هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3757 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ ، قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ ، فَقَالَتْ : صَدَقَ ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ ، تَقُولُ : دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ ، وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ، فَقَالَ : إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3757 حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا روح ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن واقد ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ، قال عبد الله بن أبي بكر : فذكرت ذلك لعمرة ، فقالت : صدق ، سمعت عائشة ، تقول : دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادخروا ثلاثا ، ثم تصدقوا بما بقي ، فلما كان بعد ذلك ، قالوا : يا رسول الله ، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ، ويجملون منها الودك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قالوا : نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ، فقال : إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت ، فكلوا وادخروا وتصدقوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abdullah b. Waqid reported:

Allah's Messenger (ﷺ) forbade (people) to cat the flesh of sacrificed animals beyond three days. Abdullah b. Abu Bakr said, I made a mention of that to 'Amra, whereupon she said: He has told the truth, for I heard 'A'isha say: The poor among the people of the desert come (to the towns) on the occasion of Id al-Adha during the lifetime of Allah's Messenger (ﷺ). Upon this Allah's Messenger (ﷺ) said: Retain with you (the flesh) sufficing for three (days), and whatever is left out of that give in charity. After this. they (the Muslims) said: Allah's Messenger, the people make waterskins with the (hides) of their sacrificed animals and they melt fat out of them. Thereupon he said. What the then? They said: You forbade (us) to eat the flesh of sacrificial animals beyond threoq (days), whereupon he said: I forbade you for those (poor persons) who flocked (to the towns on this occasion for getting meat) but now when (this situation has improved) you may eat, preserve and give -in charity.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الله بن واقد رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث.
قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة فقالت: صدق.
سمعت عائشة تقول: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى، زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخروا ثلاثاً.
ثم تصدقوا بما بقي فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث.
فقال: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت.
فكلوا وادخروا وتصدقوا.


المعنى العام

الإسلام دين التعاطف والمواساة، دين المودة والمحبة، دين الترابط بين الأغنياء والفقراء، دين التكافل الاجتماعي، دين تقع في مسئولية الجائعين على جيرانهم الأغنياء، فلا يدخل الجنة مع السابقين من بات شبعان، وجاره جائع، دين فرض للفقراء حقاً في مال الأغنياء، حيث يقول جل شأنه { { والذين في أموالهم حق معلوم* للسائل والمحروم } } [المعارج: 24، 25] وخصت الشريعة الإسلامية أيام العيد بمزيد من توصية القادرين بالضعفاء والمساكين، ففرضت في عيد الفطر زكاة الفطر، وشرعت الأضحية في عيد الأضحى، توسعة على الأهل، وعلى الفقراء والمحتاجين، وإذا كانت الشريعة الإسلامية لم تحدد قدراً معيناً من أضحية الغني، وتركت ذلك لأريحيته وسخاء نفسه، ودرجة حرصه على ثواب الآخرة، لكنها أمرت برعاية الفقير بقوله تعالى { { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } } [الحج: 28] وكان هذا الأمر الإلهي مجالاً لاجتهاد الفقهاء في القدر المستحب إعطاؤه للفقير من الأضحية، فذهب بعضهم إلى أن المستحب أن يأكل صاحب الأضحية هو وأهله نصفها، ويتصدق بنصفها، وذهب بعضهم إلى أن المستحب أن يأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، هذا هو المستحب الذي يثاب المسلم على مقداره، أما القدر الواجب فهو الصدقة بأي جزء، صغر أو كبر، على معنى أنه لو لم يعط الفقير منها أصلاً كان حراماً، وعوقب على ذلك يوم القيامة.

وفي وقت من أوقات الشدة، والضيق الاقتصادي، وكثرة المحتاجين، وقسوة حاجتهم فرض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على الأغنياء المضحين أن يعطوا الفقراء، ما يزيد عن حاجتهم في ثلاثة أيام، فقال: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة، وعنده منه شيء كان المسلمون حينذاك يدخرون من الأضحية قوتهم لشهور، فأمروا في عام شدة أن لا يمسكوا منها، وأن لا يدخروا منها إلا ما يكفيهم ثلاثة أيام ثم يتصدقوا بالباقي، وامتثل المسلمون، فلما كان العام المقابل سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نفعل في أضحيتنا كما فعلنا العام الماضي؟ لا نمسك منها شيئاً بعد ثلاث ليال؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا.
كان العام الماضي عام شدة، فكان له حكمه، أردت فيه أن تعينوا الفقراء على شدتهم، وهذا العام عام رخاء، فكلوا منها، وادخروا منها بعد ثلاث، لكن لا تصدقوا منها بما ترجون عليه الأجر من الله تعالى.

