هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4154 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ : رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ ، وَغَيْرِهِمْ ، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ ، حَدَّثَهُمْ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4154 حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث ، ح وحدثنا محمد بن رمح ، أخبرنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والدخول على النساء فقال : رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت وحدثني أبو الطاهر ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، والليث بن سعد ، وحيوة بن شريح ، وغيرهم ، أن يزيد بن أبي حبيب ، حدثهم بهذا الإسناد مثله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'Uqba b. Amir reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

Beware of getting, into the houses and meeting women (in seclusion). A person from the Ansir said: Allah's Messenger, what about husband's brother, whereupon he said: Husband's brother is like death.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو قال: الحمو الموت.


المعنى العام

كانت المرأة قبل الإسلام عند العرب تخالط الرجال الأجانب، وتجالسهم، ويدخلون عليها بيتها، في حضرة زوجها، أو أهلها، أو بدون حضورهم، ولم تكن ملزمة بالتحشم في اللباس، ولا في القول، فكان يطمع فيها من في قلبه مرض، ويقع الفسق والفجور بسهولة، وبدون غيرة ولا أنفة عند الكثيرين، حتى كان هناك البغايا المعلنات، وهناك نكاح الاستبضاع، وهو نوع من الزنا، وهناك المرأة تتخذ الأخلاء، فتحمل، فتلحق ولدها من تشاء منهم، كما تصور ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها في حديث البخاري.

جاء الإسلام فعظم من جريمة الزنا، وعنف في عقابها إلى حد القتل بالرجم وكان لا بد -والحالة هذه- من سد المنافذ المؤدية إليه، وإغلاق الطرق الموصلة للوقوع فيه، فنهى القرآن الكريم عن المقدمات بقوله { { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } } [الإسراء: 32] نعم نهي عن القرب منه، وليس عن الوقوع فيه فحسب، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ونص على كثير من هذه المقدمات، يغلق بابها، وفي سورة النور وسورة الأحزاب كثير، نقرأ منها قوله تعالى: { { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ءابائهن أو ءاباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } } [النور: 30، 31] .
{ { يا أيها الذين ءامنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم } } [النور: 58] .
{ { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } } [النور: 59] .
{ { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن } } [النور: 60] .
{ { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } } [الأحزاب: 59] .
{ { لا جناح عليهن في ءابائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا } } [الأحزاب: 55] .

ومن المعلوم أن الوقاية خير من العلاج، وليس في اتخاذ الحيطة والحذر اتهام أو إساءة للرجال أو النساء فحماية المرأة من الأخطار لا ينقصها بل يرفع من شأنها وقيمتها، فالجوهرة الثمينة هي التي يحافظ عليها، وتتخذ الوسائل لوقايتها، حتى من أعين الناظرين، والمهملات هي التي لا يهتم بها وتلقى في السلة وفي الطرقات، ولذلك وصف الله نساء الجنة والحور بأنهن مقصورات في الخيام، كأمثال اللؤلؤ المكنون.

ولما كان دخول الرجال على النساء من أخطر مقدمات الزنا، ومن بواعثه، ومن فرصه المهيأة والوسيلة الأولى ليمارس الشيطان بها غوايته وتزيينه، فما اجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، رسوله إليها، ورسولها إليه، لما كان ذلك كذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول الرجال الأجانب على النساء في غيبة أزواجهن، فقال بأسلوب الحزم والتحذير: إياكم والدخول على النساء، فقال أحد السامعين: يا رسول الله، أقارب الزوج، وأقارب الزوجة؟ لا يدخلون؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم الخطر الأكبر، الشر من جانبهم أكثر من الشر من الأجانب، لأن تمكنهم من الإقامة دون إنكار من المجتمع يهيئ لهم فرصة الغواية أكثر من غيرهم، فهم كالموت، الذي هو خطر لا بد منه.

