هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
507 حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ وَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ، يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ ، عَنْ زَيْدٍ ، يَعْنِي أَخَاهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ ، أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُ قَالَ : كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ : لِمَ تَدْفَعُنِي ؟ فَقُلْتُ : أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ ؟ قَالَ : أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ ، فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ مَعَهُ ، فَقَالَ : سَلْ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ قَالَ : فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً ؟ قَالَ : فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ الْيَهُودِيُّ : فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ ، قَالَ : فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا ؟ قَالَ : يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا قَالَ : فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا قَالَ : صَدَقْتَ . قَالَ : وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ . قَالَ : يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ ؟ قَالَ : أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ . قَالَ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ ؟ قَالَ : مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا ، فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ ، أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ ، آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ . قَالَ الْيَهُودِيُّ : لَقَدْ صَدَقْتَ ، وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ سَأَلَنِي هَذَا عَنِ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ ، وَمَا لِي عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، حَتَّى أَتَانِيَ اللَّهُ بِهِ وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ، بِمِثْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ، قَالَ : كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : زَائِدَةُ كَبِدِ النُّونِ ، وَقَالَ : أَذْكَرَ وَآنَثَ وَلَمْ يَقُلْ أَذْكَرَا وَآنَثَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
507 حدثني الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا أبو توبة وهو الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية ، يعني ابن سلام ، عن زيد ، يعني أخاه أنه سمع أبا سلام ، قال : حدثني أبو أسماء الرحبي ، أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال : كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول يا رسول الله ، فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ، فقال اليهودي : جئت أسألك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينفعك شيء إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني ، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه ، فقال : سل فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم في الظلمة دون الجسر قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقراء المهاجرين قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : زيادة كبد النون ، قال : فما غذاؤهم على إثرها ؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : من عين فيها تسمى سلسبيلا قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان . قال : ينفعك إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني . قال : جئت أسألك عن الولد ؟ قال : ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة ، أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل ، آنثا بإذن الله . قال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي ، ثم انصرف فذهب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ، وما لي علم بشيء منه ، حتى أتاني الله به وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا يحيى بن حسان ، حدثنا معاوية بن سلام في هذا الإسناد ، بمثله غير أنه ، قال : كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : زائدة كبد النون ، وقال : أذكر وآنث ولم يقل أذكرا وآنثا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Thauban, the freed slave of the Messenger of Allah (ﷺ), said:

While I was standing beside the Messenger of Allah (ﷺ) one of the rabbis of the Jews came and said: Peace be upon you, O Muhammad. I pushed him backwith a push that he was going to fall. Upon this he said: Why do you push me? I said: Why don't you say: O Messenger of Allah? The Jew said: We call him by the name by which he was named by his family. The Messenger of Allah (ﷺ) said: My name is Muhammad with which I was named by my family. The Jew said: I have come to ask you (something). The Messenger of Allah (ﷺ) said: Should that thing be of any benefit to you, if I tell you that? He (the Jew) said: I will lend my ears to it. The Messenger of Allah (ﷺ) drew a line with the help of the stick that he had with him and then said: Ask (whatever you like). Thereupon the Jew said: Where would the human beings be on the Daywhen the earth would change into another earth and the heavens too (would change into other heavens)? The Messenger of Allah (ﷺ) said: They would be in darkness beside the Bridge. He (the Jew) again said: Who amongst people would be the first to cross (this bridge).? He said: They would be the poor amongst the refugees. The Jew said: What would constitute their breakfast when they would enter Paradise? He (the Holy Prophet) replied: A caul of the fish-liver. He (the Jew) said. What would be their food alter this? He (the Holy Prophet) said: A bullockwhich was fed in the different quarters of Paradise would be slaughtered for them. He (the Jew) said: What would be their drink? He (the Holy Prophet) said: They would be given drink from the fountain which is named Salsabil. He (the Jew) said: I have come to ask you about a thing which no one amongst the people on the earth knows except an apostle or one or two men besides him. He (the Holy Prophet) said: Would it benefit you if I tell you that? He (the Jew) said: I would lend ears to that. He then said: I have come to ask you about the child. He (the Holy Prophet) said: The reproductive substance of man is white and that of woman (i. e. ovum central portion) yellow, and when they have sexual intercourse and the male's substance (chromosomes and genes) prevails upon the female's substance (chromosomes and genes), it is the male child that is created by Allah's Decree, and when the substance of the female prevails upon the substance contributed by the male, a female child is formed by the Decree of Allah. The Jew said: What you have said is true; verily you are an Apostle. He then returned and went away. The Messenger of Allah (ﷺ) said: He asked me about such and such things of which I have had no knowledge till Allah gave me that.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد! فدفعته دفعة كاد يصرع منها.
فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله! فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي فقال اليهودي: جئت أسألك.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أينفعك شيء إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني.
فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه.
فقال سل فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم في الظلمة دون الجسر قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال فقراء المهاجرين قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه؟ قال من عين فيها تسمى سلسبيلا قال: صدقت.
قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض.
إلا نبي أو رجل أو رجلان.
قال ينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني.
قال جئت أسألك عن الولد؟ قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر.
فإذا اجتمعا، فعلا مني الرجل مني المرأة، أذكرا بإذن الله.
وإذا علا مني المرأة مني الرجل، آنثا بإذن الله قال اليهودي: لقد صدقت.
وإنك لنبي.
ثم انصرف فذهب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه.
وما لي علم بشيء منه.
حتى أتاني الله به.


