هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4663 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالوَحْيِ ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي فِي : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } قَالَ : عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ ، { وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } : فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ ، { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } : عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ ، قَالَ : فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } تَوَعُّدٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4663 حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي ، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه ، وكان يعرف منه ، فأنزل الله الآية التي في : لا أقسم بيوم القيامة : { لا تحرك به لسانك لتعجل به ، إن علينا جمعه وقرآنه } قال : علينا أن نجمعه في صدرك ، { وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } : فإذا أنزلناه فاستمع ، { ثم إن علينا بيانه } : علينا أن نبينه بلسانك ، قال : فكان إذا أتاه جبريل أطرق ، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل . { أولى لك فأولى } توعد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [4929] .

     قَوْلُهُ  إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ كَانَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَوْطِئَةٌ لِبَيَانِ السَّبَبِ فِي النُّزُولِ وَكَانَتِ الشِّدَّةُ تَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ لِثِقَلِ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ وَفِي حَدِيثِهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَيْضًا وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الشِّدَّةَ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَكِنَّ إِحْدَاهُمَا أَشَدُّ مِنَ الْأُخْرَى .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو عَوَانَةَ عَلَى ذِكْرِ الشَّفَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إِسْرَائِيلُ وَاقْتَصَرَ سُفْيَانُ عَلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ وَالْجَمِيعُ مُرَادٌ إِمَّا لِأَنَّ التَّحْرِيكَيْنِ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا أَوِ الْمُرَادُ يُحَرِّكُ فَمَهُ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ وَاللِّسَانِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ اللِّسَانُ هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّطْقِ اقْتَصَرَ فِي الْآيَةِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ السَّبَبَ فِي الْمُبَادَرَةِ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ الَّتِي يَجِدُهَا عِنْدَ النُّزُولِ فَكَانَ يَتَعَجَّلُ بِأَخْذِهِ لِتَزُولَ الْمَشَقَّةُ سَرِيعًا وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْسَاهُ حَيْثُ قَالَ فَقِيلَ لَهُ لَا تحرّك بِهِ لسَانك تخشي أَن ينفلت وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ كَانَ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ يَتَذَكَّرُهُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّا سَنَحْفَظُهُ عَلَيْكَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ عَجَّلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ حُبِّهِ إِيَّاهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهُ فَأُمِرَ أَنْ يَتَأَنَّى إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ النُّزُولُ وَلَا بُعْدَ فِي تَعَدُّدِ السَّبَبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا.

     وَقَالَ  سَعِيدٌ أَنا أحركهما كَمَا رَأَيْت بن عَبَّاس يحركهما فَأطلق فِي خبر بن عَبَّاسٍ وَقُيِّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي خَبَرِ سَعِيدٍ لِأَنَّ بن عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَبْدَأِ الْمَبْعَثِ النَّبَوِيِّ وَلَمْ يكن بن عَبَّاسٍ وُلِدَ حِينَئِذٍ وَلَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ بعد فيراه بن عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِسَنَدِهِ بِلَفْظ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُ لَكَ شَفَتَيَّ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إِبْرَازَ الضَّمِيرِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهَا فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلشَّفَتَيْنِ ذِكْرٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الروَاة.

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا مَنْ جَوَّزَ اجْتِهَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَّزَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ أَنْ يَكُونَ أُذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِعْجَالِ إِلَى وَقْتِ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْقُرْآنَ يُرْشِدُ إِلَيْهِ بَلْ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ تَفْسِيرُهُ بِالْحِفْظِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكِ وَرِوَايَةُ جَرِيرٍ أَوْضَحُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ مَعْنَى جَمْعَهُ تَأْلِيفَهُ .

     قَوْلُهُ  وَقُرْآنَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنْ تَقْرَأَهُ أَيْ أَنْتَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ وَتَقْرَأَهُ بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  فَإِذا قرأناه أَي قَرَأَهُ عَلَيْك الْملك فَاتبع قرآنه فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ هَذَا تَأْوِيلٌ آخَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَقَدْ وَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ مِثْلُ رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَخَصُّ مِنَ الْإِنْصَاتِ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ الْإِصْغَاءُ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ الْإِصْغَاءُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَنْزَلْنَاهُ وَفِي قَوْلِهِ فَاسْتَمِعْ قَوْلَيْنِ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ اسْتَمِعْ أتبع حَلَاله واجتنب حرَامه وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَاتَّبِعْ قرآنه لِجِبْرِيلَ وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا انْتَهَتْ قِرَاءَةُ جِبْرِيلَ فَاقْرَأْ أَنْت قَوْله ثمَّ إِن علينا بَيَانه عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ أَنْ تَقْرَأَهُ وَهِيَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِمَا تَقْتَضِيهِ ثُمَّ مِنَ التَّرَاخِي وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَتَبِعُوهُ وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِ الْبَيَانِ بِتَبْيِينِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ حِفْظِهِ لَهُ وَظُهُورِهِ عَلَى لِسَانِهِ فَلَا قَالَ الْآمِدِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَيَانِ الْإِظْهَارُ لَا بَيَانُ الْمُجْمَلِ يُقَالُ بَانَ الْكَوْكَبُ إِذَا ظَهَرَ قَالَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ وَالْمُجْمَلُ إِنَّمَا هُوَ بَعْضُهُ وَلَا اخْتِصَاصَ لِبَعْضِهِ بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ دُونَ بَعْضٍ.