إن النساء حبائل الشيطان، يستخدمهن كشباك لصيده، بل يستخدمهن للوسوسة في صدور الرجال، ولإيقاع ظن السوء في قلوب البعض عن البعض، فإذا رأى رجلاً وامرأة حدث من رآهم، ليظنوا بهم سوءاً، ولو كانا أخوين أو زوجين، حتى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رؤي مع زوجته السيدة صفية ليلة من ليالي رمضان، خرج من المسجد من معتكفه ليوصلها إلى بيتها، رآه رجلان، فسلما، وأسرعا في المشي، فناداهما: يا فلان ويا فلان، تعاليا، فجاءا، فقال لهما: هذه التي معي زوجتي صفية بنت حيي، قالا: يا رسول الله، وهل نظن بك إلا خيراً؟ قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما وسوسة وشيئاً من ظن السوء.

عصم الله الرجال والنساء من السوء والفحشاء، وصرف عنهم جميعاً مكايد الشيطان.

المباحث العربية

( ألا لا يبيتن رجل) ألا أداة استفتاح تفيد تأكيد الجملة، وزيادة الاهتمام بمضمونها، والنهي عن المبيت ليس مقصوداً، لذاته، بل المقصود الدخول والخلوة، نهاراً أو بياتاً ففي الرواية الثانية إياكم والدخول على النساء وفي الرواية الثالثة لا يدخلن رجل على مغيبة.

( عند امرأة ثيب) خص الثيب بالذكر، لأنها التي يدخل إليها غالباً، وأما البكر فمصونة في العادة، مجانبة للرجال كثيراً فلم يحتج إلى ذكرها، وهو من باب التنبيه، لأنه إذا نهي عن الدخول على الثيب، التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة، فالبكر أولى.

( إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم) قال النووي: يكون بالياء، أي إلا أن يكون الداخل زوجاً أو ذا محرم، قال: وذكره القاضي بالتاء إلا أن تكون ناكحاً أو ذات محرم قال: والمراد بالناكح المرأة المزوجة وزوجها حاضر، فيكون مبيت الغريب في بيتها بحضرة زوجها.
اهـ أي إلا أن تكون الثيب زوجة وزوجها موجود، أو أن تكون المرأة ذات محرم للداخل.
قال النووي: وهذه الرواية التي اقتصر عليها، والتفسير الذي فسره بها غريبان مردودان، والصواب الرواية الأولى التي ذكرتها عن نسخ بلادنا، ومعناه: لا يبيتن رجل عند امرأة إلا زوجها أو محرم لها، وعند البخاري لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم وذا في ذا محرم زائدة، أي إلا أن يكون زوجاً أو محرماً، قال النووي: والمحرم كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد لسبب مباح لحرمتها، فقولنا: على التأبيد احتراز من أخت امرأته وعمتها وخالتها ونحوهن، وقولنا: لسبب مباح احتراز من أم الموطوءة بشبهة وبنتها، فإنه حرام على التأبيد، لكن لا لسبب مباح، فإن وطء الشبهة لا يوصف بأنه مباح، وقولنا: لحرمتها احتراز من الملاعنة، فهي حرام على التأبيد، لا لحرمتها، بل تغليظاً عليها.

( إياكم والدخول على النساء) الأجنبيات، أسلوب تحذير، والدخول منصوب على التحذير، والتحذير تنبيه المخاطب على محذور ليحترز منه ويجتنبه، وأصل التقدير: أحذركم الدخول على النساء، فحذف الفعل والفاعل فانفصل ضمير المفعول، فقيل: إياكم الدخول، بدون الواو، كقولنا إياكم الأسد، وبالواو، كقولنا: إياك والأسد، وفي رواية لا تدخلوا على النساء وتضمن منع الدخول منع الخلوة بطريق الأولى.

( أفرأيت الحمو قال: الحمو الموت) بفتح الحاء وسكون الميم، وفي الرواية الثانية تفسير الليث بن سعد الحمو بأنه أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه، وفسره المازري بأن المراد من الحمو أب الزوج، وقال: إذا نهي عن أبي الزوج، وهو محرم، فكيف بالقريب؟ اهـ قال النووي: اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة، كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم، والأختان بفتح الهمزة وسكون الخاء، جمع ختن، أقارب زوجة الرجل، والأصهار جمع صهر يقع على النوعين، ثم قال: وأما قوله الحمو الموت فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه أكثر، لتمكنه من الوصول إلى المرأة، والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي، ثم قال: والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج، غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته، تجوز لهم الخلوة بها، ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم، ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه، ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي، لما ذكرناه، فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث.

