هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4136 حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي زِيَادٌ ، أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4136 حدثني عقبة بن مكرم ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، ح وحدثني محمد بن مرزوق ، حدثنا روح ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني زياد ، أن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد ، أخبره أنه سمع أبا هريرة ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

The rider should first greet the pedestrian, and the pedestrian the one who is seated and a small group should greet a larger group (with as-Salam-u-'Alaikum).

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير.



المعنى العام

شرع الله السلام بين عباده ليستأنسوا، فلا يستوحش مسلم من مسلم، ولينمو الود، وتزداد المحبة والتآلف، وقد بين صلى الله عليه وسلم المطالب بالبدء بالسلام، لئلا يكون للناس حجة، ولئلا يلقي بعضهم التبعة على بعض، ولئلا يتكاسل البعض في انتظار ابتداء البعض، فقال: ليبدأ الصغير سناً بالسلام على الكبير، والمار ماشياً أو راكباً على القاعد والمضطجع، والقليل عدداً على الكثير.
وكانوا يقولون في الجاهلية: أنعم صباحاً، وأنعم مساء، فلما جاء الإسلام نهوا عن ذلك، وأبدلهم الله السلام تحية بينهم، والسلام تحية الملائكة، قال تعالى: { { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم } } [الرعد: 24] وهو تحية الله لأنبيائه، قال تعالى { { سلام على نوح في العالمين } } [الصافات: 79] وهو تحية أهل الجنة بعضهم لبعض قال تعالى { { وتحيتهم فيها سلام } } [يونس: 10] .

المباحث العربية

( يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير) وفي رواية للبخاري يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد والمار أعم من أن يكون راكباً، أو ماشياً، وعند الترمذي وصححه، والنسائي وصحيح ابن حبان يسلم الفارس على الماشي، والماشي على القائم والقائم هذا أعم من أن يكون جالساً أو واقفاً أو متكئاً أو مضطجعاً، وسيأتي تفصيل الصور والأحكام في فقه الحديث.

فقه الحديث

يمكن حصر نقاط الحديث في خمس نقاط:

1- حكم إلقاء السلام، والرد عليه.

2- لفظهما المطلوب شرعاً، وحكم ألفاظ التحيات الجارية.

3- المواطن التي لا يشرع فيها السلام، بدءاً، ورداً.

4- المطالبون بالبدء بالسلام، وحكمة مطالبتهم بالبدء.

5- متفرقات.

1- فحكم إلقاء السلام وإفشائه سنة عينية للواحد، سنة كفائية للجماعة، على من يعرف، وعلى من لا يعرف، وقد سبق في كتاب الإيمان، في باب إطعام الطعام وإفشاء السلام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

نعم ذكر الماوردي: أن من مشي في الشوارع المطروقة والسوق، لا يطلب منه أن يسلم إلا على بعض من لقي، لأنه لو سلم على الكل لتشاغل عن المهم الذي خرج من أجله، ولشغل الناس عن مصالحهم، ولخرج بذلك عن العرف والمألوف، قال الحافظ ابن حجر: ولا يعكر على هذا ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن الطفيل بن أبي بن كعب، قال: كنت أغدو مع ابن عمر إلى السوق، فلا يمر على بياع، ولا على أحد، إلا سلم عليه، فقلت: ما تصنع بالسوق؟ وأنت لا تقف على البيع؟ ولا تسأل عن السلع؟ قال: إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا لأن مراد الماوردي من خرج في حاجة له، فتشاغل عنها بما ذكر، والأثر المذكور ظاهر في أنه خرج لقصد تحصيل ثواب السلام.
اهـ وربما كانت هذه الحالة خاصة بابن عمر وأمثاله، ممن يتبرك بهم وبالسلام عليهم وبرؤيتهم والقرب منهم، ويحتمل أنهم -أو أكثرهم- كانوا ممن يعرفونه ويعرفهم، ويعتزون به، ويعتز بهم، وكلام الماوردي عن الطرق العامة في المدن الكبرى، وفي الأسواق الكبيرة الجامعة، فحالة ابن عمر تصلح في شوارع القرية الصغيرة، وفي سوقها المتواضع، دون المدن والأسواق الكبيرة.
وكذلك الأمر إذا دخل الشخص مجلساً، فيه جمع كبير، مئات أو آلاف، لا يطلب منه أن يسلم عليهم واحداً واحداً، بل إن كان الجمع قليلاً، يعمهم سلام واحد، فسلم، كفاه، ولو كان الجمع كثيراً، لا يعمهم سلام واحد، سلم عند دخوله على من شاهدهم، وهل يستحب أن يسلم على من جلس عندهم، ممن لم يسمعه؟ وجهان.
ويدخل في عموم إفشاء السلام، السلام على النفس لمن دخل مكاناً ليس فيه أحد، لقوله تعالى: { { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم } } [النور: 61] ولأن المكان لا يخلو من مخلوقات الله، من ملائكة وجن وغير ذلك، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة بسند حسن، عن ابن عمر فيستحب إذا لم يكن أحد في البيت أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ويدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً من مر على من ظن أنه إذا سلم عليه لا يرد عليه، فإنه يشرع له السلام، ولا يتركه لهذا الظن، لأنه قد يخطئ، قال النووي: وأما قول من لا تحقيق عنده أن ذلك يكون سبباً لتأثيم الآخر، فهو غباوة، لأن المأمورات الشرعية لا تترك بمثل هذا، ولو أعلمنا هذا لبطل إنكار كثير من المنكرات، ورجح ابن دقيق العيد في شرح الإلمام المقالة التي زيفها النووي، وقال: إن توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام عليه، ولا سيما وامتثال إفشاء السلام قد حصل مع غيره.

ويدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً عدم تخصيص أحد الحاضرين بالسلام، ففي التخصيص ما يوقع الغير في الاستيحاش، وقد أورد الطحاوي في مشكل الآثار حديث أبي ذر، في قصة إسلامه، وفيه فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وقد صلى هو وصاحبه- فكنت أول من حياه بتحية الإسلام قال الطحاوي: وهذا لا ينافي حديث ابن مسعود في ذم السلام للمعرفة، لاحتمال أن يكون أبو ذر سلم على أبي بكر قبل ذلك، أو لأن حاجته كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، دون أبي بكر، قال الحافظ ابن حجر: والاحتمال الثاني لا يكفي في تخصيص السلام، وأقرب منه أن يكون ذلك قبل تقرير الشرع بتعميم السلام، ويحتمل أن يكون أبو بكر توجه بعد الصلاة إلى منزله، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم منزله، فدخل عليه أبو ذر، وهو وحده، ويؤيده ما أخرجه مسلم والبخاري في قصة إسلام أبي ذر أنه قام يلتمس النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفه، ويكره أن يسأل عنه، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فاستتبعه -أي عرف حاجته، فطلب منه أن يتبعه إليه- حتى دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم.

ويدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً سلام الرجال على النساء، وسلام النساء على الرجال، والجمهور على جوازه، عند أمن الفتنة، فعند البخاري عن سهل رضي الله عنه، قال: كنا نفرح يوم الجمعة، قيل لسهيل: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز، تأخذ من أصول السلق، فتطرحه في قدر، وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا، ونسلم عليها، فتقدمه إلينا، فنفرح من أجله وعنده أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام.
قالت: وعليه السلام ورحمة الله.
ترى ما لا نرى.

وجبريل -عليه السلام- كان يأتي في صورة رجل، وفي مسلم حديث أم هانئ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يغتسل، فسلمت عليه وعند الترمذي وحسنه حديث أسماء بنت يزيد مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلم علينا قال الحليمي: كان النبي صلى الله عليه وسلم للعصمة مأموناً من الفتنة، فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم، وإلا فالصمت أسلم.

وفرق المالكية بين الشابة والعجوز، فأجازوا السلام على العجوز، ومنعوا السلام على الشابة، سداً للذرائع، وحجتهم حديث سهل الماضي قريباً، فإنها كانت عجوزاً.

ومنع ربيعة سلام الرجال على النساء، وسلام النساء على الرجال مطلقاً، ويستند إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء، والنساء على الرجال قال الحافظ ابن حجر: وهو مقطوع أو معضل.

وقال الكوفيون: لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال، لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا: ويستثنى المحرم، فيجوز لها السلام على محارمها، وتعقب بأن الرجال الذين كانوا يزورون المرأة بعد الجمعة وتطعمهم في حديث سهل، لم يكونوا من محارمها.

وقال المتولي: السلام على الأجنبية، إن كانت جميلة، يخاف الافتتان بها لم يشرع السلام، لا ابتداء، ولا جواباً، ولو ابتدأ أحدهما كره للآخر الرد، وإن كانت عجوزاً، لا يفتتن بها جاز.

ولو اجتمع في المجلس رجال ونساء جاز السلام من الجانبين عند أمن الفتنة.

وهذا كله عن السلام مشافهة، دون مصافحة، وسيأتي الكلام عنها.

ويدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً السلام على الصبيان، وسيأتي في مسلم عما قريب عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان، فسلم قال النووي: فيه استحباب السلام على الصبيان المميزين، وقد اتفق العلماء على استحباب السلام على الصبيان، ولو سلم على رجال وصبيان، فرد السلام صبي منهم، هل يسقط فرض الرد عن الرجال؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما يسقط، ومثله الخلاف في صلاة الجنازة، هل يسقط فرضها بصلاة الصبي؟ الأصح سقوطه، ونص عليه الشافعي، ولو سلم الصبي على رجل لزم الرجل رد السلام، وهذا هو الصواب الذي أطبق عليه الجمهور، وقال بعض أصحابنا: لا يجب، وهو ضعيف أو غلط.

وهل يدخل في عموم إفشاء السلام السلام على الكافرين؟ ذهبت طائفة إلى جواز بدئهم بالسلام، فأخرج الطبري من طريق ابن عيينة، قال: يجوز ابتداء الكافر بالسلام، لقوله تعالى: { { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } } [الممتحنة: 8] وقول إبراهيم لأبيه { { سلام عليك } } [مريم: 47] وأخرج ابن أبي شيبة عن عون بن عبد الله عن محمد بن كعب، أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام، فقال: نرد عليهم ولا نبدؤهم.
قال عون لمحمد بن كعب: فكيف تقول أنت؟ قال: ما أرى بأساً أن نبدأهم.
قلت: لم؟ قال؟ لقوله تعالى: { { فاصفح عنهم وقل سلام } } [الزخرف: 89] وقال البيهقي: عن أبي أمامة أنه كان يسلم على كل من لقيه، فسئل عن ذلك، فقال: إن الله جعل السلام تحية لأمتنا، وأماناً لأهل ذمتنا.

وقال النووي: روي جواز ابتدائنا لهم بالسلام عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز، وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردي، لكنه قال: يقول: السلام عليك، ولا يقول: عليكم بالجمع، واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث، وبإفشاء السلام، وهي حجة باطلة، لأنه عام مخصوص، بحديث لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه أخرجه مسلم وسيأتي قريباً، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأخرج النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني راكب غداً إلى اليهود، فلا تبدءوهم بالسلام ثم قال النووي: وقال بعض أصحابنا: يكره ابتداؤهم بالسلام، ولا يحرم، وهذا ضعيف أيضاً، لأن النهي للتحريم، فالصواب تحريم ابتدائهم.
اهـ ويجيب المانعون على أدلة المجوزين بأن العموم في الأحاديث مخصوص، وأن قوله تعالى { { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم } } ليس صريحاً في رخصة السلام، وأن قول إبراهيم لأبيه ليس القصد منه سلام التحية، بل القصد منه المتاركة والمباعدة، وصرح بعض السلف بأن قوله تعالى { { فاصفح عنهم وقل سلام } } نسخت بآية القتال، وللطبري رأي يحاول به الجمع والتوسط بين الرأيين، فيقول: لا مخالفة بين حديث أسامة في سلام النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار، حيث كانوا مع المسلمين، وبين حديث أبي هريرة لا تبدءوا اليهود ولا النصارى في النهي عن السلام على الكفار، لأن حديث أبي هريرة عام، وحديث أسامة خاص، فيختص حديث أبي هريرة بما إذا كان الابتداء لغير سبب ولا حاجة، من حق الصحبة أو حق المجاورة، أو حق المكافأة، أو نحو ذلك، قال النووي: وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام لضرورة أو حاجة أو سبب، وهو قول علقمة والنخعي.
اهـ وقيل في المراد من حديث أبي هريرة منع ابتدائهم بالسلام المشروع، فأما لو سلم عليهم بلفظ يقتضي خروجهم عنه، كأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فهو جائز، كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وغيره سلام على من اتبع الهدى وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال: السلام على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم: السلام على من اتبع الهدى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين إذا سلمت على المشركين فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فيحسبون أنك سلمت عليهم، وقد صرفت السلام عنهم والتحقيق أن السلام له معان متعددة، وجملة السلام عليكم يمكن أن تكون خبرية لفظاً ومعنى، وأن تكون إنشائية دعائية، فالسلام بمعنى أمان الله في الدنيا والآخرة لا يقال لهم ابتداء ولا جواباً، إن كانت الجملة خبرية فهو كذب، وإن كانت دعائية فلا يجوز الدعاء لهم بذلك، ولكن يدعى لهم بالهداية والإسلام، وهذه وجهة نظر من يمنع أن يقال لهم ورحمة الله وبركاته والسلام على أنه اسم الله تعالى يراد مع حذف مضاف تقديره أمان الله، أو رحمة الله، أو إحسان الله، أو جنة الله، ونحو ذلك، وهو في المنع كسابقه.

