هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4164 وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، وَقَالَ قُتَيْبَةُ : أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4164 وحدثنا قتيبة بن سعيد ، أخبرنا أبو عوانة ، وقال قتيبة : أيضا حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد ، كلاهما عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا قام أحدكم وفي حديث أبي عوانة من قام من مجلسه ، ثم رجع إليه فهو أحق به
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

When anyone amongst you stands up, and in the badltb transmitted on the authority of Abu 'Awina, the words are: He who stands in his place and (goes away) and then comes back to it, he his the greatest right (to occupy that).

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم وفي حديث أبي عوانة: من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به.



المعنى العام

للمجالس حرمة، وللجلوس فيها آداب، وللمرور عليها حقوق، وإذا كان الحديث قد تعرض سابقاً لحق الطريق فهو هنا، وفي هذا الباب يتعرض لحقوق المجالس.

كان المسجد النبوي بالمدينة المدرسة الأولى في الإسلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس فيه في أوقات فراغه، يجتمع بأصحابه، يقرأ عليهم من القرآن، ويعلمهم أمور دينهم، ويتخولهم بين الحين والحين بالموعظة والرقائق والآداب.
وكان المسجد مطروقاً بين طريقين، ويصل بين جهتين بدون أبواب، فكان بعض الناس يمر به، إذا انتقل من الجهة إلى الأخرى، وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه بالمسجد، دخل ثلاثة من الرجال، دخلوا للمرور في طريقهم إلى الجهة الأخرى، فلما وصلوا عند الحلقة رغب أحدهم في الجلوس، فوجد في الحلقة مكاناً خالياً يكفيه، فجلس فيه، وتردد الثاني في الجلوس، إن له مصلحة خرج يقضيها، أيذهب إليها؟ ويستمر في مشيه؟ أم يجلس كما جلس صاحبه؟ وبعد خطوات تجاوز بها الحلقة استحيا من نفسه، واستحيا أن يعاب من صاحبه ومن الجالسين، فعاد، فجلس خلف الحلقة، حيث لم يجد فرجة، كما وجد الأول، وأما الثالث فلم يتردد في الانصراف إلى مصلحته، والإعراض عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفر الثلاثة، فلما انتهى من الموضوع الذي يتكلم فيه، قال لأصحابه: أخبركم عن النفر الثلاثة الذين رأيتموهم، أما الأول فقد لجأ إلى الله، وإلى العلم، فاحتضنه الله برعايته ورضوانه، وأما الثاني فقد غلبه الحياء، فنال رحمة الله وعفوه، وأما الثالث فاستغنى عن العلم فاستغنى الله عنه، ومن يستغن الله عنه ويهمله، فقد حرم الخير كله، وكان من المغضوب عليهم والضالين المطرودين.

فمجالس العلم والذكر، لها حقوق على من يتمكن من الانتفاع بها، وكل جالس فيها له حقوق على الداخل عليهم، وله حق في المكان الذي جلس فيه، لا يقيمه أحد منه مهما كان قدر الداخل عليه، فهو أحق به من غيره، مادام قد سبق وجلس فيه، نعم لو قام باختياره ورضاه تكريماً لقادم، ليجلسه في مكانه كان تنازلاً وإيثاراً مقبولاً منه، مشكوراً عليه، وإن كان الأولى للداخل أن لا يجلس في المكان الذي أوثر به، هضماً للنفس، وبعداً عن الريب والشبهات، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل ذلك، إذا قام له أحد عن مجلسه شكره، ولم يجلس فيه، فالناس في الأماكن العامة شركاء، وفي المجالس والمساجد الخاصة سواسية، من سبق إلى مكان كان أحق به حيازة وانتفاعاً، لا يحق لآخر أن يحوله عنه، لا في اجتماعات الجمعة للصلاة، ولا لغيرها، حتى الباعة الذين يضعون أمتعتهم على جانب الطريق العام، أو في متسعات الأماكن، من وضع أمتعته في مكان حاز الانتفاع به، لا يزاحمه زميل له، نعم يجب على من شغل مكاناً أن لا يفرش نفسه على قدر لا ضرورة له، فإن فعل، وجاء محتاج إلى مكان كان عليه أن ينضم ويفسح لأخيه المسلم، فالله تعالى يقول: { { يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم } } [المجادلة: 11] .

وحتى إذا اضطر من شغل مكاناً وسبق إليه، أن يقوم عنه لفترة قصيرة، كقضاء حاجة أو وضوء أو إحضار كتاب أو مصحف، ثم عاد فهو أحق بمكانه، وعلى من شغله أن يخليه له.

