هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3647 حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ ، وَهِيَ خَالَةُ أَنَسٍ ، قَالَتْ : أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَالَ عِنْدَنَا ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَقُلْتُ : مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، قَالَ : أُرِيتُ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ، فَقُلْتُ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، قَالَ : فَإِنَّكِ مِنْهُمْ ، قَالَتْ : ثُمَّ نَامَ ، فَاسْتَيْقَظَ أَيْضًا وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ ، فَقُلْتُ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، قَالَ : أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، قَالَ : فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدُ ، فَغَزَا فِي الْبَحْرِ فَحَمَلَهَا مَعَهُ ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ قُرِّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ فَرَكِبَتْهَا فَصَرَعَتْهَا ، فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا ، وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَا : أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ حَبَّانَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَضْحَكَكَ ؟ قَالَ : نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ ، يَرْكَبُونَ ظَهْرَ هَذَا الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، وحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَقُتَيْبَةُ ، وَابْنُ حُجْرٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ : أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَةَ مِلْحَانَ ، خَالَةَ أَنَسٍ ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عِنْدَهَا ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3647 حدثنا خلف بن هشام ، حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن أنس بن مالك ، عن أم حرام ، وهي خالة أنس ، قالت : أتانا النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال عندنا ، فاستيقظ وهو يضحك ، فقلت : ما يضحكك يا رسول الله ؟ بأبي أنت وأمي ، قال : أريت قوما من أمتي يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة ، فقلت : ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : فإنك منهم ، قالت : ثم نام ، فاستيقظ أيضا وهو يضحك ، فسألته ، فقال مثل مقالته ، فقلت : ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : أنت من الأولين ، قال : فتزوجها عبادة بن الصامت بعد ، فغزا في البحر فحملها معه ، فلما أن جاءت قربت لها بغلة فركبتها فصرعتها ، فاندقت عنقها ، وحدثناه محمد بن رمح بن المهاجر ، ويحيى بن يحيى ، قالا : أخبرنا الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن حبان ، عن أنس بن مالك ، عن خالته أم حرام بنت ملحان ، أنها قالت : نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قريبا مني ، ثم استيقظ يتبسم ، قالت : فقلت يا رسول الله ، ما أضحكك ؟ قال : ناس من أمتي عرضوا علي ، يركبون ظهر هذا البحر الأخضر ، ثم ذكر نحو حديث حماد بن زيد ، وحدثني يحيى بن أيوب ، وقتيبة ، وابن حجر ، قالوا : حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، أنه سمع أنس بن مالك ، يقول : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة ملحان ، خالة أنس ، فوضع رأسه عندها ، وساق الحديث بمعنى حديث إسحاق بن أبي طلحة ، ومحمد بن يحيى بن حبان
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن أم حرام -وهي خالة أنس- قالت: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال عندنا.
فاستيقظ وهو يضحك.
فقلت: ما يضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: أريت قوما من أمتي يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة فقلت: ادع الله أن يجعلني منهم.
قال: فإنك منهم قالت: ثم نام، فاستيقظ أيضا وهو يضحك، فسألته، فقال: مثل مقالته.
فقلت: ادع الله أن يجعلني منهم.
قال: أنت من الأولين قال: فتزوجها عبادة بن الصامت بعد.
فغزا في البحر، فحملها معه، فلما أن جاءت قربت لها بغلة.
فركبتها، فصرعتها، فاندقت عنقها.


المعنى العام

كان للعرب في الجزيرة العربية رحلتان، رحلة الشتاء، ورحلة الصيف، إلى الشام، وإلى اليمن، وهما في البر، حتى حين يستخدمون طريق ساحل البحر الأحمر يخافون البحر، ينظرون إلى السفن الجاريات فيه نظرة خوف وخطر، فالقرآن الكريم يقول { { إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور* أو يوبقهن بما كسبوا } } [الشورى: 33، 34] .

وما لهم ولهذا المجهول؛ إن عندهم سفينة الصحراء، الإبل، مأمونة الجانب، نادرة الخطر، ولم يكن صلى الله عليه وسلم من رواد البحار، بل روي أنه نهى عن ركوب البحر، ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركوب البحر، وحاول معاوية وهو أمير الشام من قبله أن يستأذنه في الغزو في البحر، فمنعه، فلما كان عثمان رضي الله عنه ألح عليه أن يأذن له، فأذن له بشرط أن لا يجبر أحدا على الخروج معه.