المباحث العربية

( عن أبي عبيد) بضم العين وفتح الباء، واسمه سعد بن عبيد، مولى عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وينتسب أيضاً إلى عبد الرحمن بن عوف، مات سنة ثمان وتسعين.

( شهدت العيد مع علي بن أبي طالب) في الرواية الثانية أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب.
قال: ثم صليت مع علي بن أبي طالب وفي رواية البخاري أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فقال: يا أيها الناس.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صيام هذين العيدين، أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نسككم.
قال أبو عبيد: ثم شهدت مع عثمان بن عفان، فكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب، فقال: يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له، قال أبو عبيد: ثم شهدته مع علي بن أبي طالب، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث.

فالمراد من العيد في الرواية الأولى والثانية، عيد الأضحى، والمراد أنه شهد صلاة العيد وخطبته.

( فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، وقال:...) أي في خطبته، كما وضحته الرواية الثانية.

( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث) ليال، ففي الرواية الثانية قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال وفي الرواية العاشرة فوق ثلاثة أيام قال القاضي: يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبحها، ويحتمل من يوم النحر، وإن تأخر ذبحها إلى أيام التشريق، قال: وهذا أظهر.

وقال القرطبي: اختلف في أول الثلاث، التي كان الادخار فيها جائزاً، فقيل: أولها يوم النحر، فمن ضحى في آخر أيام النحر، جاز له أن يمسك ثلاثاً بعدها، ويحتمل أن يؤخذ من قوله فوق ثلاث أن لا يحسب اليوم الذي يقع فيه النحر من الثلاث، وتعتبر الليلة التي تليه أول الثلاث، واليوم تابع لليلته، ويؤيد الأخير ما جاء في روايتنا السابعة فوق ثلاث منى فإنها تتناول يوماً بعد يوم النحر، لغير المستعجل.

قال ابن حزم: إنما خطب علي رضي الله عنه بالمدينة في الوقت الذي كان عثمان رضي الله عنه محاصراً فيه، وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة، فأصابهم الجهد، كما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال علي ما قال.

( فقالت: صدق) فيما أخبر به من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، لكنه لم يعلم بما كان بعد هذا النهي.

( دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى، زمن النبي صلى الله عليه وسلم) في كتب اللغة: دف يدف، بكسر الدال، دفاً، ودفيفاً، إذا سار سيراً ليناً، والدافة -بتشديد الدال- الجماعة من الناس، تقبل من بلد إلى بلد، وعن حضرة الأضحى قال النووي: هي بفتح الحاء وضمها وكسرها، والضاد ساكنة فيها كلها، وحكي فتحها، وهو ضعيف، وإنما نفتح إذا حذفت الهاء، فيقال: بحضر فلان.
اهـ فالحضرة الحضور، والمعنى: قدم جماعة من أهل البادية إلى المدينة، يرجون مواساة أهل المدينة لهم، لفقرهم وحاجتهم، قدموا في حضور عيد الأضحى وقربه، في السنة التاسعة من الهجرة.

( ادخروا ثلاثاًً، ثم تصدقوا بما بقي) أي اجمعوا واحفظوا لحم الأضحية ثلاثاً، ثم تصدقوا بما عندكم من لحمها بعد الثلاث، أو ادخروا ما يكفيكم ثلاثاً، وتصدقوا بما يزيد عن هذا المقدار.

( إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم) الأسقية جمع سقاء، وهو وعاء من جلد يكون للماء واللبن.

( ويجملون منها الودك) يجملون بفتح الياء مع كسر الميم وضمها، ويقال: بضم الياء مع كسر الميم، يقال: جملت الدهن، أجمله بكسر الميم وضمها جملاً، وأجملته، أجمله إجمالاً، أي أذبته، والمعنى أنهم شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرجهم، فهم يحتاجون من الأضاحي جلودها للأسقية التي لا غنى لهم عنها، ويحتاجون من الأضحية إذابة دهنها وخزنه، وإدخاره، لاستعماله في طعامهم زمناً طويلاً.

( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟) أي ومن الذي منعهم من ذلك؟

( إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت) أي إنما نهيتكم في العام الماضي لسبب خاص، وهو حضور البدو الفقراء يوم العيد، وحاجتهم إلى المواساة، فأردت أن تعينوهم.

( كلوا، وتزودوا، وادخروا) تزودوا اتخذوا من ضحاياكم زاداً لكم في الحضر والسفر.

( قال ابن جريج لعطاء: قال جابر: حتى جئنا المدينة؟ قال: نعم) أي سأل ابن جريج شيخه عطاء، الراوي عن جابر: هل قال جابر في روايته هذا الحديث كلوا وتزودوا من لحوم الأضاحي، فأكلنا وتزودنا بعد ثلاث، حتى قدمنا المدينة؟ وكان هذا الترخيص في حجة الوداع، وهذا معنى الرواية التاسعة كنا نتزودها -أي لحوم الأضحية في منى في الحج- إلى أن نصل إلى المدينة.
قال النووي: ووقع في البخاري لا بدل قوله هنا نعم فيحتمل أنه نسي في وقت، فقال: لا، وذكر في وقت، فقال: نعم.

( فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم عيالاً وحشماً وخدماًَ) يحتاجون لحوم الأضاحي بعد ثلاث، والحشم بفتح الحاء والشين، هم اللائذون بالإنسان، يخدمونه، ويقومون بأموره، وقال الجوهري: هم خدم الرجل ومن يغضب له، سموا بذلك لأنهم يغضبون له، والحشمة الغضب، وتطلق على الاستحياء أيضاً، ومنه قولهم: فلان لا يحتشم، أي لا يستحي، وكأن الحشم أعم من الخدم، فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث، فهو من باب ذكر الخاص بعد العام.

( من ضحى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثة شيئاً) أي فلا يبقين شيئاً من الأضحية في بيته بعد ثالثة في رواية البخاري فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء أي بعد ليلة ثالثة من وقت الأضحية.

( فلما كان في العام المقبل) اسم كان ضمير، تقديره: فلما كان العيد، أو وقت الأضحية، أو الحال والشأن، ورواية البخاري فلما كان العام المقبل فكان تامة، وفاعلها العام المقبل أي فلما جاء العام المقبل.

( قالوا: نفعل كما فعلنا عام أول؟) في رواية البخاري نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ أي في عدم بقاء شيء من أضحيتنا في بيوتنا بعد ثالثة؟ قال ابن المنير: سبب سؤالهم، مع أن النهي يقتضي الاستمرار، أنهم فهموا أن ذلك النهي ورد على سبب خاص، فلما احتمل عندهم عموم النهي أو خصوصه من أجل السبب سألوا.

( فقال: لا.
إن ذاك عام كان الناس فيه بجهد)
ومشقة، يقال: جهد عيشهم، أي نكد واشتد، وبلغ غاية المشقة، وفي رواية البخاري فإن ذلك العام كان بالناس جهد.

( فأردت أن يفشو فيهم) أي فأردت أن يفشو لحم الأضحية في الناس المحتاجين، قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم يفشو بالفاء والشين، أي يشيع لحم الأضاحي في الناس، وينتفع به المحتاجون، ووقع في البخاري يعينوا بالعين، من الإعانة، قال القاضي في شرح مسلم: الذي في مسلم أشبه، وقال في المشارق: كلاهما صحيح، والذي في البخاري أوجه.
اهـ قال الحافظ ابن حجر: مخرج الحديث واحد، ومداره على أبي عاصم، وأنه تارة قال هذا، وتارة قال هذا، والمعنى في كل صحيح، فلا وجه للترجيح.
اهـ قال القاضي عياض: والضمير في رواية البخاري في فأردت أن تعينوا فيها للمشقة المفهومة من الجهد، أو من الشدة.

( ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته) أي في حجة الوداع، كما صرح به في الرواية الثالثة عشرة، فالنهي عن إمساك لحوم الضحايا كان في السنة التاسعة.

( أصلح هذا اللحم) أي قطعه، واغسله، وملحه، وقدده، واطبخه بما يصلحه لأيام.

( ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها) في رواية للبخاري لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأسقية، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ليس كل الناس يجد سقاء، فرخص لهم في الجر المزفت قال عياض: ذكر الأسقية وهم من الراوي، وإنما هو عن الأوعية لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه قط عن الأسقية، إنما نهى عن الظروف، وأباح الانتباذ في الأسقية، فقيل له: ليس كل الناس يجد سقاء، فاستثنى ما يسكر، وقال الحميدي: لعله نقص من لفظ المئن، وكان في الأصل لما نهى عن النبيذ إلا في الأسقية اهـ والسقاء وعاء من جلد، إذا تخمر النبيذ فيه تشقق، بخلاف الخزف والجر ونحوها، فإنها تخفي تخمر النبيذ.

( فاشربوا في الأسقية كلها) أي في الأوعية كلها، أي في الأوعية التي يستقى منها.

فقه الحديث

قال النووي: قال القاضي: اختلف العلماء في الأخذ بهذه الأحاديث، فقال قوم: يحرم إمساك لحوم الأضاحي، والأكل منها بعد ثلاث، وأن حكم التحريم باق.
قاله علي وابن عمر.

وقال جماهير العلماء: يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث، والنهي منسوخ بهذه الأحاديث المصرحة بالنسخ [رواياتنا الخامسة وما بعدها] لاسيما حديث بريدة [روايتنا الرابعة عشرة] وهذا من نسخ السنة بالسنة، وقال بعضهم: ليس هو نسخاً، بل كان التحريم لعلة، فلما زالت زال، لحديث سلمة وعائشة [روايتنا الحادية عشرة والخامسة] وقيل: كان النهي الأول للكراهة، لا للتحريم، قال هؤلاء: والكراهة باقية إلى اليوم، ولكن لا يحرم، قالوا: ولو وقع مثل تلك العلة اليوم، فنزلت جماعة فقيرة على قوم قادرين شرعت مواساتهم، وحملوا على هذا مذهب علي وابن عمر، والصحيح نسخ النهي مطلقاً، وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث، والأكل إلى متى شاء، لصريح حديث بريدة وغيره.
اهـ

وحاصل ما ذكر في هذه المسألة ستة أقوال:

الأول: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث للتحريم، والحكم باق لم ينسخ، فيحرم إلى يوم القيامة إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وجدت مجاعة وفقر أم لا.
ونسب هذا إلى علي وابن عمر -رضي الله عنهم- أما علي فتشير إلى رأيه الرواية الأولى والثانية، إذ طالب بتطبيق النهي أيام حصار عثمان، وأما ابن عمر فتشير إلى رأيه الرواية الثالثة والرابعة.

وهذا القول شاذ بالنسبة لما هو مجمع عليه الآن، ويحاول بعض العلماء توجيه ما جاء عن علي وابن عمر ليبعد به عن هذا الحكم، كما سيأتي.

الثاني: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث للتحريم، والحكم مرتبط بسبب، باق إلى يوم القيامة، لم ينسخ، فحيثما وجد السبب في مكان أو زمان ثبت الحكم، قال الشافعي في الرسالة، في آخر باب العلل في الحديث ما نصه: فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، وإن لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة.
اهـ

وقال القرطبي: حديث سلمة وعائشة نص على أن المنع كان لعلة، فلما ارتفعت ارتفع، لارتفاع موجبه، وبعود العلة يعود الحكم، فلو قدم على أهل بلد ناس محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة، يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا، تعين عليهم ألا يدخروها فوق ثلاث.
قال الحافظ ابن حجر: والتقييد بالثلاث واقعة حال، وإلا فلو لم تسد الخلة إلا بتفرقة جميع الأضحية لزم على هذا التقرير عدم إمساكها، ولو ليلة واحدة.
اهـ

وواضح من كلام القرطبي أن العلة مكونة من شقين: وجود المحتاج عند الأضحية، وعدم سد حاجته إلا بالأضحية، وهذه صورة قد تقع، وإن كانت نادرة، وعند وقوعها يحرم إمساك لحوم الأضحية.
وبعض العلماء يحمل رأي علي رضي الله عنه، وخطبته على هذا القول.

القول الثالث: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث كان للتحريم، وكان لسبب، فلما زال السبب زال الحكم، لكن لا يلزم عود الحكم عند عود هذا السبب، لأن الشدة والحاجة يومئذ لم تكن تسد إلا بلحوم الأضحية غالباً، فأما الآن فإن الخلة تسد بغير لحم الأضحية، فلا يعود الحكم، حتى لو فرض أن الخلة لا تسد إلا بلحم الأضحية، لأن هذه الصورة في غاية الندور، أو هي فرضية، فلا يعتد بها، فإمساك الأضحية اليوم بعد ثلاث لا يحرم بأي حال.
حكى الرافعي هذا القول عن بعض الشافعية.

القول الرابع: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث كان للتحريم، لحكمة، وليس لعلة، لكنه نسخ بالأحاديث، رواياتنا الخامسة وما بعدها، ولا يعود الحكم بعد نسخه، ولو عادت الظروف التي دفعت إليه، لأنه يلزم من القول بالتحريم -إذا دفت الدافة- إيجاب الإطعام، وقد قامت الأدلة عند الشافعية أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة، وبهذا القول أخذ المتأخرون من الشافعية، فقال الرافعي: الظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال، وقال الشافعي: يحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث منسوخاً، في كل حال.

وبعضهم يعتذر عن خطبة علي رضي الله عنه بأنه لم يبلغه خبر النسخ، وهذا بعيد، إذ لو كان كذلك لأعلمه الحاضرون من الصحابة بالنسخ، وقد جاء في مسند أحمد، عن طريق أم سليمان، قالت: دخلت على عائشة، فسألتها عن لحوم الأضاحي، فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ثم رخص فيها، فقدم علي، من السفر، فأتته فاطمة بلحم من ضحاياها، فقال: أو لم ننه عنه؟ قالت: إنه قد رخص فيها فهذا علي، قد اطلع على الرخصة في أول عهد أبي بكر، ومع ذلك خطب في أواخر عهد عثمان بالمنع، فالمخرج أنه ربط الحكم بالعلة، ووجدت العلة سنة خطب ومنع، أما ابن عمر فيمكن حمل قوله وعمله على تحريه الأفضل، لا على الوجوب.

القول الخامس: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث كان للتنزيه، كالأمر في قوله تعالى { { فكلوا منها وأطعموا القانع } } [الحج: 36] حكاه البيهقي عن الشافعي، وحكاه الرافعي عن أبي علي الطبري احتمالاً، وقال المهلب: إنه الصحيح، لقول عائشة، فيما رواه البخاري الضحية كنا نملح منه -أي نضع على لحمها الملح، ليعيش زمناً طويلاً- فنقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام، وليست بعزيمة -أي ليس النهي وجوبياً، ولا ملزماً- ولكن أراد أن نطعم منه وهذا الحديث نفسه عند أبي نعيم، بلفظ: قلت لعائشة: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نأكل من لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام، جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير ولفظه عند الطحاوي أكان يحرم لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قال: لا.
ولكنه لم يكن يضحي منهم إلا القليل، ففعل، ليطعم من ضحى منهم من لم يضح؟.

القول السادس: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث كان للكراهة لعلة، وهذه الكراهة باقية لم تنسخ، حتى اليوم، إذا وجدت العلة.

قال النووي في آخر عرضه للأقوال كما سبق: والصحيح نسخ النهي مطلقاً، وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث، والأكل إلى متى شاء.
اهـ

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- قال النووي: في الحديث تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث.

2- وجواز التزود منه للأسفار.
أخذ ذلك من أحاديث ثوبان، روايتنا الثانية عشرة، والثالثة عشرة.

3- وفيه أن الادخار، والتزود في الأسفار، لا يقدح في التوكل، ولا يخرج صاحبه عن التوكل، خلافاً لمن كرهه، وقد ورد فيه كان صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنة؟ وفي رواية كان لا يدخر لغد والأول في الصحيحين والثاني في مسلم، والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه، ويدخر لعياله.
وقال ابن بطال: في الحديث رد على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادخار طعام لغد، وأن اسم الولاية لا يستحق لمن ادخر شيئاً، ولو قل، وأن من ادخر أساء الظن بالله.

4- وفيه أن الضحية مشروعة للمسافر، كما هي مشروعة للمقيم.
قال: وهذا مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء، وقال النخعي وأبو حنيفة: لا ضحية على المسافر، وروي هذا عن علي رضي الله عنه، وقال مالك وجماعة: لا تشرع للمسافر بمنى ومكة.

5- وعن الرواية الرابعة عشرة قال: هذا الحديث مما صرح فيه بالناسخ والمنسوخ جميعاً، قال العلماء: يعرف نسخ الحديث تارة بنص كهذا، وتارة بإخبار الصحابي، كحديث كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار وتارة بالتاريخ، إذا تعذر الجمع، وتارة بالإجماع، كترك قتل شارب الخمر، في المرة الرابعة، قال: والإجماع لا ينسخ، ولكن يدل على وجود ناسخ.

6- وفيه نسخ الأثقل بالأخف، لأن النهي عن ادخار لحم الأضحية بعد ثلاث مما يثقل على المضحين، والإذن في الادخار أخف منه، وفيه رد على من يقول: إن النسخ لا يكون إلا بالأثقل للأخف، وعكسه ابن العربي، فزعم أن الإذن في الادخار نسخ بالنهي، وتعقب بأن الادخار كان مباحاً بالبراءة الأصلية، فالنهي عنه ليس نسخاً، وعلى تقدير أن يكون نسخاً ففيه نسخ الكتاب بالسنة، لأن في الكتاب الإذن في أكلها، من غير تقييد، لقوله تعالى { { فكلوا منها وأطعموا } } ويمكن أن يقال: إنه تخصيص، لا نسخ، وهو الأظهر، قاله الحافظ ابن حجر.

7- استدل بمفهوم قوله في الرواية الأولى من لحوم نسكنا وفي الرواية الثانية لحوم نسككم وفي الرواية الثالثة لحم أضحيته على أن النهي عن الأكل فوق ثلاث خاص بصاحب الأضحية، فأما من أهدي له، أو تصدق عليه فلا، وقد جاء في حديث الزبير بن العوام، عند أحمد وأبي يعلى قلت: يا نبي الله، أرأيت قد نهي المسلمون أن يأكلوا من لحم نسكهم فوق ثلاث، فكيف نصنع بما أهدي لنا؟ قال: أما ما أهدي إليكم فشأنكم به فهذا نص في الهدية، وأما الصدقة فإن الفقير لا حجر عليه في التصرف فيما يتصدق به عليه، لأن القصد أن تقع المواساة من الغني للفقير، وقد حصلت.

8- ومن قوله في الرواية الخامسة فكلوا، وادخروا، وتصدقوا الأمر بالصدقة والأمر بالأكل، قال النووي: فأما الصدقة منها، إذا كانت أضحية تطوع، فواجبة على الصحيح عند أصحابنا، بما يقع عليه الاسم منها، ويستحب أن يكون بمعظمها، قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، وفي قول: يأكل النصف، ويتصدق بالنصف، وهذا الخلاف في أدنى الكمال في الاستحباب، فأما الإجزاء، فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم، كما ذكرنا ولنا وجه أنه لا تجب الصدقة بشيء منها.
وأما الأكل منها، فيستحب، ولا يجب.
هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما حكي عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها، وهو قول أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا، حكاه عنه الماوردي، لظاهر هذا الحديث في الأمر بالأكل، مع قوله تعالى { { فكلوا منها } } وحمل الجمهور هذا الأمر على الندب أو الإباحة، لا سيما وقد ورد بعد الحظر، كقوله { { وإذا حللتم فاصطادوا } } [المائدة: 2] .

وقد اختلف الأصوليون والمتكلمون في الأمر الوارد بعد الحظر، فالجمهور من أصحابنا وغيرهم على أنه للوجوب، كما لو ورد ابتداء، وقال جماعة منهم من أصحابنا وغيرهم: إنه للإباحة.
اهـ

9- واستدل بالحديث على أن العام إذا ورد على سبب خاص، ضعفت دلالة العموم، حتى لا يبقى على أصالته، لكن لا يقتصر فيه على السبب.
قاله الحافظ ابن حجر.

10- ومن الرواية الرابعة عشرة استحباب زيارة القبور، وقد سبق بيانها في كتاب الجنائز.

11- وجواز الانتباذ في الأسقية، وسبق الكلام عنه في حديث وفد عبد القيس، في كتاب الإيمان، وسيأتي بسطه في كتاب الأشربة.

والله أعلم