هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4301 حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ ، قَالَ : انْطَلَقْتُ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ ، إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ ، قَالَ : وَكَانَ دَحْيَةُ الكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ ، قَالَ : فَقَالَ هِرَقْلُ : هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَقُلْتُ : أَنَا ، فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ، ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَقَالَ : قُلْ لَهُمْ : إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْلاَ أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الكَذِبَ لَكَذَبْتُ ، ثُمَّ قَالَ : لِتَرْجُمَانِهِ ، سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ قَالَ : قُلْتُ : هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ ، قَالَ : فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، قَالَ : يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ ؟ قَالَ : قُلْتُ لاَ بَلْ يَزِيدُونَ ، قَالَ : هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : تَكُونُ الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ ، قَالَ : فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لاَ ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ المُدَّةِ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا ، قَالَ : وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ ، قَالَ : فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ ؟ قُلْتُ : لاَ ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُ : إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ ، فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ ، قُلْتُ : رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ ، وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ ، فَقُلْتَ : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ، فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ، ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ ، فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ القُلُوبِ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يُزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ ، فَتَكُونُ الحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لاَ يَغْدِرُ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ ، فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ قَالَ هَذَا القَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ ، قُلْتُ : رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : بِمَ يَأْمُرُكُمْ ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالعَفَافِ ، قَالَ : إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ ، قَالَ : ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ : فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ : فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ ، وَ : { يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ، أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ } إِلَى قَوْلِهِ : { اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ ، ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ ، وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا ، قَالَ : فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ ، إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ ، قَالَ : فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ ، فَقَالَ : عَلَيَّ بِهِمْ ، فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ : إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4301 حدثني إبراهيم بن موسى ، عن هشام ، عن معمر ، ح وحدثني عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : حدثني ابن عباس ، قال : حدثني أبو سفيان ، من فيه إلى في ، قال : انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فبينا أنا بالشأم ، إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ، قال : وكان دحية الكلبي جاء به ، فدفعه إلى عظيم بصرى ، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل ، قال : فقال هرقل : هل ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقالوا : نعم ، قال : فدعيت في نفر من قريش ، فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه ، فقال : أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : فقلت : أنا ، فأجلسوني بين يديه ، وأجلسوا أصحابي خلفي ، ثم دعا بترجمانه ، فقال : قل لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ، فإن كذبني فكذبوه ، قال أبو سفيان : وايم الله ، لولا أن يؤثروا علي الكذب لكذبت ، ثم قال : لترجمانه ، سله كيف حسبه فيكم ؟ قال : قلت : هو فينا ذو حسب ، قال : فهل كان من آبائه ملك ؟ قال : قلت : لا ، قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا ، قال : أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ قال : قلت : بل ضعفاؤهم ، قال : يزيدون أو ينقصون ؟ قال : قلت لا بل يزيدون ، قال : هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ قال : قلت : لا ، قال : فهل قاتلتموه ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قال : قلت : تكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه ، قال : فهل يغدر ؟ قال : قلت : لا ، ونحن منه في هذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها ، قال : والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه ، قال : فهل قال هذا القول أحد قبله ؟ قلت : لا ، ثم قال لترجمانه : قل له : إني سألتك عن حسبه فيكم ، فزعمت أنه فيكم ذو حسب ، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها ، وسألتك : هل كان في آبائه ملك ، فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك ، قلت : رجل يطلب ملك آبائه ، وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم ، فقلت : بل ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فزعمت أن لا ، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ، ثم يذهب فيكذب على الله ، وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ، فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب ، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ، فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك : هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه ، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه ، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة ، وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر ، وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك : هل قال أحد هذا القول قبله ، فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان قال هذا القول أحد قبله ، قلت : رجل ائتم بقول قيل قبله ، قال : ثم قال : بم يأمركم ؟ قال : قلت : يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف ، قال : إن يك ما تقول فيه حقا ، فإنه نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أك أظنه منكم ، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ، قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه : فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، و : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، أن لا نعبد إلا الله } إلى قوله : { اشهدوا بأنا مسلمون } فلما فرغ من قراءة الكتاب ، ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط ، وأمر بنا فأخرجنا ، قال : فقلت لأصحابي حين خرجنا : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنه ليخافه ملك بني الأصفر ، فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام ، قال الزهري : فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار له ، فقال : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد ، وأن يثبت لكم ملككم ، قال : فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غلقت ، فقال : علي بهم ، فدعا بهم فقال : إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم ، فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [4553] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ إِنَّمَا لَمْ يَقُلْ إِلَى أُذُنِي يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يُجِيبُهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى الْجَوَابِ فَلِذَلِكَ جَعَلَ التَّحْدِيثَ مُتَعَلِّقًا بِفَمِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأُذُنِهِ وَاتَّفَقَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ كُلَّهُ مِنْ رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ إِلَّا مَا وَقَعَ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلَ الْحَدِيثِ عَنِ بن عَبَّاسٍ إِلَى قَوْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِين قَرَأَهُ التمسوا لي هَا هُنَا أحدا من قومه لأسألهم عَنهُ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ الْحَدِيثَ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُفَصَّلَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ فَاعِلَ قَالَ الَّذِي وَقَعَ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ قَالَ وَكَانَ دِحْيَةُ الخ هُوَ بن عَبَّاسٍ لَا أَبُو سُفْيَانَ وَفَاعِلُ قَالَ.

     وَقَالَ  هِرَقْلُ هَلْ هُنَا أَحَدٌ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ .

     قَوْلُهُ  هِرَقْلُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَاتِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ سُكُونَ الرَّاءِ وَكَسْرَ الْقَافِ وَهُوَ اسْمٌ غَيْرُ عَرَبِيٍّ فَلَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ .

     قَوْلُهُ  فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَجَاءَنَا رَسُولُهُ فَتَوَجَّهْنَا مَعَهُ فَاسْتَأْذَنَ لَنَا فَأَذِنَ فَدَخَلْنَا وَهَذِهِ الْفَاءُ تُسَمَّى الْفَصِيحَةُ وَهِيَ الدَّالَّةُ عَلَى مَحْذُوفٍ قَبْلَهَا هُوَ سَبَبٌ لِمَا بَعْدَهَا سُمِّيَتْ فَصَيْحَةً لِإِفْصَاحِهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى فَصَاحَةِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا فَوُصِفَتْ بِالْفَصَاحَةِ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ وَلِهَذَا لَا تَقَعُ إِلَّا فِي كَلَامٍ بَلِيغٍ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مَنْ يُوجَدُ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَقَعَ فِي الْجِهَادِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَوَجَدْنَا رَسُولَ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِلَى إِيلِيَاءَ وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ غَزَّةُ وَقَيْصَرُ هُوَ هِرَقْلُ وَهِرَقْلُ اسْمُهُ وَقَيْصَرُ لَقَبُهُ .

     قَوْلُهُ  فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ فَأَتَوْهُ وَهُوَ بِإِيلِيَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ هُنَاكَ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ وَاسْتُشْكِلَتْ وَوُجِّهَتْ أَنَّ الْمُرَادَ الرُّومُ مَعَ مَلِكِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ .

     قَوْلُهُ  فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هِرَقْلَ خَاطَبَهُمْ أَوَّلًا بِغَيْرِ تُرْجُمَانٍ ثُمَّ دَعَا بالترجمانلَكِنْ وَقَعَ فِي الْجِهَادِ بِلَفْظِ فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَخْ فَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ أَيْ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي سُفْيَانَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ فَحَضَرَ وَكَأَنَّ التُّرْجُمَانَ كَانَ وَاقِفًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ فَخَاطَبَهُمْ هِرَقْلُ بِالسُّؤَالِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا تَحَرَّرَ لَهُ حَالُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُخَاطِبَهُ مِنْ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ أَمْرَ التُّرْجُمَانَ بِالْجُلُوسِ إِلَيْهِ لِيُعَبِّرَ عَنْهُ بِمَا أَرَادَ وَالتُّرْجُمَانُ مَنْ يُفَسِّرُ لُغَةً بِلُغَةٍ فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ فَسَّرَ كَلِمَةً غَرِيبَةً بِكَلِمَةٍ وَاضِحَةٍ فَإِنِ اقْتَضَى مَعْنَى التُّرْجُمَانِ ذَلِكَ فَلْيُعْرَفْ أَنَّهُ الَّذِي يُفَسِّرُ لَفْظًا بِلَفْظٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ مُعَرَّبٌ وَالثَّانِي أَشْهَرُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَنُونُهُ زَائِدَةٌ اتِّفَاقًا ثُمَّ قِيلَ هُوَ مِنْ تَرْجِيمِ الظَّنِّ وَقِيلَ مِنَ الرَّجْمِ فَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ التَّاءُ أَيْضًا زَائِدَةً وَيُوجِبُ كَوْنُهُ مِنَ الرَّجْمِ أَنَّ الَّذِي يُلْقِي الْكَلَامَ كَأَنَّهُ يَرْجُمُ الَّذِي يُلْقِيِهِ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ كَأَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مَبْدَؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ هِيَ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِهَذَا الرَّجُلِ وَفِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ فَإِنَّ أَقْرَبَ يَتَعَدَّى بِإِلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْنُ أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِمَعْنَى الْغَايَةِ فَقَدْ ثَبَتَ وُرُودُهَا لِلْغَايَةِ مَعَ قِلَّةٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ عِنْدَ كَتِفِي وَهِيَ أَخَصُّ وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قل لأَصْحَابه إِنَّمَا جعلتكم عِنْد كَتِفَيْهِ لِتَرُدُّوا عَلَيْهِ كَذِبًا إِنْ قَالَهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ هَذَا الرَّجُلِ أَشَارَ إِلَيْهِ إِشَارَةَ الْقُرْبِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِذِكْرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ فِي أَذْهَانِهِمْ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي مُعَادَاتِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ بن إِسْحَاقَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَجَعَلْتُ أُزَهِّدُهُ فِي شَأْنِهِ وَأُصَغِّرُ أَمْرَهُ وَأَقُولُ إِنَّ شَأْنَهُ دُونَ مَا بَلَغَكَ فَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ كَذَبَنِي بِالتَّخْفِيفِ فَكَذِّبُوهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ يَقُولُ لَكُمْ ذَلِكَ وَلَمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ مَجَالِسَ الْأَكَابِرِ لَا يُوَاجَهُ أَحَدٌ فِيهَا بِالتَّكْذِيبِ احْتِرَامًا لَهُمْ أَذِنَ لَهُمْ هِرَقْلُ فِي ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي أَرَادَهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ كَذَبَ بِالتَّخْفِيفِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِثْلَ صَدَقَ تَقُولُ كَذَبَنِي الْحَدِيثَ وَصَدَقَنِي الْحَدِيثَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ وَكَذَّبَ بِالتَّشْدِيدِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مِنْ غَرَائِبِ الْأَلْفَاظِ لِمُخَالَفَتِهِمَا الْغَالِبَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُنَاسِبُ الزِّيَادَةَ وَبِالْعَكْسِ وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ .

     قَوْلُهُ  وأيم الله بِالْهَمْز وَبِغير الْهَمْز وَفِيهَا لُغَاتٌ أُخْرَى تَقَدَّمَتْ .

     قَوْلُهُ  يُؤْثَرُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يُنْقَلُ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ حَسَبُهُ كَذَا هُنَا وَفِي غَيْرِهَا كَيْفَ نَسَبُهُ وَالنَّسَبُ الْوَجْهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِدْلَاءُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ وَالْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْمَرْءُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ وَقَولُهُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ فِي غَيْرِهَا ذُو نَسَبٍ وَاسْتُشْكِلَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ السُّؤَالَ تَضَمَّنَ أَنَّ لَهُ نَسَبًا أَوْ حَسَبًا وَالْجَوَابَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّنْوِينَ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ كَبِيرٍ أَوْ حسب رفيع وَوَقع فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ فِي الذِّرْوَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَعْلَى مَا فِي الْبَعِيرِ مِنَ السَّنَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ مِنْ أَعْلَانَا نَسَبًا وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ حَدِّثْنِي عَنْ هَذَا الَّذِي خَرَجَ بِأَرْضِكُمْ مَا هُوَ قَالَ شَابٌّ قَالَ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ هُوَ فِي حَسَبِ مَا لَا يَفْضُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالَ هَذِهِ آيَةٌ .

     قَوْلُهُ  هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ آبَائِهِ وَمَلِكٌ هُنَا بِالتَّنْوِينِ وَهِيَ تُؤَيِّدُ أَنَّ الرِّوَايَةَ السَّابِقَةَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ مِنْ مَلِكٍ لَيْسَتْ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ كَذَا فِيهِ بِإِسْقَاط همزَة الِاسْتِفْهَام وَقد جزم بن مَالِكٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالشِّعْرِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ هَلْ يَرْتَدُّ إِلَخْ إِنَّمَا لَمْيَسْتَغْنِ هِرَقْلُ بِقَوْلِهِ بَلْ يَزِيدُونَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ لِأَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الِارْتِدَادِ وَالنَّقْصِ فَقَدْ يَرْتَدُّ بَعْضُهُمْ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِمُ النَّقْصُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ مَنْ يَدْخُلُ وَقِلَّةِ مَنْ يَرْتَدُّ مَثَلًا .

     قَوْلُهُ  سَخْطَةً لَهُ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الشَّيْءِ عَلَى بَصِيرَةٍ يَبْعُدُ رُجُوعُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ صَمِيمِ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ يَتَزَلْزَلُ بِسُرْعَةٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَالُ مَنِ ارْتَدَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَلِهَذَا لَمْ يُعَرِّجْ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى ذِكْرِهِمْ وَفِيهِمْ صِهْرُهُ زَوْجُ ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَإِنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ إلىالحبشة بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ تَنَصَّرَ بِالْحَبَشَةِ وَمَاتَ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ وَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بَعْدَهُ وَكَأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَغَيْرُهُ مِنْ قُرَيْشٍ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يُكَذِّبُوهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوهُ بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ التَّنَصُّرِ وَفِيهِ بُعْدٌ أَوِ الْمُرَادُ بِالِارْتِدَادِ الرُّجُوعُ إِلَى الدِّينِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَلَمْ يَطَّلِعْ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ زَادَ فِي حَدِيثِ دِحْيَةَ أَرَأَيْتَ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَيْكُمْ هَلْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ نَسَبَ ابْتِدَاءَ الْقِتَالِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَقُلْ قَاتَلَكُمْ فَيُنْسَبُ ابْتِدَاءُ الْقِتَالِ إِلَيْهِ مُحَافَظَةً عَلَى احْتِرَامِهِ أَوْ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَبْدَأُ قَوْمَهُ بِالْقِتَالِ حَتَّى يُقَاتِلُوهُ أَوْ لِمَا عَرَفَهُ مِنَ الْعَادَةِ مِنْ حَمِيَّةِ مَنْ يُدْعَى إِلَى الرُّجُوعِ عَنْ دِينِهِ وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ هَلْ يُنْكَبُ إِذَا قَاتَلَكُمْ قَالَ قَدْ قَاتَلَهُ قَوْمٌ فَهَزَمَهُمْ وَهَزَمُوهُ قَالَ هَذِهِ آيَةٌ .