     وَقَالَ  أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ الْإِظْهَارُ وَالتَّفْصِيلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَيَانَهُ جِنْسٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَصْنَافِهِ مِنْ إِظْهَارِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تَخْصِيصٍ وَتَقْيِيدٍ وَنَسْخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأُعِيدَ بعضه هُنَا اسْتِطْرَادًا( .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
ثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ لِأَبِي ذَرٍّ قَوْله يُقَالُ مَعْنَاهُ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَهَلْ تَكُونُ جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا وَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ.

     وَقَالَ  يَحْيَى وَهُوَ صَوَابٌ لِأَنَّهُ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْفَرَّاءِ بِلَفْظِهِ وَزَادَ لِأَنَّكَ تَقُولُ هَلْ وَعَظْتُكَ هَلْ أَعْطَيْتُكَ تُقَرِّرُهُ بِأَنَّكَ وَعَظْتَهُ وَأَعْطَيْتَهُ وَالْجَحْدُ أَنْ تَقُولَ هَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ هَلْ لِلِاسْتِفْهَامِ لَكِنْ تَكُونُ تَارَةً لِلتَّقْرِيرِ وَتَارَةً لِلْإِنْكَارِ فَدَعْوَى زِيَادَتِهَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة هَل أَتَى مَعْنَاهُ قَدْ أَتَى وَلَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بَلْ هِيَ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ كَأَنَّهُ قِيلَ لِمَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يكن شَيْئا مَذْكُورا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَالُ فَالَّذِي أَنْشَأَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِ وَنَحْوُهُ وَلَقَدْ علمْتُم النشأة الأولى فلولا تذكرُونَ أَيْ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ أَنْشَأَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَ .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ كَانَ شَيْئًا فَلَمْ يكن مَذْكُورا وَذَلِكَ من حِين خلقه من طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ هُوَ كَلَامُ الْفَرَّاءِ أَيْضًا وَحَاصِلُهُ انْتِفَاءُ الْمَوْصُوفِ بِانْتِفَاءِ صِفَتِهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ .

     قَوْلُهُ  أَمْشَاجٍ الْأَخْلَاطُ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ وَيُقَالُ إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ كَقَوْلِكَ خَلِيطٌ وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ قَالَ فِي قَوْلِهِ أَمْشَاجٍ نبتليه وَهُوَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ وَالدَّمُ وَالْعَلَقَةُ وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ مِنْ هَذَا إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ كَقَوْلِك خليط وممشوج كَقَوْلِك مخلوط وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ مِنَ الرَّجُلِ الْجِلْدُ وَالْعَظْمُ وَمِنَ الْمَرْأَةِ الشَّعْرُ وَالدَّمُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ مِنْ نُطْفَةٍ مُشِجَتْ بِدَمٍ وَهُوَ دَمُ الْحَيْضِ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَمْشَاجٍ قَالَ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ وَمِنْ طَرِيقِ بن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ أَحْمَرُ وَأَسْوَدُ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ الْأَمْشَاجُ إِذَا اخْتَلَطَ الْمَاءُ وَالدَّمُ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً ثُمَّ كَانَ مُضْغَةً وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ الْأَمْشَاجُ الْعُرُوقُ .

     قَوْلُهُ  سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَيُقَالُ سَلَاسِلًا وَأَغْلَالًا .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ هُوَ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بِغَيْرِ إِشْبَاعٍ عَلَامَةً لِلْجَزْمِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ بِالزَّايِ بَدَلَ الرَّاءِ وَرَجَّحَ الرَّاءَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ أَجْرَى سَلَاسِلًا وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُجْرِهَا أَيْ لَمْ يَصْرِفْهَا وَهَذَا اصْطِلَاحٌ قَدِيمٌ يَقُولُونَ لِلِاسْمِ الْمَصْرُوفِ مُجْرًى وَالْكَلَامُ الْمَذْكُورُ لِلْفَرَّاءِ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسلا وأغلالا كُتِبَتْ سَلَاسِلَ بِالْأَلِفِ وَأَجْرَاهَا بَعْضُ الْقُرَّاءِ مَكَانَ الْأَلِفِ الَّتِي فِي آخِرِهَا وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ وَاحْتج بَان الْعَرَب قد تئبت الْأَلِفَ فِي النَّصْبِ وَتَحْذِفُهَا عِنْدَ الْوَصْلِ قَالَ وَكُلٌّ صَوَابٌ انْتَهَى وَمُحَصَّلُ مَا جَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِي سَلَاسِلَ التَّنْوِينُ وَعَدَمُهُ وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ مِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ بِأَلِفٍ وَبِغَيْرِهَا فَنَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَهِشَامُ بن عمار قرؤوا بِالتَّنْوِينِ وَالْبَاقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فَوَقَفَ أَبُو عَمْرٍو بِالْأَلِفِ وَوَقَفَ حَمْزَةُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَجَاءَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَة عَن بن كثير وَعَن حَفْص وبن ذَكْوَانَ الْوَجْهَانِ أَمَّا مَنْ نَوَّنَ فَعَلَى لُغَةِ مَنْ يَصْرِفُ جَمِيعَ مَا لَا يَنْصَرِفُ حَكَاهَا الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُمَا أَوْ عَلَى مُشَاكَلَةِ أَغْلَالًاوَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ رَآهَا فِي إِمَامِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ سَلَاسِلَا بِالْأَلِفِ وَهَذِهِ حُجَّةُ مَنْ وَقَفَ بِالْأَلِفِ إِتْبَاعًا لِلرَّسْمِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَاضِحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مُسْتَطِيرًا مُمْتَدًّا الْبَلَاءَ هُوَ كَلَامُ الْفَرَّاءِ أَيْضًا وَزَادَ وَالْعَرَبُ تَقُولُ اسْتَطَارَ الصَّدْعُ فِي الْقَارُورَةِ وَشِبْهِهَا واستطال وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ اسْتَطَارَ وَاللَّهِ شَرُّهُ حَتَّى مَلَأَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ مُسْتَطِيرًا قَالَ فَاشِيًا .

