هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6232 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، أَخْبَرهُمَا : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ح وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ أُنَاسٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ فَقَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ ، فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ . وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، مِنْهُمُ المُوبَقُ بِعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ ، ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَمَرَ المَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا ، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا ، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا ، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ ، فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ ، فَيَقُولُ : لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ : يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو ، فَيَقُولُ : لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ يَقُولُ : رَبِّ أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ لَهُ : تَمَنَّ مِنْ كَذَا ، فَيَتَمَنَّى ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : تَمَنَّ مِنْ كَذَا ، فَيَتَمَنَّى ، حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ ، فَيَقُولُ لَهُ : هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا قَالَ عَطَاءٌ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ : هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : حَفِظْتُ مِثْلُهُ مَعَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6232 حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سعيد ، وعطاء بن يزيد ، أن أبا هريرة ، أخبرهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ح وحدثني محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة ، قال : قال أناس : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا : لا يا رسول الله ، قال : هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس ، فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه ، ويضرب جسر جهنم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأكون أول من يجيز ، ودعاء الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم . وبه كلاليب مثل شوك السعدان ، أما رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فإنها مثل شوك السعدان ، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، فتخطف الناس بأعمالهم ، منهم الموبق بعمله ، ومنهم المخردل ، ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده ، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ، أمر الملائكة أن يخرجوهم ، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود ، فيخرجونهم قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة ، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ، ويبقى رجل منهم مقبل بوجهه على النار ، فيقول : يا رب ، قد قشبني ريحها ، وأحرقني ذكاؤها ، فاصرف وجهي عن النار ، فلا يزال يدعو الله ، فيقول : لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره ، فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره ، فيصرف وجهه عن النار ، ثم يقول بعد ذلك : يا رب قربني إلى باب الجنة ، فيقول : أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ، ويلك ابن آدم ما أغدرك ، فلا يزال يدعو ، فيقول : لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ، فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره ، فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره ، فيقربه إلى باب الجنة ، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم يقول : رب أدخلني الجنة ، ثم يقول : أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك ، فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فلا يزال يدعو حتى يضحك ، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها ، فإذا دخل فيها قيل له : تمن من كذا ، فيتمنى ، ثم يقال له : تمن من كذا ، فيتمنى ، حتى تنقطع به الأماني ، فيقول له : هذا لك ومثله معه قال أبو هريرة : وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا قال عطاء ، وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه ، حتى انتهى إلى قوله : هذا لك ومثله معه ، قال أبو سعيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا لك وعشرة أمثاله ، قال أبو هريرة : حفظت مثله معه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

Some people said, O Allah's Messenger (ﷺ)! Shall we see our Lord on the Day of Resurrection? He said, Do you crowd and squeeze each other on looking at the sun when it is not hidden by clouds? They replied, No, Allah's Messenger (ﷺ). He said, Do you crowd and squeeze each other on looking at the moon when it is full and not hidden by clouds? They replied, No, O Allah's Messenger (ﷺ)! He said, So you will see Him (your Lord) on the Day of Resurrection similarly Allah will gather all the people and say, 'Whoever used to worship anything should follow that thing. 'So, he who used to worship the sun, will follow it, and he who used to worship the moon will follow it, and he who used to worship false deities will follow them; and then only this nation (i.e., Muslims) will remain, including their hypocrites. Allah will come to them in a shape other than they know and will say, 'I am your Lord.' They will say, 'We seek refuge with Allah from you. This is our place; (we will not follow you) till our Lord comes to us, and when our Lord comes to us, we will recognize Him. Then Allah will come to then in a shape they know and will say, I am your Lord.' They will say, '(No doubt) You are our Lord,' and they will follow Him. Then a bridge will be laid over the (Hell) Fire. Allah's Messenger (ﷺ) added, I will be the first to cross it. And the invocation of the Apostles on that Day, will be 'Allahumma Sallim, Sallim (O Allah, save us, save us!),' and over that bridge there will be hooks Similar to the thorns of As Sa'dan (a thorny tree). Didn't you see the thorns of As-Sa'dan? The companions said, Yes, O Allah's Messenger (ﷺ). He added, So the hooks over that bridge will be like the thorns of As-Sa-dan except that their greatness in size is only known to Allah. These hooks will snatch the people according to their deeds. Some people will be ruined because of their evil deeds, and some will be cut into pieces and fall down in Hell, but will be saved afterwards, when Allah has finished the judgments among His slaves, and intends to take out of the Fire whoever He wishes to take out from among those who used to testify that none had the right to be worshipped but Allah. We will order the angels to take them out and the angels will know them by the mark of the traces of prostration (on their foreheads) for Allah banned the f ire to consume the traces of prostration on the body of Adam's son. So they will take them out, and by then they would have burnt (as coal), and then water, called Ma'ul Hayat (water of life) will be poured on them, and they will spring out like a seed springs out on the bank of a rainwater stream, and there will remain one man who will be facing the (Hell) Fire and will say, 'O Lord! It's (Hell's) vapor has Poisoned and smoked me and its flame has burnt me; please turn my face away from the Fire.' He will keep on invoking Allah till Allah says, 'Perhaps, if I give you what you want), you will ask for another thing?' The man will say, 'No, by Your Power, I will not ask You for anything else.' Then Allah will turn his face away from the Fire. The man will say after that, 'O Lord, bring me near the gate of Paradise.' Allah will say (to him), 'Didn't you promise not to ask for anything else? Woe to you, O son of Adam ! How treacherous you are!' The man will keep on invoking Allah till Allah will say, 'But if I give you that, you may ask me for something else.' The man will say, 'No, by Your Power. I will not ask for anything else.' He will give Allah his covenant and promise not to ask for anything else after that. So Allah will bring him near to the gate of Paradise, and when he sees what is in it, he will remain silent as long as Allah will, and then he will say, 'O Lord! Let me enter Paradise.' Allah will say, 'Didn't you promise that you would not ask Me for anything other than that? Woe to you, O son of Adam ! How treacherous you are!' On that, the man will say, 'O Lord! Do not make me the most wretched of Your creation,' and will keep on invoking Allah till Allah will smile and when Allah will smile because of him, then He will allow him to enter Paradise, and when he will enter Paradise, he will be addressed, 'Wish from so-and-so.' He will wish till all his wishes will be fulfilled, then Allah will say, All this (i.e. what you have wished for) and as much again therewith are for you.' Abu Huraira added: That man will be the last of the people of Paradise to enter (Paradise).

":"ہم سے ابوالیمان نے بیان کیا ، کہا ہم کو شعیب نے خبر دی ، انہیں زہری نے ، کہا مجھ کو سعید اور عطا بن یزید نے خبر دی اور انہیں ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے اور انہیں نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے ( دوسری سند ) اور مجھ سے محمود بن غیلان نے بیان کیا ، کہا ہم سے عبدالرزاق بن ہمام نے ، کہا ہم کو معمر نے ، انہیں زہری نے ، انہیں عطا بن یزید لیثی نے اور ان سے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہکچھ لوگوں نے عرض کیا یا رسول اللہ ! کیا قیامت کے دن ہم اپنے رب کو دیکھ سکیں گے ۔ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کیا سورج کو دیکھنے میں تمہیں کوئی دشواری ہوتی ہے جبکہ اس پر کوئی بادل ، ابر وغیرہ نہ ہو ۔ صحابہ نے عرض کیا نہیں یا رسول اللہ ! آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ، کیا جب کوئی بادل نہ ہو تو تمہیں چودہویں رات کے چاند کو دیکھنے میں کوئی دشواری ہوتی ہے ؟ صحابہ نے عرض کیا ، نہیں یا رسول اللہ ! آپ نے فرمایا کہ پھر تم اللہ تعالیٰ کو اسی طرح قیامت کے دن دیکھو گے ۔ اللہ تعالیٰ لوگوں کو جمع کرے گا اور کہے گا کہ تم میں سے جو شخص جس چیز کی پوجا پاٹ کیا کرتا تھا وہ اسی کے پیچھے لگ جائے ، چنانچہ جو لوگ سورج کی پرستش کیا کرتے تھے وہ اس کے پیچھے لگ جائیں گے اور جو لوگ چاند کی پوجا کرتے تھے وہ ان کے پیچھے ہو لیں گے ۔ جو لوگ بتوں کی پرستش کرتے تھے وہ ان کے پیچھے لگ جائیں گے اور آخر میں یہ امت باقی رہ جائے گی اور اس میں منافقین کی جماعت بھی ہو گی ، اس وقت اللہ تعالیٰ ان کے سامنے اس صورت میں آئے گا جس کو وہ پہچانتے نہ ہوں گے اور کہے گا کہ میں تمہارا رب ہوں ۔ لوگ کہیں گے تجھ سے اللہ کی پناہ ۔ ہم اپنی جگہ پر اس وقت تک رہیں گے جب تک کہ ہمارا پروردگار ہمارے سامنے نہ آئے ۔ جب ہمارا رب ہمارے پاس آئے گا تو ہم اسے پہچان لیں گے ( کیونکہ وہ حشر میں ایک بار اس کو پہلے دیکھ چکے ہوں گے ) پھر حق تعالیٰ اس صورت میں آئے گا جس کو وہ پہچانتے ہوں گے اور ان سے کہا جائے گا ( آؤ میرے ساتھ ہولو ) میں تمہارا رب ہوں ! لوگ کہیں گے کہ تو ہمارا رب ہے ، پھر اسی کے پیچھے ہو جائیں گے اور جہنم پر پل بنا دیا جائے گا ۔ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا میں سب سے پہلا شخص ہوں گا جو اس پل کو پار کروں گا اور اس دن رسولوں کی دعا یہ ہو گی کہ اے اللہ ! مجھ کو سلامت رکھیو ۔ اے اللہ ! مجھ کو سلامت رکھیو اور وہاں سعدان کے کانٹوں کی طرح آنکڑے ہوں گے ۔ تم نے سعدان کے کانٹے دیکھے ہیں ؟ صحابہ کرام نے عرض کیا ہاں دیکھے ہیں یا رسول اللہ ! آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا وہ پھر سعدان کے کانٹوں کی طرح ہوں گے البتہ اس کی لمبائی چوڑائی اللہ کے سوا اور کوئی نہیں جانتا ۔ وہ لوگوں کو ان کے اعمال کے مطابق اچک لیں گے اور اس طرح ان میں سے بعض تو اپنے عمل کی وجہ سے ہلاک ہو جائیں گے اور بعض کا عمل رائی کے دانے کے برابر ہو گا ، پھر وہ نجات پاجائے گا ۔ آخر جب اللہ تعالیٰ اپنے بندوں کے درمیان فیصلے سے فارغ ہو جائے گا اور جہنم سے انہیں نکالنا چاہے گا جنہیں نکالنے کی اس کی مشیت ہو گی ۔ یعنی وہ جنہوں نے کلمہ لا الہٰ الا اللہ کی گواہی دی ہو گی اور اللہ تعالیٰ فرشتوں کو حکم دے گا کہ وہ ایسے لوگوں کو جہنم سے نکالیں ۔ فرشتے انہیں سجدوں کے نشانات سے پہچان لیں گے کیونکہ اللہ تعالیٰ نے آگ پر حرام کر دیا ہے کہ وہ ابن آدم کے جسم میں سجدوں کے نشان کو کھائے ۔ چنانچہ فرشتے ان لوگوں کو نکالیں گے ۔ یہ جل کر کوئلے ہو چکے ہوں گے پھر ان پر پانی چھڑکا جائے گا جسے ماء الحیاۃ ( زندگی بخشنے والا پانی ) کہتے ہیں ۔ اس وقت وہ اس طرح تروتازہ ہو جائے گے جیسے سیلاب کے بعد زرخیز زمین میں دانہ اگ آتا ہے ۔ ایک ایسا شخص باقی رہ جائے گا جس کے چہرہ جہنم کی طرف ہو گا اور وہ کہے گا اے میرے رب ! اس کی بدبوں نے مجھے پریشان کر دیا ہے اور اس کی لپٹ نے مجھے جھلسا دیا ہے اور اس کی تیزی نے مجھے جلا ڈالا ہے ، ذرا میرا منہ آگ کی طرف سے دوسری طرف پھیردے ۔ وہ اسی طرح اللہ سے دعا کرتا رہے گا ۔ آخر اللہ تعالیٰ فرمائے گا اگر میں تیرا یہ مطالبہ پورا کر دوں تو کہیں تو کوئی دوسری چیز مانگنی شروع نہ کر دے ۔ وہ شخص عرض کرے گا نہیں ، تیری عزت کی قسم ! میں اس کے سوا کوئی دوسری چیز نہیں مانگوں گا ۔ چنانچہ اس کا چہرہ جہنم کی طرف سے دوسری طرف پھیر دیا جائے گا ۔ اب اس کے بعد وہ کہے گا ۔ اے میرے رب ! مجھے جنت کے دروازے کے قریب کر دیجئیے ۔ اللہ تعالیٰ فرمائے گا کیا تو نے ابھی یقین نہیں دلایا تھا کہ اس کے سوا اور کوئی چیز نہیں مانگے گا ۔ افسوس ! اے ابن آدم ! تو بہت زیادہ وعدہ خلاف ہے ۔ پھر وہ برابر اسی طرح دعا کرتا رہے گا تو اللہ تعالیٰ فرمائے گا کہ اگر میں تیری یہ دعا قبول کر لوں تو تو پھر اس کے علاوہ کچھ اور چیز مانگنے لگے گا ۔ وہ شخص کہے گا نہیں ، تیری عزت کی قسم ! میں اس کے سوا اور کوئی چیز تجھ سے نہیں مانگوں گا اور وہ اللہ سے عہدوپیمان کرے گا کہ اس کے سوا اب کوئی اور چیز نہیں مانگے گا ۔ چنانچہ اللہ تعالیٰ اسے جنت کے دروازے کے قریب کر دے گا ۔ جب وہ جنت کے اندر کی نعمتوں کو دیکھے گا تو جتنی دیر تک اللہ تعالیٰ چاہے گا وہ شخص خاموش رہے گا ، پھر کہے گا اے میرے رب ! مجھے جنت میں داخل کر دے ۔ اللہ تعالیٰ فرمائے گا کہ کیا تو نے یہ یقین نہیں دلایا تھا کہ اب تو اس کے سوا کوئی چیز نہیں مانگے گا ۔ اے ابن آدم ! افسوس ، تو کتنا وعدہ خلاف ہے ۔ وہ شخص عرض کرے گا اے میرے رب ! مجھے اپنی مخلوق کا سب سے بدبخت بندہ نہ بنا ۔ وہ برابر دعا کرتا رہے گا یہاں تک کہ اللہ تعالیٰ ہنس دے گا ۔ جب اللہ ہنس دے گا تو اس شخص کو جنت میں داخل ہونے کی اجازت مل جائے گی ۔ جب وہ اندر چلا جائے گا تو اس سے کہا جائے گا کہ فلاں چیز کی خواہش کر چنانچہ وہ اس کی خواہش کرے گا ۔ پھر اس سے کہا جائے گا کہ فلاں چیز کی خواہش کرو ، چنانچہ وہ پھر خواہش کرے گا یہاں تک کہ اس کی خواہشات ختم ہو جائیں گی تو اللہ تعالیٰ کی طرف سے کہا جائے گا کہ تیری یہ ساری خواہشات پوری کی جاتی ہیں اور اتنی ہی زیادہ نعمتیں اور دی جاتی ہیں ۔ ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے اسی سند سے کہا کہ یہ شخص جنت میں سب سے آخر میں داخل ہونے والا ہو گا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6573] .

     قَوْلُهُ  عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَعِيدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ قَوْله وحَدثني مَحْمُود هُوَ بن غَيْلَانَ وَسَاقَهُ هُنَا عَلَى لَفْظِ مَعْمَرٍ وَلَيْسَ فِي سَنَدِهِ ذِكْرُ سَعِيدٍ وَكَذَا يَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ سَعِيدٍ وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى يَوْم نَدْعُو كل اناس بامامهم عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ بِلَفْظِ قُلْنَا .

     قَوْلُهُ  هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَة فِي التقيد بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَمْ يَقَعْ عَنِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْبَحْثِ فِيهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَقَعَ عَلَى سَبَبٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْحَشْرَ وَالْقَوْلُ لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ وَقَوْلُ الْمُسْلِمِينَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا قَالُوا وَهَلْ نَرَاهُ فَذَكَرَهُ وَمَضَى فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ وَقَعَ عِنْدَ سُؤَالِهِمُ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  هَلْ تُضَارُّونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ مِنَ الضَّرَرِ وَأَصْلُهُ تضَارونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا أَيْ لَا تَضُرُّونَ أَحَدًا وَلَا يَضُرُّكُمْ بِمُنَازَعَةٍ وَلَا مُجَادَلَةٍ وَلَا مُضَايِقَةٍ وَجَاءَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنَ الضَّيْرِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الضُّرِّ أَيْ لَا يُخَالِفُ بَعْضٌ بَعْضًا فَيُكَذِّبُهُ وَيُنَازِعُهُ فَيُضِيرُهُ بِذَلِكَ يُقَالُ ضَارَّهُ يُضِيرُهُ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا تَضَايَقُونَ أَيْ لَا تَزَاحَمُونَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تُضَامُّونَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا يحجب بَعْضكُم بَعْضًا عَن الرُّؤْيَة فيضربه وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ ضَرَّنِي فُلَانٌ إِذَا دَنَا مِنِّي دنوا شَدِيدا قَالَ بن الْأَثِيرِ فَالْمُرَادُ الْمُضَارَّةُ بِازْدِحَامٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ أَوَّلُهُ مَضْمُومٌ مُثَقَّلًا وَمُخَفَّفًا قَالَ وَرَوَى تَضَامُّونَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَهُوَ مِنَ الضَّمِّ وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الضَّيْمِ وَالْمُرَادُ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ قَالَ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الَّذِي بِالرَّاءِ وَبِالْمِيمِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ ظَاهِرُ الْمَعْنَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَا تُضَامُونَ أَوْ تُضَاهُونَ بِالشَّكِّ كَمَا مَضَى فِي فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَمَعْنَى الَّذِي بِالْهَاءِ لَا يَشْتِبَهُ عَلَيْكُمْ وَلَا تَرْتَابُونَ فِيهِ فَيُعَارِضُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَعْنَى الضَّيْمِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْحَقِّ وَالِاسْتِبْدَادُ بِهِ أَيْ لَا يَظْلِمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَتَقَدَّمَ فِي بَابُ فَضْلِ السُّجُودِ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ هَلْ تُمَارُونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ تُجَادِلُونَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَدْخُلُكُمْ فِيهِ شَكٌّ مِنَ الْمِرْيَةِ وَهُوَ الشَّكُّ وَجَاءَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ تَتَمَارَوْنَبِإِثْبَاتِهِمَا .

     قَوْلُهُ  تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ الْمُرَادُ تَشْبِيهُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْوُضُوحِ وَزَوَالِ الشَّكِّ وَرَفْعِ الْمَشَقَّةِ وَالِاخْتِلَافِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا الطَّيِّبِ الصُّعْلُوكِيَّ يَقُولُ تُضَامُّونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ يُرِيدُ لَا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ فِي جِهَةٍ وَلَا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يُرَى فِي جِهَةٍ وَمَعْنَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لَا تَتَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِالِاجْتِمَاعِ فِي جِهَةٍ وَهُوَ بِغَيْرِ تَشْدِيدٍ مِنَ الضَّيْمِ مَعْنَاهُ لَا تُظْلَمُونَ فِيهِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتِكُمْ كُلِّهَا وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الْجِهَةِ قَالَ وَالتَّشْبِيهُ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لِتَعْيِينِ الرُّؤْيَةِ دُونَ تَشْبِيهِ الْمَرْئِيِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِنَّمَا خَصَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ رُؤْيَةَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ سَحَابٍ أَكْبَرُ آيَةٍ وَأَعْظَمُ خَلْقًا مِنْ مُجَرَّدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِمَا خُصَّا بِهِ مِنْ عَظِيمِ النُّورِ وَالضِّيَاءِ بِحَيْثُ صَارَ التَّشْبِيهُ بِهِمَا فِيمَنْ يُوصَفُ بِالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ سَائِغًا شَائِعا فِي الِاسْتِعْمَال.

     وَقَالَ  بن الْأَثِيرِ قَدْ يَتَخَيَّلُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْكَافَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلْمَرْئِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هِيَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلرُّؤْيَةِ وَهُوَ فِعْلُ الرَّائِي وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ رُؤْيَةٌ مُزَاحٌ عَنْهَا الشَّكُّ مِثْلُ رُؤْيَتِكُمُ الْقَمَرَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي الِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ الْقَمَرِ قَبْلَ الشَّمْسِ مُتَابَعَةً لِلْخَلِيلِ فَكَمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فِي الْمِلَّةِ اتَّبَعَهُ فِي الدَّلِيلِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَبِيبُ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ فَاسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى حَالِهِ لِأَنَّ الْخُلَّةَ تَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ وَالْمَحَبَّةِ لَا تَقَعُ غَالِبًا إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ وَفِي عَطْفِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ مَعَ أَنَّ تَحْصِيلَ الرُّؤْيَةِ بِذِكْرِهِ كَافٍ لِأَنَّ الْقَمَرَ لَا يُدْرِكَ وَصْفَهُ الْأَعْمَى حِسًّا بَلْ تَقْلِيدًا وَالشَّمْسُ يُدْرِكُهَا الْأَعْمَى حِسًّا بِوُجُودِ حَرِّهَا إِذَا قَابَلَهَا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ مَثَلًا فَحَسُنَ التَّأْكِيدُ بِهَا قَالَ وَالتَّمْثِيلُ وَاقِعٌ فِي تَحْقِيقِ الرُّؤْيَةِ لَا فِي الْكَيْفِيَّةِ لِأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مُتَحَيِّزَانِ وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَلَيْسَ فِي عَطْفِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ إِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَرِيرٍ الْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْقَمَرِ أَنَّهُ تَتَيَسَّرُ رُؤْيَتُهُ لِلرَّائِي بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَحْدِيقٍ يَضُرُّ بِالْبَصَرِ بِخِلَافِ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا حِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُرُودَ ذِكْرِ الشَّمْسِ بَعْدَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَجْلِسَ وَاحِدٌ خُدِشَ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ ثُمَّ يَتَوَارَى قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ مُمْكِنَةٌ وَنَفَتْهَا الْمُبْتَدِعَةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُمْ فَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِهَا فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَجَابَ الْأَئِمَّةُ عَنِ اعْتِرَاضَاتِ الْمُبْتَدِعَةِ بِأَجْوِبَةٍ مَشْهُورَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّؤْيَةِ تَقَابُلُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْتَرَضَ بن الْعَرَبِيِّ عَلَى رِوَايَةِ الْعَلَاءِ وَأَنْكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ الْوَاقِعَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الْوَاسِطَةِ لِأَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ الْكُفَّارَ وَلَا يَرَوْنَهُ أَلْبَتَّةَ.

.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يَرَوْنَهُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ .

     قَوْلُهُ  يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ يَحْشُرُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي مَكَانٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّعِيدُ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ وَيَنْفُذُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ يَخْرِقُهُمْ بِمُعْجَمَةٍ وَقَافٍ حَتَّى يُجَوِّزُهُمْ وَقِيلَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَسْتَوْعِبُهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْمُرَادُ بَصَرُ النَّاظِرِينَ وَهُوَ أَوْلَى.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ لَا يخفى مِنْهُم أحد لَوْ دَعَاهُمْ دَاعٍ لَسَمِعُوهُ وَلَوْ نَظَرَ إِلَيْهِمْ نَاظر لأدركهمقَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدَّاعِي هُنَا مَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ لِقَوْلِهِ يَوْمَ يدع الداع وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِ الْمَوْقِفِ فِي بَابُ الْحَشْرِ وَزَادَ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَته فَيطلع عَلَيْهِم رب الْعَالمين قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُطَّلِعًا عَلَى خَلْقِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِعْلَامُهُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ وَأَصْلُهُ فِي النَّسَائِيِّ إِذَا حُشِرَ النَّاسُ قَامُوا أَرْبَعِينَ عَامًا شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَالشَّمْسُ على رؤوسهم حَتَّى يُلْجِمَ الْعَرَقُ كُلَّ بَرٍّ مِنْهُمْ وَفَاجِرٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُخَفَّفُ الْوُقُوفُ عَنِ الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ كَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ .

     قَوْلُهُ  فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَر الْقَمَر قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَر مَعَ دخولهما فِيمَن عبد من دُونَ اللَّهِ التَّنْوِيهُ بِذِكْرِهِمَا لِعِظَمِ خَلْقِهِمَا وَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَيّهَا النَّاس أَلَيْسَ عدل مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مَا كَانَ تَوَلَّى قَالَ فَيَقُولُونَ بَلَى ثُمَّ يَقُولُ لِتَنْطَلِقْ كُلُّ أُمَّةٍ إِلَى مَنْ كَانَتْ تَعْبُدُ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا لِيَتْبَعْ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانَ يَعْبُدُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْنَدِ الْحميدِي وصحيح بن خُزَيْمَةَ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَيَلْقَى الْعَبْدُ فَيَقُولُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَيَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ فَيَقُولُ أَلَا نَبْعَثُ عَلَيْكَ شَاهِدًا فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ وَتَنْطِقُ جَوَارِحُهُ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَلَا لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتُ جَمْعُ طَاغُوتٍ وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَالصَّنَمُ وَيَكُونُ جَمْعًا وَمُفْرَدًا وَمُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ كُلُّ طَاغٍ طَغَى عَلَى اللَّهِ يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ إِمَّا بِقَهْرٍ مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَ وَإِمَّا بِطَاعَةٍ مِمَّنْ عَبَدَ إِنْسَانًا كَانَ أَوْ شَيْطَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا قَالَ فَاتِّبَاعُهُمْ لَهُمْ حِينَئِذٍ بِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى الِاعْتِقَادِ فِيهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ بِأَنْ يُسَاقُوا إِلَى النَّارِ قَهْرًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ يَرْضَى بِذَلِكَ أَوِ الجماد وَالْحَيَوَان داخلون فِي ذَلِكَ.

.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ فَلَا لَكِنْ وَقع فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَنْطَلِقُونَ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيَتَمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ وَلِصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَعْمِيمَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ إِلَّا مَنْ سَيُذْكَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُ يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ الْآتِي ذكره وَأما التَّعْبِير بالتمثيل فَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ تَلْبِيسًا عَلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْذِيبَ.

.
وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَيُحْضَرُونَ حَقِيقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّم قَوْله وَتبقى هَذِه الْأمة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ حَتَّى مِنَ الْجِنِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ.

.

قُلْتُ وَيُؤْخَذُ أَيْضًامِنْ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَعْدَهُ يُجِيزُونَ أُمَمَهُمْ .

     قَوْلُهُ  فِيهَا مُنَافِقُوهَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغُبَرُ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ غَابِرٍ أَوِ الْغُبَّرَاتُ جَمْعٌ وَغُبَرٌ جَمْعُ غَابِرٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَغْبَارٍ وَغُبْرُ الشَّيْءِ بَقِيَّتُهُ وَجَاءَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ كَانَ يُوَحِّدُ اللَّهَ مِنْهُمْ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فِي مُسلم بالتحتانية بِلَفْظ الَّتِي بِالِاسْتِثْنَاءِ وَجزم عِيَاض وَغَيره بِأَنَّهُ وهم قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَبَرِ مَآلَ الْمَذْكُورِينَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الطَّوَاغِيتِ فِي النَّارِ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مَعَهُمْ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَأَوْرَدَهُمُ النَّار.

.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَرِيبًا فَتَتْبَعُ الشَّيَاطِينَ وَالصَّلِيبَ أَوْلِيَاؤُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ بِمُهْملَة ثمَّ مُوَحدَة فَيُقَال الْيَهُود مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ذِكْرُ النَّصَارَى وَفِيهِ فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْد بن خُزَيْمَة وبن مَنْدَهْ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ صَنَمًا وَلَا وَثَنًا وَلَا صُورَةً إِلَّا ذَهَبُوا حَتَّى يَتَسَاقَطُوا فِي النَّارِ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيُطْرَحُ مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ وَيُقَالُ هَلِ امْتَلَأْتِ فَتَقُولُ هَلْ من مزِيد الْحَدِيثَ وَكَانَ الْيَهُودُ وَكَذَا النَّصَارَى مِمَّنْ كَانَ لَا يَعْبُدُ الصُّلْبَانَ لَمَّا كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى تَأَخَّرُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا حَقَّقُوا عَلَى عِبَادَةِ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أُلْحِقُوا بِأَصْحَابِ الْأَوْثَانِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا الْآيَةَ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِدِينِهِ الْأَصْلِيِّ فَخَرَجَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَبْقَى أَيْضًا مَنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ مِنْ مُخْلِصٍ وَمُنَافِقٍ .