     قَوْلُهُ  يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ وَقَعَتِ الْمُقَاتَلَةُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي بَدْرٍ وَعَكْسُهُ فِي أُحُدٍ وَأُصِيبَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ نَاسٌ قَلِيلٌ فِي الْخَنْدَقِ فَصَحَّ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ تَعَقَّبَ كَلَامَهُ وَأَنَّ فِيهِ دَسِيسَةً لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى قَوْلِهِ وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَدُسَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ شَيْئًا وَقَدْ ثَبَتَ مِثْلُ كَلَامِهِ هَذَا مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ ذَكَرَ الْأَسْئِلَةَ وَالْأَجْوِبَةَ عَلَى تَرْتِيبِ مَا وَقَعَتْ وَأَجَابَ عَنْ كُلِّ جَوَابٍ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَحَاصِلُ الْجَمِيعِ ثُبُوتُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْجَمِيعِ فَالْبَعْضُ مِمَّا تَلَقَّفَهُ مِنَ الْكُتُبِ وَالْبَعْضُ مِمَّا اسْتَقْرَأَهُ بِالْعَادَةِ وَوَقَعَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ إِعَادَةُ الْأَجْوِبَةِ مُشَوَّشَةَ التَّرْتِيبِ وَهُوَ مِنَ الرَّاوِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْهَا وَاحِدَةً وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ إِلَخْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ شَيْءٌ خَالَفَتْ فِيهِ مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّهُ أَضَافَ قَول بِمَ يَأْمُرُكُمْ إِلَى بَقِيَّةِ الْأَسْئِلَةِ فَكَمُلَتْ بِهَا عَشَرَةً.

.
وَأَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ أَخَّرَ قَوْلَهُ بِمَ يَأْمُرُكُمْ إِلَى مَا بَعْدَ إِعَادَةِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ وَمَا رُتِّبَ عَلَيْهَا وَقَولُهُ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ أَيْ قُلْ لِأَبِي سُفْيَانَ إِنِّي سَأَلْتُكَ أَيْ قُلْ لَهُ حَاكِيًا عَنْ هِرَقْلَ إِنِّي سَأَلْتُكَ أَوِ الْمُرَادُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَلَى لِسَانِ هِرَقْلَ لِأَنَّ التُّرْجُمَانَ يُعِيدُ كَلَامَ هِرَقْلَ وَيُعِيدُ لِهِرَقْلَ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هِرَقْلُ كَانَ يَفْقَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَأْنَفُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِغَيْرِ لِسَانِ قَوْمِهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُلُوكِ مِنَ الْأَعَاجِمِ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ أَيْ.

.

قُلْتُ فِي نَفْسِي بن وَأَطْلَقَ عَلَى حَدِيثِ النَّفْسِ قَوْلًا .

     قَوْلُهُ  مُلْكَ أَبِيهِ أَفْرَدَهُ لِيَكُونَ أَعْذَرَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مُلْكَ آبَائِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْأَبِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازُهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ يُرَجِّحُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ حَتَّى يُخَالِطَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ حِينَ كَمَا لِلْأَكْثَرِ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ إِلَخْ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ فَقُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ إِلَخْ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِطْلَاقِ الْأَمْرِ عَلَى صِيغَةِ افْعَلْ وَعَلَى عَكْسِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ من تصرف الروَاة وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن المأموارت كُلَّهَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ هِرَقْلَ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهُ عَنْ حَقَائِقِهَا .

     قَوْلُهُ  إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّوَفِي مُرْسل سعيد بن الْمسيب عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ فَقَالَ هُوَ نَبِيٌّ وَوَقَعَ فِي أَمَالِي الْمَحَامِلِيِّ رِوَايَةَ الْأَصْبَهَانِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ صَاحِبَ بُصْرَى أَخَذَهُ وَنَاسًا مَعَهُ وَهُمْ فِي تِجَارَةٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةً دُونَ الْكِتَابِ وَمَا فِيهِ وَزَادَ فِي آخِرِهَا قَالَ فَأَخْبَرَنِي هَلْ تَعْرِفُ صُورَتَهُ إِذَا رَأَيْتَهَا.

.

قُلْتُ نَعَمْ فَأُدْخِلْتُ كَنِيسَةً لَهُمْ فِيهَا الصُّوَرُ فَلَمْ أَرَهُ ثُمَّ أُدْخِلْتُ أُخْرَى فَإِذَا أَنَا بِصُورَةِ مُحَمَّدٍ وَصُورَةِ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا أَنَّهُ دُونَهُ وَفِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ إِنَّ هِرقل أخرج لَهُم سقطا مِنْ ذَهَبٍ عَلَيْهِ قُفْلٌ مِنْ ذَهَبٍ فَأَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً مَطْوِيَّةً فِيهَا صُوَرٌ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ كَانَ آخِرُهَا صُورَةَ مُحَمَّدٍ فَقُلْنَا بِأَجْمَعِنَا هَذِهِ صُورَةُ مُحَمَّدٍ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهَا صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُ خَاتَمُهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ أَيْ أَعْلَمُ أَنَّ نَبِيًّا سَيُبْعَثُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَكِنْ لَمْ أَعْلَمْ تَعْيِينَ جِنْسِهِ وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اعْتِمَادَ هِرَقْلَ فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَهِيَ طَافِحَةٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ الَّذِي يخرج فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ أَيْ مِنْ قُرَيْشٍ .

     قَوْلُهُ  لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ لَتَجَشَّمْتُ بِجِيمٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْ تَكَلَّفْتُ وَرَجَّحَهَا عِيَاضٌ لَكِنْ نَسَبَهَا لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَاصَّةً وَهِيَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ أَيْ تَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَارْتَكَبْتُ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ أُقْتَطَعَ دُونَهُ قَالَ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذَا لِأَنَّهُ عَرَفَ صِفَةَ النَّبِيِّ لَكِنَّهُ شَحَّ بِمُلْكِهِ وَرَغِبَ فِي بَقَاء رياسته فآثرها وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَذَا قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ النَّوَوِيَّ عَنَى مَا وَقَعَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ مِنَ الْقِصَّةِ الَّتِي حَكَاهَا بن النَّاطُورِ وَأَنَّ فِي آخِرِهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ إِنِّي.

.

قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ وَزَادَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ فَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ أَشَارَ إِلَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ شَحَّ بِمُلْكِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هِرَقْلَ هُوَ الَّذِي قَرَأَ الْكِتَابَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التُّرْجُمَانُ قَرَأَهُ وَنُسِبَتْ قِرَاءَتُهُ إِلَى هِرَقْلَ مَجَازًا لِكَوْنِهِ الْآمِرَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ بِلَفْظِ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ وَفِي مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَدَعَا التُّرْجُمَانَ الَّذِي يَقْرَأُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَرَأَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ فِي أَوَّلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أحدا من قومه لأسالهم عَنهُ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هِرَقْلَ قَرَأَهُ بِنَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ لَمَّا جَمَعَ قَوْمَهُ وَأَحْضَرَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ وَسَأَلَهُ وَأَجَابَهُ أَمَرَ بِقِرَاءَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَمِيعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا فَقَالَ حِينَ قَرَأَهُ أَيْ قَرَأَ عُنْوَانَ الْكِتَابِ لِأَنَّ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْتُومًا بِخَتْمِهِ وَخَتْمُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلِهَذَا قَالَ إِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْئِلَةِ قَوْلَ هِرَقْلَ بِمَ يَأْمُرُكُمْ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَهَذَا بِعَيْنِهِ فِي الْكِتَابِ فَلَوْ كَانَ هِرَقْلُ قَرَأَهُ أَوَّلًا مَا أحتاج إِلَى السُّؤَال عَنهُ ثَانِيًا نعم يحْتَمل أَن يكون سَأَلَ عَنهُ ثَانِيًا مُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ مُكَاتَبَةِ الْكُفَّارِ وَدُعَاؤُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَفِيهِتَفْصِيلٌ فَمَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَجَبَ إِنْذَارُهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَإِلَّا اسْتُحِبَّ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي بَعْثِ الْكِتَابِ مَعَ دِحْيَةَ وَحْدَهُ فَائِدَةٌ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْخَطِّ إِذَا قَامَتِ الْقَرَائِنُ بِصِدْقِهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَصْدِيرِ الْكُتُبِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِ كَافِرًا وَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ أَيْ بِذِكْرِ اللَّهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ رُوِيَ عَلَى أَوْجُهٍ بِذِكْرِ اللَّهِ بِبِسْمِ اللَّهِ بِحَمْدِ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا الْكِتَابُ كَانَ ذَا بَالٍ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ وَلَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِلَفْظِ الْحَمْدِ بَلْ بِالْبَسْمَلَةِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَصَححهُ بن حِبَّانَ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّته فَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِيهِ بِلَفْظ حمد الله وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ وَرَدَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ ثُمَّ اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامَّا لَكِنْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى تَقَدُّمِ الْخُطْبَةِ.

.
وَأَمَّا الْمُرَاسَلَاتُ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا الْعُرْفِيَّةُ بِابْتِدَائِهَا بِذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا بِلَفْظِ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ فَالِابْتِدَاءُ بِالْحَمْدِ وَاشْتِرَاطُ التَّشَهُّدِ خَاصٌّ بِالْخُطْبَةِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فَبَعْضُهَا يَبْدَأُ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ تَامَّةً كَالْمُرَاسَلَاتِ وَبَعْضُهَا بِبِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ كَمَا فِي أَوَّلِ الْجِمَاعِ وَالذَّبِيحَةِ وَبَعْضُهَا بِلَفْظٍ مِنَ الذِّكْرِ مَخْصُوصٍ كَالتَّكْبِيرِ وَقَدْ جُمِعَتْ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَقَعْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدِ بَلْ بِالْبَسْمَلَةِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْكِتَابِ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ الْقُرْآنَ وَمَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْجِهَادِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَمَا يَرِدُ عَلَيْهِ بِمَا أَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ هَذَا كِتَابٌ لَمْ أَسْمَعْهُ بَعْدَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الِابْتِدَاءَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَخْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَفِي الْجِهَادِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ وَإِنْ كَانُوا أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ فَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَقْرُونٌ بِأَنَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكَأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى بُطْلَانِ مَا تَدَّعِيهِ النَّصَارَى فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ الْقَارِئَ لَمَّا قَرَأَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى عَظِيمِ الرُّومِ غَضِبَ أَخُو هِرَقْلَ وَاجْتَذَبَ الْكِتَابَ فَقَالَ لَهُ هِرقل مَالك فَقَالَ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَسَمَّاكَ صَاحِبَ الرُّومِ فَقَالَ هِرَقْلُ إِنَّكَ لَضَعِيفُ الرَّأْيِ أَتُرِيدُ أَنْ أَرْمِيَ بِكِتَابٍ قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ مَا فِيهِ لَئِنْ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَأَحَقُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَلَقَدْ صَدَقَ أَنَا صَاحِبُ الرُّومِ وَاللَّهُ مَالِكِي وَمَالِكُهُمْ وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ دِحْيَةَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ إِلَى هِرَقْلَ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَعْطَيْتُهُ الْكتاب وَعِنْده بن أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبْطُ الرَّأْسِ فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب نخر بن أَخِيهِ نَخْرَةً فَقَالَ لَا تَقْرَأْ فَقَالَ قَيْصَرُ لِمَ قَالَ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الرُّومِ وَلَمْ يَقُلْ مَلِكُ الرُّومِ قَالَ اقْرَأْ فَقَرَأَ الْكِتَابَ .

     قَوْلُهُ  إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ عَظِيمِ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ وَيَجُوزُ الرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمُرَادُ مَنْ تُعَظِّمُهُ الرُّومُ وَتُقَدِّمُهُ لِلرِّيَاسَةِ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  أَمَّا بَعْدُ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ فِي بَابِ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ الْإِشَارَةُ إِلَى عَدَدِ مَنْ رَوَى مِنَ الصَّحَابَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَتَوْجِيهُهَا وَنَقَلْتُ هُنَاكَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ إِنَّ مَعْنَى أَمَّا بَعْدُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ وَأَقُولُ هُنَا سِيبَوَيْهِ لَا يَخُصُّ ذَلِكَ بِقَوْلِنَا أَمَّا بَعْدُ بَلْ كُلُّ كَلَامٍ أَوَّلُهُ أَمَّا وَفِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ قَالَهُ فِي مِثْلِ أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَمُنْطَلِقٌ وَالْفَاءُ لَازِمَةٌ فِي أَكْثَرِ الْكَلَامِوَقَدْ تُحْذَفُ وَهُوَ نَادِرٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ أَمَّا لِلتَّفْصِيلِ فَأَيْنَ الْقَسِيمُ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَهُوَ بِسْمِ اللَّهِ.

.
وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَهُوَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَخْ.