والسلام بمعنى الأمان من المتكلم للمخاطب، وتأمين المسلم المسلم عليه من أذاه جائز أن يقال لهم على أنه خبر، أي أنت في أمان من أذاي، فأعطني الأمان من أذاك، وعلى هذا ينبغي للمسلم أن يقصد هذا المعنى، ولا غضاضة في ذلك، فالإسلام دين الأمان والمسالمة، وإن لم يقصده وقصد التحية العادية فلا بأس، وبخاصة أن الحاجة في مجتمعنا إلى الترابط ونبذ الطائفية شديدة، والمسلمون ضعاف في أوطانهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويعجبني قول الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون أما السلام على جمع فيه مسلمون وكفار، أو مسلم وكافر، فيجوز ابتداؤهم بالسلام، ويقصد المسلمين، فقد سلم صلى الله عليه وسلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين.

وهل يدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً السلام على الفساق وأهل المعاصي؟ الجمهور على أنه لا يسلم على الفاسق، ولا على المبتدع، قال عبد الله بن عمرو لا تسلموا على شربة الخمر وأخرج سعيد بن منصور بسند ضعيف وابن عدي بسند أضعف عن ابن عمر لا تسلموا على من شرب الخمر، ولا تعودوهم إذا مرضوا، ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا قال النووي: المبتدع ومن اقترف ذنباً عظيماً، ولم يتب منه، لا يسلم عليهم، ولا يرد عليهم السلام، وقال مالك: لا يسلم على أهل الأهواء، وقال المهلب: ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية.
قال النووي: فإن اضطر إلى السلام، بأن خاف ترتيب مفسدة في دين، أو دنيا، إن لم يسلم، سلم، زاد ابن العربي: وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فكأنه قال: الله رقيب عليكم.
اهـ وقصة كعب بن مالك، حين تخلف عن غزوة تبوك، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كلامه، عمدة في هذه المسألة.

أما رد السلام فقد قال النووي: إنه واجب، فإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يرد الجميع، وعن أبي يوسف أنه لا بد أن يرد الجميع.
اهـ واتفقوا على أن من سلم على جماعة، فرد عليه واحد من غيرهم، لا يجزئ عنهم، واختلفوا في حكم الرد على من سلم عند قيامه من المجلس، إذا كان قد سلم حين دخل، فقال القاضي حسين: لا يجب الرد، ووافقه المتولي، وخالفه المستظهري، فقال: السلام سنة عند الانصراف، فيكون الجواب واجباً.
قال النووي: هذا هو الصواب.

ونقل ابن عبد البر وغيره إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سنة، وأن رده فرض، وقال الحليمي: إنما كان الرد واجباً لأن السلام معناه الأمان، فإذا ابتدأ به المسلم أخاه، فلم يجبه، فإنه يتوهم منه الشر، فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه.
اهـ ولا يكفي السلام سراً، بل يشترط الجهر، وأقله أن يسمع، في الابتداء وفي الجواب، ومن كان بعيداً، بحيث لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة، ويتلفظ مع ذلك بالسلام، ويشترط كون الرد على الفور، ولو أتاه سلام من غائب في ورقة وجب الرد على الفور.
قاله النووي.
وإرسال السلام مع آخر مشروع، ويجب على الرسول تبليغه، لأنه أمانة، أو وديعة، فإن التزمه الرسول أشبه الأمانة، والأمانة واجبة الأداء، وإن لم يلتزمه أشبه الوديعة، والودائع إذا لم تقبل لم يلزمه شيء، لكن يستحب تبليغها وإذا أتاه شخص بسلام من شخص استحب أن يرد على المرسل والمبلغ، فيقول: وعليك وعليه السلام.

2- أما لفظهما المطلوب شرعاً فيقول النووي: أقل السلام أن يقول: السلام عليكم، فإن كان المسلم عليه واحداً فأقله: السلام عليك، والأفضل أن يقول: السلام عليكم، ليتناوله وملكيه، وأكمل منه أن يزيد ورحمة الله وأيضاً وبركاته ولو قال: سلام عليكم أجزأه.

قال: واستدل العلماء لزيادة ورحمة الله وبركاته بقوله تعالى، إخباراً عن سلام الملائكة، بعد ذكر السلام { { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } } [هود: 73] وبقول المسلمين كلهم في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

قال: ويكره أن يقول المبتدئ: عليكم السلام، فإن قاله استحق الجواب على الصحيح المشهور، وقيل: لا يستحقه وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقل: عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى.

قال: وأما صفة الرد، فالأفضل والأكمل أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فيأتي بالواو وعليكم فلو حذفها جاز، وكان تاركاً للأفضل، ولو اقتصر على وعليكم السلام أو على عليكم السلام أجزأه، ولو اقتصر على عليكم لم يجزه بلا خلاف، ولو قال: وعليكم بالواو، ففي إجزائه وجهان لأصحابنا.

