هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3773 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي بَزَّةَ ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ ، أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ ؟ فَقَالَ : مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً ، إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا ، قَالَ : فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3773 حدثنا محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، واللفظ لابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت القاسم بن أبي بزة ، يحدث عن أبي الطفيل ، قال : سئل علي ، أخصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ فقال : ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة ، إلا ما كان في قراب سيفي هذا ، قال : فأخرج صحيفة مكتوب فيها : لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من سرق منار الأرض ، ولعن الله من لعن والده ، ولعن الله من آوى محدثا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: من زعم أن عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة.
(قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه فقد كذب.
فيها أسنان الإبل.
وأشياء من الجراحات.
وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم المدينة حرم ما بين عير إلى ثور.
فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا.
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لا يقبل الله منه، يوم القيامة، صرفًا ولا عدلاً.
وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم.
ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لا يقبل الله منه، يوم القيامة، صرفًا ولا عدلاً.

المعنى العام

استعباد الإنسان للإنسان قديم قدم الزمان، باق ما بقي الدهر، في صور شتى، ليس البيع والشراء والتملك إلا صورة من صوره، وويل للضعيف من القوي، وللفقير من الغني، وللوضيع من الرفيع، وللذليل من العزيز.

جاء الإسلام والمجتمعات البشرية طبقات، طبقة السادة والأكرمين، وطبقة العبيد والمستضعفين، فنادى { { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } } [الحجرات: 13] ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى كلكم لآدم وآدم من تراب.

جاء الإسلام والعبودية منتشرة، والإماء والعبيد في كل بيت، ومصادر التملك كثيرة، الغارات التي تغيرها قبيلة على قبيلة، فيغنم الغالب أموال المغلوب، ويسبي ذراريه ونساءه، ويبيعها في الأسواق بيع الإبل والأغنام.
ولا تكاد تنجو قبيلة من الإغارة، حيث قال شاعرهم:

وأحيانًا على بكر أخينا
إذا ما لم نجد إلا أخانا

وكانت السواحل المفتوحة، والبلاد البعيدة مرتعًا للخاطفين، يخطفون الأطفال والصبية منها، ثم يبيعونها، بل كان بعض الآباء يبيعون أبناءهم وبناتهم من ضيق العيش.

فماذا فعل الإسلام؟.

أغلق هذه المنافذ جميعًا، وسد تلك الروافد كلها، ولم يبق مصدرًا للرق إلا عن طريق حرب المسلمين مع الكافرين كضرورة لا تقل في أهميتها عن القتل والقتال من أجل الدعوة، ومعاملة من المسلمين بمثل ما يعاملهم به الكافرون، ومع ذلك قال { { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء } } [محمد: 4] هذا من حيث مصادر الرق، أما من حيث استمرارية الرق فقد ضرب الإسلام المثل الأعلى في الحرص على حرية الرقيق، وفتح أبوابًا عديدة لعتقه، فجعله في مقدمة الكفارات، كفارة القتل، وكفارة الظهار، وكفارة الإفطار بالجماع في نهار رمضان، وكفارة اليمين، وجعل تحرير العبد منقذًا لسيده من النار { { وما أدراك ما العقبة } } [البلد: 12] التي تحول بين الإنسان وبين الجنة { { فك رقبة } } فمن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو عضوًا من أعضائه من النار، وأي امرئ مسلم يعتق امرأ مسلمًا إلا استنقذ الله بكل عضو منه مثله من النار، حتى فرجه بفرجه هذا الترغيب الفريد في العتق حرر الآلاف من العبيد، حرصًا من مالكيهم على إنقاذ أنفسهم من النار، وفوزهم بالجنة والنعيم المقيم.

وقد بلغ تشوف الإسلام لتحرير الرقيق مبلغًا عجيبًا، فقد جعل الهزل في لفظ العتق جدًا، فمن قال: عبدي حر، عتق العبد وإن كان السيد قد قال ذلك مزاحًا، وجعل الشريك في عبد إذا أعتق نصيبه عتق العبد جميعه، والتزم المعتق بإعطاء الشريك قيمة نصيبه.

ورغب في مكاتبة الرقيق، وتمكينه من السعي والعمل لسداد قيمة الكتابة، وحث على مساعدة المكاتب ليحرر رقبته { { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } } [النور: 33] وربط الإسلام بين المعتق والرقيق عند تحريره برباط الولاء، كأن العتيق ابنًا للمعتق، يرثه ويرثه، ويرعى كل منهما الآخر، ويعتز كل منهما بالآخر، وعلى العتيق أن يحفظ للمعتق فضله حيث تفضل عليه بالحرية، فعليه أن ينتمي وينتسب إليه، فمن انتسب إلى غير معتقه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

أما معاملة الأسياد المسلمين لعبيدهم فقد وضع الإسلام قواعدها بما لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسانية حيث يقول صلى الله عليه وسلم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم حتى رأينا أبا ذر الغفاري يشتري الثوب ثوبين من نوع واحد، ولون واحد، يلبس هو حلة، ويلبس عبده حلة مماثلة، وحتى رأينا كثيرًا من العبيد يتمنون أن يظلوا عبيدًا، ويفضلون البقاء في العبودية عن الحرية من حسن معاملة الأسياد وقصة زيد بن حارثة في ذلك مشهورة، فأنعم بالإسلام نصيرًا وحاميًا للضعفاء.

المباحث العربية

(من أعتق شركًا له في عبد) يقال: عتق العبد، بفتح العين والتاء، فعل لازم، ولا يعرف عتق بضم العين، وإنما يقال للمتعدي: أعتق بالهمزة، فيقال: عتق العبد يعتق العبد - أي يقوم به العتق، عتقًا بكسر العين وفتحها، وعتاقًا، وعتاقة، وعبد عتيق، وأمة عتيق وعتيقة، وعبيد عتقاء، وإماء عتائق، وأعتق السيد عبده، فالسيد معتق بضم الميم وكسر التاء والعبد معتق بضم الميم وفتح التاء.

والمراد من العتق هنا الحرية، وأصله من قولهم: عتق الفرس إذا سبق ونجا، وعتق الفرخ طار واستقل، وأطلق على الحرية عتق لأن العبد يتخلص بالعتق ويذهب حيث يشاء.

وإنما قيل لمن أعتق إنسانًا أنه أعتق رقبة، وفك رقبة، فخصت الرقبة دون سائر الأعضاء، مع أن العتق يتناول جميع الأعضاء، لأن حكم اليد عليه، وملكه له: كحبل في رقبة العبد، وكالغل المانع له من الخروج، فإذا أعتق فكأنه أطلقت رقبته من ذلك، وهو مجاز مرسل، من إطلاق الجزء وإرادة الكل.

وشركًا بكسر الشين وسكون الراء أصله مصدر أطلق على العبد المشترك، أو الجزء المشترك، أي نصيبًا وجزءًا، وفي الرواية الثالثة من أعتق شقصًا له في عبد والشقص بكسر الشين وسكون القاف هو النصيب والجزء ويطلق على القليل والكثير، وفي رواية للبخاري من أعتق نصيبًا له في مملوك ويقال له: الشقيص بالتصغير.

والعبد اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه، والأمة اسم لمؤنثه من غير لفظه، ولم يفرق الجمهور في هذا الحكم بين الذكر والأنثى، فهو هنا يشمل الأمة، إما باعتبار أن المراد بالعبد الجنس، وإما على طريق الإلحاق لعدم الفارق، وعند الدارقطني من كان له شرط في عبد أو أمة.

(فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل، فأعطى شركاؤه حصصهم، وعتق عليه العبد) في الرواية الثانية في المملوك بين الرجلين وذكر الرجلين كالمثال، فلا فرق بين أن يكون بين رجلين أو امرأتين أو ثلاثة أو عشرة، فيعتق - بضم الياء أحدهما - أي نصيبة -؟ قال: يضمن أي يضمن هذا المعتق نصيب الشركاء.
وفي الرواية الثالثة من أعتق شقصًا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال وفي رواية للبخاري من أعتق شركًا له في مملوك فعليه عتقه كله، إن كان له مال يبلغ ثمنه، فإن لم يكن له مال يبلغ ثمنه، لكن يبلغ بعض الثمن يقوم عليه قيمة عدل، فأعتق منه ما أعتق أي أعتق منه ما أمكن.
وفي رواية للبخاري فكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق وفي البخاري أيضًا وكان ابن عمر يقول: قد وجب عليه عتقه كله، إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ قيمة العدل، ويدفع إلى الشركاء أنصباءهم، ويخلي سبيل المعتق، يخبر ذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والمراد بقيمة العدل القيمة التي يراها العدل، دون زيادة ولا نقصان، زاد في رواية النسائي لا وكس ولا شطط والوكس النقص، والشطط الجور.

وقوله فأعطى شركاؤه حصصهم ببناء الفعل للمجهول، وشركاؤه نائب فاعل، وحصصهم مفعول، أي قيمة حصصهم.

(وإلا فقد عتق منه ما عتق) بفتح العين فيهما، أي وإن لم يكن له مال قام العتق بالجزء الذي قام به من المعتق.

وفي الرواية الثالثة فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه استسعى بالبناء للمجهول، أي طلب من العبد السعي لسداد قيمة ما بقي، أي يكلف الاكتساب والطلب حتى يحصل قيمة نصيب الشريك الآخر، فإذا دفعها إليه عتق، وقيل: المراد بالاستسعاء هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ما له فيه من الرق.
ومعنى غير مشقوق عليه أي لا يكلف ما يشق عليه.

وفي ملحق الرواية الثالثة إن لم يكن له مال قوم عليه العبد قيمة العدل، ثم يستسعى هكذا هو في الرواية وظاهرها أن التقويم يشرع في حق من لم يكن له مال، وليس كذلك، اللهم إلا أن يقال: إن التقويم عليه حينئذ ليعرف الباقي الذي يستسعى العبد لأجله.

(أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها) بضم تاء تعتقها وظاهرها أن هذه الإرادة سابقة على عرض بريرة على عائشة أن تساعدها، ويمكن أن تكون مرتبة على طلب بريرة المساعدة، وهو الذي ينسجم مع بقية الروايات، فالمراد من الجارية بريرة.

وفي الرواية الخامسة أن بريرة جاءت عائشة، تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك، ويكون ولاؤك لي فعلت وفي الرواية السادسة عن عائشة: جاءت بريرة إلي، فقالت: يا عائشة، إني كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية وفي الرواية السابعة عن عائشة قالت: دخلت علي بريرة فقالت: إن أهلي كاتبوني على تسع أواق، في تسع سنين، في كل سنة أوقية، فأعينيني، فقلت لها: إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة، وأعتقك، ويكون الولاء لي فعلت أي أدفعها لهم دفعة واحدة، لا على أقساط.

وهدف عائشة من شراء جارية وعتقها قد يكون كفارة عن يمين، أو وفاء بنذر، أو تقربًا إلى الله تعالى لاقتحام العقبة.

(فقال أهلها) أي مالكوها، وفي الكلام طي، والتقدير: أرادت أن تشتري بريرة، فقالت لها: ارجعي إلى أهلك، فقولي لهم كذا وكذا، فرجعت إلى أهلها، فذكرت ذلك لهم، فقالوا...

(نبيعكها على أن ولاءها لنا) الولاء بفتح الواو، والمراد منه هنا استحقاق السيد المعتق الميراث ممن كان عبده وأعتق، وسبب هذا الاستحقاق شبهه بالنسب، فمن أعتق كمن ولد، وكما ينسب الولد إلى من ولد، ينسب العتق لمن أعتق.
وهذا معنى الولاء لمن أعتق وفي الرواية الخامسة فأبوا أي أبى أهلها أن يبيعوها لعائشة على أن يكون الولاء لعائشة، وقالوا: إن شاءت عائشة أن تحتسب عليك بالشراء والعتق وقد تحتسب ثوابها عند الله فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك وفي الرواية السابعة فأبوا بيعها لعائشة إلا أن يكون الولاء لهم وفي الرواية الثامنة أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا ولاءها وفي الرواية العاشرة فاشترطوا ولاءها وفي الرواية السابعة فأتتني، فذكرت ذلك.
قالت عائشة: فانتهرتها أي بالغت في زجرها وإضرابها، لما سمعت من قولهم، فتنصلت بريرة من مسئولية هذا القول، فقالت: لا أي لا تزجروني، فلا شأن لي بهذا القول، ولا ذنب لي فيه هاالله إذا أي هذا - والله - الذي حصل منهم.
قال النووي عن هذا التركيب: فقالت: لا.

هاالله ذلك، وفي بعض النسخ لا.
هاء الله إذا وهو كذلك في روايات المحدثين، بمد قوله هاء وبالهمزة في إذا قال المازري وغيره من أهل العربية: هذان لحنان، وصوابه لا.
ها الله ذا بالقصر في ها وحذف الألف من إذا قالوا: وما سواه خطأ، قالوا: ومعناه: ذا يميني.
قال أبو حاتم السجستاني: معناه: لا.
والله هذا ما أقسم به.
فأدخل اسم الله تعالى بين ها وذا.

(قالت: فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألني، فأخبرته) في الرواية الخامسة والثامنة فذكرت ذلك فيما بيني وبينها ما أراد أهلها، فانتهرتها، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما شأن بريرة؟.

(فقال: لا يمنعك ذلك) أي لا يمنعك من شرائها وعتقها ذلك الشرط الذي يشترطونه، وفي الرواية السابعة فقال: اشتريها، واعتقيها، واشترطي لهم الولاء أي واقبلي شرطهم، فإنه شرط لاغ، لا قيمة له، وفي ملحق الرواية السادسة لا يمنعك ذلك الشرط منها أي من شرائها ابتاعي أي اشتري وأعتقي.

(فإنما الولاء لمن أعتق) إنما أداة حصر، أي الولاء مقصور على من أعتق، لا يتعداه إلى البائعين، وفي الرواية التاسعة الولاء لمن ولي النعمة أي لمن باشر وعالج نعمة العتق.

(ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قام يخطب في الناس، وفي الرواية السابعة ففعلت أي اشتريت، وعتقت ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية.

(ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟) البال الحال والشأن، وجملة يشترطون شروطًا...
إلخ صفة أناس والاستفهام إنكاري توبيخي.
أي ما كان ينبغي لأناس أن يشترطوا شروطًا ليست في كتاب الله.
يقصد شرط البائع أن يكون الولاء له.