.
وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ بِهِ فَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ تَوْجِيهٌ مَقْبُولٌ لَكِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَمَعْنَاهَا الْفَصْلُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ قَالَهَا فَقِيلَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ وَقِيلَ سَحْبَانُ وَفِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَهَا فَإِنْ ثَبَتَ وَقُلْنَا إِنَّ قَحْطَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ فَيَعْقُوبُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ قَحْطَانَ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَعْرُبُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَسْلِمْ تَسْلَمْ فِيهِ بِشَارَةٌ لِمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنَ الْآفَاتِ اعْتِبَارًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهِرَقْلَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحُكْمِ الْآخَرِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  أَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأَنَّهُ أَعَادَ أَسْلِمْ تَأْكِيدًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  أَسْلِمْ أَوَّلًا أَيْ لَا تَعْتَقِدْ فِي الْمَسِيحِ مَا تَعْتَقِدُهُ النَّصَارَى وَأَسْلِمْ ثَانِيًا أَيِ ادْخُلْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ تَنْبِيهٌ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْكِتَابِ بِدُعَائِهِ إِلَى الشَّهَادَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ لَكِنَّ ذَلِكَ مُنْطَوٍ فِي قَوْلِهِ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَفِي قَوْلِهِ أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ وَفِي قَوْلِهِ أَسْلِمْ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَشَرْحُهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَوَجَدْتُهُ هُنَاكَ فِي أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَحَكَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْضًا صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَغَيْرُهُ وَفِي أُخْرَى الْأَرِيسِينَ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ أَرَسَ يَأْرِسُ بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ أَرِيسٌ وَأَرَّسَ بِالتَّشْدِيدِ يُؤَرِّسُ فَهُوَ إِرِّيسٌ.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّشْدِيدِ الْأَكَّارُ لُغَةٌ شَامِيَّةٌ وَكَانَ أَهْلُ السَّوَادِ أَهْلَ فِلَاحَةٍ وَكَانُوا مَجُوسًا وَأَهْلُ الرُّومِ أَهْلَ صِنَاعَةٍ فَأُعْلِمُوا بِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا مِنَ الْإِثْمِ إِثْمَ الْمَجُوسِ انْتَهَى وَهَذَا تَوْجِيهٌ آخَرُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ يُنْسَبُونَ إِلَى عبد الله بن أريس رجل كَانَ تُعَظِّمُهُ النَّصَارَى ابْتَدَعَ فِي دِينِهِمْ أَشْيَاءَ مُخَالِفَةً لِدِينِ عِيسَى وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ بُعِثَ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ فَقَتَلُوهُ فَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا فَإِنَّ عَلَيْك مثل إِثْم الاريسيين وَذكر بن حَزْمٍ أَنَّ أَتْبَاعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرِيسٍ كَانُوا أَهْلَ مَمْلَكَةِ هِرَقْلَ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ كَانُوا قَلِيلًا وَمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ رَأْيَهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ التَّثْلِيثَ وَمَا أَظُنُّ قَوْلَ بن حَزْمٍ إِلَّا عَنْ أَصْلٍ فَإِنَّهُ لَا يُجَازِفُ فِي النَّقْلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ الْيَرِيسِيِّينَ بِتَحْتَانِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ وَكَأَنَّهُ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ.

     وَقَالَ  بن سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ الْأَرِيسُ الْأَكَّارُ عِنْدَ ثَعْلَبٍ وَالْأَمِينُ عِنْدَ كُرَاعٍ فَكَأَنَّهُ مِنَ الْأَضْدَادِ أَيْ يُقَالُ لِلتَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ وَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ صَالِحٌ عَلَى الرَّأْيَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّابِعَ فَالْمَعْنَى إِنَّ عَلَيْكَ مِثْلُ إِثْمِ التَّابِعِ لَكَ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَتْبُوعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْمَتْبُوعِينَ وَإِثْمُ الْمَتْبُوعِينَ يُضَاعَفُ بِاعْتِبَارِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ عَدَمِ الْإِذْعَانِ إِلَى الْحَقِّ مِنْ إِضْلَالِ أَتْبَاعِهِمْ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ نَبَّهَ بِذِكْرِ الْفَلَّاحِينَ عَلَى بَقِيَّةِ الرَّعِيَّةِ لِأَنَّهُمُ الْأَغْلَبُ وَلِأَنَّهُمْ أَسْرَعُ انْقِيَادًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مِنَ الرَّعَايَا غَيْرِ الْفَلَّاحِينَ مَنْ لَهُ صَرَامَةٌ وَقُوَّةٌ وَعَشِيرَةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ الْفَلَّاحِينَ فِي الْإِسْلَامِ دُخُولُ بَقِيَّةِ الرَّعَايَا حَتَّى يَصِحَّ أَنَّهُ نَبَّهَ بِذِكْرِهِمْ عَلَى الْبَاقِينَ كَذَا تَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَن مُرَاد النَّوَوِيّ أَنه نبه بِذكر طَائِفَةً مِنَ الطَّوَائِفِ عَلَى بَقِيَّةِ الطَّوَائِفِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِذَا امْتَنَعَتْ كَانَ عَلَيْكَ إِثْمُ كُلِّ مَنِ امْتَنَعَ بِامْتِنَاعِكَ وَكَانَ يُطِيعُ لَوْ أَطَعْتَ الْفَلَّاحِينَ فَلَا وَجْهٌ لِلتَّعَقُّبِ عَلَيْهِ نَعَمْ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ لَيْسَ الْمُرَادُبالفلاحين الزراعين فَقَطْ بَلِ الْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ إِنْ أَرَادَ بِهِ عَلَى التَّقْرِيرِ الَّذِي قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ النَّوَوِيِّ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُعْتَرَضٌ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَيْضًا أَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ هُمُ الْخَوَلُ وَالْخَدَمُ وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْخَوَلِ مَا هُوَ أَعَمُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَحْكُمُ الْمَلِكُ عَلَيْهِ وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ قَوْمٌ مِنَ الْمَجُوسِ كَانُوا يَعْبُدُونَ النَّارَ وَيُحَرِّمُونَ الزِّنَا وَصِنَاعَتُهُمُ الْحِرَاثَةُ وَيُخْرِجُونَ الْعُشْرَ مِمَّا يَزْرَعُونَ لَكِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَوْقُوذَةَ وَهَذَا أَثْبَتُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ فَإِنَّ عَلَيْكَ مِثْلَ إِثْمِ الْأَرِيسِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا فَرَغَ أَيِ الْقَارِئُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ هِرَقْلَ وَنَسَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ مَجَازًا لِكَوْنِهِ الْآمِرَ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَهُ عِنْدَهُ فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ لِهِرَقْلَ جَزْمًا .

     قَوْلُهُ  ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَوَقَعَ فِي الْجِهَادِ فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا لَكِنْ يُعْرَفُ مِنْ قَرَائِنِ الْحَالِ أَنَّ اللَّغَطَ كَانَ لِمَا فَهِمُوهُ مِنْ هِرَقْلَ مِنْ مَيْلِهِ إِلَى التَّصْدِيقِ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ أَمر أَمر بن أَبِي كَبْشَةَ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأَنَّ أَمِرَ الْأَوَّلَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَالثَّانِي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ رُوِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ كُرَاعٌ فِي الْمُجَرَّدِ وَرِعَ أَمِرُ بِفَتْحٍ ثُمَّ كَسْرٍ أَيْ كَثِيرٌ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْمَعْنَى لقد كثر كثيرا بن أَبِي كَبْشَةَ وَفِيهِ قَلَقٌ وَفِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الثَّانِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَإِنَّهُ قَالَ أَمَرَةٌ عَلَى وَزْنِ بَرَكَةٍ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ لَقَدْ أَمِرَ أَمَرُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى هَكَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ سِرَاجُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ وَرَدَّهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ إِنَّمَا أَرَادَ تَفْسِيرَ اللَّفْظَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَمِرَ بِفَتْحٍ ثُمَّ كَسْرٍ وَأَنَّ مَصْدَرَهَا أَمَرٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْأَمَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الْكَثْرَةُ وَالْعِظَمُ وَالزِّيَادَةُ وَلَمْ يُرِدْ ضَبْطَ اللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الزُّهْرِيُّ فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ إِلَخْ هَذِهِ قِطْعَةٌ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ عَقِبَ الْقِصَّةِ الَّتِي حَكَاهَا بن النَّاطُورِ وَقَدْ بَيَّنَ هُنَاكَ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَاهُمْ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنَّ رَجَعَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَاتَبَ صَاحِبَهُ الَّذِي بِرُومِيَّةَ فَجَاءَهُ جَوَابُهُ يُوَافِقُهُ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى هَذَا فَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَدَعَا فَصَيْحَةٌ وَالتَّقْدِيرُ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ فَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِهِ بِرُومِيَّةَ فَجَاءَهُ جَوَابُهُ فَدَعَا الرُّومَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي سيرة بن إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بَعْضُ الْقِصَّةِ الَّتِي حَكَاهَا الزُّهْرِيّ عَن بن النَّاطُورِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ حَكَى قِصَّةَ الْكِتَابِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أُسْقُفٌّ مِنَ النَّصَارَى قَدْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ بن النَّاطُورِ وَقِصَّةُ الْكِتَابِ إِنَّمَا ذَكَرَهَا الزُّهْرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ وَقَدْ فَصَّلَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ الْحَدِيثَ تَفْصِيلًا وَاضِحًا وَهُوَ أوثق من بن إِسْحَاق وأتقن فروايته هِيَ المحفوظة وَرِوَايَة بن إِسْحَاقَ شَاذَّةٌ وَمَحَلُّ هَذَا التَّنْبِيهِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ لَكِنْ فَاتَ ذِكْرُهُ هُنَاكَ فَاسْتَدْرَكْتُهُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ فَقَالَ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّهُ جَمَعَهُمْ فِي مَكَانٍ وَكَانَ هُوَ فِي أَعْلَاهُ فَاطلع عَلَيْهِم وَصَنَعَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُنْكِرُوا مَقَالَتَهُ فَيُبَادِرُوا إِلَى قَتْلِهِ .

     قَوْلُهُ  آخِرَ الْأَبَدِ أَيْ يَدُومُ مُلْكُكُمْ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ عَرَفَ مِنَ الْكُتُبِ أَنْ لَا أُمَّةَ بَعْدَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا دِينَ بَعْدَ دِينِهَا وَأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِيهِ آمَنَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ عَلَيَّ بِهِمْ فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَرَدُّوهُمْ فَقَالَ قَوْله فقد رَأَيْت مِنْكُم الَّذِي أَحْبَبْت يُفَسر مَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ فَقَدْ رَأَيْتُ وَاكْتَفَى بِذَلِكَ عَمَّا بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمُ السُّجُودُ لِمُلُوكِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى تَقْبِيلِهِمُ الْأَرْضَ حَقِيقَةً فَإِنَّ الَّذِييَفْعَلُ ذَلِكَ رُبَّمَا صَارَ غَالِبًا كَهَيْئَةِ السَّاجِدِ وَأَطْلَقَ أَنَّهُمْ رَضُوا عَنْهُ بِنَاءً عَلَى رُجُوعِهِمْ عَمَّا كَانُوا هَمُّوا بِهِ عِنْدَ تَفَرُّقِهِمْ عَنْهُ مِنَ الْخُرُوجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْبُدَاءَةُ بِاسْمِ الْكَاتِبِ قَبْلَ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ مِنَ الْعَلَاءِ إلىمحمد رَسُولِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  مَيْمُونٌ كَانَتْ عَادَةُ مُلُوكِ الْعَجَمِ إِذَا كَتَبُوا إِلَى مُلُوكِهِمْ بَدَءُوا بِاسْمِ مُلُوكِهِمْ فَتَبِعَتْهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ.

.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام أَن بن عُمَرَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَدَأَ بِاسْمِ مُعَاوِيَةَ وَإِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ كَذَلِكَ وَكَذَا جَاءَ عَنْ زيد بن ثَابت إِلَى مُعَاوِيَة وَعند الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَ عَلِيًّا وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدٌ فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَبَدَأَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَمَّا بعد فِي كتاب الْجُمُعَة ( قَولُهُ بَابُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ إِلَى بِهِ عَلِيمٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بَيْرُحَاءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي الزَّكَاةِ وَشَرْحُ الْحَدِيثَ فِي الْوَقْفِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَن لانعبد إِلَّا الله)

كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِأَبِي ذَرٍّ وَبَيْنَكُمُ الْآيَةَ .

     قَوْلُهُ  سَوَاءٍ قَصْدًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِالنَّصْبِ وَلِغَيْرِهِ بِالْجَرِّ فِيهِمَا وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى الْحِكَايَةِ لِأَنَّهُ يُفَسر قَوْله إِلَى كلمة سَوَاء وَقَدْ قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ بِالنَّصْبِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ الْحَوْفِيُّ انْتَصَبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيِ اسْتَوَتِ اسْتِوَاءً وَالْقَصْدُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ أَيْ عَدْلٍ وَكَذَا أخرجه الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَنَسَبَهَا الْفَرَّاءُ إِلَى قِرَاءَة بن مَسْعُودٍ وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَلَى ذَلِكَ يدل سِيَاق الْآيَة الَّذِي تضمنه قَوْله أَن لانعبد إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ كَلِمَةِ الْحَقِّ وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْكَلِمَةُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْكَلَامِ وَذَلِكَ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ فَتُطْلَقُ الْكَلِمَةُ عَلَى الْكَلِمَاتِ لِأَنَّ بَعْضَهَا ارْتَبَطَ بِبَعْضٍ فَصَارَتْ فِي قُوَّةِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْكَلِمَةِ وَالْكَلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ بِطُولِهِ وَقَدْ شَرَحْتُهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأَحَلْتُ بَقِيَّةَ شَرْحِهِ عَلَى الْجِهَادِ فَلَمْ يُقَدَّرْ إِيرَادُهُ هُنَاكَ فَأَوْرَدْتُهُ هُنَا وَهِشَامٌ فِي أول الْإِسْنَاد هُوَ بن يُوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ

[ قــ :4301 ... غــ :4553] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ إِنَّمَا لَمْ يَقُلْ إِلَى أُذُنِي يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يُجِيبُهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى الْجَوَابِ فَلِذَلِكَ جَعَلَ التَّحْدِيثَ مُتَعَلِّقًا بِفَمِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأُذُنِهِ وَاتَّفَقَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ كُلَّهُ مِنْ رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ إِلَّا مَا وَقَعَ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلَ الْحَدِيثِ عَنِ بن عَبَّاسٍ إِلَى قَوْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِين قَرَأَهُ التمسوا لي هَا هُنَا أحدا من قومه لأسألهم عَنهُ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ الْحَدِيثَ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُفَصَّلَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ فَاعِلَ قَالَ الَّذِي وَقَعَ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ قَالَ وَكَانَ دِحْيَةُ الخ هُوَ بن عَبَّاسٍ لَا أَبُو سُفْيَانَ وَفَاعِلُ قَالَ.