مع هذه الصورة المخيفة عن البحر وأخطاره يخبر صلى الله عليه وسلم أن أمته ستغزو بلاد الكفر عن طريق البحر، ينام فيرى في منامه، ورؤياه حق أن جنودا من أمته سيركبون البحر غزاة، وهم أعزة كالملوك على الأسرة، فيستيقظ مبتسما مسرورا، فتسأله أم حرام خالته أو أمه من الرضاعة، وكان قد نام نوم الظهيرة في بيتها، تسأله: ما الذي يضحكك يا رسول الله؟ فيخبرها عما رأى، فتقول له: ادع الله أن يجعلني منهم، فيدعو الله لها أن تكون منهم، فيعلمه ربه أنه استجاب دعاءه، فيقول لها: أنت منهم، وبعد قليل ينام ثانية، فيرى فرقة أخرى متأخرة زمنا من أمته تغزو بلاد الكفر، وهم في حالة القوة والسيطرة والتمكن، كأنهم ملوك على الأسرة، فيستيقظ ضاحكا، فتقول له أم حرام: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ فيقص عليها الرؤيا الثانية، فتتمنى أن تكون مع الفرقتين، ليزداد رصيدها من أجر الغزو، فتقول: ادع الله لي يا رسول الله أن أكون منهم، فيقول لها: لا لست من الآخرين، أنت من الأولين، ويستبعد الحال الواقع أن تدخل أم حرام بحرا، ويشاء السميع العليم أن تتزوج عبادة بن الصامت، فيخرج في جيش معاوية إلى غزو قبرص عن طريق البحر، فيأخذها معه، فتفتح قبرص للمسلمين، ويعود المسلمون في البحر إلى الشام، وتخرج أم حرام من البحر على ساحل الشام لتركب بغلتها، فتقع تحت أقدام بغلتها، فتدق عنقها، وتموت، فتقبر في حمص، يتبرك بها -ويقال عنه: هذا قبر المرأة الصالحة- رضي الله عنها.

المباحث العربية

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان) أم حرام بفتح الحاء والراء، بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام، وهي خالة أنس -رضي الله عنهما- كما جاء في الرواية الثانية والثالثة والرابعة، ويقال لها: الرميصاء، ويقال لأم سليم الغميصاء، وقيل: بالعكس، والرمص والغمص متقاربان، وهو اجتماع القذى في مؤخر العين وفي هدبها، وقيل: استرخاؤها وانكسار الجفن.

قال النووي: واتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه، وقال بعضهم: إنما كانت خالته لأبيه أو جده عبد المطلب، وقال ابن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قال ابن عبد البر: وأيهما كان فهي محرم له.

وقال بعضهم: لم تكن أم حرام محرما له صلى الله عليه وسلم، ولكن من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه كان يملك إربه عن زوجته، فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وعن قول الرفث، ورد القاضي عياض هذا القول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم، لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل، ومال الحافظ ابن حجر إلى هذا القول، فقال: وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح، وبالغ الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية، فقال: ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب، وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي المحرمية، لأن أمهاته صلى الله عليه وسلم من النسب، واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار البتة ، سوى أم عبد المطلب، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، وإلا على أم سليم، فقيل له؟ فقال: أرحمها، قتل أخوها معي، يعني حرام بن ملحان وكان قد قتل يوم بئر معونة، وقد جمع الحافظ ابن حجر بين ما أفهمه هذا الحصر في الصحيح وبين ما دل عليه حديث الباب في أم حرام، فقال ما حاصله: إنهما أختان كانتا في دار واحدة، وكانت كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معا، فالعلة مشتركة فيهما، وقد انضم إلى العلة المذكورة -علة الرحمة- كون أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه وأهل خادمه، ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم.

ثم قال الدمياطي: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع، قال الحافظ ابن حجر: وهو احتمال قوي، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس وكذا النوم في الحجر.
اهـ.

وقال ابن العربي: يحتمل أن ذلك كان قبل الحجاب، ورد بأن ذلك كان بعد الحجاب قطعا، فقد كان هذا بعد حجة الوداع، وكان الحجاب في زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش.

فأسلم الأجوبة دعوى الخصوصية، كما قال ابن حجر.
والله أعلم.

( فتطعمه) أي فتقدم له الطعام، أي كان هذا شأنها، كلما دخل عندها.

( وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت) ظاهر هذه الرواية أنها كانت زوجة لعبادة حال دخول النبي صلى الله عليه وسلم إليها، لكن الرواية الثانية صريحة في أنه إنما تزوجها بعد هذه الرؤيا والدعاء والتبشير، فلفظها فتزوجها عبادة بن الصامت بعد وحمل النووي الرواية الأولى على الثانية، فيكون أنس قد أخبر عما صار حالا لها بعد ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: هذا الذي اعتمده النووي وغيره تبعا لعياض، لكن وقع في ترجمة أم حرام من طبقات ابن سعد ما يفيد أنها كانت تحت عبادة قبل أحد، فيحتمل أنها كانت تحت عبادة أولا، ثم فارقها، فتزوجت عمرو بن قيس، فاستشهد في أحد، فرجعت إلى عبادة، ثم قال: والذي يظهر لي أن ما وقع في الطبقات غير سليم، وأن الأمر بعكس ما وقع فيها، وأن عمرو بن قيس تزوجها أولا، فولدت له، ثم استشهد هو وولده منها، وتزوجت بعده بعبادة.

( فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه) في رواية البخاري وجعلت تفلي رأسه تفلي بفتح التاء وسكون الفاء وكسر اللام، أي تفتش، ولا يلزم من ذلك وجود الهوام، فكثيرا ما يكون ذلك لتخدير الجسم وارتخائه استجلابا للنوم.

( فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الرواية الثالثة نام قريبا مني وكذا عند البخاري، وفي رواية له فاتكأ وقد بينت الرواية الثانية وقت النوم، وأنه كان وقت القيلولة، ولفظها فقال عندنا وفي كتب اللغة: قال، يقيل، قيلا بفتح القاف: نام وسط النهار، فهو قائل، والجمع قيل بضم القاف والياء، وقيال بضم القاف وتشديد الياء.

( ثم استيقظ وهو يضحك) فرحا وسرورا بكون أمته تبقى بعده متمسكة بأمور الإسلام، قائمة بالجهاد، حتى في البحر، قال النووي، وقال الحافظ ابن حجر: كان ضحكه إعجابا بهم، وفرحا، لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة، وفي الرواية الثالثة ثم استيقظ يبتسم وكان ضحكه صلى الله عليه وسلم ابتساما، والجملة حالية.

( فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟) كان الظاهر أن يقول أنس: فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ ولهذا اختلف فيه، هل هو من مسند أنس؟ أو من مسند أم حرام؟ قال الحافظ ابن حجر: والتحقيق أن أوله من مسند أنس، وقصة المنام من مسند أم حرام، فإن أنسا إنما حمل قصة المنام عنها.

أما الرواية الثانية والثالثة فهما صراحة من مسند أم حرام، وظاهرهما أن أنسا لم يحضر هذه الواقعة، وهو المعتمد، وفي الرواية الثالثة ما أضحكك؟ زاد في الرواية الثانية بأبي أنت وأمي ولأحمد مم تضحك؟ وفي رواية ثم استيقظ وهو يضحك، وكانت تغسل رأسها، فقالت: يا رسول الله، أتضحك من رأسي؟ قال: لا.

( ناس من أمتي عرضوا علي) أي في منامي، وفي الرواية الثانية أريت قوما من أمتي بضم الهمزة، أي أراني الله في منامي، وفي رواية عجبت من قوم من أمتي.

( غزاة في سبيل الله) حال.

( يركبون ثبج هذا البحر) بفتح الثاء والباء، بعدها جيم، والثبج ظهر الشيء، وقال الأصمعي: ثبج كل شيء وسطه، وقيل: متن هذا البحر، وقيل: معظمه، وقيل: هوله، والراجح أن المراد هنا ظهره، قال الحافظ: ولما كان جري السفن غالبا إنما يكون في وسطه قيل: المراد وسطه، وإلا فلا اختصاص لوسطه بالركوب، وفي الرواية الثانية يركبون ظهر البحر وفي الرواية الثالثة يركبون ظهر هذا البحر الأخضر قال الكرماني الأخضر صفة لازمة للبحر، لا مخصصة [قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن تكون مخصصة، لأن البحر يطلق على الملح والعذب، فجاء لفظ الأخضر لتخصيص الملح بالمراد] قال: والماء في الأصل لا لون له، وإنما تنعكس الخضرة من انعكاس الهواء وسائر مقابلاته إليه، وقال غيره: إن الذي يقابله السماء، وقد أطلقوا عليها الخضراء، لحديث ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء والعرب تطلق الأخضر على كل لون ليس بأبيض ولا أحمر.

( ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة) في الرواية الثانية كالملوك على الأسرة بدون شك، وعند أحمد مثلهم كمثل الملوك على الأسرة قال ابن عبد البر: أراد -والله أعلم- أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة، ورؤياه وحي، وقد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة { { على سرر متقابلين } } [الحجر: 47] وقال { { على الأرائك متكئون } } [يس: 56] والأرائك السرر، وقال عياض: هذا محتمل، ويحتمل أيضا أن يكون خبرا عن حالهم في الغزو، من سعة أحوالهم، وقوام أمرهم، وكثرة عددهم، وجودة عددهم، فكأنهم الملوك على الأسرة، اهـ.
أي أنه رأى ما يؤول إليه أمرهم في الدنيا أو في الآخرة، ويحتمل التشبيه أيضا، أي هم فيما سيكونون عليه في الآخرة من النعيم الذي أثيبوا عليه في غزاتهم وجهادهم مثل ملوك الدنيا على أسرتهم.

( فقلت: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها) في رواية فقال: اللهم اجعلها منهم وفي الرواية الثانية قال: فإنك منهم وفي رواية فقلت: يا رسول الله، أنا منهم؟ قال: أنت منهم، ويجمع بأنه دعا لها، فأجيب، فأخبرها جازما بذلك.

( ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ...قال: ناس من أمتي...كما قال في الأولى) قال عياض والقرطبي: في السياق دليل على أن رؤياه الثانية غير رؤياه الأولى، وأن في كل نومة عرضت عليه طائفة من الغزاة اهـ.
وقد جاء في بعض الروايات أنه قال في الرؤيا الثانية يغزون مدينة قيصر لكن قولها كما قال في الأولى وقولها في الرواية الثانية فقال مثل مقالته أن الفرقة الثانية يركبون البحر أيضا، مع أن غزو مدينة قيصر كان بالبر، فحملت المثلية في الخبر على معظم ما اشتركت فيه الطائفتان، لا خصوص ركوب البحر، ويحتمل أن يكون بعض العسكر الذين غزوا مدينة قيصر ركبوا البحر إليها، وقال القرطبي: الفرقة الأولى في أول من غزا البحر من الصحابة، والفرقة الثانية في أول من غزا البحر من التابعين.
قال الحافظ ابن حجر: بل كان في كل منهما من الفريقين، لكن معظم الأولى من الصحابة، ومعظم الثانية من التابعين.

( فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم) قالت ذلك في الثانية لظنها أن الثانية تساوي الأولى في المرتبة، فسألت ثانيا ليتضاعف لها الأجر، لا أنها شكت في إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها في المرة الأولى، وفي جزمه بالإجابة، قال الحافظ ابن حجر: لما لم يقع لها التصريح بأنها تموت قبل زمان الغزوة الثانية، جوزت أنها تدركها، فتغزو معهم، ويحصل لها أجر الفريقين.

( أنت من الأولين) في رواية ولست من الآخرين فأعلمها صلى الله عليه وسلم أنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية.

( فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية) في الرواية الثانية فتزوجها عبادة بن الصامت بعد، فغزا في البحر، فحلمها معه وفي رواية فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا، أول ما ركب المسلمون البحر، مع معاوية وفي رواية فتزوج بها عبادة، فخرج بها إلى الغزو وفي رواية فتزوجت عبادة، فركبت البحر مع بنت قرظة امرأة معاوية واسمها فاختة.

وظاهر قولها في زمن معاوية يوهم أن ذلك كان في خلافته، وليس كذلك، بل كان في خلافة عثمان، ومعاوية يومئذ أمير الشام، سنة ثمان وعشرين، فقد نقل الطبري أن أول من غزا البحر معاوية في زمن عثمان، وكان قد استأذن عمر، فلم يأذن له، فلم يزل بعثمان حتى أذن له، وقال له: لا تنتخب أحدا -أي لا تلزم أحدا بالخروج معك- بل من اختار الغزو فيه طائعا فأعنه، ففعل، فغزا الروم، فصالح أهل قبرص.

( فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) في الرواية الثانية فلما أن جاءت قربت لها بغلة، فركبتها، فصرعتها، فاندقت عنقها وفي رواية فلما انصرفوا من غزوهم، قافلين إلى الشام، قربت إليها دابة، لتركبها، فصرعت، فماتت وفي رواية فرفصتها بغلة لها شهباء، فوقعت، فماتت والحاصل أن البغلة الشهباء قربت إليها لتركبها، فشرعت لتركب، فسقطت، فاندقت عنقها، فماتت، قيل: إن موتها كان بساحل الشام بعد العودة من الغزو، لما خرجت من البحر، وقبرها بساحل حمص، وجزم جماعة بأن قبرها بجزيرة قبرص، وأخرج الطبري أن معاوية صالح أهل قبرص بعد فتحها على سبعة آلاف دينار في كل سنة، فلما أرادوا الخروج منها قربت لأم حرام دابة لتركبها، فسقطت فماتت، فقبرها هنا يستسقون به، ويقولون: قبر المرأة الصالحة.

فقه الحديث

قال النووي: في هذا الحديث جواز ركوب البحر، للرجال والنساء، وكذا قاله الجمهور، وكره مالك ركوبه للنساء، لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه، ولا غض البصر عن المتصرفين فيه، ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن، لا سيما ضرورتهم إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال [قلت: كانت هذه الموانع في الزمن الأول، وفي السفن الشراعية، أما السفن العملاقة في هذه الأيام فهي أكثر تسترا من شوارع المدينة، لكن لا ننسى أن المالكية يكرهون خروج الشابات إلى المساجد] ونقل ابن عبد البر أنه يحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقا.
اهـ.
والأولى أن يقال: يحرم التعرض لأخطاره.

قال القاضي: وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز منع ركوبه، وقيل: إنما منعاه للتجارة وطلب الدنيا، لا للطاعات، وقد روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز، وضعف أبو داود هذا الحديث، وقال: رواته مجهولون.

ثم قال النووي: واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المقتول في سبيل الله والميت فيه سواء في الأجر، بحجة أن أم حرام ماتت، ولم تقتل.
قال النووي: ولا دلالة فيه لذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنهم شهداء، إنما قال يغزون في سبيل الله لكن ذكر مسلم في باب بعد الباب التالي عن أبي هريرة من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد وهو موافق لقول الله تعالى { { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } } [النساء: 100] اهـ.
وعبارة ابن عبد البر: في الحديث أن من يموت غازيا يلحق بمن يقتل في الغزو.
اهـ.
وهو ظاهر القصة، لكن لا يلزم من الاستواء في أصل الفضل الاستواء في الدرجات.

ويؤخذ من الحديث غير ما تقدم

1- الترغيب في الجهاد والحض عليه.

2- وفضيلة المجاهدين في الجملة.

3- وفضيلة تلك الجيوش التي فتحت تلك البلاد، وأنهم غزاة في سبيل الله.

4- فضل من يصرع في سبيل الله.

5- أن حكم الراجع من الغزو حكم الذاهب إليه في الثواب.

6- جواز الخلوة بالمحرم -على اعتبار أن أم حرام كانت محرما، واختلى بها.

7- وجواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره، مما ليس بعورة.

8- وجواز النوم عند المحرم.

9- جواز فلي الرأس.

10- قال النووي: فيه جواز قتل القمل منه ومن غيره، قال أصحابنا: قتل القمل وغيره من المؤذيات مستحب وفي استنباط جواز قتل القمل من الحديث بعد ونظر.

11- جواز أكل الضيف عند المرأة المزوجة، مما تقدمه له، إلا أن يعلم أنه من مال الزوج ويعلم أنه يكره أكله من طعامه، فالأغلب أن الذي في بيت المرأة الزوجة هو من مال الزوج.

12- وفيه أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أنه يسر صاحبه ما يفعله من ذلك جاز له فعله، ولا شك أن عبادة بن الصامت كان يسره أكل النبي صلى الله عليه وسلم مما قدمته له امرأته، ولو كان بغير إذن خاص منه.

13- جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه، كالإذن وأمن الفتنة.

14- جواز خدمة المرأة الأجنبية للضيف، بإطعامه والتمهيد له، ونحو ذلك.

15- جواز تمني الشهادة.

16- جواز الفرح بما يحدث من النعم.

17- جواز الضحك عند حدوث ما يسر.

18- وفي الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم وإخباره بالمغيبات، منها:

إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحاب قوة وشوكة ونكاية في العدو، وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحار، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون مع من يغزو البحر، وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية، وقد كان ذلك بحمد الله تعالى.

والله أعلم.