والمراد بما ليس في كتاب الله ما خالف كتاب الله، وقال ابن بطال: المراد من كتاب الله هنا حكمه، من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة، وقال ابن خزيمة: ليس في كتاب الله أي ليس في حكم الله جوازه، وقال القرطبي: ليس في كتاب الله أي ليس مشروعًا في كتاب الله، تأصيلاً، ولا تفصيلاً.

(من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له) في الرواية السابعة فهو باطل.

(وإن شرط مائة شرط) في الرواية السابعة وإن كان مائة شرط وفي رواية البخاري وإن شرط مائة مرة قال النووي: معناه أنه لو شرط مائة مرة توكيدًا لشرطه فهو باطل وإنما حمله على التأكيد لأن العموم في قوله كل شرط دال على بطلان جميع الشروط المذكورة، فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زادت على المائة كان الحكم كذلك، لما دلت عليها الصيغة، وقيل ذكر المائة على سبيل المبالغة، أي خرج مخرج التكثير، يعني أن الشروط غير المشروعة باطلة ولو كثرت.

(شرط الله أحق وأوثق) أي أحق بالاتباع من الشروط المخالفة، وأقوى، وأفعل التفضيل هنا على غير بابه، إذ ليس هناك مشاركة بين الحق والباطل، فهو من قبيل قولنا: العسل أحلى من المر.
وفي الرواية السابعة كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق وفي رواية للبخاري فقضاء الله أحق، وشرط الله أوثق.

(في كل سنة وقية) قال النووي: وقع في جميع النسخ وقية بدون ألف في الرواية الثانية - أي في الرواية السابقة - ووقع في الرواية الأولى - أي السادسة - في كل عام أوقية بالألف، وفي بعض النسخ بدونها، وكلاهما صحيح، وهما لغتان، إثبات الألف أفصح، والأوقية الحجازية أربعون درهمًا.

(وكان زوجها عبدًا، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختارت نفسها، ولو كان حرًا لم يخيرها) في الرواية العاشرة قال عبد الرحمن بن القاسم: وكان زوجها حرًا.
قال شعبة: ثم سألته عن زوجها - أي أكان حرًا أم عبدًا؟ - فقال: لا أدري قال النووي: قال الحافظ: رواية من روى أنه كان حرًا غلط وشاذة مردودة، لمخالفتها روايات الثقات.
وحكم التخيير سيأتي في فقه الحديث.

وكان هذا التخيير عقب عتقها، ففي الرواية الثامنة وعتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختارت نفسها أي خيرها بين أن تبقى تحت زوجها العبد، وبين أن ينفسخ نكاحها، فاختارت فسخ النكاح.
وفي الرواية الثانية عشرة خيرت على زوجها حين عتقت.

واسم زوجها هذا مغيث وكان عبدًا أسود، وكان يحب بريرة حبًا غالبًا، جعله يتبعها في شوارع المدينة، وهو يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، يترضاها، ويرجوها أن تعود إليه، بعد أن اختارت نفسها، وفسخ زواجها، حتى قال صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة؟ ومن بغض بريرة مغيثًا؟ وحتى قال لها صلى الله عليه وسلم: لو راجعتيه؟ قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ قال: لا.
إنما أنا أشفع.
قالت: لا حاجة لي فيه.
لو أعطاني كذا وكذا ما قبلت أن أكون عنده.

خدمت بريرة عائشة قبل أن تعتق، وشهدت لعائشة خيرًا في حديث الإفك، ويبدو أن أهلها مالكيها أذنوا لها بخدمتها، بأجر أو بدون أجر، وشراء عائشة لها وعتقها كان في السنة التاسعة، وعاشت إلى خلافة معاوية.

(كان في بريرة ثلاث قضيات) جمع قضية، وفي الرواية الثانية عشرة ثلاث سنن جمع سنة، أي ثلاثة أحاديث تشريعية، أي كان بسببها ثلاثة أحكام.
الولاء لمن أعتق، وتخيير الأمة إذا أعتقت وهي تحت عبد، والصدقة على موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وستأتي هذه القضايا في فقه الحديث.

(لو صنعتم لنا من هذا اللحم) طعامًا؟ لو للتمني، أو شرطية جوابها محذوف، أي لكان خيرًا.
والرواية الثانية عشرة توضح الصورة أكثر، ولفظها وأهدي لها لحم، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبرمة على النار رأى فيها لحمًا، وهي مكشوفة، فرأى اللحم، فدعا بطعام، فأتى بخبز وأدم - بضم الهمزة وسكون الدال - من أدم البيت بضم الهمزة وضم الدال، والأدم بضم الهمزة وسكون الدال الإدام بكسرها، وهو ما يستمرأ به الخبز من نحو ملح وخل وجبن فقال: ألم أر برمة على النار، فيها لحم؟ فقالوا: بلى، يا رسول الله ذلك لحم تصدق به على بريرة؟ أي وآل محمد لا تحل لهم الصدقات فكرهنا أن نطعمك منه، فقال: هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية لو صنعتم لنا من هذا اللحم طعامًا؟ ويحتمل أن يكون هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم بعد قوله ألم أر برمة على النار فيها لحم؟ لو صنعتم لنا من هذا اللحم طعامًا؟ فقالوا...
إلخ وهذا هو الظاهر من الرواية التاسعة.

(نهى عن بيع الولاء، وعن هبته) الولاء لحمة كلحمة النسب، حق ثابت لمن أعتق، وكما لا يجوز التنازل أو بيع النسب، أو هبته، لا يجوز التنازل عن الولاء أو بيعه أو هبته.

(كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله) بضم العين وضم القاف، ونصب اللام، مفعول كتب والهاء ضمير البطن، والعقول الديات، جمع عقل، والمعنى على كل بطن أن يتحملوا الديات، إذا وقع من أحدهم القتل الخطأ والعاقلة هم الذين يدفعون الديات، وهم العصبات، الآباء وإن علوا، والأبناء وإن سفلوا.
والعاقلة جمع عاقل، وهو دافع الدية، لأنهم كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية، ولو لم تكن إبلاً.

ومعنى كتب أثبت وأوجب، والبطن دون القبيلة، والفخذ دون البطن.

(لا يحل لمسلم أن يتوالى مولى رجل مسلم بغير إذنه) أي لا يحل لمسلم أن يقبل ولاء هو حق لغيره، وأن ينسب إلى نفسه مولى رجل مسلم، فهذا النهي للأسياد الذين يقبلون انتماء الموالي إليهم، وهم ليسوا أصحاب الولاء، أما الرواية السادسة عشرة فهي نهي للموالي أن يتولوا وينتسبوا إلى غير من أعتقهم، ولفظها من تولى قومًا بغير إذن مواليه والسبب أن الولاء كالنسب، فيحرم تضييعه، كما يحرم تضييع النسب، ويشترك في الحرمة العتيق الذي ينتمي إلى غير معتقه، والسيد الذي يقبل هذا الانتماء.
وقيد بغير إذنه قيد لبيان الغالب والكثير وليس للاحتراز عند جمهور العلماء، فهو نظير قوله تعالى: { { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } } [الأنعام: 151] والهاء في بغير إذنه للمعتق.

(لعن في صحيفته) المراد منها كتابه صلى الله عليه وسلم إلى البطون.