     وَقَالَ  هِرَقْلُ هَلْ هُنَا أَحَدٌ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ .

     قَوْلُهُ  هِرَقْلُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَاتِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ سُكُونَ الرَّاءِ وَكَسْرَ الْقَافِ وَهُوَ اسْمٌ غَيْرُ عَرَبِيٍّ فَلَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ .

     قَوْلُهُ  فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَجَاءَنَا رَسُولُهُ فَتَوَجَّهْنَا مَعَهُ فَاسْتَأْذَنَ لَنَا فَأَذِنَ فَدَخَلْنَا وَهَذِهِ الْفَاءُ تُسَمَّى الْفَصِيحَةُ وَهِيَ الدَّالَّةُ عَلَى مَحْذُوفٍ قَبْلَهَا هُوَ سَبَبٌ لِمَا بَعْدَهَا سُمِّيَتْ فَصَيْحَةً لِإِفْصَاحِهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى فَصَاحَةِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا فَوُصِفَتْ بِالْفَصَاحَةِ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ وَلِهَذَا لَا تَقَعُ إِلَّا فِي كَلَامٍ بَلِيغٍ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مَنْ يُوجَدُ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَقَعَ فِي الْجِهَادِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَوَجَدْنَا رَسُولَ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِلَى إِيلِيَاءَ وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ غَزَّةُ وَقَيْصَرُ هُوَ هِرَقْلُ وَهِرَقْلُ اسْمُهُ وَقَيْصَرُ لَقَبُهُ .

     قَوْلُهُ  فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ فَأَتَوْهُ وَهُوَ بِإِيلِيَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ هُنَاكَ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ وَاسْتُشْكِلَتْ وَوُجِّهَتْ أَنَّ الْمُرَادَ الرُّومُ مَعَ مَلِكِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ .

     قَوْلُهُ  فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هِرَقْلَ خَاطَبَهُمْ أَوَّلًا بِغَيْرِ تُرْجُمَانٍ ثُمَّ دَعَا بالترجمان لَكِنْ وَقَعَ فِي الْجِهَادِ بِلَفْظِ فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَخْ فَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ أَيْ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي سُفْيَانَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ فَحَضَرَ وَكَأَنَّ التُّرْجُمَانَ كَانَ وَاقِفًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ فَخَاطَبَهُمْ هِرَقْلُ بِالسُّؤَالِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا تَحَرَّرَ لَهُ حَالُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُخَاطِبَهُ مِنْ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ أَمْرَ التُّرْجُمَانَ بِالْجُلُوسِ إِلَيْهِ لِيُعَبِّرَ عَنْهُ بِمَا أَرَادَ وَالتُّرْجُمَانُ مَنْ يُفَسِّرُ لُغَةً بِلُغَةٍ فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ فَسَّرَ كَلِمَةً غَرِيبَةً بِكَلِمَةٍ وَاضِحَةٍ فَإِنِ اقْتَضَى مَعْنَى التُّرْجُمَانِ ذَلِكَ فَلْيُعْرَفْ أَنَّهُ الَّذِي يُفَسِّرُ لَفْظًا بِلَفْظٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ مُعَرَّبٌ وَالثَّانِي أَشْهَرُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَنُونُهُ زَائِدَةٌ اتِّفَاقًا ثُمَّ قِيلَ هُوَ مِنْ تَرْجِيمِ الظَّنِّ وَقِيلَ مِنَ الرَّجْمِ فَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ التَّاءُ أَيْضًا زَائِدَةً وَيُوجِبُ كَوْنُهُ مِنَ الرَّجْمِ أَنَّ الَّذِي يُلْقِي الْكَلَامَ كَأَنَّهُ يَرْجُمُ الَّذِي يُلْقِيِهِ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ كَأَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مَبْدَؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ هِيَ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِهَذَا الرَّجُلِ وَفِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ فَإِنَّ أَقْرَبَ يَتَعَدَّى بِإِلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْنُ أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِمَعْنَى الْغَايَةِ فَقَدْ ثَبَتَ وُرُودُهَا لِلْغَايَةِ مَعَ قِلَّةٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ عِنْدَ كَتِفِي وَهِيَ أَخَصُّ وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قل لأَصْحَابه إِنَّمَا جعلتكم عِنْد كَتِفَيْهِ لِتَرُدُّوا عَلَيْهِ كَذِبًا إِنْ قَالَهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ هَذَا الرَّجُلِ أَشَارَ إِلَيْهِ إِشَارَةَ الْقُرْبِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِذِكْرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ فِي أَذْهَانِهِمْ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي مُعَادَاتِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ بن إِسْحَاقَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَجَعَلْتُ أُزَهِّدُهُ فِي شَأْنِهِ وَأُصَغِّرُ أَمْرَهُ وَأَقُولُ إِنَّ شَأْنَهُ دُونَ مَا بَلَغَكَ فَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ كَذَبَنِي بِالتَّخْفِيفِ فَكَذِّبُوهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ يَقُولُ لَكُمْ ذَلِكَ وَلَمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ مَجَالِسَ الْأَكَابِرِ لَا يُوَاجَهُ أَحَدٌ فِيهَا بِالتَّكْذِيبِ احْتِرَامًا لَهُمْ أَذِنَ لَهُمْ هِرَقْلُ فِي ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي أَرَادَهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ كَذَبَ بِالتَّخْفِيفِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِثْلَ صَدَقَ تَقُولُ كَذَبَنِي الْحَدِيثَ وَصَدَقَنِي الْحَدِيثَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ وَكَذَّبَ بِالتَّشْدِيدِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مِنْ غَرَائِبِ الْأَلْفَاظِ لِمُخَالَفَتِهِمَا الْغَالِبَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُنَاسِبُ الزِّيَادَةَ وَبِالْعَكْسِ وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ .

     قَوْلُهُ  وأيم الله بِالْهَمْز وَبِغير الْهَمْز وَفِيهَا لُغَاتٌ أُخْرَى تَقَدَّمَتْ .

     قَوْلُهُ  يُؤْثَرُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يُنْقَلُ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ حَسَبُهُ كَذَا هُنَا وَفِي غَيْرِهَا كَيْفَ نَسَبُهُ وَالنَّسَبُ الْوَجْهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِدْلَاءُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ وَالْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْمَرْءُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ وَقَولُهُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ فِي غَيْرِهَا ذُو نَسَبٍ وَاسْتُشْكِلَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ السُّؤَالَ تَضَمَّنَ أَنَّ لَهُ نَسَبًا أَوْ حَسَبًا وَالْجَوَابَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّنْوِينَ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ كَبِيرٍ أَوْ حسب رفيع وَوَقع فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ فِي الذِّرْوَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَعْلَى مَا فِي الْبَعِيرِ مِنَ السَّنَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ مِنْ أَعْلَانَا نَسَبًا وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ حَدِّثْنِي عَنْ هَذَا الَّذِي خَرَجَ بِأَرْضِكُمْ مَا هُوَ قَالَ شَابٌّ قَالَ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ هُوَ فِي حَسَبِ مَا لَا يَفْضُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالَ هَذِهِ آيَةٌ .

     قَوْلُهُ  هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ آبَائِهِ وَمَلِكٌ هُنَا بِالتَّنْوِينِ وَهِيَ تُؤَيِّدُ أَنَّ الرِّوَايَةَ السَّابِقَةَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ مِنْ مَلِكٍ لَيْسَتْ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ كَذَا فِيهِ بِإِسْقَاط همزَة الِاسْتِفْهَام وَقد جزم بن مَالِكٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالشِّعْرِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ هَلْ يَرْتَدُّ إِلَخْ إِنَّمَا لَمْ يَسْتَغْنِ هِرَقْلُ بِقَوْلِهِ بَلْ يَزِيدُونَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ لِأَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الِارْتِدَادِ وَالنَّقْصِ فَقَدْ يَرْتَدُّ بَعْضُهُمْ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِمُ النَّقْصُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ مَنْ يَدْخُلُ وَقِلَّةِ مَنْ يَرْتَدُّ مَثَلًا .

     قَوْلُهُ  سَخْطَةً لَهُ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الشَّيْءِ عَلَى بَصِيرَةٍ يَبْعُدُ رُجُوعُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ صَمِيمِ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ يَتَزَلْزَلُ بِسُرْعَةٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَالُ مَنِ ارْتَدَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَلِهَذَا لَمْ يُعَرِّجْ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى ذِكْرِهِمْ وَفِيهِمْ صِهْرُهُ زَوْجُ ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَإِنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ إلىالحبشة بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ تَنَصَّرَ بِالْحَبَشَةِ وَمَاتَ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ وَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بَعْدَهُ وَكَأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَغَيْرُهُ مِنْ قُرَيْشٍ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يُكَذِّبُوهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوهُ بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ التَّنَصُّرِ وَفِيهِ بُعْدٌ أَوِ الْمُرَادُ بِالِارْتِدَادِ الرُّجُوعُ إِلَى الدِّينِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَلَمْ يَطَّلِعْ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ زَادَ فِي حَدِيثِ دِحْيَةَ أَرَأَيْتَ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَيْكُمْ هَلْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ نَسَبَ ابْتِدَاءَ الْقِتَالِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَقُلْ قَاتَلَكُمْ فَيُنْسَبُ ابْتِدَاءُ الْقِتَالِ إِلَيْهِ مُحَافَظَةً عَلَى احْتِرَامِهِ أَوْ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَبْدَأُ قَوْمَهُ بِالْقِتَالِ حَتَّى يُقَاتِلُوهُ أَوْ لِمَا عَرَفَهُ مِنَ الْعَادَةِ مِنْ حَمِيَّةِ مَنْ يُدْعَى إِلَى الرُّجُوعِ عَنْ دِينِهِ وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ هَلْ يُنْكَبُ إِذَا قَاتَلَكُمْ قَالَ قَدْ قَاتَلَهُ قَوْمٌ فَهَزَمَهُمْ وَهَزَمُوهُ قَالَ هَذِهِ آيَةٌ .

     قَوْلُهُ  يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ وَقَعَتِ الْمُقَاتَلَةُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي بَدْرٍ وَعَكْسُهُ فِي أُحُدٍ وَأُصِيبَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ نَاسٌ قَلِيلٌ فِي الْخَنْدَقِ فَصَحَّ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ تَعَقَّبَ كَلَامَهُ وَأَنَّ فِيهِ دَسِيسَةً لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى قَوْلِهِ وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَدُسَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ شَيْئًا وَقَدْ ثَبَتَ مِثْلُ كَلَامِهِ هَذَا مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ ذَكَرَ الْأَسْئِلَةَ وَالْأَجْوِبَةَ عَلَى تَرْتِيبِ مَا وَقَعَتْ وَأَجَابَ عَنْ كُلِّ جَوَابٍ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَحَاصِلُ الْجَمِيعِ ثُبُوتُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْجَمِيعِ فَالْبَعْضُ مِمَّا تَلَقَّفَهُ مِنَ الْكُتُبِ وَالْبَعْضُ مِمَّا اسْتَقْرَأَهُ بِالْعَادَةِ وَوَقَعَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ إِعَادَةُ الْأَجْوِبَةِ مُشَوَّشَةَ التَّرْتِيبِ وَهُوَ مِنَ الرَّاوِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْهَا وَاحِدَةً وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ إِلَخْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ شَيْءٌ خَالَفَتْ فِيهِ مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّهُ أَضَافَ قَول بِمَ يَأْمُرُكُمْ إِلَى بَقِيَّةِ الْأَسْئِلَةِ فَكَمُلَتْ بِهَا عَشَرَةً.

.
وَأَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ أَخَّرَ قَوْلَهُ بِمَ يَأْمُرُكُمْ إِلَى مَا بَعْدَ إِعَادَةِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ وَمَا رُتِّبَ عَلَيْهَا وَقَولُهُ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ أَيْ قُلْ لِأَبِي سُفْيَانَ إِنِّي سَأَلْتُكَ أَيْ قُلْ لَهُ حَاكِيًا عَنْ هِرَقْلَ إِنِّي سَأَلْتُكَ أَوِ الْمُرَادُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَلَى لِسَانِ هِرَقْلَ لِأَنَّ التُّرْجُمَانَ يُعِيدُ كَلَامَ هِرَقْلَ وَيُعِيدُ لِهِرَقْلَ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هِرَقْلُ كَانَ يَفْقَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَأْنَفُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِغَيْرِ لِسَانِ قَوْمِهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُلُوكِ مِنَ الْأَعَاجِمِ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ أَيْ.

.

قُلْتُ فِي نَفْسِي بن وَأَطْلَقَ عَلَى حَدِيثِ النَّفْسِ قَوْلًا .

     قَوْلُهُ  مُلْكَ أَبِيهِ أَفْرَدَهُ لِيَكُونَ أَعْذَرَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مُلْكَ آبَائِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْأَبِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازُهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ يُرَجِّحُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ حَتَّى يُخَالِطَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ حِينَ كَمَا لِلْأَكْثَرِ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ إِلَخْ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ فَقُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ إِلَخْ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِطْلَاقِ الْأَمْرِ عَلَى صِيغَةِ افْعَلْ وَعَلَى عَكْسِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ من تصرف الروَاة وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن المأموارت كُلَّهَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ هِرَقْلَ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهُ عَنْ حَقَائِقِهَا .

     قَوْلُهُ  إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ وَفِي مُرْسل سعيد بن الْمسيب عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ فَقَالَ هُوَ نَبِيٌّ وَوَقَعَ فِي أَمَالِي الْمَحَامِلِيِّ رِوَايَةَ الْأَصْبَهَانِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ صَاحِبَ بُصْرَى أَخَذَهُ وَنَاسًا مَعَهُ وَهُمْ فِي تِجَارَةٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةً دُونَ الْكِتَابِ وَمَا فِيهِ وَزَادَ فِي آخِرِهَا قَالَ فَأَخْبَرَنِي هَلْ تَعْرِفُ صُورَتَهُ إِذَا رَأَيْتَهَا.

.