     قَوْلُهُ  فَتَدَّعِي الْيَهُودُ قُدِّمُوا بِسَبَبِ تَقَدُّمِ مِلَّتِهِمْ عَلَى مِلَّةِ النَّصَارَى .

     قَوْلُهُ  فَيُقَالُ لَهُمْ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ قَائِلِ ذَلِكَ لَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا بن اللَّهِ هَذَا فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْيَهُودِ وَأَكْثَرُهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ خُصُوصَ هَذَا الْخِطَابِ لِمَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ وَمَنْ عَدَاهُمْ يَكُونُ جَوَابُهُمْ ذِكْرَ مَنْ كَفَرُوا بِهِ كَمَا وَقَعَ فِي النَّصَارَى فَإِن مِنْهُم من أجَاب بالمسيح بن اللَّهِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ بِزَعْمِهِ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَهُمُ الِاتِّحَادِيَّةُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ .

     قَوْلُهُ  فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ لَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْحُكْمِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَإِذَا قِيلَ جَاءَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو بِكَذَا فَمَنْ كَذَّبَهُ أَنْكَرَ مَجِيئَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا انه بن عَمْرٍو وَهُنَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ عَبَّدُوا وانما انكر عَلَيْهِم ان الْمَسِيح بن اللَّهِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ فِيهِ نفي اللَّازِم وَهُوَ كَونه بن الله ليلزم نفي الْمَلْزُوم وَهُوَ عبَادَة بن اللَّهِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَتَحْصُلُ قَرِينَةٌ بِحَسَبِ الْمَقَامِ تَقْتَضِي الرُّجُوعَ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا أَوْ إِلَى الْمُشَارِ إِلَيْهِ فَقَطْ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَتَأَخَّرُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ فِي الدُّنْيَا فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ لَهُمْ فَمَيَّزَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ إِذْ لَا غُرَّةَ لِلْمُنَافِقِ وَلَا تَحْجِيلَ.

.

قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ خَاصٌّ بِالْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَتَمَيَّزُونَ بِعَدَمِ السُّجُودِ وَبِإِطْفَاءِ نُورِهِمْ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ ثُمَّ يُسْلَبَانِ عِنْدَ إِطْفَاءِ النُّورِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ تَسَتُّرَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَيَنْفَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا كَانَ يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا جَهْلًا مِنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا حُشِرُوا مَعَهُمْ لِمَا كَانُوا يُظْهَرُونَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ فَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ حَتَّى مَيَّزَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَنْ كَانَتْ تَعْبُدُ وَالْمُنَافِقُ لَمْ يَكُنْ يَعْبُدُ شَيْئًا بَقِيَ حَائِرًا حَتَّى مُيِّزَ.

.

قُلْتُ هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِمُنَافِقٍ كَانَ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا وَأَكْثَرُ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ وَثَنٍ وَغَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَتَبَدَّى لَنَا اللَّهُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّنَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ وَرَجَّحَ عِيَاضٌ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الضَّمِيرُ لِلَّهِ وَالْمَعْنَى فَارَقْنَا النَّاسَ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ وَنَحْنُ الْيَوْمَ أَحْوَجُ لِرَبِّنَا أَيْ إِنَّا مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ بَلْ أَحْوَجُ عَلَى بَابِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَحْوَجُ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ إِنْكَارُهُ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ مُعْتَرَضٌ بَلْ مَعْنَاهُ التَّضَرُّعُ إِلَى اللَّهِ فِي كَشْفِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَزِمُوا طَاعَتَهُ وَفَارَقُوا فِي الدُّنْيَا مَنْ زَاغَ عَنْ طَاعَتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِمْ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ كَمَا جَرَى لِمُؤْمِنِي الصَّحَابَةِ حِينَ قَاطَعُوا مِنْ أَقَارِبِهِمْ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ وَالِارْتِفَاقِ بِهِمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا شَكَّ فِي حُسْنِهِ.

.
وَأَمَّا نِسْبَةُ الْإِتْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ كُلَّ مَنْ غَابَ عَنْ غَيْرِهِ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ إِلَّا بِالْمَجِيءِ إِلَيْهِ فَعَبَّرَ عَنِ الرُّؤْيَةِ بِالْإِتْيَانِ مَجَازًا وَقِيلَ الْإِتْيَانُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مَعَ تَنْزِيهِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ وَقِيلَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ يَأْتِيهِمْ بَعْضُ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا الْمَلَكَ جَاءَهُمْ فِي صُورَةٍ أَنْكَرُوهَا لَمَّا رَأَوْا فِيهَا مِنْ سِمَةِ الْحُدُوثِ الظَّاهِرَةِ عَلَى الْمَلَكِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ قَالَ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا رَابِعًا وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى يَأْتِيهِمُ اللَّهُ بِصُورَةٍ أَيْ بِصِفَةٍ تَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الصُّوَرِ الْمَخْلُوقَةِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ صِفَةَ الْإِلَهِ لِيَخْتَبِرَهُمْ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْمَلَكُ أَنَا رَبُّكُمْ وَرَأَوْا عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَةِ الْمَخْلُوقِينَ مَا يَعْلَمُونَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ رَبَّهُمُ اسْتَعَاذُوا مِنْهُ لِذَلِكَ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ يُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَالَ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ ذَلِكَ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الصِّفَةُ وَالْمَعْنَى فَيَتَجَلَّى اللَّهُ لَهُمْ بِالصِّفَةِ الَّتِي يَعْلَمُونَهُ بِهَا وَإِنَّمَا عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَقَدَّمَتْ لَهُمْ رُؤْيَتُهُ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَبُّهُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَعَبَّرَ عَنِ الصِّفَةِ بِالصُّورَةِ لِمُجَانَسَةِ الْكَلَامِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ الصُّورَةِ قَالَ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ صَدَرَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي صَحِيحٌ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ مُصَرِّحٌ بِهِ أَوْ ظَاهِرٌ فِيهِ انْتَهَى وَرَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ مِنَ الِامْتِحَانِ الثَّانِي يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَتَّى ان بَعضهم ليكاد يَنْقَلِب.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا اسْتَعَاذُوا مِنْهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ اسْتِدْرَاجٌ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَمِنَ الْفَحْشَاءِ اتِّبَاعُ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَةٍ أَيْ بِصُورَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَلِذَلِكَ يَقُولُونَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا جَاءَنَا بِمَا عَهِدْنَاهُ مِنْهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ مَعْنَى الْخَبَرِ يَأْتِيهِمُ اللَّهُ بِأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صُوَرِ الْمَلَائِكَةِ بِمَا لَمْ يَعْهَدُوا مِثْلَهُ فِي الدُّنْيَا فَيَسْتَعِيذُونَ مِنْ تِلْكَ الْحَالِ وَيَقُولُونَ إِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا أَتَانَا بِمَا نَعْرِفُهُ مِنْ لُطْفِهِ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ أَيْ عَنْ شِدَّةٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هُوَ مَقَامٌ هَائِلٌ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِيُمَيِّزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ الْمُنَافِقُونَ مُخْتَلِطِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ ظَانِّينَ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا جَازَ فِي الدُّنْيَا امْتَحَنَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ أَتَاهُمْ بِصُورَةٍ هَائِلَةٍ قَالَتْ لِلْجَمِيعِ أَنَا رَبُّكُمْ فَأَجَابَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِهَذَا قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ يَنْقَلِبُ أَيْ يَزِلُّ فَيُوَافِقُ الْمُنَافِقِينَ قَالَ وَهَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رُسُوخٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا الْحَقَّ وَحَوَّمُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ.

.

قُلْتُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهَا فَيَقُولُونَ السَّاقُ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ فَيَصِيرُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا أَيْ يَسْتَوِي فَقَارُ ظَهْرِهِ فَلَا يَنْثَنِي لِلسُّجُودِ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ لَهُ فِي السُّجُودِ أَيْ سَهَّلَ لَهُ وَهَوَّنَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقًا وَاحِدًا كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ لِقَفَاهُ وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ فَيَقُولُونَ إِنِ اعْتَرَفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ قَالَ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ فَيَقَعُونَ سُجُودًا وَتَبْقَى أَصْلَابُ الْمُنَافِقِينَ كَأَنَّهَا صَيَاصِي الْبَقَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ طَبَقًا وَاحِدًا كَأَنَّمَا فِيهَا السَّفَافِيدُ وَهِيَ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءَيْنِ جَمْعُ سَفُّودٍ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُدْخَلُ فِي الشَّاةِ إِذَا أُرِيدَ أَنْ تُشْوَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ بن مَنْدَهْ فَيُوضَعُ الصِّرَاطُ وَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ رَبُّهُمْ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ إِذَا تَعَرَّفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ يَطْلُعُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي فَيَتْبَعُهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ أَيْ يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمْ عِلْمًا قَطْعِيًّا يَعْرِفُونَ بِهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

     وَقَالَ  الْكَلَابَاذِيُّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ عَرَفُوهُ بِأَنْ أَحْدَثَ فِيهِمْ لَطَائِفَ عَرَّفَهُمْ بِهَا نَفْسَهُ وَمَعْنَى كَشْفِ السَّاقِ زَوَالُ الْخَوْفِ وَالْهَوْلِ الَّذِي غَيَّرَهُمْ حَتَّى غَابُوا عَنْ رُؤْيَةِ عَوْرَاتِهِمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سعد ثمَّ نرفع رؤوسنا وَقَدْ عَادَ لَنَا فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَنَقُولُ نَعَمْ أَنْتَ رَبُّنَا وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ فِي أَوَّلِ مَا حُشِرُوا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ غَيْرُ الَّتِي تَقَعُ فِي الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ فَإِنَّ هَذِهِ لِلِامْتِحَانِ وَتِلْكَ لِزِيَادَةِ الْإِكْرَامِ كَمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْحسنى وَزِيَادَة قَالَ وَلَا إِشْكَالَ فِي حُصُولِ الِامْتِحَانِ فِي الْمَوْقِفِ لِأَنَّ آثَارَ التَّكَالِيفِ لَا تَنْقَطِعُ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا حَجَبَ عَنْهُمْ تَحَقُّقَ رُؤْيَتِهِ أَوَّلًا لِمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ رُؤْيَتَهُ فَلَمَّا تَمَيَّزُوا رَفَعَ الْحِجَابَ فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ أَنْتَ رَبُّنَا.

.

قُلْتُ وَإِذَا لُوحِظَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إِذَا تَعَرَّفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ وَمَا ذَكَرْتُ مِنْ تَأْوِيلِهِ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَالْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ أَنْ لَا يَقَعَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا يُخَصُّ بِالْأُخْرَى فَإِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ الِابْتِلَاءُ وَالْفِتْنَةُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّكْلِيفَ خَاصٌّ بِالدُّنْيَا وَمَا يَقَعُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْمَوْقِفِ هِيَ آثَارُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُسْلِمِينَارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ إِلَى نُورِكُمْ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ وَفِي لَفْظٍ فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ وَدُونَ ذَلِكَ وَمِثْلَ النَّخْلَةِ وَدُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورًا إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يطفيء نور الْمُنَافِق وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ فَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورًا ثُمَّ يُوَجَّهُونَ إِلَى الصِّرَاطِ فَمَا كَانَ مِنْ مُنَافِقٍ طفيء نُورُهُ وَفِي لَفْظِ فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ انْظُرُونَا نقتبس من نوركم الْآيَة وَفِي حَدِيث أبي امامة عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ وَإِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَوَاطِنَ حَتَّى يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَتَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ فَتَغْشَى النَّاسَ الظُّلْمَةُ فَيُقْسَمُ النُّورُ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ وَلَا يُعْطَى الْكَافِرُ وَلَا الْمُنَافِقُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظرونا نقتبس من نوركم الْآيَةَ فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِمَ فِيهِ النُّورُ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيُضْرَبُ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ .

     قَوْلُهُ  فَيَتْبَعُونَهُ قَالَ عِيَاضٌ أَيْ فَيَتْبَعُونَ أَمْرَهُ أَوْ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ تَنْبِيهٌ حَذَفَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ كَمَا حَذَفَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا ثَبَتَ هُنَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْمَوْقِفِ فَيَنْتَظِمُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُمْ إِذَا حُشِرُوا وَقَعَ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ تَسَاقُطِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَيَبْقَى مَنْ عَدَاهُمْ فِي كَرْبِ الْمَوْقِفِ فَيَسْتَشْفِعُونَ فَيَقَعُ الْإِذْنُ بِنَصْبِ الصِّرَاطِ فَيَقَعُ الِامْتِحَانُ بِالسُّجُودِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُنَافِقُ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثُمَّ يَجُوزُونَ عَلَى الصِّرَاطِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هُنَا ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ .

     قَوْلُهُ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ يَجُوزُ بِأُمَّتِهِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ يُجِيزُهَا وَالضَّمِيرُ لِجَهَنَّمَ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ جَازَ الْوَادِيَ مَشَى فِيهِ وَأَجَازَهُ قَطَعَهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ جَازَ وَأَجَازَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمَعْنَى أَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يَمْضِي عَلَى الصِّرَاطِ وَيَقْطَعُهُ يَقُولُ جَازَ الْوَادِيَ وَأَجَازَهُ إِذَا قَطَعَهُ وَخَلَّفَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ هُنَا لِلتَّعَدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ وَأُمَّتُهُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ لَزِمَ تَأْخِيرُ غَيْرِهِمْ عَنْهُمْ حَتَّى يَجُوزَ فَإِذَا جَازَ هُوَ وَأُمَّتُهُ فَكَأَنَّهُ أَجَازَ بَقِيَّةَ النَّاسِ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُومُ فَتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا فَيَأْخُذُونَ الْجِسْرَ فَيَطْمِسُ اللَّهُ أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ فَيَتَهَافَتُونَ مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ وَيَنْجُو النَّبِيُّ وَالصَّالِحُونَ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ وَفِيهِ فَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا فَنَمُرُّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ فَتَقُولُ الْأُمَمُ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ .

     قَوْلُهُ  وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ وَقَولُهُمُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الصِّرَاطِ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَالضَّمِيرُ فِي الْأَوَّلِ لِلرُّسُلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْكَلَامِ شِعَارَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْطِقُوا بِهِ بَلْ تَنْطِقُ بِهِ الرُّسُلُ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالسَّلَامَةِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ شِعَارًا لَهُمْ فَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَمَرِّ الْبَرْقِ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّحَالِتَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ فَيَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلُ جِيَاد الْخَيل والركاب وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ ثُمَّ كَالْبَرْقِ ثُمَّ كَالسَّحَابِ ثُمَّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَشَدِّ الْفَرَسِ ثُمَّ كَشَدِّ الرَّحْلِ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ الَّذِي أُعْطِيَ نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ يَجُرُّ بِيَدٍ وَيَعْلَقُ يَدٌ وَيَجُرُّ بِرِجْلٍ وَيَعْلَقُ رِجْلٌ وَتَضْرِبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ حَتَّى يَخْلُصَ وَعِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّعْرَاء عَن بن مَسْعُودٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ ثُمَّ الرِّيحِ ثُمَّ الطَّيْرِ ثُمَّ أَجْوَدِ الْخَيْلِ ثُمَّ أَجْوَدِ الْإِبِلِ ثُمَّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ حَتَّى إِنَّ آخِرَهُمْ رَجُلٌ نُورُهُ عَلَى مَوْضِعِ إِبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّرَاط وَعند هناد بن السرى عَن بن مَسْعُودٍ بَعْدَ الرِّيحِ ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْيًا ثُمَّ مَشْيًا ثُمَّ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لِمَ أَبْطَأْتَ بِي فَيَقُولُ أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ وَلِابْنِ الْمُبَارَكَ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ فَيَجُوزُ الرَّجُلُ كَالطَّرْفِ وَكَالسَّهْمِ وَكَالطَّائِرِ السَّرِيعِ وَكَالْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ وَيَجُوزُ الرَّجُلُ يَعْدُو عَدْوًا وَيَمْشِي مَشْيًا حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يَنْجُو يَحْبُو .

     قَوْلُهُ  وَبِهِ كَلَالِيبُ الضَّمِيرُ لِلصِّرَاطِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَفِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا وَفِي حَافَّتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ وَعَلَيْهِ كَلَالِيبُ النَّارِ وَكَلَالِيبُ جَمْعُ كَلُّوبٍ بِالتَّشْدِيدِ وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَبَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْكَلَالِيبُ هِيَ الشَّهَوَاتُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ قَالَ فَالشَّهَوَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَوَانِبِهَا فَمَنِ اقْتَحَمَ الشَّهْوَةَ سَقَطَ فِي النَّارِ لِأَنَّهَا خَطَاطِيفُهَا وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَيَقُومَانِ جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا أَيْ يَقِفَانِ فِي نَاحِيَتَيِ الصِّرَاطِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَيَجُوزُ سُكُونُ النُّونِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَانَةَ وَالرَّحِمَ لِعِظَمِ شَأْنِهِمَا وَفَخَامَةِ مَا يَلْزَمُ الْعِبَادُ مِنْ رِعَايَةِ حَقِّهِمَا يُوقَفَانِ هُنَاكَ لِلْأَمِينِ وَالْخَائِنِ وَالْمُوَاصِلِ وَالْقَاطِعِ فَيُحَاجَّانِ عَنِ الْمُحِقِّ وَيَشْهَدَانِ عَلَى الْمُبْطِلِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْآيَةَ وَصِلَةُ الرَّحِمِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُمَا اكْتَنَفَتَا جَنْبَتَيِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَفُطْرَتَيِ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ الْقَوِيمِ .

     قَوْلُهُ  مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ بِالسِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالسَّعْدَانُ جَمْعُ سَعْدَانَةٍ وَهُوَ نَبَاتٌ ذُو شَوْكٍ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي طِيبِ مَرْعَاهُ قَالُوا مَرْعًى وَلَا كَالسَّعْدَانِ .

     قَوْلُهُ  أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ هُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ .

     قَوْلُهُ  غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ أَيِ الشَّوْكَةِ وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَيَّدْنَاهُ أَيْ لَفْظَ قَدْرٍ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ اسْتِفْهَامًا وَقَدْرُ مُبْتَدَأٌ وَبِنَصْبِهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مَا زَائِدَةً وَقَدْرُ مَفْعُولَ يَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَتَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِفَتْحِهَا قَالَ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ خَطِفَ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَبِالْفَتْحِ فِي الْمُضَارِعِ وَحَكَى الْقَزَّازُ عَكْسَهُ وَالْكَسْرُ فِي الْمُضَارِعِ أَفْصَحُ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ تَشْبِيهُ الْكَلَالِيبِ بِشَوْكِ السَّعْدَانِ خَاصٌّ بِسُرْعَةِ اخْتِطَافِهَا وَكَثْرَةِ الِانْتِشَابِ فِيهَا مَعَ التَّحَرُّزِ وَالتَّصَوُّنِ تَمْثِيلًا لَهُمْ بِمَا عَرَفُوهُ فِي الدُّنْيَا وَأَلِفُوهُ بِالْمُبَاشَرَةِ ثُمَّ اسْتَثْنَى إِشَارَةً إِلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ لَمْ يَقَعْ فِي مِقْدَارِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ السُّدِّيِّ وَبِحَافَّتَيْهِ مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ نَارٍ يَخْتَطِفُونَ بِهَا النَّاسَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قُلْنَا وَمَا الْجِسْرُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ أَيْزَلِقٌ تَزْلَقُ فِيهِ الْأَقْدَامُ وَيَأْتِي ضَبْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ وَأَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن مَنْدَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ بَلَغَنِي وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْزُومًا بِهِ وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ وَلِابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ إِنَّ الصِّرَاطَ مِثْلُ السَّيْفِ وَبِجَنْبَتَيْهِ كَلَالِيبُ إِنَّهُ لَيُؤْخَذُ بِالْكَلُّوبِ الْوَاحِدِ أَكثر من ربيعَة وَمُضر وَأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِيهِ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى جَنْبَتَيْهِ يَقُولُونَ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَجَاءَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الصِّرَاطَ مَسِيرَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ خَمْسةُ آلَافٍ صُعُودٌ وَخَمْسَةُ آلَافٍ هُبُوطٌ وَخَمْسَةُ آلَافٍ مُسْتَوَى أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ إِلَّا ضامر مهزول من خشيَة الله أخرجه بن عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ وَهَذَا مُعْضَلٌ لَا يَثْبُتُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الصِّرَاطَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ وَلِبَعْضِ النَّاسِ مِثْلُ الْوَادِي الْوَاسِعِ أَخْرَجَهُ بن الْمُبَارك وبن أَبِي الدُّنْيَا وَهُوَ مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ تُمَثَّلُ النَّارُ لِلنَّاسِ ثُمَّ يُنَادِيهَا مُنَادٍ أَمْسِكِي أَصْحَابَكِ وَدَعِي أَصْحَابِي فَتَخْسِفُ بِكُلِّ وَلِيٍّ لَهَا فَهِيَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنَ الرَّجُلِ بِوَلَدِهِ وَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً ثِيَابُهُمْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ كَوْنِهِ مَقْطُوعًا .

     قَوْلُهُ  مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ مَنْ يُوبَقُ وَهُمَا بِالْمُوَحَّدَةِ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَلِبَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ الْمُوثَقُ بِالْمُثَلَّثَةِ من الوثاق وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الْآتِيَةَ فِي التَّوْحِيدِ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بِكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ بَقِيَ بِعَمَلِهِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْوِقَايَةِ أَيْ يَسْتُرُهُ عَمَلُهُ وَفِي لَفْظِ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ يَعْنِي بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ بَدَلُ بَقِيَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .

     قَوْلُهُ  وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُنَا بِالْجِيمِ وَكَذَا لِأَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَوَهَّاهُ عِيَاضٌ وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ لِلْجَمِيعِ وَحَكَى أَبُو عبيد فِيهِ اعجام الذَّال وَرجح بن قُرْقُولٍ الْخَاءَ الْمُعْجَمَةَ وَالدَّالَ الْمُهْمَلَةَ.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ كَلَالِيبَ النَّارِ تَقْطَعُهُ فَيَهْوِي فِي النَّارِ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي بَانَتْ سُعَادُ قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ فَ.

     قَوْلُهُ  مَعْفُورٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ أَيْ وَاقِعٌ فِي التُّرَابِ وخراديل أَيْ هُوَ قِطَعٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَرْدَلِ أَيْ جُعِلَتْ أَعْضَاؤُهُ كَالْخَرْدَلِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَقْطَعُهُمْ عَنْ لُحُوقِهِمْ بِمَنْ نَجَا وَقِيلَ المخردل المصروع وَرجحه بن التِّينِ فَقَالَ هُوَ أَنْسَبُ لِسِيَاقِ الْخَبَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ فَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ أَوِ الْمُجَازَى أَوْ نَحْوُهُ وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ الْمُجَازَى بِغَيْرِ شَكٍّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ مِنَ الْجَزَاءِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَنْجُو فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَنْجَلِي بِالْجِيمِ أَيْ يَتَبَيَّنُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُخَلَّى عَنْهُ فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى يَنْجُو وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ أحدهم فيسحب سحبا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَارِّينَ عَلَى الصِّرَاطِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ نَاجٍ بِلَا خُدُوشٍ وَهَالِكٌ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَمُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا يُصَابُ ثُمَّ يَنْجُو وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْهَا يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا تُعْرَفُ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ مَكْدُوسٍ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْمُهْمَلَةِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ السُّوقُ الشَّدِيدُ وَمَعْنَى الَّذِي بِالْمُهْمَلَةِ الرَّاكِبُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَقِيلَ مُكَرْدَسٌ وَالْمُكَرْدَسُ فَقَارُ الظَّهْرِ وَكَرْدَسَ الرَّجُلُ خَيْلَهُ جَعَلَهَا كَرَادِيسَ أَي فرقها وَالْمرَادانه ينكفأ فِي قعرها وَعند بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخِرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ عَلَى حَسَكٍ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ بِهِ ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ بِهِ وَمَنْكُوسٌ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ كَذَا لِمَعْمَرٍ هُنَا وَوَقَعَ لِغَيْرِهِ بَعْدَ هَذَا.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْفَرَاغُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ مَعْنَاهُ الْقَضَاءُ وَحُلُولُهُ بِالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ إِخْرَاجُ الْمُوَحِّدِينَ وَإِدْخَالُهُمُ الْجَنَّةَ وَاسْتِقْرَارُ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى يَفْرُغُ اللَّهُ أَيْ مِنَ الْقَضَاءِ بِعَذَابِ مَنْ يَفْرُغُ عَذَابُهُ وَمَنْ لَا يَفْرُغُ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْفَرَاغِ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ وَإِنْ لم يذكر لَفظهَا.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ مَعْنَاهُ وَصْلُ الْوَقْتِ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَرْحَمُهُمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَاضِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ يَقَعُ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ أبي عوَانَة وَالْبَيْهَقِيّ وبن حِبَّانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبَّاهُ حَرَقْتَ بَنِيَّ فَيَقُولُ أَخْرِجُوا وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ آدَمُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ يَتَبَيَّنُ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا الْحَدِيثَ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الْآتِيَةِ فِي التَّوْحِيدِ وَوَقَعَ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ بْنِ مَيْسَرَةَ اخْتِلَافٌ فِي سِيَاقِهِ سَأُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ شَفَعُوا وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَهُمْ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ رَفَعَهُ يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ النَّارَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدُهُمْ إِلَّا اللَّهُ بِمَا عصوا الله واجترؤوا عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَخَالَفُوا طَاعَتَهُ فَيُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ فَأُثْنِي عَلَى اللَّهِ سَاجِدًا كَمَا أُثْنِي عَلَيْهِ قَائِمًا فَيُقَالُ لِي ارْفَعْ رَأْسَكَ الْحَدِيثَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ تَشْفَعُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ ذِكْرُ سَبَبٍ آخَرَ لِإِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ وَلَفْظُهُ وَفَرَغَ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَأَدْخَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّتِي النَّارَ مَعَ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ لَا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا فَيَقُولُ الْجَبَّارُ فَبِعِزَّتِي لَأُعْتِقَنَّهُمْ مِنَ النَّارِ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فَيُخْرَجُونَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ بن أَبِي عَاصِمٍ وَالْبَزَّارِ رَفَعَهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ وَمَعَهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يَقُولُ لَهُمُ الْكُفَّارُ أَلَمْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَمَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ فَقَالُوا كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ فَأُخِذْنَا بِهَا فَيَأْمُرُ اللَّهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا فَقَالَ الْكُفَّارُ يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ بن مَرْدَوَيْهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الْأَنْبِيَاءَ فَيَشْفَعُونَ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الشُّهَدَاءَ فيشفعون وَفِي حَدِيث أبي بكرَة عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ مَرْفُوعًا يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُنْجِي اللَّهُ مَنْ شَاءَ بِرَحْمَتِهِ ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ وَيَخْرُجُونَ .

     قَوْلُهُ  مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَذْكُرِ الرِّسَالَةَ إِمَّا لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَلَازَمَا فِي النُّطْقِ غَالِبًا وَشَرْطًا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَوْلَى أَوْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَغَيْرُهَا وَلَوْ ذُكِرَتِ الرِّسَالَةُ لَكَثُرَ تَعْدَادُ الرُّسُلِ.

.

قُلْتُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَيُعَكِّرُ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِلَفْظٍ جَامِعٍ كَأَنْ يَقُولَ مَثَلًا وَنُؤْمِنُ بِرُسُلِهِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ بِغَيْرِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ مَنْ جَحَدَ الرِّسَالَةَكَذَّبَ اللَّهَ وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ لَمْ يُوَحِّدْهُ .

     قَوْلُهُ  أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الشَّفَاعَةِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُخْرِجهُمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤْمَرُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ بِذَلِكَ فَالَّذِينَ يُبَاشِرُونَ الْإِخْرَاجَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِهِ ذَرَّةٌ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا وَفِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ وَفِي حَدِيثِ مَعْبَدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَنَا أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَبِرَحْمَتِي وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ كُلَّ مَا قُدِّرَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمِقْدَارِ شَعِيرَةٍ ثُمَّ حَبَّةٍ ثُمَّ خَرْدَلَةٍ ثُمَّ ذَرَّةٍ غَيْرُ الْإِيمَانِ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ هُوَ مَا يُوجَدُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ثَمَرَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ازْدِيَادُ الْيَقِينِ وَطُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ تَضَافُرَ الْأَدِلَّةِ أَقْوَى لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَأَثْبَتُ لِعَدَمِهِ وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ الْعَمَلُ وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِالْعَمَلِ وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَقَولُهُ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ أَيْ أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِاسْمِي وَإِجْلَالًا لِتَوْحِيدِي وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى عُمُومِهِ وَيُحْمَلَ عَلَى حَالٍ وَمَقَامٍ آخَرَ قَالَ الطِّيبِيُّ إِذَا فَسَّرْنَا مَا يَخْتَصُّ بِاللَّهِ بِالتَّصْدِيقِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الثَّمَرَةِ وَمَا يَخْتَصُّ بِرَسُولِهِ هُوَ الْإِيمَانُ مَعَ الثَّمَرَةِ مِنِ ازْدِيَادِ الْيَقِينِ أَوِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ حَصَلَ الْجَمْعُ.