تلك حقوق وواجبات حرص الشارع على بيانها، حفاظاً على المودة بين المسلمين، وتفادياً لبواعث الشقاق والخلاف والبغضاء.

المباحث العربية

( بينما هو جالس في المسجد، والناس معه، إذا أقبل نفر ثلاثة) بينما أصله بين الظرفية الزمانية، زيدت عليها ما وقد تزاد الألف فقط، فيقال بينا وهو ملازم للإضافة إلى جملة، ويحتاج إلى جواب، هو العامل فيه، إذا لم يكن في الجملة لفظ المفاجأة، فإن وجد -كما هنا- فالعامل معنى المفاجأة، وكان جلوسه صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت لوعظ الناس وتعليمهم الشريعة، وجملة والناس معه حالية، والمراد من الناس بعض الصحابة، وإذ للمفاجأة، والنفر بفتح النون والفاء اسم جمع، ويطلق على جماعة من الرجال، ليس فيهم امرأة، ويقع على العدد، من ثلاثة إلى عشرة، وثلاثة بدل من نفر وفي رواية البخاري ثلاثة نفر بإضافة نفر إلى ثلاثة والإضافة بيانية، كقوله تعالى: { { تسعة رهط } } [النمل: 48] وكان إقبالهم من باب المسجد، مارين بمجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان للمسجد فتحتان متقابلتان، كالبابين، يمر منهما الناس، ويطرقونه كالشارع.

( فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا إقبال آخر غير الأول، وفي الكلام مضاف محذوف، أي أقبل اثنان من طريق مرورهما إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حديث أنس فإذا ثلاثة نفر يمرون، فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إليه اثنان منهم، واستمر الثالث ذاهباً.

( فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) على بمعنى عند أو في الكلام مضاف محذوف، تقديره: على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

( فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة، فجلس فيها) أما حرف تفصيل، تجب الفاء في تلو تاليه فرأى والفرجة بضم الفاء وفتحها، هي الخلل بين الشيئين، ويقال لها أيضاً: فرج بفتح الفاء وسكون الراء، وجمعه فروج وهي الشق بين الشيئين، ومنه قوله تعالى: { { وما لها من فروج } } [ق: 6] وأما الفرجة بمعنى الخلاص من الغم فذكر الأزهري فيها فتح الفاء وضمها وكسرها، يقال: فرج بين الشيئين، وفرج له في الحلقة والصف، بفتح الفاء والراء، يفرج بكسر الراء وضمها، فرجا بسكونها، أي شق، وفرج الشيء، بتشديد الراء وسعه، وأفرج الغبار انكشف، وأفرج عن السجين أطلقه، وانفرج الشيء اتسع، وانفرج ما بين الشيئين، وانفرج الغم، وأما الحلقة بإسكان اللام، وحكي فتحها، والجمع حلق بفتحتين.

( وأما الآخر فجلس خلفهم) الآخر أي الثاني، وفيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير.

( وأما الثالث فأدبر ذاهباً) إن أريد من الإدبار الذهاب كان ذاهباً حالاً مؤكدة، وإن أريد من الإدبار الإعراض كانت حالاً مؤسسة، وقيل، معنى ذاهباً مستمراً في ذهابه، فتكون حالاً مؤسسة أيضاً.

( فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) من عظته ودرسه.

( ألا أخبركم عن النفر الثلاثة) ألا هي همزة الاستفهام الإنكاري، بمعنى النفي، دخلت على لا النافية، ونفي النفي إثبات، فالمعنى أخبركم عن النفر الثلاثة، وفائدتها على هذا التنبيه إلى أهمية ما بعدها، وفي الكلام مضاف محذوف، أي عن أحوال النفر الثلاثة.

( أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله) قال القرطبي: الرواية الصحيحة بقصر الأول، ومد الثاني، وهو المشهور في اللغة، قال النووي: وهي اللغة الفصيحة، وبها جاء القرآن، أي إذا كان لازماً كان مقصوراً، وإذا كان متعدياً كان ممدوداً، قال تعالى: { { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة } } [الكهف: 63] وقال تعالى: { { إذ أوى الفتية إلى الكهف } } [الكهف: 10] وقال في المتعدي { { وءاويناهما إلى ربوة } } [المؤمنون: 50] وقال { { ألم يجدك يتيماً فآوى } } [الضحى: 6] قال القاضي: وحكى بعض أهل اللغة فيهما جميعاً لغتين، القصر والمد، فيقال: أويت إلى الرجل، بالقصر والمد، وآويت الرجل بالمد والقصر، والمشهور التفرقة كما سبق.