(ولا يقبل منه عدل ولا صرف) قال الحافظ ابن حجر: اختلف في تفسيرهما، فعند الجمهور الصرف الفريضة، والعدل النافلة، وعن الحسن البصري بالعكس، وعن الأصمعي الصرف التوبة، والعدل الفدية، وقيل: الصرف الدية، والعدل الزيادة عليها، وقيل بالعكس وقيل: الصرف الوزن، والعدل الكيل، وقيل: الصرف الشفاعة، والعدل الفدية، وقيل: الصرف الرشوة، والعدل الكفيل.

ثم قال: قال عياض: معناه لا يقبل قبول رضا، وإن قبل قبول جزاء.

(من زعم أن عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة...
فقد كذب)
أي من زعم أن عندنا شيئًا مكتوبًا اختصصنا به عن الناس فقد كذب، وسبب قول علي هذا أن عليًا كان يأمر بالأمر، فيقال له: قد فعلناه.
فيقول: صدق الله ورسوله، فقال له الأشتر: إن هذا الذي تقول.
أهو شيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما عهد إلي شيئًا خاصة، دون الناس، إلا شيئًا سمعته منه، فهو في صحيفة، قراب سيفي.
فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها.

(أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات) المراد أسنان الإبل المتعلقة بالخراج، أو المتعلقة بالزكاة، أو ما هو أعم، والمراد من الجراحات القصاص فيها أو أرشها.

(المدينة حرم، ما بين عير إلى ثور) عير بفتح العين وإسكان الياء، جبل معروف بالمدينة، أما ثور بفتح الثاء وإسكان الواو فهو جبل معروف في مكة، وغير معروف بهذا الاسم في المدينة، ولذا قال المحدثون إن الرواية ما بين عير وأحد قال النووي: يحتمل أن ثورًا كان اسمًا لجبل هناك، إما أحد، وإما غيره فخفي اسمه.
اهـ.

ومعنى المدينة حرم أي يحرم تنفير صيدها، وقطع شجرها.

(فمن أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدثًا) أي من أتي فيها إثمًا، أو آوى من أتاه، وحماه، فعليه لعنة اللَّه.. إلخ ولفظ آوى بالقصر والمد في الفعل اللازم والمتعدي جميعًا لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح.

(فعليه لعنة اللَّه) اللعن في اللغة الطرد والإبعاد، والمراد المبالغة في إبعاده عن رحمة الله تعالى، وعن الجنة في أول الأمر، فهو إبعاد مؤقت، والجملة خبرية لفظًا ومعنى.

(وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم) الذمة هنا الأمان، والمعنى أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإن أمنه أحد المسلمين حرم على غيره التعرض له، ما دام في أمان المسلم، يستوي في ذلك عظيمهم وحقيرهم ذكرهم وأنثاهم، حرهم وعبدهم.
وللأمان شروط معروفة في كتب الفقه.

(من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربًا منه من النار) الإرب بكسر الهمزة وسكون الراء العضو، وفي الرواية المتممة للعشرين أعتق الله بكل عضو منها عضوًا من أعضائه من النار حتى يعتق فرجه بفرجه وفي الرواية الواحدة والعشرين أعتق الله بكل عضو منه - أي من العتيق - عضوًا من النار، حتى يعتق فرجه بفرجه وفي الرواية الثانية والعشرين استنقذ الله بكل عضو منه مثله من النار وقيد مؤمنة قيل: للاحتراز، وقيل: لا.
وسيأتي في فقه الحديث.

(قال سعيد فانطلقت...
فذكرته لعلي بن الحسين)
سعيد بن مرجانة كان منقطعًا إلى علي بن الحسين ملازمًا له في غدواته وروحاته، فعرف بصحبته، وعلي بن الحسين هو علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
زاد أحمد فقال علي بن الحسين: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال: نعم: (فأعتق عبدًا له، قد أعطاه به ابن جعفر عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار) المراد من ابن جعفر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو ابن عم والد علي بن الحسين.
وفي التعبير بالدراهم والدنانير إشارة إلى أن الدينار إذ ذاك كان بعشرة دراهم.
والمقصود من ذكر هذه القيمة رفع شأن الرقبة التي حررت، وأفضل الرقاب عند العتق أعلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها.

(لا يجزي ولد والدًا) لا يجزي بفتح الياء، أي لا يكافئه على إحسانه، وقضاء حقه، إلا أن يعتقه.
وعتق الأقارب إذا ملكوا سيأتي في فقه الحديث.

فقه الحديث

في هذه المجموعة من الأحاديث ثلاث قضايا رئيسية:

1- عتق العبد المشترك بين مالكين.

2- ولاء العتيق [الولاء لمن أعتق - بيع الولاء وهبته - تولى العتيق غير مواليه] .

3- فضل العتق.

فالقضية الأولى: تتمثل في الأحاديث الثلاثة الأولى، وعنها يقول النووي: في هذا الحديث أن من أعتق نصيبه من عبد مشترك، قوم عليه باقيه، إذا كان موسرًا، بقيمة عدل، سواء كان العبد مسلمًا أو كافرًا، وسواء كان الشريك مسلمًا أو كافرًا، وسواء كان العتيق عبدًا أو أمة، ولا خيار للشريك في هذا، ولا للعبد، ولا للمعتق، بل ينفذ هذا الحكم، وإن كرهه كلهم، مراعاة لحق الله تعالى في الحرية، وأجمع العلماء على أن نصيب العتق يعتق بنفس الإعتاق، إلا ما حكاه القاضي عن ربيعة أنه قال: لا يعتق نصيب المعتق، موسرًا كان أو معسرًا، وهذا مذهب باطل، مخالف للأحاديث الصحيحة كلها والإجماع.

وأما نصيب الشريك أو الشركاء فاختلفوا في حكمه إذا كان المعتق موسرًا على ستة مذاهب:

أحدها: وهو الصحيح في مذهب الشافعي، وبه قال ابن شبرمة والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وإسحق وبعض المالكية، أنه عتق بنفس الإعتاق، أي عتق العبد كله بنفس إعتاق جزئه - ويقوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم الإعتاق، ويكون ولاء جميعه للمعتق، وحكمه من حين الإعتاق حكم الأحرار في الميراث وغيره، وليس للشريك إلا المطالبة بقيمة نصيبه كما لو قتله.
قال هؤلاء: ولو أعسر المعتق بعد ذلك استمر نفوذ العتق، وكانت القيمة دينًا في ذمته، ولو مات أخذت من تركته، فإن لم تكن له تركة ضاعت القيمة، واستمر عتق جميعه، قالوا: ولو أعتق الشريك نصيبه بعد إعتاق الأول نصيبه كان إعتاقه لغوًا، لأنه قد صار كله حرًا - بإعتاق الأول.

المذهب الثاني: أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة، وهو المشهور من مذهب مالك، وبه قال أهل الظاهر، وهو قول الشافعي.

المذهب الثالث: مذهب أبي حنيفة.
للشريك الخيار، إن شاء استسعى في نصف قيمته، وإن شاء أعتق نصيبه، والولاء بينهما، وإن شاء قوم نصيبه على شريكه المعتق ثم قبضه ثم يرجع المعتق بما دفع إلى شريكه يرجع على العبد، يستسعيه في ذلك، والولاء كله للمعتق.
قال: والعبد في مدة الكتابة بمنزلة المكاتب في كل أحكامه.

المذهب الرابع مذهب عثمان الليثي: لا شيء على المعتق، إلا أن تكون جارية رائعة الجمال، تراد للوطء، فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر.

