هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
552 حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ ، مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ . فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ ، هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ قَالَ ابْنُ أَسْمَاءَ فِي حَدِيثِهِ : يَعْنِي حَائِطَ نَخْلٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
552 حدثنا شيبان بن فروخ ، وعبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي ، قالا : حدثنا مهدي وهو ابن ميمون ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، عن الحسن بن سعد ، مولى الحسن بن علي ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه . فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ، هدف أو حائش نخل قال ابن أسماء في حديثه : يعني حائط نخل
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'Abdullah b. Ja'far reported:

The Messenger of Allah (ﷺ) one day made me mount behind him and he confided to me something secret which I would not disclose to anybody; and the Messenger of Allah (ﷺ) liked the concealment provided by a lofty place or cluster of dates (while answering the call of nature), Ibn Asma' said in his narration: It implied an enclosure of the date-trees.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه.
فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس.
وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، هدف أو حائش نخل.
قال ابن أسماء في حديثه: يعني حائط نخل.



المعنى العام

كرم الله ابن آدم، وميزه عن الحيوانات بالعقل والستر، فكما خلق فيه الإدراك والتمييز والاستعداد للعلم.
خلق فيه الانطباع على اللباس والتستر، بل جعل الحياة الكريمة مرتبطة بالغذاء والكساء، يوم قال الله تعالى لآدم حين أسكنه الجنة { { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } } [طه: 118] وكان طبيعيا حين وسوس الشيطان لآدم وحواء، وحين نزع عنهما لباسهما، وحين بدا لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، أن طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ويستران به عوراتهما.

وبهذه الطبيعة نزل آدم إلى الأرض، وعلم بنيه ستر العورة، وسارت ذريته بحكم الجبلة على المحافظة على اللباس، ومن لم يجد لم يفرط في ستر السوأتين: قبله ودبره.

نعم قد تخالف هذه الطبيعة سفها وشذوذا في بعض العصور والبيئات المنحرفة، فنسمع أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة مجتمعين، ينظر بعضهم إلى عورة بعض، ونسمع أن الرجال والنساء كانوا قبل الإسلام يطوفون بالكعبة عراة، ويقولون: لا نعبد الله في ثيات أذنبنا فيها، ونرى في هذه الأيام على شواطئ البحار الرجال والنساء شبه عراة، ونرى المرأة المسلمة وقد كشفت عن ساقيها، بل فخذيها في بعض الأحبان.

مخالفات للطبيعة، ومخالفات للمروءة، ومخالفات للحياء ومكارم الأخلاق وقد جاءت الشريعة الإسلامية ترسم للبشرية المثل العليا، والطريق القويم للحياة الدنيوية والأخروية، وأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم قانون السماء: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا الرجل إلى عورة المرأة، ولا المرأة إلى عورة الرجل، فإن الله لعن الناظر والمنظور، لعن الناظر لاستخدامه نعمة العين فيما حرم الله، نعم نرجو عفو الله عن النظرة الأولى التي تقع على المحرم عفوا ودون قصد، وبدافع الحاجة إلى تمييز الطريق وإمكان المشي والحركة، لكن النظرة الثانية، ومد النظرة الأولى لحظة فوق تلك اللحظة جرم وإثم كبير، فهي سهم من سهام إبليس، بل سهم مسموم قلما يطيش، ولعن المنظور لتقصيره في حدود الله، وارتكابه ما حرم الله بكشف ما وجب ستره؛ وإثارة مشاعر الناظرين وغرائزهم، وفتح أبواب الشر، وغرس بذور الفتنة والافتتان.

كانت هذه الفقرة الأولى من قانون السماء، وكانت الثانية لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد أي كما وجب حفظ العورة عن النظر، وجب حفظها عن اللمس، إذ الأخطار المترتبة على أحدهما تنتج عن الآخر، وما يحتمل من شر في أولهما هو محتمل من باب أولى في ثانيهما، والإسلام يحرص على إغلاق الروافد، وسد الذرائع.

مع إعلان القانون باللسان نجد العمل والقدوة الصالحة، يضربها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويتحدث بها عن أحد إخوته الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وصدق الله العظيم { { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } } [الأحزاب: 21] .

إن اللباس العربي يتكون من إزار ورداء، فالإزار ثوب طويل يلف حول الوسط ويغطي من فوق السرة إلى ما تحت الركبة، والرداء ثوب يغطي الجسم من الكتفين إلى ما يقرب من القدمين غالبا، فالإزار زيادة في الاحتياط والأمن والتوثيق من ستر العورة.

وقبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة، ومحمد فتى من فتيانها، عرف بالمروءة والشهامة، وما كان لها أن تبني دون مساهمة منه في بنائها، ومشاركة فعلية قوية في أعمالها، فقام بحمل الحجارة على كتفه ونقلها، حتى جرح كتفه أو كاد، ورآه عمه يتأوه ويتضجر، فقال له: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على كتفك، بين الحجارة وبين جسمك كان ألين وأيسر، فحل صلى الله عليه وسلم إزاره، ولم يكن قد تعود حل الإزار، وتصور أنه عريان، وما هو بعريان، وتصور الناس ينظرون إليه، ينتقصون بذلك من كرامته، فسقط على الأرض مغشيا عليه، وما أفاق إلا وهو يقول: إزاري إزاري.
أريد أن أربط إزاري، فربطه وما حله أمام الناس بعد.

بل كان إذا أراد قضاء حاجته ترك رفقته وأبعد، ولم يكتف بالبعد بل يتستر بحائط أو كومة شجر، ثم يقضي حاجته، ولم تكن الدور محكمة البناء ذات حجرات وحمام خاص، كما هو الحال اليوم، فكيف كان يغتسل صلى الله عليه وسلم في خيمته أو في فناء داره؟ هذا ما تحدثنا عنه أم هانئ بنت عمه أبي طالب، والتي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزها ويستريح في بيتها قبل الهجرة، ونزل فيه لحظات يوم الفتح، ثم عاد إلى القبة التي ضربت له عند شعب أبي طالب حيث حصر هو وأهله، جاءته أم هانئ يوم الفتح في خيمته، فوجدته يغتسل وقد أقام ساترا تمسك به فاطمة ابنته، فسلمت عليه، فرد السلام، وكان الساتر كثيفا، فلم يعرف من التي تسلم، فقال: من هذه؟ قالت: أم هانئ.
فقال: مرحبا بأم هانئ.
فلما فرغ من غسله، التحف في ثوبه، ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى، فلما انصرف من صلاته قالت: يا رسول الله، أتاني يوم الفتح حموان لي فأجرتهما، فجاء ابن أبي وأمي -تقصد عليا بن أبي طالب- يريد قتلهما [كانت زوجة لهبيرة وكان له أولاد من غيرها، منهم ولدان قاتلا خالدا ولم يقبلا الأمان ولا إلقاء السلاح، فلما تم دخول مكة لجأ إلى أم هانئ يستجيران بها، وذهب خلفهما أخوها علي، يريد قتلهما فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت يا أم هانئ.

أما حديثه صلى الله عليه وسلم عن محافظة إخوته الأنبياء على ستر العورة فيتمثل في قصة موسى عليه السلام، وقومه بني إسرائيل.
لقد كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى عورة بعض، وكان موسى عليه السلام، يغتسل وحده، حتى لا يراه أحد، أو ينكشف على عورته إنسان.
فقال بعضهم لبعض: ما لموسى لا يغتسل معنا؟ لا نظنه إلا أنه يخفي عيبا علينا، إن به مرضا في خصيتيه يخشى أن نراه فنعيره به لو كان سليما لما تحرج من مشاركتنا والاغتسال معنا، وشاءت حكمة الله أن يبرئ موسى مما قالوا، ويثبت لبني إسرائيل أن موسى كان عند الله وجيها وأنه رسول الله، وعلى يديه تظهر المعجزات الخارقات، شاءت حكمة الله أن يعوض موسى على صبره على إيذاء قومه خيرا، شاءت حكمة الله أن يسخر حجرا يقوم بمهمة دفع الأذى والطعن عن نبي الله.
ولقد قام الحجر بما أمر، فما إن خلع موسى ثيابه ليغتسل في النهر، وما إن وضعها عليه حتى جرى الحجر بالثياب، وجرى موسى خلفه ينادي.
هات ثوبي يا حجر.
أعطني ثوبي يا حجر، وكلما قرب موسى من الحجر كلما فر الحجر أمامه، يوهم موسى أنه سيدركه حتى وصل به إلى الملأ الذين آذوا موسى باتهامهم له في خلقته، ووقف الحجر بينهم، ودخل موسى إلى الحجر عندهم، فرأوه سليما معافى خاليا من العيوب مبرأ من العاهات، وأخذ ثيابه فلبسها، ثم أخذ يضرب الحجر مؤدبا، وراع بني إسرائيل أن الضربات الست التي ضربها موسى للحجر قد أثرت فيه وعلمت وهبطت أماكن الضرب عن غيرها، وغاصت في الحجر الصلب، فصلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وهدانا الصراط المستقيم.

المباحث العربية

( عن أم هانئ) أخت علي بن أبي طالب شقيقته رضي الله عنهما، فهي ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم، أسلمت يوم الفتح، واسمها فاختة، وقيل: فاطمة، وقيل: هند كنيت بابنها هانئ بن هبيرة.

( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة) دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح من أعلاها من الموضع المسمى كداء وضربت له قبة هناك، بدار أم هانئ في هذه المنطقة، فاغتسل وصلى، ثم عاد إلى قبته، فمجيء أم هانئ إليه من بيت آخر لها إلى بيتها الذي نزل فيه، وسبب مجيئها ما مر في المعنى العام من أنها جاءت تطلب منه أن يجير من أجارت.

( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله) الراجح أنها جملة حالية بتقدير قد كما قيل في قوله تعالى { { أو جاءوكم حصرت صدورهم } } [النساء: 90] والتقدير: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه قائما إلى غسله، وكونها مستأنفة بعيد.

( ثم صلى ثمان ركعات) بفتح النون، وفي رواية للبخاري ثمانى بفتح الياء مفعول صلى وتثبت ياء ثمانى عند الإضافة كما تثبت ياء القاضي، وتسقط مع التنوين عند الرفع والجر، وتثبت عند النصب.

( سبحة الضحى) السبحة بضم السين، وإسكان الباء، هي النافلة، سميت بذلك للتسبيح الذي فيها.

( فصلى ثمان سجدات) المراد ثمان ركعات، وسميت الركعة سجدة لاشتمالها عليها، من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
مجاز مرسل.

( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل) يجوز في الفعل الجزم على أن لا ناهية، وتكسر الراء للتخلص من التقاء الساكنين، ويجوز الرفع على أن لا نافية، وهي في النهي أبلغ، إذ فيه ادعاء أن المنهي عنه قد امتثل، وأصبح يخبر عنه بعدم الوقوع.
والعورة كل ما يستحى منه إذا ظهر، والمراد منها هنا ما بين السرة والركبة، أو السوأتان على ما سيأتي في فقه الحديث.

( ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد) أي لا يخلو الرجل إلى الرجل ولا يدخل معه في ثوب واحد.

( لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل) بضم العين وسكون الراء، وبكسر العين وإسكان الراء، وبضم العين وفتح الراء وتشديد الياء، قال النووي: وكلها صحيحة.

( كانت بنو إسرائيل) أي جماعتهم، وهو كقوله تعالى { { قالت الأعراب آمنا } } [الحجرات: 14] فتأنيث الفعل على قول من يقول: حكم ظاهر الجمع مطلقا حكم ظاهر المؤنث غير الحقيقي، وأما على قول من يقول: كل جمع مؤنث، إلا جمع السلامة المذكر فتأنيثه على خلاف القياس، أو باعتبار القبيلة.

( يغتسلون عراة) جمع عار كقضاة وقاض، وانتصابها على الحال.

( ينظر بعضهم إلى سوأة بعض) الجملة في محل النصب على الحال والسوأة العورة المغلظة، أي القبل والدبر، سميت بذلك لأن صاحبها يسوؤه كشفها.

( وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده) أي منفردا، فلفظ وحده حال على التأويل.

( إلا أنه آدر) بهمزة ممدودة؛ ثم دال ثم راء مخففتين.
قال في المنتخب: الأدرة فتق يكون في إحدى الخصيتين، وفي المخصص لابن سيده: الأدرة الخصية العظيمة، وفي المحكم: الآدر والمأدور هو الذي يصيبه فتق في إحدى الخصيتين.

( فجمح موسى بإثره) قال ابن سيده: يقال: جمح الفرس بصاحبه جمحا وجماحا ذهب يجري جريا عاليا، وكل شيء مضى ليس على وجهه فقد جمح، والإثر بكسر الهمزة وسكون التاء، وبفتح الهمزة والثاء: البقية وما تخلف عن الشيء، أي مضى موسى مسرعا مقتفيا الحجر، ومتتبعا آثاره قبل أن يغيرها الريح، كناية عن السرعة وعدم الإمهال.

( يقول: ثوبي حجر.
ثوبي حجر)
ثوبي مفعول به لفعل محذوف أي أعطني ثوبي، أو رد لي ثوبي، وحجر منادى مبني على الضم في محل نصب، وفي رواية البخاري ثوبي يا حجر والجملة في محل نصب مقول القول، وجملة يقول في محل النصب على الحال من فاعل جمح قال الحافظ ابن حجر: وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى العقلاء، لكونه فر بثوبه، فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه.

( والله ما بموسى من بأس) بموسى خبر مقدم، وبأس مبتدأ مؤخر ومن زائدة، والبأس: الشدة والضر، والمقصود ليس به ما كنا نظنه فيه من عيب خلقي.

( فقام الحجر حتى نظر إليه) أي توقف الحجر عن الجري حتى نظر القوم إلى موسى وسوأته، أي لم يكتف برؤيتهم لموسى وهو يجري، بل أوقف الله الحجر وموسى عندهم ليتأكدوا من براءته مما آذوه به.

( فطفق بالحجر ضربا) طفق بكسر الفاء وفتحها، لغتان، وهي من أفعال المقاربة وتدل على الشروع، والباء زائدة، والحجر مفعول به لفعل محذوف أي يضرب الحجر ضربا، والجملة خبر طفق والمعنى جعل وأقبل وصار ملتزما بضرب الحجر.
قيل: يحتمل أنه أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه، ويحتمل أنه أوحى إليه أن يضربه لإظهار المعجزة.

( إنه بالحجر ندب) اسم إن ضمير الحال والشأن، وبالحجر ندب خبر ومبتدأ والجملة خبر إن والندب بفتح النون والدال هو الأثر.

( ستة أو سبعة ضرب موسى بالحجر) ستة أو سبعة خبر مقدم وضرب موسى بالحجر مبتدأ مؤخر، والباء زائدة في مفعول المصدر.

( لما بنيت الكعبة) أي لما بدأ بناؤها، والكعبة ذاك البيت المبني في الحرم المكي، سميت بذلك لعلوها وارتفاعها، ومنه الكعب للعظم البارز في القدم، وقيل: لاستدارتها وعلوها، ومنه قيل: للفتاة كاعب، إذا برز ثديها واستدار، وقيل: لأنها مكعبة الشكل طولها مثل عرضها مثل ارتفاعها.

( اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة) وفي رواية على عنقك وفي رواية على منكبك والعاتق ما بين المنكب والعنق، وهو مذكر، وبعض العرب يؤنثه، وأنكره بعضهم، وقال: هذا لا يعرف.
وقد أنشد ابن عصفور في ذكر الأعضاء التي تذكر وتؤنث:

وهاك من الأعضاء ما قد عددته
يؤنث أحيانا وحينا يذكر

لسان الفتى، والعنق، والإبط، والقنا
وعاتقه.
والمتن والضرس يذكر

وعندي ذراع، والكراع، مع المعا
وعجز الفتى، ثم القريض المحبر

كذا كل نحوي حكى في كتابه
سوى سيبويه وهو فيهم مكبر

يرى أن تأنيث الذراع هو الذي
أتى، وهو للتذكير في ذاك منكر

( فخر إلى الأرض، وطمحت عيناه إلى السماء) أي فسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض مغشيا عليه، أي مغمى عليه، وذلك لظنه انكشاف عورته، وطمحت عيناه بفتح الطاء والميم أي ارتفعت إلى السماء.

( لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة) المنكب بفتح الميم وسكون النون وكسر الكاف مجتمع رأس الكتف مع العضد، وجواب لو محذوف إن كانت شرطية، وتقديره: لكان أسهل عليك، وإن كانت للتمني فلا حذف، والمراد: وضع الإزار على المنكب ليكون حائلا بين الحجارة والكتف تخفيفا لصلابة الحجارة على الكتف.

( أقبلت بحجر أحمله ثقيل) ثقيل صفة حجر وجملة أحمله صفة أخرى، والصفة المفردة أولى بالتقديم من الجملة، لكنه هنا على خلاف الأولى.

( هدف) بفتح الهاء والدال: كل مرتفع من بناء أو كثيب رمل أو جبل.

( أو حائش نخل) قال النووي: بالحاء والشين، وقد فسره في الكتاب بحائط النخل وهو البستان، وهو تفسير صحيح، ويقال فيه أيضا: حش بفتح الحاء وضمها.

فقه الحديث

يؤخذ من هذه الروايات

1- حرمة كشف العورة أمام الناس، وعورة الرجل مع الرجل ما بين السرة والركبة، وعورة المرأة مع المرأة ما بين السرة والركبة.
قال النووي: وفي السرة والركبة نفسيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحها: ليستا بعورة، والثاني: هما عورة.
والثالث: السرة عورة، والركبة ليست بعورة.

وعورة المرأة مع محرمها -وهو الذي لا يباح له نكاحها- ما بين السرة والركبة على الصحيح، وقيل: لا يحل له إلا ما يظهر في حال الخدمة والتصرف.

وعورة الرجل أمام محارمه ما بين السرة والركبة، وأما عورة المرأة مع الأجنبي فجميع بدنها، وعورة الرجل مع المرأة الأجنبية جميع بدنه كذلك.
قاله النووي.
اهـ.

وهذا الذي ذكره هو مذهب الشافعية، لم يشذ منهم عن ذلك إلا الإصطخري، حيث قال: إن عورة الرجل هي القبل والدبر.

كما أنه هو مذهب أبي حنيفة، ومالك في أصح أقواله، وأحمد في أصح روايتيه وأبي يوسف ومحمد وزفر.

وعن أحمد في إحدى الروايات، ومالك في رواية عنه أن عورة الرجل هي القبل والدبر فقط.

وبه قال أهل الظاهر وابن جرير، قال ابن حزم في المحلى: والعورة المفروض سترها عن الناظر وفي الصلاة من الرجال الذكر وحلقه الدبر فقط، وليس الفخذ منه عورة، وهي من المرأة جميع جسدها، حاشا الوجه والكفين فقط.
اهـ.
ومما احتجوا به الرواية السادسة والسابعة من روايات الباب، وفيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حل إزاره، ووضعه على عاتقه، فكشف بذلك عن فخذيه.

كما احتجوا بما رواه البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ النبي صلى الله عليه وسلم ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى أني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم.

قالوا: ظاهره أن المس كان بدون حائل، ومس العورة بدون حائل لا يجوز وحيث جاز المس لم تكن عورة، وقالوا: لو كانت الفخذ عورة ما حسر الإزار عنها.

كما احتجوا بما رواه الطحاوي عن حفصة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قد وضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر، فاستأذن، فأذن له صلى الله عليه وسلم على هيئته ثم جاء عمر بمثل هذه الصفة، ثم جاء أناس من أصحابه والنبي صلى الله عليه وسلم على هيئته، ثم جاء عثمان فاستأذن عليه فأذن له، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فجلله، قالت: فقلت: يا رسول الله.
جاء أبو بكر وعمر وعلي وأناس من أصحابك وأنت على هيئتك، فلما جاء عثمان جللت بثوبك، فقال: أو لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة؟.

وأجاب الجمهور عن هذه الأدلة بأن روايتي بناء الكعبة كانت قبل النبوة، فقد قال ابن بطال: كان عمره صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة، وقال الزهري: لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الحلم، وقال هشام: بين بناء الكعبة والمبعث خمس سنين، والمشهور أن بناء الكعبة بعد تزوج خديجة بعشر سنين، فيكون عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك خمسا وثلاثين، فبناء الكعبة قبل البعثة، ولا يستدل بمثل هذا العمل في التشريع.