قال: وأما ما ذكره المازري وحكاه أن المراد بالحمو أبو الزوج فهو كلام فاسد مردود، ولا يجوز حمل الحديث عليه، وكذا ما نقله القاضي عن أبي عبيد: أن معنى الحمو الموت أي فليمت ولا يفعل، هذا هو أيضاً كلام فاسد، والصواب ما قدمناه، وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب، كما يقال: الأسد الموت، والحرب الموت، أي: لقاؤه مثل الموت.
اهـ والمعنى احذروه كما تحذرون الموت.

وقيل: معناه أن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلى هلاك الدين، إن وقعت المعصية، أو إلى الموت إن وجب الرجم، أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها، إذا حملته الغيرة على تطليقها، أشار إلى ذلك كله القرطبي، وقال صاحب مجمع الغرائب: يحتمل أن يكون المراد أن المرأة إذا خلت فهي محل الآفة، ولا يؤمن عليها أحد، فليكن حموها الموت، أي الحقيقي، أي لا يجوز لأحد أن يخلو بها إلا الموت، كما قيل: نعم الصهر القدر، وهذا لائق بكمال الغيرة والحمية، وقال عياض: معناه أن الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين، فجعله كهلاك الموت، والكلام ورد مورد التغليظ، وقال القرطبي في المفهم: المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة، أي فهو محرم معلوم التحريم، وإنما بالغ في الزجر عنه، وشبهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة، لإلفهم بذلك، حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة، فخرج هذا مخرج قول العرب: الحرب الموت، أي لقاؤها يفضي إلى الموت، وكذا دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت الدين، وقال ابن الأثير في النهاية: المعنى أن خلوة المحرم بها أشد من خلوة غيره من الأجانب، لأنه ربما حسن لها أشياء، وحملها على أمور، تثقل على الزوج، من التماس ما ليس في وسعه، فتسوء العشرة بين الزوجين بذلك، ولأن الزوج قد لا يؤثر أن يطلع والد زوجته أو أخوها على باطن حاله.
اهـ فكأنه قال: الحمو الموت، أي لا بد منه، ولا يمكن حجبه عنها، كما أنه لا بد من الموت.

قال النووي: وفي الحم أربع لغات:

إحداها: هذا حموك بالواو في الرفع، ورأيت حماك، بالألف في النصب، ومررت بحميك، بالياء في الجر.

والثانية: هذا حمؤك بإسكان الميم، وهمزة مرفوعة، ورأيت حمأك، ومررت بحمئك.

والثالث: هذا حماك، ورأيت حماك، ومررت بحماك، كما تقول في: قفاك.

الرابعة: حم كأب، وأصله حمو، بفتح الحاء والميم، وحماة المرأة أم زوجها لا يقال فيها غير هذا.
اهـ ومعنى أفرأيت أخبرني، بمجاز مرسل في همزة الاستفهام، بإرادة مطلق الطلب من طلب الفهم، أي بعلاقة الإطلاق بعد التقييد، ومجاز مرسل في الرؤية، بإرادة الإخبار المسبب عن الرؤية غالباً، أي بإطلاق السبب وإرادة المسبب، فآل الأمر إلى طلب الإخبار، المدلول عليه بلفظ أخبرني.
أي أخبرني عن دخول الحمو على المرأة.

( لم أر إلا خيراً) أي لا أتهمها، ولا أتهمهم، فما رأيت منها، ولا منهم في هذا اللقاء إلا خيراً، لكنني كرهت هذا اللقاء.

( إن الله قد برأها من ذلك) أي من الشر والفساد، أي بسبب شهادتك وانطباعك، أو قال ذلك بوحي نزل عليه.

( لا يدخلن رجل -بعد يومي هذا- على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان) بعد يومي هذا أي بعد لحظتي هذه، وليس المراد إباحة الدخول بقية اليوم.
والمغيبة بضم الميم وكسر الغين وإسكان الياء، من غاب زوجها عنها، يقال: أغابت المرأة، أي قام بها غياب زوجها، فهو اسم فاعل من أغاب قال النووي: والمراد غاب زوجها عن منزلها، سواء غاب عن البلد، بأن سافر، أو غاب عن المنزل، وإن كان في البلد، هكذا ذكره القاضي وغيره، وهذا ظاهر متعين، قال القاضي: ودليله هذا الحديث، وأن القصة التي قيل بسببها كان أبو بكر رضي الله عنه غائباً عن منزله، لا عن البلد.