المذهب الخامس: حكاه ابن سيرين أن القيمة في بيت المال.

المذهب السادس: محكي عن إسحق بن راهويه: أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء.
قال النووي: وهذا القول شاذ مخالف للعلماء كافة.
والأقوال الثلاثة قبله فاسدة مخالفة لصريح الأحاديث، فهي مردودة على قائليها.

هذا كله فيما إذا كان المعتق لنصيبه موسرًا، فأما إذا كان معسرًا حال الإعتاق ففيه أربعة مذاهب:

أحدها: مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي عبيد وموافقيهم: ينفذ العتق في نصيب المعتق فقط ولا يطالب السيد المعتق بشيء، ولا يستسعى العبد، بل يبقى نصيب الشريك رقيقًا، كما كان، وبهذا قال جمهور علماء الحجاز، لحديث ابن عمر [روايتنا الأولى] .

المذهب الثاني: مذهب ابن شبرمة والأوزاعي وأبي حنيفة وابن أبي ليلى وسائر الكوفيين وإسحق: يستسعى العبد في حصة الشريك، واختلف هؤلاء في رجوع العبد بما أدى في سعايته على معتقه، فقال ابن أبي ليلى: يرجع به عليه، وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يرجع، ثم هو عند أبي حنيفة في مدة السعاية بمنزلة المكاتب، وعند الآخرين: هو حر بالسراية.

المذهب الثالث: مذهب زفر وبعض البصريين: أنه يقوم على المعتق، ويؤدي القيمة إذا أيسر.

المذهب الرابع: حكاه القاضي عن بعض العلماء: أنه لو كان المعتق معسرًا بطل عتقه في نصيبه أيضًا، فيبقى العبد كله رقيقًا، كما كان.
قال النووي: وهذا مذهب باطل.
ثم قال:

أما إذا ملك الإنسان عبدًا بكماله، فأعتق بعضه، فيعتق كله في الحال، بغير استسعاء.
هذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد والعلماء كافة وانفرد أبو حنيفة فقال: يستسعى في بقيته لمولاه، وخالفه أصحابه في ذلك، فقالوا بقول الجمهور.
وقال أهل الظاهر: إن للرجل أن يعتق من عبده ما شاء.

والقضية الثانية: قضية الولاء - وتتمثل في الأحاديث من الرواية الرابعة وحتى الرواية الثالثة عشرة، ويتبعها الروايات الرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة.

وفي هذه المجموعة أحكام كثيرة، وقواعد جمة، ومواضع تشعبت فيها المذاهب نعرضها أخذًا من كلام النووي وغيره.

الموضع الأول: بيع المكاتب وظاهر الرواية الخامسة والسادسة والسابعة أن بريرة كانت قد كاتبها أهلها ثم باعوها، واشترتها عائشة، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البيع فاحتج بهذا طائفة من العلماء على أنه يجوز بيع المكاتب إذا رضي بذلك، ولو لم يعجز نفسه، ومن جوزه عطاء والنخعي وأحمد ومالك في رواية عنه.

وقال ابن مسعود وربيعة وأبو حنيفة والشافعي في أصح القولين وبعض المالكية ومالك في رواية عنه: لا يجوز بيع المكاتب، وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها، وفسخوا كتابتها قبل بيعها، ورد هذا الجواب ابن عبد البر، فقال: ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجم، ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شيء، ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي صلى الله عليه وسلم لها عن شيء من ذلك.

وأول بعضهم قولها في الرواية السادسة إني كاتبت أهلي وفي السابعة إن أهلي كاتبوني فقال معناه: راودتهم على مكاتبتي، وراودوني، واتفقت معهم على هذا القدر، ولم يقع العقد بعد، ولذلك بيعت فلا حجة فيه على بيع المكاتب مطلقًا.
قال الحافظ ابن حجر: وهو خلاف ظاهر سياق الحديث.

وقال بعض المالكية إن الذي اشترته عائشة كتابة بريرة، لا رقبتها، ولا حجة فيه على جواز بيع المكاتب، ورد هذا بأنه لو كان كذلك لكان المعتقون لها أهلها، وكان اللوم على عائشة، بطلبها ولاء من أعتقها غيرها والروايات صريحة في أن عائشة أرادت أن تشتري جارية شراء صحيحًا، تمتلكها بموجبه وتعتقها.
وقال بعض العلماء: إنما يجوز بيع المكاتب بشرط العتق، وهو أصح القولين عند الشافعية والمالكية وعند الحنفية يبطل.

الموضع الثاني: ما يجوز من الشروط، وما لا يجوز.
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم [ في الرواية السابعة] ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل صريح في إبطال كل شرط ليس له أصل في كتاب الله تعالى.
قال العلماء: الشرط في البيع ونحوه أقسام:

أحدها شرط يقتضيه العقد، كأن شرط تسليمه إلى المشتري، أو تبقية التمر على الشجر إلى أوان الجداد، أو الرد بالعيب.

الثاني: شرط فيه مصلحة، وتدعو إليه الحاجة، كاشتراط الرهن، والضامن، والخيار وتأجيل الثمن، ونحو ذلك.

الثالث: اشتراط العتق في العبد المبيع أو الأمة، وهذا جائز أيضًا عند الجمهور لحديث عائشة ترغيبًا في العتق، لقوته وسرايته.

الرابع: ما سوى ذلك من الشروط، كشرط استثناء منفعة، وشرط أن يبيعه شيئًا آخر أو يكريه داره، أو نحو ذلك.
فهذا شر باطل مبطل للعقد، هكذا قال الجمهور وقال أحمد: لا يبطله شرط واحد، وإنما يبطله شرطان.
اهـ.

وقد استشكل على قول الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل.
فكيف صدر منه الإذن في البيع على شرط فاسد؟ حيث قال في الرواية السابعة اشتريها واعتقيها، واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق؟

وقد أجيب عن هذا الإشكال بأجوبة.
منها:

(أ) إنكار الشرط وتضعيف الرواية.
أشار إلى ذلك الشافعي في الأم.
ورد بأن الحديث متفق على صحته فلا وجه لرده.

(ب) زعم الطحاوي أن المزني حدثه به عن الشافعي بلفظ وأشرطي بهمزة قطع، ثم وجهه بأن معناه أظهري لهم حكم الولاء، والإشراط الإظهار، ورد بأن هذه الرواية منكرة، فلا يعتد بها.

(ج) حكى الطحاوي أيضًا أن اللام في قوله واشترطي لهم الولاء بمعنى على كقوله تعالى { { وإن أسأتم فلها } } [الإسراء: 7] فالمعنى: اشترطي عليهم الولاء، ليكون لك.

قال النووي: تأويل اللام بمعنى على هنا ضعيف، لأنه صلى الله عليه وسلم أنكر الاشتراط، ولو كانت بمعنى على لم ينكره.

(د) قال بعضهم: إن الأمر في قوله اشترطي للإباحة، وهو على جهة التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم، فوجوده وعدمه سواء، وكأنه يقول: اشترطي أو لا تشترطي، فذلك لا يفيدهم، ويقوي هذا التأويل قوله في إحدى الروايات عند البخاري اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاءوا.