قال: وإذا قال المبتدئ: سلام عليكم، أو السلام عليكم، فقال المجيب مثله، سلام عليكم، أو السلام عليكم كان جواباً وأجزأه، قال تعالى { { قالوا سلاماً قال سلام } } [هود: 69] ولكن بالألف واللام أفضل.
اهـ

وقد روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب، فسلم على أولئك، نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله وفي هذا الحديث تأييد لمن قال: لا يقدم على لفظ السلام شيء، بل يقول في الابتداء والرد: السلام عليك، وتأييد للاقتصار على الإفراد، وتأييد لمن قالها في الرد بدون الواو.

ولو قال المبتدئ: السلام عليكم، بالجمع، فقال المجيب: وعليك السلام، فغير محسن، لأنه لم يرد التحية بمثلها فضلاً عن أحسن منها، ولو زاد المبتدئ ورحمة الله زاد المجيب حتى يرد بمثلها أو أحسن منها.

قالوا: ولو زاد المبتدئ ورحمة الله وبركاته أو زاد عليها ومغفرته فهل تشرع الزيادة في الرد على ما زاد؟ أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس قال: انتهى السلام إلى البركة، وأخرج البيهقي في الشعب جاء رجل إلى ابن عمر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: حسبك إلى وبركاته انتهى إلى وبركاته.

وجاء عن ابن عمر الجواز، فعند مالك في الموطأ عنه أنه زاد في الجواب والغاديات والرائحات وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن سالم مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر يزيد إذا رد السلام، فأتيته مرة، فقلت: السلام عليكم، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، ثم أتيته، فزدت وبركاته فرده وزاد وطيب صلواته ونقل ابن دقيق العيد عن أبي الوليد بن رشد أنه يؤخذ من قوله تعالى { { فحيوا بأحسن منها } } [النساء: 86] جواز الزيادة على البركة، إذا انتهى إليها المبتدئ.

وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي بسند قوي، عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه، وقال: عشر -أي عشر حسنات، كما صرح بها في رواية البخاري في الأدب المفرد وصححه ابن حبان- ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، وقال: عشرون، ثم جاء آخر، فزاد: وبركاته، فرد عليه، وقال: ثلاثون وأخرج الطبراني بسند ضعيف من قال: السلام عليكم كتب له عشر حسنات، ومن زاد: ورحمة الله كتب له عشرون حسنة، ومن زاد: وبركاته كتب له ثلاثون حسنة قال الحافظ ابن حجر: وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت، قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على وبركاته واتفقوا على أن من سلم، بقوله: السلام عليكم لم يجزئ في جوابه إلا السلام، ولا يجزئ في جوابه: صبحك الله بالخير، أو صبحك الله بالسعادة ونحو ذلك.

واختلف فيمن أتى في التحية بغير لفظ السلام، كأن قال: مساء الخير مثلاًَ، هل يجب جوابه، بمثل تحيته؟ فيقول: ومساكم الله بالخير؟ أو بأحسن منها؟ فيقول: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته؟ فيكون في ذلك تعليماً له لما كان ينبغي؟ أو يجمع بينهما؟ وهو الأفضل، فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومساكم الله بالخير؟ وقال ابن دقيق العيد: الذي يظهر أن التحية بغير لفظ السلام من باب ترك المستحب، وليس بمكروه، إلا إن قصد به العدول عن السلام، إلى ما هو أظهر في التعظيم من أجل أكابر أهل الدنيا.
ولو أتى بالسلام بغير اللفظ العربي، هل يستحق الجواب؟ ثلاثة أقوال للعلماء: يجب، لا يجب، يجب الرد على من لا يحسن العربية، لعذره، ولا يجب الرد على من يحسن العربية لتقصيره، وحين الرد يكون باللغة الأجنبية، بمثل المبتدئ لمن يقدر عليها.

3- أما المواطن التي لا يشرع فيها السلام فقد قال النووي: يستثنى من العموم بابتداء السلام من كان مشتغلاً بأكل أو شرب أو جماع، أو كان في الخلاء، أو الحمام، أو نائماً، أو ناعساً، أو مصلياً، أو مؤذناً مادام متلبساً بشيء مما ذكر، فلو لم تكن اللقمة في فم الآكل مثلاً شرع السلام عليه، ويشرع في حق المتبايعين، وسائر المعاملات، واحتج له ابن دقيق العيد، بأن الناس غالباً يكونون في اشتغالهم، فلو روعي لم يحصل امتثال الإفشاء، وقال ابن دقيق العيد: احتج من منع السلام على من في الحمام بأنه بيت الشيطان، وليس موضع التحية، لاشتغال من فيه بالتنظيف، قال: وليس هذا المعنى بالقوي في الكراهة، بل يدل على عدم الاستحباب.
قال الحافظ ابن حجر: وقد ثبت في صحيح مسلم عن أم هانئ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يغتسل، وفاطمة تستره، فسلمت عليه.

قال النووي: وأما السلام حال الخطبة في الجمعة فيكره، للأمر بالإنصات، ولو سلم لم يجب الرد، عند من قال: الإنصات واجب، ويجب عند من قال: إنه سنة، وعلى الوجهين لا ينبغي أن يرد أكثر من واحد، وأما المشتغل بقراءة القرآن، فقال الواحدي: الأولى ترك السلام عليه، فلو سلم عليه كفاه الرد بالإشارة، وإن رد لفظاً استأنف الاستعاذة وقرأ، وقال النووي: وفيه نظر، والظاهر أنه يشرع السلام عليه، ويجب عليه الرد.

ولو سلم على المصلي جاز أن يرد السلام بالإشارة، فقد وردت أحاديث جيدة أنه صلى الله عليه وسلم رد السلام وهو يصلي، إشارة، منها حديث أبي سعيد أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فرد عليه، إشارة.

قال النووي: وأما من كان مشتغلاً بالدعاء، مستغرقاً فيه، مستجمع القلب، فيحتمل أن يقال: هو كالقارئ، والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه، لأنه يتنكد به، ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل، وأما الملبي في الإحرام، فيكره أن يسلم عليه، لأن قطعه التلبية مكروه، ويجب عليه الرد مع ذلك لفظاً أن لو سلم عليه، قال: ولو تبرع واحد من هؤلاء برد السلام، إن كان مشتغلاً بالبول ونحوه فيكره، وإن كان آكلاً، ونحوه فيستحب في الموضع الذي لا يجب فيه، وإن كان مصلياً لم يجز أن يقول بلفظ المخاطبة، كعليك السلام، أو عليك فقط، فلو فعل بطلت، إن علم التحريم، لا إن جهل في الأصح، فلو أتى بضمير الغيبة لم تبطل، ويستحب أن يرد بالإشارة، وإن رد بعد فراغ الصلاة لفظاً فهو أحب، وإن كان مؤذناً أو ملبياً لم يكره له الرد لفظاً، لأنه قدر يسير، لا يبطل الموالاة.
اهـ

وتعقب بأن التعليل الذي ذكره في تنكد الداعي يأتي مثله في القارئ، وما ذكره في بطلان الصلاة إذا رد السلام بالخطاب، ليس متفقاً عليه، فعن الشافعي نص في أنه لا تبطل، لأنه لا يرد حقيقة الخطاب بل الدعاء، وإذا عذرنا الداعي والقارئ بعدم الرد، فرد بعد الفراغ، كان مستحباً.
وذكر بعض الحنفية أن من جلس في المسجد للقراءة، أو للتسبيح، أو لانتظاره الصلاة، لا يشرع السلام عليهم، وإن سلم عليهم لم يجب الجواب، قال: وكذا الخصم إذا سلم على القاضي لا يجب عليه الرد، وكذلك الأستاذ إذا سلم عليه تلميذه لا يجب الرد عليه.
كذا قال، وهذا الأخير لا يوافق عليه.

ولا يسلم على مكشوف العورة، ولا على درس العلم، ولا على رجل معه امرأة شابة، ولو سلم على هؤلاء لم يجب الرد.
والله أعلم.

4- وحديث الباب يحدد المطالبين بالبدء بالسلام يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير وعند البخاري يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد.

وقد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء، فقال المهلب: تسليم الصغير لأجل حق الكبير، لأنه أمر بتوقيره، والتواضع له، وتسليم القليل لأجل حق الكثير، لأن حقهم أعظم، وتسليم المار -راكباً أو ماشياً- لشبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه، فيرجع إلى التواضع، وقال ابن العربي: حاصل ما في هذا الحديث أن المفضول بنوع ما يبدأ الفاضل.
اهـ ولا يتأتى هذا في الراكب والماشي.

وقال المازري: أما أمر الراكب، فلأنه له مزية على الماشي، بأن يبدأه الراكب بالسلام، احتياطاً على الراكب من الزهو، أن لو حاز الفضيلتين، وأما الماشي فلما يتوقع القاعد منه من الشر، ولا سيما إذا كان راكباً، فإذا ابتدأه بالسلام أمن منه ذلك، وأنس إليه، أو لأن في التصرف في الحاجات امتهاناً، فصار للقاعد مزية، فأمر بالابتداء، أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين، مع كثرتهم، فسقطت البداءة عنه للمشقة، بخلاف المار، فلا مشقة عليه، وأما القليل فلفضيلة الجماعة، أو لأن الجماعة لو ابتدءوا لخيف على الواحد الزهو، فاحتيط له.

قال المازري وغيره: هذه المناسبات لا يعترض عليها بجزئيات تخالفها، لأنها لم تنصب نصب العلل الواجبة الاعتبار، حتى لا يجوز أن يعدل عنها، حتى لو ابتدأ الماشي، فسلم على الراكب لم يمتنع، لأنه ممتثل للأمر بإفشاء السلام وإظهاره، غير أن مراعاة ما ثبت في الحديث أولى، ويستحب ولا يلزم من ترك المستحب الكراهة، بل يكون خلاف الأولى، فلو ترك المأمور بالابتداء، فبدأه الآخر، كان المأمور تاركاً للمستحب، والآخر فاعلاً للسنة، إلا إن بادر، فيكون تاركاً للمستحب أيضاً، وقال المتولي: لو خالف الراكب، أو الماشي ما دل عليه الخبر كره، قال: والوراء يبدأ بكل حال، وقال الكرماني: لو جاء في الحديث أن الكبير يبدأ الصغير، والكثير يبدأ القليل لكان مناسباً، لأن الغالب أن الصغير يخاف من الكبير، والقليل يخاف من الكثير، فإذا بدأ الكبير أمن الصغير، وإذا بدأ الكثير أمن القليل، لكن لما كان من شأن المسلمين أن يأمن بعضهم بعضاً اعتبر جانب التواضع.
اهـ وخلاصة القول إن الحكمة في هذا الترتيب متلمسة، ولغير هذا الترتيب حكم تتلمس، وللمشرع حكمته التي قد لا نعلمها، فالاتباع أولى.

وهناك صور لم يتعرض لها المشرع، منها:

( أ) إذا تلاقى ماران، راكبان، أو ماشيان؟ قال المازري: يبدأ الأدنى منهما الأعلى قدراً في الدين، إجلالاً لفضله، لأن فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع، وعلى هذا لو التقى راكبان، ومركوب أحدهما أعلى من مركوب الآخر، كالجمل والفرس، فيبدأ راكب الفرس؟ أو ينظر إلى أعلاهما قدراً في الدين، فيبدؤه الذي هو دونه؟ هذا الثاني أظهر، لكن لا نظر إلى من يكون أعلاهما قدراً من جهة الدنيا، كموظف ومديره، إلا أن يكون سلطاناً أو نحوه يخشى بأسه.

( ب) إذا تعارضت جهات طلب البدء، كأن يكون المشاة كثيرا، والقعود قليلا؟ قيل: يرجح جانب المشاة، وقيل: إذا تعارضا تساقطا، ويقدر أنهم في حكم اثنين متساويين التقيا.

( جـ) إذا تعارض الصغر المعنوي بالصغر الحسي، كأن يكون الأصغر سناً أعلم، أو أتقى، أو أحكم، قال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر اعتبار السن، لأنه الظاهر، من قبيل تقديم الحقيقة على المجاز.
اهـ

( د) ومثل ذلك إذا كان الكبير راكباً، والصغير ماشياً؟ قال ابن دقيق العيد: يبدأ الراكب، لأن محل بدء الصغير السلام على الكبير إذا التقيا، راكبين، أو ماشيين.

( هـ) إذا تساوى المتلاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، كما في المتهاجرين، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، بسند صحيح، من حديث جابر، قال: الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل وأخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء قلنا: يا رسول الله، إنا نلتقي، فأينا يبدأ بالسلام؟ قال: أطوعكم لله.

5- أما المتفرقات فمنها:

( أ) من سمع سلاماً في المذياع الصوتي أو المرئي أو قرأ سلاماً في خطاب، هل يجب عليه الرد؟ الظاهر وجوب الرد، لأن السلام -على المشهور- دعاء بالأمن والرحمة، فإذا حيا المذيع السامعين، أو حيا المرسل المرسل إليه، بهذه التحية، لزمهم أن يحيوه بمثلها، أو بأحسن منها، وأن يدعوا له بمثلها أو أحسن منها، أما اشتراط إسماع الرد فهو حيث أمكن، لما في ذلك من تطييب الخاطر، وشرح الصدر، ومقابلة الإحسان بالإحسان، أما إذا لم يمكن الإسماع فالخير الدعاء بظهر الغيب.

( ب) المصافحة وأخذ اليد في اليد حين السلام، أخرج البخاري.
قال ابن مسعود: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه وقال كعب بن مالك: دخلت المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول، حتى صافحني، وهنأني وعن قتادة: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم وأخرج الترمذي بإسناد حسن، عن أنس رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله، الرجل يلقى أخاه، أينحني له؟ قال: لا.
قال: فيأخذ بيده، ويصافحه؟ قال: نعم قال ابن بطال: المصافحة حسنة عند عامة العلماء، وقد استحبها مالك، بعد كراهته.
وقال النووي المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي، وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي، عن البراء، رفعه ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا.

قال النووي: وأما تخصيص المصافحة بما بعد صلاتي الصبح والعصر فقد مثل بها ابن عبد السلام البدعة المباحة، قال النووي: وأصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، لا يخرج ذلك عن أصل السنة.
قال الحافظ ابن حجر: ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية.

( جـ) تقبيل اليد، وأجازه جمهور العلماء، واحتجوا بما روي عن عمر، أنهم لما رجعوا من الغزو -حيث فروا- قالوا: نحن الفرارون، فقال: بل أنتم العكارون -أي الكرارون الراجعون- إنا فئة المؤمنين، قال: فقبلنا يده وقيل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم، حين تاب الله عليهم أخرجه ابن المقري والبيهقي في الدلائل، وذكره الأبهري، وقبل أبو عبيدة يد عمر، حين قدم أخرجه سفيان في جامعه، وقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس، حين أخذ ابن عباس بركابه أخرجه الطبري وابن المقري، وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال أن يهوديين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فسألاه عن تسع آيات....
الحديث، وفي آخره فقبلا يده ورجله قال الترمذي: حسن صحيح وأخرجه أيضاً للنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم، وأخرج أبو داود حديث الزارع العبدي، وكان في وفد عبد القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم، فقبلنا يده قال الحافظ ابن حجر: وسنده قوي، وأخرج أيضاً من حديث بريدة، في قصة الأعرابي والشجرة، فقال: يا رسول الله، ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك، فأذن له وأخرج البخاري في الأدب المفرد، من رواية عبد الرحمن بن رزين قال: أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفاً له ضخمة، كأنها كف بعير، فقمنا إليها، فقبلناها وعن ثابت أنه قبل يد أنس وأخرج أيضاً أن علياً قبل يد العباس ورجله وأخرج ابن المقري من طريق أبي مالك الأشجعي، قال: قلت لابن أبي أوفى: ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناولنيها، فقبلتها.

قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه، أو علمه، أو شرفه، أو صيانته، أو نحو ذلك، من الأمور الدينية، لا يكره، بل يستحب، فإن كان لغناه، أو شوكته، أو جاهه عند أهل الدنيا، فمكروه شديد الكراهة.
اهـ

وكرهها مالك، وأنكر ما ورد فيه.
قال الأبهري: وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظم، وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله، لدينه، أو لعلمه، أو لشرفه، فإن ذلك جائز.

( د) والمعانقة والتقبيل، وعند أحمد من حديث أبي ذر، قال رجل لأبي ذر: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم، فلم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي، فأتيته، وهو على سريره، فالتزمني، فكان أجود وأجود قال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات، وأخرج الطبراني في الأوسط، من حديث أنس كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا.

قال ابن بطال: اختلف الناس في المعانقة، فكرهها مالك، وأجازها ابن عيينة.

وأخرج الترمذي عن عائشة، قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فقرع الباب، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم، يجر ثوبه، فاعتنقه وقبله قال الترمذي: حديث حسن.

( هـ) والقيام للقادم على وجه البر والإكرام جائز، بل مستحب، فقد أخرج البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه قال إن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه، فجاء، فقال: قوموا إلى سيدكم -أو قال: خيركم- فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: فإني أحكم أن نقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، فقال: لقد حكمت بما حكم به الملك.

قال ابن بطال: في هذا الحديث أمر الإمام الأعظم بإكرام الكبير من المسلمين، ومشروعية إكرام أهل الفضل في مجلس الإمام الأعظم، والقيام فيه لغيره من أصحابه، واحتج ابن بطال لجواز القيام للقادم، تكريماً له بما أخرجه النسائي، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رأى فاطمة بنته قد أقبلت رحب بها، ثم قام، فقبلها، ثم أخذ بيدها، حتى يجلسها في مكانه وأخرجه أيضاً أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان والحاكم، وترجم له أبو داود بباب القيام، وكذلك صنع البخاري في الأدب المفرد، وزاد حديث كعب بن مالك في قصة توبته، وفيه فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول.

وذهب آخرون إلى منع القيام، وأجابوا عند هذه الأدلة، واستدلوا بأدلة أخرى كثيرة، وقد بسطها الحافظ ابن حجر، ولا يسمح به مقام شرح حديثنا.
وخير ما قيل في ذلك ما قاله الغزالي: القيام على سبيل الإعظام مكروه، وعلى سبيل الإكرام لا يكره.
قال الحافظ ابن حجر: وهو تفصيل حسن.

والله أعلم