَائِض ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ لَهُم مس الْمُصحف إِلَّا بغلافه وَلَا أَخذ دِرْهَم فِيهِ سُورَة من الْقُرْآن إِلَّا بصرته وَلَا يمس الْمُحدث الْمُصحف إِلَّا بغلافه وَيكرهُ مَسّه بالكم وَهُوَ الصَّحِيح بِخِلَاف الْكتب الشَّرْعِيَّة حَيْثُ يرخص فِي مَسهَا بالكم لِأَن فِيهِ ضَرُورَة وَلَا بَأْس بِدفع الْمُصحف إِلَى الصّبيان لِأَن فِي الْمَنْع تَضْييع حفظ الْقُرْآن وَفِي الْأَمر بالتطهير حرجا لَهُم هَذَا هُوَ الصَّحِيح الرَّابِع عشر فِيهِ اسْتِحْبابُُ البلاغة والإيجاز وتحري الْأَلْفَاظ الجزلة فِي الْمُكَاتبَة فَإِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أسلم تسلم) فِي نِهَايَة الِاخْتِصَار وَغَايَة الإيجاز والبلاغة وَجمع الْمعَانِي مَعَ مَا فِيهِ من بديع التَّجْنِيس الْخَامِس عشر فِيهِ جَوَاز المسافرة إِلَى أَرض الْكفَّار السَّادِس عشر فِيهِ جَوَاز الْبَعْث إِلَيْهِم بِالْآيَةِ من الْقُرْآن وَنَحْوهَا السَّابِع عشر فِيهِ من كَانَ سَببا لضلالة أَو منع هِدَايَة كَانَ آثِما الثَّامِن عشر فِيهِ أَن الْكَذِب مهجور وعيب فِي كل أمة التَّاسِع عشر يجب الِاحْتِرَاز عَن الْعَدو لِأَنَّهُ لَا يُؤمن أَن يكذب على عدوه الْعشْرُونَ أَن الرُّسُل لَا ترسل إِلَّا من أكْرم الْأَنْسَاب لِأَن من شرف نسبه كَانَ أبعد من الانتحال لغير الْحق الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ الْبَيَان الْوَاضِح أَن صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعلاماته كَانَ مَعْلُوما لأهل الْكتاب علما قَطْعِيا وَإِنَّمَا ترك الْإِيمَان من تَركه مِنْهُم عنادا أَو حسدا أَو خوفًا على فَوَات مناصبهم فِي الدُّنْيَا (رَوَاهُ صَالح بن كيسَان وَيُونُس وَمعمر عَن الزُّهْرِيّ) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس أخرجه البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ فِي كتاب الْحَج من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح بن كيسَان بِهِ وَلكنه انْتهى عِنْد قَول أبي سُفْيَان حَتَّى أَدخل الله على الْإِسْلَام وَلم يذكر قصَّة ابْن الناطور وَكَذَا أخرجه مُسلم بِدُونِهَا من رِوَايَة إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وَصَالح هُوَ أَبُو مُحَمَّد وَيُقَال أَبُو الْحَارِث بن كيسَان الْغِفَارِيّ بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْفَاء المخففة وبالراء والدوسي بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة مَوْلَاهُم الْمدنِي مؤدب ولد عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ سمع ابْن عمر وَابْن الزبير وَغَيرهمَا من التَّابِعين وَعنهُ من التَّابِعين عَمْرو بن دِينَار وَغَيره سُئِلَ أَحْمد عَنهُ فَقَالَ بخ بخ قَالَ الْحَاكِم توفّي وَهُوَ ابْن مائَة سنة ونيف وَسِتِّينَ سنة وَكَانَ لَقِي جمَاعَة من الصَّحَابَة ثمَّ بعد ذَلِك تلمذ عَن الزُّهْرِيّ وتلقن مِنْهُ الْعلم وَهُوَ ابْن تسعين سنة قَالَ الْوَاقِدِيّ توفّي بعد الْأَرْبَعين وَمِائَة قَالَ غَيره سنة خمس وَأَرْبَعين قلت فعلى هَذَا يكون أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعمره نَحْو عشْرين وَفِيمَا قَالَه الْحَاكِم نظر وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة صَالح بن كيسَان غير هَذَا فَافْهَم.
قَوْله وَيُونُس أَي رَوَاهُ أَيْضا يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن الزُّهْرِيّ وَأخرج رِوَايَة البُخَارِيّ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي الْجِهَاد مختصرة من طَرِيق اللَّيْث وَفِي الاسْتِئْذَان مختصرة أَيْضا من طَرِيق ابْن الْمُبَارك كِلَاهُمَا عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ بِسَنَدِهِ بِعَيْنِه وَلم يسقه بِتَمَامِهِ وَقد سَاقه بِتَمَامِهِ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث وَذكر فِيهِ قصَّة ابْن الناطور.
قَوْله وَمعمر أَي رَوَاهُ أَيْضا معمر بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ وَأخرج رِوَايَته أَيْضا البُخَارِيّ بِتَمَامِهَا فِي التَّفْسِير فقد ظهر لَك أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عِنْد البُخَارِيّ عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَأَن الزُّهْرِيّ إِنَّمَا رَوَاهُ لأَصْحَابه بِسَنَد وَاحِد عَن شيخ وَاحِد وَهُوَ عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَا كَمَا توهمه الْكرْمَانِي حَيْثُ يَقُول اعْلَم أَن هَذِه الْعبارَة تحْتَمل وَجْهَيْن أَن يروي البُخَارِيّ عَن الثَّلَاثَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَيْضا كَأَنَّهُ قَالَ أخبرنَا أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع قَالَ أخبرنَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَن الزُّهْرِيّ وَأَن يرْوى عَنهُ بطرِيق آخر كَمَا أَن الزُّهْرِيّ أَيْضا يحْتَمل فِي رِوَايَته للثَّلَاثَة أَن يروي عَن عبيد الله عَن عبد الله بن عَبَّاس وَأَن يروي لَهُم عَن غَيره وَهَذَا توهم فَاسد من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَبَا الْيَمَان لم يلْحق صَالح بن كيسَان وَلَا سمع من يُونُس وَالْآخر لَو احْتمل أَن يروي الزُّهْرِيّ هَذَا الحَدِيث لهَؤُلَاء الثَّلَاثَة أَو لبَعْضهِم عَن شيخ آخر لَكَانَ ذَلِك خلافًا قد يُفْضِي إِلَى الِاضْطِرَاب الْمُوجب للضعف وَهَذَا إِنَّمَا نَشأ مِنْهُ لعدم تحريره فِي النَّقْل واعتماده من هَذَا الْفَنّ على الْعقل