(هـ) قال بعضهم: الأمر في قوله اشترطي مراد به التهديد على ما يؤول إليه الحال، كقوله { { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } } [التوبة: 105] وكقول موسى { { ألقوا ما أنتم ملقون } } [الشعراء: 43] أي فليس ذلك بنافعكم، وكأنه يقول اشترطي لهم، فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم، يريد بذلك توبيخهم، مشيرًا إلى أنه قد تقدم منه بيان حكم الله بإبطاله، إذ لو لم يتقدم بيان ذلك لبدأ بيان الحكم في الخطبة، لا بتوبيخ الفاعل.

(و) قال النووي: أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القضية، وأن سببه المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط، لمخالفته حكم الشرع، وهو كفسخ الحج إلى العمرة، إذ كان خاصًا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل، ولأن الشافعي نص على خلاف هذه المقالة.

(ز) وقال ابن الجوزي: ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنًا للعقد، فيحمل على أنه كان سابقًا للعقد، فيكون الأمر بقوله اشترطي مجرد وعد، ولا يجب الوفاء به.
وتعقب باستبعاد أنه صلى الله عليه وسلم يأمر شخصًا بأن يعد، مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد.

(ح) وأغرب ابن حزم، فقال: كان الحكم ثابتًا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق، فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزًا فيه، ثم نسخ ذلك الحكم بخطبته صلى الله عليه وسلم، وبقوله إنما الولاء لمن أعتق.

قال الحافظ ابن حجر: ولا يخفى بعد ما قال، وسياق طرق هذا الحديث تدفع هذا الجواب.

وخير الأجوبة ما ذكرناه في الفقرة (د) قال الخطابي موضحًا ومؤيدًا: وجه هذا الحديث أن الولاء لما كان لحمة كلحمة النسب، والإنسان إذا ولد له ولد ثبت له نسبه، ولا ينتقل نسبه عنه ولو نسب إلى غيره، فكذلك إذا أعتق عبدًا ثبت له ولاؤه؛ ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل، فلم يعبأ باشتراطهم الولاء، وقال: اشترطي ودعيهم يشترطون ما شاءوا لأن ذلك غير قادح في العقد بل هو بمنزلة اللغو من الكلام، وأخر إعلامهم بذلك ليكون رده وإبطاله قولاً شهيرًا، يخطب به على المنبر ظاهرًا، إذ هو أبلغ في النكير، وأوكد في التعبير.

الموضع الثالث: الولاء لمن أعتق.
قال النووي: أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه، وأنه يرث بالولاء، وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير، وقال جماعة من التابعين: يرثه كعكسه.
اهـ.

قال ابن بطال: هذا الحديث يقتضي أن الولاء لكل معتق، سواء كان ذكرًا أو أنثى.
وهو مجمع عليه، أما جر الولاء وميراثه فقال الأبهري لا خلاف بين الفقهاء في أنه ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أولاد من أعتقن.
وقال مسروق: لا يختص الذكور بولاء من أعتق آباؤهم، بل الذكور والإناث فيه سواء، كالميراث.
وقال ابن حجر: العبارة السليمة أن يقال: ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتق، أو جره إليهن من أعتقن بولادة أو عتق، والحجة للجمهور اتفاق الصحابة، ومن حيث النظر أن المرأة لا تستوعب المال بالفرض، الذي هو آكد من التعصيب، فاختص بالولاء من يستوعب المال، وهو الذكر، وإنما ورثن من عتقن لأنه عن مباشرة، لا عن جر الإرث.

واستدل بقول في الرواية التاسعة الولاء لمن ولى النعمة وبقوله في رواية البخاري الولاء لمن أعطى الورق، وولى النعمة على أن المراد بقوله لمن أعتق أي لمن كان مالكًا لمن أعتق حين العتق، لا من باشر العتق ولو بوصية أو بوكالة.
والله أعلم.

الموضع الرابع: بيع الولاء وهبته، ولفظ الرواية الرابعة عشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء، وعن هبته ويقول النووي: فيه تحريم بيع الولاء وهبته وأنهما لا يصحان، وأنه لا ينتقل الولاء عن مستحقه، بل هو لحمة كلحمة النسب، وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف، وأجاز بعض السلف نقله، ولعلهم لم يبلغهم الحديث.
اهـ.

والموضع الخامس: تولى العتيق غير مواليه، ولا يتم هذا إلا بأمرين، الأول: رغبة العتيق وحرصه على أن ينتمي إلى غير معتقه، وأن ينتسب إلى غير من له الولاء.
الأمر الثاني: رضا الولي المستعار بهذا الانتماء، وقبوله لهذا الانتساب.

أما الأمر الأول فتقول عنه الرواية السادسة عشرة والسابعة عشرة من تولى قومًا بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف وتقول عنه الرواية الثامنة عشرة ومن ادعي إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً.

وأما الأمر الثاني فتقول عنه الرواية الخامسة عشرة لا يحل لمسلم أن يتوالى مولى رجل مسلم بغير إذنه يقول الراوي: ثم أخبرت أنه لعن في صحيفته من فعل ذلك.

وقد روى أحمد والطبراني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله عبادًا لا يكلمهم الله تعال...
الحديث وفيه ورجل أنعم عليه قوم، فكفر نعمتهم، وتبرأ منهم.

والحكمة في تحريم ذلك ما فيه من كفر النعمة، وتضييع حق الإرث بالولاء، والعقل، وغير ذلك.

أما قيد بغير إذن مواليه الوارد في بعض الروايات فقد شذ عطاء بن أبي رباح بالأخذ بمفهوم هذا القيد، وقال: إن أذن الرجل لمولاه أن يوالي من شاء جاز، واستدل بهذا الحديث قال ابن بطال: وجماعة الفقهاء على خلاف ما قال عطاء.
قال الحافظ ابن حجر: وانعقد الإجماع على خلاف هذا القول.

قال ابن بطال: وفي الحديث أنه لا يجوز للعتيق أن يكتب: فلان ابن فلان، ويسمي نفسه ومولاه الذي أعتقه، بل يقول: فلان مولى فلان، ولكن يجوز أن ينتسب إلى نسب الذي أعتقه، كالقرشي وغيره، والأولى أن يفصح بذلك أيضًا، كأن يقول: القرشي بالولاء، أو مولاهم.

ويؤخذ من مجموعة هذه الأحاديث

1- من قوله إنما الولاء لمن أعتق من منطوقه إثبات الولاء لمن أعتق سائبة - أي العبد يقول له سيده: لا ولاء لأحد عليك، أو أنت سائبة، أو أعتقتك سائبة، أو أنت حر سائبة.

وقد اختلف في هذا الشرط، والجمهور على كراهته، وشذ من قال بإباحته، واختلف في ولائه، والجمهور على أن ولاءه لمن أعتق، ففي البخاري عن هزيل قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر، فقال: إني أعتقت عبدًا لي سائبة، فمات، فترك مالاً، ولم يدع وارثًا؟ فقال عبد الله: أنت ولي نعمته، فلك ميراثه، فإن تأثمت - أي خشيت أن تقع في الإثم - أو تحرجت في شيء فنحن نقبله، ونجعله في بيت المال.

وبهذا الحكم في السائبة قال الحسن البصري وابن سيرين والشافعي.

وقال عطاء: إذا لم يخلف السائبة وارثًا دعي الذي أعتقه، فإن قبل ماله، وإلا ابتيعت به رقاب فأعتقت.