قال العلماء: معنى أوى إلى الله لجأ إلى الله، قيل: في الكلام مضافان محذوفان، أي لجأ وانضم إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى فآواه الله أي جازاه بنظير فعله، بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه.

( وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه) أي ترك المزاحمة، كما فعل رفيقه الذي جلس في الفرجة، حياء من الله تعالى، ومن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه، أو استحيا من الذهاب عن المجلس، كما فعل رفيقه الذي مضى ذاهباً، ويرجحه رواية أنس، ولفظها عند الحاكم ومضى الثاني قليلاً، ثم جاء، فجلس ومعنى فاستحيا الله منه أي رحمه، ولم يعذبه، بل غفر ذنوبه، وقيل: جازاه بالثواب، قالوا: ولم يلحقه بدرجة صاحبه الأول في الفضيلة، الذي آواه، وبسط له اللطف، وقربه.

( وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه) أعرض عن مجلس العلم، وانصرف عنه، فعامله الله تعالى وجزاه على إساءته، إعراضاً عنه، وصرفاً لرحمته ورضوانه عنه، والإعراض في الأصل انصراف النفس عن الشيء، وعدم التوجه إليه، ففي الكلام مشاكلة ومقابلة، كقوله تعالى { { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } } [الأنفال: 30] وفي الحديث ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم وهذا هو المراد من الإعراض، الإهمال وعدم الإحسان.
وقوله فأعرض الله عنه يحتمل أن يكون خبراً، ويحتمل أن يكون دعاء، وسيأتي مزيد لهذا في فقه الحديث.

( لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه) لا يقيمن بالنهي المؤكد وفي الرواية الثالثة لا يقيم الرجل الرجل من مقعده، ثم يجلس فيه بلفظ الخبر لا يقيم مضارع مرفوع، وهو خبر بمعنى النهي، وفي بعض الروايات لا يقم بالنهي من غير توكيد.
وفي الرواية الرابعة لا يقيمن أحدكم أخاه، ثم يجلس في مجلسه وذكر الأخ لا مفهوم له، بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لقبحه، لأنه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحاً، وإن فعله من جهة الأثرة كان أقبح، وفي الرواية الخامسة لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة -أي في اجتماع الصلاة- ثم ليخالف إلى مقعده، فيقعد فيه يقال: خالف إلى الشيء، وخالف في الشيء، إذا أتاه من خلفه، أو قصده بعد ما أبعده عنه، قال تعالى { { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } } [هود: 88] وعند البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه، ويجلس فيه آخر ويجلس هنا ضبطت بضم الياء وفتح اللام، وبفتح الياء وكسر اللام، وفي الملحق الثاني للرواية الثالثة قلت: في يوم الجمعة؟ قال: في يوم الجمعة وغيرها السائل ابن جريج الراوي عن نافع عن ابن عمر، والمجيب نافع، رحمهم الله تعالى.
وسبب سؤال ابن جريج علمه بالرواية الخامسة التي ذكر فيها يوم الجمعة وجعل نافع النهي عاماً، وسيأتي التفصيل في فقه الحديث.

( ولكن تفسحوا وتوسعوا) وفي الرواية الخامسة ولكن يقول: افسحوا والتفسح التوسع، فعطف توسعوا على تفسحوا عطف تفسيري.

فقه الحديث

يؤخذ من الأحاديث

1- عن الرواية الأولى قيل: إنها لم تتعرض إلى تسليم اللذين جلسا في مجلس العلم، هل سلما؟ فرد عليهما السلام؟ أو لم يسلما؟ وهل صليا تحية المسجد؟ أو لم يصليا؟ وقد تناول العلماء هاتين النقطتين بالتوجيه، فقيل: لعلهما سلما، ورد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة السلام، أو أنهما سلما، ولم يرد عليهما أحد، لأن المشتغل بالعلم، المستغرق في العبادة، لا يجب عليه الرد، ولم ينقل إلينا هذا أو ذاك، لشهرته، وعدم الحاجة إلى الإخبار به، وقيل: لعلهما لم يسلما، اعتماداً على عدم مشروعية السلام على المشتغل بالعلم، وعلى كلا الجوابين لا مؤاخذة عليهما، إذ لو أتيا ما يلامان عليه لنبههما صلى الله عليه وسلم، وعلمهما، فلا وجه لهذا الإشكال أساساً.