     قَوْلُهُ  وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ يُقَال يَوْم قمطرير وَيَوْم قماطر والعبوس والقمطرير والقماطر والعصيب أَشد مَا يكون من الْأَيَّام فِي الْبَلَاءِ هُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ بِتَمَامِهِ.

     وَقَالَ  الْفَرَّاءُ قَمْطَرِيرٌ أَيْ شَدِيدٌ وَيُقَالُ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُمَاطِرٌ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ الْقَمْطَرِيرُ تَقْبِيضُ الْوَجْهِ قَالَ معمر.

     وَقَالَ  يَوْم الشَّدِيدُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْحَسْنُ النَّضْرَةُ فِي الْوَجْهِ وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ سَقَطَ هَذَا هُنَا لِغَيْرِ النَّسَفِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الْجنَّة قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ الْأَرَائِكُ السُّرُرُ ثَبَتَ هَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْبَرَاءُ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا ثَبَتَ هَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَحْدَهُ أَيْضًا وَقَدْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فِي قَوْلِهِ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تذليلا قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ قِيَامًا وَقُعُودًا وَمُضْطَجِعِينَ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءُوا وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ إِنْ قَامَ ارْتَفَعَتْ وَإِنْ قَعَدَ تَدَلَّتْ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ لَا يَرُدُّ أَيْدِيَهُمْ شَوْكٌ وَلَا بُعْدٌ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ سَلْسَبِيلَا حَدِيدُ الْجِرْيَةِ ثَبَتَ هَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَحْدَهُ وَتَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مَعْمَرٌ أَسْرَهُمْ شِدَّةُ الْخَلْقِ وَكُلُّ شَيْءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ وَغَبِيطٍ فَهُوَ مَأْسُورٌ سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِيِّ وَحْدَهُ وَمَعْمَرٌ الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَظَنَّ بَعضهم أَنه بن رَاشِدٍ فَزُعِمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَخْرَجَهُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْهُ وَلَفْظُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَسْرَهُمْ شِدَّةُ خَلْقِهِمْ وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ شَدِيدُ الْأَسْرِ أَيْ شَدِيدُ الْخَلْقِ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ.

.
وَأَمَّا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَإِنَّمَا أَخْرَجَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ قَالَ خَلْقَهُمْ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ تَنْبِيهٌ لَمْ يُورِدْ فِي تَفْسِيرِ هَلْ أَتَى حَدِيثًا مَرْفُوعًا وَيدخل فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي قِرَاءَتِهَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَة وَقد تقدم فِي الصَّلَاة( .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ وَالْمُرْسَلَاتِ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ وَالْمُرْسَلَاتِ حَسْبُ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْمُرْسَلَاتُ عُرْفًا الْمَلَائِكَةُ أُرْسِلَتْ بِالْمَعْرُوفِ .

     قَوْلُهُ  جِمَالَاتٌ حِبَالٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ جِمَالَاتٌ حِبَالٌ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَفِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ كِفَاتًا أَحْيَاءً يَكُونُونَ فِيهَا وَأَمْوَاتًا يُدْفَنُونَ فِيهَا فُرَاتًا عَذْبًا جِمَالَاتٌ حِبَالُ الْجُسُورِ وَهَذَا الْأَخِيرُ وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا وَوَقَعَ عِنْدَ بن التِّينِ قَوْلُ مُجَاهِدٍ جِمَالَاتٌ جِمَالٌ يُرِيدُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا إِبِلٌ سُودٌ وَاحِدُهَا جِمَالَةٌ وَجِمَالَةٌ جَمْعُ جَمَلٍ مِثْلُ حِجَارَةٍ وَحَجَرٍ وَمَنْ قَرَأَ جِمَالَاتٌ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْحِبَالِ الْغِلَاظِ وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَلِجَ الْجمل فِي سم الْخياط هُوَ حَبْلُ السَّفِينَةِ وَعَنِ الْفَرَّاءِ الْجِمَالَاتُ مَا جمع من الحبال قَالَ بن التِّينِ فَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ فِي الْأَصْلِ بِضَمِّ الْجِيم قلت هِيَ قِرَاءَة نقلت عَن بن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَعَنِ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا جُمَالَةٌ بِالْإِفْرَادِ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي تَفْسِيرهَا عَن بن عَبَّاسٍ بِنَحْوِ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي آخِرِ السُّورَةِ.