وأجابوا عن حديث أنس في خيبر بأنه ليس فيه التصريح بأن المس كان بدون حائل فلا يصح الاستدلال به لتطرق الاحتمال إليه، ولو سلم أنه كان بدون حائل فتلك كانت حالة زحام وشدة، فانكشاف الفخذ كان على غير قصد، يدل لذلك رواية مسلم فانحسر الإزار عن فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بعض روايات البخاري فحسر الإزار عن فخذ رسول الله بالبناء للمجهول ولو سلم القصد فإن هذه قضية معينة في وقت خاص وحالة خاصة، يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق للأحاديث الآتية التي تعطي حكما كليا بأن الفخذ عورة.

وأجابوا عن حديث الطحاوي بأنه على هذا الوجه غريب.
قال أبو عمر: الحديث الذي رووه عن حفصة فيه اضطراب، وقال البيهقي: قال الشافعي: والذي روي في قصة عثمان من كشف الفخذين مشكوك فيه.
وقال الطبري: والأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل عليه أبو بكر وعمر، وهو كاشف فخذه واهية الأسانيد، لا يثبت بمثلها حجة في الدين، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنهي عن كشفها أخبار صحاح.
اهـ.

وقد روى جماعة من أهل البيت حديث الطحاوي على غير الوجه الذي رواه.
فقد أخرج مسلم عن سعيد بن العاص أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان رضي الله عنه حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر رضي الله عنه، فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف.
قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك، فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت.
فقالت عائشة: يا رسول الله، مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر، كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إلي في حاجته.

وأخرجه الطحاوي أيضا، وقال: فهذا أصل هذا الحديث، ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلا.
اهـ.

قال العيني: فإن قلت: روى مسلم أيضا في صحيحه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته، كاشفا عن فخذيه -أو ساقيه- فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوى ثيابه فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهش له، ثم دخل عمر فلم تهش له ولم تباله، فلما دخل عثمان جلست وسويت ثيابك؟ فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ قلت: قال الشافعي: إن هذا مشكوك فيه، لأن الراوي قال: فخذيه أو ساقيه وقال أبو عمر: هذا حديث مضطرب.

والأحاديث التي استدل بها الجمهور على عورة الفخذين كثيرة، منها ما أخرجه مالك في الموطأ وابن حبان في صحيحه، والترمذي وحسنه وصححه عن ابن جرهد الأسلمي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم غط فخذك فإنها من العورة ومنها ما رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه عن أبي كثير مولى محمد بن جحش رضي الله عنه قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمر على معمر وهو جالس عند داره بالسوق، وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر.
غط فخذيك فإن الفخذين عورة ومنها ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الفخذ عورة.

أما مذاهب العلماء في عورة المرأة فقد قال القاضي عياض من المالكية: وعورة المرأة على الأجنبي ما عدا الوجه والكفين.
وقيل: ما عدا الوجه.
اهـ وقال الأبي: قال أبو عمر: وقيل: ما عدا الوجه والكفين والقدمين.

قال القاضي عياض: وعورتها على ذي المحرم ما سوى الذراعين، وما سوى ما فوق المنحر، وعورتها على المرأة المسلمة عورتها على ذي محرم، وقيل كالرجل مع الرجل.
ثم قال: وتستر الحرة في الصلاة ما سوى الوجه والكفين وقال أحمد: تستر حتى الظفر وأجمعوا على أنها تعيد الصلاة إن صلت منكشفة الرأس.
واختلفوا في كشف بعضه، فقال الشافعي: إن كشفت بعضه تعيد، وقال أبو حنيفة: إن كشفت أقل من ربعه لم تعد، وكذلك أقل من ربع بطنها أو فخذها، وقال أبو يوسف: لا تعيد في أقل من النصف، وقال مالك: تعيد في الوقت في القليل والكثير من ذلك، وكذا لو صلت منكشفة الصدر والقدمين.

وعند المالكية خلاف طويل في ستر العورة في الصلاة، قيل: الستر فيها واجب وشرط في صحة الصلاة، والكشف حرام، وقيل: الستر واجب وليس شرطا في صحة الصلاة، وقيل: كشفها في الصلاة مكروه.

أما الشافعية والحنفية وعامة الفقهاء وأهل الحديث فإن ستر العورة عندهم فرض في الصلاة، وشرط في صحتها، فرضها ونفلها.