المعنى العام

الحياء من الإيمان، والحياء لا يأتي إلا بخير، بهذا حث الإسلام على التخلق بخلق الحياء، حث على انقباض النفس وعدم إقبالها على أمر تخاف أن تلام وتذم عليه، وإذا خاف المسلم من اللوم والذم اجتنب السيئات، وفي الوقت الذي دعا فيه الإسلام إلى التخلق بهذا الخلق الكريم دعا إلى الجرأة في العلم وفي الحق، عملا بقوله تعالى: { { والله لا يستحيي من الحق } } [الأحزاب: 53] وقوله: { { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } } [البقرة: 26] لأن العلم يضيع بين الكبر والحياء، ولا يتعلم العلم مستحي، ومن هنا نجد الرجال والنساء في عهده صلى الله عليه وسلم يسألون عما يحتاجون من أمور دينهم ودنياهم، حتى قالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار.
لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.

واتباعا لهذه التعاليم الحكيمة جاءت أم سليم، أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة وأم سلمة.
فقالت: يا رسول الله، إني سائلتك عن مسألة تستحي المرأة من ذكرها لكن الله لا يستحي من الحق.
إن المرأة ترى في المنام أن زوجها يجامعها وأنها تنزل، وتصبح فتجد بللا في قبلها، فهل عليها من غسل إذا هي احتلمت ورأت الماء؟ فتبسمت أم سلمة تعجبا، وغطت وجهها حياء، وقالت: تربت يمينك يا أم سليم.
وقالت عائشة: أف لك يا أم سليم.
فضحت النساء بذكر هذا الكلام الذي يستحيا من ذكره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنتما المستحقتان للإنكار والزجر، كيف تنكران على من تسأل عن دينها؟ دعوها تسأل.
نعم يا أم سليم؟.
إذا كان منها ما يكون من الرجل وجب عليها الغسل قالت أم سلمة: وتحتلم المرأة وترى ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم.
النساء شقائق الرجال، وللمرأة ماء كما أن للرجل ماء، لكن ماء الرجل مختلف عن ماء المرأة فماؤه أبيض غليظ، وماؤها أصفر رقيق، وتعجبت أم سلمة وعائشة، إذ هما تحسان بماء الرجل ويريانه، لكن كل واحدة منهما لم تحتلم، ولم تر ماء يخرج من قبلها، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: ألستما تشاهدان شبه الولد بأمه أحيانا كما تشاهدان شبهه بأبيه أحيانا؟ قالتا: نعم، قال: فمن أين يأتي شبهه بأمه إذا لم يكن لها ماء وشهوة يلتقي بماء الرجل وشهوته؟ واقتنعت عائشة وأم سلمة وعلمتا علما يجهله أهل زمانهما، علمتا ما جاء به اليهودي عبد الله بن سلام يسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم متحديا مختبرا صدقه ونبوته.
جاء فقال: السلام عليك يا محمد.
فدفعه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: لم لا تناديه برسول الله؟ قال: لم أومن برسالته بعد، ولكني أدعوه بما سماه به أهله.
ثم قال: جئت أسألك عن شيء لا يعلمه إلا نبي أو رجل أو رجلان.
قال له صلى الله عليه وسلم: أينفعك جوابي إن أجبتك وتؤمن؟ قال: أسمع بأذني، وأفكر بعقلي: قال له: سل قال: ما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ قال: طرف كبد الحوت، قال: فما غذاؤهم بعده؟ قال ينحر لهم ثور خلقه الله في الجنة يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه؟ قال: يشربون من عين فيها تسمى سلسبيلا.
قال: فما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: إن سبق وعلا ماء الرجل نزع الولد إلى أبيه، وإن سبق وعلا ماء المرأة نزع الولد إلى أمه.
قال: صدقت.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، يكذبون ويكذبون، فادعهم واسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إن علموا بإسلامي قالوا في ما ليس في، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا -وعبد الله في داخل الدار- قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أي رجل فيكم ابن سلام؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، وأعلمنا وابن أعلمنا.
قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك.
فأعاد عليهم ثلاثا.
فقالوا ذلك.
فخرج إليهم ابن سلام، فقال: يا معشر اليهود.
اتقوا الله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق، فقالوا: هذا شرنا وابن شرنا، وتنقصوه.
فقال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله.

