هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4097 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ ، قَالَ : لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ، قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا ، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي ، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ ، قَالَ : مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا ، قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ ، قَالَ : لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ : جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا ، أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالبَعِيرِ ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ ، لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا ، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً ، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4097 حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا عمرو بن يحيى ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد بن عاصم ، قال : لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ، ولم يعط الأنصار شيئا ، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس ، فخطبهم فقال : يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن ، قال : ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : كلما قال شيئا ، قالوا : الله ورسوله أمن ، قال : لو شئتم قلتم : جئتنا كذا وكذا ، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ، الأنصار شعار والناس دثار ، إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Abdullah bin Zaid bin `Asim:

When Allah gave to His Apostle the war booty on the day of Hunain, he distributed that booty amongst those whose hearts have been (recently) reconciled (to Islam), but did not give anything to the Ansar. So they seemed to have felt angry and sad as they did not get the same as other people had got. The Prophet (ﷺ) then delivered a sermon before them, saying, O, the assembly of Ansar! Didn't I find you astray, and then Allah guided you on the Right Path through me? You were divided into groups, and Allah brought you together through me; you were poor and Allah made you rich through me. Whatever the Prophet (ﷺ) said , they (i.e. the Ansar) said, Allah and his Apostle have more favours to do. The Prophet (ﷺ) said, What stops you from answering the Apostle of Allah? But whatever he said to them, they replied, Allah and His Apostle have more favours to do. The Prophet (ﷺ) then said, If you wish you could say: 'You came to us in such-and-such state (at Medina).' Wouldn't you be willing to see the people go away with sheep and camels while you go with the Prophet (ﷺ) to your homes? But for the migration, I would have been one of the Ansar, and if the people took their way through a valley or mountain pass, I would select the valley or mountain pass of the Ansar. The Ansar are Shiar (i.e. those clothes which are in direct contact with the body and worn inside the other garments), and the people are Dithar (i.e. those clothes which are not in direct contact with the body and are worn over other garments). No doubt, you will see other people favoured over you, so you should be patient till you meet me at the Tank (of Kauthar).

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [4330] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن علية ويعلى هُوَ بن أُمَيَّةَ التَّمِيمِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِهِ مُسْتَوْفًى فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ ( الْحَدِيثُ السَّادِسُ) .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا وهيب هُوَ بن خالدقوله عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ عَفَّانَ عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى وَهُوَ الْمَازِنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْ أَعْطَاهُ غَنَائِمَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ فَكَأَنَّ أَمْوَالَ الْكُفَّارِ سُمِّيَتْ فَيْئًا لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذِ الْإِيمَانُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْكُفْرُ طَارِئٌ عَلَيْهِ فَإِذَا غَلَبَالْكُفَّارُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ فَهُوَ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَإِذَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ رَجَعَ إِلَيْهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِحَبْسِ الْغَنَائِمِ بَالْجِعْرَانَةِ فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ وَصَلَ إِلَى الْجِعْرَانَةِ فِي خَامِسِ ذِي الْقَعْدَةِ وَكَانَ السَّبَبُ فِي تَأْخِيرِ الْقِسْمَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافِ نَفْسٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَكَانَتِ الْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَالْغَنَمُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَاةٍ .

     قَوْلُهُ  قَسَمَ فِي النَّاسِ حَذَفَ الْمَفْعُولُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَنَائِمُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي الْبَابِ يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَقَولُهُ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَلَّفَةِ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ إِسْلَامًا ضَعِيفًا وَقِيلَ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ كَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمُ الَّذِينَ هُمْ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ لِلزَّكَاةِ فَقِيلَ كُفَّارٌ يُعْطَوْنَ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ مُسْلِمُونَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ كُفَّارٌ لِيَتَأَلَّفُوهُمْ وَقِيلَ مُسْلِمُونَ أَوَّلَ مَا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ لِيَتَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ مِنْ قُلُوبِهِمْ.

.
وَأَمَّا الْمُرَادُ بِالْمُؤَلَّفَةِ هُنَا فَهَذَا الْأَخِيرُ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فِي الْبَابِ فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فِي بَابِ قَسْمِ الْغَنَائِمِ فِي قُرَيْشٍ وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ وَهُمْ فِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْمُرَادُ بِالطُّلَقَاءِ جَمْعُ طَلِيقٍ مَنْ حَصَلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنُّ عَلَيْهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعُهُمْ وَالْمُرَادُ بِالْمُهَاجِرِينَ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ سَرَدَ أَبُو الْفَضْلِ بن طَاهِر فِي المبهات لَهُ أَسْمَاءَ الْمُؤَلَّفَةِ وَهُمْ س أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى س وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَأَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بِعْكَكٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ وَهَؤُلَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حصنٍ الْفَزَارِيُّ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْأَيْهَمِ التَّمِيمِيُّ س وَالْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ س وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ وَالْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ الثَّقَفِيُّ وَفِي ذِكْرِ الْأَخِيرَيْنِ نَظَرٌ فَقِيلَ إِنَّهُمَا جَاءَا طَائِعِينَ مِنَ الطَّائِفِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ وَذَكَرَ الْوَاقِدَيُّ فِي الْمُؤَلَّفَةِ س مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ ابْنِي أَبِي سُفْيَانَ وَأُسِيدَ بْنَ حَارِثَةَ وَمَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ س وَسَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ س وَقِيسَ بْنَ عَدِّي س وَعَمْرَو بْنَ وَهْبٍ س وَهِشَامَ بْنَ عَمْرٍو وَذَكَرَ بن إِسْحَاقَ مَنْ ذَكَرْتُ عَلَيْهِ عَلَامَةَ سِينٍ وَزَادَ النضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ فِيهِمْ أَبُو عُمَرَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ وَمُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَة وَذكر بن الْجَوْزِيِّ فِيهِمْ زَيْدَ الْخَيْلِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ وَحَكِيمَ بْنَ طَلْقِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَخَالِدَ بْنَ قَيْسٍ السَّهْمِيَّ وَعُمَيْرَ بْنَ مِرْدَاسٍ وَذَكَرَ غَيْرَهُمْ فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَأُحَيْحَةُ بن أُميَّة بن خلف وبن أَبِي شَرِيقٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ هَوْذَةَ وَخَالِدُ بْنُ هَوْذَةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرٍ الْعَبْدَرِيُّ وَشَيْبَةُ بْنُ عُمَارَةَ وَعَمْرُو بْنُ وَرَقَةَ وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَهِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ فَهَؤُلَاءِ زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعِينَ نَفْسًا .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْإِجْرَاءُ عَلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْعَطَاءَ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنَ الْخُمُسِ وَمِنْهُ كَانَ أَكْثَرُ عَطَايَاهُ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ لِلْأَعْرَابِيِّ مَا لِيَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَقَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي الْبَابِ حَيْثُ قَالَ إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ.