وفيه مذهب آخر أن ولاءه للمسلمين، يرثونه ويعقلون عنه.
قال عمر بن عبد العزيز والزهري، وهو قول مالك.

قال ابن المنذر: واتباع ظاهر قوله الولاء لمن أعتق أولى.
اهـ.

2- ومن منطوق العبارة أيضًا ثبوت الولاء للمسلم على الكافر، وعكسه، وإن لم يتوارثا ما دام الدين مختلفًا.

3- ومن مفهوم قوله إنما الولاء لمن أعتق أنه لا ولاء لملتقط، لأن كلمة إنما للحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه، والجمهور على أن اللقيط حر، وولاؤه في بيت المال، لأن الحديث يقتضي أن من لم يعتق لا ولاء له، لأن العتق يستدعي سبق مالك، واللقيط من دار الإسلام لا يملكه الملتقط، لأن الأصل في الناس الحرية، إذ لا يخلو المنبوذ أن يكون ابن حرة، فلا يسترق، أو ابن أمة قوم فميراثه لهم، فإذا جهل وضع في بيت المال، ولا رق عليه للذي التقطه.

وجاء عن النخعي وإسحاق بن راهويه أن ولاء اللقيط للذي التقطه، واحتج بقول عمر لأبي جميلة في الذي التقطه: اذهب فهو حر، وعلينا نفقته، ولك ولاؤه وأجاب الحافظ ابن حجر: بأن معنى قول عمر: لك ولاؤه أي أنت الذي تتولى تربيته، والقيام بأمره، فهي ولاية الإسلام، وليست ولاية العتق.

وجاء عن علي أن اللقيط مولى من يشاؤه ويختاره إلى أن يغفل عنه، فلا ينتقل بعد ذلك عن العاقلة التي عقلت عنه.
وبه قال الحنفية.
ومفهوم الحديث يؤيد قول الجمهور.

4- ومن مفهوم قوله إنما الولاء لمن أعتق أيضًا أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه، بهذا قال مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وداود وجماهير العلماء.

وقال ربيعة والليث وأبو حنيفة وأصحابه: من أسلم على يديه رجل فولاؤه له.

5- ومن مفهوم قوله إنما الولاء لمن أعتق أيضًا أنه لا ولاء لمن حالف إنسانًا على المناصرة وبه قال الجمهور، وقال أبو حنيفة يثبت الولاء بالحلف، ويتوارثان به.

6- ومن قصة بريرة جواز الكتابة.

7- وجواز فسخ الكتابة إذا عجز المكاتب نفسه، واحتج به طائفة لجواز بيع المكاتب، كما سبق.

8- وجواز كتابة الأمة، ككتابة العبد.

9- وجواز كتابة المزوجة، ولو لم يأذن الزوج، وأنه ليس له منعها من كتابتها، ولو كانت تؤدي إلى فراقها منه، كما أنه ليس للعبد المتزوج منع السيد من عتق أمته التي تحته، وإن أدى ذلك إلى بطلان نكاحها.

10- وجواز كتابة من لا حرفة له وفاقًا للجمهور واختلف عن مالك وأحمد، وذلك أن بريرة جاءت تستعين على كتابتها، ولم تكن قضت منها شيئًا.

11- وجواز سعي المكاتب في حال الكتابة، وتمكين السيد له من ذلك، بشرط حل جهة الكسب.

12- وفيه البيان بأن النهي الوارد عن كسب الأمة محمول على من لا يعرف وجه كسبها، أو محمول على غير المكاتبة.

13- وأن للمكاتب أن يسأل من حين الكتابة، ولا يشترط في ذلك عجزه، خلافًا لمن شرطه.

14- وجواز السؤال لمن احتاج إليه، من دين أو غرم أو نحو ذلك.

15- وأنه لا بأس بتعجيل مال الكتابة.

16- وأن الكتابة تكون على نجوم وأقساط، لقولها في الرواية السادسة والسابعة أنها كاتبت أهلها على تسع أواق، في تسع سنين، في كل سنة أوقية ومذهب الشافعي أنها لا يجوز على نجم واحد، بل لا بد من نجمين فصاعدًا.
وقال مالك والجمهور: تجوز على نجوم وعلى نجم واحد.

17- أن المكاتب لا يصير حرًا بنفس الكتابة، بل هو عبد ما بقي عليه درهم، وبهذا قال الشافعي ومالك وجماهير العلماء، وحكى القاضي عن بعض السلف أنه يصير حرًا بنفس الكتابة، ويثبت المال في ذمته، ولا يرجع إلى الرق أبدًا، وعن بعضهم أنه إذا أدى نصف المال صار حرًا، ويصير الباقي دينًا عليه، وقيل: إذا أدى الثلث، وقيل: إذا أدى ثلاثة أرباع المال.

18- إعانة المكاتب في كتابته، ولو بالصدقة، وعند المالكية رواية أنه لا تجزئ عن الفرض.

19- المساومة في البيع.

20- جواز تصرف المرأة في مالها، بالشراء والإعتاق وغيره، إذا كانت رشيدة، ولو كانت متزوجة بغير إذن زوجها خلافًا لمن منع ذلك.

21- وأن العبد إذا أذن له سيده بالتجارة جاز تصرفه.

22- وأن بيع الأمة المزوجة ليس بطلاق، ولا ينفسخ به النكاح، وبه قال جماهير العلماء، وقال سعيد بن المسيب: هو طلاق، وعن ابن عباس أنه ينفسخ به النكاح، وحديث بريرة يرد المذهبين، لأنها خيرت في بقائها معه.

23- وأنه لا بأس لمن أراد أن يشتري للعتق أن يظهر ذلك لأصحاب الرقبة، ليتساهلوا له في الثمن، ولا يعد ذلك رياء.

24- وأن المراد بالخير في قوله تعالى: { { إن علمتم فيهم خيرًا } } [النور: 33] القدرة على الكسب.

25- وجواز التأقيت في الديون، في كل شهر مثلاً كذا، من غير بيان أوله أو وسطه، ولا يكون ذلك مجهولاً، لأنه يتبين الحلول بانقضاء الشهر.
قاله ابن عبد البر، وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف إلا إلى أجل معلوم، ويحمل أن الراوي قصر في بيان تعيين الوقت من العام، حيث قال: في كل عام أوقية أي في غرته مثلاً.

26- وجواز البيع على شرط العتق، بخلاف البيع بشرط أن لا يبيعه لغيره، ولا يهبه مثلاً.

27- وفيه جواز مناجاة المرأة دون زوجها سرًا، إذا كان المناجي ممن يؤمن.

28- وأن الرجل إذا رأى شاهد الحال يقتضي السؤال عن ذلك، سأل وأعان.

29- وأنه لا بأس للحاكم أن يحكم لزوجته، ويشهد.

30- وفيه قبول خبر الواحد، ولو كانت أمه، ويؤخذ منه حكم العبد من باب أولى.

31- وأن اكتساب المكاتب له، لا لسيده.

32- قبول هدية الفقير والمعتق.

33- جواز الصدقة على موالي قريش.

34- تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: ومذهبنا أنه كان تحرم عليه صدقة الفرض بلا خلاف، وكذا صدقة التطوع على الأصح.

35- أن الصدقة لا تحرم على قريش، غير بني هاشم وبني المطلب، لأن عائشة قرشية، وقبلت ذلك اللحم من بريرة على أن له حكم الصدقة، وأنها حلال لها، دون النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد.
كذا قال النووي، وهو غير ظاهر، بل قوله في الرواية الثامنة وهو لكم هدية، فكلوه يبعد ذلك.