.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ مُبَاشَرَةُ الْإِخْرَاجِ لَا أَصْلَ الشَّفَاعَةِ وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ الْأَخِيرَةُ وَقَعَتْ فِي إِخْرَاجِ الْمَذْكُورِينَ فَأُجِيبَ إِلَى أَصْلِ الْإِخْرَاجِ وَمُنِعَ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ فَنُسِبَتْ إِلَى شَفَاعَتِهِ فِي حَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاس لكَونه ابْتِدَاء بِطَلَبِ ذَلِكَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ مَضَى شَرْحُ حَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى .

     قَوْلُهُ  فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ تُعْرَفُ صِفَةُ هَذَا الْأَثَرِ مِمَّا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من اثر السُّجُود لِأَنَّ وُجُوهَهُمْ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النَّارُ فَتَبْقَى صِفَتُهَا بَاقِيَةٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بَلْ يَعْرِفُونَهُمْ بِالْغُرَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَالَّذِينَ يُخْرَجُونَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ من بن آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ هُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ يَعْرِفُونَ أَثَرَ السُّجُودِ مَعَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ اللَّهُ بِالشَّفَاعَةِ فَإِذَا صَارُوا فَحْمًا كَيْفَ يَتَمَيَّزُ مَحَلُّ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يُعْرَفَ أَثَرُهُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ تَخْصِيصُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِنْ عُمُومِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ وَأَنَّ اللَّهَ مَنَعَ النَّارَ أَنْ تُحْرِقَ أَثَرَ السُّجُودِ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَهَلِ الْمُرَادُ بِأَثَرِ السُّجُودِ نَفْسُ الْعُضْوِ الَّذِي يَسْجُدُ أَوِ الْمُرَادُ مَنْ سَجَدَ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي أَظْهَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَذَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُذْنِبِينَ مُخَالِفٌ لِعَذَابِ الْكُفَّارِ وَأَنَّهَا لَا تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِمْ إِمَّا إِكْرَامًا لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَعِظَمِ مَكَانِهِمْ مِنَ الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِكَرَامَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي خُلِقَ آدَمُ وَالْبَشَرُ عَلَيْهَا وَفُضِّلُوا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِقُلْتُ الْأَوَّلُ مَنْصُوصٌ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصُّورَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِكْرَامُ لِأَجْلِهَا لَشَارَكَهُمُ الْكُفَّارُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ السَّبْعَةِ وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ وَبِهَذَا جَزَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ ذِكْرُ الصُّورَةِ وَدَارَاتِ الْوُجُوهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَثَرِ السُّجُودِ الْوَجْهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَشْمَلُ الْأَعْضَاءَ السَّبْعَةَ وَيُؤَيِّدُ اخْتِصَاصَ الْوَجْهِ أَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِلَى حِقْوِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَا أَنْكَرَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلَّا دَارَاتُ وُجُوهِهِمْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مَخْصُوصُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ خَاصًّا بِهِمْ وَغَيْرُهُ عَامًّا فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خُصَّ مِنْهُ.

.

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يُخَصُّونَ بِأَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ وُجُوهَهُمْ كُلَّهَا وَأَنَّ غَيْرَهُمْ لَا تَأْكُلُ مِنْهُمْ مَحَلَّ السُّجُودِ خَاصَّةً وَهُوَ الْجَبْهَةُ سَلِمَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَإِلَّا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ مَا قَالَ الْقَاضِي فِي حَقِّ الْجَمِيعِ إِلَّا هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَامَتُهُمُ الْغُرَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَمَّنْ قَالَهُ وَمَا تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَيُضَافُ إِلَيْهَا التَّحْجِيلُ وَهُوَ فِي الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ مِمَّا يَصِلُ إِلَيْهِ الْوُضُوءُ فَيَكُونُ أَشْمَلَ مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ جِهَةِ دُخُولِ جَمِيعِ الْيَدَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ لَا تَخْصِيصِ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَلَكِنْ يَنْقُصُ مِنْهُ الرُّكْبَتَانِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَمْنَعُ سَلَامَةَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مَعَ الِانْغِمَارِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحْوَالَ الْأُخْرَوِيَّةَ خَارِجَةٌ عَلَى قِيَاسِ أَحْوَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَدَلَّ التَّنْصِيصُ عَلَى دَارَاتِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْوَجْهَ كُلَّهُ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّارُ إِكْرَامًا لِمَحَلِّ السُّجُودِ وَيُحْمَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا عَلَى التَّنْوِيهِ بِهَا لشرفها وَقد استنبط بن أَبِي جَمْرَةَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي لَا يَخْرُجُ إِذْ لَا عَلَامَةَ لَهُ لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُخْرَجُ فِي الْقَبْضَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ وَهَلِ الْمُرَادُ بِمَنْ يُسْلَمُ مِنَ الْإِحْرَاقِ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَوِ الْقُوَّةِ الثَّانِي أَظْهَرُ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَنْ أَسْلَمَ مَثَلًا وَأَخْلَصَ فَبَغَتَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ وَوَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ مِنْ نَظْمِهِ مَا يُوَافِقُ مُخْتَارَ النَّوَوِيِّ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  يَا رَبِّ أَعْضَاءَ السُّجُودِ عَتَقْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ الْجَانِي وَأَنْتَ الْوَاقِي وَالْعِتْقُ يسري بالغنى يَاذَا الْغِنَى فَامْنُنْ عَلَى الْفَانِي بِعِتْقِ الْبَاقِي .

     قَوْلُهُ  فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بِسَنَدِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا لَيْسَ فِيهِ قَدِ امْتَحَشُوا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ وبن مَنْدَهْ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحٍ بْنِ الْفَرَجِ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْعَلَّافِ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الِامْتِحَاشَ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْقَبْضَةِ وَالتَّحْرِيمُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ صُورَةَ الْخَارِجِينَ أَوَّلًا قَبْلَهُمْ مِمَّنْ عَمِلَ الْخَيْرَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ ضَبْطُ امْتَحَشُوا وَأَنَّهُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَيِ احْتَرَقُوا وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَالْمَحْشُ احْتِرَاقُ الْجِلْدِ وَظُهُورُ الْعَظْمِ قَالَ عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ عَنْ مُتْقِنِي شُيُوخِنَا وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْحَاء وَلَا يعرف فِي اللُّغَة امتحشه مُتَعَدِّيًا وَإِنَّمَا سُمِعَ لَازِمًا مُطَاوِعَ مَحَشْتُهُ يُقَالُ مَحَشْتُهُ وَأَمْحَشْتُهُ وَأَنْكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ الثُّلَاثِيَّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَمْحَشْتُهُ فَامْتُحِشَ وَأَمْحَشَهُ الْحَرُّ أَحْرَقَهُ وَالنَّار احرقتهوَامْتَحَشَ هُوَ غَضَبًا.

     وَقَالَ  أَبُو نَصْرٍ الْفَارَابِيُّ وَالِامْتِحَاشُ الِاحْتِرَاقُ .

     قَوْلُهُ  فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ وَالْأَفْوَاهُ جَمْعُ فَوْهَةٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَوَائِلُ وَتَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَاءِ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَوَانُ أَوِ الْحَيَاةُ وَفِي أُخْرَى لَهُ فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ وَفِي تَسْمِيَةِ ذَلِكَ النَّهَرِ بِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْفَنَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ تَقَدَّمَ فِي كتاب الْإِيمَان انها بزور الصَّحْرَاءِ وَالْجَمْعُ حِبَبٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مِثْلُهَا.

.
وَأَمَّا الْحَبَّةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ مَا يَزْرَعُهُ النَّاسُ فَجَمْعُهَا حُبُوبٌ بِضَمَّتَيْنِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَّتَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءَةُ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ هُوَ فِي الْأَصْلِ كُلُّ مَا حَمَلَهُ السَّيْلُ مِنْ عِيدَانٍ وَوَرَقٍ وبزور وَغَيْرِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا حَمَلَهُ مِنَ البزور خَاصَّةً .

     قَوْلُهُ  فِي حَمِيلِ السَّيْلِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ مَا يَحْمِلُهُ السَّيْلُ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْغُثَاءَ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ السَّيْلُ يَكُونُ فِيهِ الْحِبَّةُ فَيَقَعُ فِي جَانِبِ الْوَادِي فَتُصْبِحُ مِنْ يَوْمِهَا نَابِتَةً وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَمِئَةِ السَّيْلِ بَعْدَ الْمِيمِ هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَقَدْ تُشْبَعُ الْمِيمُ فَيَصِيرُ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ مِنَ الطِّينِ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ النبت غَالِبا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى سُرْعَةِ نَبَاتِهِمْ لِأَنَّ الْحَبَّةَ أَسْرَعُ فِي النَّبَاتِ مِنْ غَيْرِهَا وَفِي السَّيْلِ أَسْرَعُ لِمَا يَجْتَمِعُ فِيهِ مِنَ الطِّينِ الرَّخْوِ الْحَادِثِ مَعَ الْمَاءِ مَعَ مَا خَالَطَهُ مِنْ حَرَارَةِ الزِّبْلِ الْمَجْذُوبِ مَعَهُ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَارِفًا بِجَمِيعِ أُمُورِ الدُّنْيَا بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ اقْتَصَرَ الْمَازِرِيُّ عَلَى أَنَّ مَوْقِعَ التَّشْبِيهِ السُّرْعَةُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ نَوْعٌ آخَرُ دَلَّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى أَلَّا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ مَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الشَّمْسِ أَصْفَرُ وَأَخْضَرُ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا يَكُونُ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَلِي الْجَنَّةَ يَسْبِقُ إِلَيْهِ الْبَيَاضُ الْمُسْتَحْسَنُ وَمَا يَكُونُ مِنْهُمْ إِلَى جِهَةِ النَّارِ يَتَأَخَّرُ النُّصُوعُ عَنْهُ فَيَبْقَى أُصَيْفِرَ وَأُخَيْضِرَ إِلَى أَنْ يَتَلَاحَقَ الْبَيَاضُ وَيَسْتَوِيَ الْحُسْنُ وَالنُّورُ وَنَضَارَةُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُبَاشِرُ الْمَاءَ يَعْنِي الَّذِي يُرَشُّ عَلَيْهِمْ يُسْرِعُ نَصُوعُهُ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ النُّصُوعُ لَكِنَّهُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَيَبْقَى رَجُلٌ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي آخِرِ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَوَقَعَ فِي وَصْفِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ كَانَ نَبَّاشًا وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ فَقَالَ لِأَهْلِهِ أَحْرِقُونِي الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ كَانَ نَبَّاشًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي عَوَانَةَ وَغَيْرِهِمَا وَفِيهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ انْظُرُوا هَلْ بَقِيَ فِي النَّارِ أَحَدٌ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ فَيَجِدُونَ رَجُلًا فَيُقَالُ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ فَيَقُولُ لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ رَجُلًا آخَرَ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ فَيَقُولُ لَا غَيْرَ أَنِّي أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي الْحَدِيثَ وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ مِنَ النَّارِ وَلَا يَقُولُ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ أَخْرَجَهُ الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ فِي زِيَادَاتِ الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَشْجَعِيِّ رَفَعَهُ قَدْ عَلِمْتُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ مِنَ النَّارِ وَلَا يَقُولُ ادخلنيالْجَنَّةَ فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ بَقِيَ بَيْنَ ذَلِكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَجِدُ مِنْ رِيحِهَا فَيُقَرِّبُهُ فَيَرَى شَجَرَةً الْحَدِيثَ وَهُوَ عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَهَذَا يُقَوِّي التَّعَدُّدَ لَكِنَّ الْإِسْنَادَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرْتُ عَنْ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ هَلْ هُوَ آخِرُ مَنْ يَبْقَى عَلَى الصِّرَاطِ أَوْ هُوَ غَيْرُهُ وَإِنِ اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي أَنَّهُ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَوَقَعَ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ لِلتِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَطْوَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا مُكْثًا مَنْ يَمْكُثُ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ وَسَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ وَاهٍ وَاللَّهُ اعْلَم وَأَشَارَ بن أَبِي جَمْرَةَ إِلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهَا حَقِيقَةً وَبَيْنَ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِمَّنْ يَبْقَى مَارًّا عَلَى الصِّرَاطِ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنَ النَّارِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْ حَرِّهَا وَكَرْبِهَا مَا يُشَارِكُ بِهِ بَعْضَ مَنْ دَخَلَهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ واه عَن مَالك عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ رَفَعَهُ إِنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ جَاءَ أَنَّ اسْمَهُ هَنَّادٌ وَجَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الِاسْمَيْنِ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ والاخر للْآخر قَوْله فَيَقُول يارب فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِي التَّوْحِيدِ أَيْ رَبِّ .

     قَوْلُهُ  قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ مُخَفَّفًا وَحُكِيَ التَّشْدِيدُ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَشَبَهُ الدُّخَانُ إِذَا مَلَأَ خَيَاشِيمَهُ وَأَخَذَ يَكْظِمُهُ وَأَصْلُ الْقَشْبِ خَلْطُ السَّمِّ بِالطَّعَامِ يُقَالُ قَشَبَهُ إِذَا سَمَّهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِيمَا إِذَا بَلَغَ الدُّخَانُ وَالرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ مِنْهُ غَايَتَهُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ مَعْنَى قَشَبَنِي سَمَّنِي وَآذَانِي وَأَهْلَكَنِي هَكَذَا قَالَهُ جَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ غَيَّرَ جِلْدِي وَصُورَتِي.

.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى حُسْنُ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ.

.
وَأَمَّا الدَّاوُدِيُّ فَكَثِيرًا مَا يُفَسِّرُ الْأَلْفَاظَ الْغَرِيبَةَ بِلَوَازِمِهَا وَلَا يُحَافِظُ على أصُول مَعَانِيهَا.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ إِذَا فَسَّرْنَا الْقَشْبَ بِالنَّتِنِ وَالْمُسْتَقْذَرِ كَانَتْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى طِيبِ رِيحِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ نَعِيمِهَا وَعَكْسُهَا النَّارُ فِي جَمِيع ذَلِك.

     وَقَالَ  بن الْقَطَّاعِ قَشَبَ الشَّيْءَ خَلَطَهُ بِمَا يُفْسِدُهُ مِنْ سَمٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَقَشَبَ الْإِنْسَانَ لَطَّخَهُ بِسُوءٍ كَاغْتَابَهُ وَعَابَهُ وَأَصْلُهُ السَّمُّ فَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى أَصَابَهُ الْمَكْرُوهَ إِذَا أَهْلَكَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ أَزَالَ عَقْلَهُ أَوْ تَقَذَّرَهُ هُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا كَذَا لِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ هُنَا بِالْمَدِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ ذَكَاهَا بِالْقصرِ وَهُوَ الْأَشْهر فِي اللُّغَة.

     وَقَالَ  بن الْقَطَّاعِ يُقَالُ ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكًا بِالْقَصْرِ وَذُكُوًّا بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ كَثُرَ لَهَبُهَا وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُهَا وَوَهَجُهَا.

.
وَأَمَّا ذَكَا الْغُلَامُ ذَكَاءً بِالْمَدِّ فَمَعْنَاهُ أَسْرَعَتْ فِطْنَتُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ لُغَتَانِ ذَكَرَهُ جِمَاعةٌ فِيهَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ مُغَلْطَايْ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّارِحِينَ لِدَوَاوِينِ الْعَرَبِ حِكَايَةُ الْمَدِّ إِلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيِّ فِي كِتَابِ النَّبَاتِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا ضَرَبَ الْعَرَبُ الْمَثَلَ بِجَمْرِ الْغَضَا لِذَكَائِهِ قَالَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ فَقَالَ ذَكَا النَّارُ مَقْصُورٌ وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ وَاوِيٌّ يُقَالُ ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكَوًا وَذَكَاءً النَّارُ وَذُكْوُ النَّارِ بِمَعْنًى وَهُوَ الْتِهَابُهَا وَالْمَصْدَرُ ذَكَاءٌ وَذَكْوٌ وَذُكُوٌّ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ فَأَمَّا الذَّكَاءُ بِالْمَدِّ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ فِي النَّارِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْفَهْمِ.

     وَقَالَ  بن قُرْقُولٍ فِي الْمَطَالِعِ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ الشَّيْخُ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ فَقَدْ أَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا بِالْمَدِّ وَالْمَعْرُوفُ فِي شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ الْقَصْرُ إِلَّا أَنَّ الدِّينَوَرِيَّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَدَّ وَخَطَّأَهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ فَقَالَ ذَكَتِ النَّارُ ذَكًا وَذُكُوًّا وَمِنْهُ طِيبٌ ذَكِيٌّ مُنْتَشِرُ الرِّيحِ.

.
وَأَمَّا الذَّكَاءُ بِالْمَدِّ فَمَعْنَاهُ تَمَامُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ الْقَلْبِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْأَفْعَالِ ذَكَا الْغُلَامُ وَالْعَقْلُ أَسْرَعَ فِي الفطنةوَذَكَا الرَّجُلُ ذَكَاءً مِنْ حِدَّةِ فِكْرِهِ وَذَكَتِ النَّارُ ذَكًا بِالْقَصْرِ تَوَقَّدَتْ .

     قَوْلُهُ  فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ وَجْهِهِ إِلَى جِهَةِ النَّارِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ طَالِبًا إِلَى الْجَنَّةِ فَوَجْهُهُ إِلَى الْجَنَّةِ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قبل انه يتقلب عَلَى الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فَكَأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْتَهَى إِلَى آخِرِهِ فَصَادَفَ أَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ النَّارِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهِ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ فَسَأَلَ رَبَّهُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَيُصْرَفُ وَجْهُهُ عَنِ النَّارِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَيَصْرِفُ الله وَوَقع فِي رِوَايَة أنس عَن بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ نَحْوَهُ أَنَّهُ يَرْفَعُ لَهُ شَجَرَةً فَيَقُولُ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا فَيَقُولُ اللَّهُ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَ غَيْرَهَا وربه يعذرهُ لِأَنَّهُ يرى مَالا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَدْنُو مِنْهَا وَأَنَّهُ يُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ ائْذَنْ لِي فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْهُ رَفَعَهُ آخِرُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ وَمُثِّلَتْ لَهُ شَجَرَةٌ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا ذِكْرُ الشجرات كَمَا سقط من حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَلَبِ الْقُرْبِ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَيَقُولُ اللَّهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ .

     قَوْلُهُ  لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ بِكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ أَمَّا عَسَيْتُ فَفِي سِينِهَا الْوَجْهَانِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَجُمْلَةُ أَنْ تَسْأَلَنِي هِيَ خَبَرُ عَسَى وَالْمَعْنَى هَلْ يُتَوَقَّعُ مِنْكَ سُؤَالُ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ بَنِي آدَمَ وَالتَّرَجِّي رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَاطَبِ لَا إِلَى الرَّبِّ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِرْخَاءِ الْعَنَانِ إِلَى الْخَصْمِ لِيَبْعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِهِ وَالْإِنْصَافِ مِنْ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِي اللَّهَ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ شَاءَ الرجل الْمَذْكُور أَو الله قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ إِنَّمَا بَادَرَ لِلْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَاف لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ قُوَّةِ الْفَرَحِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ فَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ لَا يَطْلُبَ مَزِيدًا وَأَكَّدَهُ بِالْحَلِفِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا وَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مِنَ الْحَبْرَةِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَلِمُسْلِمٍ الْخَيْرِ بِمُعْجَمَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ بِلَا هَاءٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى مَا فِيهَا مِنْ خَارِجِهَا إِمَّا لِأَنَّ جِدَارَهَا شَفَّافٌ فَيَرَى بَاطِنَهَا مِنْ ظَاهِرِهَا كَمَا جَاءَ فِي وَصْفِ الْغُرَفِ وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سُطُوعِ رَائِحَتِهَا الطَّيِّبَةِ وَأَنْوَارِهَا الْمُضِيئَةِ كَمَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ أَذَى لَفْحِ النَّارِ وَهُوَ خَارِجُهَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَقُولُ .

     قَوْلُهُ  وَيْلَك فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَيْحَكَ .

     قَوْلُهُ  يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ هُنَا مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ لَفْظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ إِذَا اسْتَمَرَّ خَارِجًا عَنِ الْجَنَّةِ أَشْقَاهُمْ وَكَوْنُهُ أَشْقَاهُمْ ظَاهِرٌ لَوِ اسْتَمَرَّ خَارِجَ الْجَنَّةِ وَهُمْ مِنْ دَاخِلِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَاهُ يَا رَبِّ قَدْ أَعْطَيْتُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَلَكِنْ تَفَكَّرْتُ فِي كرمك ورحمتك فَسَأَلت وَوَقع فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَا أكون اشقى خلقك وللقابسي لأكونن قَالَ بن التِّينِ الْمَعْنَى لَئِنْ أَبْقَيْتَنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ تُدْخِلْنِي الْجَنَّةَ لَأَكُونَنَّ وَالْأَلِفُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى زَائِدَةٌ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ مَعْنَاهُ لَا أَكُونُ كَافِرًا قلت هَذَا أقربمِمَّا قَالَ بن التِّينِ وَلَوِ اسْتَحْضَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي هُنَا مَا احْتَاجَ إِلَى التَّكَلُّفِ الَّذِي أَبَدَاهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أَكُونُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ وَدَلَّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  لَا تَجْعَلْنِي وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَشْقَى أَنَّ الَّذِي يُشَاهِدُ مَا يُشَاهِدُهُ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ يَصِيرُ أَشَدَّ حَسْرَةً مِمَّنْ لَا يُشَاهِدُ وَقَولُهُ خَلْقِكَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ تَقَدَّمَ مَعْنَى الضَّحِكِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَاضِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي سعيد ويلقنه الله مَا لاعلم لَهُ بِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا سَقَطَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ هُنَا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا هُنَا وَالْأُخْرَى فِي أَوَّلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو سَعِيدٍ أَيِ الْخُدْرِيُّ وَالْقَائِلُ هُوَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ بَيَّنَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقع فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَشْهَدُ اني حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي حَدِيث أنس عِنْد بن مَسْعُودٍ يُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ انْظُرْ إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ جَمِيعًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَمِثْلَهُ مَعَهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ وَهَذَا مَقْلُوبٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الصَّحِيحِ نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمِثْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعُ أَنْ يَكُونَ عَشَرَةُ الْأَمْثَالِ إِنَّمَا سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ فِي حَقِّ آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا وَالْمَذْكُورُ هُنَا فِي حَقِّ جَمِيعِ مَنْ يَخْرُجُ بِالْقَبْضَةِ وَجَمَعَ عِيَاضٌ بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ أَوَّلًا قَوْلَهُ وَمِثْلَهُ مَعَهُ فَحَدَّثَ بِهِ ثُمَّ حَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّيَادَةِ فَسَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مَعًا أَوَّلًا ثُمَّ سَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ الزِّيَادَةَ بَعْدُ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَبَّهْتُ عَلَى أَكْثَرِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ أَنَّ الْعَشَرَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَصْلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أنس عَن بن مَسْعُودٍ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ الدُّنْيَا فَيُطَابِقُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لمُسلم عَن بن مَسْعُودٍ لَكَ مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْكَلَابَاذِيُّ إِمْسَاكُهُ أَوَّلًا عَنِ السُّؤَالِ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ وَاللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ لِأَنَّهُ يُحِبُّ صَوْتَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ فَيُبَاسِطُهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا لَعَلَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ هَذَا تَسْأَلُ غَيْرَهُ وَهَذِهِ حَالَةُ الْمُقَصِّرِ فَكَيْفَ حَالَةُ الْمُطِيعِ وَلَيْسَ نَقْضُ هَذَا الْعَبْدِ عَهْدَهُ وَتَرْكُهُ مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ جَهْلًا مِنْهُ وَلَا قِلَّةَ مُبَالَاةٍ بَلْ عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ نَقْضَ هَذَا الْعَهْدِ أَوْلَى مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ لِأَنَّ سُؤَالَهُ رَبَّهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ السُّؤَالِ مُرَاعَاةً لِلْقَسَمِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَلَى يَمِينِهِ وليأت الَّذِيهُوَ خَيْرٌ فَعَمِلَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْخَبَرِ وَالتَّكْفِيرُ قَدِ ارْتَفَعَ عَنْهُ فِي الْآخِرَة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ مُخَاطَبَةِ الشَّخْصِ بِمَا لَا تُدْرَكُ حَقِيقَتُهُ وَجَوَازُ التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يَفْهَمُهُ وَأَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي فِي الْآخِرَةِ لَا تُشَبَّهُ بِمَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَصْلِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَفَاوُتِ الصِّفَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِالنَّظَرِيِّ وَأَنَّ الْكَلَامَ إِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِأَمْرَيْنِ يَأْتِي الْمُتَكَلِّمُ بِشَيْءٍ يَتَخَصَّصُ بِهِ مُرَادُهُ عِنْدَ السَّامِعِ وَأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَنْقَطِعُ إِلَّا بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ وَأَنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ فِي الْمَوْقِفِ يَقَعُ بِالِاضْطِرَارِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَلَبَّسَ بِهِ الْمُنَافِقُ ظَاهِرًا بَقِيَتْ عَلَيْهِ حُرْمَتُهُ إِلَى أَنْ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بِإِطْفَاءِ النُّورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّ الصِّرَاطَ مَعَ دِقَّتِهِ وَحِدَّتِهِ يَسَعُ جَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ مُنْذُ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَفِيهِ أَنَّ النَّارَ مَعَ عِظَمِهَا وَشِدَّتِهَا لَا تَتَجَاوَزُ الْحَدَّ الَّذِي أُمِرَتْ بِإِحْرَاقِهِ وَالْآدَمِيُّ مَعَ حَقَارَةِ جِرْمِهِ يُقْدِمُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ فَفِيهِ مَعْنًى شَدِيدٌ مِنَ التَّوْبِيخِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَوْبِيخِ الطُّغَاةِ وَالْعُصَاةِ وَفِيهِ فَضْلُ الدُّعَاءِ وَقُوَّةُ الرَّجَاءِ فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الدَّاعِي أَهْلًا لِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ لَكِنَّ فَضْلَ الْكَرِيمِ وَاسِعٌ وَفِي قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَا أَغْدَرَكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُوصَفُ بِالْفِعْلِ الذَّمِيمِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْيَوْمِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْأَصْلِ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَقَدْ أُطْلِقَ اسْمُ الْيَوْمِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الشَّفَاعَةِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا لِمُذْنِبٍ قَالَ عِيَاضٌ وَفَاتَ هَذَا الْقَائِلَ أَنَّهَا قَدْ تَقَعُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ أَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ فَيَحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ الْعَفْوِ عَنْ تَقْصِيرِهِ وَكَذَا كُلُّ عَامِلٍ يَخْشَى أَنْ لَا يُقْبَلَ عَمَلُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الشَّفَاعَةِ فِي قَبُولِهِ قَالَ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلُ أَنْ لَا يَدْعُوَ بِالْمَغْفِرَةِ وَلَا بِالرَّحْمَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَفُ فِي أَدْعِيَتِهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُؤْمَرُونَ بِالسُّجُودِ وَقَدْ مُنِعُوا مِنْهُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ حِينَئِذٍ لِلتَّعْجِيزِ وَالتَّبْكِيتِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ وَوَكَلَ عِلْمَ حَقِيقَتِهَا إِلَى اللَّهِ فَهُوَ الْحَقُّ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ فَسَّرَ الْإِتْيَانَ بِالتَّجَلِّي هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَهُ .

     قَوْلُهُ  هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَزِيدَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَتَأْكِيدِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْمَجَازَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ السَّالِمِيَّةِ وَنَحْوُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَبَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ يَرَوْنَ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعد رفع رؤوسهم مِنَ السُّجُودِ وَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ لِلْمُنَافِقَيْنِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ.

.
وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ الَّتِي اشْتَرَكَ فِيهَا الْجَمِيعُ قَبْلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ صُورَةُ الْمَلَكِ وَغَيْرِهِ.

.

قُلْتُ وَلَا مَدْخَلَ أَيْضًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ وَأَنَّهُمْ يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَفِيهِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مُذْنِبِي هَذِهِ الْأُمَّةِ يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ بِالشَّفَاعَةِ وَالرَّحْمَةِ خِلَافًا لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ بِضُرُوبٍ مُتَكَلِّفَةٍ وَالنُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ مُتَضَافِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ وَأَنَّ تَعْذِيبَ الْمُوَحِّدِينَ بِخِلَافِ تَعْذِيبِ الْكُفَّارِ لِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهِمْ مِنْ أَخْذِ النَّارِ بَعْضَهُمْ إِلَى سَاقِهِ وَأَنَّهَا لَا تَأْكُلُ أَثَرَ السُّجُودِ وَأَنَّهُمْ يَمُوتُونَ فَيَكُونُ عَذَابُهُمْ إِحْرَاقَهُمْ وَحَبْسَهُمْ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ سَرِيعًا كَالْمَسْجُونِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَمُوتُونَ أَصْلًا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ وَلَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً يَسْتَرِيحُونَ بِهَا عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ قَوْلِهِيَمُوتُونَ فِيهَا إِمَاتَةً بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ الْمَوْتُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْبَةِ إِحْسَاسِهِمْ وَذَلِكَ لِلرِّفْقِ بِهِمْ أَوْ كَنَّى عَنِ النَّوْمِ بِالْمَوْتِ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ النَّوْمَ وَفَاةً وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ مَاتُوا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِخْرَاجَهُمْ أَمَسَّهُمْ أَلَمَ الْعَذَابِ تِلْكَ السَّاعَةَ قَالَ وَفِيهِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْآدَمِيُّ مِنْ قُوَّةِ الطَّمَعِ وَجَوْدَةِ الْحِيلَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ فَطَلَبَ أَوَّلًا أَنْ يُبْعَدَ مِنَ النَّارِ لِيَحْصُلَ لَهُ نِسْبَةٌ لَطِيفَةٌ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ طَلَبَ الدُّنُوَّ مِنْهُمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ طَلَبَ الدُّنُوَّ مِنْ شَجَرَةٍ بَعْدَ شَجَرَةٍ إِلَى أَنْ طَلَبَ الدُّخُولَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ صِفَاتِ الْآدَمِيِّ الَّتِي شُرِّفَ بِهَا عَلَى الْحَيَوَانِ تَعُودُ لَهُ كُلُّهَا بَعْدَ بَعْثَتِهِ كَالْفِكْرِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَاتٍ فِي غُضُونِ كَلَامِهِ وَالله الْمُسْتَعَان( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ فِي الْحَوْضُ)
أَيْ حَوْضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمْعُ الْحَوْضِ حِيَاضٌ وَأَحْوَاضٌ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَاءِ وَإِيرَادُ الْبُخَارِيِّ لِأَحَادِيثِ الْحَوْضِ بَعْدَ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَبَعْدَ نَصْبِ الصِّرَاطِ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْوُرُودَ عَلَى الْحَوْضِ يَكُونُ بَعْدَ نَصْبِ الصِّرَاطِ وَالْمُرُورِ عَلَيْهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي فَقَالَ أَنَا فَاعِلٌ فَقُلْتُ أَيْنَ أَطْلُبُكَ قَالَ اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ.

.

قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ قَالَ أَنَا عِنْدَ الْمِيزَانِ.

.

قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ قَالَ أَنَا عِنْدَ الْحَوْضِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ الْحَوْضِ بَعْدَ الصِّرَاطِ بِمَا سَيَأْتِي فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ جَمَاعَةً يُدْفَعُونَ عَنِ الْحَوْضِ بَعْدَ أَنْ يَكَادُوا يَرِدُونَ وَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الَّذِي يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى الْحَوْضِ يَكُونُ قَدْ نَجَا مِنَ النَّارِ فَكَيْفَ يُرَدُّ إِلَيْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ يُقَرَّبُونَ مِنَ الْحَوْضِ بِحَيْثُ يَرَوْنَهُ وَيَرَوْنَ النَّارَ فَيُدْفَعُونَ إِلَى النَّارِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُصُوا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّرَاطِ.

     وَقَالَ  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْقُوتِ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّرَاطِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْعَكْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَالْآخَرُ دَاخِلَ الْجَنَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى كَوْثَرًا.

.

قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَوْثَرَ نَهَرٌ دَاخِلَ الْجَنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي وَمَاؤُهُ يُصَبُّ فِي الْحَوْضِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَوْضِ كَوْثَرٌ لِكَوْنِهِ يُمَدُّ مِنْهُ فَغَايَةُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ قَبْلَ الصِّرَاطِ فَإِنَّ النَّاسَ يَرِدُونَ الْمَوْقِفَ عَطَاشَى فَيَرِدُ الْمُؤْمِنُونَ الْحَوْضَ وَتَتَسَاقَطُ الْكُفَّارُ فِي النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَقُولَوا رَبَّنَا عَطِشْنَا فَتُرْفَعُ لَهُمْ جَهَنَّمُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ أَلَا تَرِدُونَ فَيَظُنُّونَهَا مَاءً فَيَتَسَاقَطُونَ فِيهَا وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْحَوْضَ يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْقُرْطُبِيِّ لَا لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصِّرَاطَ جِسْرُ جَهَنَّمَ وَأَنَّهُ بَيْنَ الْمَوْقِفِ وَالْجَنَّةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَلَوْ كَانَ الْحَوْضُ دُونَهُ لَحَالَتِ النَّارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي يُصَبُّ مِنَ الْكَوْثَرِ فِي الْحَوْضِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَوْضَ بِجَانِبِ الْجَنَّةِ لِيَنْصَبَّ فِيهِ الْمَاءُ مِنَ النَّهر الَّذِي داخلها وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَيُفْتَحُ نَهَرُ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْحَوْضِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ يَقَعُ بَعْدَ الْحِسَابِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ مَنْ لَا يَظْمَأُ أَنْ لَا يُعَذَّبَ بِالنَّارِ وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ التَّعْذِيبُ مِنْهُمْ أَنْ لَا يُعَذَّبَ فِيهَا بِالظَّمَأِ بَلْ بِغَيْرِهِ.

.

قُلْتُ وَيَدْفَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيث أبي بن كَعْب عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ فِي ذِكْرِ الْحَوْضِ وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ لَمْ يُرْوَ أَبَدًا وَعِنْدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى رَسُولِاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَنَهِيكُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عِنْدَ انْسِلَاخِ رَجَبٍ فَلَقِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالْبَعْثِ وَفِيهِ تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بادية لَهُ صفاحكم لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فَيَأْخُذُ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَيَنْضَحُ بِهَا قِبَلَكُمْ فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يُخْطِئُ وَجْهَ أَحَدِكُمْ قَطْرَةٌ فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ.

.
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ مِثْلَ الْخِطَامِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ وَيَنْصَرِفُ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ فَيَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنَ النَّارِ يَطَأُ أَحَدُكُمُ الْجَمْرَةَ فَيَقُولُ حَسِّ فَيَقُولُ رَبُّكَ أَوَانُهُ إِلَا فَيَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ على إظماء وَالله ناهلة رَأَيْتهَا ابدا مَا يَبْسُطُ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلَّا وَقَعَ على قدح الحَدِيث وَأخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الصِّرَاطِ .

     قَوْلُهُ  وَقَول الله تَعَالَى انا اعطيناك الْكَوْثَر أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَوْثَرِ النَّهَرُ الَّذِي يَصُبُّ فِي الْحَوْضِ فَهُوَ مَادَّةُ الْحَوْضِ كَمَا جَاءَ صَرِيحًا فِي سَابِعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَمَضَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ نَحْوُهُ مَعَ زِيَادَةِ بَيَانٍ فِيهِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَام على حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ وَجَاءَ إِطْلَاقُ الْكَوْثَرِ عَلَى الْحَوْضِ فِي حَدِيثِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الْكَوْثَرِ هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي وَقَدِ اشْتُهِرَ اخْتِصَاصُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَوْضِ لَكِنْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَأَنَّ الْمُرْسَلَ أَصَحُّ قلت والمرسل أخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى حَوْضِهِ بِيَدِهِ عَصًا يَدْعُو مَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ تَبَعًا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَبَعًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَمُرَةَ مَوْصُولًا مَرْفُوعا مثله وَفِي سَنَده لين واخرج بن أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ يَدْعُو أُمَّتَهُ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْفِئَامُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْعُصْبَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْوَاحِدُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الِاثْنَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ وَإِنِّي لَأَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي إِسْنَادِهِ لِينٌ وَإِنْ ثَبَتَ فَالْمُخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَوْثَرُ الَّذِي يُصَبُّ مِنْ مَائِهِ فِي حَوْضِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ نَظِيرُهُ لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ الِامْتِنَانُ عَلَيْهِ بِهِ فِي السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ تَبَعًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ فِي غَالِبِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَهُ وَيُصَدِّقَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ خَصَّ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَوْضِ الْمُصَرَّحِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ وَشَرَابِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الشَّهِيرَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِهَا الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ إِذْ رَوَى ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّحَابَةِ نَيِّفٌ عَلَى الثَّلَاثِينَ مِنْهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يُنِيفُ عَلَى الْعِشْرِينَ وَفِي غَيْرِهِمَا بَقِيَّةُ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّ نَقْلُهُ وَاشْتُهِرَتْ رُوَاتُهُ ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ مِنَ التَّابِعِينَ أَمْثَالُهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِهِمْ وَهَلُمَّ جَرًّا وَأَجْمَعَ عَلَى إِثْبَاتِهِ السَّلَفُ وَأَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْخَلَفِ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَأَحَالُوهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَغَلَوْا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَالَةٍ عَقْلِيَّةٍ وَلَا عَادِيَّةٍ تَلْزَمُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إِلَى تَأْوِيلِهِ فَخَرَقَ مَنْ حَرَّفَهُ إِجْمَاعَ السَّلَفِ وَفَارَقَ مَذْهَبَ أَئِمَّةِ الْخَلَفِ.

.

قُلْتُ أَنْكَرَهُ الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَمِمَّنْ كَانَ يُنْكِرُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَحَدُ أُمَرَاءِ الْعِرَاقِ لِمُعَاوِيَةَ وَوَلَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ شَهِدْتُ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَحَدَّثَنِي فُلَانٌ وَكَانَ فِي السِّمَاطِ فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا أَنَّ بن زِيَادٍ ذَكَرَ الْحَوْضَ فَقَالَ هَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ فِيهِ شَيْئًا فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ نَعَمْ لَا مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا وَلَا أَرْبَعًا وَلَا خَمْسًا فَمَنْ كَذَبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِمِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ حِبَّانَ التَّيْمِيِّ شهِدت زيد بن أَرقم وَبعث إِلَيْهِ بن زِيَادٍ فَقَالَ مَا أَحَادِيثُ تَبْلُغُنِي أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضًا فِي الْجَنَّةِ قَالَ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي سَبْرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْهُذَلِيِّ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ مَا أُصَدِّقُ بِالْحَوْضِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَهُ أَبُو بَرْزَةَ وَالْبَرَاءُ وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ لَهُ أَبُو سَبْرَةَ بَعَثَنِي أَبُوكَ فِي مَالٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَلَقِيَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَحَدَّثَنِي وَكَتَبْتُهُ بِيَدِي مِنْ فِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَوْعِدُكُمْ حَوْضِي الحَدِيث فَقَالَ بن زِيَادٍ حِينَئِذٍ أَشْهَدُ أَنَّ الْحَوْضَ حَقٌّ وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ دخلت على بن زِيَادٍ وَهُمْ يَذْكُرُونَ الْحَوْضَ فَقَالَ هَذَا أَنَسٌ فَقُلْتُ لَقَدْ كَانَتْ عَجَائِزُ بِالْمَدِينَةِ كَثِيرًا مَا يَسْأَلْنَ رَبَّهُنَّ أَنْ يَسْقِيَهُنَّ مِنْ حَوْضِ نَبِيِّهِنَّ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَرُوِّينَا فِي فَوَائِدِ الْعِيسَوِيِّ وَهُوَ فِي الْبَعْثِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ وَفِيهِ مَا حَسِبْتُ أَنْ أَعِيشَ حَتَّى أَرَى مِثْلَكُمْ يُنْكِرُ الْحَوْضَ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ وَسَيَأْتِيهِ قَوْمٌ ذَابِلَةٌ شِفَاهُهُمْ لَا يُطْعَمُونَ مِنْهُ قَطْرَةً مَنْ كَذَّبَ بِهِ الْيَوْمَ لَمْ يُصِبِ الشُّرْبَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ وَيَزِيدُ ضَعِيفٌ لَكِنْ يُقَوِّيهِ مَا مَضَى وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ قَالَ عِيَاضٌ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَحَادِيثَ الْحَوْض عَن بن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَجُنْدُبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعقبَة بن عَامر وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَحَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ وَالْمُسْتَوْرِدِ وَأَبِي ذَرٍّ وَثَوْبَانَ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ وَرَوَاهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَخَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَسُوَيْدِ بْنِ جَبَلَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِهِ مُسْتَدْرِكًا عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَآخَرِينَ وَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ بِأَسَانِيدِهِ وَطُرُقِهِ الْمُتَكَاثِرَةِ.

.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَسَبَ عِيَاضٌ لِمُسْلِمٍ تَخْرِيجَهُ عَنْهُمْ إِلَّا أُمَّ سَلَمَةَ وَثَوْبَانَ وَجَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ وَأَبَا ذَرٍّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُمَا أَيْضًا وَأَغْفَلَهُمَا عِيَاضٌ وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَأَغْفَلَ عِيَاضٌ أَيْضًا نِسْبَةَ الْأَحَادِيثِ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي عَوَانَةَ وَغَيْرِهِمَا وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ وَحَدِيثُ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ بن حِبَّانَ وَغَيْرِهِ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ جَبَلَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَكَذَا ذكره بن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة وَجزم بن أَبِي حَاتِمٍ بِأَنَّ حَدِيثَهُ مُرْسَلٌ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ فَغَلِطَ عِيَاضٌ فِي اسْمِهِ وَإِنَّمَا هُوَ الصُّنَابِحُ بْنُ الْأَعْسَرِ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ احْمَد وبن مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْحَدِيثَ فَإِنْ كَانَ كَمَا ظَنَنْتُ وَكَانَ ضَبْطُ اسْمِ الصَّحَابِيِّ وَأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ فَتَزِيدُ الْعِدَّةُ وَاحِدًا لَكِنْ مَا عَرَفْتُ مَنْ خَرَّجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ آخَرُ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيِّ التَّابِعِيِّ الْمَشْهُورِ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ إِنَّ الْبَيْهَقِيَّ اسْتَوْعَبَ طُرُقَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ أَخْرَجَ زِيَادَةً عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا حَيْثُ قَالَ وَآخَرِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَلَا سُوَيْدٍ وَلَا الصُّنَابِحِيِّ وَلَا خَوْلَةَ وَلَا الْبَرَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ زِيَادَةً إِلَّا مِنْ مُرْسَلِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى انا اعطيناك الْكَوْثَر وَقَدْ جَاءَ فِيهِ عَمَّنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ جَمِيعًا من حَدِيث بن عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ وَمن حَدِيثكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَعَنْ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَمِنْ حَدِيثِ أَخِي زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَيُقَالُ إِنَّ اسْمَهُ ثَابِتٌ عِنْدَ احْمَد وَمن حَدِيث أبي الدَّرْدَاء عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ وَمِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى أَيْضًا وَأَبِي بَكْرَةَ وَخَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ كلهَا عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ وَمِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عِنْد بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَبْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَوْفَى وَكُلُّهَا فِي الطَّبَرَانِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَمن حَدِيث النواس بن سمْعَان عِنْد بن أَبِي الدُّنْيَا وَمِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ وَلَفْظُهُ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ أَطْوَلُكُنَّ يَدًا الْحَدِيثَ وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ فِي مُسْنده وَذكره بن مَنْدَهْ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف وَذكره بن كَثِيرٍ فِي نِهَايَتِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَذكره بن الْقَيِّمِ فِي الْحَاوِي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ وَأَظُنُّهُ عَنْ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَجَمِيعُ مَنْ ذَكَرَهُمْ عِيَاضٌ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نَفْسًا وَزَادَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ ثَلَاثَةً وَزِدْتُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَدْرَ مَا ذَكَرُوهُ سَوَاءً فَزَادَتِ الْعِدَّةُ عَلَى الْخَمْسِينَ وَلِكَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الْحَدِيثِ الْوَاحِد كَأبي هُرَيْرَة وَأنس وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَحَادِيثُهُمْ بَعْضُهَا فِي مُطْلَقِ ذِكْرِ الْحَوْضِ وَفِي صِفَتِهِ بَعْضُهَا وَفِيمَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا وَفِيمَنْ يُدْفَعُ عَنْهُ بَعْضُهَا وَكَذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَجُمْلَةُ طُرُقِهَا تِسْعَةَ عَشَرَ طَرِيقًا وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَصَلَهَا إِلَى رِوَايَةِ ثَمَانِينَ صَحَابِيًّا الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ بن عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ .

     قَوْلُهُ  اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَفِيهِ كَلَامُ الْأَنْصَارِ لَمَّا قُسِمَتْ غَنَائِمُ حَنِينٍ فِي غَيْرِهِمْ وَفِيهِ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ عَن بن مَسْعُودٍ مَوْصُولًا وَعَنْ حُذَيْفَةَ مُعَلَّقًا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الصِّرَاطُ جِسْرُ جَهَنَّمَ)
أَيِ الْجِسْرُ الْمَنْصُوبُ عَلَى جَهَنَّمَ لِعُبُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لَفْظُ الْجِسْرِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الْمَاضِيَةِ فِي بَابُ فَضْلِ السُّجُودِ بِلَفْظِ ثُمَّ يُضْرَبُ الصِّرَاطُ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى ذَلِكَ

[ قــ :6232 ... غــ :6573] .

     قَوْلُهُ  عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَعِيدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ قَوْله وحَدثني مَحْمُود هُوَ بن غَيْلَانَ وَسَاقَهُ هُنَا عَلَى لَفْظِ مَعْمَرٍ وَلَيْسَ فِي سَنَدِهِ ذِكْرُ سَعِيدٍ وَكَذَا يَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ سَعِيدٍ وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى يَوْم نَدْعُو كل اناس بامامهم عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ بِلَفْظِ قُلْنَا .

     قَوْلُهُ  هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَة فِي التقيد بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَمْ يَقَعْ عَنِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْبَحْثِ فِيهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَقَعَ عَلَى سَبَبٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْحَشْرَ وَالْقَوْلُ لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ وَقَوْلُ الْمُسْلِمِينَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا قَالُوا وَهَلْ نَرَاهُ فَذَكَرَهُ وَمَضَى فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ وَقَعَ عِنْدَ سُؤَالِهِمُ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  هَلْ تُضَارُّونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ مِنَ الضَّرَرِ وَأَصْلُهُ تضَارونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا أَيْ لَا تَضُرُّونَ أَحَدًا وَلَا يَضُرُّكُمْ بِمُنَازَعَةٍ وَلَا مُجَادَلَةٍ وَلَا مُضَايِقَةٍ وَجَاءَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنَ الضَّيْرِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الضُّرِّ أَيْ لَا يُخَالِفُ بَعْضٌ بَعْضًا فَيُكَذِّبُهُ وَيُنَازِعُهُ فَيُضِيرُهُ بِذَلِكَ يُقَالُ ضَارَّهُ يُضِيرُهُ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا تَضَايَقُونَ أَيْ لَا تَزَاحَمُونَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تُضَامُّونَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا يحجب بَعْضكُم بَعْضًا عَن الرُّؤْيَة فيضربه وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ ضَرَّنِي فُلَانٌ إِذَا دَنَا مِنِّي دنوا شَدِيدا قَالَ بن الْأَثِيرِ فَالْمُرَادُ الْمُضَارَّةُ بِازْدِحَامٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ أَوَّلُهُ مَضْمُومٌ مُثَقَّلًا وَمُخَفَّفًا قَالَ وَرَوَى تَضَامُّونَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَهُوَ مِنَ الضَّمِّ وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الضَّيْمِ وَالْمُرَادُ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ قَالَ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الَّذِي بِالرَّاءِ وَبِالْمِيمِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ ظَاهِرُ الْمَعْنَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَا تُضَامُونَ أَوْ تُضَاهُونَ بِالشَّكِّ كَمَا مَضَى فِي فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَمَعْنَى الَّذِي بِالْهَاءِ لَا يَشْتِبَهُ عَلَيْكُمْ وَلَا تَرْتَابُونَ فِيهِ فَيُعَارِضُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَعْنَى الضَّيْمِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْحَقِّ وَالِاسْتِبْدَادُ بِهِ أَيْ لَا يَظْلِمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَتَقَدَّمَ فِي بَابُ فَضْلِ السُّجُودِ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ هَلْ تُمَارُونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ تُجَادِلُونَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَدْخُلُكُمْ فِيهِ شَكٌّ مِنَ الْمِرْيَةِ وَهُوَ الشَّكُّ وَجَاءَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ تَتَمَارَوْنَ بِإِثْبَاتِهِمَا .

     قَوْلُهُ  تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ الْمُرَادُ تَشْبِيهُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْوُضُوحِ وَزَوَالِ الشَّكِّ وَرَفْعِ الْمَشَقَّةِ وَالِاخْتِلَافِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا الطَّيِّبِ الصُّعْلُوكِيَّ يَقُولُ تُضَامُّونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ يُرِيدُ لَا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ فِي جِهَةٍ وَلَا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يُرَى فِي جِهَةٍ وَمَعْنَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لَا تَتَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِالِاجْتِمَاعِ فِي جِهَةٍ وَهُوَ بِغَيْرِ تَشْدِيدٍ مِنَ الضَّيْمِ مَعْنَاهُ لَا تُظْلَمُونَ فِيهِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتِكُمْ كُلِّهَا وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الْجِهَةِ قَالَ وَالتَّشْبِيهُ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لِتَعْيِينِ الرُّؤْيَةِ دُونَ تَشْبِيهِ الْمَرْئِيِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِنَّمَا خَصَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ رُؤْيَةَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ سَحَابٍ أَكْبَرُ آيَةٍ وَأَعْظَمُ خَلْقًا مِنْ مُجَرَّدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِمَا خُصَّا بِهِ مِنْ عَظِيمِ النُّورِ وَالضِّيَاءِ بِحَيْثُ صَارَ التَّشْبِيهُ بِهِمَا فِيمَنْ يُوصَفُ بِالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ سَائِغًا شَائِعا فِي الِاسْتِعْمَال.

     وَقَالَ  بن الْأَثِيرِ قَدْ يَتَخَيَّلُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْكَافَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلْمَرْئِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هِيَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلرُّؤْيَةِ وَهُوَ فِعْلُ الرَّائِي وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ رُؤْيَةٌ مُزَاحٌ عَنْهَا الشَّكُّ مِثْلُ رُؤْيَتِكُمُ الْقَمَرَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي الِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ الْقَمَرِ قَبْلَ الشَّمْسِ مُتَابَعَةً لِلْخَلِيلِ فَكَمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فِي الْمِلَّةِ اتَّبَعَهُ فِي الدَّلِيلِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَبِيبُ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ فَاسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى حَالِهِ لِأَنَّ الْخُلَّةَ تَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ وَالْمَحَبَّةِ لَا تَقَعُ غَالِبًا إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ وَفِي عَطْفِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ مَعَ أَنَّ تَحْصِيلَ الرُّؤْيَةِ بِذِكْرِهِ كَافٍ لِأَنَّ الْقَمَرَ لَا يُدْرِكَ وَصْفَهُ الْأَعْمَى حِسًّا بَلْ تَقْلِيدًا وَالشَّمْسُ يُدْرِكُهَا الْأَعْمَى حِسًّا بِوُجُودِ حَرِّهَا إِذَا قَابَلَهَا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ مَثَلًا فَحَسُنَ التَّأْكِيدُ بِهَا قَالَ وَالتَّمْثِيلُ وَاقِعٌ فِي تَحْقِيقِ الرُّؤْيَةِ لَا فِي الْكَيْفِيَّةِ لِأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مُتَحَيِّزَانِ وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَلَيْسَ فِي عَطْفِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ إِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَرِيرٍ الْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْقَمَرِ أَنَّهُ تَتَيَسَّرُ رُؤْيَتُهُ لِلرَّائِي بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَحْدِيقٍ يَضُرُّ بِالْبَصَرِ بِخِلَافِ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا حِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُرُودَ ذِكْرِ الشَّمْسِ بَعْدَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَجْلِسَ وَاحِدٌ خُدِشَ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ ثُمَّ يَتَوَارَى قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ مُمْكِنَةٌ وَنَفَتْهَا الْمُبْتَدِعَةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُمْ فَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِهَا فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَجَابَ الْأَئِمَّةُ عَنِ اعْتِرَاضَاتِ الْمُبْتَدِعَةِ بِأَجْوِبَةٍ مَشْهُورَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّؤْيَةِ تَقَابُلُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْتَرَضَ بن الْعَرَبِيِّ عَلَى رِوَايَةِ الْعَلَاءِ وَأَنْكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ الْوَاقِعَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الْوَاسِطَةِ لِأَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ الْكُفَّارَ وَلَا يَرَوْنَهُ أَلْبَتَّةَ.

.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يَرَوْنَهُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ .

     قَوْلُهُ  يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ يَحْشُرُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي مَكَانٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّعِيدُ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ وَيَنْفُذُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ يَخْرِقُهُمْ بِمُعْجَمَةٍ وَقَافٍ حَتَّى يُجَوِّزُهُمْ وَقِيلَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَسْتَوْعِبُهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْمُرَادُ بَصَرُ النَّاظِرِينَ وَهُوَ أَوْلَى.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ لَا يخفى مِنْهُم أحد لَوْ دَعَاهُمْ دَاعٍ لَسَمِعُوهُ وَلَوْ نَظَرَ إِلَيْهِمْ نَاظر لأدركهم قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدَّاعِي هُنَا مَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ لِقَوْلِهِ يَوْمَ يدع الداع وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِ الْمَوْقِفِ فِي بَابُ الْحَشْرِ وَزَادَ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَته فَيطلع عَلَيْهِم رب الْعَالمين قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُطَّلِعًا عَلَى خَلْقِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِعْلَامُهُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ وَأَصْلُهُ فِي النَّسَائِيِّ إِذَا حُشِرَ النَّاسُ قَامُوا أَرْبَعِينَ عَامًا شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَالشَّمْسُ على رؤوسهم حَتَّى يُلْجِمَ الْعَرَقُ كُلَّ بَرٍّ مِنْهُمْ وَفَاجِرٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُخَفَّفُ الْوُقُوفُ عَنِ الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ كَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ .

     قَوْلُهُ  فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَر الْقَمَر قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَر مَعَ دخولهما فِيمَن عبد من دُونَ اللَّهِ التَّنْوِيهُ بِذِكْرِهِمَا لِعِظَمِ خَلْقِهِمَا وَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَيّهَا النَّاس أَلَيْسَ عدل مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مَا كَانَ تَوَلَّى قَالَ فَيَقُولُونَ بَلَى ثُمَّ يَقُولُ لِتَنْطَلِقْ كُلُّ أُمَّةٍ إِلَى مَنْ كَانَتْ تَعْبُدُ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا لِيَتْبَعْ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانَ يَعْبُدُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْنَدِ الْحميدِي وصحيح بن خُزَيْمَةَ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَيَلْقَى الْعَبْدُ فَيَقُولُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَيَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ فَيَقُولُ أَلَا نَبْعَثُ عَلَيْكَ شَاهِدًا فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ وَتَنْطِقُ جَوَارِحُهُ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَلَا لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتُ جَمْعُ طَاغُوتٍ وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَالصَّنَمُ وَيَكُونُ جَمْعًا وَمُفْرَدًا وَمُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ كُلُّ طَاغٍ طَغَى عَلَى اللَّهِ يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ إِمَّا بِقَهْرٍ مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَ وَإِمَّا بِطَاعَةٍ مِمَّنْ عَبَدَ إِنْسَانًا كَانَ أَوْ شَيْطَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا قَالَ فَاتِّبَاعُهُمْ لَهُمْ حِينَئِذٍ بِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى الِاعْتِقَادِ فِيهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ بِأَنْ يُسَاقُوا إِلَى النَّارِ قَهْرًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ يَرْضَى بِذَلِكَ أَوِ الجماد وَالْحَيَوَان داخلون فِي ذَلِكَ.

.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ فَلَا لَكِنْ وَقع فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَنْطَلِقُونَ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيَتَمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ وَلِصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَعْمِيمَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ إِلَّا مَنْ سَيُذْكَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُ يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ الْآتِي ذكره وَأما التَّعْبِير بالتمثيل فَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ تَلْبِيسًا عَلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْذِيبَ.

.
وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَيُحْضَرُونَ حَقِيقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّم قَوْله وَتبقى هَذِه الْأمة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ حَتَّى مِنَ الْجِنِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ.

.

قُلْتُ وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَعْدَهُ يُجِيزُونَ أُمَمَهُمْ .

     قَوْلُهُ  فِيهَا مُنَافِقُوهَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغُبَرُ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ غَابِرٍ أَوِ الْغُبَّرَاتُ جَمْعٌ وَغُبَرٌ جَمْعُ غَابِرٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَغْبَارٍ وَغُبْرُ الشَّيْءِ بَقِيَّتُهُ وَجَاءَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ كَانَ يُوَحِّدُ اللَّهَ مِنْهُمْ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فِي مُسلم بالتحتانية بِلَفْظ الَّتِي بِالِاسْتِثْنَاءِ وَجزم عِيَاض وَغَيره بِأَنَّهُ وهم قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَبَرِ مَآلَ الْمَذْكُورِينَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الطَّوَاغِيتِ فِي النَّارِ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مَعَهُمْ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَأَوْرَدَهُمُ النَّار.

.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَرِيبًا فَتَتْبَعُ الشَّيَاطِينَ وَالصَّلِيبَ أَوْلِيَاؤُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ بِمُهْملَة ثمَّ مُوَحدَة فَيُقَال الْيَهُود مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ذِكْرُ النَّصَارَى وَفِيهِ فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْد بن خُزَيْمَة وبن مَنْدَهْ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ صَنَمًا وَلَا وَثَنًا وَلَا صُورَةً إِلَّا ذَهَبُوا حَتَّى يَتَسَاقَطُوا فِي النَّارِ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيُطْرَحُ مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ وَيُقَالُ هَلِ امْتَلَأْتِ فَتَقُولُ هَلْ من مزِيد الْحَدِيثَ وَكَانَ الْيَهُودُ وَكَذَا النَّصَارَى مِمَّنْ كَانَ لَا يَعْبُدُ الصُّلْبَانَ لَمَّا كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى تَأَخَّرُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا حَقَّقُوا عَلَى عِبَادَةِ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أُلْحِقُوا بِأَصْحَابِ الْأَوْثَانِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا الْآيَةَ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِدِينِهِ الْأَصْلِيِّ فَخَرَجَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَبْقَى أَيْضًا مَنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ مِنْ مُخْلِصٍ وَمُنَافِقٍ .

     قَوْلُهُ  فَتَدَّعِي الْيَهُودُ قُدِّمُوا بِسَبَبِ تَقَدُّمِ مِلَّتِهِمْ عَلَى مِلَّةِ النَّصَارَى .

     قَوْلُهُ  فَيُقَالُ لَهُمْ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ قَائِلِ ذَلِكَ لَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا بن اللَّهِ هَذَا فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْيَهُودِ وَأَكْثَرُهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ خُصُوصَ هَذَا الْخِطَابِ لِمَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ وَمَنْ عَدَاهُمْ يَكُونُ جَوَابُهُمْ ذِكْرَ مَنْ كَفَرُوا بِهِ كَمَا وَقَعَ فِي النَّصَارَى فَإِن مِنْهُم من أجَاب بالمسيح بن اللَّهِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ بِزَعْمِهِ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَهُمُ الِاتِّحَادِيَّةُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ .

     قَوْلُهُ  فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ لَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْحُكْمِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَإِذَا قِيلَ جَاءَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو بِكَذَا فَمَنْ كَذَّبَهُ أَنْكَرَ مَجِيئَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا انه بن عَمْرٍو وَهُنَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ عَبَّدُوا وانما انكر عَلَيْهِم ان الْمَسِيح بن اللَّهِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ فِيهِ نفي اللَّازِم وَهُوَ كَونه بن الله ليلزم نفي الْمَلْزُوم وَهُوَ عبَادَة بن اللَّهِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَتَحْصُلُ قَرِينَةٌ بِحَسَبِ الْمَقَامِ تَقْتَضِي الرُّجُوعَ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا أَوْ إِلَى الْمُشَارِ إِلَيْهِ فَقَطْ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَتَأَخَّرُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ فِي الدُّنْيَا فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ لَهُمْ فَمَيَّزَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ إِذْ لَا غُرَّةَ لِلْمُنَافِقِ وَلَا تَحْجِيلَ.

.

قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ خَاصٌّ بِالْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَتَمَيَّزُونَ بِعَدَمِ السُّجُودِ وَبِإِطْفَاءِ نُورِهِمْ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ ثُمَّ يُسْلَبَانِ عِنْدَ إِطْفَاءِ النُّورِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ تَسَتُّرَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ يَنْفَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا كَانَ يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا جَهْلًا مِنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا حُشِرُوا مَعَهُمْ لِمَا كَانُوا يُظْهَرُونَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ فَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ حَتَّى مَيَّزَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَنْ كَانَتْ تَعْبُدُ وَالْمُنَافِقُ لَمْ يَكُنْ يَعْبُدُ شَيْئًا بَقِيَ حَائِرًا حَتَّى مُيِّزَ.

.

قُلْتُ هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِمُنَافِقٍ كَانَ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا وَأَكْثَرُ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ وَثَنٍ وَغَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَتَبَدَّى لَنَا اللَّهُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّنَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ وَرَجَّحَ عِيَاضٌ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الضَّمِيرُ لِلَّهِ وَالْمَعْنَى فَارَقْنَا النَّاسَ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ وَنَحْنُ الْيَوْمَ أَحْوَجُ لِرَبِّنَا أَيْ إِنَّا مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ بَلْ أَحْوَجُ عَلَى بَابِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَحْوَجُ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ إِنْكَارُهُ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ مُعْتَرَضٌ بَلْ مَعْنَاهُ التَّضَرُّعُ إِلَى اللَّهِ فِي كَشْفِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَزِمُوا طَاعَتَهُ وَفَارَقُوا فِي الدُّنْيَا مَنْ زَاغَ عَنْ طَاعَتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِمْ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ كَمَا جَرَى لِمُؤْمِنِي الصَّحَابَةِ حِينَ قَاطَعُوا مِنْ أَقَارِبِهِمْ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ وَالِارْتِفَاقِ بِهِمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا شَكَّ فِي حُسْنِهِ.

.
وَأَمَّا نِسْبَةُ الْإِتْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ كُلَّ مَنْ غَابَ عَنْ غَيْرِهِ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ إِلَّا بِالْمَجِيءِ إِلَيْهِ فَعَبَّرَ عَنِ الرُّؤْيَةِ بِالْإِتْيَانِ مَجَازًا وَقِيلَ الْإِتْيَانُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مَعَ تَنْزِيهِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ وَقِيلَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ يَأْتِيهِمْ بَعْضُ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا الْمَلَكَ جَاءَهُمْ فِي صُورَةٍ أَنْكَرُوهَا لَمَّا رَأَوْا فِيهَا مِنْ سِمَةِ الْحُدُوثِ الظَّاهِرَةِ عَلَى الْمَلَكِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ قَالَ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا رَابِعًا وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى يَأْتِيهِمُ اللَّهُ بِصُورَةٍ أَيْ بِصِفَةٍ تَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الصُّوَرِ الْمَخْلُوقَةِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ صِفَةَ الْإِلَهِ لِيَخْتَبِرَهُمْ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْمَلَكُ أَنَا رَبُّكُمْ وَرَأَوْا عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَةِ الْمَخْلُوقِينَ مَا يَعْلَمُونَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ رَبَّهُمُ اسْتَعَاذُوا مِنْهُ لِذَلِكَ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ يُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَالَ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ ذَلِكَ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الصِّفَةُ وَالْمَعْنَى فَيَتَجَلَّى اللَّهُ لَهُمْ بِالصِّفَةِ الَّتِي يَعْلَمُونَهُ بِهَا وَإِنَّمَا عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَقَدَّمَتْ لَهُمْ رُؤْيَتُهُ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَبُّهُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَعَبَّرَ عَنِ الصِّفَةِ بِالصُّورَةِ لِمُجَانَسَةِ الْكَلَامِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ الصُّورَةِ قَالَ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ صَدَرَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي صَحِيحٌ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ مُصَرِّحٌ بِهِ أَوْ ظَاهِرٌ فِيهِ انْتَهَى وَرَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ مِنَ الِامْتِحَانِ الثَّانِي يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَتَّى ان بَعضهم ليكاد يَنْقَلِب.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا اسْتَعَاذُوا مِنْهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ اسْتِدْرَاجٌ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَمِنَ الْفَحْشَاءِ اتِّبَاعُ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَةٍ أَيْ بِصُورَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ إِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا جَاءَنَا بِمَا عَهِدْنَاهُ مِنْهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ مَعْنَى الْخَبَرِ يَأْتِيهِمُ اللَّهُ بِأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صُوَرِ الْمَلَائِكَةِ بِمَا لَمْ يَعْهَدُوا مِثْلَهُ فِي الدُّنْيَا فَيَسْتَعِيذُونَ مِنْ تِلْكَ الْحَالِ وَيَقُولُونَ إِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا أَتَانَا بِمَا نَعْرِفُهُ مِنْ لُطْفِهِ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ أَيْ عَنْ شِدَّةٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هُوَ مَقَامٌ هَائِلٌ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِيُمَيِّزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ الْمُنَافِقُونَ مُخْتَلِطِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ ظَانِّينَ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا جَازَ فِي الدُّنْيَا امْتَحَنَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ أَتَاهُمْ بِصُورَةٍ هَائِلَةٍ قَالَتْ لِلْجَمِيعِ أَنَا رَبُّكُمْ فَأَجَابَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِهَذَا قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ يَنْقَلِبُ أَيْ يَزِلُّ فَيُوَافِقُ الْمُنَافِقِينَ قَالَ وَهَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رُسُوخٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا الْحَقَّ وَحَوَّمُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ.

.

قُلْتُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهَا فَيَقُولُونَ السَّاقُ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ فَيَصِيرُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا أَيْ يَسْتَوِي فَقَارُ ظَهْرِهِ فَلَا يَنْثَنِي لِلسُّجُودِ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ لَهُ فِي السُّجُودِ أَيْ سَهَّلَ لَهُ وَهَوَّنَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقًا وَاحِدًا كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ لِقَفَاهُ وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ فَيَقُولُونَ إِنِ اعْتَرَفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ قَالَ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ فَيَقَعُونَ سُجُودًا وَتَبْقَى أَصْلَابُ الْمُنَافِقِينَ كَأَنَّهَا صَيَاصِي الْبَقَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ طَبَقًا وَاحِدًا كَأَنَّمَا فِيهَا السَّفَافِيدُ وَهِيَ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءَيْنِ جَمْعُ سَفُّودٍ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُدْخَلُ فِي الشَّاةِ إِذَا أُرِيدَ أَنْ تُشْوَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ بن مَنْدَهْ فَيُوضَعُ الصِّرَاطُ وَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ رَبُّهُمْ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ إِذَا تَعَرَّفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ يَطْلُعُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي فَيَتْبَعُهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ أَيْ يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمْ عِلْمًا قَطْعِيًّا يَعْرِفُونَ بِهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

     وَقَالَ  الْكَلَابَاذِيُّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ عَرَفُوهُ بِأَنْ أَحْدَثَ فِيهِمْ لَطَائِفَ عَرَّفَهُمْ بِهَا نَفْسَهُ وَمَعْنَى كَشْفِ السَّاقِ زَوَالُ الْخَوْفِ وَالْهَوْلِ الَّذِي غَيَّرَهُمْ حَتَّى غَابُوا عَنْ رُؤْيَةِ عَوْرَاتِهِمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سعد ثمَّ نرفع رؤوسنا وَقَدْ عَادَ لَنَا فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَنَقُولُ نَعَمْ أَنْتَ رَبُّنَا وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ فِي أَوَّلِ مَا حُشِرُوا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ غَيْرُ الَّتِي تَقَعُ فِي الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ فَإِنَّ هَذِهِ لِلِامْتِحَانِ وَتِلْكَ لِزِيَادَةِ الْإِكْرَامِ كَمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْحسنى وَزِيَادَة قَالَ وَلَا إِشْكَالَ فِي حُصُولِ الِامْتِحَانِ فِي الْمَوْقِفِ لِأَنَّ آثَارَ التَّكَالِيفِ لَا تَنْقَطِعُ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا حَجَبَ عَنْهُمْ تَحَقُّقَ رُؤْيَتِهِ أَوَّلًا لِمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ رُؤْيَتَهُ فَلَمَّا تَمَيَّزُوا رَفَعَ الْحِجَابَ فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ أَنْتَ رَبُّنَا.

.

قُلْتُ وَإِذَا لُوحِظَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إِذَا تَعَرَّفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ وَمَا ذَكَرْتُ مِنْ تَأْوِيلِهِ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَالْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ أَنْ لَا يَقَعَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا يُخَصُّ بِالْأُخْرَى فَإِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ الِابْتِلَاءُ وَالْفِتْنَةُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّكْلِيفَ خَاصٌّ بِالدُّنْيَا وَمَا يَقَعُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْمَوْقِفِ هِيَ آثَارُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُسْلِمِينَ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ إِلَى نُورِكُمْ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ وَفِي لَفْظٍ فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ وَدُونَ ذَلِكَ وَمِثْلَ النَّخْلَةِ وَدُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورًا إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يطفيء نور الْمُنَافِق وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ فَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورًا ثُمَّ يُوَجَّهُونَ إِلَى الصِّرَاطِ فَمَا كَانَ مِنْ مُنَافِقٍ طفيء نُورُهُ وَفِي لَفْظِ فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ انْظُرُونَا نقتبس من نوركم الْآيَة وَفِي حَدِيث أبي امامة عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ وَإِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَوَاطِنَ حَتَّى يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَتَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ فَتَغْشَى النَّاسَ الظُّلْمَةُ فَيُقْسَمُ النُّورُ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ وَلَا يُعْطَى الْكَافِرُ وَلَا الْمُنَافِقُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظرونا نقتبس من نوركم الْآيَةَ فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِمَ فِيهِ النُّورُ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيُضْرَبُ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ .

     قَوْلُهُ  فَيَتْبَعُونَهُ قَالَ عِيَاضٌ أَيْ فَيَتْبَعُونَ أَمْرَهُ أَوْ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ تَنْبِيهٌ حَذَفَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ كَمَا حَذَفَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا ثَبَتَ هُنَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْمَوْقِفِ فَيَنْتَظِمُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُمْ إِذَا حُشِرُوا وَقَعَ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ تَسَاقُطِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَيَبْقَى مَنْ عَدَاهُمْ فِي كَرْبِ الْمَوْقِفِ فَيَسْتَشْفِعُونَ فَيَقَعُ الْإِذْنُ بِنَصْبِ الصِّرَاطِ فَيَقَعُ الِامْتِحَانُ بِالسُّجُودِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُنَافِقُ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثُمَّ يَجُوزُونَ عَلَى الصِّرَاطِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هُنَا ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ .

     قَوْلُهُ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ يَجُوزُ بِأُمَّتِهِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ يُجِيزُهَا وَالضَّمِيرُ لِجَهَنَّمَ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ جَازَ الْوَادِيَ مَشَى فِيهِ وَأَجَازَهُ قَطَعَهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ جَازَ وَأَجَازَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمَعْنَى أَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يَمْضِي عَلَى الصِّرَاطِ وَيَقْطَعُهُ يَقُولُ جَازَ الْوَادِيَ وَأَجَازَهُ إِذَا قَطَعَهُ وَخَلَّفَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ هُنَا لِلتَّعَدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ وَأُمَّتُهُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ لَزِمَ تَأْخِيرُ غَيْرِهِمْ عَنْهُمْ حَتَّى يَجُوزَ فَإِذَا جَازَ هُوَ وَأُمَّتُهُ فَكَأَنَّهُ أَجَازَ بَقِيَّةَ النَّاسِ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُومُ فَتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا فَيَأْخُذُونَ الْجِسْرَ فَيَطْمِسُ اللَّهُ أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ فَيَتَهَافَتُونَ مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ وَيَنْجُو النَّبِيُّ وَالصَّالِحُونَ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ وَفِيهِ فَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا فَنَمُرُّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ فَتَقُولُ الْأُمَمُ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ .

     قَوْلُهُ  وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ وَقَولُهُمُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الصِّرَاطِ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَالضَّمِيرُ فِي الْأَوَّلِ لِلرُّسُلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْكَلَامِ شِعَارَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْطِقُوا بِهِ بَلْ تَنْطِقُ بِهِ الرُّسُلُ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالسَّلَامَةِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ شِعَارًا لَهُمْ فَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَمَرِّ الْبَرْقِ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّحَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ فَيَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلُ جِيَاد الْخَيل والركاب وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ ثُمَّ كَالْبَرْقِ ثُمَّ كَالسَّحَابِ ثُمَّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَشَدِّ الْفَرَسِ ثُمَّ كَشَدِّ الرَّحْلِ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ الَّذِي أُعْطِيَ نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ يَجُرُّ بِيَدٍ وَيَعْلَقُ يَدٌ وَيَجُرُّ بِرِجْلٍ وَيَعْلَقُ رِجْلٌ وَتَضْرِبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ حَتَّى يَخْلُصَ وَعِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّعْرَاء عَن بن مَسْعُودٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ ثُمَّ الرِّيحِ ثُمَّ الطَّيْرِ ثُمَّ أَجْوَدِ الْخَيْلِ ثُمَّ أَجْوَدِ الْإِبِلِ ثُمَّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ حَتَّى إِنَّ آخِرَهُمْ رَجُلٌ نُورُهُ عَلَى مَوْضِعِ إِبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّرَاط وَعند هناد بن السرى عَن بن مَسْعُودٍ بَعْدَ الرِّيحِ ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْيًا ثُمَّ مَشْيًا ثُمَّ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لِمَ أَبْطَأْتَ بِي فَيَقُولُ أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ وَلِابْنِ الْمُبَارَكَ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ فَيَجُوزُ الرَّجُلُ كَالطَّرْفِ وَكَالسَّهْمِ وَكَالطَّائِرِ السَّرِيعِ وَكَالْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ وَيَجُوزُ الرَّجُلُ يَعْدُو عَدْوًا وَيَمْشِي مَشْيًا حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يَنْجُو يَحْبُو .

     قَوْلُهُ  وَبِهِ كَلَالِيبُ الضَّمِيرُ لِلصِّرَاطِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَفِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا وَفِي حَافَّتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ وَعَلَيْهِ كَلَالِيبُ النَّارِ وَكَلَالِيبُ جَمْعُ كَلُّوبٍ بِالتَّشْدِيدِ وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَبَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْكَلَالِيبُ هِيَ الشَّهَوَاتُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ قَالَ فَالشَّهَوَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَوَانِبِهَا فَمَنِ اقْتَحَمَ الشَّهْوَةَ سَقَطَ فِي النَّارِ لِأَنَّهَا خَطَاطِيفُهَا وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَيَقُومَانِ جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا أَيْ يَقِفَانِ فِي نَاحِيَتَيِ الصِّرَاطِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَيَجُوزُ سُكُونُ النُّونِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَانَةَ وَالرَّحِمَ لِعِظَمِ شَأْنِهِمَا وَفَخَامَةِ مَا يَلْزَمُ الْعِبَادُ مِنْ رِعَايَةِ حَقِّهِمَا يُوقَفَانِ هُنَاكَ لِلْأَمِينِ وَالْخَائِنِ وَالْمُوَاصِلِ وَالْقَاطِعِ فَيُحَاجَّانِ عَنِ الْمُحِقِّ وَيَشْهَدَانِ عَلَى الْمُبْطِلِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْآيَةَ وَصِلَةُ الرَّحِمِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُمَا اكْتَنَفَتَا جَنْبَتَيِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَفُطْرَتَيِ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ الْقَوِيمِ .

     قَوْلُهُ  مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ بِالسِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالسَّعْدَانُ جَمْعُ سَعْدَانَةٍ وَهُوَ نَبَاتٌ ذُو شَوْكٍ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي طِيبِ مَرْعَاهُ قَالُوا مَرْعًى وَلَا كَالسَّعْدَانِ .

     قَوْلُهُ  أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ هُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ .

     قَوْلُهُ  غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ أَيِ الشَّوْكَةِ وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَيَّدْنَاهُ أَيْ لَفْظَ قَدْرٍ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ اسْتِفْهَامًا وَقَدْرُ مُبْتَدَأٌ وَبِنَصْبِهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مَا زَائِدَةً وَقَدْرُ مَفْعُولَ يَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَتَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِفَتْحِهَا قَالَ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ خَطِفَ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَبِالْفَتْحِ فِي الْمُضَارِعِ وَحَكَى الْقَزَّازُ عَكْسَهُ وَالْكَسْرُ فِي الْمُضَارِعِ أَفْصَحُ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ تَشْبِيهُ الْكَلَالِيبِ بِشَوْكِ السَّعْدَانِ خَاصٌّ بِسُرْعَةِ اخْتِطَافِهَا وَكَثْرَةِ الِانْتِشَابِ فِيهَا مَعَ التَّحَرُّزِ وَالتَّصَوُّنِ تَمْثِيلًا لَهُمْ بِمَا عَرَفُوهُ فِي الدُّنْيَا وَأَلِفُوهُ بِالْمُبَاشَرَةِ ثُمَّ اسْتَثْنَى إِشَارَةً إِلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ لَمْ يَقَعْ فِي مِقْدَارِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ السُّدِّيِّ وَبِحَافَّتَيْهِ مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ نَارٍ يَخْتَطِفُونَ بِهَا النَّاسَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قُلْنَا وَمَا الْجِسْرُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ أَيْ زَلِقٌ تَزْلَقُ فِيهِ الْأَقْدَامُ وَيَأْتِي ضَبْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ وَأَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن مَنْدَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ بَلَغَنِي وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْزُومًا بِهِ وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ وَلِابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ إِنَّ الصِّرَاطَ مِثْلُ السَّيْفِ وَبِجَنْبَتَيْهِ كَلَالِيبُ إِنَّهُ لَيُؤْخَذُ بِالْكَلُّوبِ الْوَاحِدِ أَكثر من ربيعَة وَمُضر وَأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِيهِ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى جَنْبَتَيْهِ يَقُولُونَ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَجَاءَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الصِّرَاطَ مَسِيرَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ خَمْسةُ آلَافٍ صُعُودٌ وَخَمْسَةُ آلَافٍ هُبُوطٌ وَخَمْسَةُ آلَافٍ مُسْتَوَى أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ إِلَّا ضامر مهزول من خشيَة الله أخرجه بن عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ وَهَذَا مُعْضَلٌ لَا يَثْبُتُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الصِّرَاطَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ وَلِبَعْضِ النَّاسِ مِثْلُ الْوَادِي الْوَاسِعِ أَخْرَجَهُ بن الْمُبَارك وبن أَبِي الدُّنْيَا وَهُوَ مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ تُمَثَّلُ النَّارُ لِلنَّاسِ ثُمَّ يُنَادِيهَا مُنَادٍ أَمْسِكِي أَصْحَابَكِ وَدَعِي أَصْحَابِي فَتَخْسِفُ بِكُلِّ وَلِيٍّ لَهَا فَهِيَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنَ الرَّجُلِ بِوَلَدِهِ وَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً ثِيَابُهُمْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ كَوْنِهِ مَقْطُوعًا .

     قَوْلُهُ  مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ مَنْ يُوبَقُ وَهُمَا بِالْمُوَحَّدَةِ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَلِبَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ الْمُوثَقُ بِالْمُثَلَّثَةِ من الوثاق وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الْآتِيَةَ فِي التَّوْحِيدِ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بِكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ بَقِيَ بِعَمَلِهِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْوِقَايَةِ أَيْ يَسْتُرُهُ عَمَلُهُ وَفِي لَفْظِ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ يَعْنِي بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ بَدَلُ بَقِيَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .

     قَوْلُهُ  وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُنَا بِالْجِيمِ وَكَذَا لِأَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَوَهَّاهُ عِيَاضٌ وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ لِلْجَمِيعِ وَحَكَى أَبُو عبيد فِيهِ اعجام الذَّال وَرجح بن قُرْقُولٍ الْخَاءَ الْمُعْجَمَةَ وَالدَّالَ الْمُهْمَلَةَ.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ كَلَالِيبَ النَّارِ تَقْطَعُهُ فَيَهْوِي فِي النَّارِ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي بَانَتْ سُعَادُ قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ فَ.

     قَوْلُهُ  مَعْفُورٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ أَيْ وَاقِعٌ فِي التُّرَابِ وخراديل أَيْ هُوَ قِطَعٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَرْدَلِ أَيْ جُعِلَتْ أَعْضَاؤُهُ كَالْخَرْدَلِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَقْطَعُهُمْ عَنْ لُحُوقِهِمْ بِمَنْ نَجَا وَقِيلَ المخردل المصروع وَرجحه بن التِّينِ فَقَالَ هُوَ أَنْسَبُ لِسِيَاقِ الْخَبَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ فَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ أَوِ الْمُجَازَى أَوْ نَحْوُهُ وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ الْمُجَازَى بِغَيْرِ شَكٍّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ مِنَ الْجَزَاءِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَنْجُو فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَنْجَلِي بِالْجِيمِ أَيْ يَتَبَيَّنُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُخَلَّى عَنْهُ فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى يَنْجُو وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ أحدهم فيسحب سحبا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَارِّينَ عَلَى الصِّرَاطِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ نَاجٍ بِلَا خُدُوشٍ وَهَالِكٌ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَمُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا يُصَابُ ثُمَّ يَنْجُو وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْهَا يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا تُعْرَفُ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ مَكْدُوسٍ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْمُهْمَلَةِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ السُّوقُ الشَّدِيدُ وَمَعْنَى الَّذِي بِالْمُهْمَلَةِ الرَّاكِبُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَقِيلَ مُكَرْدَسٌ وَالْمُكَرْدَسُ فَقَارُ الظَّهْرِ وَكَرْدَسَ الرَّجُلُ خَيْلَهُ جَعَلَهَا كَرَادِيسَ أَي فرقها وَالْمرَاد انه ينكفأ فِي قعرها وَعند بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخِرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ عَلَى حَسَكٍ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ بِهِ ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ بِهِ وَمَنْكُوسٌ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ كَذَا لِمَعْمَرٍ هُنَا وَوَقَعَ لِغَيْرِهِ بَعْدَ هَذَا.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْفَرَاغُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ مَعْنَاهُ الْقَضَاءُ وَحُلُولُهُ بِالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ إِخْرَاجُ الْمُوَحِّدِينَ وَإِدْخَالُهُمُ الْجَنَّةَ وَاسْتِقْرَارُ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى يَفْرُغُ اللَّهُ أَيْ مِنَ الْقَضَاءِ بِعَذَابِ مَنْ يَفْرُغُ عَذَابُهُ وَمَنْ لَا يَفْرُغُ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْفَرَاغِ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ وَإِنْ لم يذكر لَفظهَا.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ مَعْنَاهُ وَصْلُ الْوَقْتِ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَرْحَمُهُمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَاضِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ يَقَعُ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ أبي عوَانَة وَالْبَيْهَقِيّ وبن حِبَّانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبَّاهُ حَرَقْتَ بَنِيَّ فَيَقُولُ أَخْرِجُوا وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ آدَمُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ يَتَبَيَّنُ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا الْحَدِيثَ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الْآتِيَةِ فِي التَّوْحِيدِ وَوَقَعَ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ بْنِ مَيْسَرَةَ اخْتِلَافٌ فِي سِيَاقِهِ سَأُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ شَفَعُوا وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَهُمْ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ رَفَعَهُ يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ النَّارَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدُهُمْ إِلَّا اللَّهُ بِمَا عصوا الله واجترؤوا عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَخَالَفُوا طَاعَتَهُ فَيُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ فَأُثْنِي عَلَى اللَّهِ سَاجِدًا كَمَا أُثْنِي عَلَيْهِ قَائِمًا فَيُقَالُ لِي ارْفَعْ رَأْسَكَ الْحَدِيثَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ تَشْفَعُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ ذِكْرُ سَبَبٍ آخَرَ لِإِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ وَلَفْظُهُ وَفَرَغَ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَأَدْخَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّتِي النَّارَ مَعَ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ لَا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا فَيَقُولُ الْجَبَّارُ فَبِعِزَّتِي لَأُعْتِقَنَّهُمْ مِنَ النَّارِ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فَيُخْرَجُونَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ بن أَبِي عَاصِمٍ وَالْبَزَّارِ رَفَعَهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ وَمَعَهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يَقُولُ لَهُمُ الْكُفَّارُ أَلَمْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَمَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ فَقَالُوا كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ فَأُخِذْنَا بِهَا فَيَأْمُرُ اللَّهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا فَقَالَ الْكُفَّارُ يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ بن مَرْدَوَيْهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الْأَنْبِيَاءَ فَيَشْفَعُونَ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الشُّهَدَاءَ فيشفعون وَفِي حَدِيث أبي بكرَة عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ مَرْفُوعًا يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُنْجِي اللَّهُ مَنْ شَاءَ بِرَحْمَتِهِ ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ وَيَخْرُجُونَ .

     قَوْلُهُ  مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَذْكُرِ الرِّسَالَةَ إِمَّا لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَلَازَمَا فِي النُّطْقِ غَالِبًا وَشَرْطًا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَوْلَى أَوْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَغَيْرُهَا وَلَوْ ذُكِرَتِ الرِّسَالَةُ لَكَثُرَ تَعْدَادُ الرُّسُلِ.

.

قُلْتُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَيُعَكِّرُ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِلَفْظٍ جَامِعٍ كَأَنْ يَقُولَ مَثَلًا وَنُؤْمِنُ بِرُسُلِهِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ بِغَيْرِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ مَنْ جَحَدَ الرِّسَالَةَ كَذَّبَ اللَّهَ وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ لَمْ يُوَحِّدْهُ .

     قَوْلُهُ  أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الشَّفَاعَةِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُخْرِجهُمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤْمَرُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ بِذَلِكَ فَالَّذِينَ يُبَاشِرُونَ الْإِخْرَاجَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِهِ ذَرَّةٌ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا وَفِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ وَفِي حَدِيثِ مَعْبَدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَنَا أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَبِرَحْمَتِي وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ كُلَّ مَا قُدِّرَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمِقْدَارِ شَعِيرَةٍ ثُمَّ حَبَّةٍ ثُمَّ خَرْدَلَةٍ ثُمَّ ذَرَّةٍ غَيْرُ الْإِيمَانِ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ هُوَ مَا يُوجَدُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ثَمَرَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ازْدِيَادُ الْيَقِينِ وَطُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ تَضَافُرَ الْأَدِلَّةِ أَقْوَى لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَأَثْبَتُ لِعَدَمِهِ وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ الْعَمَلُ وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِالْعَمَلِ وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَقَولُهُ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ أَيْ أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِاسْمِي وَإِجْلَالًا لِتَوْحِيدِي وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى عُمُومِهِ وَيُحْمَلَ عَلَى حَالٍ وَمَقَامٍ آخَرَ قَالَ الطِّيبِيُّ إِذَا فَسَّرْنَا مَا يَخْتَصُّ بِاللَّهِ بِالتَّصْدِيقِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الثَّمَرَةِ وَمَا يَخْتَصُّ بِرَسُولِهِ هُوَ الْإِيمَانُ مَعَ الثَّمَرَةِ مِنِ ازْدِيَادِ الْيَقِينِ أَوِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ حَصَلَ الْجَمْعُ.

.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ مُبَاشَرَةُ الْإِخْرَاجِ لَا أَصْلَ الشَّفَاعَةِ وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ الْأَخِيرَةُ وَقَعَتْ فِي إِخْرَاجِ الْمَذْكُورِينَ فَأُجِيبَ إِلَى أَصْلِ الْإِخْرَاجِ وَمُنِعَ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ فَنُسِبَتْ إِلَى شَفَاعَتِهِ فِي حَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاس لكَونه ابْتِدَاء بِطَلَبِ ذَلِكَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ مَضَى شَرْحُ حَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى .

     قَوْلُهُ  فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ تُعْرَفُ صِفَةُ هَذَا الْأَثَرِ مِمَّا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من اثر السُّجُود لِأَنَّ وُجُوهَهُمْ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النَّارُ فَتَبْقَى صِفَتُهَا بَاقِيَةٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بَلْ يَعْرِفُونَهُمْ بِالْغُرَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَالَّذِينَ يُخْرَجُونَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ من بن آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ هُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ يَعْرِفُونَ أَثَرَ السُّجُودِ مَعَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ اللَّهُ بِالشَّفَاعَةِ فَإِذَا صَارُوا فَحْمًا كَيْفَ يَتَمَيَّزُ مَحَلُّ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يُعْرَفَ أَثَرُهُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ تَخْصِيصُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِنْ عُمُومِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ وَأَنَّ اللَّهَ مَنَعَ النَّارَ أَنْ تُحْرِقَ أَثَرَ السُّجُودِ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَهَلِ الْمُرَادُ بِأَثَرِ السُّجُودِ نَفْسُ الْعُضْوِ الَّذِي يَسْجُدُ أَوِ الْمُرَادُ مَنْ سَجَدَ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي أَظْهَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَذَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُذْنِبِينَ مُخَالِفٌ لِعَذَابِ الْكُفَّارِ وَأَنَّهَا لَا تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِمْ إِمَّا إِكْرَامًا لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَعِظَمِ مَكَانِهِمْ مِنَ الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِكَرَامَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي خُلِقَ آدَمُ وَالْبَشَرُ عَلَيْهَا وَفُضِّلُوا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ قُلْتُ الْأَوَّلُ مَنْصُوصٌ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصُّورَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِكْرَامُ لِأَجْلِهَا لَشَارَكَهُمُ الْكُفَّارُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ السَّبْعَةِ وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ وَبِهَذَا جَزَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ ذِكْرُ الصُّورَةِ وَدَارَاتِ الْوُجُوهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَثَرِ السُّجُودِ الْوَجْهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَشْمَلُ الْأَعْضَاءَ السَّبْعَةَ وَيُؤَيِّدُ اخْتِصَاصَ الْوَجْهِ أَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِلَى حِقْوِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَا أَنْكَرَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلَّا دَارَاتُ وُجُوهِهِمْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مَخْصُوصُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ خَاصًّا بِهِمْ وَغَيْرُهُ عَامًّا فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خُصَّ مِنْهُ.

.

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يُخَصُّونَ بِأَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ وُجُوهَهُمْ كُلَّهَا وَأَنَّ غَيْرَهُمْ لَا تَأْكُلُ مِنْهُمْ مَحَلَّ السُّجُودِ خَاصَّةً وَهُوَ الْجَبْهَةُ سَلِمَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَإِلَّا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ مَا قَالَ الْقَاضِي فِي حَقِّ الْجَمِيعِ إِلَّا هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَامَتُهُمُ الْغُرَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَمَّنْ قَالَهُ وَمَا تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَيُضَافُ إِلَيْهَا التَّحْجِيلُ وَهُوَ فِي الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ مِمَّا يَصِلُ إِلَيْهِ الْوُضُوءُ فَيَكُونُ أَشْمَلَ مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ جِهَةِ دُخُولِ جَمِيعِ الْيَدَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ لَا تَخْصِيصِ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَلَكِنْ يَنْقُصُ مِنْهُ الرُّكْبَتَانِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَمْنَعُ سَلَامَةَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مَعَ الِانْغِمَارِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحْوَالَ الْأُخْرَوِيَّةَ خَارِجَةٌ عَلَى قِيَاسِ أَحْوَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَدَلَّ التَّنْصِيصُ عَلَى دَارَاتِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْوَجْهَ كُلَّهُ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّارُ إِكْرَامًا لِمَحَلِّ السُّجُودِ وَيُحْمَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا عَلَى التَّنْوِيهِ بِهَا لشرفها وَقد استنبط بن أَبِي جَمْرَةَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي لَا يَخْرُجُ إِذْ لَا عَلَامَةَ لَهُ لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُخْرَجُ فِي الْقَبْضَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ وَهَلِ الْمُرَادُ بِمَنْ يُسْلَمُ مِنَ الْإِحْرَاقِ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَوِ الْقُوَّةِ الثَّانِي أَظْهَرُ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَنْ أَسْلَمَ مَثَلًا وَأَخْلَصَ فَبَغَتَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ وَوَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ مِنْ نَظْمِهِ مَا يُوَافِقُ مُخْتَارَ النَّوَوِيِّ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  يَا رَبِّ أَعْضَاءَ السُّجُودِ عَتَقْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ الْجَانِي وَأَنْتَ الْوَاقِي وَالْعِتْقُ يسري بالغنى يَاذَا الْغِنَى فَامْنُنْ عَلَى الْفَانِي بِعِتْقِ الْبَاقِي .

     قَوْلُهُ  فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بِسَنَدِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا لَيْسَ فِيهِ قَدِ امْتَحَشُوا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ وبن مَنْدَهْ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحٍ بْنِ الْفَرَجِ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْعَلَّافِ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الِامْتِحَاشَ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْقَبْضَةِ وَالتَّحْرِيمُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ صُورَةَ الْخَارِجِينَ أَوَّلًا قَبْلَهُمْ مِمَّنْ عَمِلَ الْخَيْرَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ ضَبْطُ امْتَحَشُوا وَأَنَّهُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَيِ احْتَرَقُوا وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَالْمَحْشُ احْتِرَاقُ الْجِلْدِ وَظُهُورُ الْعَظْمِ قَالَ عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ عَنْ مُتْقِنِي شُيُوخِنَا وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْحَاء وَلَا يعرف فِي اللُّغَة امتحشه مُتَعَدِّيًا وَإِنَّمَا سُمِعَ لَازِمًا مُطَاوِعَ مَحَشْتُهُ يُقَالُ مَحَشْتُهُ وَأَمْحَشْتُهُ وَأَنْكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ الثُّلَاثِيَّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَمْحَشْتُهُ فَامْتُحِشَ وَأَمْحَشَهُ الْحَرُّ أَحْرَقَهُ وَالنَّار احرقته وَامْتَحَشَ هُوَ غَضَبًا.

     وَقَالَ  أَبُو نَصْرٍ الْفَارَابِيُّ وَالِامْتِحَاشُ الِاحْتِرَاقُ .

     قَوْلُهُ  فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ وَالْأَفْوَاهُ جَمْعُ فَوْهَةٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَوَائِلُ وَتَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَاءِ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَوَانُ أَوِ الْحَيَاةُ وَفِي أُخْرَى لَهُ فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ وَفِي تَسْمِيَةِ ذَلِكَ النَّهَرِ بِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْفَنَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ تَقَدَّمَ فِي كتاب الْإِيمَان انها بزور الصَّحْرَاءِ وَالْجَمْعُ حِبَبٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مِثْلُهَا.

.
وَأَمَّا الْحَبَّةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ مَا يَزْرَعُهُ النَّاسُ فَجَمْعُهَا حُبُوبٌ بِضَمَّتَيْنِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَّتَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءَةُ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ هُوَ فِي الْأَصْلِ كُلُّ مَا حَمَلَهُ السَّيْلُ مِنْ عِيدَانٍ وَوَرَقٍ وبزور وَغَيْرِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا حَمَلَهُ مِنَ البزور خَاصَّةً .

     قَوْلُهُ  فِي حَمِيلِ السَّيْلِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ مَا يَحْمِلُهُ السَّيْلُ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْغُثَاءَ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ السَّيْلُ يَكُونُ فِيهِ الْحِبَّةُ فَيَقَعُ فِي جَانِبِ الْوَادِي فَتُصْبِحُ مِنْ يَوْمِهَا نَابِتَةً وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَمِئَةِ السَّيْلِ بَعْدَ الْمِيمِ هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَقَدْ تُشْبَعُ الْمِيمُ فَيَصِيرُ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ مِنَ الطِّينِ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ النبت غَالِبا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى سُرْعَةِ نَبَاتِهِمْ لِأَنَّ الْحَبَّةَ أَسْرَعُ فِي النَّبَاتِ مِنْ غَيْرِهَا وَفِي السَّيْلِ أَسْرَعُ لِمَا يَجْتَمِعُ فِيهِ مِنَ الطِّينِ الرَّخْوِ الْحَادِثِ مَعَ الْمَاءِ مَعَ مَا خَالَطَهُ مِنْ حَرَارَةِ الزِّبْلِ الْمَجْذُوبِ مَعَهُ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَارِفًا بِجَمِيعِ أُمُورِ الدُّنْيَا بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ اقْتَصَرَ الْمَازِرِيُّ عَلَى أَنَّ مَوْقِعَ التَّشْبِيهِ السُّرْعَةُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ نَوْعٌ آخَرُ دَلَّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى أَلَّا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ مَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الشَّمْسِ أَصْفَرُ وَأَخْضَرُ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا يَكُونُ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَلِي الْجَنَّةَ يَسْبِقُ إِلَيْهِ الْبَيَاضُ الْمُسْتَحْسَنُ وَمَا يَكُونُ مِنْهُمْ إِلَى جِهَةِ النَّارِ يَتَأَخَّرُ النُّصُوعُ عَنْهُ فَيَبْقَى أُصَيْفِرَ وَأُخَيْضِرَ إِلَى أَنْ يَتَلَاحَقَ الْبَيَاضُ وَيَسْتَوِيَ الْحُسْنُ وَالنُّورُ وَنَضَارَةُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُبَاشِرُ الْمَاءَ يَعْنِي الَّذِي يُرَشُّ عَلَيْهِمْ يُسْرِعُ نَصُوعُهُ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ النُّصُوعُ لَكِنَّهُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَيَبْقَى رَجُلٌ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي آخِرِ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَوَقَعَ فِي وَصْفِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ كَانَ نَبَّاشًا وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ فَقَالَ لِأَهْلِهِ أَحْرِقُونِي الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ كَانَ نَبَّاشًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي عَوَانَةَ وَغَيْرِهِمَا وَفِيهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ انْظُرُوا هَلْ بَقِيَ فِي النَّارِ أَحَدٌ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ فَيَجِدُونَ رَجُلًا فَيُقَالُ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ فَيَقُولُ لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ رَجُلًا آخَرَ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ فَيَقُولُ لَا غَيْرَ أَنِّي أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي الْحَدِيثَ وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ مِنَ النَّارِ وَلَا يَقُولُ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ أَخْرَجَهُ الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ فِي زِيَادَاتِ الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَشْجَعِيِّ رَفَعَهُ قَدْ عَلِمْتُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ مِنَ النَّارِ وَلَا يَقُولُ ادخلني الْجَنَّةَ فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ بَقِيَ بَيْنَ ذَلِكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَجِدُ مِنْ رِيحِهَا فَيُقَرِّبُهُ فَيَرَى شَجَرَةً الْحَدِيثَ وَهُوَ عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَهَذَا يُقَوِّي التَّعَدُّدَ لَكِنَّ الْإِسْنَادَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرْتُ عَنْ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ هَلْ هُوَ آخِرُ مَنْ يَبْقَى عَلَى الصِّرَاطِ أَوْ هُوَ غَيْرُهُ وَإِنِ اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي أَنَّهُ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَوَقَعَ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ لِلتِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَطْوَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا مُكْثًا مَنْ يَمْكُثُ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ وَسَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ وَاهٍ وَاللَّهُ اعْلَم وَأَشَارَ بن أَبِي جَمْرَةَ إِلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهَا حَقِيقَةً وَبَيْنَ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِمَّنْ يَبْقَى مَارًّا عَلَى الصِّرَاطِ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنَ النَّارِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْ حَرِّهَا وَكَرْبِهَا مَا يُشَارِكُ بِهِ بَعْضَ مَنْ دَخَلَهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ واه عَن مَالك عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ رَفَعَهُ إِنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ جَاءَ أَنَّ اسْمَهُ هَنَّادٌ وَجَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الِاسْمَيْنِ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ والاخر للْآخر قَوْله فَيَقُول يارب فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِي التَّوْحِيدِ أَيْ رَبِّ .

     قَوْلُهُ  قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ مُخَفَّفًا وَحُكِيَ التَّشْدِيدُ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَشَبَهُ الدُّخَانُ إِذَا مَلَأَ خَيَاشِيمَهُ وَأَخَذَ يَكْظِمُهُ وَأَصْلُ الْقَشْبِ خَلْطُ السَّمِّ بِالطَّعَامِ يُقَالُ قَشَبَهُ إِذَا سَمَّهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِيمَا إِذَا بَلَغَ الدُّخَانُ وَالرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ مِنْهُ غَايَتَهُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ مَعْنَى قَشَبَنِي سَمَّنِي وَآذَانِي وَأَهْلَكَنِي هَكَذَا قَالَهُ جَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ غَيَّرَ جِلْدِي وَصُورَتِي.

.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى حُسْنُ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ.

.
وَأَمَّا الدَّاوُدِيُّ فَكَثِيرًا مَا يُفَسِّرُ الْأَلْفَاظَ الْغَرِيبَةَ بِلَوَازِمِهَا وَلَا يُحَافِظُ على أصُول مَعَانِيهَا.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ إِذَا فَسَّرْنَا الْقَشْبَ بِالنَّتِنِ وَالْمُسْتَقْذَرِ كَانَتْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى طِيبِ رِيحِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ نَعِيمِهَا وَعَكْسُهَا النَّارُ فِي جَمِيع ذَلِك.

     وَقَالَ  بن الْقَطَّاعِ قَشَبَ الشَّيْءَ خَلَطَهُ بِمَا يُفْسِدُهُ مِنْ سَمٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَقَشَبَ الْإِنْسَانَ لَطَّخَهُ بِسُوءٍ كَاغْتَابَهُ وَعَابَهُ وَأَصْلُهُ السَّمُّ فَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى أَصَابَهُ الْمَكْرُوهَ إِذَا أَهْلَكَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ أَزَالَ عَقْلَهُ أَوْ تَقَذَّرَهُ هُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا كَذَا لِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ هُنَا بِالْمَدِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ ذَكَاهَا بِالْقصرِ وَهُوَ الْأَشْهر فِي اللُّغَة.

     وَقَالَ  بن الْقَطَّاعِ يُقَالُ ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكًا بِالْقَصْرِ وَذُكُوًّا بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ كَثُرَ لَهَبُهَا وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُهَا وَوَهَجُهَا.

.
وَأَمَّا ذَكَا الْغُلَامُ ذَكَاءً بِالْمَدِّ فَمَعْنَاهُ أَسْرَعَتْ فِطْنَتُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ لُغَتَانِ ذَكَرَهُ جِمَاعةٌ فِيهَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ مُغَلْطَايْ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّارِحِينَ لِدَوَاوِينِ الْعَرَبِ حِكَايَةُ الْمَدِّ إِلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيِّ فِي كِتَابِ النَّبَاتِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا ضَرَبَ الْعَرَبُ الْمَثَلَ بِجَمْرِ الْغَضَا لِذَكَائِهِ قَالَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ فَقَالَ ذَكَا النَّارُ مَقْصُورٌ وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ وَاوِيٌّ يُقَالُ ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكَوًا وَذَكَاءً النَّارُ وَذُكْوُ النَّارِ بِمَعْنًى وَهُوَ الْتِهَابُهَا وَالْمَصْدَرُ ذَكَاءٌ وَذَكْوٌ وَذُكُوٌّ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ فَأَمَّا الذَّكَاءُ بِالْمَدِّ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ فِي النَّارِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْفَهْمِ.

     وَقَالَ  بن قُرْقُولٍ فِي الْمَطَالِعِ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ الشَّيْخُ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ فَقَدْ أَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا بِالْمَدِّ وَالْمَعْرُوفُ فِي شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ الْقَصْرُ إِلَّا أَنَّ الدِّينَوَرِيَّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَدَّ وَخَطَّأَهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ فَقَالَ ذَكَتِ النَّارُ ذَكًا وَذُكُوًّا وَمِنْهُ طِيبٌ ذَكِيٌّ مُنْتَشِرُ الرِّيحِ.

.
وَأَمَّا الذَّكَاءُ بِالْمَدِّ فَمَعْنَاهُ تَمَامُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ الْقَلْبِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْأَفْعَالِ ذَكَا الْغُلَامُ وَالْعَقْلُ أَسْرَعَ فِي الفطنة وَذَكَا الرَّجُلُ ذَكَاءً مِنْ حِدَّةِ فِكْرِهِ وَذَكَتِ النَّارُ ذَكًا بِالْقَصْرِ تَوَقَّدَتْ .

     قَوْلُهُ  فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ وَجْهِهِ إِلَى جِهَةِ النَّارِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ طَالِبًا إِلَى الْجَنَّةِ فَوَجْهُهُ إِلَى الْجَنَّةِ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قبل انه يتقلب عَلَى الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فَكَأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْتَهَى إِلَى آخِرِهِ فَصَادَفَ أَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ النَّارِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهِ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ فَسَأَلَ رَبَّهُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَيُصْرَفُ وَجْهُهُ عَنِ النَّارِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَيَصْرِفُ الله وَوَقع فِي رِوَايَة أنس عَن بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ نَحْوَهُ أَنَّهُ يَرْفَعُ لَهُ شَجَرَةً فَيَقُولُ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا فَيَقُولُ اللَّهُ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَ غَيْرَهَا وربه يعذرهُ لِأَنَّهُ يرى مَالا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَدْنُو مِنْهَا وَأَنَّهُ يُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ ائْذَنْ لِي فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْهُ رَفَعَهُ آخِرُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ وَمُثِّلَتْ لَهُ شَجَرَةٌ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا ذِكْرُ الشجرات كَمَا سقط من حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَلَبِ الْقُرْبِ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَيَقُولُ اللَّهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ .

     قَوْلُهُ  لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ بِكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ أَمَّا عَسَيْتُ فَفِي سِينِهَا الْوَجْهَانِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَجُمْلَةُ أَنْ تَسْأَلَنِي هِيَ خَبَرُ عَسَى وَالْمَعْنَى هَلْ يُتَوَقَّعُ مِنْكَ سُؤَالُ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ بَنِي آدَمَ وَالتَّرَجِّي رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَاطَبِ لَا إِلَى الرَّبِّ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِرْخَاءِ الْعَنَانِ إِلَى الْخَصْمِ لِيَبْعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِهِ وَالْإِنْصَافِ مِنْ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِي اللَّهَ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ شَاءَ الرجل الْمَذْكُور أَو الله قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ إِنَّمَا بَادَرَ لِلْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَاف لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ قُوَّةِ الْفَرَحِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ فَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ لَا يَطْلُبَ مَزِيدًا وَأَكَّدَهُ بِالْحَلِفِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا وَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مِنَ الْحَبْرَةِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَلِمُسْلِمٍ الْخَيْرِ بِمُعْجَمَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ بِلَا هَاءٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى مَا فِيهَا مِنْ خَارِجِهَا إِمَّا لِأَنَّ جِدَارَهَا شَفَّافٌ فَيَرَى بَاطِنَهَا مِنْ ظَاهِرِهَا كَمَا جَاءَ فِي وَصْفِ الْغُرَفِ وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سُطُوعِ رَائِحَتِهَا الطَّيِّبَةِ وَأَنْوَارِهَا الْمُضِيئَةِ كَمَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ أَذَى لَفْحِ النَّارِ وَهُوَ خَارِجُهَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَقُولُ .

     قَوْلُهُ  وَيْلَك فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَيْحَكَ .

     قَوْلُهُ  يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ هُنَا مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ لَفْظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ إِذَا اسْتَمَرَّ خَارِجًا عَنِ الْجَنَّةِ أَشْقَاهُمْ وَكَوْنُهُ أَشْقَاهُمْ ظَاهِرٌ لَوِ اسْتَمَرَّ خَارِجَ الْجَنَّةِ وَهُمْ مِنْ دَاخِلِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَاهُ يَا رَبِّ قَدْ أَعْطَيْتُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَلَكِنْ تَفَكَّرْتُ فِي كرمك ورحمتك فَسَأَلت وَوَقع فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَا أكون اشقى خلقك وللقابسي لأكونن قَالَ بن التِّينِ الْمَعْنَى لَئِنْ أَبْقَيْتَنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ تُدْخِلْنِي الْجَنَّةَ لَأَكُونَنَّ وَالْأَلِفُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى زَائِدَةٌ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ مَعْنَاهُ لَا أَكُونُ كَافِرًا قلت هَذَا أقرب مِمَّا قَالَ بن التِّينِ وَلَوِ اسْتَحْضَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي هُنَا مَا احْتَاجَ إِلَى التَّكَلُّفِ الَّذِي أَبَدَاهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أَكُونُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ وَدَلَّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  لَا تَجْعَلْنِي وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَشْقَى أَنَّ الَّذِي يُشَاهِدُ مَا يُشَاهِدُهُ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ يَصِيرُ أَشَدَّ حَسْرَةً مِمَّنْ لَا يُشَاهِدُ وَقَولُهُ خَلْقِكَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ تَقَدَّمَ مَعْنَى الضَّحِكِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَاضِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي سعيد ويلقنه الله مَا لاعلم لَهُ بِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا سَقَطَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ هُنَا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا هُنَا وَالْأُخْرَى فِي أَوَّلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو سَعِيدٍ أَيِ الْخُدْرِيُّ وَالْقَائِلُ هُوَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ بَيَّنَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقع فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَشْهَدُ اني حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي حَدِيث أنس عِنْد بن مَسْعُودٍ يُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ انْظُرْ إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ جَمِيعًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَمِثْلَهُ مَعَهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ وَهَذَا مَقْلُوبٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الصَّحِيحِ نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمِثْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعُ أَنْ يَكُونَ عَشَرَةُ الْأَمْثَالِ إِنَّمَا سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ فِي حَقِّ آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا وَالْمَذْكُورُ هُنَا فِي حَقِّ جَمِيعِ مَنْ يَخْرُجُ بِالْقَبْضَةِ وَجَمَعَ عِيَاضٌ بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ أَوَّلًا قَوْلَهُ وَمِثْلَهُ مَعَهُ فَحَدَّثَ بِهِ ثُمَّ حَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّيَادَةِ فَسَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مَعًا أَوَّلًا ثُمَّ سَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ الزِّيَادَةَ بَعْدُ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَبَّهْتُ عَلَى أَكْثَرِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ أَنَّ الْعَشَرَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَصْلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أنس عَن بن مَسْعُودٍ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ الدُّنْيَا فَيُطَابِقُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لمُسلم عَن بن مَسْعُودٍ لَكَ مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْكَلَابَاذِيُّ إِمْسَاكُهُ أَوَّلًا عَنِ السُّؤَالِ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ وَاللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ لِأَنَّهُ يُحِبُّ صَوْتَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ فَيُبَاسِطُهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا لَعَلَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ هَذَا تَسْأَلُ غَيْرَهُ وَهَذِهِ حَالَةُ الْمُقَصِّرِ فَكَيْفَ حَالَةُ الْمُطِيعِ وَلَيْسَ نَقْضُ هَذَا الْعَبْدِ عَهْدَهُ وَتَرْكُهُ مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ جَهْلًا مِنْهُ وَلَا قِلَّةَ مُبَالَاةٍ بَلْ عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ نَقْضَ هَذَا الْعَهْدِ أَوْلَى مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ لِأَنَّ سُؤَالَهُ رَبَّهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ السُّؤَالِ مُرَاعَاةً لِلْقَسَمِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَلَى يَمِينِهِ وليأت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَعَمِلَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْخَبَرِ وَالتَّكْفِيرُ قَدِ ارْتَفَعَ عَنْهُ فِي الْآخِرَة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ مُخَاطَبَةِ الشَّخْصِ بِمَا لَا تُدْرَكُ حَقِيقَتُهُ وَجَوَازُ التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يَفْهَمُهُ وَأَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي فِي الْآخِرَةِ لَا تُشَبَّهُ بِمَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَصْلِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَفَاوُتِ الصِّفَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِالنَّظَرِيِّ وَأَنَّ الْكَلَامَ إِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِأَمْرَيْنِ يَأْتِي الْمُتَكَلِّمُ بِشَيْءٍ يَتَخَصَّصُ بِهِ مُرَادُهُ عِنْدَ السَّامِعِ وَأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَنْقَطِعُ إِلَّا بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ وَأَنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ فِي الْمَوْقِفِ يَقَعُ بِالِاضْطِرَارِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَلَبَّسَ بِهِ الْمُنَافِقُ ظَاهِرًا بَقِيَتْ عَلَيْهِ حُرْمَتُهُ إِلَى أَنْ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بِإِطْفَاءِ النُّورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّ الصِّرَاطَ مَعَ دِقَّتِهِ وَحِدَّتِهِ يَسَعُ جَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ مُنْذُ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَفِيهِ أَنَّ النَّارَ مَعَ عِظَمِهَا وَشِدَّتِهَا لَا تَتَجَاوَزُ الْحَدَّ الَّذِي أُمِرَتْ بِإِحْرَاقِهِ وَالْآدَمِيُّ مَعَ حَقَارَةِ جِرْمِهِ يُقْدِمُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ فَفِيهِ مَعْنًى شَدِيدٌ مِنَ التَّوْبِيخِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَوْبِيخِ الطُّغَاةِ وَالْعُصَاةِ وَفِيهِ فَضْلُ الدُّعَاءِ وَقُوَّةُ الرَّجَاءِ فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الدَّاعِي أَهْلًا لِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ لَكِنَّ فَضْلَ الْكَرِيمِ وَاسِعٌ وَفِي قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَا أَغْدَرَكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُوصَفُ بِالْفِعْلِ الذَّمِيمِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْيَوْمِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْأَصْلِ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَقَدْ أُطْلِقَ اسْمُ الْيَوْمِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الشَّفَاعَةِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا لِمُذْنِبٍ قَالَ عِيَاضٌ وَفَاتَ هَذَا الْقَائِلَ أَنَّهَا قَدْ تَقَعُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ أَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ فَيَحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ الْعَفْوِ عَنْ تَقْصِيرِهِ وَكَذَا كُلُّ عَامِلٍ يَخْشَى أَنْ لَا يُقْبَلَ عَمَلُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الشَّفَاعَةِ فِي قَبُولِهِ قَالَ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلُ أَنْ لَا يَدْعُوَ بِالْمَغْفِرَةِ وَلَا بِالرَّحْمَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَفُ فِي أَدْعِيَتِهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُؤْمَرُونَ بِالسُّجُودِ وَقَدْ مُنِعُوا مِنْهُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ حِينَئِذٍ لِلتَّعْجِيزِ وَالتَّبْكِيتِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ وَوَكَلَ عِلْمَ حَقِيقَتِهَا إِلَى اللَّهِ فَهُوَ الْحَقُّ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ فَسَّرَ الْإِتْيَانَ بِالتَّجَلِّي هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَهُ .

     قَوْلُهُ  هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَزِيدَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَتَأْكِيدِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْمَجَازَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ السَّالِمِيَّةِ وَنَحْوُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَبَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ يَرَوْنَ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعد رفع رؤوسهم مِنَ السُّجُودِ وَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ لِلْمُنَافِقَيْنِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ.

.
وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ الَّتِي اشْتَرَكَ فِيهَا الْجَمِيعُ قَبْلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ صُورَةُ الْمَلَكِ وَغَيْرِهِ.

.

قُلْتُ وَلَا مَدْخَلَ أَيْضًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ وَأَنَّهُمْ يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَفِيهِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مُذْنِبِي هَذِهِ الْأُمَّةِ يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ بِالشَّفَاعَةِ وَالرَّحْمَةِ خِلَافًا لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ بِضُرُوبٍ مُتَكَلِّفَةٍ وَالنُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ مُتَضَافِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ وَأَنَّ تَعْذِيبَ الْمُوَحِّدِينَ بِخِلَافِ تَعْذِيبِ الْكُفَّارِ لِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهِمْ مِنْ أَخْذِ النَّارِ بَعْضَهُمْ إِلَى سَاقِهِ وَأَنَّهَا لَا تَأْكُلُ أَثَرَ السُّجُودِ وَأَنَّهُمْ يَمُوتُونَ فَيَكُونُ عَذَابُهُمْ إِحْرَاقَهُمْ وَحَبْسَهُمْ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ سَرِيعًا كَالْمَسْجُونِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَمُوتُونَ أَصْلًا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ وَلَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً يَسْتَرِيحُونَ بِهَا عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ قَوْلِهِ يَمُوتُونَ فِيهَا إِمَاتَةً بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ الْمَوْتُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْبَةِ إِحْسَاسِهِمْ وَذَلِكَ لِلرِّفْقِ بِهِمْ أَوْ كَنَّى عَنِ النَّوْمِ بِالْمَوْتِ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ النَّوْمَ وَفَاةً وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ مَاتُوا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِخْرَاجَهُمْ أَمَسَّهُمْ أَلَمَ الْعَذَابِ تِلْكَ السَّاعَةَ قَالَ وَفِيهِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْآدَمِيُّ مِنْ قُوَّةِ الطَّمَعِ وَجَوْدَةِ الْحِيلَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ فَطَلَبَ أَوَّلًا أَنْ يُبْعَدَ مِنَ النَّارِ لِيَحْصُلَ لَهُ نِسْبَةٌ لَطِيفَةٌ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ طَلَبَ الدُّنُوَّ مِنْهُمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ طَلَبَ الدُّنُوَّ مِنْ شَجَرَةٍ بَعْدَ شَجَرَةٍ إِلَى أَنْ طَلَبَ الدُّخُولَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ صِفَاتِ الْآدَمِيِّ الَّتِي شُرِّفَ بِهَا عَلَى الْحَيَوَانِ تَعُودُ لَهُ كُلُّهَا بَعْدَ بَعْثَتِهِ كَالْفِكْرِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَاتٍ فِي غُضُونِ كَلَامِهِ وَالله الْمُسْتَعَان

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ
هذا ( باب) بالتنوين ( الصراط جسر جهنم) بضم الجيم وتكسر أي منصوب عليها لعبور المسلمين عليه إلى الجنة.

قال أبو سعيد فيما رواه مسلم: بلغني أن الصراط أحدّ من السيف وأدق من الشعرة.
وقال سعيد بن أبي هلال عند ابن منده بلغني فذكره، ووصله البيهقي عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مجزومًا به لكن في سنده لين وفي مرسل عبيد بن عمير عند ابن المبارك أن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر، وعند ابن عساكر عن الفضيل بن عياض قال: بلغنا أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة خمسة آلاف صعود وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى أدق من الشعرة وأحدّ من السيف على متن جهنم، ولا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله وهذا معضل لا يثبت، وعند ابن المبارك وابن أبي الدنيا عن سعيد بن أبي هلال: بلغنا أن الصراط أدق من الشعرة على بعض الناس، ولبعض الناس مثل الوادي الواسع وهو مرسل أو معضل فتأمل نفسك إذا صرت على الصراط ووقع بصرك على جهنم من تحته ثم قرع سمعك شهيق النار وزفيرها وسوادها وسعيرها، وكيف بك إذا وضعت إحدى رجليك عليه فأحسست بحدّه واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني والخلائق بين يديك يزلون ويعشرون، والزبانية تلتقطهم بالخطاطيف والكلاليب وأنت تنظر إلى ذلك فيا له من منظر ما أفظعه ومرتقى ما أصعبه ومجاز ما أضيقه.
نسأل الله السلامة والإعانة والعافية.

رأى يحيى بن اليمان رجلاً نائمًا وهو أسود الرأس واللحية شاب فاستيقظ وهو أبيض شعر الرأس واللحية فأخبره أنه رأى في منامه كأن الناس قد حشروا وإذا بنهر من نار وجسر يمر عليه الناس فدعي فدخل الجسر فإذا هو كحدّ السيف يمر به يمينًا وشمالاً فشاب من ذلك.


[ قــ :6232 ... غــ : 6573 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَعِيدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ»؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ»؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ»؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ، مِنَ
الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ قَرِّبْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلْنِى غَيْرَهُ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ: لَعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِى اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَوَ لَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِى أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِىُّ فَيَقُولُ: لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( سعيد) بكسر العين ابن المسيب ( وعطاء بن يزيد) الليثي ( أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
قال البخاري ( وحدثني) بالإفراد ( محمود) هو ابن غيلان المروزي الحافظ قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد واللفظ لروايته ( عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال أناس) وفي التوحيد قلنا: ( يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( هل تضارون) بضم الفوقية وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف راء مشددة بصيغة المفاعلة من الضر وأصله تضارون فأسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية أي هل تضرون أحدًا أو يضركم بمنازعة أو مجادلة أو مضايقة ( في) رؤية ( الشمس ليس دونها سحاب) يحجبها ( قالوا: لا يا رسول الله.
قال: هل تضارون)
بالراء المشددة أيضًا ( في) رؤية ( القمر ليلة البدر) عند تمام نوره ( ليس دونه سحاب) يحجبه ( قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه) إذا تجلى لكم ( يوم القيامة كذلك) بحيث لا يججب بعضكم بعضًا ولا يضره ولا يجادله ولا يزاحمه كما يفعل عند رؤية الأهلة بل كالحال عند رؤية الشمس والقمر ليلة البدر، وقد روي ولا تضامون بالضاد المعجمة وتشديد الميم من الضم وهو الازدحام أيضًا أي لا تزدحمون عند رؤيته تعالى كما تزدحمون عند رؤية الأهلة، وروي بتخفيف الميم من الضيم الذي هو الذل أي لا يذل بعضكم بعضًا بالمزاحمة،
والمنافسة والمنازعة، وفي البخاري لا تضامون أو تضاهون بالهاء على الشك كما في فضل صلاة الفجر ومعنى الذي بالهاء لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضًا، وفي باب فضل السجود من البخاري: هل تمارون بضم الفوقية وتخفيف الراء أي تجادلون في ذلك أو يدخلكم فيه شك من المرية وهي الشك وروي بفتح أوله وبفتح الراء على حذف إحدى التاءين وفي رواية البيهقي تتمارون بإثباتهما والكاف في قوله كذلك ليست لتشبيه المرئي وإنما هي لتشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وهي فعل الرائي ومعناه إنها رؤية يزاح عنها الشك.
وقال الصعلوكي فيما سمعه منه البيهقي في تضامون المضموم الأول المشدد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض فإنه تعالى لا يرى في جهة ومعناه على فتح أوله لا تتضامون في رؤية بالاجتماع في جهة وهو بغير تشديد من الضيم معناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض وأنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة فالتشبيه برؤية القمر ليقين الرؤية دون تشبيه المرئي سبحانه وتعالى، وخص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقًا من مجرد الشمس والقمر لما خصّا به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغًا شائعًا في الاستعمال ( يجمع الله) عز وجل ( الناس) الأولين والآخرين في صعيد واحد بحيث لا يخفى منهم أحد حتى لو دعاهم داع لسمعوه ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم وزاد في رواية العلاء بن عبد الرَّحمن عند الترمذي فيطلع عليهم رب العالمين أن يعلمهم باطلاعه عليهم حينئذٍ ( فيقول) جل وعلا ( من كان يعبد شيئًا فليتبعه) بسكون اللام وتشديد الفوقية وكسر الموحدة ولأبي ذر فليتبعه بسكون الفوقية وفتح الموحدة ( فيتبع) بسكون الفوقية وفتح الموحدة أيضًا ( من كان يعبد الشمس) الشمس ( ويتبع من كان يعبد القمر) القمر ( ويتبع من كان يعبد الطواغيت) الطواغيت جمع طاغوت بالمثناة الفوقية وهو الشيطان والصنم، وصوب الطبري أنه كل طاغ طغى على الله فعبد من دونه ومفعول يتبع محذوف في الثلاثة واتباعهم لمن يعبدونه حينئذٍ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم أو بأن يساقوا إلى النار قهرًا ( وتبقى هذه الأمة) المحمدية أو أعم ( فيها) بغير واو ( منافقوها فيأتيهم الله) عز وجل إتيانًا لا نكيفه عار عن الحركة والانتقال إذ ذلك من نعوت الحدوث المتعالي عنه ربنا علوًّا كبيرًا وطريقة السلف المشهورة في هذا ونحوه أسلم والله تعالى بحقيقة المراد بذلك أعلم، وقيل معناه هنا أن يشهدهم رؤيته إذ العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازًا أي يتجلى لهم تعالى حتى يروه ( في غير الصورة التي يعرفون) لأجل من معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون أو أن ذلك ابتلاء والدنيا وإن كانت دار ابتلاء فقد يتحقق فيها الجزاء في بعض الأحوال كما قال تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30] فكذا الآخرة وإن كانت دار جزاء فقد يقع فيها الابتلاء بدليل أن القمر وهو أوّل منازل الآخرة يجري فيها الابتلاء بالسؤال وغيره وآثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو النار والتحقيق أن التكليف خاص بالدنيا وما يقع في القبر والموقف آثار ذلك ( فيقول) الله لهم ( أنا
ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك)
لأنه أتاهم بصورة الأمر باتباع الباطل فلذا يقولون ( هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه) بما سبق لنا من معرفته عز وجل أنه لا يأمرنا بباطل وأنه منزه عن صفات هذه الصورة إذ سماتها سمات المحدثات، ورجح القاضي عياض أن في قوله: فيأتيهم الله محذوفًا تقديره فيأتيهم بعض ملائكة الله.
قال: ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما فيها من سمة الحدوث الظاهرة لأنه مخلوق.

وقال القرطبي: هذا مقام الامتحان يمتحن الله به عباده ليميز المحق من المبطل وذلك أنه لما بقي المنافقون والمراؤون مختلطين بالمؤمنين والمخلصين زاعمين أنهم منهم وأنهم عملوا مثل عملهم وعرفوا الله مثل معرفتهم ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قال للجميع: أنا ربكم فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك حتى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين، وقال في المفهم: وهذا لمن لا يكون له رسوخ العلماء ولا علمهم الذين اعتقدوا الحق وحوّموا عليه من غير بصيرة ولذا كان اعتقادهم قابلاً للانقلاب، وأما قولهم: نعوذ بالله منك، فقال الخطابي: يحتمل أن يكون صدر من المنافقين وتعقب بأنه لا يصح ولا يستقيم.

( فيأتيهم الله) فيتجلى للمسلمين بعد تمييز المنافقين ( في الصورة التي يعرفون) أي في صفته التي هو عليها من الجلال والكمال والتعالي عن صفات الحدوث بعد أن عرفهم بنفسه الشريفة ورفع الموانع عن أبصارهم ( فيقول) لهم: ( أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) بتشديد الفوقية ولم يضبط الفوقية في اليونينية بتشديد ولا غيره أي أمر الله أو ملائكته الذين وكلوا بذلك ( ويضرب) بضم أوّله وفتح ثالثه ( جسر جهنم) بفتح الجيم وكسرها وهو الصراط ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فأكون أول من يجيز) زاد شعيب في روايته الماضية في فضل السجود يجوز بأمته.
وقال النووي: أكون أنا وأمتي أول من يجوز على الصراط ويقطعه وإذا كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو وأمته أوّل من يجوز على الصراط لزم تأخير غيرهم عنهم حتى يجوزوا ( ودعاء الرسل) عليهم السلام ( يومئذٍ اللهم سلم سلم) بتكرير سلم مرتين ( وبه) بالصراط ( كلاليب) معلقة مأمورة بأحد من أمرت به.

قال ابن العربي: وهذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في حديث حفت النار بالشهوات فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار لأنها خطاطيفها اهـ.

والكلاليب المذكورة ( مثل شوك السعدان) بفتح السين وسكون العين وفتح الدال المهملات وبعد الألف نون جمع سعدانة نبات ذو شوك ( أما) بالتخفيف ( رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى) رأيناها، ولأبي ذر قالوا نعم ( يا رسول الله: فإنها مثل شوك السعدان غير أنها) أي الشوكة ( لا يعلم) ولأبي ذر عن الكشميهني أنه بضمير الشأن لا يعرف ( قدر عظمها إلا الله) بكسر العين وفتح المعجمة وقال السفاقسي ضبطناه بضم العين وسكون الظاء والأول أشبه لأنه مصدر لا يعلم قدر كبرها إلا الله ( فتخطف الناس بأعمالهم) بسبب أعمالهم القبيحة وتخطف بفتح الطاء وكسرها
وتشبيه الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها مع التحرز والتصوّن تمثيلاً لهم بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة، ثم استثنى إشارة إلى أن التشبيه لم يقع في مقدارهما قاله الزين بن المنير ( منهم الموبق) بضم الميم وسكون الواو وفتح الموحدة بعدها قاف الهالك ( بعلمه) وهو الكافر ( ومنهم المخردل) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة بينهما راء ساكنة وهو المؤمن العاصي.

قال في الفتح: ووقع في رواية الأصيلي هنا المجردل بالجيم والجردلة الإشراف على السقوط، ووهاها القاضي عياض، ورجح ابن قرقول رواية الخاء المعجمة.
قال الهروي: المعنى أن كلاليب النار تقطعه فيهوي في النار أو من الخردل أن تجعل أعضاءه كالخردل أو المخردل المصروع، ورجحه السفاقسي وقال: هو أنسب بسياق الخبر.

( ثم ينجو) من ذلك.
وعن أبي سعيد مما رواه ابن ماجة مرفوعًا: يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها، وفي حديث أي سعيد فناج مسلم ومخدوش مكدوس في جهنم حتى يمر آخرهم فيسحب سحبًا والمكدوس بالمهملة في مسلم وروي بالمعجمة ومعناه السوق الشديد ويؤخذ منه كما في بهجة النفوس أي المارين على الصراط ثلاثة أصناف: ناج بلا خدش، وهالك من أوّل وهلة، ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو، وكل قسم منهما ينقسم أقسامًا كما يعرف من قوله بقدر أعمالهم، وفيه مما ذكره في بهجة النفوس أن الصراط مع دقته وحدّته يسع جميع المخلوقين منذ آدم إلى قيام الساعة ( حتى إذا فرغ الله) عز وجل ( من القضاء بين عباده) أي حل قضاؤه بهم ( وأراد أن يخرج) بضم أوله وكسر ثانيه ( من النار من أراد أن يخرج) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن يخرجه ( ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله) وأن محمدًا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويدخله الجنة بشفاعة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في حديث عمران بن الحصين السابق، أو إبراهيم كما في حديث حذيفة عند البيهقي، وأبي عوانة وابن حبان أو آدم كما في حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم أو المؤمنين كما في حديث أبي سعيد في التوحيد ويجمع بأنهم كلهم شفعوا.

وفي حديث أبي بكرة عند ابن أبي عاصم والبيهقي مرفوعًا: يحمل الناس على الصراط ثم ينجي الله من يشاء برحمته ثم يؤذن في الشفاعة للملائكة والنبيين والشهداء والصالحين فيشفعون ويخرجون ( أمر) الله تعالى ( الملائكة أن يخرجوهم) من النار ( فيعرفونهم بعلامة آثار السجود) بجمع آثار ( وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود) بتوحيد أثر وهذا جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل كيف تعرف الملائكة أثر السجود مع قول أبي سعيد عند مسلم فأماتهم الله حتى إذا كانوا فحمًا أذن بالشفاعة فإذا صاروا فحمًا كيف يتميز على السجود من غيره حتى يعرف أثره وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دل عليها خبر أبي سعيد وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود، وهل المراد أعضاء السجود السبعة الجبهة واليدان والركبتان
والقدمان أو الجبهة خاصة.
قال النووي: المختار الأول واستنبط صاحب بهجة النفوس منه أن كل من كان مسلمًا ولكنه لا يصلّي لا يخرج إذ لا علامة له، ولكنه يحتمل أن يخرج في القبضة لعموم قوله لم يعمل خيرًا قط كما في حديث أبي سعيد في التوحيد وفي حديث معبد عن الحسن البصري عن أنس في التوحيد فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله.
قال: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبروتي لأخرجن من قال: لا إله إلا الله.
قال البيضاوي: أي أنا أفعل ذلك تعظيمًا لاسمي وإجلالاً لتوحيدي وهو مخصص لعموم حديث أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله، وحمله في الفتح على أن المراد ليس لك مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين.
فأجيب إلى أصل الإخراج ومنع من مباشرته فنسبت إلى شفاعته ( فيخرجونهم) من النار حال كونهم ( قد امتحشوا) بضم الفوقية وكسر المهملة وضم المعجمة في الفرع قال في المطالع: وهي لأكثرهم.
وعند أبي ذر والأصيلي امتحشوا بفتحهما يقال محشته النار وامتحش هو قال يعقوب بن السكيت: لا يقال محشته إنما هو أمحشته والصحيح أنهما لغتان والرباعي أكثر وامتحش غضبًا أي احترق قال الداودي: معناه انتحضوا واسودّوا اهـ.

وقال في النهاية: والمحش احتراق الجلد وظهور العظم ( فيصب) بضم التحتية وفتح الصاد المهملة ( عليهم ماء يقال له ماء الحياة) بتاء التأنيث في آخره ضد الموت ( فينبتون نبات الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة من بروز الصحراء ( في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم أي ما يحمله وذلك أن الغثاء الذي يجيء به السيل تكون فيه الحبة فنقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة شبه بها لأنها أسرع في النبات من غيرها وفي السيل أسرع لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء ( ويبقى رجل مقبل) ولأبي ذر عن الكشميهني ويبقى رجل منهم مقبل ( بوجهه على النار) وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة وفي حديث حذيفة في أخبار بني إسرائيل أنه كان نباشًا وأنه قال لأهله: أحرقوني، وفي غرائب مالك للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واهٍ عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا بأن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين وحكى السهيلي أنه جاء أن اسمه هناد وجوّز غيره أن يكون أحد الاسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر وفي نوادر الأصول للترمذي الحكيم من حديث أبي هريرة بسند واهٍ أن أطول أهل النار فيها مكثًا من يمكث سبعة آلاف سنة ( فيقول: يا رب قد قشبني) بفتح القاف والمعجمة والموحدة وكسر النون مخففًا أي آذاني وأهلكني ( ريحها) أي النار ( وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال المعجمة وبالهمز والمد.
قال في الفتح: كذا للأصيلي وكريمة ولأبي ذر ذكاها بالقصر وهو الأشهر في اللغة أي لهبها واشتعالها وشدة وهجها ( فاصرف وجهي عن النار) واستشكل بأنه ممن يمرّ على الصراط طالبًا الجنة فوجهه إلى الجنة.
وأجيب: بأنه سأل أن يديم عليه صرف وجهه عنها ( فلا يزال يدعو الله) تعالى أن يصرف وجهه عن النار ( فيقول) تعالى له: ( لعلك إن أعطيتك) ذلك ( أن تسألني غيره) استفهام تقرير لأن ذلك
من عادة بني آدم والترجي راجع إلى المخاطب لا إلى الرب تعالى ( فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره فيصرف) الله تعالى ( وجهه عن النار) .
قال في الفتح: فيصرف بضم أوله على البناء للمجهول، وفي رواية شعيب فيصرف الله وجهه عن النار قلت: والأول هو الذي في الفرع ( ثم يقول: بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة فيقول) الله تعالى ( أليس قد زعمت) وفي رواية شعيب السابقة في فضل السجود أليس قد أعطيت العهد والميثاق ( أن لا تسألني غيره) أي غير صرف وجهك عن النار ( ويلك ابن آدم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يا ابن آدم ( ما أغدرك) بالغين المعجمة والدال المهملة فعل تعجب من الغدر ونقض العهد وترك الوفاء ( فلا يزال يدعو) الله تعالى ( فيقول) تعالى له ( لعلي إن أعطيتك) .
بتحتية ثم فوقية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إن أعطيتك بضم الهمزة ( ذلك) الذي طلبته ( تسألني غيره.
فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله)
عز وجل ( من عهود ومواثيق) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وميثاق بالإفراد ( أن لا يسأله غيره فيقربه إلى باب الجنة فإذا رأى ما فيها) في رواية شعيب فإذا بلغ بابها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة ورؤيته لها يحتمل أن تكون بمعنى العلم بسطوع ريحها الطيب وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له أذى لفح النار وهو من خارجها أو لأن جدارها شفاف فيرى ظاهرها من باطنها كما روي في غرفها ( سكت ما شاء الله) عز وجل ( أن يسكت ثم يقول) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ثم قال: ( رب أدخلني الجنة، ثم يقول) الله تعالى له: ( أوليس) بواو بعد الهمزة ولأبي ذر أولست بالمثناة الفوقية بعد السين ( قد زعمت أن لا تسألني غيره ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك) ممن دخل الجنة فهو لفظ عام أريد به الخاص ومراده أنه يصير إذا استمر خارجًا عن الجنة أشقاهم وكونه أشقاهم ظاهر لو استمرّ خارج الجنة وهم من داخلها ( فلا يزال يدعو حتى يضحك) الله عز وجل منه وهو مجاز عن لازمه وهو الرضا ( فإذا ضحك) رضي ( منه أذن) بفتح الهمزة ( له بالدخول فيها فإذا دخل فيها قيل تمنّ) ولأبي ذر قيل له تمنّ ( من كذا) أي من الجنس الفلاني وقال المظهري من فيه للبيان يعني تمن من كل جنس ما تشتهي منه.
قال الطيبي ونحوه يغفر لكم من ذنوبكم، ويحتمل أن تكون من زائدة في الإثبات على مذهب الأخفش ( فيتمنى ثم يقال له: تمن من كذا فيتمنى حتى تنقطع به الأماني) وفي رواية أبي سعيد عند أحمد فيسأل ويتمنى مقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا وفي رواية التوحيد حتى إن الله ليذكره كذا من كذا ( فيقول) أي الله ( هذا) وللشكميهني فيقول له هذا ( لك ومثله معه) .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :6232 ... غــ : 6574 ]
- قَالَ عَطَاءٌ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ لاَ يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ: أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: حَفِظْتُ مِثْلُهُ مَعَهُ.

( قال أبو هريرة) بالسند السابق ( وذلك الرجل) المذكور ( آخر أهل الجنة دخولاً) الجنة ( قال عطاء) بن يزيد الراوي ( وأبو سعيد الخدري) سقط لأبي ذر الخدري ( جالس مع أبي هريرة) وهو
يحدث بهذا الحديث ( لا يغير عليه شيئًا من حديثه) ولا يردّه عليه ( حتى انتهى إلى قوله هذا لك ومثله معه.
قال أبو سعيد: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقول هذا لك وعشرة أمثاله.
قال أبو هريرة: حفظت مثله معه)
أي هذا لك ومثله معه وجمع القاضي عياض بينهما باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أولاً قوله ومثله معه فحدث به ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدث بالزيادة فسمعه أبو سعيد والله أعلم.

والحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في الإيمان والنسائي في الصلاة والتفسير.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابٌُ الصِّراطُ جِسْرُ جَهَنَّمَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ الصِّرَاط جسر جَهَنَّم، فَقَوله: الصِّرَاط، مُبْتَدأ: وجسر جَهَنَّم، خَبره وَهُوَ جسر مَنْصُوب على متن جَهَنَّم لعبور الْمُسلمين عَلَيْهِ إِلَى الْجنَّة، وجهنم بِفَتْح الْجِيم وَيجوز كسرهَا وَهِي لَفْظَة أَعْجَمِيَّة وَهِي اسْم لنار الْآخِرَة، وَقيل: هِيَ عَرَبِيَّة وَسميت بهَا لبعد قعرها، وَمِنْه ركية جهنام، وَهِي بِكَسْر الْجِيم وَالْهَاء وَتَشْديد النُّون، وَقيل: هُوَ تعريب كهنام.