وأما كشف العورة في حال الخلوة ففيه خلاف.
قال النووي: كشف الرجل عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي، فإن كان لحاجة، كحالة الاغتسال والبول ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك جاز.
قال العلماء: والتستر بمئزر ونحوه في حال الاغتسال في الخلوة أفضل من التكشف، وخالف فيه ابن أبي ليلى، وحرم التكشف في الخلوة، وكأنه تمسك بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل عريانا وحده، فقال إذا اغتسل أحدكم فليستتر وبما أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه الحاكم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبي الله، عوراتنا، ما نأتي منها وما نذر؟ قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا؟ قال الله أحق أن يستحيا منه من الناس.

وحمله الجمهور على الندب والأفضل، واستدلوا على جواز الكشف خاليا بحديث موسى عليه السلام، ووجه الدلالة منه -على ما قال ابن بطال- أنه ممن أمرنا بالاقتداء به وقد اغتسل وحده عريانا.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا إنما يتأتى على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا، والذي ظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصة، ولم يتعقب فدل على موافقتها لشرعنا، وإلا فلو كان فيها شيء غير موافق لبينه، فعلى هذا يجمع بين الحديثين، فيحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل، ورجح بعض الشافعية تحريم الكشف خاليا لغير حاجة.
قال النووي: والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح.
قال الحافظ ابن حجر: والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط.
اهـ.
وتستر الرسول صلى الله عليه وسلم في الغسل كما في الرواية الأولى والثانية، وفي البول كما في الرواية التاسعة محمول على الأفضل والكمال، أو على حالة خشية رؤية الناس.

قال النووي: ويتساهل كثير من الناس بالاجتماع في الحمام، فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره ويده وغيرها عن عورة غيره، وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره، ويجب عليه إذا رأى من يخل بشيء من هذا أن ينكر عليه، قال العلماء: ولا يسقط عنه الإنكار بكونه يظن أن لا يقبل منه، بل يجب عليه الإنكار إلا أن يخاف على نفسه وغيره فتنة اهـ.

وقد نقل ابن بطال عن أئمة الفتوى أن من دخل الحمام بغير مئزر تسقط شهادته بذلك، وهذا قول مالك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي -رضي الله عنهم- واختلفوا فيما إذا نزع مئزره ودخل الحوض وبدت عورته عند دخوله، فقال مالك والشافعي تسقط شهادته، وقال أبو حنيفة والثوري: لا تسقط شهادته، ويعذر، لأنه لا يمكن التحرز عنه.
والله أعلم.

وأما نظر أحد الزوجين لعورة الآخر فقد قال النووي: لكل واحد من الزوجين النظر إلى عورة صاحبه جميعها إلا الفرج نفسه، ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحها أنه مكروه لكل واحد منهما النظر إلى فرج صاحبه من غير حاجة، وليس بحرام، والثاني أنه حرام عليهما، والثالث أنه حرام على الرجل مكروه للمرأة، والنظر إلى باطن فرجها أشد كراهة وتحريما.
اهـ.

وفي نظر عورة الأجنبي والأجنبية يقول النووي: ويحرم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل بالإجماع.
ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة، وذلك بالتحريم أولى، فيحرم عليه النظر إلى أي شيء من بدنها، وكذلك يحرم عليها النظر إلى أي شيء من بدنه، سواء كان نظره ونظرها بشهوة أم بغيرها، وقال بعض أصحابنا: لا يحرم نظرها إلى وجه الرجل بغير شهوة.

وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة سواء كان نظره بشهوة أم لا، وسواء أمن الفتنة أم خافها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، نص عليه الشافعي وحذاق أصحابه -رحمهم الله تعالى- ودليله أنه في معنى المرأة، فإنه يشتهي كما تشتهي، وصورته في الجمال كصورة المرأة، بل ربما كان كثير منهم أحسن صورة من كثير من النساء، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر، وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن من مثله في حق المرأة.
والله أعلم.
قال: وهذا الذي ذكرناه من تحريم النظر هو فيما إذا لم تكن حاجة، أما إذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر كما في حالة البيع والشراء والتطيب والشهادة ونحو ذلك، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة، فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه، وأما الشهوة فلا حاجة إليها قال أصحابنا: النظر بالشهوة حرام على كل أحد غير الزوج والسيد، حتى يحرم على الإنسان النظر إلى أمه وبنته بالشهوة.
والله أعلم.
اهـ.

2- ويؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه، والنهي نهي تحريم باتفاق، والمقصود من الإفضاء المنهي عنه الإفضاء بدون حائل، ولما كان التجرد مظنة مس أحدهما عورة الآخر ومس العورة حرام كالنظر نهي عن الإفضاء في الثوب الواحد، سدا للذرائع.

3- ومن الرواية الأولى والثانية يؤخذ جواز اغتسال الإنسان بحضرة امرأة من محارمه، إذا كان يحول بينها وبينه ساتر من ثوب أو غيره.

4- وجواز تستر الرجال بالنساء.

5- ومن الرواية التاسعة يؤخذ استحباب الاستتار عند قضاء الحاجة بحائط أو هدف أو شجر أو وهدة أو نحو ذلك، بحيث يغيب جميع شخص الإنسان عن أعين الناظرين.

6- ويستفاد من حديث أم هانئ سنة صلاة الضحى، وأنها ثماني ركعات.

7- ويؤخذ من قوله في الرواية السادسة فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء بعض ما أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه ورسوله، وأنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا محميا في صغره عن القبائح وأخلاق الجاهلية.

8- ومن نفس الرواية ما جبل عليه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الحسنة والحياء الكامل، حتى كان أشد حياء من العذراء في خدرها.

9- ومن حديث موسى عليه السلام أخذ بعضهم أن شريعة بني إسرائيل كانت تجيز رؤية العورة، وإلا لما أقرهم موسى على ذلك، وإنما اغتسل موسى وحده استحياء، وأخذا بالأفضل، وأغرب ابن بطال فقال: هذا يدل على أنهم كانوا عصاة لموسى.
اهـ وتبعه القرطبي على قوله، وأطال في ذلك.

10- قال الحافظ ابن حجر: وفيه أن الأنبياء في خلقهم وخلقهم على غاية من الكمال، وأن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقته فقد آذاه ويخشى على فاعله الكفر.

11- وجواز المشي عريانا للضرورة.
وقال ابن الجوزي: لما كان موسى في خلوة وخرج من الماء فلم يجد ثوبه تبع الحجر، بناء على أن لا يصادف أحدا وهو عريان، فاتفق أنه كان هناك قوم، فاجتاز بهم، كما أن جوانب الأنهار، وإن خلت غالبا، لا يؤمن وجود قوم قريب منها، فبني الأمر على أنه لا يراه أحد لأجل خلاء المكان، فاتفق رؤية من رآه، والذي يظهر أنه استمر يتبع الحجر على ما في الخبر، حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل كان فيهم من قال فيه ما قال.
وبهذا تظهر الفائدة، وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع في ذلك الموقع.
اهـ.

ونقل ابن الجوزي عن النيسابوري أن موسى نزل إلى الماء مؤتزرا، فلما خرج تتبع الحجر، والمئزر مبتل بالماء، فعلموا عند رؤيته أنه غير آدر، لأن الأدرة تبين تحت الثوب المبلول بالماء.
اهـ، قال الحافظ ابن حجر: إن كان هذا على سبيل الاحتمال احتمل، لكن المنقول يخالفه، لأن رواية أنس عند أحمد في هذا الحديث أن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يوارى عورته في الماء.

12- استدل برؤيتهم جسد موسى على جواز النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية لذلك، من مداواة أو براءة من عيب، كما لو ادعى أحد الزوجين على آخر البرص ليفسخ النكاح فأنكر.

13- وفيه دلالة على معجزة موسى عليه السلام من مشي الحجر بثوبه إلى ملأ من بني إسرائيل، وندائه للحجر، وتأثير ضربه فيه.

14- وفيه ما غلب على موسى عليه السلام من البشرية حتى ضرب الحجر.

15- وفيه ما كان عليه الأنبياء -عليهم السلام- من تحمل الأذى والصبر على الجهال وأن العاقبة لهم على من آذاهم.

16- ويؤخذ من حلف أبي هريرة جواز الحلف على الأخبار، وبخاصة الغريب منها.