هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
536 وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ، جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ . أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ ؟ فَقَالَ : لَا . إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ح ، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ح ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ح ، وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ ، وَإِسْنَادِهِ . وَفِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ ، عَنْ جَرِيرٍ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَّا ، قَالَ : وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
536 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، قالا : حدثنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت ، جاءت فاطمة بنت أبي حبيش ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني امرأة أستحاض فلا أطهر . أفأدع الصلاة ؟ فقال : لا . إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي . حدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، وأبو معاوية ح ، وحدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير ح ، وحدثنا ابن نمير ، حدثنا أبي ح ، وحدثنا خلف بن هشام ، حدثنا حماد بن زيد ، كلهم عن هشام بن عروة ، بمثل حديث وكيع ، وإسناده . وفي حديث قتيبة ، عن جرير جاءت فاطمة بنت أبي حبيش بن عبد المطلب بن أسد وهي امرأة منا ، قال : وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'A'isha reported:

Fatimah b. Abu Hubaish came to the Apostle (ﷺ) and said: I am a woman whose blood keeps flowing (even after the menstruation period). I am never purified; should I, therefore, abandon prayer? He (the Holy Prophet) said: Not at all, for that is only a vein, and is not a menstruation, so when menstruation comes, abandon prayer, and when it ends wash the blood from yourself and then pray.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقالت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر.
أفأدع الصلاة؟ فقال لا.
إنما ذلك عرق وليس بالحيضة.
فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة.
وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم.
وصلي.


المعنى العام

تعلمت النساء المسلمات ما يفعلن أثناء الحيض، يجتنبن الصلاة وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله والاعتكاف ودخول المسجد والصيام، ويعتزلهن الرجال فيما بين السرة والركبة، وتعلمن كيف يغتسلن من الحيض، وكيف ينظفن أنفسهن بقطعة قطن مطيبة بمسك أو طيب، ورأى بعضهن دما غير دم الحيض، اختبرهن الله به، لا ينقطع أو لا يكاد، وتحيرن في أمره، هل يفعلن بشأنه ما يفعلن بشأن الحيض؟ أو ماذا عساه يكون الحكم؟ ولم هذه الحيرة وقد شجعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاستفتاء والسؤال والتفقه في الدين؟ وجاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله وتقول: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض، يستمر نزول الدم فلا أطهر، أأدع الصلاة كما أدعها في الحيض؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا تدعي الصلاة، ليس هذا الدم بحيض، وإنك لتعلمين حيضتك، فإذا أقبلت فدعي الصلاة وإذا انقطع دمها، وجاء الدم الآخر الناشئ عن عرق يخالف منشأ الحيض فاغتسلي، ثم اغسلي عنك الدم، وتوضئي لكل صلاة وصلي.

وجاءت أم حبيبة بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل نفس السؤال، وأجابها صلى الله عليه وسلم بنفس الجواب، لكنها اشتبهت في أيام الحيض وأيام الاستحاضة، وكأنها لم تستطع أن تميز بين الدمين، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي كحائضة مدة تساوي مدة حيضتك قبل دم الاستحاضة ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وصلي.

وبلغ الورع والحرص على النظافة عند النساء المسلمات حدا جعلهن يحافظن على الغسل عند كل صلاة تطوعا وتقربا، وهكذا يضربن المثل الأعلى على طهر الإسلام ونقائه وعلى استجابتهن لأوامره أكمل الاستجابة، وعلى السمع والطاعة لتعاليمه وزيادة، فرضي لله عنهن ورضين عنه، ورضي عن التابعين بإحسان إلى يوم الدين.

المباحث العربية

( جاءت فاطمة بنت أبي حبيش بن عبد المطلب بن أسد، وهي امرأة منا) حبيش بضم الحاء وفتح الباء بعدها ياء ثم شين، وأبو حبيش اسمه قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
قال النووي: وقع في الأصول ابن عبد المطلب واتفق العلماء على أنه وهم، والصواب ابن المطلب بحذف عبد وأما قوله: وهي امرأة منا فمعناه من بني أسد، والقائل هو هشام بن عروة، أو القائل أبوه عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي.
اهـ.