أما الإشكال الثاني فقد قيل: لعلهما كانا على غير وضوء، ورد بأنه لو كان كذلك لنبههما صلى الله عليه وسلم، فاعتذرا، ولم ينقل إلينا شيء من ذلك، وقيل: لعلهما دخلا في وقت الكراهة، ويرد الشافعية بأن تحية المسجد لا تكره في أي وقت، وقيل: لعلهما صليا، ولم ينقل إلينا، لاهتمام الرواة بغير ذلك من القصة، وعلى كل لم يثبت أنهما أتيا ما يلامان عليه، فليس في الحديث دليل على إثبات حكم، أو نفيه، لأن ما سكت عنه الراوي لا يستدل به على نفي أو إثبات.

2- ويؤخذ أيضاً من الرواية الأولى اتخاذ المساجد مكاناً لدراسة العلم والوعظ، وجلوس العالم فيها لذلك.

3- واستحباب التحليق في دروس العلم ومجالس الذكر، لأن ذلك أدعى إلى القرب من المعلم والقائد.

4- واستحباب دخولها، ومجالسة أهلها.

5- وأن من سبق إلى مكان في الحلقة، أو في المسجد كان أحق به.

6- واستحباب القرب من العالم للتبرك، وللمناقشة، وللتمكن من السماع.

7- سد الخلل والفرجة في حلقة العلم، كما ورد الترغيب في سد الخلل في صفوف الصلاة.

8- جواز التخطي لسد الخلل، ما لم يؤذ، فإن خشي الإيذاء استحب الجلوس حيث ينتهي، كما فعل الثاني قاله الحافظ ابن حجر: والتحقيق أن الحديث ليس فيه دليل على هذا المأخذ، وإن كان الحكم صحيحاً، فقد تكون الفرجة في الحلقة الخارجية، إن كانت هناك حلقات، على أن ظاهر الحديث أنها كانت حلقة واحدة، وإلا لقال: فرأى فرجة في إحدى الحلقات.

9- وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير، قاله الحافظ ابن حجر أيضاً، لكن هذا المأخذ من هذا الحديث بعيد، فليس فيه إشارة إلى المزاحمة.

10- فيه فضيلة الاستحياء من الانصراف عن باب الخير ودروس العلم، أو من المزاحمة في الحلقات.

11- واستحباب الجلوس حيث ينتهي المجلس، إذا لم تكن هناك فرجة.

12- وفيه الأدب في مجالس العلم.

13- وفيه الثناء -ولو في المواجهة- على من فعل الخير، أو فعلاً جميلاً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى على الاثنين.

14- وذم من سنحت له فرصة الخير والعلم، فانصرف عنها، وهو محمول على من فعل ذلك بدون عذر.

15- وجواز الدعاء على المذنب بسخط الله، وهذا على أن قوله فأعرض الله عنه دعاء عليه بالإعراض، وعلى أنه كان مسلماً، معرضاً بغير عذر، وقيل: لعله كان منافقاً، أو أطلع الله نبيه على أمره، أما المسلم فلا يدعى عليه بذلك.

16- وجواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم، للزجر عنها، وأن ذلك لا يعد من الغيبة المحرمة.

17- وابتداء العالم جلساءه بما يزيل عنهم الشبهات، ويوضح لهم أسرار الوقائع.

18- ومن الرواية الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة قال النووي: هذا النهي للتحريم، فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره، يوم الجمعة أو غيره، لصلاة أو غيرها، فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته، لهذا الحديث، إلا أن أصحابنا -يقصد الشافعية- استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعاً، يفتي فيه، أو يقرأ قرآناً وغيره من العلوم الشرعية، فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه، وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد للأسواق.
اهـ

وقال ابن أبي جمرة: هذا اللفظ عام في المجالس، ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة، إما على العموم، كالمساجد ومجالس الحكام والعلم، وإما على الخصوص، كمن يدعو قوماً بأعيانهم إلى منزله، لوليمة ونحوها، وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا إذن له فيها، فإنه يقام، ويخرج منها، ثم هو في المجالس العامة ليس عاماً في الناس، بل هو خاص بغير المجانين، ومن يحصل منه الأذى، كآكل الثوم النيء إذا دخل المسجد، والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو مجلس الحكم.
قال: والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم، المقتضي للضغائن، والحث على التواضع المقتضي للمواددة، وأيضاًَ فالناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقه، ومن استحق شيئاً فأخذ منه بغير حق فهو غصب، والغصب حرام، فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة، وبعضه على سبيل التحريم.
اهـ

