هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5655 حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الوَاسِطِيُّ ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا ، حَتَّى قُلْتُ : لاَ يَسْكُتُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5655 حدثني إسحاق ، حدثنا خالد الواسطي ، عن الجريري ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ، ألا وقول الزور ، وشهادة الزور فما زال يقولها ، حتى قلت : لا يسكت
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Bakra:

Allah's Messenger (ﷺ) said thrice, Shall I not inform you of the biggest of the great sins? We said, Yes, O Allah's Messenger (ﷺ) He said, To join partners in worship with Allah: to be undutiful to one's parents. The Prophet (ﷺ) sat up after he had been reclining and added, And I warn you against giving forged statement and a false witness; I warn you against giving a forged statement and a false witness. The Prophet kept on saying that warning till we thought that he would not stop.

":"مجھ سے اسحاق بن شاہین واسطی نے بیان کیا ، کہا ہم سے خالد واسطی نے بیان کیا ، ان سے جریری نے ، ان سے عبدالرحمٰن بن ابی بکرہ نے اور ان سے ان کے والد رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ، کیا میں تمہیں سب سے بڑا گناہ نہ بتاؤں ؟ ہم نے عرض کیا ضرور بتا یئے یا رسول اللہ ! آنحضر ت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اللہ کے ساتھ شرک کرنا اور والدین کی نافرمانی کرنا ۔ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم اس وقت ٹیک لگائے ہوئے تھے اب آپ سیدھے بیٹھ گئے اور فرمایا آگاہ ہو جاؤ جھوٹی بات بھی اور جھوٹی گواہی بھی ( سب سے بڑے گناہ ہیں ) آگاہ ہو جاؤ جھوٹی بات بھی اور جھوٹی گواہی بھی ۔ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم اسے مسلسل دہراتے رہے اور میں نے سوچا کہ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم خاموش نہیں ہوں گے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [5976] قَوْله حَدثنِي إِسْحَاق هُوَ بن شاهين الوَاسِطِيّ وخَالِد هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ وَالْجُرَيْرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ وَهُوَ مِمَّنِ اخْتَلَطَ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ سَمَاعَ خَالِدٍ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَلَا بَعْدَهُ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ وَيَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْجُرَيْرِيِّ وَإِسْمَاعِيلُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الْجُرَيْرِيِّ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ وَبَيَّنَ فِي الشَّهَادَاتِ تَصْرِيحَ الْجُرَيْرِيِّ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ بِتَحْدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ لَهُ بِهِ .

     قَوْلُهُ  أَلَا أُنَبِّئُكُمْ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَلَا أُخْبِركُمْ .

     قَوْلُهُ  بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا أَيْ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْرِيرِ الشَّيْءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَأْكِيدًا لِيُنَبِّهَ السَّامِعَ عَلَى إِحْضَارِ قَلْبِهِ وَفَهْمِهِ لِلْخَبَرِ الَّذِي يَذْكُرُهُ وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا عَدَدُ الْكَبَائِرِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ أَوَّلَ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ثَلَاثًا وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ كَبَائِرَ وَمِنْهَا صَغَائِرَ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَايِنِيُّ فَقَالَ لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةٌ بَلْ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنهُ كَبِيرَة وَنقل ذَلِك عَن بن عَبَّاسٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ كُلَّ مُخَالَفَةٍ لِلَّهِ فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلالة كَبِيرَة اه وَنسبه بن بَطَّالٍ إِلَى الْأَشْعَرِيَّةِ فَقَالَ انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَخَالَفَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا الْمَعَاصِي كُلُّهَا كَبَائِرُ وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَعْضِهَا صَغِيرَةٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ الْقُبْلَةُ الْمُحَرَّمَةُ صَغِيرَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى الزِّنَا وَكُلُّهَا كَبَائِرُ قَالُوا وَلَا ذَنْبَ عِنْدَنَا يُغْفَرُ وَاجِبًا بِاجْتِنَابِ ذَنْبٍ آخَرَ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ وَمُرْتَكِبُهُ فِي الْمَشِيئَةِ غَيْرَ الْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِهَا وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ الشِّرْكُ وَقَدْ قَالَ الْفَرَّاءُ مَنْ قَرَأَ كَبَائِرَ فَالْمُرَادُ بِهَا كَبِيرٌ وَكَبِيرُ الْإِثْمِ هُوَ الشِّرْكُ وَقَدْ يَأْتِي لَفْظُ الْجَمْعِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسلين وَلَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ غَيْرُ نُوحٍ قَالُوا وَجَوَازُ الْعِقَابِ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَجَوَازِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ اه قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إِنْكَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا يَلِيقُ بِالْفَقِيهِ.

.