ثم قال النووي: وظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية، والمشهور عند أصحابنا تحريمه، فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة، لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك.
اهـ أي هناك وصف ملاحظ، والمعنى إلا ومعه رجل ثقة أو اثنان ثقتان.

( كان مع إحدى نسائه) هي صفية، رضي الله عنها، كما سيأتي، ففي الرواية الخامسة عنها رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب أي لأرجع إلى بيتي فقام معي ليقلبني بفتح الياء وسكون القاف، أي ليردني ويوصلني إلى بيتي، وفي رواية للبخاري حتى إذا بلغت باب المسجد، عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار....
وفي الرواية السادسة أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة أي وقتاً من الزمن ثم قامت تنقلب، وقام النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها وعند عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد، فاجتمع إليه نساؤه، ثم تفرقن، فقال لصفية: أقلبك إلى بيتك، فذهب معها، حتى أدخلها بيتها وفي رواية كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وعنده أزواجه، فرحن، وقال لصفية: لا تعجلي حتى أنصرف معك قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن اختصاص صفية بذلك، لكون مجيئها تأخر عن رفقتها، فأمرها بتأخير التوجه، ليحصل لها التساوي في مدة جلوسهن عنده، أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم عليها، أو كان مشغولاً، فأمرها بالتأخر، ليفرغ من شغله، ويشيعها، وكانت بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد.

( فمر به رجل، فدعاه.
فقال: يا فلان، هذه زوجتي فلانة)
في الرواية الخامسة فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما بكسر الراء، ويجوز فتحها، والرسل الهينة والتؤدة وترك العجلة، أي امشيا على هينتكما، فليس هنا شيء تكرهانه، وفي رواية فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: تعاليا وفي رواية فلما أبصره دعاه، فقال: تعال وفي رواية للبخاري فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نفذا، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكما وفي رواية فنظرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجازا أي مضيا، يقال: جاز، وأجاز بمعنى، ويقال: جاز الموضع إذا سار فيه، وأجازه إذا قطعه وخلفه، وعند ابن حبان فلما رأياه استحييا فرجعا قال الحافظ ابن حجر: فأفاد سبب رجوعهما، وكأنهما لو استمرا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردهما، بل لما رأى أنهما تركا مقصدهما ورجعا ردهما.

وقد رد ابن التين رواية رجل وقال: إنها وهم، والصحيح رجلان، ثم قال: يحتمل تعدد القصة، وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: الأصل عدم التعدد وعدم الوهم، بل هو محمول على أن أحدهما كان تبعاً للآخر، أو خص أحدهما بخطاب المشافهة، دون الآخر، ويحتمل أن الراوي كان يشك فيه، فيقول مرة رجل ومرة رجلان فحيث أفرد ذكر الأصل، وحيث ثنى ذكر الصورة.

( وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد) في رواية وكان بيتها في دار أسامة بن زيد أي الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد، لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة، بحيث تسكن فيها صفية.
قاله الحافظ ابن حجر.

( هذه زوجتي فلانة) قال النووي: هكذا في جميع النسخ، بالتاء قبل الياء زوجتي وهي لغة صحيحة، وإن كان الأشهر حذف التاء، وبالحذف جاءت آيات القرآن.
اهـ وفي الرواية الخامسة إنها صفية بنت حيي وفي رواية هذه صفية بنت حيي وفي رواية إنما هي صفية بنت حيي وحيي بضم الحاء وفتح الياء الأولى -مصغراً، ابن أخطب، كان أبوها رئيس خيبر، وكانت صفية في السبي، فجاء دحية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أعطني يا رسول الله جارية من السبي، فقال له: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية.
فجاء رجل، فقال: يا نبي الله، أعطيت دحية صفية؟ سيدة قريظة والنضير؟ لا تصلح إلا لك.
قال: ادعوه بها، فجاء بها.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذ جارية من السبي غيرها، وأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوجها.