وقال ابن بطال: اختلف في النهي، فقيل: للأدب، وقيل: هو على ظاهره، ولا يجوز لمن سبق إلى مجلس مباح أن يقام منه، واحتج هؤلاء بالحديث الذي أخرجه مسلم -روايتنا السادسة- إذا قام أحدكم من مجلسه، ثم رجع إليه، فهو أحق به قالوا: فلما كان أحق به بعد رجوعه، ثبت أنه حقه قبل أن يقوم، وأجاب من حمله على الأدب أن الموضع في الأصل ليس ملكه، قبل الجلوس، ولا بعد المفارقة، فدل على أن المراد بالحقية في حالة الجلوس الأولوية، فيكون من قام تاركاً له قد سقط حقه جملة، ومن قام ليرجع يكون أولى، وقد سئل مالك عن حديث أبي هريرة -روايتنا السادسة- فقال: ما سمعت به، وإنه لحسن إذا كانت أوبته قريبة، وإن بعد فلا أرى ذلك له، ولكنه من محاسن الأخلاق.
وقال القرطبي في المفهم: هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب، اختصاص الجالس بموضعه، إلى أن يقوم منه، وما احتج به من حمله على الأدب، لكونه ليس ملكاً له، لا قبل ولا بعد، ليس بحجة، لأنا نسلم أنه غير ملك له، لكن يختص به، إلى أن يفرغ غرضه، فصار كأنه ملك منفعته، فلا يزاحمه غيره عليه، وقال النووي: قال أصحابنا: هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً، ثم فارقه ليعود إليه، كإرادة الوضوء مثلاً، أو لشغل يسير، ثم يعود، لا يبطل اختصاصه به، وله أن يقيم من خالفه وقعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه.

واختلف.
هل يجب عليه؟ على وجهين، أصحهما الوجوب، وقيل: يستحب، وهو مذهب مالك، قال أصحابنا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة، دون غيرها، قال: ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا.

وقال عياض: اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى، فحكي عن مالك أنه أحق به إذا عرف به، قال: والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان، وليس بحق واجب، ولعله مراد مالك، وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة، قالوا: ومن اعتاد بالجلوس في شيء منها، فهو أحق به، حتى يتم غرضه، قال: وحكاه الماوردي عن مالك قطعاً للنزاع، وقال القرطبي: الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب.
والله أعلم.

أما قوله تعالى: { { يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشُزوا فانشُزوا } } [المجادلة: 11] أي إذا قيل: قوموا فقوموا، وظاهره أن يقام الرجل من مجلسه، مما يتعارض والحديث، فقد قال ابن بطال: قال بعضهم: هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، قال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، إذا رأوه مقبلاً ضيقوا مجلسهم، فأمرهم الله تعالى أن يوسع بعضهم لبعض، قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من كون الآية نزلت في ذلك، الاختصاص.
اهـ وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل، قال: نزلت يوم الجمعة، أقبل جماعة من المهاجرين والأنصار، من أهل بدر، فلم يجدوا مكاناً، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم ناساً، ممن تأخر إسلامهم، فأجلسهم في أماكنهم، فشق ذلك عليهم، وتكلم المنافقون في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ومعنى هذا أن الأمر بالقيام وتنفيذه خاص بهذه الواقعة، وبأمثالها، وعن الحسن البصري: أن المراد بذلك مجلس القتال، قال: ومعنى قوله { { انشُزوا } } انهضوا للقتال.

19- ومن الرواية الرابعة قال النووي: هذا ورع من ابن عمر، وليس قعوده فيه حراماً، إذا قام برضاه، لكنه تورع عنه لوجهين:

أحدهما: أنه ربما استحى منه إنسان، فقام له من مجلسه من غير طيب قلبه، فسد ابن عمر الباب، ليسلم من هذا.

الثاني: أن الإيثار بالقرب مكروه، أو خلاف الأولى، فكان ابن عمر يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروهاً أو خلاف الأولى، بأن يتأخر عن موضعه في الصف الأول، ويؤثره به، وشبه ذلك، قال أصحابنا: وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفس وأمور الدنيا، دون القرب.

والله أعلم