( إني امرأة أستحاض) بضم الهمزة، مبني للمجهول، كما يقال: استحيضت، ولم يبن هذا الفعل للفاعل، قاله العيني، وقال الأبي: وفي بعض الروايات أستحيض بالبناء للفاعل، وأصل الكلمة من الحيض، والزوائد للمبالغة، وأصل الحيض السيلان، ويقال: الحيض لغة الدم الخارج، ثم خصه العرف الشرعي بدم خاص، والاستحاضة بدم آخر.

( فلا أطهر) قال القاضي عياض: يحتمل الحقيقة، وأنه لا يفارقها، ويحتمل أنه كناية عن قرب بعضه من بعض.
اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: كانت تفهم أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن اتصاله.

( أفأدع الصلاة؟) كانت قد علمت أن الحائض لا تصلي، فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج، فأرادت تحقق ذلك.

( إنما ذلك عرق وليس بالحيضة) ذلك بكسر الكاف لخطاب المؤنثة وعرق بكسر العين وإسكان الراء، ويقال له: العادل، أي إنما ذلك الدم ناشئ عن عرق خاص، وليس هو الدم المعروف بالحيض، والباء في بالحيضة زائدة، داخلة على خبر ليس والحيضة يجوز فيها كسر الحاء بمعنى الحالة وفتحها بمعنى الحيض، قال النووي: فتح الحاء في هذا الموضع متعين أو قريب من المتعين، فإن المعنى يقتضيه، لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض، وأما ما يقع في كثير من كتب الفقه: إنما ذلك عرق انقطع وانفجر.
فهي زيادة لا تعرف في الحديث، وإن كان لها معنى.
اهـ.

( فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) قال النووي: يجوز في الحيضة هنا فتح الحاء وكسرها جوازا حسنا.
اهـ.
والمراد من إقبالها نزول الدم، ومن إدبارها انقطاع الدم.
وفي الكلام حذف مفهوم، والأصل: فاغسلي عنك الدم واغتسلي وصلي.

( استفتت أم حبيبة بنت جحش) أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش.
قال القاضي عياض: اختلف أصحاب الموطأ في هذا عن مالك، وأكثرهم يقولون: زينب جحش، وأكثر الرواة يقولون: عن ابنة جحش، وهذا هو الصواب، ويبين الخطأ في القول الأول قوله: وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وزينب أم المؤمنين لم يتزوجها عبد الرحمن بن عوف قط، والتي كانت تحت عبد الرحمن هي أم حبيبة أختها.
اهـ.
والروايات كلها تؤكد أنها أم حبيبة وليست زينب، وقد سبق أن فاطمة بنت أبي حبيش قد سألت عن الاستحاضة، وروي أن أم سلمة سألت كذلك، وكذا أسماء بنت عميش، ولا منافاة بين الروايات، لتعدد الوقائع.

( ولكنه شيء فعلته هي) أي تطوعا، واسم لكن يعود على الغسل عند كل صلاة، وهي تأكيد للضمير المستتر في فعلته.

( ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ختنة بفتح الخاء والتاء، ومعناه قريبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم والأختان جمع ختن كفرح وأفراح، وهم أقارب زوجة الرجل، والأحماء أقارب زوج المرأة والأصهار يعم الجميع.

( وتحت عبد الرحمن بن عوف) أي زوجته.

( فكانت تغتسل في مركن) بكسر الميم وفتح الكاف بينهما راء ساكنة، وهو إناء كبير كانت الثياب تغسل فيه، وكانت أم حبيبة تقعد فيه، وتصب على نفسها الماء.

( حتى تعلو حمرة الدم الماء) أي كان الماء يختلط بالدم، فيحمر الماء، ثم تخرج من المركن، وتغسل ما أصاب رجلها من ذلك الماء المتغير بالدم.

( لو سمعت بهذه الفتيا والله إن كانت لتبكي) إن مخففة من الثقيلة، وأصل الكلام قبل القسم: لو سمعت بهذه الفتيا كانت تبكي.

( رأيت مركنها ملآن دما) قال النووي: هكذا هو في الأصول ببلادنا، وذكر القاضي عياض أنه روي أيضا ملأى وكلاهما صحيح، الأول على لفظ المركن، وهو مذكر، والثاني على معناه وهو الإجانة وهي مؤنثة، وظاهر العبارة أنه كان مملوءا بالدم الخالص، وليس كذلك، بل المراد أنه كان مملوءا بالماء الأحمر المشبه للدم، أي ماء كالدم ففي الكلام استعارة تصريحية أصلية.

( امكثي قدر ما كنت تحبسك حيضتك) أي انتظري بلا صلاة ولا صوم عدد الأيام التي كانت تمنعك حيضتك فيها عن الصلاة ونحوها، ثم اغتسلي وافعلي ما كنت ممنوعة منه أيام الحيض.

فقه الحديث

الاستحاضة جريان الدم في غير أوان خروجه المعتاد؛ ولدم الحيض صفات تخالف صفات دم الاستحاضة، قال القاضي عياض: والنساء يزعمن معرفته برائحته ولونه.
اهـ.
فدم الحيض نتن الرائحة، قاتم اللون، والمميزة التي اعتادت الحيض تستطيع التفرقة بين دم الحيض ودم الاستحاضة بحكم التجارب والإلف والتكرار، فهي تدرك الرائحة والثخانة وتعرف مثلا الأيام التي يكون فيها لون دم حيضتها أسود، واليوم أو الأيام التي يكون فيها غير ذلك من الحمرة أو الشقرة أو الصفرة أو الكدرة، ثم تعرف حيضتها بحكم العادة كم يوما تكون؟ وفي أي الأيام من الشهر تبدأ؟

فإن نزل دم مخالف لما اعتادته لونا ورائحة يوما أو يومين مثلا في غير أيام حيضها فله حكم الاستحاضة.

لكن لو اتصل دم الاستحاضة بدم الحيض بأن كان الدم مستمرا، أو كان مجاوزا لخمسة عشر يوما، فلا يخلو الأمر عن أحوال أربعة:

الأول: أن تكون مبتدأة ولا تميز ألوان الدم وصفاته.

الثاني: أن تكون مبتدأة تميز ألوان الدم وصفاته.

الثالث: أن تكون معتادة ولا تميز ألوان الدم وصفاته.

الرابع: أن تكون معتادة وتميز ألوان الدم وصفاته.

ولكل حالة حكمها

الحال الأول: فإن كانت مبتدأة -أي ابتدأها الدم لزمان إمكانه- ولا تميز صفاته أمسكت عما تمسك عنه الحائض، فإن جاوز خمسة عشر يوما تيقن أنها مستحاضة، وتبين لها ثلاثة أحوال: حال طهر بيقين، وهو ما بعد الخمسة عشر يوما، وحال حيض بيقين، وهو اليوم والليلة، وحال طهر مشكوك فيه، وهو ما بعد يوم وليلة إلى آخر خمسة عشر يوما [هذا مذهب الشافعية، وتراعي المذاهب الأخرى في أقل الحيض وأكثره] وفي حكم المدة المشكوك فيها خلاف طويل، قيل: يعتبر حيضها يوما وليلة، وما بعده طهر يجرى عليه أحكام الاستحاضة في الشهر الأول وما بعده، وتمام الدورة ثلاثون يوما، فكل ثلاثين يوما يكون حيضها يوما وليلة، وطهرها تسعة وعشرين، وهو قول للشافعية ورواية عن أحمد ومحكي عن زفر.

وقيل ترد حيضتها إلى ست أو سبع، وما بعد ذلك طهر، وهو قول للشافعية ورواية عن أحمد، وبه قال عطاء والأوزاعي والثوري وإسحاق.

وعن أبي حنيفة ترد إلى أكثر الحيض عنده، وهو عشرة أيام، وما بعدها طهر.

وعن أبي يوسف ترد في إعادة الصلاة إلى ثلاثة أيام، وهو أقل الحيض عنده، وفي الوطء إلى أكثره احتياطا للأمرين.

وعن مالك رواية خمسة عشر يوما، ورواية أنها تعامل معاملة أقرانها في مدة الحيض.

الحال الثاني: وإن كانت مبتدأة مميزة، تفرق بين دم الحيض وغيره عملت بتمييزها، واعتبرت الدم القوي حيضا والضعيف استحاضة بشرط أن لا يزيد القوي عن خمسة عشر يوما، وأن لا ينقص عن يوم وليلة.

الحال الثالث: وإن كانت معتادة غير مميزة ورأت الدم قد تجاوز عادتها وجب عليها الإمساك عما تمسك الحائض، لاحتمال الانقطاع قبل مجاوزة خمسة عشرة، فإن انقطع كان الجميع حيضا، وإن جاوز خمسة عشر يوما علمنا أنها مستحاضة فيجب عليها أن تغتسل، وأن ترد إلى عادتها فيكون حيضها أيام العادة في القدر والوقت، وما عدا ذلك فهو طهر تقضي صلاته.

الحال الرابع: وإن كانت معتادة مميزة، ووافق التمييز العادة عملت بالدلالتين بلا خلاف، كأن كانت عادتها خمسة أيام، فاستمر الدم عشرة وكانت الخمسة الأولى دما شديدا أسود فيه صفات دم الحيض، والخمسة الثانية دما ضعيفا أصفر، فالخمسة الأولى حيض، والثانية استحاضة، وإن لم يوافق التمييز العادة ردت إلى التمييز على الصحيح من مذهب الشافعية، وردت إلى العادة عند الحنفية وأحمد، وقال الأبي المالكي: المستحاضة من زاد دمها على قدر عادتها والاستظهار [الاستظهار والاستيثاق بثلاثة أيام أخرى] ، وعن مالك اعتبار التمييز وتغير الدم.
والله أعلم.

وقد بسطنا القول في هذه المسألة لما يترتب على تحديد نوع الدم من أحكام فالحائض تترك الصلاة المفروضة والنافلة، ويحرم عليها الطواف وصلاة الجنازة وسجود التلاوة وسجود الشكر، وقد أجمع العلماء على أنها ليست مكلفة بالصلاة، وعلى أنها لا قضاء عليها، أما المستحاضة فلها حكم الطاهرات في معظم الأحكام، فلها حكم الطاهرات في الصلاة والصيام والاعتكاف وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله وسجود التلاوة وسجود الشكر ووجوب العبادات عليها.

أما كيف تتطهر وتصلي فقد قال النووي: وإذا أرادت المستحاضة الصلاة فإنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث وطهارة النجس، فتغسل فرجها قبل الوضوء، وتحشو فرجها بقطنة أو خرقة رفعا للنجاسة أو تقليلا لها، فإن كان دمها قليلا يندفع بذلك وحده فلا شيء عليها غيره، وإن لم يندفع شدت مع ذلك على فرجها، وتلجمت، وهو أن تشد على وسطها خرقة أو خيطا أو نحوه على صورة التكة، وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الطرفين فتدخلها بين فخديها وإليتيها، وتشد الطرفين بالخرقة التي في وسطها، أحدهما قدامها عند صرتها والآخر خلفها، وتحكم ذلك الشد، وتلصق هذه الخرقة المشدودة بين الفخذين بالقطنة التي على الفرج إلصاقا جيدا، وهذا الفعل يسمى تلجما واستثفارا وتعصيبا، قال أصحاب الشافعية: وهذا الشد والتلجم واجب إلا في موضعين: أحدهما: أن تتأذى بالشد، ويحرقها اجتماع الدم، فلا يلزمها، لما فيه من الضرر، والثاني: أن تكون صائمة، فتترك الحشو في النهار، وتقتصر على الشد، قالوا: ويجب تقديم الشد والتلجم على الوضوء، وتتوضأ عقيب الشد من غير إمهال، فإن شدت وتلجمت وأخرت الوضوء وتطاول الزمان ففي صحة وضوئها وجهان، الأصح أنه لا يصح، وإذا استوثقت بالشد على الصفة التي ذكرناها ثم خرج منها دم من غير تفريط لم تبطل طهارتها ولا صلاتها، ولها أن تصلي بعد فرضها ما شاءت من النوافل، لعدم تفريطها، ولتعذر الاحتراز عن ذلك، أما إذا خرج الدم لتقصيرها في الشد، أو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد فزاد خروج الدم بسببه فإنه يبطل طهرها، فإن كان ذلك في أثناء الصلاة بطلت، وإن كان بعد فريضة لم تستبح النافلة لتقصيرها، أما تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل فريضة فينظر فيه إن زالت العصابة عن موضعها زوالا له تأثير، أو ظهر الدم على جوانب العصابة وجب التجديد، وإن لم تزل العصابة عن موضعها، ولا ظهر الدم ففيه وجهان.
ثم قال: واعلم أن مذهبنا أن المستحاضة لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة واحدة، مؤداة كانت أو مقضية، وتستبيح معها ما شاءت من النوافل، قبل الفريضة وبعدها، [لما رواه أبو داود من أنه صلى الله عليه وسلم قال لبنت أبي حبيش: اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي] وبمثل مذهبنا قال سفيان وأحمد وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: طهارتها بالوقت، فتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت من الفرائض الفائتة.
وفسرت رواية أبي داود بتوضئي لوقت كل صلاة.
وقال مالك وداود: دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء، فإذا تطهرت، أي اغتسلت من حيضها أو توضأت فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض إلى أن تحدث بغير الاستحاضة.

ثم قال: قال أصحابنا: وكيفية نية المستحاضة في وضوئها أن تنوي استباحة الصلاة، ولا تقتصر على نية رفع الحدث، وهل يقال بعد الوضوء ارتفع حدثها؟ الأصح أنه لا يرتفع شيء من حدثها، بل تستبيح الصلاة بهذه الطهارة مع وجود الحدث.

ثم قال: واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلاة، ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد، وروي عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء أنهم قالوا يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة وروي عن عائشة أنها قالت: تغتسل كل يوم غسلا واحدا، وعن ابن المسيب والحسن قالا: تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر دائما، ودليل الجمهور: أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل، وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها فليس فيها شيء ثابت، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها، وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أم حبيبة بنت جحش -رضي الله عنها- استحيضت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق، فاغتسلي ثم صلي، فكانت تغتسل عند كل صلاة قال الشافعي -رحمه الله تعالى: إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة.
قال: ولا شك -إن شاء الله تعالى- أن غسلها كان تطوعا، غير ما أمرت به.
والله أعلم.

أما وطء المستحاضة فقد قال عنه النووي: يجوز لزوجها وطؤها في حال جريان الدم عندنا وعند جمهور العلماء، وبه قال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري وإسحاق وأبو ثور قال ابن المنذر: وبه أقول.
قال: وروينا عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: لا يأتيها زوجها.
وبه قال النخعي.
وقال أحمد: لا يأتيها إلا أن يطول ذلك بها، وفي رواية عنه أنه لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف العنت.

والمختار مذهب الجمهور، والدليل عليه ما روي عن حمنة بنت جحش -رضي الله عنها- أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها رواه أبو داود.
وقال البخاري في صحيحه: قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها، إذا صلت الصلاة أعظم، ولأن المستحاضة كالطاهرة في الصلاة والصوم وغيرهما، فكذا في الجماع، ولأن التحريم إنما يثبت بالشرع، ولم يرد الشرع بتحريمه.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- جواز استفتاء المرأة بنفسها وجواز مشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة وأحداث النساء.

2- وجواز سماع صوتها عند الحاجة.

والله أعلم