.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ كِفَاتًا فَتَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ وَقَوله فراتا عذبا وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ ارْكَعُوا صَلُّوا لَا يَرْكَعُونَ لَا يُصَلُّونَ سَقَطَ لَا يَرْكَعُونَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا قَالَ صَلُّوا .

     قَوْلُهُ  وَسُئِلَ بن عَبَّاسٍ لَا يَنْطِقُونَ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين الْيَوْم نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَقَالَ إِنَّهُ ذُو أَلْوَانٍ مَرَّةً يَنْطِقُونَ وَمَرَّةً يَخْتِمُ عَلَيْهِمْ سَقَطَ لَفْظُ على أَفْوَاههم لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهَذَا تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ فُصِّلَتْ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ وَعَطِيَّةَ أَتَيَا بن عَبَّاس فَقَالَا يَا بن عَبَّاسٍ أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا يَوْم لَا ينطقون وَقَولُهُ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تختصمون وَقَوله وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين وَقَوله وَلَا يكتمون الله حَدِيثا قَالَ وَيحك يَا بن الْأَزْرَقِ إِنَّهُ يَوْمٌ طَوِيلٌ وَفِيهِ مَوَاقِفُ تَأْتِي عَلَيْهِمْ سَاعَةٌ لَا يَنْطِقُونَ ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَخْتَصِمُونَ ثُمَّ يَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ يَحْلِفُونَ وَيَجْحَدُونَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُؤْمَرُ جَوَارِحُهُمْ فَتَشْهَدُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ بِمَا صَنَعُوا ثُمَّ تَنْطِقُ أَلْسِنَتُهُمْ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا صَنَعُوا وَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثا وروى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ.

.

قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ هَذَا يَوْمُ لَا ينطقون فَقَالَ إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ حَالَاتٌ وَتَارَاتٌ فِي حَالٍ لَا يَنْطِقُونَ وَفِي حَالٍ يَنْطِقُونَ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَقَالَ إِنَّهُ يَوْمٌ ذُو أَلْوَانٍ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قَوْله فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه)
قَالَ بن عَبَّاسٍ قَرَأْنَاهُ بَيَّنَّاهُ فَاتَّبِعْ اعْمَلْ بِهِ هَذَا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ أخرجه بن أبي حَاتِم وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب عَن بن عَبَّاسٍ تَفْسِيرُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ

[ قــ :4663 ... غــ :4929] .

     قَوْلُهُ  إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ كَانَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَوْطِئَةٌ لِبَيَانِ السَّبَبِ فِي النُّزُولِ وَكَانَتِ الشِّدَّةُ تَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ لِثِقَلِ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ وَفِي حَدِيثِهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَيْضًا وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الشِّدَّةَ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَكِنَّ إِحْدَاهُمَا أَشَدُّ مِنَ الْأُخْرَى .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو عَوَانَةَ عَلَى ذِكْرِ الشَّفَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إِسْرَائِيلُ وَاقْتَصَرَ سُفْيَانُ عَلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ وَالْجَمِيعُ مُرَادٌ إِمَّا لِأَنَّ التَّحْرِيكَيْنِ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا أَوِ الْمُرَادُ يُحَرِّكُ فَمَهُ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ وَاللِّسَانِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ اللِّسَانُ هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّطْقِ اقْتَصَرَ فِي الْآيَةِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ السَّبَبَ فِي الْمُبَادَرَةِ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ الَّتِي يَجِدُهَا عِنْدَ النُّزُولِ فَكَانَ يَتَعَجَّلُ بِأَخْذِهِ لِتَزُولَ الْمَشَقَّةُ سَرِيعًا وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْسَاهُ حَيْثُ قَالَ فَقِيلَ لَهُ لَا تحرّك بِهِ لسَانك تخشي أَن ينفلت وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ كَانَ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ يَتَذَكَّرُهُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّا سَنَحْفَظُهُ عَلَيْكَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ عَجَّلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ حُبِّهِ إِيَّاهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهُ فَأُمِرَ أَنْ يَتَأَنَّى إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ النُّزُولُ وَلَا بُعْدَ فِي تَعَدُّدِ السَّبَبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا.

     وَقَالَ  سَعِيدٌ أَنا أحركهما كَمَا رَأَيْت بن عَبَّاس يحركهما فَأطلق فِي خبر بن عَبَّاسٍ وَقُيِّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي خَبَرِ سَعِيدٍ لِأَنَّ بن عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَبْدَأِ الْمَبْعَثِ النَّبَوِيِّ وَلَمْ يكن بن عَبَّاسٍ وُلِدَ حِينَئِذٍ وَلَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ بعد فيراه بن عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِسَنَدِهِ بِلَفْظ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُ لَكَ شَفَتَيَّ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إِبْرَازَ الضَّمِيرِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهَا فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلشَّفَتَيْنِ ذِكْرٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الروَاة .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا مَنْ جَوَّزَ اجْتِهَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَّزَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ أَنْ يَكُونَ أُذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِعْجَالِ إِلَى وَقْتِ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْقُرْآنَ يُرْشِدُ إِلَيْهِ بَلْ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ تَفْسِيرُهُ بِالْحِفْظِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكِ وَرِوَايَةُ جَرِيرٍ أَوْضَحُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ مَعْنَى جَمْعَهُ تَأْلِيفَهُ .

     قَوْلُهُ  وَقُرْآنَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنْ تَقْرَأَهُ أَيْ أَنْتَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ وَتَقْرَأَهُ بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  فَإِذا قرأناه أَي قَرَأَهُ عَلَيْك الْملك فَاتبع قرآنه فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ هَذَا تَأْوِيلٌ آخَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَقَدْ وَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ مِثْلُ رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَخَصُّ مِنَ الْإِنْصَاتِ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ الْإِصْغَاءُ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ الْإِصْغَاءُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَنْزَلْنَاهُ وَفِي قَوْلِهِ فَاسْتَمِعْ قَوْلَيْنِ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ اسْتَمِعْ أتبع حَلَاله واجتنب حرَامه وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَاتَّبِعْ قرآنه لِجِبْرِيلَ وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا انْتَهَتْ قِرَاءَةُ جِبْرِيلَ فَاقْرَأْ أَنْت قَوْله ثمَّ إِن علينا بَيَانه عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ أَنْ تَقْرَأَهُ وَهِيَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِمَا تَقْتَضِيهِ ثُمَّ مِنَ التَّرَاخِي وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَتَبِعُوهُ وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِ الْبَيَانِ بِتَبْيِينِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ حِفْظِهِ لَهُ وَظُهُورِهِ عَلَى لِسَانِهِ فَلَا قَالَ الْآمِدِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَيَانِ الْإِظْهَارُ لَا بَيَانُ الْمُجْمَلِ يُقَالُ بَانَ الْكَوْكَبُ إِذَا ظَهَرَ قَالَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ وَالْمُجْمَلُ إِنَّمَا هُوَ بَعْضُهُ وَلَا اخْتِصَاصَ لِبَعْضِهِ بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ دُونَ بَعْضٍ.

     وَقَالَ  أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ الْإِظْهَارُ وَالتَّفْصِيلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَيَانَهُ جِنْسٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَصْنَافِهِ مِنْ إِظْهَارِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تَخْصِيصٍ وَتَقْيِيدٍ وَنَسْخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأُعِيدَ بعضه هُنَا اسْتِطْرَادًا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَرَأْنَاهُ بَيَّنَّاهُ فَاتَّبِعْ اعْمَلْ بِهِ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} ) [القيامة: 18] وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
(قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (قرأناه) أي (بيناه فاتبع) أي (اعمل به) وقال ابن عباس أيضًا فيما ذكره ابن كثير: ثم إن علينا بيانه نبين حلاله وحرامه.


[ قــ :4663 ... غــ : 4929 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي فِي { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 17] قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ ثُمَّ { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، قَالَ: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ: { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 35] تَوَعُّدٌ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وبعد الراء الساكنة طاء مهملة الكوفي (عن موسى بن أبي عائشة) الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (في قوله) تعالى: ({ لا تحرك به لسانك لتعجل به} قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل جبريل عليه بالوحي وكان) عليه الصلاة
والسلام (مما يحرك به لسانك وشفتيه) بالتثنية واقتصر في رواية أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة في بدء الوحي على ذكر الشفتين، وكذلك إسرائيل عن ابن أبي عائشة في الباب السابق قريبًا واقتصر سفيان على اللسان والجميع مراد إما لأن التحريكين متلازمان غالبًا أو المراد يحرك به فمه المشتمل على الشفتين واللسان لكن لما كان اللسان هو الأصل في النطق اقتصر في الآية عليه قاله في الفتح.

(فيشتد عليه) حالة نزول الوحي لثقله ولذا كان يلحقه البرحاء (وكان يعرف منه) ذلك الاشتداد حالة النزول عليه، وعند ابن أبي حاتم من طريق يحيى التيمي عن ابن أبي عائشة وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره (فأنزل الله) تعالى بسبب اشتداده عليه (الآية التي في) سورة ({ لا أقسم بيوم القيامة} ) وهي قوله تعالى: ({ لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جعه وقرآنه} قال: علينا أن نجمعه في صدرك) وعن قتادة فيما رواه الطبري أن معنى جمعه تأليفه (وقرآنه) أي تقرؤه أنت ({ فإذا قرآناه} ) عليك بلسان جبريل ({ فاتبع قرآنه} ) أي (فإذا أنزلناه فاستمع) زاد أبو عوانة في بدء الوحي وأنصت ({ ثم إن علينا بيانه} ) أي (علينا أن نبينه بلسانك قال) أي ابن عباس (فكان) عليه الصلاة والسلام (إذا أتاه جبريل أطرق) أي سكت (فإذا ذهب) جبريل (قرأه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كما وعد الله) زاد أبو ذر عز وجل على الوجه الذي ألقاه عليه.

({ أولى لك فأولى} ) [القيامة: 35] .
(توعد) وتهديد والكلمة اسم فعل واللام للتبيين أي وليك ما تكره يا أبا جهل وقرب منك، وقوله: فأولى أي فهو أولى بك من غيره وثبت أولى الخ لأبي ذر.


[76] سورة { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
يُقَالُ مَعْنَاهُ { أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} ، وَهَلْ تَكُونُ جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا، وَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ، يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ.
{ أَمْشَاجٍ} : الأَخْلاَطُ.
مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ، الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ، وَيُقَالُ: إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ، كَقَوْلِكَ خَلِيطٌ، وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ.
وَيُقَالَ سَلاَسِلًا وَأَغْلاَلًا، وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ.
{ مُسْتَطِيرًا} : مُمْتَدًّا الْبَلاَءُ.
وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ: يُقَالَ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُمَاطِرٌ، وَالْعَبُوسُ وَالْقَمْطَرِيرُ وَالْقُمَاطِرُ وَالْعَصِيبُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الأَيَّامِ فِي الْبَلاَءِ..
     وَقَالَ  مَعْمَرٌ { أَسْرَهُمْ} : شِدَّةُ الْخَلْقِ وَكُلُّ شَيْءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ فَهْوَ مَأْسُورٌ.

([76] سورة { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} )
مكية وآيها إحدى وثلاثون.

(بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر (يقال) وفي بعض النسخ وقال يحيى يعني ابن زياد الفراء (ومعناه { أتى على الإنسان} [الدهر: 1] (وهل تكون جحدًا) أي نفيًا (وتكون خبرًا) يخبر بها عن أمر مقرر فتكون على بابها للاستفهام التقريري ولذلك فسر بقد وأصله أهل كقوله:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
(وهذا) الذي في الآية (من الخبر) الذي بمعنى قد والمعنى كما في الكشاف أقد أتى على التقرير والتقريب جميعًا أي أتى على الإنسان قبل زمن قريب حين من الدهر لم يكن فيه شيئًا مذكورًا أي كان شيئًا منسيًّا غير مذكور أو هي للاستفهام التقريري لمن أنكر البعث كأنه قيل لمن أنكر البعث { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا} فيقول: نعم فيقال له من أحدثه وكوّنه بعد عدمه كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته وهو معنى قوله: ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أي فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئًا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد موته وعدمه فهي هنا للاستفهام التقريري لا للاستفهام المحض وهذا هو الذي يجب أن يكون لأن الاستفهام لا يرد من الباري جل وعلا إلا على هذا النحو وما أشبهه (يقول: كان) الإنسان (شيئًا فلم يكن مذكورًا) بل كان شيئًا منسيًّا غير مذكور بالإنسانية (وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح) والمراد بالإنسان آدم وحين من الدهر أربعون سنة أو المراد الجنس وبالحين مدة الحمل.

({ أمشاج} ) أي (الأخلاط) وهي (ماء المرأة وماء الرجل) يختلطان في الرحم فأيهما علا على الآخر كان الشبه له ثم ينتقل بعده من طور إلى طور ومن حال إلى حال وهي (الدم والعلقة) ثم المضعة ثم عظمًا يكسوه لحمًا ثم ينشئه خلقًا آخر.

وعند ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال: من الرجل الجلد والعظم ومن المرأة الشعر والدم، وقيل إن الله تعالى جعل في النطفة أخلاطًا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فعلى هذا يكون التقدير من نطفة ذات أمشاج وأمشاج نعت لنطفة ووقع الجمع صفة لمفرد لأنه في معنى الجمع لأن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة وكلٌّ منهما مختلف الأجزاء في الرقة والقوام والخواص ولذلك يصير كل جزء منهما مادّة عضو.

(ويقال إذا خلط) شيء بشيء (مشيج) بفتح الميم بوزن فعيل (كقولك له خليط) وسقط لفظ له لغير أبي ذر (وممشوج مثل مخلوط).

(ويقال) ولأبي ذر في نسخة ويقرأ (سلاسلًا وأغلالًا) بتنوين سلاسلًا وأغلالًا وهي قراءة نافع وهشام وأبي بكر والكسائي للتناسب لأن ما قبله وما بعده منوّن منصوب، وقال الكسائي وغيره من أهل الكوفة إن بعض العرب يصرفون جميع ما لا ينصرف إلا أفعل التفضيل، وعن
الأخفش يصرفون مطلقًا وهم بنو أسد لأن الأصل في الأسماء الصرف وترك الصرف لعارض فيها وإن هذا الجمع قد يجمع وإن كان قليلًا قالوا صواحب وصواحبات فلما جمع شابه المفرد فانصرف.

(ولم يجزه بعضهم) بضم الياء وكسر الجيم وبعد الزاي الساكنة هاء أي لم يجز التنوين بعضهم كذا في الفرع وسقطت الهاء في غيره وفي اليونينية بالراء بدل الزاي وسكون الجيم وضبطه في الفتح بالراء المكسورة من غير هاء.
قال: والمراد أن بعض القراء أجرى سلاسل وبعضهم لم يجرها أي لم يصرفها.
قال: وهو اصطلاح قديم يقولون للاسم المصروف مجرى، قال: وذكر عياض أن في رواية الأكثر بالزاي وهو الأوجه، وقال العيني: لم يبين وجه الأوجهية بل الراء أوجه على ما لا يخفى وفي البرماوي ولم يجز بعضهم بجيم مكسورة وزاي من الجواز وعند الأصيلي ولم يجر براء مشددة أي لم يصرفه، وقال في الكشاف فأغلظ وأساء، إن صاحب هذه القراءة ممن ضري برواية الشعر ومرن لسانه على صرف ما لا ينصرف.
قال في الانتصاف: هو يعني الزمخشري يرى أن القراءات المستفيضة غير موقوفة على النقل والتواتر وجعل التواتر من جملة غلط اللسان والحق أنها متواترة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي لغة من صرف في منثور الكلام جميع ما لا ينصرف إلا أفعل والقراءات تشتمل على اللغات المختلفة.

({ مستطيرًا} ) قال الفرّاء (ممتدًّا) والشر (البلاء) والشدة (والقمطرير) هو (الشديد) الكريه (يقال يوم قمطرير) شديد (ويوم قماطر) بضم القاف وبعد الميم ألف فطاء مكسورة فراء قال الشاعر:
ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها ... ولج بها اليوم الشديد القماطر
والقمطرير أصله كما قال الزجاج من اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورنت بأنفها (والعبوس) في قوله ({ يومًا عبوسًا} [الدهر: 10] (والقمطرير) بفتح القاف (والقماطر) بضمها (والعصيب) في قوله: { يوم عصيب} (أشد ما يكون من الأيام في البلاء) وأطولها.

(وقال معمر): بسكون العين بين ميمين مفتوحتين آخره راء هو أبو عبيدة بن المثنى قال في الفتح: وليس هو ابن راشد ({ أسرهم} ) أي (شدة الخلق) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وفي التفسير أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب (وكل شيء شددته من قتب) بفتح القاف والفوقية آخره موحدة ولأبي ذر وغبيط بغين معجمة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية ساكنة فطاء مهملة رحل للنساء يشد على الهودج وفي نسخة مأسور الغبيط شيء تركبه النساء يشبه المحفة (فهو مأسور) مربوط وسقط لأبي ذر عن المستملي من قوله معمر إلى هنا، وثبت له من روايته عن الحموي والكشميهني، وزاد في غير الفرع أصله قبله وعليه شرح في الفتح وقال: إنه ثبت للنسفي.

وقال الحسن أي البصري النضرة في الوجه أي حسنًا فيه وإضاءة والسرور في القلب، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: الأرائك هي السرر، وقال مقاتل: السرر في الحجال من الدر والياقوت، وقال البراء مما وصله سعيد بن منصور في قوله تعالى: { وذللت قطوفها} [الدهر: 14] .
يقطفون
ثمارها كيف شاؤوا قيامًا وقعودًا ومضطجعين وعلى أي حال كانوا.

وقال مجاهد: في قوله { سلسبيلًا} [الدهر: 18] أي حديد الجرية في مسيله وعن بعضهم فيما حكاه ابن جرير إنما سميت بذلك لسلاستها في الحلق، وقال قتادة مستعذب ماؤها، وروى محيي السُّنَّة عن مقاتل سميت سلسبيلًا لأنها تسيل عليهم في طرقهم ومنازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى سائر الجنان ويؤيده قوله تسمى وأما إذا جعلت صفة كما قال الزجاج فمعنى تسمى توصف.


[77] سورة وَالْمُرْسَلاَتِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ.
{ جِمَالاَتٌ} : حِبَالٌ.
{ ارْكَعُوا} : صَلُّوا.
{ لاَ يَرْكَعُونَ} : لاَ يُصَلُّونَ.
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ { لاَ يَنْطِقُونَ} ، { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ، { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} ، فَقَالَ: إِنَّهُ ذُو أَلْوَانٍ: مَرَّةً يَنْطِقُونَ، وَمَرَّةً يُخْتَمُ عَلَيْهِمْ.

([77] سورة وَالْمُرْسَلاَتِ)
ولأبي ذر سورة والمرسلات وهي مكية وآيها خمسون.