.

قُلْتُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَكِّدُهُ وَالَّذِي رَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ جَزَمَ بِهِ الْوَاقِدِيُّ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إِذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَوَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ تَصَرَّفَ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا انْهَزَمُوا فَلَمْ يَرْجِعُوا حَتَّى وَقَعَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى الْكُفَّارِ فَرَدَّ اللَّهُ أَمْرَ الْغَنِيمَةِ لِنَبِيِّهِ وَهَذَا مَعْنَى الْقَوْلِ السَّابِقِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ من الْخمس.

     وَقَالَ  بن الْقَيِّمِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ أَنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كَانَ سَبَبًا لِدُخُولِ كَثِيرٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي الْإِسْلَامِ وَكَانُوا يَقُولُونَ دَعُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنْ غَلَبَهُمْ دَخَلْنَا فِي دِينِهِ وَإِنْ غَلَبُوهُ كَفَوْنَا أَمْرَهُ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ اسْتَمَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَى ضَلَالِهِ فَجَمَعُوا لَهُ وَتَأَهَّبُوا لِحَرْبِهِ وَكَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ اللَّهَ نَصَرَ رَسُولَهُ لَا بِكَثْرَةِ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِ مِنَ الْقَبَائِلِ وَلَا بِانْكِفَافِ قَوْمِهِ عَنْ قِتَالِهِ ثُمَّ لَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَبَتِهِ إِيَّاهُمْ قَدَّرَ وُقُوعَ هَزِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقُوَّةِ عُدَدِهِمْ لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّصْرَ الْحَقَّ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ لَا بِقُوَّتِهِمْ وَلَوْ قَدَّرَ أَنْ لَا يَغْلِبُوا الْكُفَّارَ ابْتِدَاءً لَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ شَامِخَ الرَّأْسِ مُتَعَاظِمًا فَقَدَّرَ هَزِيمَتَهُمْ ثُمَّ أَعْقَبَهُمُ النَّصْرَ لِيَدْخُلُوا مَكَّةَ كَمَا دَخَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا وَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَيْضًا أَنَّ غَنَائِمَ الْكُفَّارِ لَمَّا حُصِّلَتْ ثُمَّ قُسِّمَتْ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ لِمَا بَقِيَ فِيهِ مِنَ الطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ فِي مَحَبَّةِ الْمَالِ فَقَسَمَهُ فِيهِمْ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ وَتَجْتَمِعَ عَلَى مَحَبَّتِهِ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا وَمَنَعَ أَهْلَ الْجِهَادِ مِنْ أَكَابِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَرُؤَسَاءِ الْأَنْصَارِ مَعَ ظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِجَمِيعِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَسَمَ ذَلِكَ فِيهِمْ لَكَانَ مَقْصُورًا عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ قِسْمَتِهِ عَلَى الْمُؤَلَّفَةِ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِجْلَابَ قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْضَوْنَ إِذَا رَضِيَ رَئِيسُهُمْ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْعَطَاءُ سَبَبًا لِدُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَلِتَقْوِيَةِ قَلْبِ مَنْ دَخَلَ فِيهِ قَبْلُ تَبِعَهُمْ مَنْ دُونَهُمْ فِي الدُّخُولِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ عَظِيمُ الْمَصْلَحَةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْسِمْ فِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ مَكَّةَ عِنْدَ فَتْحِهَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا مَعَ احْتِيَاجِ الْجُيُوشِ إِلَى الْمَالِ الَّذِي يُعِينُهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ فَحَرَّكَ اللَّهُ قُلُوبَ الْمُشْرِكِينَ لِغَزْوِهِمْ فَرَأَى كَثِيرُهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ فَكَانُوا غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يَقْذِفِ اللَّهُ فِي قَلْبِ رَئِيسِهِمْ أَنَّ سَوْقَهُ مَعَهُ هُوَ الصَّوَابُ لَكَانَ الرَّأْيُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ دُرَيْدٌ فَخَالَفَهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَصْيِيرِهِمْ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ اقْتَضَتْ تِلْكَ الْحِكْمَةُ أَنْ تُقْسَمَ تِلْكَ الْغَنَائِمُ فِي الْمُؤَلَّفَةِ وَيُوَكِّلُ مَنْ قَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ بِالْإِيمَانِ إِلَى إِيمَانِهِ ثُمَّ كَانَ مِنْ تَمَامِ التَّأْلِيفِ رَدُّ مَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ فَانْشَرَحَتْ صُدُورُهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَدَخَلُوا طَائِعِينَ رَاغِبِينَ وَجَبَرَ ذَلِكَ قُلُوبَ أَهْلِ مَكَّةَ بِمَا نَالَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالْغَنِيمَةِ عَمَّا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْكَسْرِ وَالرُّعْبِ فَصَرَفَ عَنْهُمْ شَرَّ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُهُمْ مِنْ أَشَدِّ الْعَرَبِ مِنْ هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ بِمَا وَقَعَ بِهِمْ مِنَ الْكَسْرَةِ وَبِمَا قَيَّضَ لَهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يُطِيقُونَ مُقَاوَمَةَ تِلْكَ الْقَبَائِلِ مَعَ شِدَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا.

.
وَأَمَّا قِصَّةُ الْأَنْصَارِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ فَقَدِ اعْتَذَرَ رُؤَسَاؤُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ بَعْضِ أَتْبَاعِهِمْ وَلَمَّا شَرَحَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحِكْمَةِ فِيمَا صَنَعَ رَجَعُوا مُذْعِنِينَ وَرَأَوْا أَنَّ الْغَنِيمَةَ الْعُظْمَى مَا حَصَلَ لَهُم من عود رَسُول الله إِلَى بِلَادِهِمْ فَسَلُوا عَنِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَالسَّبَايَا مِنَ الْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ بِمَا حَازُوهُ مِنَ الْفَوْزِ الْعَظِيمِ وَمُجَاوِرَةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ لَهُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا وَهَذَا دَأْبُ الْحَكِيمِ يُعْطِي كُلَّ أَحَدٍ مَا يُنَاسِبُهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا .

     قَوْلُهُ  فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَكَأَنَّهُمْ وُجُدٌ إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ أَوْ كَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ أَوْرَدَهُ عَلَى الشَّكِّ هَلْ قَالَ وُجُدٌ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ وَاجِدٍ أَوْ وَجَدُوا عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ وَوَقَعَ لَهُ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحده وَجَدُوا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَصَارَ تَكْرَارًا بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي أَصْلِ النَّسَفِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ فِي الثَّانِي أَنْ لَمْ يُصِبْهُمْ يَعْنِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالنُّونِ قَالَ وَعَلَى هَذَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّكْرَارِ وَجَوَّزَ الْكَرْمَانِيُّ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ مِنَ الْغَضَبِ وَالثَّانِي مِنَ الْحُزْنِوَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ غَضِبُوا وَالْمَوْجِدَةُ الْغَضَبُ يُقَالُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ إِذَا غَضِبَ وَيُقَالُ أَيْضًا وَجَدَ إِذَا حَزَنَ وَوَجَدَ ضِدُّ فَقَدَ وَوَجَدَ إِذَا اسْتَفَادَ مَالًا وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِمَصَادِرِهِمَا فَفِي الْغَضَب موجدة وَفِي الْحزن وجدا بِالْفَتْح وَفِي ضد الْفَقْد وجدانا وَفِي المَال وجدا بِالضَّمِّ وَقَدْ يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَصَادِرِ وَمَوْضِعُ بَسْطِ ذَلِكَ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي مَغَازِي سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّ سَبَبَ حُزْنِهِمْ أَنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَالْأَصَحُّ مَا فِي الصَّحِيحِ حَيْثُ قَالَ إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ وَهَذَا أَوْلَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي الْبَابِ فَقَالُوا يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ آخِرَ الْبَابِ إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةً فَنَحْنُ نُدْعَى وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعَطَاءَ كَانَ مِنْ صُلْبِ الْغَنِيمَةِ بِخِلَافِ مَا رَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ .

     قَوْلُهُ  فَخَطَبَهُمْ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أُدْمٍ فَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ فَقَالَ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَقَالَ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا.

.
وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أُدْمٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي فَسَكَتُوا وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهَمْ سَكَتَ وَبَعْضَهَمْ أَجَابَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَجَمَعَهُمْ فَقَالَ مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ قَالُوا هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعَ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فِي آخَرِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ سُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ وَهُمْ يَذْهَبُونَ بِالْمَغْنَمِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ أَقُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا قَالُوا نَعَمْ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسلم وَكَذَا ذكر بن إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَلَفْظُهُ لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وجد هذاالحي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُمُ الْقَالَةُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا مِنْ قَوْمِي قَالَ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فَخَرَجَ فَجَمَعَهُمْ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهَذَا يُعَكر علىالرواية الَّتِي فِيهَا أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْأَنْصَارِ بِلَا رَيْبٍ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ وَأَنَّ الَّذِي خَاطَبَهُ بِذَلِكَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَلَمْ يُرِدْ إِدْخَالَ نَفْسِهِ فِي النَّفْيِ أوأنه لَمْ يَقُلْ لَفْظًا وَإِنْ كَانَ رَضِيَ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ مَا أَنَا إِلَّا مِنْ قَوْمِي وَهَذَا أَوْجَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ جَمْعُ ضَالٍّ وَالْمُرَادُ هُنَا ضَلَالَةُ الشِّرْكِ وَبِالْهِدَايَةِ الْإِيمَانِ وَقَدْ رَتَّبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى يَدِهِ مِنَ النِّعَمِ تَرْتِيبًا بَالِغًا فَبَدَأَ بِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ الَّتِي لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَثَنَّى بِنِعْمَةِ الْأُلْفَةِ وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الْمَالِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ تُبْذَلُ فِي تَحْصِيلهَا وَقد لاتحصل وَقَدْ كَانَتِ الْأَنْصَارُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي غَايَةِ التَّنَافُرِ وَالتَّقَاطُعِ لِمَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَرْبِ بُعَاثَ وَغَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ فَزَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْإِسْلَامِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينهم .

     قَوْلُهُ  عَالَةً بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ فُقَرَاءَ لَا مَالَ لَهُمْ وَالْعَيْلَةُ الْفَقْرُ .

     قَوْلُهُ  كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَالتَّشْدِيدِ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْمَنِّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَقَالُوا مَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيلبْنِ جَعْفَرٍ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا وَكَانَ مِنَ الْأَمْرِ كَذَا وَكَذَا لِأَشْيَاءَ زَعَمَ عَمْرُو بْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَازِنِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَحْفَظُهَا وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الرَّاوِي كَنَّى عَنْ ذَلِكَ عَمْدًا عَلَى طَرِيقِ التَّأَدُّبِ وَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جِئْتَنَا وَنَحْنُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَهُدِينَا بِكَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِيهِ بُعْدٌ فَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَوَاسَيْنَاكَ وَنَحْوُهُ فِي مَغَازِي أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا وبن عَائِذ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَوْصُولًا وَفِي مَغَازِي سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي جَوَابِ ذَلِكَ رَضِينَا عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مغازيه بِغَيْر إِسْنَاد وَأخرجه أَحْمد عَن بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَفَلَا تَقُولُونَ جِئْتَنَا خَائِفًا فَآمَنَّاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ فَقَالُوا بَلِ الْمَنُّ عَلَيْنَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لِأَصْحَابِهِ لَقَدْ كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ أَنْ لَوِ اسْتَقَامَتِ الْأُمُورُ لَقَدْ آثَرَ عَلَيْكُمْ قَالَ فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَدًّا عَنِيفًا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا مِنْهُ وَإِنْصَافًا وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَالْمِنَّةُ الظَّاهِرَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَوْلَا هِجْرَتُهُ إِلَيْهِمْ وَسُكْنَاهُ عِنْدَهُمْ لَمَا كَانَ بَينهم وَبَين غَيرهم فرق وقدنبه عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَرْضَوْنَ إِلَخْ فَنَبَّهَهُمْ عَلَى مَا غَفَلُوا عَنْهُ مِنْ عَظِيمِ مَا اخْتُصُّوا بِهِ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا حَصَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ .

     قَوْلُهُ  بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ اسْمُ جِنْسٍ فِيهِمَا وَالشَّاةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَكَذَا الْبَعِيرُ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي التَّيَّاحِ بَعْدَهَا وَكَذَا قَتَادَةَ بِالدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  إِلَى رِحَالِكُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ بُيُوتِكُمْ وَهِيَ رِوَايَةِ قَتَادَةَ زَادَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا وَفِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ قَالُوا بَلَى وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ حِينَئِذٍ دَعَاهُمْ لِيَكْتُبَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ تَكُونُ لَهُمْ خَاصَّةً بَعْدَهُ دُونَ النَّاسِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مَا فُتِحَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ فَأَبَوْا وَقَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا بِالدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ تَأَلُّفَ الْأَنْصَارِ وَاسْتِطَابَةَ نُفُوسِهِمْ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ حَتَّى رَضِيَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْلَا مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْهِجْرَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُهَا وَنِسْبَةُ الْإِنْسَانِ تَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا الْوِلَادَةُ وَالْبِلَادِيَّةُ وَالِاعْتِقَادِيَّةُ وَالصِّنَاعِيَّةُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الِانْتِقَالَ عَنْ نَسَبِ آبَائِهِ لِأَنَّهُ مُمْتَنَعٌ قَطْعًا.

.
وَأَمَّا الِاعْتِقَادِيُّ فَلَا مَعْنَى لِلِانْتِقَالِ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ دَارَ الْأَنْصَارِ وَالْهِجْرَةُ إِلَيْهَا أَمْرًا وَاجِبًا أَيْ لَوْلَا أَنَّ النِّسْبَةَ الْهِجْرِيَّةَ لَا يَسْعُنِي تَرْكُهَا لَانْتَسَبْتُ إِلَى دَارِكُمْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانُوا أَخْوَالَهُ لِكَوْنِ أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْهُمْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَسِبَ إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْوِلَادَةِ لَوْلَا مَانِعُ الْهِجْرَة.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ لَمْ يُرِدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيُّرَ نَسَبِهِ وَلَا مَحْوَ هِجْرَتِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِهِ هَاجَرَ لَانْتَسَبَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى نُصْرَةِ الدِّينِ فَالتَّقْدِيرُ لَوْلَا أَنَّ النِّسْبَةَ إِلَى الْهِجْرَةِ نِسْبَةٌ دِينِيَّةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا لَانْتَسَبْتُ إِلَى دَارِكُمْ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ لَتَسَمَّيْتُ بِاسْمِكُمْ وَانْتَسَبْتُ إِلَيْكُمْ كَمَا كَانُوا يَنْتَسِبُونَ بِالْحِلْفِ لَكِنْ خُصُوصِيَّةُ الْهِجْرَةِ وَتَرْبِيَّتُهَا سَبَقَتْ فَمَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ أَعْلَى وَأَشْرَفُ فَلَا تَتَبَدَّلُ بِغَيْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَكُنْتُ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْأَحْكَامِ وَالْعِدَادِ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ لَوْلَا أَنَّ ثَوَابَ الْهِجْرَةِ أَعْظَمُ لَاخْتَرْتُ أَنْ يَكُونَ ثَوَابِي ثَوَابَ الْأَنْصَارِ وَلَمْ يُرِدْ ظَاهِرَ النَّسَبِ أَصْلًا وَقِيلَ لَوْلَا الْتِزَامِي بِشُرُوطِ الْهِجْرَةِ وَمِنْهَا تَرْكُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ فَوْقَ ثَلَاثٍ لَاخْتَرْتُ أَنْ أكون مِنَ الْأَنْصَارِ فَيُبَاحُ لِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَادِي الْأَنْصَارهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ وَقِيلَ الَّذِي فِيهِ مَاءٌ وَالْمُرَادُ هُنَا بَلَدُهُمْ وَقَولُهُ شِعْبُ الْأَنْصَارِ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا انْفَرَجَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَقِيلَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَبِمَا بَعْدَهُ التَّنْبِيهَ عَلَى جَزِيلِ مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ النُّصْرَةِ وَالْقَنَاعَةِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عَنِ الدُّنْيَا وَمَنْ هَذَا وَصْفُهُ فَحَقُّهُ أَنْ يُسْلَكَ طَرِيقُهُ وَيُتَّبَعُ حَالُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمَّا كَانَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْمَرْءَ يَكُونُ فِي نُزُولِهِ وَارْتِحَالِهِ مَعَ قَوْمِهِ وَأَرْضُ الْحِجَازِ كَثِيرَةُ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَإِذَا تَفَرَّقَتْ فِي السَّفَرِ الطُّرُقُ سَلَكَ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ وَادِيًا وَشِعْبًا فَأَرَادَ أَنَّهُ مَعَ الْأَنْصَارِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَادِي الْمَذْهَبَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي وَادٍ وَأَنَا فِي وَادٍ .

     قَوْلُهُ  الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ الشِّعَارُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ خَفِيفَةٌ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الْجِلْدَ مِنَ الْجَسَدِ وَالدِّثَارُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَمُثَلَّثَةٍ خَفِيفَةٍ الَّذِي فَوْقَهُ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ لَطِيفَةٌ لِفَرْطِ قُرْبِهِمْ مِنْهُ وَأَرَادَ أَيْضًا أَنَّهُمْ بِطَانَتُهُ وَخَاصَّتُهُ وَأَنَّهُمْ أَلْصَقُ بِهِ وَأَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قَسْمًا وَحَظًّا .

     قَوْلُهُ  إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحَتَيْنِ وَيَجُوزُ كَسْرُ أَوَّلِهِ مَعَ الْإِسْكَانِ أَيِ الِانْفِرَادُ بِالشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ دُونَ مَنْ يُشْرِكُهُ فِيهِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَثَرَةً شَدِيدَةً وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْهِمْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ اشْتَرَاكٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ يُفَضِّلُ نَفْسَهُ عَلَيْكُمْ فِي الْفَيْءِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَثَرَةِ الشِّدَّةُ وَيَرُدُّهُ سِيَاقُ الحَدِيث وَسَببه قَوْله فَاصْبِرُوا حَتَّى تلقونى علىالحوض أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَيِ اصْبِرُوا حَتَّى تَمُوتُوا فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَنِي عِنْدَ الْحَوْضِ فَيَحْصُلُ لَكُمُ الِانْتِصَافُ مِمَّنْ ظَلَمَكُمْ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ علىالصبر وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْخَصْمِ وَإِفْحَامِهِ بِالْحَقِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَحُسْنِ أَدَبِ الْأَنْصَارِ فِي تَرْكِهِمُ الْمُمَارَاةَ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْحَيَاءِ وَبَيَانِ أَنَّ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ عَنْ شُبَّانِهِمْ لَا عَنْ شُيُوخِهِمْ وَكُهُولِهِمْ وَفِيهِ مَنَاقِبُ عَظِيمَةٌ لَهُمْ لِمَا اشْتَمَلَ مِنْ ثَنَاءِ الرَّسُولِ الْبَالِغِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الْكَبِيرَ يُنَبِّهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَا يَغْفُلُ عَنْهُ وَيُوَضِّحُ لَهُ وَجْهَ الشُّبْهَةِ لِيَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ وَفِيهِ الْمُعَاتَبَةُ وَاسْتِعْطَافُ الْمُعَاتِبِ وَإِعْتَابُهُ عَنْ عَتْبِهِ بِإِقَامَةِ حُجَّةِ مَنْ عَتَبَ عَلَيْهِ وَالِاعْتِذَارُ وَالِاعْتِرَافُ وَفِيهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِقَوْلِهِ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَكَانَ كَمَا قَالَ وَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَنَسٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ أَنَسٌ فَلَمْ يَصْبِرُوا وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ تَفْضِيلَ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فِي مَصَارِفِ الْفَيْءِ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْغَنِيَّ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَأَنَّ مَنْ طَلَبَ حَقَّهُ مِنَ الدُّنْيَا لَا عَتْبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَمَشْرُوعِيَّةُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْأَمْرِ الَّذِي يَحْدُثُ سَوَاءً كَانَ خَاصًّا أَمْ عَامًّا وَفِيهِ جَوَازُ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْخُطْبَةِ وَفِيهِ تَسْلِيَةُ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا مِمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالْحَضُّ عَلَى طَلَبِ الْهِدَايَةِ والألفة والغنى وَأَن الْمِنَّة لله وَرَسُوله علىالاطلاق وَتَقْدِيم جَانب الْآخِرَة علىالدنيا وَالصَّبْرُ عَمَّا فَاتَ مِنْهَا لِيَدَّخِرَ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ فِي الْآخِرَةِ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( الحَدِيث مقبة لِأَبِي عَامِرٍ وَلِأَبِي مُوسَى وَلِبِلَالٍ وَلِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله عَنْهُم)
[ قــ :4097 ... غــ :4330] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن علية ويعلى هُوَ بن أُمَيَّةَ التَّمِيمِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِهِ مُسْتَوْفًى فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :4097 ... غــ : 4330 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي» كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»؟ قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: «لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ».
[الحديث 4330 - طرفه في: 7245] .

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري ( قال: حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين ابن عمارة الأنصاري المازني ( عن عباد بن تميم) الأنصاري المدني ( عن عبد الله بن زيد بن عاصم) أي ابن كعب الأنصاري المازني صحابي مشهور قيل: إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة ثلاث وستين أنه ( قال: أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لما أعطاه الله غنائم الذين قاتلهم ( يوم حنين) وسقطت التصلية لأبي ذر ( قسم) عليه الصلاة والسلام الغنائم ( في الناس في المؤلّفة قلوبهم) بدل بعض من وكل والمؤلّفة هم أناس أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا.

وقد سرد ابن طاهر في المبهمات له أسماؤهم وهم: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وأبو السنابل بن بعكك، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع، وهؤلاء من قريش.
وعيينة بن حصين الفزاري، والأقرع بن حابس التميمي، وعمرو بن الأيهم التميمي، والعباس بن مرداس السلمي، ومالك بن عوف النضري، والعلاء بن حارثة الثقفي.
قال ابن حجر: وفي ذكر الأخيرين نظر فقيل: إنما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة.

وذكر الواقدي في المؤلّفة: معاوية ويزيد ابني أبي سفيان، وأسيد بن حارثة، ومخرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وتيس بن عدي، وعمرو بن وهب، وهشام بن عمرو.
وزاد ابن إسحاق: النضر بن الحارث، والحارث بن هشام، وجبير بن مطعم، وممن ذكره فيهم أبو عمر
سفيان بن عبد الأسد، والسائب بن أبي السائب، ومطيع بن الأسود، وأبو جهم بن حذيفة.

وذكر ابن الجوزي فيهم: زيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وحكيم بن طلق بن سفيان بن أمية، وخالد بن قيس السهمي، وعمير بن مرداس، وذكر غيرهم فيهم: قيس بن مخرمة، وأحيحة بن أمية بن خلف، وابن أبي شريق، وحرملة بن هوذة، وخالد بن هوذة، وعكرمة بن عامر العبدي، وشيبة بن عمارة، وعمرو بن ورقة، ولبيد بن ربيعة، والمغيرة بن الحارث، وهشام بن الوليد المخزومي، فهؤلاء زيادة على الأربعين نفسًا قاله في الفتح.

( ولم يعط الأنصار شيئًا) من جميع الغنيمة، فهو مخصوص بهذه الواقعة ليتألف مسلمة الفتح، في المفهم أن العطاء كان من الخمس ومنه كان أكثر عطاياه، وقيل: إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فردّ الله أمر الغنيمة لنبيه عليه الصلاة والسلام ( فكأنهم وجدوا) بفتح الواو والجيم حزنوا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وجد بضمتين جمع واحد ( إذ لم يصبهم ما أصاب الناس) من القسمة.
وزاد في رواية أبي ذر عن الحموي: وكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس بالشك هل قال وجد بضمتين أو وجدوا فعل ماض، وأما على رواية الكشميهني وجدوا في الموضعين فتكرار بغير فائدة كما لا يخفى، وجوّز الكرماني وتبعه بعضهم أن يكون الأول من الغضب، والثاني من الحزن ( فخطبهم) عليه الصلاة والسلام زاد مسلم فحمد الله وأثنى عليه ( فقال) :
( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلاّلاً) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى بالشرك ( فهداكم الله بي) إلى الإيمان ( وكنتم متفرقين) بسبب حرب بعاث وغيره الواقع بينهم ( فألفكم الله بي وعالة) ولأبي ذر: وكنتم عالة بالعين المهملة وتخفيف اللام أي فقراء لا مال لكم ( فأغناكم الله بي كلما قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( شيئًا قالوا: الله ورسوله أمن) بفتح الهمزة وتشديد النون أفعل تفضيل من المن ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال) : وسقطت التصلية ولفظ قال لأبي ذر ( كلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمنّ.
قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا)
.
وفي حديث أبي سعيد فقال: "أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم أتيتنا مكذبًا فصدّقناك ومخذلاً فنصرناك وطريدًا فآويناك وعائلاً فواسيناك" زاد أحمد من حديث أنس قالوا: بل المنة لله ولرسوله وإنما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك تواضعًا منه، وإلاّ ففي الحقيقة الحجة المبالغة والمنة له عليهم كما قالوا.

( ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاه والبعير) اسما جنس يقع كل منهما على الذكر والأنثى ( وتذهبون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى رحالكم) ذكرهم ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية وسقطت التصلية لأبي ذر ( لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) قاله استطابة لنفوسهم وثناء عليهم، وليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع أن نسبه عليه الصلاة والسلام أفضل الأنساب وأكرمها وهو تواضع منه عليه الصلاة
والسلام، وحثّ على إكرامهم واحترامهم، لكن لا يبلغون درجة المهاجرين السابقين الذين خرجوا من ديارهم وقطعوا عن أقاربهم وأحيائهم وحرموا أوطانهم وأموالهم، والأنصار وإن اتصفوا بصفة النصرة والإيثار والمحبة والإيواء لكنهم مقيمون في مواطنهم، وحسبك شاهدًا في فضل المهاجرين قوله هذا لأن فيه إشارة إلى جلالة رتبة الهجرة فلا يتركها فهو نبي مهاجري لا أنصاري، وقد سبق مزيد لذلك في فضل الأنصار.

( ولو سلك الناس واديًا وشعبًا) بكسر الشين المعجمة وسكون المهملة طريقًا في الجبل ( لسلكت وادي الأنصار وشعبها) والمراد بلدهم ( الأنصار شعار) الثوب الذي يلي الجلد ( والناس دثار) بكسر الدال وبالمثلثة المفتوحة ما يجعل فوق الشعار أي أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم وهو تشبيه بليغ ( إنكم ستلقون بعدي أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة وبضم الهمزة وسكون المثلثة أي يستأثر عليكم بما لكم فيه اشتراك من الاستحقاق ( فاصبروا) على ذلك ( حتى تلقوني على الحوض) يوم القيامة فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم مع الثواب الجزيل على الصبر.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :4097 ... غــ :4330 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا وُهَيْبٌ حَدثنَا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عنْ عَبْدِ الله بن زَيْدٍ بنِ عاصِمٍ قَالَ لمَّا أفاءَ الله عَلَى رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبِهُمْ ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ شَيْئاً فَكأنَّهُمْ وجَدُوا إذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أصابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقال يَا معْشَرَ الأنْصارِ ألَمْ أجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُم الله بِي وكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فألَّفَكُمْ الله بِي وعالَةً فأغْناكُمُ الله بِي كُلَّما قَالَ شَيْئاً قالُوا الله ورَسولُهُ أمَنُّ قَالَ مَا يمنعكم أَن تجيبوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كلما قَالَ شَيْئا قَالُوا الله وَرَسُوله أَمن قَالَ لَوْ شئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنا كَذَا وكَذَا أتَرْضَوْن أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ وتَذْهَبُونَ بالنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى رِحَالِكُمْ لَوْلاَ الهِجْرَةُ لكُنْتُ امْرَءاً منَ الأنْصارِ ولَوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً أَو شِعْباً لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصارِ وشِعْبَها: الأنْصارُ شِعارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ إنَّكُمْ ستَلْقَونَ بعْدِي أثْرَةً فاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني عَلَى الحَوْضِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم حنين) ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَعَمْرو بن يحيى بن عمَارَة الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَعباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، سمع عَمه عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ الْمَازِني الْمدنِي، لَهُ ولأبويه ولأخيه حبيب صُحْبَة، وَهُوَ الَّذِي حكى وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّمَنِّي بعض هَذَا الحَدِيث.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن شُرَيْح بن يُونُس.

قَوْله: (لما أَفَاء الله على رَسُوله) أَي: لما أعطَاهُ غَنَائِم الَّذين قَاتلهم يَوْم حنين، وأصل الْفَيْء الرُّجُوع، وَمِنْه سمى الظل بعد الزَّوَال فَيْئا لِأَنَّهُ يرجع من جَانب إِلَى جَانب، وَمِنْه سميت أَمْوَال الْكفَّار فَيْئا لِأَنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل للْمُؤْمِنين، لِأَن الْإِيمَان هُوَ أصل وَالْكفْر طَار عَلَيْهِ، وَلَكنهُمْ غلبوا عَلَيْهَا بِالتَّعَدِّي فَإِذا غنمها الْمُسلمُونَ فَكَأَنَّهَا رجعت إِلَيْهِم.
قَوْله: (قسم) ، مَفْعُوله مَحْذُوف أَي: قسم الْغَنَائِم فِي النَّاس.
قَوْله: (فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم) بدل: الْبَعْض من الْكل، وَالْمرَاد بالمؤلفة قُلُوبهم هُنَا نَاس حديثو الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ أَعْطَاهُم تأليفاً لقُلُوبِهِمْ، وسرد أَصْحَاب السّير أَسْمَاءَهُم مَا ينيف على الْأَرْبَعين، مِنْهُم: أَبُو سُفْيَان وابناه مُعَاوِيَة وَيزِيد.
قَوْله: (وجدوا) أَي: حزنوا، يُقَال: وجد فِي الْحزن وجدا، بِفَتْح الْوَاو، وَوجد فِي المَال وُجداً بِالضَّمِّ ووَجداً بِالْفَتْح ووِجداً بِالْكَسْرِ وَجدّة أَي: اسْتغنى، ووجده مَطْلُوبه يجده وجودا، وَوجد ضالته وجداناً، وَوجد عَلَيْهِ فِي الْغَضَب موجدة ووجداناً أَيْضا، حَكَاهَا بَعضهم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، فكأنهم وجدٌ بِضَمَّتَيْنِ جمع: الْوَاجِد، ويروى بِضَم الْوَاو وَسُكُون الْجِيم، وَحَاصِل رِوَايَة أبي ذَر: فكأنهم وجد إِذْ لم يصبهم مَا أصَاب النَّاس، أَو كَأَنَّهُمْ وجدوا إِذْ لم يصبهم مَا أصَاب النَّاس، أوردهُ على الشَّك والتكرار،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا فَائِدَة التّكْرَار؟ قلت: إِذا كَانَ الأول إسماً وَالثَّانِي فعلا فَهُوَ ظَاهر، أَو أَحدهمَا من الْحزن وَالثَّانِي من الْغَضَب، أَو هُوَ شكّ من الرَّاوِي، وَوَقع للكشميهني وَحده: وجدوا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَكَذَا وَقع فِي أصل النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة مُسلم،.

     وَقَالَ  عِيَاض: وَقع فِي نُسْخَة من الثَّانِي إِن لم يصبهم، يَعْنِي بِفَتْح الْهمزَة وبالنون قَالَ: وعَلى هَذَا تظهر فَائِدَة التّكْرَار.
قَوْله: (فخطبهم) زَاد مُسلم: فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ قَوْله: (ضلالا) بِضَم الضَّاد وَتَشْديد اللَّام جمع ضال.
وَالْمرَاد هُنَا: ضَلَالَة الشّرك وبالهداية الْإِيمَان.
قَوْله: (وَعَالَة) جمع العائل وَهُوَ الْفَقِير.
قَوْله: (كلما قَالَ شَيْئا أَي:) كلما قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من ذَلِك شَيْئا، قَالُوا: (أَي الْأَنْصَار.
قَوْله: (الله وَرَسُوله وَرَسُوله أَمن) بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ أفعل التَّفْضِيل من: الْمَنّ، ويوضحه حَدِيث أبي سعيد.
فَقَالُوا: مَاذَا نجيبك يَا رَسُول الله؟ لله وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفضل.
قَوْله: (قَالَ: كلما قَالَ شَيْئا) فِي الْمرة الثَّانِيَة تكْرَار من الرَّاوِي للْأولِ.
قَوْله: (قَالَ: لَو شِئْتُم) أَي: قَالَ رَسُول الله: لَو شِئْتُم (قُلْتُمْ جئتنا) ، بِفَتْح التَّاء للخطاب، قَوْله: (كَذَا وَكَذَا) ، كِنَايَة عَمَّا يُقَال: جئتنا مُكَذبا فَصَدَّقْنَاك، ومخذولاً فَنَصَرْنَاك، وطريداً فَآوَيْنَاك، وعائلاً فوا سيناك، وَصرح بذلك فِي حَدِيث أبي سعيد، وروى أَحْمد من حَدِيث ابْن أبي عدي عَن حميد عَن أنس بِلَفْظ: أَفلا تَقولُونَ: جئتنا خَائفًا فآمناك، وطريداً فَآوَيْنَاك، ومخذولاً فَنَصَرْنَاك؟ قَالُوا: بل الْمَنّ علينا لله وَلِرَسُولِهِ، انْتهى وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تواضعاً مِنْهُ وإنصافاً، وإلاَّ فَفِي الْحَقِيقَة الْحجَّة الْبَالِغَة والْمنَّة الظَّاهِرَة فِي جَمِيع ذَلِك لَهُ عَلَيْهِم، فَإِنَّهُ لَوْلَا هجرته إِلَيْهِم وسكناه عِنْدهم لما كَانَ بنيهم وَبَين غَيرهم فرق، نبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك بقوله: (أَتَرْضَوْنَ) الخ ويروى: أَلا ترْضونَ؟ فَفِيهِ تَنْبِيه لَهُم على مَا غفلوا عَنهُ من عَظِيم مَا اختصوا بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا اخْتصَّ بِهِ غَيرهم من عرض الدُّنْيَا الفانية.
قَوْله: (بِالشَّاة وَالْبَعِير) ، كل مِنْهُمَا إسم جنس، فالشاة تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْبَعِير على الْجمل والناقة، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: أَتَرْضَوْنَ أَن يذهب النَّاس بالأموال؟ وَفِي رِوَايَة أبي التياح: بالدنيا؟ قَوْله: (إِلَى رحالكُمْ) أَي: إِلَى بُيُوتكُمْ ومنازلكم، وَهُوَ جمع رَحل بِالْحَاء الْمُهْملَة.
قَوْله: (لَوْلَا الْهِجْرَة) أَي: لَوْلَا وجود الْهِجْرَة.
قَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام تألف الْأَنْصَار وتطيب قُلُوبهم وَالثنَاء عَلَيْهِم فِي دينهم حَتَّى رَضِي أَن يكون وَاحِدًا مِنْهُم لَوْلَا مَا يمنعهُ من الْهِجْرَة لَا يجوز تبديلها، وَنسبَة الْإِنْسَان على وُجُوه الولادية: كالقرشية، والبلادية كالكوفية، والإعتقادية: كالسنية، والصناعية: كالصيرفية، وَلَا شكّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يرد بِهِ الِانْتِقَال عَن نسب آبَائِهِ إِذْ ذَاك مُمْتَنع قطعا، وَكَيف وَأَنه أفضل مِنْهُم نسبا وَأكْرمهمْ أصلا؟ وَأما الاعتقادي فَلَا مَوضِع فِيهِ للانتقال إِذا كَانَ دينه وَدينهمْ وَاحِدًا فَلم يبْق إلاَّ القسمان الأخيران الْجَنَائِز فيهمَا الِانْتِقَال، وَكَانَت الْمَدِينَة دَارا للْأَنْصَار وَالْهجْرَة إِلَيْهَا أمرا وَاجِبا، أَي: لَوْلَا أَن النِّسْبَة الهجرية لَا يسعني تَركهَا لانتقلت عَن هَذَا الإسم إِلَيْكُم ولانتسبت إِلَى داركم.
قَالَ الْخطابِيّ: وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن الْعَرَب كَانَت تعظم شَأْن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة وَكَانَت أم عبد الْمطلب امْرَأَة من بني النجار، فقد يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذهب هَذَا الْمَذْهَب إِن كَانَ أَرَادَ نِسْبَة الْولادَة.
قَوْله: (وَلَو سلك النَّاس وَاديا أَو شعبًا) .
بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ إسم لما انفرج بَين جبلين، وَقيل: الطَّرِيق فِي الْجَبَل،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: لما كَانَت الْعَادة أَن الْمَرْء يكون فِي نُزُوله وارتحاله مَعَ قومه، وَأَرْض الْحجاز كَثِيرَة الأودية والشعاب، فَإِذا تَفَرَّقت فِي السّفر الطّرق سلك كل قوم مِنْهُم وَاديا وشعباً، فَأَرَادَ أَنه مَعَ الْأَنْصَار.
قَالَ: وَيحْتَمل أَن يُرِيد بالوادي الْمَذْهَب، كَمَا يُقَال: فلَان فِي وادٍ وَأَنا فِي وادٍ.
قَوْله: (شعار) بِكَسْر الشَّيْخ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة الْخَفِيفَة، وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي يَلِي الْجلد من الْجَسَد و (الدثار) ، وبكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة الْخَفِيفَة، وَهُوَ الَّذِي فَوق الشعار، وَهُوَ كِنَايَة عَن فرط قربهم مِنْهُ، وَأَرَادَ أَنهم بطانته وخاصته وَأَنَّهُمْ ألصق بِهِ وَأقرب إِلَيْهِ من غَيرهم، قَوْله: (آثرة) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبفتحتين، وَهُوَ إسم من آثر يُؤثر إيثاراً إِذا أعْطى.
قَالَ ابْن الْأَثِير: أَرَادَ أَنه يُؤثر عَلَيْكُم فيفضل غَيْركُمْ من نصِيبه من الْفَيْء، ويروى إثرة، بِكَسْر أَوله مَعَ الإسكان أَي: الِانْفِرَاد بالشَّيْء الْمُشْتَرك دون من يُشَارِكهُ فِيهِ.
قَوْله: (على الْحَوْض) ، أَي: يَوْم الْقِيَامَة، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: حَتَّى تلقوا الله وَرَسُوله فَإِنِّي على الْحَوْض، أَي: اصْبِرُوا حَتَّى تَمُوتُوا فَإِنَّكُم ستجدوني عِنْد الْحَوْض، فَيحصل لكم الانتصاف مِمَّن ظلمكم، وَالثَّوَاب الجزيل على الصَّبْر.