قُلْتُ قَدْ حَقَّقَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَنْقُولَ عَنِ الْأَشَاعِرَةِ وَاخْتَارَهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ فَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ الْمَرْضِيُّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ يُعْصَى اللَّهُ بِهِ كَبِيرَةٌ فَرُبَّ شَيْءٍ يُعَدُّ صَغِيرَةً بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَقْرَانِ وَلَوْ كَانَ فِي حَقِّ الْمَلِكِ لَكَانَ كَبِيرَةً وَالرَّبُّ أَعْظَمُ مَنْ عُصِيَ فَكُلُّ ذَنْببِالْإِضَافَةِ إِلَى مُخَالَفَتِهِ عَظِيمٌ وَلَكِنَّ الذُّنُوبَ وَإِنْ عَظُمَتْ فَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي رُتَبِهَا وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فَقَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّ لِلْكَبِيرَةِ اعْتِبَارَيْنِ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مُقَايَسَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَهِيَ تَخْتَلِفُ قَطْعًا وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآمِرِ النَّاهِيِ فَكُلُّهَا كَبَائِرُ اه وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَإِنَّمَا جَرَى إِلَيْهِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مَا أَظُنهُ يَصح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ وَقَولُهُ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ فَجَعَلَ فِي الْمَنْهِيَّاتِ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ إِذْ جَعَلَ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ فِي الْآيَةِ مَشْرُوطًا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَاسْتَثْنَى اللَّمَمَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ فَكَيْفَ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى حَبْرِ الْقُرْآن قلت وَيُؤَيِّدهُ مَا سَيَأْتِي عَن بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ لَكِنَّ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ عَنْهُ أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَالطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ على شَرط الشَّيْخَيْنِ إِلَى بن عَبَّاسٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولًا عَلَى نَهْيٍ خَاصٍّ وَهُوَ الَّذِي قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ كَمَا قَيَّدَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن بن عَبَّاسٍ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى مُقَيَّدِهِ جَمْعًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُضَافَانِ إِلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الطَّاعَةُ أَوِ الْمَعْصِيَةُ أَوِ الثَّوَابُ فَأَمَّا الطَّاعَةُ فَكُلُّ مَا تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ مثلا فَهُوَ مِنَ الصَّغَائِرِ وَكُلُّ مَا يُكَفِّرُهُ الْإِسْلَامُ أَوِ الْهِجْرَةُ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

.
وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ فَكُلُّ مَعْصِيَةٍ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا بِسَبَبِهَا وَعِيدًا أَوْ عِقَابًا أَزْيَدَ مِنَ الْوَعِيدِ أَوِ الْعِقَابِ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ أُخْرَى فَهِيَ كَبِيرَةٌ.

.
وَأَمَّا الثَّوَابُ فَفَاعِلُ الْمَعْصِيَةِ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَالصَّغِيرَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَبِيرَةٌ فَقَدْ وَقَعَتِ الْمُعَاتَبَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمُورٍ لَمْ تُعَدَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مَعْصِيَةً اه وَكَلَامُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ يُخَصِّصُ عُمُومَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ عَلَامَةَ الْكَبِيرَةِ وُرُودُ الْوَعِيدِ أَوِ الْعِقَابِ فِي حَقِّ فَاعِلِهَا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مُطْلَقَ قَتْلِ النَّفْسِ مَثَلًا لَيْسَ كَبِيرَةً كَأَنَّهُ وَإِنْ وَرَدَ الْوَعِيدُ فِيهِ أَوِ الْعِقَابُ لَكِنْ وَرَدَ الْوَعِيدُ وَالْعِقَابُ فِي حَقِّ قَاتِلِ وَلَدِهِ أَشَدُّ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَنَّ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ وَمَا أَشْبَهَهُ يَنْقَسِمُ إِلَى كَبِيرَةٍ وَأَكْبَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ الْكَبِيرَةِ اخْتِلَافًا كثيرا منتشرا فروى عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَو غضب أَو لعنة أَو عَذَاب قَالَ وَجَاء نَحْو هَذَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ هِيَ مَا أوعد الله عَلَيْهِ بِنَارٍ فِي الْآخِرَةِ أَوْ أَوْجَبَ فِيهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا.

.

قُلْتُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَفْظُهُ الْكَبِيرَةُ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الْحُدُودُ أَوْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْوَعِيدُ وَالْمَنْقُول عَن بن عَبَّاس أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا وَأُخْرِجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِل لَا بَأْس بِرِجَالِهِ أَيْضا عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُلُّ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ كَبِيرَةٌ وَقَدْ ضَبَطَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْكَبَائِرَ بِضَوَابِطَ أُخْرَى مِنْهَا قَوْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ وَقَوْلُ الْحَلِيمِيُّ كُلُّ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ هِيَ مَا أَوْجَبَ الْحَدَّ وَقِيلَ مَا يُلْحِقُ الْوَعِيدَ بِصَاحِبِهِ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ هَذَا أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لِلْأَصْحَابِ وَهُمْ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ أَمْيَلُ لَكِنَّ الثَّانِي أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ اهـ كَلَامُهُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا وَرَدَتِ النُّصُوصُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً لَا حَدَّ فِيهِ كَالْعُقُوقِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ مُرَادَ قَائِلِهِ ضَبْطَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ضَابِطٍ لِلْكَبِيرَةِ لَا يَسْلَمُ منالِاعْتِرَاضِ وَالْأَوْلَى ضَبْطُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِدِينِهِ إِشْعَارًا دُونَ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا.

.

قُلْتُ وَهُوَ ضَابِطٌ جَيِّدٌ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الرَّاجِحُ أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ نُصَّ عَلَى كِبَرِهِ أَوْ عِظَمِهِ أَوْ تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ شُدِّدَ النَّكِيرُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَة وَكَلَام بن الصّلاح يُوَافق مَا نقل أَولا عَن بن عَبَّاسٍ وَزَادَ إِيجَابُ الْحَدِّ وَعَلَى هَذَا يَكْثُرُ عَدَدُ الْكَبَائِرِ فَأَمَّا مَا وَرَدَ النَّصُّ الصَّرِيحُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً فَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ فِي كِتَابِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِ الْمَذْكُورَاتِ مِمَّا نَصَّ عَلَى كَوْنِهَا كَبِيرَةً أَوْ مُوبِقَةً وَقَدْ ذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي لَمْ يُنَصَّ عَلَى كَوْنِهَا كَبِيرَةً مَعَ كَوْنِهَا كَبِيرَةً لَا ضَابِطَ لَهَا فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ مَا لَمْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى كَوْنِهِ كَبِيرَةً فَالْحِكْمَةُ فِي إِخْفَائِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ الْعَبْدُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً كَإِخْفَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ الْجُمُعَةِ وَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَصْلٌ .

     قَوْلُهُ  أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْحَصْرِ بَلْ مِنْ فِيهِ مُقَدَّرَةٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ أَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قَتْلِ النَّفْسِ وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي الَّذِي بعده وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ أَيِ الذَّنْبِ أَعْظَمُ فَذَكَرَ فِيهِ الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةُ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسلم أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا مَنْعَ فَضْلِ الْمَاءِ وَمَنْعَ الْفَحْلِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَحَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَيَقْرَبُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَلَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ العقوق قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إِلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ فِي الذُّنُوبِ صَغَائِرَ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ فَالْكَبَائِرُ وَالذُّنُوبُ عِنْدَهُ مُتَوَارِدَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الذُّنُوبِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ اسْتِوَاؤُهَا فَإِنَّ الشِّرْكَ بِاللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الْكُفْرِ وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ لِغَلَبَتِهِ فِي الْوُجُودِ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ فَذَكَرَ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ أَنَّ بَعْضَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْكِ وَهُوَ التَّعْطِيلُ فَيَتَرَجَّحُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا .

     قَوْلُهُ  وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي بَعْدَهُ قَتْلَ النَّفْسِ وَالْمُرَادُ قَتْلُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا.

.
وَأَمَّا فِي الِاسْتِئْذَانِ فَكَالْأَوَّلِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى.

.

قُلْتُ لَا يَسْكُتُ هَكَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ أَيْ تَمَنَّيْنَاهُ يَسْكُتُ إِشْفَاقًا عَلَيْهِ لِمَا رَأَوْا من انزعاجه فِي ذَلِك.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ اهْتِمَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهَا أَسْهَلَ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ وَالتَّهَاوُنِبِهَا أَكْثَرُ وَمَفْسَدَتُهَا أَيْسَرُ وُقُوعًا لِأَنَّ الشِّرْكَ يَنْبُو عَنْهُ الْمُسْلِمُ وَالْعُقُوقُ يَنْبُو عَنْهُ الطَّبْعُ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الزُّورِ فَإِنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ فَحَسُنَ الِاهْتِمَامُ بِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِظَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذُكِرَ مَعَهَا قَالَ.

.
وَأَمَّا عَطْفُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلشَّهَادَةِ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ مُطْلَقًا كَبِيرَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْكَذِبِ مَنْصُوصًا عَلَى عِظَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبينًا وَفِي الْجُمْلَةِ فَمَرَاتِبُ الْكَذِبِ مُتَفَاوِتَةٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهِ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ كَبِيرَةٌ وَالْغِيبَةُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْقَوْلِ الْمُغْتَابِ بِهِ فَالْغِيبَةُ بِالْقَذْفِ كَبِيرَةٌ وَلَا تُسَاوِيهَا الْغِيبَةُ بِقُبْحِ الْخِلْقَةِ أَوِ الْهَيْئَةِ مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةِ زُورٍ قَوْلُ زُورٍ بِغَيْرِ عَكْسٍ وَيُحْتَمَلُ قَوْلُ الزُّورِ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ.