قُلْتُ نَعَمْ فَأُدْخِلْتُ كَنِيسَةً لَهُمْ فِيهَا الصُّوَرُ فَلَمْ أَرَهُ ثُمَّ أُدْخِلْتُ أُخْرَى فَإِذَا أَنَا بِصُورَةِ مُحَمَّدٍ وَصُورَةِ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا أَنَّهُ دُونَهُ وَفِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ إِنَّ هِرقل أخرج لَهُم سقطا مِنْ ذَهَبٍ عَلَيْهِ قُفْلٌ مِنْ ذَهَبٍ فَأَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً مَطْوِيَّةً فِيهَا صُوَرٌ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ كَانَ آخِرُهَا صُورَةَ مُحَمَّدٍ فَقُلْنَا بِأَجْمَعِنَا هَذِهِ صُورَةُ مُحَمَّدٍ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهَا صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُ خَاتَمُهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ أَيْ أَعْلَمُ أَنَّ نَبِيًّا سَيُبْعَثُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَكِنْ لَمْ أَعْلَمْ تَعْيِينَ جِنْسِهِ وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اعْتِمَادَ هِرَقْلَ فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَهِيَ طَافِحَةٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ الَّذِي يخرج فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ أَيْ مِنْ قُرَيْشٍ .

     قَوْلُهُ  لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ لَتَجَشَّمْتُ بِجِيمٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْ تَكَلَّفْتُ وَرَجَّحَهَا عِيَاضٌ لَكِنْ نَسَبَهَا لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَاصَّةً وَهِيَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ أَيْ تَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَارْتَكَبْتُ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ أُقْتَطَعَ دُونَهُ قَالَ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذَا لِأَنَّهُ عَرَفَ صِفَةَ النَّبِيِّ لَكِنَّهُ شَحَّ بِمُلْكِهِ وَرَغِبَ فِي بَقَاء رياسته فآثرها وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَذَا قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ النَّوَوِيَّ عَنَى مَا وَقَعَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ مِنَ الْقِصَّةِ الَّتِي حَكَاهَا بن النَّاطُورِ وَأَنَّ فِي آخِرِهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ إِنِّي.

.

قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ وَزَادَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ فَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ أَشَارَ إِلَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ شَحَّ بِمُلْكِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هِرَقْلَ هُوَ الَّذِي قَرَأَ الْكِتَابَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التُّرْجُمَانُ قَرَأَهُ وَنُسِبَتْ قِرَاءَتُهُ إِلَى هِرَقْلَ مَجَازًا لِكَوْنِهِ الْآمِرَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ بِلَفْظِ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ وَفِي مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَدَعَا التُّرْجُمَانَ الَّذِي يَقْرَأُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَرَأَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ فِي أَوَّلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أحدا من قومه لأسالهم عَنهُ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هِرَقْلَ قَرَأَهُ بِنَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ لَمَّا جَمَعَ قَوْمَهُ وَأَحْضَرَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ وَسَأَلَهُ وَأَجَابَهُ أَمَرَ بِقِرَاءَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَمِيعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا فَقَالَ حِينَ قَرَأَهُ أَيْ قَرَأَ عُنْوَانَ الْكِتَابِ لِأَنَّ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْتُومًا بِخَتْمِهِ وَخَتْمُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلِهَذَا قَالَ إِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْئِلَةِ قَوْلَ هِرَقْلَ بِمَ يَأْمُرُكُمْ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَهَذَا بِعَيْنِهِ فِي الْكِتَابِ فَلَوْ كَانَ هِرَقْلُ قَرَأَهُ أَوَّلًا مَا أحتاج إِلَى السُّؤَال عَنهُ ثَانِيًا نعم يحْتَمل أَن يكون سَأَلَ عَنهُ ثَانِيًا مُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ مُكَاتَبَةِ الْكُفَّارِ وَدُعَاؤُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَمَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَجَبَ إِنْذَارُهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَإِلَّا اسْتُحِبَّ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي بَعْثِ الْكِتَابِ مَعَ دِحْيَةَ وَحْدَهُ فَائِدَةٌ وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْخَطِّ إِذَا قَامَتِ الْقَرَائِنُ بِصِدْقِهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَصْدِيرِ الْكُتُبِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِ كَافِرًا وَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ أَيْ بِذِكْرِ اللَّهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ رُوِيَ عَلَى أَوْجُهٍ بِذِكْرِ اللَّهِ بِبِسْمِ اللَّهِ بِحَمْدِ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا الْكِتَابُ كَانَ ذَا بَالٍ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ وَلَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِلَفْظِ الْحَمْدِ بَلْ بِالْبَسْمَلَةِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَصَححهُ بن حِبَّانَ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّته فَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِيهِ بِلَفْظ حمد الله وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ وَرَدَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ ثُمَّ اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامَّا لَكِنْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى تَقَدُّمِ الْخُطْبَةِ.

.
وَأَمَّا الْمُرَاسَلَاتُ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا الْعُرْفِيَّةُ بِابْتِدَائِهَا بِذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا بِلَفْظِ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ فَالِابْتِدَاءُ بِالْحَمْدِ وَاشْتِرَاطُ التَّشَهُّدِ خَاصٌّ بِالْخُطْبَةِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فَبَعْضُهَا يَبْدَأُ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ تَامَّةً كَالْمُرَاسَلَاتِ وَبَعْضُهَا بِبِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ كَمَا فِي أَوَّلِ الْجِمَاعِ وَالذَّبِيحَةِ وَبَعْضُهَا بِلَفْظٍ مِنَ الذِّكْرِ مَخْصُوصٍ كَالتَّكْبِيرِ وَقَدْ جُمِعَتْ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَقَعْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدِ بَلْ بِالْبَسْمَلَةِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْكِتَابِ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ الْقُرْآنَ وَمَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْجِهَادِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَمَا يَرِدُ عَلَيْهِ بِمَا أَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ هَذَا كِتَابٌ لَمْ أَسْمَعْهُ بَعْدَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الِابْتِدَاءَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَخْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَفِي الْجِهَادِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ وَإِنْ كَانُوا أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ فَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَقْرُونٌ بِأَنَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكَأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى بُطْلَانِ مَا تَدَّعِيهِ النَّصَارَى فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ الْقَارِئَ لَمَّا قَرَأَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى عَظِيمِ الرُّومِ غَضِبَ أَخُو هِرَقْلَ وَاجْتَذَبَ الْكِتَابَ فَقَالَ لَهُ هِرقل مَالك فَقَالَ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَسَمَّاكَ صَاحِبَ الرُّومِ فَقَالَ هِرَقْلُ إِنَّكَ لَضَعِيفُ الرَّأْيِ أَتُرِيدُ أَنْ أَرْمِيَ بِكِتَابٍ قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ مَا فِيهِ لَئِنْ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَأَحَقُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَلَقَدْ صَدَقَ أَنَا صَاحِبُ الرُّومِ وَاللَّهُ مَالِكِي وَمَالِكُهُمْ وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ دِحْيَةَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ إِلَى هِرَقْلَ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَعْطَيْتُهُ الْكتاب وَعِنْده بن أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبْطُ الرَّأْسِ فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب نخر بن أَخِيهِ نَخْرَةً فَقَالَ لَا تَقْرَأْ فَقَالَ قَيْصَرُ لِمَ قَالَ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الرُّومِ وَلَمْ يَقُلْ مَلِكُ الرُّومِ قَالَ اقْرَأْ فَقَرَأَ الْكِتَابَ .

     قَوْلُهُ  إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ عَظِيمِ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ وَيَجُوزُ الرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمُرَادُ مَنْ تُعَظِّمُهُ الرُّومُ وَتُقَدِّمُهُ لِلرِّيَاسَةِ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  أَمَّا بَعْدُ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ فِي بَابِ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ الْإِشَارَةُ إِلَى عَدَدِ مَنْ رَوَى مِنَ الصَّحَابَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَتَوْجِيهُهَا وَنَقَلْتُ هُنَاكَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ إِنَّ مَعْنَى أَمَّا بَعْدُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ وَأَقُولُ هُنَا سِيبَوَيْهِ لَا يَخُصُّ ذَلِكَ بِقَوْلِنَا أَمَّا بَعْدُ بَلْ كُلُّ كَلَامٍ أَوَّلُهُ أَمَّا وَفِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ قَالَهُ فِي مِثْلِ أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَمُنْطَلِقٌ وَالْفَاءُ لَازِمَةٌ فِي أَكْثَرِ الْكَلَامِ وَقَدْ تُحْذَفُ وَهُوَ نَادِرٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ أَمَّا لِلتَّفْصِيلِ فَأَيْنَ الْقَسِيمُ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَهُوَ بِسْمِ اللَّهِ.

.
وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَهُوَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَخْ.

.
وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ بِهِ فَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ تَوْجِيهٌ مَقْبُولٌ لَكِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَمَعْنَاهَا الْفَصْلُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ قَالَهَا فَقِيلَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ وَقِيلَ سَحْبَانُ وَفِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَهَا فَإِنْ ثَبَتَ وَقُلْنَا إِنَّ قَحْطَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ فَيَعْقُوبُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ قَحْطَانَ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَعْرُبُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَسْلِمْ تَسْلَمْ فِيهِ بِشَارَةٌ لِمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنَ الْآفَاتِ اعْتِبَارًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهِرَقْلَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحُكْمِ الْآخَرِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  أَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأَنَّهُ أَعَادَ أَسْلِمْ تَأْكِيدًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  أَسْلِمْ أَوَّلًا أَيْ لَا تَعْتَقِدْ فِي الْمَسِيحِ مَا تَعْتَقِدُهُ النَّصَارَى وَأَسْلِمْ ثَانِيًا أَيِ ادْخُلْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ تَنْبِيهٌ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْكِتَابِ بِدُعَائِهِ إِلَى الشَّهَادَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ لَكِنَّ ذَلِكَ مُنْطَوٍ فِي قَوْلِهِ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَفِي قَوْلِهِ أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ وَفِي قَوْلِهِ أَسْلِمْ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَشَرْحُهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَوَجَدْتُهُ هُنَاكَ فِي أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَحَكَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْضًا صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَغَيْرُهُ وَفِي أُخْرَى الْأَرِيسِينَ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ أَرَسَ يَأْرِسُ بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ أَرِيسٌ وَأَرَّسَ بِالتَّشْدِيدِ يُؤَرِّسُ فَهُوَ إِرِّيسٌ.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّشْدِيدِ الْأَكَّارُ لُغَةٌ شَامِيَّةٌ وَكَانَ أَهْلُ السَّوَادِ أَهْلَ فِلَاحَةٍ وَكَانُوا مَجُوسًا وَأَهْلُ الرُّومِ أَهْلَ صِنَاعَةٍ فَأُعْلِمُوا بِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا مِنَ الْإِثْمِ إِثْمَ الْمَجُوسِ انْتَهَى وَهَذَا تَوْجِيهٌ آخَرُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ يُنْسَبُونَ إِلَى عبد الله بن أريس رجل كَانَ تُعَظِّمُهُ النَّصَارَى ابْتَدَعَ فِي دِينِهِمْ أَشْيَاءَ مُخَالِفَةً لِدِينِ عِيسَى وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ بُعِثَ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ فَقَتَلُوهُ فَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا فَإِنَّ عَلَيْك مثل إِثْم الاريسيين وَذكر بن حَزْمٍ أَنَّ أَتْبَاعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرِيسٍ كَانُوا أَهْلَ مَمْلَكَةِ هِرَقْلَ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ كَانُوا قَلِيلًا وَمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ رَأْيَهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ التَّثْلِيثَ وَمَا أَظُنُّ قَوْلَ بن حَزْمٍ إِلَّا عَنْ أَصْلٍ فَإِنَّهُ لَا يُجَازِفُ فِي النَّقْلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ الْيَرِيسِيِّينَ بِتَحْتَانِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ وَكَأَنَّهُ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ.

     وَقَالَ  بن سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ الْأَرِيسُ الْأَكَّارُ عِنْدَ ثَعْلَبٍ وَالْأَمِينُ عِنْدَ كُرَاعٍ فَكَأَنَّهُ مِنَ الْأَضْدَادِ أَيْ يُقَالُ لِلتَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ وَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ صَالِحٌ عَلَى الرَّأْيَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّابِعَ فَالْمَعْنَى إِنَّ عَلَيْكَ مِثْلُ إِثْمِ التَّابِعِ لَكَ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَتْبُوعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْمَتْبُوعِينَ وَإِثْمُ الْمَتْبُوعِينَ يُضَاعَفُ بِاعْتِبَارِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ عَدَمِ الْإِذْعَانِ إِلَى الْحَقِّ مِنْ إِضْلَالِ أَتْبَاعِهِمْ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ نَبَّهَ بِذِكْرِ الْفَلَّاحِينَ عَلَى بَقِيَّةِ الرَّعِيَّةِ لِأَنَّهُمُ الْأَغْلَبُ وَلِأَنَّهُمْ أَسْرَعُ انْقِيَادًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مِنَ الرَّعَايَا غَيْرِ الْفَلَّاحِينَ مَنْ لَهُ صَرَامَةٌ وَقُوَّةٌ وَعَشِيرَةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ الْفَلَّاحِينَ فِي الْإِسْلَامِ دُخُولُ بَقِيَّةِ الرَّعَايَا حَتَّى يَصِحَّ أَنَّهُ نَبَّهَ بِذِكْرِهِمْ عَلَى الْبَاقِينَ كَذَا تَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَن مُرَاد النَّوَوِيّ أَنه نبه بِذكر طَائِفَةً مِنَ الطَّوَائِفِ عَلَى بَقِيَّةِ الطَّوَائِفِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِذَا امْتَنَعَتْ كَانَ عَلَيْكَ إِثْمُ كُلِّ مَنِ امْتَنَعَ بِامْتِنَاعِكَ وَكَانَ يُطِيعُ لَوْ أَطَعْتَ الْفَلَّاحِينَ فَلَا وَجْهٌ لِلتَّعَقُّبِ عَلَيْهِ نَعَمْ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ لَيْسَ الْمُرَادُ بالفلاحين الزراعين فَقَطْ بَلِ الْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ إِنْ أَرَادَ بِهِ عَلَى التَّقْرِيرِ الَّذِي قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ النَّوَوِيِّ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُعْتَرَضٌ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَيْضًا أَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ هُمُ الْخَوَلُ وَالْخَدَمُ وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْخَوَلِ مَا هُوَ أَعَمُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَحْكُمُ الْمَلِكُ عَلَيْهِ وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْأَرِيسِيِّينَ قَوْمٌ مِنَ الْمَجُوسِ كَانُوا يَعْبُدُونَ النَّارَ وَيُحَرِّمُونَ الزِّنَا وَصِنَاعَتُهُمُ الْحِرَاثَةُ وَيُخْرِجُونَ الْعُشْرَ مِمَّا يَزْرَعُونَ لَكِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَوْقُوذَةَ وَهَذَا أَثْبَتُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ فَإِنَّ عَلَيْكَ مِثْلَ إِثْمِ الْأَرِيسِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا فَرَغَ أَيِ الْقَارِئُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ هِرَقْلَ وَنَسَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ مَجَازًا لِكَوْنِهِ الْآمِرَ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَهُ عِنْدَهُ فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ لِهِرَقْلَ جَزْمًا .