المباحث العربية

( جاءت أم سليم) بضم السين وفتح اللام، تزوجها مالك بن النضر فولدت له أنسا، ثم قتل عنها مشركا، فأسلمت، فخطبها أبو طلحة، وهو مشرك، فأبت حتى يسلم فأسلم، فتزوجها.

( فقالت له -وعائشة عنده) جملة وعائشة عنده مبتدأ وخبر في موضع الحال من الضمير في له.

( المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام) ما اسم موصول، والمقصود ما يراه الرجل من أحلام المداعبة والجماع.
والمراد من الرؤية هنا رؤية المنام، أي ترى في منامها أحلاما جنسية مثلما يرى الرجل.

( فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه) الرؤية هنا بصرية أو علمية منشؤها الحس -كما سيوضح في فقه الحديث، والمعنى: فترى من نفسها المني الذي يراه الرجل من نفسه، نتيجة لهذا الاحتلام.

( فضحت النساء) أي حكيت عنهن أمرا يستحيا من وصفهن به ويكتمنه، وذلك أن نزول المني منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال.

( تربت يمينك) قال النووي: فيه خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها، والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناه أنها كلمة أصلها افتقرت [قال: ترب بكسر الراء، أي لصق بالتراب، ويكنى به عن الفقر قال تعالى: { { أو مسكينا ذا متربة } } [البلد: 16] ، قال الهروي: ويقال: أترب الرجل إذا استغنى كأن ماله صار بعده التراب] ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي، فيذكرون: تربت يداك وقاتلك الله ما أشجعك، ولا أم لك ولا أب لك، وثكلتك أمك، وما أشبه هذا من ألفاظهم، يقولونها عند إنكار الشيء، أو الزجر عنه، أو الذم عليه، أو استعظامه، أو الحث عليه، أو الإعجاب به.
اهـ.
والأنسب هنا الإنكار والزجر.

( فقال لعائشة: بل أنت) بل للإضراب الإبطالي، فهو صلى الله عليه وسلم يبطل قول عائشة لأم سليم: تربت يمينك.
ثم يقول لها ما أبطله عن أم سليم.
و أنت مبتدأ محذوف الخبر، أي أنت أحق أن يقال لك ذلك، فإنها فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها، فلا تستحق الإنكار، وتستحقين أنت الإنكار لإنكارك ما لا إنكار فيه.

( فتربت يمينك) الفاء فصيحة، في جواب شرط، تقديره: إذا لم تستحق هي الإنكار، وكنت أنت أحق به فتربت يمينك.

( نعم) جواب السؤال المطوي في هذه الرواية، ويصرح به في الرواية الرابعة، بلفظ فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ وفي الرواية السادسة بلفظ هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟

( فلتغتسل -يا أم سليم- إذا رأت ذاك) ذا اسم إشارة، والكاف حرف خطاب للمؤنثة، فيكسر، والمشار إليه المني.
وفي الرواية الثانية إذا رأت ذلك واللام للبعد.