.

قُلْتُ وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ وَيُؤَيِّدُهُ وُقُوعُ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ شَهَادَةُ الزُّورِ هِيَ الشَّهَادَةُ بِالْكَذِبِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الْبَاطِلِ مِنْ إِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ فَلَا شَيْءَ مِنَ الْكَبَائِرِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْهَا وَلَا أَكْثَرُ فَسَادًا بَعْدَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكُفْرُ فَإِنَّ الْكَافِرَ شَاهِدٌ بِالزُّورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِلُّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :5655 ... غــ :5976] قَوْله حَدثنِي إِسْحَاق هُوَ بن شاهين الوَاسِطِيّ وخَالِد هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ وَالْجُرَيْرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ وَهُوَ مِمَّنِ اخْتَلَطَ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ سَمَاعَ خَالِدٍ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَلَا بَعْدَهُ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ وَيَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْجُرَيْرِيِّ وَإِسْمَاعِيلُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الْجُرَيْرِيِّ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ وَبَيَّنَ فِي الشَّهَادَاتِ تَصْرِيحَ الْجُرَيْرِيِّ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ بِتَحْدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ لَهُ بِهِ .

     قَوْلُهُ  أَلَا أُنَبِّئُكُمْ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَلَا أُخْبِركُمْ .

     قَوْلُهُ  بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا أَيْ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْرِيرِ الشَّيْءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَأْكِيدًا لِيُنَبِّهَ السَّامِعَ عَلَى إِحْضَارِ قَلْبِهِ وَفَهْمِهِ لِلْخَبَرِ الَّذِي يَذْكُرُهُ وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا عَدَدُ الْكَبَائِرِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ أَوَّلَ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ثَلَاثًا وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ كَبَائِرَ وَمِنْهَا صَغَائِرَ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَايِنِيُّ فَقَالَ لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةٌ بَلْ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنهُ كَبِيرَة وَنقل ذَلِك عَن بن عَبَّاسٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ كُلَّ مُخَالَفَةٍ لِلَّهِ فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلالة كَبِيرَة اه وَنسبه بن بَطَّالٍ إِلَى الْأَشْعَرِيَّةِ فَقَالَ انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَخَالَفَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا الْمَعَاصِي كُلُّهَا كَبَائِرُ وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَعْضِهَا صَغِيرَةٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ الْقُبْلَةُ الْمُحَرَّمَةُ صَغِيرَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى الزِّنَا وَكُلُّهَا كَبَائِرُ قَالُوا وَلَا ذَنْبَ عِنْدَنَا يُغْفَرُ وَاجِبًا بِاجْتِنَابِ ذَنْبٍ آخَرَ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ وَمُرْتَكِبُهُ فِي الْمَشِيئَةِ غَيْرَ الْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِهَا وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ الشِّرْكُ وَقَدْ قَالَ الْفَرَّاءُ مَنْ قَرَأَ كَبَائِرَ فَالْمُرَادُ بِهَا كَبِيرٌ وَكَبِيرُ الْإِثْمِ هُوَ الشِّرْكُ وَقَدْ يَأْتِي لَفْظُ الْجَمْعِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسلين وَلَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ غَيْرُ نُوحٍ قَالُوا وَجَوَازُ الْعِقَابِ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَجَوَازِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ اه قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إِنْكَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا يَلِيقُ بِالْفَقِيهِ.

.

قُلْتُ قَدْ حَقَّقَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَنْقُولَ عَنِ الْأَشَاعِرَةِ وَاخْتَارَهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ فَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ الْمَرْضِيُّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ يُعْصَى اللَّهُ بِهِ كَبِيرَةٌ فَرُبَّ شَيْءٍ يُعَدُّ صَغِيرَةً بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَقْرَانِ وَلَوْ كَانَ فِي حَقِّ الْمَلِكِ لَكَانَ كَبِيرَةً وَالرَّبُّ أَعْظَمُ مَنْ عُصِيَ فَكُلُّ ذَنْب بِالْإِضَافَةِ إِلَى مُخَالَفَتِهِ عَظِيمٌ وَلَكِنَّ الذُّنُوبَ وَإِنْ عَظُمَتْ فَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي رُتَبِهَا وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فَقَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّ لِلْكَبِيرَةِ اعْتِبَارَيْنِ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مُقَايَسَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَهِيَ تَخْتَلِفُ قَطْعًا وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآمِرِ النَّاهِيِ فَكُلُّهَا كَبَائِرُ اه وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَإِنَّمَا جَرَى إِلَيْهِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مَا أَظُنهُ يَصح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ وَقَولُهُ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ فَجَعَلَ فِي الْمَنْهِيَّاتِ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ إِذْ جَعَلَ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ فِي الْآيَةِ مَشْرُوطًا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَاسْتَثْنَى اللَّمَمَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ فَكَيْفَ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى حَبْرِ الْقُرْآن قلت وَيُؤَيِّدهُ مَا سَيَأْتِي عَن بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ لَكِنَّ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ عَنْهُ أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَالطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ على شَرط الشَّيْخَيْنِ إِلَى بن عَبَّاسٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولًا عَلَى نَهْيٍ خَاصٍّ وَهُوَ الَّذِي قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ كَمَا قَيَّدَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن بن عَبَّاسٍ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى مُقَيَّدِهِ جَمْعًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُضَافَانِ إِلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الطَّاعَةُ أَوِ الْمَعْصِيَةُ أَوِ الثَّوَابُ فَأَمَّا الطَّاعَةُ فَكُلُّ مَا تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ مثلا فَهُوَ مِنَ الصَّغَائِرِ وَكُلُّ مَا يُكَفِّرُهُ الْإِسْلَامُ أَوِ الْهِجْرَةُ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

.
وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ فَكُلُّ مَعْصِيَةٍ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا بِسَبَبِهَا وَعِيدًا أَوْ عِقَابًا أَزْيَدَ مِنَ الْوَعِيدِ أَوِ الْعِقَابِ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ أُخْرَى فَهِيَ كَبِيرَةٌ.

.
وَأَمَّا الثَّوَابُ فَفَاعِلُ الْمَعْصِيَةِ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَالصَّغِيرَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَبِيرَةٌ فَقَدْ وَقَعَتِ الْمُعَاتَبَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمُورٍ لَمْ تُعَدَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مَعْصِيَةً اه وَكَلَامُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ يُخَصِّصُ عُمُومَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ عَلَامَةَ الْكَبِيرَةِ وُرُودُ الْوَعِيدِ أَوِ الْعِقَابِ فِي حَقِّ فَاعِلِهَا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مُطْلَقَ قَتْلِ النَّفْسِ مَثَلًا لَيْسَ كَبِيرَةً كَأَنَّهُ وَإِنْ وَرَدَ الْوَعِيدُ فِيهِ أَوِ الْعِقَابُ لَكِنْ وَرَدَ الْوَعِيدُ وَالْعِقَابُ فِي حَقِّ قَاتِلِ وَلَدِهِ أَشَدُّ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَنَّ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ وَمَا أَشْبَهَهُ يَنْقَسِمُ إِلَى كَبِيرَةٍ وَأَكْبَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ الْكَبِيرَةِ اخْتِلَافًا كثيرا منتشرا فروى عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَو غضب أَو لعنة أَو عَذَاب قَالَ وَجَاء نَحْو هَذَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ هِيَ مَا أوعد الله عَلَيْهِ بِنَارٍ فِي الْآخِرَةِ أَوْ أَوْجَبَ فِيهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا.

.

قُلْتُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَفْظُهُ الْكَبِيرَةُ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الْحُدُودُ أَوْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْوَعِيدُ وَالْمَنْقُول عَن بن عَبَّاس أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا وَأُخْرِجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِل لَا بَأْس بِرِجَالِهِ أَيْضا عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُلُّ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ كَبِيرَةٌ وَقَدْ ضَبَطَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْكَبَائِرَ بِضَوَابِطَ أُخْرَى مِنْهَا قَوْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ وَقَوْلُ الْحَلِيمِيُّ كُلُّ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ هِيَ مَا أَوْجَبَ الْحَدَّ وَقِيلَ مَا يُلْحِقُ الْوَعِيدَ بِصَاحِبِهِ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ هَذَا أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لِلْأَصْحَابِ وَهُمْ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ أَمْيَلُ لَكِنَّ الثَّانِي أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ اهـ كَلَامُهُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا وَرَدَتِ النُّصُوصُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً لَا حَدَّ فِيهِ كَالْعُقُوقِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ مُرَادَ قَائِلِهِ ضَبْطَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ضَابِطٍ لِلْكَبِيرَةِ لَا يَسْلَمُ من الِاعْتِرَاضِ وَالْأَوْلَى ضَبْطُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِدِينِهِ إِشْعَارًا دُونَ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا.

.

قُلْتُ وَهُوَ ضَابِطٌ جَيِّدٌ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الرَّاجِحُ أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ نُصَّ عَلَى كِبَرِهِ أَوْ عِظَمِهِ أَوْ تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ شُدِّدَ النَّكِيرُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَة وَكَلَام بن الصّلاح يُوَافق مَا نقل أَولا عَن بن عَبَّاسٍ وَزَادَ إِيجَابُ الْحَدِّ وَعَلَى هَذَا يَكْثُرُ عَدَدُ الْكَبَائِرِ فَأَمَّا مَا وَرَدَ النَّصُّ الصَّرِيحُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً فَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ فِي كِتَابِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِ الْمَذْكُورَاتِ مِمَّا نَصَّ عَلَى كَوْنِهَا كَبِيرَةً أَوْ مُوبِقَةً وَقَدْ ذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي لَمْ يُنَصَّ عَلَى كَوْنِهَا كَبِيرَةً مَعَ كَوْنِهَا كَبِيرَةً لَا ضَابِطَ لَهَا فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ مَا لَمْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى كَوْنِهِ كَبِيرَةً فَالْحِكْمَةُ فِي إِخْفَائِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ الْعَبْدُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً كَإِخْفَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ الْجُمُعَةِ وَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَصْلٌ .

     قَوْلُهُ  أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْحَصْرِ بَلْ مِنْ فِيهِ مُقَدَّرَةٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ أَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قَتْلِ النَّفْسِ وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي الَّذِي بعده وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ أَيِ الذَّنْبِ أَعْظَمُ فَذَكَرَ فِيهِ الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةُ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسلم أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا مَنْعَ فَضْلِ الْمَاءِ وَمَنْعَ الْفَحْلِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَحَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَيَقْرَبُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَلَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ العقوق قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إِلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ فِي الذُّنُوبِ صَغَائِرَ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ فَالْكَبَائِرُ وَالذُّنُوبُ عِنْدَهُ مُتَوَارِدَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الذُّنُوبِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ اسْتِوَاؤُهَا فَإِنَّ الشِّرْكَ بِاللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الْكُفْرِ وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ لِغَلَبَتِهِ فِي الْوُجُودِ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ فَذَكَرَ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ أَنَّ بَعْضَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْكِ وَهُوَ التَّعْطِيلُ فَيَتَرَجَّحُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا .

     قَوْلُهُ  وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي بَعْدَهُ قَتْلَ النَّفْسِ وَالْمُرَادُ قَتْلُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا.

.
وَأَمَّا فِي الِاسْتِئْذَانِ فَكَالْأَوَّلِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى.

.

قُلْتُ لَا يَسْكُتُ هَكَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ أَيْ تَمَنَّيْنَاهُ يَسْكُتُ إِشْفَاقًا عَلَيْهِ لِمَا رَأَوْا من انزعاجه فِي ذَلِك.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ اهْتِمَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهَا أَسْهَلَ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرُ وَمَفْسَدَتُهَا أَيْسَرُ وُقُوعًا لِأَنَّ الشِّرْكَ يَنْبُو عَنْهُ الْمُسْلِمُ وَالْعُقُوقُ يَنْبُو عَنْهُ الطَّبْعُ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الزُّورِ فَإِنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ فَحَسُنَ الِاهْتِمَامُ بِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِظَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذُكِرَ مَعَهَا قَالَ.

.
وَأَمَّا عَطْفُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلشَّهَادَةِ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ مُطْلَقًا كَبِيرَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْكَذِبِ مَنْصُوصًا عَلَى عِظَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبينًا وَفِي الْجُمْلَةِ فَمَرَاتِبُ الْكَذِبِ مُتَفَاوِتَةٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهِ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ كَبِيرَةٌ وَالْغِيبَةُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْقَوْلِ الْمُغْتَابِ بِهِ فَالْغِيبَةُ بِالْقَذْفِ كَبِيرَةٌ وَلَا تُسَاوِيهَا الْغِيبَةُ بِقُبْحِ الْخِلْقَةِ أَوِ الْهَيْئَةِ مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةِ زُورٍ قَوْلُ زُورٍ بِغَيْرِ عَكْسٍ وَيُحْتَمَلُ قَوْلُ الزُّورِ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ.

.