36- جواز خدمة العتيق لمعتقه برضاه، فقد ظلت بريرة بعد العتق تخدم عائشة.

37- أنه يستحب للإمام عند وقوع بدعة.
أو أمر يحتاج إلى بيانه أن يخطب الناس، ويبين لهم حكم ذلك، وينكر على من ارتكب ما يخالف الشرع.

38- استعمال الأدب والستر عند الإنكار، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: ما بال أقوام...
ولم يواجه صاحب الخطأ.

39- أنه يستحب في الخطبة أن يقول بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله أما بعد.

40- من قوله هو لها صدقة، ولنا هدية أن الصفة إذا تغيرت تغير حكمها، فيجوز للغني شراءها من الفقير، وأكل الهاشمي لها إذا أهداها إليه.

41- جواز الشفاعة من الحاكم إلى المحكوم له للمحكوم عليه.
وهذا مأخوذ من رواية للبخاري في قصة بريرة.

42- وجواز الشفاعة إلى المرأة للبقاء مع زوجها.
وهذا أيضًا مأخوذ من رواية للبخاري.

43- تخيير الأمة إذا أعتقت تحت عبد قال النووي: وأجمعت الأمة إذا أعتقت كلها تحت زوجها وهو عبد كان لها الخيار في فسخ النكاح، فإن كان حرًا فلا خيار لها عند مالك والشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة: لها الخيار، واحتج بالرواية العاشرة، وفيها أن زوجها كان حرًا، واحتج الجمهور بأن القضية واحدة، والروايات المشهورة أن زوجها كان عبدًا، بل من قال: كان حرًا قال حين سئل: لا أدري.
ويؤيد قول الجمهور قول عائشة في ملحق الرواية السابعة ولو كان حرًا لم يخيرها.
قال النووي: وفي هذا الكلام دليلان.
أحدهما: إخبارها أنه كان عبدًا، وهي صاحبة القضية، والثاني قولها: لو كان حرًا لم يخيرها، ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا، ولأن الأصل في النكاح اللزوم، ولا طريق إلى فسخه إلا بالشرع، وثبت الفسخ بالشرع في العبد، فبقي الحر على الأصل، ولأنه لا ضرر ولا عار عليها وهي حرة في المقام تحت حر، وإنما يكون ذلك إذا قامت تحت عبد.
والله أعلم.

قال ابن بطال: أكثر الناس في تخريج الوجوه في حديث بريرة، حتى بلغوها مائة وجه.

وقال الحافظ ابن حجر: وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة إلى أربعمائة، أكثرها مستبعد، متكلف.
والله أعلم.

أما القضية الثالثة: وهي فضل العتق فتتناولها الروايات التاسعة عشرة والمتممة للعشرين والواحدة والعشرون والثانية والعشرون والثالثة والعشرون.

وعنها يقول النووي: في هذه الأحاديث بيان فضل العتق، وأنه من أفضل الأعمال، ومما يحصل به العتق من النار، ودخول الجنة، وفيها استحباب عتق كامل الأعضاء، فلا يكون خصيًا، ولا فاقد عضو من أعضائه، وفي الخصي وغيره أيضًا الفضل العظيم، لكن الكامل أولى، وأفضل العتق أغلاه ثمنًا، وأنفسه عند أهله، وهذه الأحاديث دليل على أن عتق العبد أفضل من عتق الأمة.
قال القاضي عياض: واختلف العلماء أيهما أفضل؟ عتق الإناث؟ أم الذكور؟ فقال بعضهم: الإناث أفضل، لأنها إذا عتقت كان ولدها حرًا، سواء تزوجها حر أو عبد، وقال آخرون: عتق الذكور أفضل، لهذه الأحاديث، ولما في الذكر من المعاني العامة، والمنفعة التي لا توجد في الإناث من الشهادة والقضاء والجهاد وغير ذلك، مما يختص بالرجال، إما شرعًا، وإما عادة، ولأن من الإماء من لا ترغب في العتق، وتضيع به، بخلاف العبيد، وهذا القول هو الصحيح.

وأما التقييد في الرقبة بكونها مؤمنة فيدل على أن هذا الفضل الخاص الوارد في هذه الأحاديث إنما هو في حق عتق المؤمنة، وأما غير المؤمنة ففيه أيضًا فضل بلا خلاف، ولكن دون فضل المؤمنة، ولهذا أجمعوا على أنه يشترط في عتق كفارة القتل كونها مؤمنة، وحكى القاضي عياض عن مالك أن الأعلى ثمنًا أفضل، وإن كان كافرًا، وخالفه غير واحد من أصحابه وغيرهم.
قال: وهذا أصح.

واختلف العلماء في إنقاذ العتق من النار، وبكل عضو من أعضاء العتيق عضوًا من أعضاء المعتق حتى الفرج بالفرج.
قال ابن العربي: الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب له النار إلا الزنا، والزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة، ثم قال: يحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عند الموازنة، بحيث يكون مرجحًا لحسنات المعتق ترجيحًا يوازي سيئة الزنا.
اهـ قال الحافظ ابن حجر: ولا اختصاص لذلك بالفرج، بل يأتي في غيره من الأعضاء، كاليد في الغصب مثلاً.

ثم قال النووي: واختلفوا في عتق الأقارب إذا ملكوا، فقال أهل الظاهر لا يعتق أحد منهم بمجرد الملك، سواء الوالد والولد وغيرهما.
بل لا بد من إنشاء عتق، واحتجوا بمفهوم هذا الحديث.
وقال جماهير العلماء: يحصل العتق في الآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا وعلون، وفي الأبناء والبنات وأولادهم الذكور والإناث وإن سفلوا بمجرد الملك، سواء المسلم والكافر، والقريب والبعيد، والوارث وغيره، ومختصره أنه يعتق عمود النسب بكل حال، واختلفوا فيما وراء عمودي النسب، فقال الشافعي وأصحابه: لا يعتق غيرهما بالملك، لا الإخوة، ولا غيرهم، وقال مالك: يعتق الإخوة أيضًا، وعنه رواية: يعتق جميع ذوي الأرحام المحرمة، وقال أبو حنيفة: يعتق جميع ذوي الأرحام المحرمة.

واللَّه أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :3773 ... بـ :1978]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي بَزَّةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ سُئِلَ عَلِيٌّ أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ فَقَالَ مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا قَالَ فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا
قَوْلُهُ : ( مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي ) هَكَذَا تُسْتَعْمَلُ ( كَافَّةً ) حَالًا ،.

وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمُصَنِّفِينَ مِنَ اسْتِعْمَالِهَا مُضَافَةً وَبِالتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِمْ : ( هَذَا قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ ) ( وَمَذْهَبُ الْكَافَّةِ ) فَهُوَ خَطَأٌ مَعْدُودٌ فِي لَحْنِ الْعَوَامِّ وَتَحْرِيفِهِمْ .
وَقَوْلُهُ : ( قِرَابُ سَيْفِي ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ ، وَهُوَ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ أَلْطَفُ مِنَ الْجِرَابِ ، يَدْخُلُ فِيهِ السَّيْفُ بِغِمْدِهِ وَمَا خَفَّ مِنَ الْآلَةِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .