هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4805 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً ، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4805 حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة ، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Salim reported on the authority of his father that Allah's Messenger (ﷺ) said:

A Muslim is the brother of a fellow-Muslim. He should neither commit oppression upon him nor ruin him, and he who meets the need of a brot'ier, Allah would meet big needs, and he who relieved a Muslim from hardship Allah would relieve him from the hardships to which he would be put on the Day of Resurrection, and he who did not expose (the follies of a Muslim) Allah would conceal his follies on the Day of Resurrection.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة

المعنى العام

حدد الله تعالى الحقوق والواجبات لصالح الفرد وصالح المجتمع في الدنيا والآخرة وكل اعتداء على هذه الحقوق ظلم يبارز به جل شأنه ومن أظلم الظلم ظلم الإنسان نفسه وإيباقها وإهلاكها وتعريضها للنار يوم القيامة وكيف لا وكل ظلم للآخرين هو إهلاك للظالم ودافع به إلى نار جهنم هذه الحقيقة يظلم الظالم وهو جاهل بها غافل عنها يأخذه الإحساس بالقوة للاندفاع في الشر وقد تكون قوته قوة خداع وكذب ونفاق ومكر وخبث ودهاء وغش للمظلومين ويطمعه عدم إسراع الله تعالى في عقوبته ناسيا أن الله تعالى يمهل ولا يهمل يملي له ليزداد إثما يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته { { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } } [إبراهيم 42- 52]

{ { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } } [هود 102]

يوم يقتص للشاة التي لا قرون لها من الشاة التي نطحتها يقتص للمظلوم من الظالم ليس بالمال المسروق ولا بالبطش باليد ولكن بالحسنات والسيئات فيؤخذ للمظلوم من حسنات الظالم بقدر مظلمته فإذا فنيت حسناته وأصبح مفلسا ولم يقض مظالمه أخذ من سيئات المظلومين وطرحت عليه ثم طرح في النار

إن العاقل الكيس إذا أحس بقوته وقدرته تذكر قدرة الله عليه وإن العاقل الكيس إذا مسه طائف من الشيطان فظلم ذكر الله وعقابه ورد المظالم في الدنيا وما أسهلها وما أحقرها مهما بلغت إذا قيست بالحسنات والسيئات يوم القيامة يوم يحتاج الإنسان إلى ذرة من الحسنات يثقل بها ميزانه وإن العاقل الكيس إذا ظلم لجأ إلى المظلوم فطلب منه العفو والمسامحة وما أسهله في الدنيا قبل أن يفر المرء أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فلا تسمح نفس أحد منهم أن ينزل عن حسنة من حسناته أو أن يحمل عنهم سيئة واحدة من سيئاتهم

إن الظلم ظلمات يوم القيامة يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم عافانا الله من الظلم ومن الظلمات

المباحث العربية

( عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى) هذا حديث قدسي أسند فيه القول إلى الله تعالى ولفظه ومعناه من الله تعالى غير أنه لم يقصد به الإعجاز ولا يتعبد به في الصلاة مثلا كالقرآن والأحاديث النبوية وإن كانت من الله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم { { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } } [النجم 3، 4] لا يسند القول فيها لله تعالى وبعبارة أخرى الأحاديث النبوية لفظها من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناها من عند الله كأن يقول الله لرسوله قراءة الفاتحة لازمة في قيام الصلاة فيقول صلى الله عليه وسلم لأمته لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج

( يا عبادي) العبد المملوك وكل خاضع للإله مكلف من الإنس والجن والملائكة ومن شاء الله فهو عبد الله والمنادى هنا المكلفون من الإنس والجن

( إني حرمت الظلم على نفسي) الظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي أو مجاوزة الحد الشرعي وفي ملحق الرواية إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي فلا تظالموا قال النووي قال العلماء وهو مستحيل في حق الله سبحانه وتعالى وكيف يجاوز سبحانه وتعالى حدا وليس فوقه من يطيعه وكيف يتصرف في غير ملكه والعالم كله في ملكه وسلطانه وأصل التحريم في اللغة المنع فسمي تقدسه عن الظلم تحريما لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء

( وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) قال النووي هو بفتح التاء وفتح الظاء مخففة أي لا تتظالموا والمراد لا يظلم بعضكم بعضا وهذا توكيد لقوله تعالى يا عبادي ... وجعلته بينكم محرما وزيادة تغليظ في تحريمه

( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) أي اطلبوا الهداية مني وفي المسألة كلام طويل سنتعرض له في فقه الحديث

( إنكم تخطئون بالليل والنهار) كناية عن كثرة الخطايا والرواية المشهورة بضم التاء قال النووي وروى بفتحها وفتح الطاء بينهما خاء ساكنة يقال خطئ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطئ ومنه قوله تعالى { { استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين } } [يوسف 97] ويقال في الإثم أيضا أخطأ فهما صحيحان

( وأنا أغفر الذنوب جميعا) أي ما عدا الشرك إذا شئت مصداقا لقوله تعالى { { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } } [النساء 48]

( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني) ضري في النسخ التي بين يدي بفتح الضاد وفي كتب اللغة الضر بفتح الضاد وضمها لغتان ضد النفع وبالفتح المصدر وبالضم الاسم وقيل إذا جمعت بين الضرر والنفع فتحت الضاد وإذا أفردت الضر ضممت الضاد

ومعنى لن تبلغوا ضري أي لن تصلوا إلى ضري يقال بلغ الشيء بلوغا أي وصل إليه

( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم) أي لو أنكم جميعا من أولكم إلى آخركم وليس المراد الأول والآخر

( وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا) فهو جل شأنه لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية

( لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) الصعيد وجه الأرض أو الجزء المرتفع من وجه الأرض والمعنى لو أن بني آدم من أول أبناء آدم إلى اليوم وفي أي مكان من الأرض اجتمعوا في وقت واحد في مكان واحد

( فسألوني) أي سألني كل واحد منهم ما يتمناه

( فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) المخيط بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء وهو الإبرة وظاهر العبارة إن إعطاء كل واحد مسألته ينقص ما عند الله ولو نقصا يسيرا مع أن المراد أنه لا ينقص شيئا مطلقا لهذا قال النووي قال العلماء هذا تقريب إلى الأفهام ومعناه لا ينقص شيئا أصلا كما قال في الحديث الآخر لا يغيضها نفقة أي لا ينقصها نفقة لأن ما عند الله لا يدخله نقص وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة والمقصود التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا وأكبرها والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء

( إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) المقصود أعمال الخير والشر فإن غلبنا أعمال الخير قيل أحصيها لكم وإن غلبنا أعمال الشر قيل أحصيها عليكم كما في بعض النسخ

( ثم أوفيكم إياها) في الكلام مضاف محذوف أي أوفيكم جزاءها

( فمن وجد خيرا) أي من وجد في كتابه زيادة الحسنات على السيئات

( فليحمد الله) أي فسيحمد الله الذي وفقه في الدنيا لعمله وشمله في الآخرة بعفوه

( ومن وجد غير ذلك) من زيادة السيئات على الحسنات

( فلا يلومن إلا نفسه) أي فسيلوم نفسه حيث لا ينفع اللوم ولا الندم

( إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه) إعلانا للتسليم بما في هذا الحديث مع الذلة والخضوع

( اتقوا الظلم) أي اجعلوا بينكم وبينه وقاية فلا تباشروه

( فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) قال القاضي قيل هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حين ترى المؤمنين يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم قال ويحتمل أن المراد من الظلمات هنا الشدائد وبه فسروا قوله تعالى { { قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } } [الأنعام 63] أي شدائدها قال ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات اهـ

وعند أحمد يا أيها الناس اتقوا الظلم ... وفي رواية إياكم والظلم وفي رواية أظلم الناس من ظلم لغيره

( واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم) قيل الشح أشد البخل وأبلغ في المنع من البخل وقيل هو البخل مع الحرص وقيل البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف فهو أعم وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل على ما عنده والأول أكثر استعمالا قال تعالى { { سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير } } [الأحزاب 19]

قال القاضي يحتمل أن هذا الهلاك دنيوي بسفكهم دماءهم ويحتمل أنه هلاك الآخرة وهذا الثاني أظهر ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة اهـ أقول وهذا الأخير هو الأظهر فإن سفك الدماء هلاك في الدنيا والآخرة

ومناسبة التحذير من الشح بعد التحذير من الظلم أن الشح نوع من الظلم فهو من قبيل ذكر الخاص بعد العام لمزيد عناية بالخاص والشح غالبا دافع الظلم فكلاهما ينشأ عن حب الذات وحب السيطرة وحب التملك والشحيح ظالم لنفسه وظالم لغيره ظالم لنفسه ومجهدها ومتعبها بالإفراط في الحرص وموبقها ومهلكها يوم القيامة ظالم لنفسه ببعثه الحقد والحسد والبغض في نفوس الآخرين حتى يصبح منبوذا في مجتمعه وظالم لغيره بمنعه حق الغير في ماله وفي صحته وصنعته ففي كل عضو من أعضاء الإنسان صدقة يومية يعين أخاه ويحمل له أو يعمل ويتصدق أو يصنع لأخرق

( حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) هذه الجملة بيانية مستأنفة استئنافا بيانيا أو تعليليا فهي في جواب سؤال نشأ عن الجملة الأولى إن قدرناه كيف أهلكهم فهو بياني وإن قدرناه لم أهلكهم كان تعليليا والأول أوضح وضمير حملهم وفي استحلوا غير الضمير في دماءهم و محارمهم أي حمل بعضهم على سفك دماء بعض واستحل بعضهم محارم بعض ويحتمل المجاز فسفك الإنسان لدم أخيه كأنه سفك لدم نفسه واستحلاله لمحارم أخيه كأنه استحلال لمحارم نفسه

والمحارم جمع محرم بفتح الميم وسكون الحاء وهو صاحب الحرمة من النساء والرجال أي الذي يحرم التزوج به لرحمه وقرابته ويطلق على كل ما حرم الله

( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) سبق قبل أربعة أبواب بلفظ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره

( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) أي من صار معينا لأخيه كان الله في عونه

( ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة) قال النووي يدخل في كشف الكربة وتفريجها من يزيلها بماله أو جاهه أو يساعده على تفريجها قال والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته ورأيه ودلالته ونصحه

( ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) ستر المسلم يشمل كل ما سبق يشمل ستره عن الإهانة والذلة فلا يظلمه ولا يخذله ولا يكشف عوزه وضيقه وحاجته وكربه كما يشمل ستره عن الزلات وعدم كشف سوءاته وسيئاته وخص النووي لفظ مسلم فجعل المراد منه مسلما مطيعا غير معروف بالعصيان فقال وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد

قال فأما المعروف بذلك فيستحب ألا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والإفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله

قال هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة اهـ

وعندي أن هناك فرقا بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الستر وكل منهما مأمور به وبينهما عموم وخصوص مطلق فيجتمعان في الستر وعدم الإشاعة مع الأمر بالمعروف بينه وبينه لأن النصيحة في الملأ فضيحة وينفرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون الستر في الجهر به وكشف سره ونصحه أمام الناس أو رفع أمره إلى الحاكم مع إمكان الإصلاح دون كشف وينفرد الستر كثيرا حتى يصل إلى اللامبالاة

( أتدرون ما المفلس) الاستفهام للتقرير وإخراج الجواب من المخاطب ليبني عليه الحكم المراد ولما كان المقصود السؤال عن الوصف وليس عن الذات عبر بـ ما بدل من

( قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع) أجابوا بأوصاف المفلس في العادة والعرف الدنيوي

( فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة ...) من أمتي ليس قيدا للاحتراز فالأمر كذلك في جميع الديانات

قال النووي معناه أن هذا حقيقة المفلس وأما من ليس له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلسا وليس هو حقيقة المفلس لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام والمعدوم الإعدام القاطع فتؤخذ حسناته لغرمائه فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه اهـ وليس مقصود الحديث نفي الإفلاس عمن لا درهم عنده بل نفي الكمال والحقيقة التي تستحق هذا الوصف كحديث ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب

( بصلاة وصيام وزكاة) هذا ليس للحصر بل هو تمثيل يشمل جميع الطاعات

( ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا) وهذا تمثيل أيضا والمقصود جميع حقوق العباد والواو فيها لمطلق العطف والجمع ولا ترتيب بين ما ذكر

( فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته) قال العلماء المراد بالحسنات هنا الثواب عليها وسيأتي في فقه الحديث مزيد إيضاح

( فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه) يقضي بضم الياء وسكون القاف وفتح الضاد مبني للمجهول

( ثم طرح في النار) لفناء الحسنات وزيادة الخطايا وسيأتي في فقه الحديث مزيد إيضاح

( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة) اللام في جواب قسم مقدر أي والله ليؤدين كل واحد منكم حقوق الآخرين يوم القيامة والخطاب للخلائق

( حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) الجلحاء بجيم ثم حاء بينهما لام وهي الجماء التي لا قرن لها والمراد يقاد ويقتص من القرناء التي نطحت في الدنيا أختها التي لا قرن لها وللمسألة مزيد إيضاح في فقه الحديث والمقصود إبراز القصاص بين المكلفين في صورة التأكيد والمبالغة لأنه إذا حصل القصاص بين ما لا تكليف عليه حصل بين المكلفين من باب أولى

( إن الله يملي للظالم) أي يمهله ويؤخر عقابه ويطيل في مدة عدم معاقبته وهو مشتق من الملوة بضم الميم وكسرها وفتحها وهي المدة يقال أقام عنده ملوة من الدهر وفي القرآن الكريم { { واهجرني مليا } } [مريم 46] أي زمنا ومدة

( فإذا أخذه لم يفلته) أي لم يطلقه ولم ينفلت منه أي لم يجعله ينفلت يقال أفلته إذا أطلقه

فقه الحديث

يؤخذ من الأحاديث

1- من الرواية الأولى ومن قوله صلى الله عليه وسلم كلكم ضال إلا من هديته قال المازري ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى لكن في الحديث المشهور كل مولود يولد على الفطرة أي مما يثير إشكالا أجاب عنه بقوله قد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا اهـ أي كلكم كنتم ضالين قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهديت برسالته من هديت فلتطلبوا مني الهداية واعملوا لها أهدكم

قال النووي وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله وبهدى الله اهتدى وبإرادة الله تعالى وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون ولم يرد هداية الآخرين ولو أرادها لاهتدوا خلافا للمعتزلة في قولهم الفاسد أنه سبحانه وتعالى أراد هداية الجميع جل الله أن يريد ما لا يقع أو يقع ما لا يريد

2- وفيها الحث على الدعاء بما يحتاجه الإنسان حتى المأكل والكسوة ولا يعتمد على المسعى وحده

3- وأن الله لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية

4- ولا تنفذ خزائنه بل ولا تنقص بالعطاء

5- وفيها التحذير من الظلم

6- وفي الرواية الثانية التحذير من الشح

7- وفي الرواية الرابعة فضل إعانة المسلم وتفريج كربه

8- والستر على المسلم وعدم التشهير به ونقل أخبار زلاته قال النووي وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم وليس هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة وهذا مجمع عليه

9- ومن الرواية الخامسة الوعيد بالمقاصة وعند أبي نعيم يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادي مناد هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت فيأتون فيقول الرب آت هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم فيقول للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر مظلمته فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة وعند أحمد والحاكم لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قلنا يا رسول الله كيف وإنما نحشر حفاة عراة قال بالسيئات والحسنات

وقد استشكل إعطاء الحسنات سدادا للحقوق مع أن الحسنات تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والحقوق محدودة وأجيب بأنه محمول على أن الذي يعطاه صاحب الحق من الثواب ما يوازي السيئة من الأصل وأما ما زاد على الأصل فهو بفضل الله فيبقى لصاحبه اهـ وهذا إن صلح فيمن يبقى عنده حسنات بعد المقاصة لا يصلح فيمن يشير إليه حديثنا ممن تنفد حسناته ويطرح في النار

وحاول البيهقي الإجابة فقال وجه الحديث عندي والله أعلم أنه يعطي خصماء المؤمن المسيء من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه ثم يعذب إن لم يعف عنه فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا أدخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه ولا يعطى خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل العقوبة يعني من المضاعفة لأن ذلك من فضل الله يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا اهـ

وقال الحميدي في كتاب الموازنة الناس ثلاثة من رجحت حسناته على سيئاته أو بالعكس أو من تساوت حسناته وسيئاته فالأول فائز بنص القرآن والثاني يقتص منه بما فضل من معاصيه على حسناته من النفخة إلى آخر من يخرج من النار بمقدار قلة شره وكثرته والثالث أصحاب الأعراف اهـ ويقيد بمشيئة الله تعالى وعفوه

10- وظاهر الحديث أن سيئات المظلوم يحملها الظالم وهذا الظاهر يتعارض مع قوله تعالى { { وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء } } [فاطر 18] ومع ظاهر قوله تعالى { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } [الأنعام 164] قال النووي وهذا الاعتراض غلط لأنه إنما عوقب بفعله ووزره وظلمه فتوجهت عليه حقوق لغرمائه فدفعت إليهم من حسناته فلما فرغت وبقيت لخصومه بقية أخذ قدرها من سيئات خصومه فوضع عليه فحقيقة العقوبة إنما هي بسبب ظلمه ولم يعاقب بغير جناية وظلم منه

11- قال النووي وفي الحديث تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين وكما يعاد الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه الدعوة وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة قال الله تعالى { { وإذا الوحوش حشرت } } [التكوير 5] قال وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره قال العلماء وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب والقصاص من القرناء ليس من قصاص التكليف بل هو قصاص المقابلة

12- وفي الرواية السابعة التحذير من أخذ الله تعالى للظالمين

والله أعلم.