قُلْتُ وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ وَيُؤَيِّدُهُ وُقُوعُ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ شَهَادَةُ الزُّورِ هِيَ الشَّهَادَةُ بِالْكَذِبِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الْبَاطِلِ مِنْ إِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ فَلَا شَيْءَ مِنَ الْكَبَائِرِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْهَا وَلَا أَكْثَرُ فَسَادًا بَعْدَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكُفْرُ فَإِنَّ الْكَافِرَ شَاهِدٌ بِالزُّورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِلُّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :5655 ... غــ : 5976 ]
- حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِىُّ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ».
فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع ( إسحاق) بن شاهين بن الحارث الواسطي قال: ( حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان ( الواسطي عن الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى بعدها تحتية ساكنة سعيد بن إياس بن مسعود البصري والجريري نسبة إلى جرير بن عباد ( عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ألا) بالتخفيف حرف استفتاح وضع لتنبيه المخاطب على ما يتكلم به من بعده ( أنبئكم) أخبركم ( بأكبر الكبائر) جمع كبيرة وأصله وصف مؤنث أي الفعلة الكبيرة ونحوها وكبرها باعتبار شدة مفسدتها وعظم إثمها ( قلنا) ولأبي ذر فقلنا ( بلى يا رسول الله) أخبرنا ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أحدها ( الإشراك بالله) عز وجل غيره في العبادة والألوهية أو المراد مطلق الكفر على أي نوع كان وهو المراد هنا وحينئذ فالتعبير بالإشراك لغلبته في الوجود لا سيما في بلاد العرب ولو أريد الأول لكان محكومًا بأنه أعظم أنواع الكفر ولا ريب أن التعطيل أقبح منه وأشد لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات ( و) ثانيها ( عقوق الوالدين) معطوف على سابقه وهو مصدر عن والده يعقه عقوقًا فهو عاق إذا أذاه وعصاه وهو ضد البر وأما العقوق المحرم شرعًا فقال ابن عبد السلام: لم أقف له على ضابط اعتمد عليه فإنه لا يجب طاعتهما في كل ما يأمران به وينهيان عنه اتفاقًا وقالوا: يحرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع شيء منه.
نعم في فتاوى ابن الصلاح العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد تأذيًا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة قال: وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة ذلك عقوق ( وكان) عليه الصلاة والسلام ( متكئًا فجلس) جملة من كان واسمها وخبرها ( فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور) من عطف التفسير، لأن قول الزور أعمّ من أن يكون كفرًا ومن أن يكون شهادة أو كذبًا آخر من الكذبات أو من عطف الخاص على العام تعظيمًا لهذا النوع لما يترتب عليه من المفاسد، وقال الشيخ ابن دقيق العيد: ينبغي أن يحمل قول الزور على شهادة الزور فإنا لو حملناه على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة وليس كذلك وإن كانت مراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده ( ألا وقول الزور وشهادة الزور) ذكرها مرتين، لكن في الفرع شطب على الثاني وهو ألا إلى آخره وعليه علامة السقوط لأبوي الوقت وذر والأصيلي قال أبو بكرة ( فما زال) عليه الصلاة والسلام ( يقولها) ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فيعود الضمير عليها لا غير ( حتى قلت لا يسكت) وكرر ألا تنبيهًا على استقباح الزور، وكرره دون الأولين لأن الناس يهون عليهم أمره فيظنون أنه دون سابقه فهوّل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره ونفر عنه حين كرره فحصل في مبالغة النهي عنه ثلاثة أشياء: الجلوس وكان متكئًا، واستفتاحه بألا التي تفيد تنبيه المخاطب، وإقباله على سماعه وتكرير ذكره مرتين، بل في رواية ثلاثًا ثم أكد تأكيدًا رابعًا بقوله: قول الزور وشهادة الزور وهما في المعنى واحد كما مرّ ذكر ما فيه، وقد قيل إنه يؤخذ من قوله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر وهو قول عامة الفقهاء.
وقال أبو إسحاق
الإسفراييني: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى عنه كبيرة وهو منقول عن ابن عباس وحكاه عياض عن المحققين.

وقال إمام الحرمين في الإرشاد: والمرضي عندنا أن كل ذنب يعصى الله به كبيرة فرب شيء يعدّ صغيرة بالإضافة إلى الإفراد ولو كان في حق الملك لكان كبيرة والرب أعظم من عصى، فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم، ولكن الذنوب وإن عظمت فهي متفاوتة في رتبها وظن بعض الناس أن الخلاف لفظي فقال: التحقيق أن للكبيرة اعتبارين فبالنسبة إلى مقايسة بعضها بعض فهي تختلف قطعًا وبالنسبة إلى الآمر والناهي فكلها كبائر انتهى.
فحقق -رحمه الله- المنقول عن الأشاعرة وبيّن أنه لا يخالف ما قاله الجمهور.

وقال النووي: اختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافًا كثيرًا منتشرًا فعن ابن عباس كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وقيل ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة أو أوجب فيه حدًّا في الدنيا انتهى.

وليس قوله: أكبر الكبائر على ظاهره من الحصر بل فيه مقدرة فقد ثبت فى أشياء أُخر أنها من أكبر الكبائر كقتل النفس والزنا بحليلة الجار واليمين الغموس وسوء الظن بالله.

والحديث مضى في الشهادات في باب ما قيل في شهادة الزور.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :5655 ... غــ :5976 ]
- حدَّثني إسْحاقُ حَدثنَا خالِدٌ الواسِطِيُّ عَنِ الجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرَة عَنْ أبِيهِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألاَ أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قُلنا: بَلَى يَا رسُولَ الله! قَالَ: الإشْرَاك بِاللَّه وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ فَقَالَ: ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وشَهادَةُ الزُّورِ، أَلا وقَوْلُ الزُّورِ وشَهادَةُ الزُّورِ، فَما زَالَ يَقُولُها حَتَّى.