( فقالت أم سليم: واستحييت من ذلك.
قالت: وهل يكون هذا؟)
ظاهر هذا الأسلوب أن أم سليم هي التي قالت: وهل يكون هذا؟ وهو مستبعد ولعل الأصل: قالت عائشة، كما تشير الرواية الخامسة، أو قالت: أم سلمة كما تصرح الرواية الرابعة، وسيأتي مزيد إيضاح لهذا في فقه الحديث، والاستفهام للإنكار أو للتعجب.

( نعم فمن أين يكون الشبه) أي مشابهة الولد أمه، ورواية البخاري فيم يشبهها ولدها؟ كالرواية الرابعة، وفي الرواية السادسة وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك والاستفهام في هذه الرواية للإنكار بمعنى النفي، أي لا يكون الشبه إلا من جهة مائها.
والشبه بفتح الشين والباء، وبكسر الشين وسكون الباء بمعنى المشابهة، وهي الاشتراك ولو في بعض الصفات.

( فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه) قال النووي: يجوز أن يكون المراد بالعلو هنا السبق، ويجوز أن يكون المراد الكثرة والقوة بحسب كثرة الشهوة.
اهـ.
والأولى أن يراد بالعلو والسبق الغلبة، أي: فمن الذي تتغلب صفاته وخواصه على صفات وخواص الآخر يكون شبه الولد.

( إذا كان منها ما يكون من الرجل فلتغتسل) كان تامة، والمعنى إذا وجد منها ما يوجد من الرجل من المني نتيجة للاحتلام فلتغتسل.

{ { والله لا يستحيي من الحق } } لا يستحيي بياءين، ويقال أيضا: يستحي بياء واحدة في المضارع.
اهـ.
والحياء تغير وانكسار، يعتري الإنسان من خوف ما يصاب به، أو يذم عليه.
وهذا محال على الله.
نعم في الحديث نفي الاستحياء لا إثباته، لكن مفهوم نفي الاستحياء من الحق إثبات الاستحياء من غير الحق، ولهذا قال علماء الحديث إن الكلام هنا على غير حقيقته، فيكون جاريا على الاستعارة التمثيلية، فتشبه حالة ترك الحق وما يحيط بتاركه، وما يكون عليه بالاستحياء، فكأنها قالت: إن الله لا يترك الحق، أي لا يمتنع من بيان الحق، فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه، وقيل: معناه.
إن الله لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه، وإنما قالت ذلك اعتذارا بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه مما تستحيي النساء في العادة من السؤال عنه بحضرة الرجال.

( فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟) الفاء فصيحة في جواب شرط مقدر: أي وإذا كان الحياء من الحق مذموما فهل على المرأة من غسل؟ و من زائدة داخلة على المبتدأ في سياق الاستفهام، والاحتلام افتعال من الحلم بضم الحاء وسكون اللام، وهو ما يراه النائم في نومه، يقال: حلم بفتح اللام واحتلم، والمراد أمر خاص من الأحلام، وهو الجماع، وشاع في الإنزال في جماع المنام، فإذا قال الرجل: احتلمت، فالمتبادر أنزلت من لذة منامية، والظاهر أن سؤالها عن الاحتلام بمعنى اللذة الشهوانية في النوم، أنزلت أم لم تنزل، فكان الجواب اشتراط الإنزال ورؤية الماء، يؤيد هذا رواية أحمد، من حديث أم سليم أنها قالت إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟

( وتحتلم المرأة؟) معطوف على محذوف، والاستفهام مقدر، أي أترى المرأة الماء وتحتلم؟ وفي رواية وهل تحتلم المرأة؟ وفي رواية أو تحتلم المرأة؟

( أف لك) في أف عشر لغات، بضم الهمزة مع كسر الفاء، وفتحها وضمها بغير تنوين، وبالتنوين، فهذه ست لغات، والسابعة إف بكسر الهمزة وفتح الفاء، والثامنة أف بضم الهمزة وإسكان الفاء، والتاسعة أفي بضم الهمزة وبالياء، و أفه بالهاء، ذكرهن ابن الأنباري وقال أبو البقاء: من كسر بناه على الأصل، ومن فتح طلب التخفيف، ومن ضم أتبع، ومن نون أراد التنكير، ومن لم ينون أراد التعريف، ومن خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفا.
وقال ابن الأنباري في اللغة التاسعة بالياء، كأنه أضافه إلى نفسه.
اهـ.
والظاهر أنها اسم فعل ماض، أي كرهت وضجرت، وأصل الأف وسخ الأظفار، وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والإنكار، قال الباجي: والمراد بها هنا الإنكار.