( فقال: يا رسول الله، من كنت أظن به؟ فلم أكن أظن بك) الاستفهام إنكاري، بمعنى النفي، أي لم أكن أظن بأحد سوءاً، فمن باب أولى لم أكن أظن بك سوءاً، وفي الرواية الخامسة فقالا: سبحان الله يا رسول الله! تنزيه الله عن النقائص، كلمة تقال عند التعجب، زاد في رواية البخاري وكبر عليهما زاد في الأدب المفرد وكبر عليهما ما قال وفي رواية يا رسول الله، هل نظن بك إلا خيراً؟.

( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) وفي ملحق الرواية السادسة إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وفي رواية ما أقول لكما هذا أن تكونا تظنان شراًً، لكن قد علمت أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم والمراد من ابن آدم جنس أولاد آدم، فيدخل فيه الرجال والنساء.

وجريان الشيطان من ابن آدم مجرى الدم، قيل: هو على ظاهره، وأن الله تعالى أقدره على ذلك وجعل له قوة على التوصل إلى باطن الإنسان، وقيل: هو على سبيل الاستعارة، من كثرة إغوائه، وكأنه لا يفارق كالدم، فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة، أي إن وسوسته تصل في مسام البدن سريان الدم في البدن.

( وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً -أو قال: شيئاً) وفي رواية إني خفت أن يدخل عليكما شيئاً قال الحافظ ابن حجر: والمحصل من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءاً، لما تقرر عنده من صدق إيمانهما، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك، لأنهما غير معصومين، فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك، فبادر إلى إعلامهما، حسماً للمادة، وتعليماً لمن بعدهما، إذا وقع له مثل ذلك، وقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة، فسأله عن هذا الحديث؟ فقال الشافعي: إنما قال لهما ذلك، لأنه خاف عليهما الكفر، إن ظنا به التهمة، فبادر إلى إعلامهما، نصيحة لهما، قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئاً، يهلكان به.

ثم قال: وغفل البزار، فطعن في حديث صفية هذا، واستبعد وقوعه، ولم يأت بطائل، والله أعلم.

وجمع القلوب مع المثنى جائز، كقوله تعالى { { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } } [التحريم: 4] والله أعلم.

فقه الحديث

يؤخذ من الأحاديث

1- من الرواية الأولى والثانية والثالثة تحريم الخلوة بالأجنبية.

2- وإباحة الخلوة بمحارمها.
قال النووي: وهذان الأمران مجمع عليهما.

3- من الرواية الثانية التحذير من خلوة الحمو بقريبته.

4- ومن الرواية الرابعة والخامسة والسادسة جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة، من تشييع زائره، والقيام معه، والحديث مع غيره، والمشي القليل خارج المسجد.

5- وإباحة خلوة المعتكف بزوجته، لكن يكره الإكثار من مجالستها، والاستلذاذ بحديثها، لئلا يكون ذريعة إلى الوقاع أو إلى القبلة، أو نحوها، مما يفسد الاعتكاف.
قاله النووي.

6- وزيارة المرأة لزوجها أو محرمها المعتكف.

7- وبيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم.

8- والتحرز من التعرض لسوء الظن.

9- والتحفظ من كيد الشيطان، قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص، لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثم قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم، إذا كان خافياً، نفياً للتهمة، ومن هنا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء ويعتذر بأنه يجرب بذلك على نفسه.

10- وفيه أدب القوم مع الكبير، ونفي الشبهة عنه، والاعتذار إليه بالأعذار الصحيحة، وقول: سبحان الله عند التعجب.

11- وفيه جواز خروج المرأة ليلاً.

12- وفيه إضافة بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليهن، قال ابن المنير: وهذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين، لأن نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، والسر فيه حبسهن عليه، لا يتزوجن غيره.

13- استدل به على موعظة الإمام للخصوم، وعدم حكمه بمقتضى علمه، فإنه صلى الله عليه وسلم كره أن يقع في قلب الأنصاريين وسوسة الشيطان، فمراعاة نفي التهمة عنه مع عصمته تقتضي مراعاة نفي التهمة عمن هو دونه.
قاله الحافظ ابن حجر.
والله أعلم.