[ قــ :6232 ... غــ :6573 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي سَعيدٌ وعَطاءٌ بنُ يَزِيدَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُما عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

(ح) وحدّثني مَحْمُودٌ حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَطاءٍ بنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أناسٌ: يَا رسُولَ الله { هَلْ نَرَى ربَّنا يَوْمَ القِيامَةِ؟ فَقَالَ: (هَلْ تُضارُّونَ فِي الشَّمْسِ ليْسَ دُونَها سَحاب) .
قالُوا: لَا يَا رسُولَ الله}
قَالَ: (هَلْ تُضارُّون فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحاب) قالُوا: لَا يَا رسُولَ الله.
قَالَ: (فإنّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كَذَلِكَ يَجْمَعُ الله النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئاً فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، ويَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، ويَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الطوَاغِيثَ، وتَبْقَى هاذِهِ الأُمَّةُ فِيها مُنافِقُوها، فَيأْتِيهِمُ الله فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الّتي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنا ربُّكُمْ، فَيَقُولُون، نَعُوذُ بِاللَّه مِنْكَ هاذَا مَكانُنا حتَّى يأتِينَا رَبُّنا، فإِذَا أَتَانَا ربُّنَا عَرَفْناهُ، فَيأْتِيهِمْ الله فِي الصُّورَةِ الّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنا ربُّكمْ فَيَقُولُونَ: أنْتَ ربُّنا { فَيَتَّبِعُونَهُ.
ويُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ، قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فأكونُ أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ ودُعاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وبِهِ كَلاَلِيبُ مثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أما رَأيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدانِ) .
قالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله}
قَالَ: (فإنِّها مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أنَّها لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِها إلاّ الله، فَتَخْطَفُ النّاسَ بأعْمالِهِمْ، مِنْهُمُ المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، ومِنْهُمُ المُخرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو حتَّى إَذا فَرَغَ الله مِنَ القضاءِ بَيْنَ عِبادِهِ وأرَادَ أنْ يُخْرِج مِنَ النَّارِ مَنْ أرَادَ أنْ يُخْرِجَ ممَّنْ كانَ يَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلاّ الله، أمَرَ المَلاَئِكَةَ أنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثارِ السُّجُودِ، وحَرَّمَ الله عَلى النّارِ أنْ تأكُلَ مِنِ ابنِ آدَمَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ ماءٌ يُقالُ لهُ ماءُ الحَياةِ فَيَنْبُتُونَ نَباتَ الحبَّةِ فِي حَميلِ السَّيْلِ، ويَبْقَى رجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ { قَدْ قَشَبَنِي رِيحُها وأحْرَقنِي ذَكاؤُها فاصْرِفْ وجْهي عنِ النَّارِ.
فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو الله، فَيَقُولُ: لَعلّكَ إنْ أعْطَيْتُكَ أنْ تَسْألَنِي غيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا وعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وجْهَهُ عنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بابُِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: ألْيَسَ قَدْ زَعَمْتَ أنْ لَا تَسألَنِي غَيْرَهُ؟ ويْلَكَ يَا بنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ، فَلا يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ لَعلِّي أنْ أعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسألْني غيْرَهُ.
فَيَقُولُ: لَا وعزَّتِكَ لَا أسألُكَ غَيْرَهُ}
فَيُعْطِي الله مِنْ عُهُودٍ وموَاثِيقَ أنْ لَا يَسْألَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بابُِ الجَنّةِ، فَإِذا رأى مَا فِيها سَكَتَ مَا شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ أدْخِلْنِي الجَنّةَ، ثمَّ يَقُولُ: أوَ لَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أنْ لَا تَسْألني غَيْرِه؟ وَيْلَكَ يَا ابنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ! فَيَقولُ: يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أشْقاى خَلْقِكَ، فَلاَ يَزالُ يَدْعُو حتَّى يَضْحَكَ، فَإِذا ضَحِكَ مِنْهُ أذِنَ لهُ بالدُّخُولِ فِيها، فَإِذا دَخَلَ فِيها قِيلَ لهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى ثُمَّ يُقالُ لهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذا، فَيَتَمنَّى حتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأمانيُّ، فَيَقُولُ لهُ: هاذا لَكَ ومِثْلُهُ مَعَه) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَذَلِكَ الرَّجُلْ آخِر أَهْلِ الجَنَّة دُخُولاً: قَالَ عَطَاء وَأَبُو سَعِيدْ الخُدْرِّي جَاْلِس مَعْ اَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُغير عَلَيْهِ شَيْئا من حَدِيثه إنتهى إِلَى قَوْله هَذَا لَك وَمثله قَالَ أَبُو سعيد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هَذَا لَك وَعشرَة أَمْثَاله قَالَ أَبُو هُرَيْرَة حفظت مثله مَعَه

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ يضْرب جسر جَهَنَّم) وَهُوَ الصِّرَاط، وَإِنَّمَا قَالَ: الصِّرَاط جسر جَهَنَّم، لِأَنَّهُ ذكر فِي: بابُُ فضل السُّجُود ثمَّ يضْرب الصِّرَاط، فَجمع هُنَا فِي التَّرْجَمَة بَين اللَّفْظَيْنِ.

وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ عَن أبي هُرَيْرَة.
وَالْآخر: عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بِفَتْح الميمين بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَيْسَ فِي هَذَا الطَّرِيق ذكر سعيد، وسَاق الحَدِيث عَليّ هَذَا الطَّرِيق.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن زُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَفِي التَّفْسِير عَن عِيسَى ابْن حَمَّاد وَغَيره.

قَوْله: (يَوْم الْقِيَامَة) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن السُّؤَال لم يَقع عَن الرُّؤْيَة فِي الدُّنْيَا وَقد أخرج مُسلم من حَدِيث ابي أُمَامَة وَاعْلَمُوا أَنكُمْ لن تروا ربكُم حَتَّى تَمُوتُوا وَسبب هَذَا السُّؤَال أَنه لما ذكر الْحَشْر وَالْقَوْل: ليتبع كل أمة مَا كَانَت تعبد، وَقَول الْمُسلمين: هَذَا مَكَاننَا حَتَّى نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة.
قَوْله: (هَل تضَارونَ؟) بِضَم أَوله وبالضاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء المضمومة من الضّر، وَأَصله: تضَارونَ، بِصِيغَة الْمَعْلُوم أَي: هَل تضرون أحدا، وَيجوز بِصِيغَة الْمَجْهُول، أَي: هَل يضركم أحد بمنازعة ومضايقة، وَفِيه وَجه ثَالِث وَهُوَ: وَهل تضَارونَ، بِالتَّخْفِيفِ من الضير بِمَعْنى الضّر، يُقَال: ضاره يضرّهُ إِذا ضره وَأَصله: تضيرون بِضَم أَوله وَسُكُون الضَّاد وَفتح الْيَاء وَضم الرَّاء استثقلت الفتحة على الْيَاء لسكون مَا قبلهَا فألقيت حركتها على الضَّاد وقلبت الْيَاء ألفا لانفتاح مَا قبلهَا، وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ: وَهل تضَامون، بِضَم أَوله وَتَشْديد الْمِيم،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: وَفِي حَدِيث الرُّؤْيَة: لَا تضَامون، يرْوى بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، فالتشديد مَعْنَاهُ: لَا يَنْضَم بَعْضكُم إِلَى بعض وتزدحمون وَقت النّظر إِلَيْهِ، وَيجوز ضم التَّاء وَفتحهَا على تفاعلون وتتفاعلون، وَمعنى التَّخْفِيف.
لَا ينالكم ضيم فِي رُؤْيَته فيراه بَعْضكُم دون بعض، والضيم الظُّلم، وَالْحَاصِل أَن الْمَادَّة فِي هَذِه الْأَوْجه أَربع مواد: الضّر والضير والضيم وَالضَّم، فالمتأمل فِيهَا يقف عَلَيْهَا وَوَقع فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: لَا تضَامون أَو تضاهون بِالشَّكِّ وَمَعْنَاهُ: لَا يشْتَبه عَلَيْكُم وَلَا ترتابون فِيهِ فيعارض بَعْضكُم بَعْضًا.
وَفِي رِوَايَة شُعَيْب تقدّمت فِي: بابُُ فضل السُّجُود: هَل تمارون بِضَم أَوله وَتَخْفِيف الرَّاء أَي: هَل تجادلون فِي ذَلِك.
أَو: هَل يدخلكم فِيهِ شكّ، من المرية وَهِي الشَّك.
قَوْله: (فِي الشَّمْس) ذكرهَا ثمَّ ذكر الْقَمَر وخصهما بِالذكر مَعَ أَن رُؤْيَة السَّمَاء بِغَيْر سَحَاب أكبر آيَة وَأعظم خلقا من مُجَرّد الشَّمْس وَالْقَمَر لما خصا بِهِ من عظم النُّور والضياء، وَحكى بَعضهم عَن بعض: أَن الِابْتِدَاء بِذكر الْقَمَر قبل الشَّمْس مُتَابعَة للخليل عَلَيْهِ السَّلَام، وَاسْتدلَّ بِهِ الْخَلِيل على إِثْبَات الوحدانية، وَاسْتدلَّ بِهِ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على إِثْبَات الرُّؤْيَة.
انْتهى.

قلت: الِابْتِدَاء بِذكر الْقَمَر فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ ذكر الشَّمْس مقدم على الأَصْل.
فَإِن قلت: لَا بُد من الْجِهَة بَين الرَّائِي والمرئي.

قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: لَا يلْزم مِنْهُ المشابهة فِي الْجِهَة والمقابلة وَخُرُوج الشعاع وَنَحْوه لِأَنَّهَا أُمُور لَازِمَة للرؤية عَادَة لَا عقلا،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: قد يتخيل بعض النَّاس أَن الْكَاف كَاف تَشْبِيه للمرئي، وَهُوَ غلط، وَإِنَّمَا هِيَ كَاف التَّشْبِيه للرؤية وَهُوَ فعل الرَّائِي وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا رُؤْيَة يزاح عَنْهَا الشَّك مثل رؤيتكم الْقَمَر، وَقيل: التَّشْبِيه بِرُؤْيَة الْقَمَر ليقين الرُّؤْيَة دون تَشْبِيه المرئي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقيل: التَّمْثِيل وَقع فِي تَحْقِيق الرُّؤْيَة لَا فِي الْكَيْفِيَّة لِأَن الشَّمْس وَالْقَمَر متحيزان وَالْحق سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: مَذْهَب أهل السّنة أَن رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ رَبهم مُمكنَة، ونفتها المبتدعة من الْمُعْتَزلَة والخوارج، وَهُوَ جهل مِنْهُم، فقد تظافرت الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وَسلف الْأمة على إِثْبَاتهَا فِي الْآخِرَة للْمُؤْمِنين.

قلت: رُوِيَ فِي إِثْبَات الرُّؤْيَة حَدِيث الْبابُُ وَعَن نَحْو عشْرين صحابياً.
مِنْهُم: عَليّ وَجَرِير وصهيب وَأنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: (كَذَلِك) أَي وَاضحا جلياً بِلَا مضارة وَلَا مزاحمة.
قَوْله: (يجمع الله النَّاس) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: يحْشر الله النَّاس فِي مَكَان، وَزَاد فِي رِوَايَة الْعَلَاء.
فِي صَعِيد وَاحِد، وَمثله فِي رِوَايَة أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: يجمع الله يَوْم الْقِيَامَة الْأَوَّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد فَيسْمعهُمْ الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر بِالذَّالِ أَي: يخرقهم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْقَاف حَتَّى يجوزهم، وَقيل بِالدَّال الْمُهْملَة أَي: يستوعبهم، وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الشّعب) : إِذا حشر النَّاس قَامُوا أَرْبَعِينَ عَاما شاخصة أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء لَا يكلمهم ... الحَدِيث.
وَفِي حَدِيث أبي سعيد رَوَاهُ أَحْمد بِسَنَد جيد: أَنه يُخَفف الْوُقُوف على الْمُؤمن حَتَّى يكون كَصَلَاة مَكْتُوبَة، وَلأبي يعلى من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: كتدلي الشَّمْس للغروب إِلَى الْغُرُوب.
قَوْله: (فَيتبع من كَانَ يعبد الشَّمْس) التَّنْصِيص على ذكر الشَّمْس وَالْقَمَر مَعَ دخولهما فِيمَن عبد من دون الله للتنويه بذكرهما لعظم خلقهما.
قَوْله: (الطواغيت) جمع طاغوت وَهُوَ الشَّيْطَان والصنم وَيكون جمعا ومفرداً ومذكراً ومؤنثاً، وَيُطلق أَيْضا على رُؤَسَاء الضلال،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الطاغوت الكاهن والشيطان وكل رَأس فِي الضلال، وَقد يكون وَاحِدًا قَالَ تَعَالَى: { يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقد أمروا أَن يكفروا بِهِ} (النِّسَاء: 06) وَقد يكون جمعا قَالَ تَعَالَى: { أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم} (الْبَقَرَة: 752) والطاغوت وَإِن جَاءَ على وزن لاهوت، فَهُوَ مقلوب لِأَنَّهُ من طَغى، ولاهوت غير مقلوب لِأَنَّهُ من: لاه، بِمَنْزِلَة الرغبوت والرحموت انْتهى.
وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ يجمع عِنْد الْمُحَقِّقين من أهل الْعَرَبيَّة لِأَنَّهُ مصدر كالرهبوت والرحموت وَأَصله: طغيوت، فَقدمت الْيَاء على الْغَيْن فَصَارَ طيغوت فقلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وَإِذا ثَبت أَنَّهَا فِي الأَصْل مصدر بِمَعْنى الطغيان ثَبت أَنَّهَا اسْم مُفْرد، وَإِنَّمَا جَاءَ الضَّمِير الْعَائِد عَلَيْهَا جمعا فِي قَوْله تَعَالَى: { يخرجونهم} (الْبَقَرَة: 752) لكَونهَا جِنْسا مُعَرفا بلام الْجِنْس.
قَوْله: (وَتبقى هَذِه الْأمة) قيل: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالأمة أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَيحْتَمل أَن يكون أَعم من ذَلِك فَيدْخل فِيهَا جَمِيع أهل التَّوْحِيد حَتَّى الْجِنّ، يدل عَلَيْهِ مَا فِي بَقِيَّة الحَدِيث أَنه يبْقى من كَانَ يعبد الله من بر وَفَاجِر.

قلت: الْإِشَارَة بقوله: (هَذِه الْأمة) يُنَافِي تنَاوله لغير أمة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَوله: يدل عَلَيْهِ مافي بَقِيَّة الحَدِيث، لَيْسَ كَذَلِك لِأَن هَذَا فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: (منافقوها) ، ظن المُنَافِقُونَ أَن تسترهم بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَة يَنْفَعهُمْ فاختلطوا بهم فِي ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يضْرب: { بَينهم بسور لَهُ بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب} (الْحَدِيد: 31) قَوْله: (فيأتيهم الله) المُرَاد من الْإِتْيَان التجلي وكشف الْحجاب، وَقيل: الْإِتْيَان عبارَة عَن رُؤْيَتهمْ إِيَّاه لِأَن الْعَادة أَن كل من غَابَ عَن غَيره لَا يُمكنهُ رُؤْيَته إِلَّا بالمجيء إِلَيْهِ، فَعبر عَن الرُّؤْيَة بالإتيان مجَازًا، وَقيل: الْإِتْيَان فعل من أَفعَال الله تَعَالَى يجب الْإِيمَان بِهِ مَعَ تنزيهه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن سمة الْحُدُود.
وَقيل: فِيهِ حذف تَقْدِيره يَأْتِيهم بعض مَلَائِكَة الله.
قَوْله: (فِي غير الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ) الصُّورَة من المشابهات وَالْأمة فِيهَا فرقتان المفوضة والمأولة فَمن أَوله قَالَ: المُرَاد من الصُّورَة الصّفة، أَو آخراج الْكَلَام على سَبِيل الْمُطَابقَة.
قَوْله: (يعْرفُونَ) .
فَإِن قلت: لم يتَقَدَّم لَهُم رُؤْيَة فَكيف يعْرفُونَ؟ .

قلت: إِنَّمَا عرفوه فِي الدُّنْيَا بِالصّفةِ أَي: بِوَصْف الْأَنْبِيَاء لَهُم، وَقيل: يخلق الله فيهم عُلماً، وَقيل: يصير جَمِيع المعلومات ضَرُورِيًّا.
قَوْله: (نَعُوذ بِاللَّه مِنْك) قَالَ الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْكَلَام صدر من الْمُنَافِقين.
قَالَ عِيَاض: هَذَا لَا يَصح وَلَا يَسْتَقِيم الْكَلَام بِهِ،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الَّذِي قَالَه عِيَاض صَحِيح، وَلَفظ الحَدِيث مُصَرح بِهِ أَو ظَاهر فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: معنى الْخَبَر يَأْتِيهم الله بأهوال يَوْم الْقِيَامَة وَمن صور الْمَلَائِكَة بِمَا لم يعهدوا مثله فِي الدُّنْيَا، فيستعيذون من تِلْكَ الْحَال وَيَقُولُونَ: إِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ، أَي: إِذا أَتَانَا بِمَا نعرفه بالصورة وَهِي الصّفة.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي إِتْيَانه بِغَيْر الصُّورَة الَّتِي كَانُوا يعرفونه؟ .

قلت: للامتحان، وَقيل: يحْتَمل أَن يَأْتِيهم بصور مُخْتَلفَة فَيَقُول: أَنا ربكُم على وَجه الامتحان.
قَوْله: (فَيَقُولُونَ أَنْت رَبنَا) قيل: فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُم رَأَوْهُ فِي أول مَا حشروا، وَالْعلم عِنْد الله عز وَجل..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذِه الرُّؤْيَة غير الرُّؤْيَة الَّتِي تقع فِي الْجنَّة إِكْرَاما لَهُم فَإِن هَذِه للامتحان وَتلك لزِيَادَة الْإِكْرَام.
فَإِن قلت: الامتحان من التَّكْلِيف وَلَا تكاليف يَوْم الْقِيَامَة؟ .

قلت: آثَار التكاليف لَا تَنْقَطِع إلاَّ بعد الِاسْتِقْرَار فِي الْجنَّة أَو فِي النَّار..
     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: لَا يلْزم من أَن الدُّنْيَا دَار بلَاء وَالْآخِرَة دَار جَزَاء أَن لَا يَقع فِي وَاحِد مِنْهُمَا مَا يخص بِالْأُخْرَى.
فَإِن الْقَبْر أَو منَازِل الْآخِرَة وَفِيه الِابْتِلَاء والفتنة بالسؤال وَغَيره.
قَوْله: (وَيضْرب جسر جَهَنَّم) هُوَ جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم أدق من الشّعْر وأحدّ من السَّيْف، وَفِي مُسلم قيل: يَا رَسُول الله! وَمَا الجسر؟ قَالَ: دحض مزلة فِيهِ خطاطيف وكلاليب وحسكة يكون يتَّخذ فِيهَا شويكة يُقَال لَهَا: السعدان.
قَوْله: (من يُجِيز) من أجزت الْوَادي وجزته بِمَعْنى: مشيت عَلَيْهِ وقطعته، وَقيل: مَعْنَاهُ لَا يجوز أحدٌ على الصِّرَاط حَتَّى يجوز هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الْمَعْنى أكون أَنا وَأمتِي أول من يمْضِي على الصِّرَاط.
قَوْله: (وَبِه كلاليب) جمع كَلوب كتنور وَالضَّمِير فِي: بِهِ، يرجع إِلَى الجسر، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: وَفِي جَهَنَّم كلاليب، وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة وَأبي هُرَيْرَة مَعًا: وَفِي حافتي الصِّرَاط كلاليب معلقَة مأمورة تَأْخُذ من أمرت بِهِ.
قَوْله: (مثل شوك السعدان) بِلَفْظ التَّثْنِيَة وَهُوَ جمع سعدانة وَهُوَ نبت ذُو شوك يضْرب بِهِ الْمثل فِي طيب مرعاه، قَالُوا: مرعى وَلَا كالسعدان.
قَوْله: (أما رَأَيْتُمْ شوك السعدان؟) هُوَ اسْتِفْهَام تَقْرِير لاستحضار الصُّورَة الْمَذْكُورَة.
قَوْله: (غير أَنَّهَا) أَي: الشَّوْكَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: غير إِنَّه، وَالضَّمِير للشأن.
قَوْله: (لَا يعلم قدر عظمها إلاّ الله) وَفِي رِوَايَة مُسلم لَا يعلم مَا قدر عظمها إلاَّ الله،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: قرأناه بِضَم الْعين وَسُكُون الظَّاء، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى بِكَسْر الْعين وَفتح الظَّاء وَهُوَ أشبه لِأَنَّهُ مصدر،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: عظم الشَّيْء عظما، أَي: كبر فتقديره لَا يعلم قدر كبرها إلاّ الله، وَعظم الشَّيْء أَكْثَره.
قَوْله: (فتخطف) بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا،.

     وَقَالَ  ثَعْلَب فِي (الفصيح) : خطف، بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وبالفتح فِي الْمُضَارع، وَحكى الْفراء عَكسه وَالْكَسْر، فِي الْمُضَارع أفْصح.
قَوْله: (بأعمالهم) يتَعَلَّق بقوله: (تخطف) وَالْبَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة نَحْو: { إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل} (الْبَقَرَة: 45) { فكلاً أَخذنَا بِذَنبِهِ} (العنكبوت: 04) قَوْله: (فَمنهمْ الموبق) هَذَا تَفْسِير لما قبله من قَوْله: (بأعمالهم) أَي: فَمن النَّاس الموبق بِضَم الْمِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: المهلك بِسَبَب عمله السيء، يُقَال: وبق يبْق ووبق يوبق فَهُوَ وبق، وأوبقه غَيره فَهُوَ موبق، وَرِوَايَة شُعَيْب: فَمنهمْ من يوبق، أَي: يهْلك، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فَمنهمْ الموثق، بالثاء الْمُثَلَّثَة الْمَفْتُوحَة من الوثاق، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، وَمِنْهُم الْمُؤمن، بِكَسْر الْمِيم بعْدهَا نون يقي بِعَمَلِهِ بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْقَاف من الْوِقَايَة أَي: يستره عمله.
قَوْله: (وَمِنْهُم المخردل) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، قَالَ الْكرْمَانِي: المخردل المصروع وَمَا قطع أعضاؤه أَي جعل كل قِطْعَة مِنْهُ بِمِقْدَار خردلة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: المخردل المرمي المصروع، وَقيل: المقطع تقطعه كلاليب الصِّرَاط حَتَّى يهوي فِي النَّار، يُقَال: خردلت اللَّحْم بِالدَّال والذال أَي: فصلت أعضاءه وقطعته، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: وَمِنْهُم من يخردل، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ هُنَا بِالْجِيم من الجردلة وَهِي الإشراف على السُّقُوط، وَكَذَا وَقع لأبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ وَفِي رِوَايَة شُعَيْب وهاه عِيَاض وَالدَّال مُهْملَة للْجَمِيع، وَحكى أَبُو عبيد فِيهِ إعجام الدَّال، وَرجح صَاحب (الْمطَالع) : الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَمِنْهُم الْمجَازِي حَتَّى يُنجى.
قَوْله: (ثمَّ ينجو) من النجَاة، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد: ثمَّ ينجلي، بِالْجِيم أَي: يبين، وَيحْتَمل أَن يكون بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
أَي: يخلى عَنهُ وَهُوَ الْأَشْبَه.
قَوْله: (حَتَّى إِذا فرغ الله) الْفَرَاغ الْخَلَاص من المهام وَهُوَ محَال على الله تَعَالَى، وَالْمرَاد إتْمَام الحكم بَين الْعباد.
قَوْله: (أَن يخرج) بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج.
قَوْله: (من أَرَادَ) مفعول.
(أَن يخرج) .
قَوْله: (أَمر الْمَلَائِكَة أَن يخرجوهم) أَي: أَن يخرجُوا من كَانَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَفِي حَدِيث أبي سعيد: حَتَّى إِذا فرغ من الْقَضَاء.
بَين الْعباد وَأَرَادَ أَن يخرج برحمته من أَرَادَ من أهل النَّار، أَمر الْمَلَائِكَة أَن يخرجُوا من النَّار من كَانَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا مِمَّن أَرَادَ الله أَن يرحمه مِمَّن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله.
قَوْله: (بعلامة آثَار السُّجُود) أثر السُّجُود هُوَ الْجَبْهَة، وَيحْتَمل أَن يُرَاد الْأَعْظَم السَّبْعَة.
قَوْله: (وَحرم الله على النَّار) هُوَ جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر تَقْدِيره: كَيفَ يعرفونهم بأثر السُّجُود، مَعَ قَوْله فِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد مُسلم: فأماتهم الله إماتة حَتَّى إِذا كَانُوا فحماً أذن بالشفاعة.
حَاصِل الْمَعْنى: أَن الله عز وَجل يخصص أَعْضَاء السُّجُود من عُمُوم الْأَعْضَاء الَّتِي دلّ عَلَيْهَا هَذَا الْخَبَر، وَأَن الله منع النَّار أَن تحرق أثر السُّجُود من الْمُؤمن.
قَوْله: (قد امتحشوا) .
على صِيغَة الْمَجْهُول من الامتحاش بِالْحَاء الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الاحتراق، ويروى بِصِيغَة الْمَعْلُوم وَهُوَ الْأَصَح.
قَوْله: (مَاء الْحَيَاة) وَفِي حَدِيث أبي سعيد: (فيلقون فِي نهر الْحَيَاة أَو الحيا) .
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (فيلقون فِي نهر بأفواه الْجنَّة يُقَال لَهُ: مَاء الْحَيَاة) .
والأفواه جمع فوهة على غير قِيَاس.
قَوْله: (الْحبَّة) ، بِكَسْر الْحَاء بزر الرياحين، وَقيل: بزور الصَّحرَاء.
قَوْله: (فِي حميل السَّيْل) أَي: فِي محموله أَي: فِي الَّذِي يحملهُ السَّيْل من الغثاء، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بابُُ صفة الْجنَّة وَالنَّار.
قَوْله: (وَيبقى رجل مِنْهُم) فِي رِوَايَة الْكشميهني: (وَكَانَ هَذَا الرجل نباشاً من بني إِسْرَائِيل) .
قَوْله: (فَيَقُول: يَا رب) فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد: (أَي رب) ، على مَا يَجِيء فِي التَّوْحِيد.
قَوْله: (قد قشبني) ، بقاف وشين مُعْجمَة مفتوحتين مخففاً وَرُوِيَ التَّشْدِيد،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: قشب الدُّخان إِذا مَلأ خياشيمه وَأخذ يكظمه..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: القشب الْإِصَابَة بِكُل مَا يكره ويستقذر.
قَوْله: (ذكاؤها) ، كَذَا هُوَ بِالْمدِّ فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَغَيره: (ذكاها) ، بِالْقصرِ وَهُوَ الْأَشْهر فِي اللُّغَة،.

     وَقَالَ  ابْن القطاع: يُقَال: ذكت النَّار تذكو ذكاً بِالْقصرِ وذكواً بِالضَّمِّ وَتَشْديد الْوَاو أَي: كثر لهبها وَاشْتَدَّ اشتعالها ووهجها.
قَوْله: (فاصرف وَجْهي عَن النَّار) ، قيل: كَيفَ يَقُول هَذَا القَوْل وَالْحَال أَنه يمر على الصِّرَاط طَالبا الْجنَّة فوجهه إِلَى الْجنَّة؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ قيل: إِنَّه كَانَ يتقلب على الصِّرَاط ظهرا لبطن فَكَأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالة انْتهى إِلَى آخِره فصادف أَن وَجهه كَانَ من قبل النَّار وَلم يقدر على صرفه عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ، فَسَأَلَ الله تَعَالَى فِي ذَلِك.

قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال إِنَّه من قبيل قَوْله تَعَالَى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الْفَاتِحَة: 6) أَي: ثَبت صرف وَجْهي عَن النَّار لِأَنَّهُ لما توجه إِلَى الْجنَّة سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يديم عَلَيْهِ صرف وَجهه عَن النَّار لما كَانَ يقاسي مِنْهَا.
قَوْله: (فَيصْرف وَجهه عَن النَّار) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (مَا أغدرك!) فعل التَّعَجُّب من الْغدر وَهُوَ نقض الْعَهْد وَترك الْوَفَاء.
قَوْله: (فَإِذا رأى مَا فِيهَا) ، فَإِن قلت: كَيفَ رأى مَا فِي الْجنَّة وَالْحَال أَنه لم يدخلهَا وقتئذٍ؟ .

قلت: لِأَن جِدَار الْجنَّة شفاف فَيرى بَاطِنهَا من ظَاهرهَا كَمَا جَاءَ فِي وصف الغرف، وَقيل: المُرَاد من الرُّؤْيَة الْعلم الَّذِي يحصل لَهُ من سطوع رائحتها الطّيبَة وأنوارها المضيئة كَمَا كَانَ يحصل لَهُ من سطوع رَائِحَة النَّار ونفحها وَهُوَ خَارِجهَا.
قَوْله: (لَا تجعلني أَشْقَى خلقك) ، المُرَاد بالخلق هُنَا من دخل الْجنَّة، قيل: لَيْسَ هُوَ أَشْقَى الْخلق لِأَنَّهُ مُؤمن خَارج من النَّار.
وَأجِيب: بِأَن الأشقى بِمَعْنى الشقي، أَو يخصص الْخلق بالخارجين مِنْهَا.
قَوْله: (حَتَّى يضْحك) ، قيل: الضحك لَا يَصح على الله.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ مجَاز عَن الرِّضَا بِهِ.
قَوْله: (من كَذَا) أَي: من الْجِنْس الْفُلَانِيّ.

قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة) هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: (وَذَلِكَ الرجل) ، قيل: اسْمه هناد بالنُّون والمهملة، وَقيل: جُهَيْنَة، وَقد وَقع فِي (غرائب مَالك) : للدارقطني من طَرِيق عبد الْملك بن الحكم وَهُوَ رَوَاهُ عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَفعه: (إِن آخر من يدْخل الْجنَّة رجل من جُهَيْنَة يُقَال لَهُ: جُهَيْنَة، فَيَقُول أهل الْجنَّة: عِنْد جُهَيْنَة الْخَبَر الْيَقِين) .
وَقيل: وَجه الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَنه يجوز أَن يكون أحدالإسمين لأحد الْمَذْكُورين وَالْآخر للْآخر.
قَوْله: (الْأَمَانِي) جمع أُمْنِية.
قَوْله: (هَذَا لَك وَمثله مَعَه) ، هَذَا إِشَارَة إِلَى متمناه الَّذِي وقف عَلَيْهِ.

قَوْله: (قَالَ: وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ جَالس) الْقَائِل هُوَ عَطاء بن يزِيد بَينه إِبْرَاهِيم بن سعد فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: قَالَ عَطاء بن يزِيد: وَأَبُو سيعد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (هَذَا لَك عشرَة أَمْثَاله) ، وَجه الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَنه يحْتَمل أَن يكون قد أخبر بِالْمثلِ أَو لَا ثمَّ اطلعه الله تَعَالَى بتفضله بِالْعشرَةِ.