( تربت يداك وألت) بضم الهمزة وفتح اللام المشددة وإسكان التاء، ومعناها: أصابتها الآلة، بفتح الهمزة وتشديد اللام، وهي الحربة، فكأنها قالت: افتقرت يداك وطعنت.

( جاء حبر من أحبار اليهود) الحبر بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان هو العالم، والمراد به هنا عبد الله بن سلام، كما جاء في روايات البخاري، وكان أعلم اليهود، وكان اسمه الحصين، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم -لما أسلم- عبد الله.

( جئت أسألك) جملة أسألك في محل النصب على الحال المقدرة، أي جئت مقدرا وقاصدا سؤالك.

( أينفعك شيء إن حدثتك) الاستفهام تقريري، أي قر بأن قصدك الانتفاع بالحديث، وليس التحدي والمعاكسة، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله.

( قال: أسمع بأذني) تثنية أذني ليس مراده: أسمع بأذني ولا أعقل ولا أتأثر، وإنما مراده: لا ألتزم المتابعة، وإنما أسمع بأذني وأنظر فيما أسمع.

( فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه) نكت بفتح النون والكاف، أي خط بالعود في الأرض، وأثر به فيها، وهذا يفعله المفكرون.

( يوم تبدل الأرض غير الأرض) قيل: إن التبديل تبديل صفات، بأن تمد مد الأديم، وتستوى، وتزال جبالها، وتصبح بيضاء عفراء، وليس فيها علم ولا شيء يستر، وقيل: إن التبديل تبديل ذات، بأن تزال هذه الأرض، ويؤتى بغيرها.

( هم في الظلمة دون الجسر) بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان وهو ما يعبر عليه، والمراد منه هنا الصراط.

( فمن أول الناس إجازة؟) بكسر الهمزة، ومعناه جوازا وعبورا.

( فما تحفتهم؟) بإسكان الحاء وفتحها، لغتان، والتحفة ما يهدى إلى الرجل ويخص ويلاطف به.

( زيادة كبد النون) وفي رواية زائدة كبد النون والزيادة والزائدة شيء واحد، والنون الحوت وزيادة الكبد طرفه، وهو أطيبه، وتعريف النون يشعر بأنه حوت مخصوص.
وهذا من الأمور السمعية التي ينبغي الإيمان بها تعبدا.

( فما غذاؤهم على إثرها؟) غذاؤهم روي على وجهين: أحدهما: بالذال وكسر الغين، وهو الطعام أو الشراب الذي يتغذى به الجسم في أي وقت من الأوقات، وثانيهما: بالدال وفتح الغين، وهو الأكل أول النهار.
قال القاضي عياض: هذا الثاني هو الصحيح وهو رواية الأكثرين، والأول ليس بشيء [لأن السؤال عن طعامهم في وقت معين، وليس عن طعامهم في جميع الأوقات] وقال النووي: وللأول وجه، وتقديره: ما غذاؤهم في ذلك الوقت؟.
اهـ.
وهو وجه حسن، يساعده قوله: على إثرها.
والإثر بكسر الهمزة وإسكان الثاء، والأثر بفتح الهمزة والثاء لغتان مشهورتان.

( ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها) هذا الأسلوب يشعر بأنه ثور معهود، ليس في الجنة غيره.
وهل هو موجود الآن -على القول بأن الجنة موجودة- أو يوجد فيما بعد؟.
الله أعلم.

( فما شرابهم عليه؟) أي على هذا الغذاء؟ أو على هذا الثور؟

( قال: من عين فيها تسمى سلسبيلا) قال جماعة من أهل اللغة والمفسرين: السلسبيل اسم للعين: وقال مجاهد وغيره: هي شديدة الجري، وقيل: هي السلسة اللينة، قاله النووي.
اهـ.
والباحث يرى أن الجواب لم يطابق السؤال، إنه السؤال عن المشروب، والجواب عن مكان المشروب، ولو قصد مطابقته لقال: ماء غير آسن، أو لبنا، أو خمرا، أو عسلا مصفى، لكنه جرى على الأسلوب الحكيم، كأنه قال: شرابهم من الفخامة بحيث لا يوصف، لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لكنه يخرج من عين في الجنة تسمى سلسبيلا.

( أذكرا بإذن الله وآنثا بإذن الله) أذكرا أنجبا ذكرا، و آنثا أنجبا أنثى، وقد روي بالمد وتخفيف النون، وروي بالقصر وتشديد النون.

( ثم انصرف فذهب) قد يكون العطف عطف تفسير، لرفع وهم أنه انصرف عن قبول الحق مع بقائه في المجلس، وقد يكون عطف مغاير، بأن يراد من الانصراف تولية الظهر، ومن الذهاب البعد عن المجلس بحيث لا يسمع، وهذا هو الظاهر.

فقه الحديث

يستفاد من هذه الروايات

1- أن خروج المني من موجبات الغسل على الرجل والمرأة قال النووي: وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني، أو إيلاج الذكر في الفرج وأجمعوا على وجوبه عليها بالحيض والنفاس، واختلفوا في وجوبه على من ولدت ولم تر دما أصلا، والأصح عند أصحابنا وجوب الغسل، وكذا الخلاف فيما إذا ألقت مضغة أو علقة.
والأصح وجوب الغسل.

وقال: ثم إن مذهبنا أنه يجب الغسل بخروج المني، سواء كان بشهوة ودفق أم لا، في النوم أو في اليقظة، وسواء أحس بخروجه أم لا، وسواء خرج من العاقل أم من المجنون.

ثم إن المراد بخروج المني أن يخرج إلى الظاهر، أما ما لم يخرج فلا يوجب الغسل، وذلك بأن يرى النائم أنه يجامع، وأنه قد أنزل، ثم يستيقظ فلا يرى شيئا فلا غسل عليه بإجماع المسلمين، وكذا لو اضطرب بدنه لمبادئ خروج المني فلم يخرج، وكذا لو نزل المني إلى أصل الذكر، ثم لم يخرج فلا غسل، وكذا لو صار المني في وسط الذكر، وهو في صلاة، فأمسك بيده على ذكره، فوق حائل فلم يخرج المني حتى سلم من صلاته صحت صلاته، فإنه مازال متطهرا حتى خرج، والمرأة كالرجل في هذا، إلا أنها إذا كانت ثيبا فنزل المني إلى فرجها، ووصل الموضع الذي يجب عليها غسله في الجنابة والاستنجاء، وهو الذي يظهر حال قعودها لقضاء الحاجة، وجب عليها الغسل بوصول المني إلى ذلك الموضع لأنه في حكم الظاهر، وإن كانت بكرا لم يلزمها الغسل ما لم يخرج المني من فرجها، لأن داخل فرجها كداخل إحليل الرجل، اهـ.

2- وفيه أن المرأة تحتلم كالرجل، قال ابن بطال: فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن مراده الجواز لا الوقوع، أي فيهن قابلية الاحتلام، وعكسه ابن عبد البر، فقال: فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن، أخذا من إنكار أم سلمة بقولها: وهل يكون هذا؟ وتحتلم المرأة؟ وقال السيوطي.
وأي مانع أن يكون ذلك خصوصية لأزواجه صلى الله عليه وسلم أنهن لا يحتلمن، كما أن من خصائص الأنبياء أنهم لا يحتلمون، لأنه من الشيطان، فلم يسلطه عليهم، وكذا لا يسلط على أزواجه تكريما له.
اهـ.
ورده الزرقاني، فقال: المانع من ذلك أن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وعلل بعضهم منع وقوعه من أزواجه صلى الله عليه وسلم بأنهن لا يطعن غيره، لا يقظة ولا مناما، والشيطان لا يتمثل به، وفيه نظر، لأنهن قد يحتلمن من غير رؤية، كما يقع لكثير من الناس.