     قَوْلُهُ  ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَوَقَعَ فِي الْجِهَادِ فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا لَكِنْ يُعْرَفُ مِنْ قَرَائِنِ الْحَالِ أَنَّ اللَّغَطَ كَانَ لِمَا فَهِمُوهُ مِنْ هِرَقْلَ مِنْ مَيْلِهِ إِلَى التَّصْدِيقِ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ أَمر أَمر بن أَبِي كَبْشَةَ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأَنَّ أَمِرَ الْأَوَّلَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَالثَّانِي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ رُوِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ كُرَاعٌ فِي الْمُجَرَّدِ وَرِعَ أَمِرُ بِفَتْحٍ ثُمَّ كَسْرٍ أَيْ كَثِيرٌ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْمَعْنَى لقد كثر كثيرا بن أَبِي كَبْشَةَ وَفِيهِ قَلَقٌ وَفِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الثَّانِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَإِنَّهُ قَالَ أَمَرَةٌ عَلَى وَزْنِ بَرَكَةٍ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ لَقَدْ أَمِرَ أَمَرُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى هَكَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ سِرَاجُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ وَرَدَّهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ إِنَّمَا أَرَادَ تَفْسِيرَ اللَّفْظَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَمِرَ بِفَتْحٍ ثُمَّ كَسْرٍ وَأَنَّ مَصْدَرَهَا أَمَرٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْأَمَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الْكَثْرَةُ وَالْعِظَمُ وَالزِّيَادَةُ وَلَمْ يُرِدْ ضَبْطَ اللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الزُّهْرِيُّ فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ إِلَخْ هَذِهِ قِطْعَةٌ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ عَقِبَ الْقِصَّةِ الَّتِي حَكَاهَا بن النَّاطُورِ وَقَدْ بَيَّنَ هُنَاكَ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَاهُمْ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنَّ رَجَعَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَاتَبَ صَاحِبَهُ الَّذِي بِرُومِيَّةَ فَجَاءَهُ جَوَابُهُ يُوَافِقُهُ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى هَذَا فَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَدَعَا فَصَيْحَةٌ وَالتَّقْدِيرُ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ فَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِهِ بِرُومِيَّةَ فَجَاءَهُ جَوَابُهُ فَدَعَا الرُّومَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي سيرة بن إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بَعْضُ الْقِصَّةِ الَّتِي حَكَاهَا الزُّهْرِيّ عَن بن النَّاطُورِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ حَكَى قِصَّةَ الْكِتَابِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أُسْقُفٌّ مِنَ النَّصَارَى قَدْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ بن النَّاطُورِ وَقِصَّةُ الْكِتَابِ إِنَّمَا ذَكَرَهَا الزُّهْرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ وَقَدْ فَصَّلَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ الْحَدِيثَ تَفْصِيلًا وَاضِحًا وَهُوَ أوثق من بن إِسْحَاق وأتقن فروايته هِيَ المحفوظة وَرِوَايَة بن إِسْحَاقَ شَاذَّةٌ وَمَحَلُّ هَذَا التَّنْبِيهِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ لَكِنْ فَاتَ ذِكْرُهُ هُنَاكَ فَاسْتَدْرَكْتُهُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ فَقَالَ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّهُ جَمَعَهُمْ فِي مَكَانٍ وَكَانَ هُوَ فِي أَعْلَاهُ فَاطلع عَلَيْهِم وَصَنَعَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُنْكِرُوا مَقَالَتَهُ فَيُبَادِرُوا إِلَى قَتْلِهِ .

     قَوْلُهُ  آخِرَ الْأَبَدِ أَيْ يَدُومُ مُلْكُكُمْ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ عَرَفَ مِنَ الْكُتُبِ أَنْ لَا أُمَّةَ بَعْدَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا دِينَ بَعْدَ دِينِهَا وَأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِيهِ آمَنَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ عَلَيَّ بِهِمْ فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَرَدُّوهُمْ فَقَالَ قَوْله فقد رَأَيْت مِنْكُم الَّذِي أَحْبَبْت يُفَسر مَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ فَقَدْ رَأَيْتُ وَاكْتَفَى بِذَلِكَ عَمَّا بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمُ السُّجُودُ لِمُلُوكِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى تَقْبِيلِهِمُ الْأَرْضَ حَقِيقَةً فَإِنَّ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ رُبَّمَا صَارَ غَالِبًا كَهَيْئَةِ السَّاجِدِ وَأَطْلَقَ أَنَّهُمْ رَضُوا عَنْهُ بِنَاءً عَلَى رُجُوعِهِمْ عَمَّا كَانُوا هَمُّوا بِهِ عِنْدَ تَفَرُّقِهِمْ عَنْهُ مِنَ الْخُرُوجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْبُدَاءَةُ بِاسْمِ الْكَاتِبِ قَبْلَ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ مِنَ الْعَلَاءِ إلىمحمد رَسُولِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  مَيْمُونٌ كَانَتْ عَادَةُ مُلُوكِ الْعَجَمِ إِذَا كَتَبُوا إِلَى مُلُوكِهِمْ بَدَءُوا بِاسْمِ مُلُوكِهِمْ فَتَبِعَتْهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ.

.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام أَن بن عُمَرَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَدَأَ بِاسْمِ مُعَاوِيَةَ وَإِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ كَذَلِكَ وَكَذَا جَاءَ عَنْ زيد بن ثَابت إِلَى مُعَاوِيَة وَعند الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَ عَلِيًّا وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدٌ فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَبَدَأَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَمَّا بعد فِي كتاب الْجُمُعَة

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ} سَوَاءٌ: قَصْدٌ
هذا ( باب) بالتنوين وسقط لغير أبي ذر ( { قُل يا أهل الكتاب} ) هم نصارى نجران أو يهود المدينة أو الفريقان لعموم اللفظ ( { تعالوا} ) أي هلموا ( { إلى كلمة} ) من إطلاقها على الجمل المفيدة ثم وصفها بقوله تعالى: ( { سواء بيننا وبينكم} ) أي عدل ونصف نستوي نحن وأنتم فيها ثم فسرها بقوله: ( { أن لا نعبد إلا الله} ) [آل عمران: 64] الآية ( { سواء} ) بالجر على الحكاية ولأبي ذر: سواء بالنصب أي استوت استواء ويجوز الرفع قال أبو عبيدة أي ( قصد) بالجر أو قصد بالنصب كما لأبي ذر وبالرفع كما مر في سواء.


[ قــ :4301 ... غــ : 4553 ]
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ عَنْ مَعْمَرٍ ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، حَدَّثَنِي
ابْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّاْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هِرَقْلَ قَالَ: وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ قَالَ: فَقَالَ هِرَقْلُ هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا.
فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللَّهِ لَوْلاَ أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ:.

.

قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قَالَ: قُلْتُ.
لاَ، قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ:.

.

قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ قَالَ:.

.

قُلْتُ لاَ، بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ:.

.

قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ:.

.

قُلْتُ تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، لاَ نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي، مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ، أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ؟ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لاَ يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ قَالَ: هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ،.

.

قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ، قِيلَ قَبْلَهُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ:.

.

قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّلَةِ، وَالْعَفَافِ.
قَالَ: إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّي
أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ} -إِلَى قَوْلِهِ- { اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا قَالَ: فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ قَالَ: فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِقَتْ فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمْ فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) أبو إسحاق الفراء الرازي الصغير ( عن هشام) هو ابن يوسف الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد.
قال المؤلّف: ( وحدّثني) بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا ( عبد الرزاق) بن همام قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد المذكور ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين مصغرًا ( ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن عباس قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا ( أبو سفيان) صخر بن حرب حال كونه ( من فيه إلى فيّ) عبر بفيه موضع أذنه إشارة إلى تمكنه من الإصغاء إليه بحيث يجيبه إذا احتاج إلى الجواب ( قال: انطلقت فى المدة التي كانت بيني وبين رسول الله) ولأبي ذر وبين النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مدة الصلح بالحديبية على وضع الحرب عشر سنين ( قال: فبينا) بغير ميم ( أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل) الملقب قيصر عظيم الروم ( قال) أبو سفيان: ( وكان دحية) بن خليفة ( الكلبي جاء به) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آخر سنة ست ( فدفعه) دحية ( إلى عظيم) أهل ( بصرى) الحرث بن أبي شمر الغساني ( فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل) فيه مجاز لأنه أرسل به إليه صحبة عدي بن حاتم كما عند ابن السكن في الصحابة.

( قال) أبو سفيان: ( فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقالوا: نعم.
قال)
أبو سفيان: ( فدعيت) بضم الدال مبنيًا للمفعول ( في) أي مع ( نفر) ما بين
الثلاثة إلى العشرة ( من قريش فدخلنا على هرقل) الفاء فصيحة أفصحت عن محذوف أي فجاءنا رسول هرقل فطلبنا فتوجهنا معه حتى وصلنا إليه فاستأذن لنا فأذن لنا فدخلنا عليه ( فأجلسنا بين يديه) بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام وسكون السين ( فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا) أي أقربهم نسبًا واختار هرقل ذلك لأن الأقرب أحرى بالإطلاع على قريبه من غيره ( فأجلسوني بين يديه) أي يدي هرقل ( وأجلسوا أصحابي) القرشيين ( خلفي) .
وعند الواقدي فقال لترجمانه قل لأصحابه إنما جعلتكم عند كتفيه لتردوا عليه كذبًا إن قاله ( ثم دعا بترجمانه) الذي يفسر لغة بلغة ( فقال) له: ( قل لهم إني سائل) بالتنوين ( هذا) أي أبا سفيان ( عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي) أشار إليه إشارة القريب لقرب العهد بذكره ( فإن كذبني) بتخفيف المعجمة أي نقل إليّ الكذب ( فكذبوه) بتشديدها مكسورة يتعدى إلى مفعول واحد والمخفف إلى مفعولين تقول كذبني الحديث وهذا من الغرائب.