.

قُلْتُ لَا يَسْكُتُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وعقوق الْوَالِدين) وَإِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين الوَاسِطِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَاوِيّ الوَاسِطِيّ، والجريري بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد أخي الْحَارِث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وَائِل هُوَ سعيد بن إِيَاس الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة يروي عَن أَبِيه بكرَة نفيع مصغر نفع الثَّقَفِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات فِي: بابُُ مَا قيل فِي شَهَادَة الزُّور، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( أَلا أنبئكم؟) وَفِي رِوَايَة الإستئذان: أَلا أخْبركُم؟ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: أَلا أحدثكُم؟ وَفِيه دَلِيل على أَنه يَنْبَغِي للْعَالم أَن يعرض على أَصْحَابه مَا يُرِيد أَن يُخْبِرهُمْ بِهِ إِمَّا لأجل الحض على التفريغ وَالِاسْتِمَاع لَهُ، وَأما السَّبَب يَقْتَضِي التحذير مِمَّا يُحَذرهُمْ وَإِمَّا للحض على الْإِتْيَان بِمَا فِيهِ صَلَاحهمْ.
قَوْله: ( بأكبر الْكَبَائِر) أَي: بأعظم الذُّنُوب الْكَبَائِر، وَفِي بعض النّسخ، قَالَ: الْكَبَائِر، ثَلَاثًا، أَي: قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات على عَادَته فِي التكرير تَأْكِيدًا لتنبيه السَّامع على إِحْضَار قلبه، وفهمه الَّذِي يَقُوله، وَلَا يظنّ أَن المُرَاد بِهِ عدد الْكَبَائِر وَهُوَ بعيد.
قَوْله: قَالَ: الْإِشْرَاك بِاللَّه أَي: أحد الْكَبَائِر: الْإِشْرَاك بِاللَّه، وَهَذَا لَيْسَ على ظَاهره من الْحصْر لِأَنَّهُ قد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة تخبر بأكبر الْكَبَائِر على مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، فحينئذٍ تقدر فِيهِ كلمة: من، عوض الْبَاء أَي من أكبر الْكَبَائِر، وَهَكَذَا جَاءَت فِي أَحَادِيث قد ذَكرنَاهَا،.

     وَقَالَ  ابْن دَقِيق الْعِيد: يحْتَمل أَن يُرَاد بقوله: الْإِشْرَاك بِاللَّه، مُطلق الْكفْر، وَيكون تَخْصِيصه بِالذكر لغلبته فِي الْوُجُود.
قَوْله: ( وعقوق الْوَالِدين) قد مر تَفْسِيره عَن قريب، قَالَ الْكرْمَانِي: العقوق كَبِيرَة لِأَنَّهَا مَا توعد عَلَيْهَا الشَّارِع بخصوصها، فَمَا وَجه كَونه أكبرها؟ وَأجَاب بقوله: لِأَن الْوَالِد بِحَسب الظَّاهِر كالموجد لَهُ صُورَة وَلِهَذَا قرن الله عز وَجل الْإِحْسَان إِلَيْهِ بتوحيده فَقَالَ: { وَقضى رَبك ... .
وبالوالدين إحساناً}
( الْإِسْرَاء: 23) .
قَوْله: ( وَكَانَ مُتكئا) أَي: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَه من صدر الحَدِيث حَال كَونه مُتكئا ( فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلا وَقَول الزُّور) وَكلمَة: لَا، كلمة تَنْبِيه وتحضيض لضبط مَا يُقَال وفهمه على وَجه، والزور فِي الأثل الانحراف وَفِي الِاسْتِعْمَال هُوَ تمويه الْبَاطِل بِمَا يُوهم أَنه حق وَإِنَّمَا كَرَّرَه بِهَذَا الْوَجْه لِأَن الدَّوَاعِي إِلَيْهِ كَثِيرَة وأسهل وقوعاً على النَّاس والشرك ينبو عَنهُ الْمُسلم وعقوق الْوَالِدين ينبو عَنهُ الطَّبْع، قَوْله: ( وَشَهَادَة الزُّور) عطف على قَوْله: ( وَقَول الزُّور) عطف تَفْسِير لِأَن: قَول الزُّور، أَعم من أَن يكون كفرا وَمن أَن يكون شَهَادَة أَو كذبا آخر من الكذبات، وَقيل: المُرَاد بقول الزُّور هُنَا الْكفْر، فَإِن الْكَافِر شَاهد بالزور قَائِل بِهِ.
قلت: هَذَا فهم من قَوْله: ( الْإِشْرَاك بِاللَّه) قَوْله: ( حَتَّى قلت: لَا يسكت) الْقَائِل هُوَ أَبُو بكرَة، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: فَمَا زَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولهَا حَتَّى قُلْنَا: ليته سكت إشفاقاً عَلَيْهِ.