3- واستدل به على أن ماء المرأة قد يبرز ويرى، وزعم بعضهم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما ينعكس إلى الرحم، وحمل الرؤية في الحديث على العلم، أي تغتسل إذا علمت أنها أنزلت بشهوة، والجمهور على خلافه، وأن المرأة كالرجل لا يجب عليها الغسل بالإنزال إلا إذا برز ماؤها.

4- وفيه بيان صفات مني الرجل والمرأة.
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر أصل عظيم في بيان صفة المني، وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب؛ قال العلماء: مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة، ويخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه، وإذا خرج استعقب خروجه فتورا، ورائحته كرائحة طلع النخل، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين، وقيل: تشبه رائحته إذا يبس رائحة البول، فهذه صفاته، وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يستقل بكونه منيا، وذلك بأن يمرض فيصير منيه رقيقا أصفر، أو يسترخي وعاء المني، فيسيل من غير تلذذ ولا شهوة، أو يستكثر من الجماع فيحمر، ويصير كماء اللحم، وربما خرج دما عبيطا، وإذا خرج المني أحمر فهو طاهر، موجب للغسل، كما لو كان أبيض، ثم إن خواص المني التي عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث: أحدها: الخروج بشهوة مع الفتور عقبه، والثانية: الرائحة التي تشبه رائحة الطلع، والثالثة الخروج بزريق ودفق ودفعات، وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيا، ولا يشترط اجتماعها فيه، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيا، وغلب علي الظن كونه ليس منيا، هذا كله في مني الرجل، وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق، وقد يبيض لفضل قوتها، وله خاصيتان، يعرف بواحدة منهما: إحداهما: أن رائحته كرائحة مني الرجل.
والثانية: التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه.
قالوا: ويجب الغسل بخروج المني بأي صفة وأي حال.
اهـ.

5- وفيه إثبات الوراثة، وشبه الولد لأبيه أو أمه، ومازال العلم -رغم تقدمه- عاجزا عن التحكم في علو ماء الرجل أو سبقه، وعلو ماء المرأة أو سبقه، بل عاجزا عن إدراك كيفية هذا العلو وأسبابه.

يقول علماء الطب الحديث: إن ثلاثة سنتيمترات مكعبة من مني الرجل تحوي مائتين وخمسين مليونا من الحيوان المنوي، كل حيوان منها يمكن أن يكون جنينا، ويحمل ثلاثة وعشرين من العوامل الوراثية ولكل عامل من هذه العوامل مكونات داخلية، تبلغ المائة وتسمى بالمورثات.

أما الأنثى فإن مبيضها يقذف ببويضة واحدة كل شهر، تحمل هذه البويضة ثلاثة وعشرين من العوامل الوراثية للمرأة أيضا.

ويتكون الجنين باختراق حيوان منوي واحد جدار البويضة واستقراره فيها وهنا تلتقي العوامل الوراثية للذكر بالعوامل الوراثية للأنثى، فتعلوا وتغلب إحداهما الأخرى.

ولا يتنافى هذا التشريع الطبي مع أحاديثنا التي تثبت للمرأة ماء، ولا مع تفسير المفسرين لقوله تعالى: { { فلينظر الإنسان مم خلق* خلق من ماء دافق* يخرج من بين الصلب والترائب } } [الطارق: 5-7] حيث قالوا: من بين صلب الرجل، ومن بين ترائب المرأة، فإن مني الرجل الذي يتم تكوينه في الخصية مر بالصلب كمرحلة من مراحله، وإن بويضة المرأة التي تتكون في المهبل، هي في أصلها ماء يخرج من بين ترائب المرأة كمرحلة من مراحله.

إن الطب لا ينكر أن المرأة تحتلم كما يحتلم الرجل، ولا ينكر أن المرأة تفرز عند شهوتها ماء رقيقا أصفر، وإن قال: إن اللقاح يتم عن طريق البويضة.

لقد كان الهنود قبل المسيحية يعتقدون أن الأب هو عامل التكوين في إيجاد الطفل.
إذ يضع البذرة في بطن المرأة، وأن المرأة ليست أكثر من حقل لإنماء هذه البذرة، وأخذ عنهم المصريون القدامى هذه الفكرة، وتأثر بهم كذلك اليونان والرومان، وكان هذا هو الشائع حين سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: لا يعلمه أحد إلا نبي أو رجل أو رجلان وكان جوابه صلى الله عليه وسلم دليلا على صدقه، بل إن أوربا لم تكتشف مشاركة ماء المرأة لماء الرجل في تكوين الجنين إلا عام 1667م حين اكتشف عالم التشريح الفلورنسي ستينو البويضة عند المرأة، ثم تابع العلم اكتشافات وراثة الطفل لأبويه في الصفات، ولكنه -كعادته- حين يعجز عن إدراك الطريقة والسبب يعزو الأمر إلى الصدفة.

يقول الدكتور فاخر عاقل رئيس قسم علم النفس بجامعة دمشق: أما الثلاثة والعشرين صبغيا [أي عاملا وراثيا] الموجودة في النطفة، والتي ستلتقي بالثلاثة والعشرين صبغيا الأخرى، الموجودة في البويضة.
والتي ستكون المخلوق الجديد، فأمرها متروك للصدفة مرة أخرى، وهكذا تكون قوانين الوراثة قوانين متصلة بالصدفة في تجمع الصبغيات في كل بويضة أو نطفة.
اهـ.

ولكن الإسلام يقول: إن علو عوامل الوراثة في ماء الرجل وغلبتها لمثيلاتها عند المرأة مرتبط بعلم الله ومشيئته، جلت قدرته { { يخلق ما يشاء ويختار } } [القصص: 68] .
{ { يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور* أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير } } [الشورى: 49-50] .

6- وفي الحديث جواز استفتاء المرأة بنفسها من الرجال.

7- وأنه لا حياء في الدين، وأن من عرضت له مسألة ينبغي أن يسأل عنها، ولا يمتنع من السؤال حياء من ذكرها، فإن ذلك ليس بحياء حقيقي، لأن الحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير، والإمساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير، بل هو شر، فكيف يكون حياء؟ قاله النووي.

8- يؤخذ من قول أم المؤمنين فضحت النساء حياء أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض روايات البخاري فغطت أم سلمة وجهها ولما كانت الرواية الأولى والخامسة والسادسة تصرح بأن التي أنكرت على أم سليم هي عائشة وكانت الرواية الثالثة والرابعة تصرحان بأنها أم سلمة جمع النووي بين الروايات بأنه يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم، قال الحافظ ابن حجر: وهو جمع حسن، لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد.

9- وفيه مشروعية زجر من يلوم الذي يسأل عما يجهل.

10- وفيه التمهيد للعذر، وأنه خير من تأخيره، لأن الذي يقدم العذر عن المعتذر منه يهيئ المخاطب لقبول الوضع خاليا من العتب، وإذا تأخر العذر استثقلت النفس المعتذر منه، فتأثرت بقبحه، ثم يأتي العذر رافعا، وعلى الأول يأتي دافعا، ودفع الشيء المستكره قبل وقوعه أيسر من رفعه بعد وقوعه.

11- ويؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: إذا كان منها ما يكون من الرجل فلتغتسل حسن العشرة ولطف الخطاب، واستعمال اللفظ الجميل موضع الذي يستحيا منه في العادة.

12- ومن حديث الحبر يؤخذ أدب العلم الذي اتصف به عبد الله بن سلام، إذ بدأ بالسلام، وسأل عن سبب دفعه، ولم يعنف الدافع، وقال: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، ولم يقل كما قالت قريش في الحديبية: لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك.

13- وإنصافه صلى الله عليه وسلم، وحسن خلقه، واستئلافة الخلق إلى الإيمان حيث قال: إن اسمي الذي سماني به أهلي محمد.

14- وجواز النكت بالعود في الأرض عند التفكر، وأنه ليس مخلا بالمروءة كما يتصور البعض.

15- وفيه فضل فقراء المهاجرين، وليس معنى ذلك أن فقراء المهاجرين أفضل من أغنيائهم، للإجماع على أن عثمان وعبد الرحمن بن عوف أفضل من أبي هريرة وأبي ذر -رضوان الله عليهم- أجمعين، وقد يختص المفضول بخاصية ليست في الفاضل، ولا يكون بسببها أفضل، ولهذا المعنى لا يحتج به لترجيح الفقراء.
ذكره الأبي.

والله أعلم