( قال أبو سفيان: وأيم الله) بالهمزة وبغيره ( لولا أن يؤثروا) بضم التحتية وكسر المثلثة بصيغة الجمع ( علي الكذب) نصب على المفعولية ولأبي ذر: أن يؤثر بفتح المثلثة مع الإفراد مبنيًّا للمفعول عليّ الكذب رفع مفعول ناب عن الفاعل أي لولا أن يرووا ويحكوا عني الكذب وهو قبيح ( لكذبت) أي عليه ( ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم) ؟ وفي كتاب الوحي: كيف نسبه فيكم؟ والحسب ما بعده الإنسان من مفاخر آبائه قاله الجوهري، والنسب: الذي يحصل به الإدلاء من جهة الآباء ( قال) أبو سفيان: ( قلت هو فينا ذو حسب) رفيع، وعند البزار من حديث دحية قال: كيف حسبه فيكم؟ قال: هو في حسب ما لا يفضل عليه أحد.
( قال: فهل) ولأبي ذر: هل ( كان من) وللمستملي في ( آبائه ملك؟) بفتح الميم وكسر اللام ( قال) أبو سفيان: ( قلت: لا.
قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب)
على الناس ( قبل أن يقول ما قال؟) قال أبو سفيان ( قلت: لا.
قال: أيتبعه)
بتشديد المثناة الفوقية وهمزة الاستفهام ( أشراف الناس أم ضعفاؤهم.
قال)
أبو سفيان: ( قلت: بل ضعفاؤهم.
قال)
هرقل: ( يزيدون أو ينقصون) بحذف همزة الاستفهام وجوزه ابن مالك مطلقًا خلافًا لمن خصه بالشعر ( قال) أبو سفيان: ( قلت: لا) ينقصون ( بل يزيدون.
قال)
هرقل: ( هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟) بضم السين وفتحها والنصب مفعولًا لأجله أو حالًا وقال العيني: السخطة بالتاء إنما هي بفتح السين فقط أي هل يرتد أحد منهم كراهة لدينه وعدم رضا ( قال) أبو سفيان ( قلت: لا.
قال: فهل قاتلتموه؟ قال)
أبو سفيان ( قلت: نعم) قاتلناه ( قال) هرقل: ( فكيف كان قتالكم إياه؟) بفصل ثاني الضميرين ( قال) أبو سفيان ( قلت: تكون) بالفوقية ( الحرب بيننا وبينه سجالًا) بكسر السين وفتح الجيم أي نوبًا أي نوبة له ونوبة لنا كما قال ( يصيب منا ونصيب منه) وقد كانت المقاتلة وقعت بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم في بدر فأصاب المسلمون منهم وفي أحد فأصاب المشركون من المسلمين وفي الخندق فأصيب من الطائفتين ناس قليل ( قال) هرقل: ( فهل يغدر؟) بكسر الدال أي ينقض العهد ( قال) أبو سفيان: ( قلت: لا) يغدر ( ونحن منه في هذه المدة) مدة صلح الحديبية أو غيبته وانقطاع أخباره
عنا ( لا ندري ما هو صانع فيها) لم يجزم بغدره ( قال) أبو سفيان: ( والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئًا) أنتقصه به ( غير هذه) الكلمة ( قال) هرقل: ( فهل قال هذا القول أحد) من قريش ( قبله؟ قال) أبو سفيان ( قلت: لا ثم قال) هرقل: ( لترجمانه: قل له) أي لأبي سفيان ( إني سألتك) أي قل له حاكيًا عن هرقل إني سألتك أو المراد إني سألتك على لسان هرقل لأن الترجمان يعيد كلام هرقل ويعيد لهرقل كلام أبي سفيان ( عن) رتبة ( حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب) رفيع ( وكذلك الرسل تبعث في) أرفع ( أحساب قومها، وسألتك هل كان في آبائه ملك) بفتح الميم وكسر اللام وإسقاط من الجارة ( فزعمت أن لا، فقلت) أي في نفسي وأطلق على حديث النفس قولاً ( لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه) بالجمع وفي كتاب الوحي ملك أبيه بالإفراد ( وسألتك عن أتباعه) بفتح الهمزة وسكون الفوقية ( أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم) اتبعوه ( وهم أتباع الرسل) عليهم الصلاة والسلام غالبًا بخلاف أهل الإستكبار المصرين على الشقاق بغضًا وحسدًّا كأبي جهل ( وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس) قبل أن يظهر رسالته ( ثم يذهب فيكذب على الله) بعد إظهارها ويذهب ويكذب نصب عند أبي ذر عطفًا على المنصوب السابق ( وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه) الإسلام ( بعد أن يدخل فيه سخطة له) بفتح السين ( فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب) التي يدخل فيها والقلوب بالجر على الإضافة ( وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان) لا يزال في زيادة ( حتى يتم) بالأمور المعتبرة فيه من الصلاة وغيرها ( وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا ينال منكم وتنالون منه) هو معنى قوله في الأول يصيب منا ونصيب منه ( وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة) وهذه الجملة من قوله وسألتك هل قاتلتموه إلى هنا حذفها الراوي في كتاب الوحي ( وسألتك هل يغدر) بكسر الدال ( فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر.
( وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم) وفي كتاب الوحي لقلت رجل يأتسي ( بقول قيل قبله) ذكر الأجوبة على ترتيب الأسئلة.
وأجاب عن كل بما يقتضيه الحال مما دل على ثبوت النبوّة مما رآه في كتبهم أو استقرأه من العادة ولم يقع في بدء الوحي مرتبًا وأخر هنا بقية الأسئلة وهو العاشر إلى بعد الأجوبة كما أشار إليه بقوله:
( قال) أي أبو سفيان: ( ثم قال) أي هرقل: ( بم) بغير ألف بعد الميم ( يأمركم؟ قال) أبو سفيان: ( قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة) للأرحام ( والعفاف) بفتح العين المهملة أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة وزاد في الوحي الجواب عن هذه ( قال) أي هرقل: ( إن يك ما) ولأبي ذر كما ( تقول فيه حقًّا فإنه نبي) وفي دلائل النبوة لأبي نعيم بسند ضعيف أن هرقل أخرج لهم سفطًا من ذهب عليه قفل من ذهب فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم إلى أن كان آخرها صورة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: فقلنا جميعًا هذه صورة محمد فذكر لهم أنها صور الأنبياء وأنه
خاتمهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وقد كنت أعلم أنه خارج) أي أنه سيبعث في هذا الزمان ( ولم أك) بحذف النون ولأبي ذر ولم أكن ( أظنه منكم) معشر قريش ( ولو أني أعلم أني أخلص) بضم اللام أي أصل ( إليه لأحببت لقاءه) وفي بدء الوحي لتجشمت بجيم وشين معجمة أي لتكلفت الوصول إليه ( ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) ما لعله يكون عليهما قاله مبالغة في خدمته ( وليبلغن ملكه ما تحت قدميّ) بالتثنية وزاد في بدء الوحي هاتين أي أرض بيت المقدس أو أرض ملكه.
( قال) أبو سفيان: ( ثم دعا) هرقل ( بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأه) بنفسه أو الترجمان بأمره ( فإذا فيه) ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل عظيم) طائفة ( الروم سلام على من اتبع الهدى) هو كقول موسى وهارون لفرعون والسلام على من اتبع الهدى ( أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام) بكسر الدال المهملة أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة التوحيد ( أسلم) بكسر اللام ( تسلم) بفتحها ( وأسلم) بكسرها توكيد ( يؤتك الله أجرك مرتين) لكونه مؤمنًا بنبيه ثم آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام أو أن إسلامه سبب لإسلام أتباعه والجزم في أسلم على الأمر والثالث تأكيد له والثاني جواب للأوّل ويؤتك بحذف حرف العلة جواب آخر، ويحتمل أن يكون أسلم أوّلًا أي لا تعتقد في المسيح ما يعتقده النصارى وأسلم ثانيًا أي دخل في دين الإسلام ولذا قال: يؤتك الله أجرك مرتين ( فإن توليت فإن عليك) مع إثمك ( إثم الأريسيين) بهمزة وتشديد التحتية بعد السين أي الزراعين نبه بهم على جميع الرعايا وقيل: الأريسيين ينسبون إلى عبد الله بن أريس رجل كان تعظمه النصارى ابتدع في دينه أشياء مخالفة لدين عيسى عليه السلام و ( { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله} ) بدل من كلمة بدل كل من كل إلى قوله: ( { اشهدوا بأنا مسلمون} ) والخطاب في اشهدوا للمسلمين أي فإن تولوا عن هذه الدعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم.

فإن قلت: إن هذه القصة كانت بعد الحديبية وقبل الفتح كما صرح به في الحديث، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران.

وقال الزهري: هم أول من بذل الجزية ولا خلاف أن آية الجزية نزلت بعد الفتح فما الجمع بين كتابة هذه الآية قبل الفتح إلى هرقل في جملة الكتاب، وبين ما ذكره ابن إسحاق والزهري؟
أجيب: باحتمال نزول الآية مرة قبل الفتح، وأخرى بعده وبأن قدوم وفد نجران كان قبل الحديبية وما بذلوه كان مصالحة عن المباهلة لا عن الجزية، ووافق نزول الجزية بعد ذلك على وفق ذلك كما جاء وفق الخمس والأربعة الأخماس وفق ما فعله عبد الله بن جحش في تلك السرية قبل بدر، ثم نزلت فريضة القسم على وفق ذلك، وباحتمال أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بكتابتها قبل نزولها ثم نزل القرآن موافقة له كما نزل بموافقة عمر في الحجاب وفي الأسارى وعدم الصلاة على المنافقين قاله ابن كثير.

( فلما فرغ) هرقل ( من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط) من عظماء الروم ولعله بسبب ما فهموه من ميل هرقل إلى التصديق ( وأمر بنا فأخرجنا) بضم الهمزة وكسر الراء في
الثاني والميم في الأول ( قال) أبو سفيان: ( فقلت لأصحابي) القرشيين ( حين خرجنا) والله ( لقد أمر) بفتح الهمزة مع القصر وكسر الميم أي عظم ( أمر ابن أبي كبشة) بسكون الميم أي شأن ابن أبي كبشة بفتح الكاف وسكون الموحدة كنية أبي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاع الحرث بن عبد العزى كما عند ابن ماكولا وقيل غير ذلك مما سبق في بدء الوحي ( إنه) بكسر الهمزة على الاستئناف ( ليخافه ملك بني الأصفر) وهم الروم قال أبو سفيان ( فما زلت موقنًا بأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام) فأظهرت ذلك اليقين.

( قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( فدعا هرقل) الفاء فصيحة أي فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه ضغاطر الأسقف برومية فجاء جوابه فدعا ( عظماء الروم فجمعهم في دار له) وفي بدء الوحي أنه جمعهم في دسكرة أي قصر حوله بيوت وأغلقه ثم اطلع عليهم من مكان فيه عال خوفًا على نفسه أن ينكروا مقالته فيبادروا إلى قتله ثم خاطبهم ( فقال: يا معشر الروم هل لكم) رغبة ( في الفلاح والرشد) بفتح الراء والمعجمة ولأبي ذر والرشد بضم الراء وسكون المعجمة ( آخر الأبد) أي الزمان ( وأن يثبت لكم ملككم) لأنه علم من الكتب أن لا أمة بعد هذه الأمة ( قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش) بحاء وصاد مهملتين أي نفروا نفرتها ( إلى الأبواب) التي للبيوت الكائنة في الدار الجامعة ليخرجوا منها ( فوجدوها قد غلقت) بضم الغين وكسر اللام مشددة ( فقال) هرقل: ( عليّ بهم) أي أحضروهم لي ( فدعا بهم) فردهم ( فقال) لهم ( إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم) بمقالتي هذه ( فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا له) حقيقة إذ كانت عادتهم ذلك لملوكهم أو كناية عن تقبيلهم الأرض بين يديه لأن فاعل ذلك يصير غالبًا كهيئة الساجد ( ورضوا عنه) أي رجعوا عما كانوا هموا به عند نفرتهم من الخروج عليه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابٌُ: { قُلْ يَا أهْل الكِتابِ تَعَالَوْ إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا الله} (آل عمرَان: 64)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { قل يَا أهل الْكتاب} الْآيَة.
وَهَذَا الْمِقْدَار وَقع من الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا { قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} الْآيَة.
قَوْله: (قل) أَي: يَا مُحَمَّد (يَا أهل الْكتاب) قيل: هم أهل الْكِتَابَيْنِ، وَقيل: وَفد نَجْرَان، وَقيل: يهود الْمَدِينَة.
قَوْله: (إِلَى كلمة) أَرَادَ بهَا الْجُمْلَة المفيدة ثمَّ وصفهَا بقوله: (سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم) نستوي نَحن وَأَنْتُم فِيهَا وفسرها بقوله: (أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا) لَا وثنا وَلَا صنما وَلَا صليبا وَلَا طاغوتا وَلَا نَارا بل نعْبد الله وَحده لَا شريك لَهُ.
وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبابًُُا من دون الله، فَلَا نقُول عُزَيْر ابْن الله.
وَلَا الْمَسِيح ابْن، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بشر مثلنَا (فَإِن توَلّوا فَقولُوا أشهدوا بِأَنا مُسلمُونَ) .

سَوَاءٌ قَصْدا
هَكَذَا وَقع بِالنّصب فِي رِوَايَة أبي، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْجَرِّ فيهمَا على الْحِكَايَة، وَالنّصب قِرَاءَة الْحسن الْبَصْرِيّ.
وَقيل: وَجه النصب على أَنه مصدر تَقْدِيره: اسْتَوَت اسْتِوَاء.
قَوْله: (قصدا) ، تَفْسِير اسْتِوَاء أَي: عدلا.
وَكَذَا فسر أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله: سَوَاء.
أَي: عدل، وَكَذَا أخرجه الطَّبَرِيّ وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الرّبيع بن أنس وَأخرج الطَّبَرِيّ أَيْضا عَن قَتَادَة نَحوه.



[ قــ :4301 ... غــ :4553 ]
- ح دَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى عنْ هِشَامِ عنْ مَعْمَرٍ وحدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيَّ قَال أخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتَيْبَةَ قَالَ حدَّثني ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ حدَّثني أبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إلَى فِيَّ قَالَ انْطَلَقْتُ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَال فَبَيْنَا أنَا بِالشَّامِ إذْ جِيءَ بكتابٍ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى هَرْقَلَ قَالَ وَكَانَ دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ إلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بَصْرَى إلَى هَرْقَلَ قَال فَقَال هِرَقْلُ هَلْ هاهُنَا أحدٌ مِنْ قَوْمِ هاذا الرَّجُلِ يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أيُّكُمْ أقْرَبُ نَسَبا مِنْ هاذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعَمُ أنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أصْحَابِي خَلْفِي ثُمّ دَعَا بِتَرْجُمانِهِ فَقَالَ قُلْ لَهُمْ إنِّي سَائِلٌ هاذا عَنْ هاذا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ فَإنْ كَذَبَنِي فَكَذَّبُوهُ قَالَ أبُو سُفْيَانَ وايْمُ الله لَوْلا أنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْه كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ قَال.

.

قُلْتُ هُوَ فِينا ذُو حَسَبٍ قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قَال.

.

قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكِذِبِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ مَا قَالَ.

.

قُلْتُ لَا قَالَ أيَتَّبِعُهُ أشَرَافُ النَّاسِ أمْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ.

.

قُلْتُ بلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ يَزِيدُونَ أوْ يَنْقُصُونَ قَال.

.

قُلْتُ لَا بَلْ يَزِيدُونَ قَال هَلْ يَرْتَدُّ أحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ قَالَ.

.

قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قَال.

.

قُلْتُ نَعَمْ قَال فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إيَّاهُ قَالَ.

.

قُلْتُ تَكُونُ الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجالاً يُصِيبُ مِنا وَنُصِيبُ مِنْهُ قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قَالَ.

.

قُلْتُ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هاذِهِ المُدَّةِ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا قَالَ وَالله مَا أمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيها شَيْئا غَيْرَ هاذِهِ قَالَ فَهَلَ قَالَ هاذَا القَوْلَ أحَدٌ قَبْلُهُ.

.

قُلْتُ لَا ثُمَّ قَالَ لَتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إنِّي سَألْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أحْسَابِ قَوْمِها وَسألْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ أنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ.

.

قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسألْتُكَ عنْ أتْبَاعِهِ أضُعَفَاؤهُمْ أمْ أشْرَافُهُمْ فَقُلْت بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ وَهُمْ أتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسألْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أنْ لَا فَعَرَفْتُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى الله وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ فَزَعَمْتَ أنْ لَا وَكَذَلِكَ الإيمانُ إذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ القُلُوبِ وَسألْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أمْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الإيمانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجالاً يَنَالُ مِنْكُم وَتَنَالُونَ مِنهُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمْ العاقِبَةُ وَسألْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسألَتُكَ هَلْ قَال أحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ قَال هَذَا الْقَوْل أحَدٌ قَبْلَهُ.

.

قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ قَال ثُمَّ قَالَ بِمَ يَأْمُرُكُمْ قَال.

.

قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ وَالزكاةِ وَالصِّلَةِ وَالعَفَافِ قَالَ إنْ يَك مَا تَقول فِيه حَقا فَإنَّهُ نَبي وَقَدْ كُنْتُ أعْلَمُ أنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أكُ أظُنَّهُ مِنْكُمْ وَلَوْ أنِّي أعْلَمُ أنِّي أخْلُصُ إلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَليَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ قَالَ ثُمَّ دَعا بِكتابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَهُ فَإذَا فِيهِ بِسْمِ الله الرَّحمانِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله إلَى هَرِقَلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أما بَعْدُ فَإنِّي أدعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسْلامِ أسْلِمْ تَسْلَمْ وَأسْلِمْ يُؤْتِكَ الله أجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإنْ تَوَلَيْتَ فَإنَّ عَلَيْكَ إثْمَ الأرِيسيِّينَ وَيَا أهْلَ الكِتَابِ تَعَالوا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أنْ لَا نَعْبُدَ إلاَّ الله إلَى قَوْلِهِ اشْهَدُوا بأنَّا مُسْلِمُونَ فَلَمَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّفْظُ وَأُمِرَ بِنا فَأُخْرِجْنَا قَال فَقُلْتُ لأصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا لَقَدْ أُمِرَ أمْرُ ابنُ أبِي كَبْشَةَ أنَّهُ لَيخافُهُ مَلِكُ بَنِي الأصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنا بأمْرِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيَظْهَرُ حَتَّى أدْخَلَ الله عَلَيَّ الإسْلامَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فَدَعَا هرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاحِ وَالرُّشْدِ آخِرَ الأبَدِ وأنْ يَثبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ قَالَ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إلَى الأبوَابِ فَوَجَدُوها قَدْ غُلِقَتْ فَقَال عَلَيَّ بِهِمْ فَدَعَا بِهِمْ فَقال إنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأيْتُ مِنْكُمْ الَّذِي أحْبَبْتُ فَسَجَدُوا لهُ وَرَضُوا عَنْهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأخرجه من طَرِيقين.
(الأول) : عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أَبُو إِسْحَاق الْفراء عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ.
الخ (وَالْآخر) : عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَقد مر الحَدِيث فِي أول الْكتاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مطولا ولنذكر بعض شَيْء لطول الْمسَافَة.

قَوْله: (من فِيهِ إِلَى فِي) أَي: حَدثنِي حَال كَونه من فَمه إِلَى فمي وَأَرَادَ بِهِ شدَّة تمكنه من الإصغاء إِلَيْهِ.
وَغَايَة قربه من تحديثه، وإلاّ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة أَن يُقَال إِلَى أُذُنِي.
قَوْله: (فِي الْمدَّة) أَي: فِي مُدَّة الْمُصَالحَة.
قَوْله: (فَدُعِيت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (فِي نفر) كلمة فِي بِمَعْنى: مَعَ نَحْو ادخُلُوا فِي أُمَم أَي: مَعَهم، وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير: فَدُعِيت فِي جملَة نفر، والنفر اسْم جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه.
قَوْله: (فَدَخَلْنَا) الْفَاء فِيهِ تسمى فَاء الفصيحة لِأَنَّهَا تفصح عَن مَحْذُوف قبلهَا لِأَن التَّقْدِير: فجاءنا رَسُول هِرقل فطلبنا فتوجهنا مَعَه حَتَّى وصلنا إِلَيْهِ فَاسْتَأْذن لنا فَأذن فَدَخَلْنَا.
قَوْله: (فأجلسنا) بِفَتْح اللَّام جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول.
قَوْله: (إِنِّي سَائل هَذَا) أَي: أَبَا سُفْيَان.
قَوْله: (بترجمانه) هُوَ الَّذِي يترجم لُغَة بلغَة ويفسرها.
قيل إِنَّه عَرَبِيّ.
وَقيل: مُعرب وَهُوَ الْأَشْهر فعلى الأول النُّون زَائِدَة.
قَوْله: (فَإِن كَذبَنِي) بتَخْفِيف الذَّال (فَكَذبُوهُ) بِالتَّشْدِيدِ.
وَيُقَال: كذب.
بِالتَّخْفِيفِ يتَعَدَّى إِلَى مفعولين مثل: صدق تَقول كَذبَنِي الحَدِيث وصدقني الحَدِيث.
قَالَ الله: { لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا} (الْفَتْح: 27) وَكذب بِالتَّشْدِيدِ يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد، وَهَذَا من الغرائب قَوْله: (لَوْلَا أَن يؤثروا عَليّ) ، بِصِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْمَعْلُوم، ويروي: ويؤثر، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة بِصِيغَة الْإِفْرَاد على بِنَاء الْمَجْهُول..
     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: لَوْلَا أَن يؤثروا عني.
أَي: لَوْلَا أَن يؤثروا عني ويحكوا قَوْله: (كَيفَ حَسبه) ؟ والحسب مَا يعده الْمَرْء من مفاخر آبَائِهِ.
فَإِن قلت: ذكر فِي كتاب الْوَحْي، كَيفَ نسبه؟ قلت: الْحسب مُسْتَلْزم للنسب الَّذِي يحصل بِهِ الإدلاء إِلَى جِهَة الْآبَاء قَوْله: (فَهَل كَانَ من آبَائِهِ ملك) وَفِي رِوَايَة غير الْكشميهني (فِي آبَائِهِ ملك) ؟ .
قَوْله: (يزِيدُونَ أَو ينقصُونَ) ؟ كَذَا فِيهِ بِإِسْقَاط همزَة الِاسْتِفْهَام.
وَأَصله أيزيدون أَو ينقصُونَ، ويروى: (أم ينقصُونَ) ..
     وَقَالَ  ابْن مَالك: يجوز حذف همزَة الِاسْتِفْهَام مُطلقًا..
     وَقَالَ  بَعضهم: لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر.
قَوْله: (هَل يرْتَد) ؟ إِلَى آخِره.
فَإِن قلت:؟ لَم لمْ يسْتَغْن هِرقل عَن هَذَا السُّؤَال بقول أبي سُفْيَان: بل يزِيدُونَ؟ قلت: لَا مُلَازمَة بَين الارتداد وَالنَّقْص.
فقد يرْتَد بَعضهم وَلَا يظْهر فيهم النَّقْص بِاعْتِبَار كَثْرَة من يدْخل وَقلة من يرْتَد، مثلا.
قَوْله: (سخطَة لَهُ) ، يُرِيد أَن من دخل فِي الشَّيْء على بَصِيرَة يبعد رُجُوعه عَنهُ بِخِلَاف من لم يكن ذَلِك من صميم قلبه فَإِنَّهُ يتزلزل سرعَة، وعَلى هَذَا يحمل حَال من ارْتَدَّ من قُرَيْش، وَلِهَذَا لم يعرج أَبُو سُفْيَان على ذكرهم وَفِيهِمْ صهره زوج ابْنَته أم حَبِيبَة وَهُوَ عبد الله بن جحش فَإِنَّهُ كَانَ أسلم وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة وَمَات على نصرانيته وَتزَوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم حَبِيبَة بعده، وَكَأَنَّهُ لم يكن دخل فِي الْإِسْلَام على بَصِيرَة.
وَكَانَ أَبُو سُفْيَان وَغَيره من قُرَيْش يعْرفُونَ ذَلِك مِنْهُ فَلذَلِك لم يعرج عَلَيْهِ خشيَة أَن يكذبوه قَوْله: (قَالَ: فَهَل قاتلتموه) ؟ إِنَّمَا نسب ابْتِدَاء الْقِتَال إِلَيْهِم وَلم يقل هَل قاتلكم؟ لاطلاعه على أَن النَّبِي لَا يبْدَأ قومه حَتَّى يبدؤا.
قَوْله: (يُصِيب منا وَنصِيب مِنْهُ) ، الأول بِالْيَاءِ بِالْإِفْرَادِ وَالثَّانِي بالنُّون عَلامَة الْجمع.
قَوْله: (إِنِّي سَأَلتك عَن حَسبه فِيكُم) ذكر الأسئلة والأجوبة المذكورتين على تَرْتِيب مَا وَقعت وَحَاصِل الْجَمِيع ثُبُوت عَلَامَات النُّبُوَّة فِي الْكل فالبعض مَا تلقفه من الْكتب وَالْبَعْض مِمَّا استقرأه بِالْعَادَةِ وَلم تقع فِي كتاب بَدْء الْوَحْي الْأَجْوِبَة بترتيب.
وَالظَّاهِر أَنه من الرَّاوِي بِدَلِيل أَنه حذف مِنْهَا وَاحِدَة.
وَهِي قَوْله: (هَل قاتلتموه) ؟ وَوَقع فِي رِوَايَة الْجِهَاد مُخَالفَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّهُ أضَاف قَوْله: بِمَ يَأْمُركُمْ؟ إِلَى بَقِيَّة الأسئلة، فكملت بهَا عشرَة.
وَأما هُنَا فَإِنَّهُ أخر قَوْله: بِمَ يَأْمُركُمْ؟ إِلَى مَا بعد إِعَادَة الأسئلة والأجوبة وَمَا رتب عَلَيْهَا.
قَوْله: (وَقَالَ لِترْجُمَانِهِ: قل لَهُ) ، أَي: قَالَ هِرقل لِترْجُمَانِهِ: قل لأبي سُفْيَان.
قَوْله: (فَإِنَّهُ نَبِي) ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْجِهَاد (وَهَذِه صفة نَبِي) وَفِي مُرْسل سعيد بن الْمسيب عِنْد ابْن أبي شيبَة فَقَالَ: (هُوَ نَبِي) .
قَوْله: (لأحببت لقاءه) ، وَفِي كتاب الْوَحْي: (لتشجشمت) .
أَي: لتكلفت، وَرجح عِيَاض هَذِه لَكِن نَسَبهَا إِلَى مُسلم خَاصَّة وَهِي عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا.
قَوْله: (ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقرأه) ، قيل: ظَاهره أَن هِرقل هُوَ الَّذِي قَرَأَ الْكتاب، وَيحْتَمل أَن يكون الترجمان قَرَأَهُ فنسبت إِلَى هِرقل مجَازًا لكَونه آمرا بهَا.
قلت: ظَاهر الْعبارَة يَقْتَضِي أَن يكون فَاعل: دَعَا، هُوَ هِرقل، وَيحْتَمل أَن يكون الْفَاعِل الترجمان لكَون هِرقل آمرا بِطَلَبِهِ وقراءته فَلَا يرتكب فِيهِ الْمجَاز.
وَعند ابْن أبي شيبَة فِي مُرْسل سعيد بن الْمسيب: أَن هِرقل لما قَرَأَ الْكتاب قَالَ: هَذَا لم أسمعهُ بعد سُلَيْمَان.
عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَأَنَّهُ يُرِيد الِابْتِدَاء: بِبسْم الله الرحمان الرَّحِيم، وَهَذَا يدل على أَن هِرقل كَانَ عَالما بأخبار أهل الْكتاب.
قَوْله: (من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ذكر المدايني أَن القارىء لما قَرَأَ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم.
من مُحَمَّد رَسُول الله، غضب أَخُو هِرقل واجتذب الْكتاب.
فَقَالَ هِرقل: مَالك؟ فَقَالَ: بَدَأَ بِنَفسِهِ وَسماك صَاحب الرّوم.
قَالَ: إِنَّك لضعيف الرَّأْي، أَتُرِيدُ أَن أرمي بِكِتَاب قبل أَن أعلم مَا فِيهِ؟ لَئِن كَانَ رَسُول الله فَهُوَ حق أَن يبْدَأ بِنَفسِهِ.
وَلَقَد صدق أَنا صَاحب الرّوم، وَالله مالكي ومالكهم.
قَوْله: (عَظِيم الرّوم) بِالْحرِّ على أَنه بدل من هِرقل، وَيجوز بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَيجوز بِالنّصب أَيْضا على الِاخْتِصَاص وَمَعْنَاهُ: من تعظمه الرّوم، وتقدمه للرياسة.
قَوْله: (ثمَّ الأريسين) ، قد مضى ضَبطه مشروحا وَجزم ابْن التِّين أَن المُرَاد هُنَا بالأريسيين أَتبَاع عبد الله بن أريس كَانَ فِي الزَّمن الأول بعث إِلَيْهِم نَبِي فاتفقواكلهم على مُخَالفَة نَبِيّهم.
فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيْك إِن خَالَفت إِثْم الَّذين خالفوا نَبِيّهم، وَقيل: الأريسيون الْمُلُوك وَقيل: الْعلمَاء،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: الزراعون، وَهِي شامية الْوَاحِد أويس وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِي أول الْكتاب.
قَوْله: (فَلَمَّا فرغ) أَي: قارىء الْكتاب..
     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون هِرقل وَنسب إِلَيْهِ ذَلِك مجَازًا لكَونه الْآمِر بِهِ.
قلت: الَّذِي يظْهر أَن الضَّمِير فِي: فرغ، يرجع إِلَى هِرقل وَيُؤَيّد.
قَوْله: عِنْده بعد قَوْله: فَلَمَّا فرغ من قِرَاءَة الْكتاب ارْتَفَعت الْأَصْوَات عِنْده.
أَي: عِنْدهم هِرقل، فَحِينَئِذٍ يكون حَقِيقَة لَا مجَازًا.
قَوْله: (لقد أُمِرَ أَمْرُ ابْن أبِي كَبْشَة) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمِيم وَفتح الرَّاء على وزن علم وَمَعْنَاهُ، عظم وقوى أَمر ابْن أبي كَبْشَة، وَهَذَا يكون الْمِيم وَضم الرَّاء لِأَنَّهُ فَاعل أَمر الأول..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ابْن أبي كَبْشَة كِتَابَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شبهوه بِهِ فِي مُخَالفَته دين آبَائِهِ.
قلت: هَذَا تَوْجِيه بعيد.
وَقد مر فِي بَدْء الْوَحْي بَيَان ذَلِك مَبْسُوطا.
قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ) أَي: أحد الروَاة الْمَذْكُورين فِي الحَدِيث: هَذِه قِطْعَة من الرِّوَايَة الَّتِي وَقعت فِي يَده الْوَحْي عقيب الْقِصَّة الَّتِي حَكَاهَا ابْن الناطور، وَقد بَين هُنَاكَ أَن هِرقل دعاهم فِي دسكرة لَهُ بحمص وَذَلِكَ بعد أَن رَجَعَ من بَيت الْمُقَدّس، فَعَاد جَوَابه يُوَافقهُ على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعَلى هَذَا فالفاء فِي قَوْله: فَدَعَا فَاء فصيحة، وَالتَّقْدِير: قَالَ الزُّهْرِيّ: فَسَار هِرقل إِلَى حمص فَكتب إِلَى صَاحبه ضغاطر الأسقف برومية فَجَاءَهُ جَوَابه، فَدَعَا الرّوم.
قَوْله: (آخر الْأَبَد) أَي: إِلَى آخر الزَّمَان.
قَوْله: (فحاصوا) بالمهملتين أَي: نفروا قَوْله: (فَقَالَ: عليّ بهم) أَي: هاتوهم لي، يُقَال: عَليّ يزِيد.
أَي: احضروه لي.
قَوْله: (اختبرت) أَي: جربت.
قَوْله: (الَّذِي أَحْبَبْت) أَي: الشَّيْء الَّذِي أحببته.
<