(وقال مجاهد) في قوله تعالى: ({ جمالات} ) [المرسلات: 33] أي (حبال) بالحاء المهملة أي حبال السفن وهذا إنما يكون على قراءة رويس جمالات بضم الجيم وأما على قراءة الكسر فجمع جمال أو جمالة جمع جمل للحيوان المعروف وسقط لغير أبي ذر وقال: مجاهد:
({ اركعوا} ) أي (صلوا: { لا يركعون} ) [المرسلات: 48] (لا يصلون) فأطلق الركوع وأراد الصلاة من إطلاق الجزء وإرادة الكل وثبت لا يركعون لأبي ذر.

(وسئل ابن عباس) عن قوله تعالى ({ لا ينطقون} ) [المرسلات: 35] وعن قوله جل وعلا ({ والله ربنا ما كنا مشركين} ) [الأنعام: 23] وعن قوله عز وجل ({ اليوم نختم على أفواههم} ) [يس: 65] ما الجمع بين ذلك (فقال) مجيبًا عنه (أنه) أي يوم القيامة (ذو ألوان مرة ينطقون) فيشهدون على أنفسهم بما صنعوا ولا يكتمون الله حديثًا (ومرة يختم عليهم) أي على أفواههم ومرة يختصمون ثم يكون ما شاء الله يحلفون ويجحدون فيختم على أفواههم وسقط لغير أبي ذر على أفواههم ولا يركعون.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابٌُُ: { فَإذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِذا قرأناه} أَي: إِذا قرأناه عَلَيْك: { فَاتبع قرآنه} أَي: مَا فِيهِ من الْأَحْكَام.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ قَرْآنَهُ بَيَانَهُ فَانبِعْ اعْمَلْ بِهِ

هَذَا تَفْسِير ابْن عَبَّاس هَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه} وروى هَذَا التَّفْسِير عَليّ بن أبي طَلْحَة وَقد أخرجه ابْن حَاتِم.



[ قــ :4663 ... غــ :4929 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا جَرِيرُ عَنْ مُوسَى بنِ أبِي عَائِشَةَ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ بِالوَحْي وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُ عَلَيْهِ وَكَانَ يُعْرَقُ مِنْهُ فَأنْزَلَ الله الآيَةَ الَّتِي فِي { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ( الْقِيَامَة: 1) { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ( الْقِيَامَة: 61، 71) قَالَ عَلَيْنَا أنْ نَجْمَعُهُ فِي صَدْرِكَ وَقرْآنَهُ: { فَإذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فإذَا أَنْزَلْنَا فَاسْتَمِعْ { ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ( الْقِيَامَة: 91) عَلَيْنَا أنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ قَالَ: فَكَانَ إذَا أتَاهُ جِبْرِيلُ أطْرَقَ فَإذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ الله تَعَالَى..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن مُوسَى الْمَذْكُور.

قَوْله: ( لِسَانه وشفتيه) ذكر هما هُنَا وَاقْتصر سُفْيَان فِي رِوَايَته السَّابِقَة على ذكر لِسَانه، وَاقْتصر إِسْرَائِيل على ذكر شَفَتَيْه وَالْكل مُرَاد.
قَوْله: ( فيشتد عَلَيْهِ) أَي: يشْتَد عَلَيْهِ حَاله عِنْد نزُول الْوَحْي، وَمضى فِيمَا تقدم، وَكَانَت الشدَّة تحصل مَعَه عِنْد نزُول الْوَحْي لثقل القَوْل، وَفِي حَدِيث الْإِفْك، فَأَخذه مَا كَانَ يَأْخُذهُ من البرحاء وَكَانَ يتعجل بِأَخْذِهِ لتزول الشدَّة سَرِيعا.
قَوْله: ( وَكَانَ يعرف مِنْهُ) أَي: وَكَانَ الاشتداد، يعرف مِنْهُ حَالَة نزُول الْوَحْي عَلَيْهِ.
قَوْله: ( فَأنْزل الله تَعَالَى) أَي: بِسَبَب ذَلِك الاشتداد أنزل الله تَعَالَى قَوْله: { وقرآنه} زَاد إِسْرَائِيل فِي رِوَايَته الْمَذْكُورَة أَن تَقْرَأهُ أَي: أَنْت تقرؤه.
قَوْله: ( فَإِذا قرأناه) أَي: فَإِذا قَرَأَهُ عَلَيْك الْملك قَوْله: ( أطرق) يُقَال: أطرق الرجل إِذا سكت، وأطرق أَي أرْخى عَيْنَيْهِ ينظر إِلَى الأَرْض.

{ أَوْلَى لَكَ} تَوَعُّدٌ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى} وَفَسرهُ.
بقوله: ( توعد) أَي: هَذَا وَعِيد من الله تَعَالَى على وَعِيد لأبي جهل، وَهِي كلمة مَوْضُوعَة للتهديد والوعيد، وَقيل: أولى من المقلوب ويلي من الويل كَمَا يُقَال: مَا أطيبه وأبطيه، وَمعنى الْآيَة لِأَنَّهُ يَقُول لأبي جهل الويل لَك يَوْم تحيى وَالْوَيْل لَك يَوْم تَمُوت وَالْوَيْل لَك يَوْم تبْعَث وَالْوَيْل لَك يَوْم تدخل النَّار.
tai