هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3611 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ ، جَمِيعًا ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } قَالَ : أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً ، فَقَالَ : هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا ؟ قَالُوا : أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا ، قَالُوا : يَا رَبِّ ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3611 حدثنا يحيى بن يحيى ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن أبي معاوية ، ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ، وعيسى بن يونس ، جميعا ، عن الأعمش ، ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، واللفظ له ، حدثنا أسباط ، وأبو معاوية ، قالا : حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله عن هذه الآية : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } قال : أما إنا قد سألنا عن ذلك ، فقال : أرواحهم في جوف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة ، فقال : هل تشتهون شيئا ؟ قالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا ، قالوا : يا رب ، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It has been narrated on the authority of Masruq Who said:

We asked 'Abdullah about the Qur'anic verse: Think not of those who are slain in Allah's way as dead. Nay, they are alive, finding their sustenance in the presence of their Lord.. (iii. 169). He said: We asked the meaning of the verse (from the Holy Prophet) who said: The souls, of the martyrs live in the bodies of green birds who have their nests in chandeliers hung from the throne of the Almighty. They eat the fruits of Paradise from wherever they like and then nestle in these chandeliers. Once their Lord cast a glance at them and said: Do ye want anything? They said: What more shall we desire? We eat the fruit of Paradise from wherever we like. Their Lord asked them the same question thrice. When they saw that they will continue to be asked and not left (without answering the question). they said: O Lord, we wish that Thou mayest return our souls to our bodies so that we may be slain in Thy way once again. When He (Allah) saw that they had no need, they were left (to their joy in heaven).

شرح الحديث من شرح النووى على مسلم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    باب بَيَانِ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
[ سـ :3611 ... بـ :1887]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ جَمِيعًا عَنْ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَا حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ قَالَ أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلَاعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - وَذَكَرَ إِسْنَادَهَ إِلَى مَسْرُوقٍ - قَالَ : سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ قالَ : أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ ) قَالَ الْمَازِرِيُّ : كَذَا جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَنْسُبُهُ فَيَقُولُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي مُسْنَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ( عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ) قُلْتُ : وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا الْمُعْتَمَدَةِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مَنْسُوبًا فِي مُعْظَمِهَا ، وَذَكَرَهُ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي مُسْنَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ لِقَوْلِهِ : إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .


قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّهَدَاءِ : ( أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ ) فِيهِ : بَيَانٌ أَنَّ الْجَنَّةَ مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَهِيَ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَمُ ، وَهِيَ الَّتِي يُنَعَّمُ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي الْآخِرَةِ .
هَذَا إِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَة أَيْضًا وَغَيْرُهُمْ : إِنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ بَعْدَ الْبَعْثِ فِي الْقِيَامَةِ ، قَالُوا : وَالْجَنَّةُ الَّتِي أُخْرِجَ مِنْهَا آدَمُ غَيْرُهَا ، وَظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ .
وَفِيهِ إِثْبَاتُ مُجَازَاةِ الْأَمْوَاتِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ قَبْلَ الْقِيَامَةِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْوَاحَ بَاقِيَةٌ لَا تَفْنَى ، فَيُنَعَّمُ الْمُحْسِنُ وَيُعَذَّبُ الْمُسِيءُ ، وَقَدْ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْآثَارُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ قَالَتْ : تَفْنَى ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ هُنَا : ( أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ ) ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ : ( إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ ) ، وَالنَّسَمَةُ تُطْلَقُ عَلَى ذَاتِ الْإِنْسَانِ جِسْمًا وَرُوحًا ، وَتُطْلَقُ عَلَى الرُّوحِ مُفْرَدَةً ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِالرُّوحِ ، وَلِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْجِسْمَ يَفْنَى وَيَأْكُلُهُ التُّرَابُ ، وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ : ( حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قَالَ الْقَاضِي : وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : ( نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ ) وَقَالَ هُنَا : ( الشُّهَدَاءُ ) لِأَنَّ هَذِهِ صِفَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزُقُونَ وَكَمَا فَسَّرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ .
وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّمَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَكَمَا قَالَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : بَلِ الْمُرَادُ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ فَيَدْخُلُونَهَا الْآنَ ، بِدَلِيلِ عُمُومِ الْحَدِيثِ ، وَقِيلَ : بَلْ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَفْنِيَةِ قُبُورِهِمْ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : ( فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ ) وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ ( بِطَيْرٍ خُضْرٍ ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : ( بِحَوَاصِلِ طَيْرٍ ) وَفِي الْمُوَطَّأِ : ( إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ : ( فِي صُورَةِ طَيْرٍ أَبْيَضَ ) قَالَ الْقَاضِي : قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى هَذَا : الْأَشْبَهُ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ : طَيْرٌ ، أَوْ صُورَةُ طَيْرٍ ، وَهُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ : ( تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ ) .
قَالَ الْقَاضِي : وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ هَذَا ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ آخَرُونَ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنْكَرُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، بَلْ رِوَايَةُ طَيْرٍ ، أَوْ جَوْفِ طَيْرٍ ، أَصَحُّ مَعْنًى ، وَلَيْسَ لِلْأَقْيِسَةِ وَالْعُقُولِ فِي هَذَا حُكْمٌ ، وَكُلُّهُ مِنَ الْمُجَوَّزَاتِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الرُّوحَ إِذَا خَرَجَتْ مِنَ الْمُؤْمِنِ أَوِ الشَّهِيدِ فِي قَنَادِيلَ ، أَوْ أَجْوَافِ طَيْرٍ ، أَوْ حَيْثُ يَشَاءُ كَانَ ذَلِكَ وَوَقَعَ ، وَلَمْ يَبْعُدْ ، لَا سِيَّمَا مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَرْوَاحَ أَجْسَامٌ ، قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا الْمُنَعَّمَ أَوِ الْمُعَذَّبَ مِنَ الْأَرْوَاحِ جُزْءٌ مِنَ الْجَسَدِ تَبْقَى فِيهِ الرُّوحُ ، وَهُوَ الَّذِي يَتَأَلَّمُ وَيُعَذَّبُ وَيَلْتَذُّ وَيُنَعَّمُ ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ : رَبِّ ارْجِعُونِ وَهُوَ الَّذِي يَسْرَحُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ ، فَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يُصَوَّرَ هَذَا الْجُزْءُ طَائِرًا أَوْ يُجْعَلَ فِي جَوْفِ طَائِرٍ ، وَفِي قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .


قَالَ الْقَاضِي : وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الرُّوحِ - مَا هِيَ ؟ اخْتِلَافًا لَا يَكَادُ يُحْصَرُ ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَرْبَابِ الْمَعَانِي وَعِلْمِ الْبَاطِنِ الْمُتَكَلِّمِينَ : لَا تُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ ، وَلَا يَصِحُّ وَصْفُهُ ، وَهُوَ مِمَّا جَهِلَ الْعِبَادُ عِلْمَهُ ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَغَلَتِ الْفَلَاسِفَةُ فَقَالَتْ بِعَدَمِ الرُّوحِ ، وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَطِبَّاءِ : هُوَ الْبُخَارُ اللَّطِيفُ السَّارِي فِي الْبَدَنِ ، وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ شُيُوخِنَا : هُوَ الْحَيَاةُ ، وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ مُشَابِكَةٌ لِلْجِسْمِ يَحْيَى لِحَيَاتِهِ ، أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِمَوْتِ الْجِسْمِ عِنْدَ فِرَاقِهِ ، وَقِيلَ : هُوَ بَعْضُ الْجِسْمِ ، وَلِهَذَا وُصِفَ بِالْخُرُوجِ وَالْقَبْضِ وَبُلُوغِ الْحُلْقُومِ ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَجْسَامِ لَا الْمَعَانِي ، وَقَالَ بَعْضُ مُقَدَّمِي أَئِمَّتِنَا : هُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُتَصَوَّرٌ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ دَاخِلَ الْجِسْمِ ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ : إِنَّهُ النَّفَسُ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ ، وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الدَّمُ ، هَذَا مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا : أَنَّ الرُّوحَ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ مُتَخَلِّلَةٌ فِي الْبَدَنِ ، فَإِذَا فَارَقَتْهُ مَاتَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفُوا فِي النَّفْسِ وَالرُّوحِ فَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى ، وَهُمَا لَفْظَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ .
وَقِيلَ : إِنَّ النَّفْسَ هِيَ النَّفَسُ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ ، وَقِيلَ : هِيَ الدَّمُ ، وَقِيلَ : هِيَ الْحَيَاةُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ تَعَلَّقَ بِحَدِيثِنَا هَذَا وَشِبْهِهِ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ الْقَائِلِينَ بِالتَّنَاسُخِ وَانْتِقَالِ الْأَرْوَاحِ وَتَنْعِيمِهَا فِي الصُّوَرِ الْحِسَانِ الْمُرَفَّهَةِ وَتَعْذِيبِهَا فِي الصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ الْمُسَخَّرَةِ ، وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا هُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ، وَهَذَا ضَلَالٌ بَيِّنٌ ، وَإِبْطَالٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرَائِعُ مِنَ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ : ( حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ ) يَعْنِي : يَوْمَ يَجِيءُ بِجَمِيعِ الْخَلْقِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى : هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا ...) إِلَخْ ، هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي إِكْرَامِهِمْ وَتَنْعِيمِهِمْ إِذْ قَدْ أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، ثُمَّ رَغَّبَهُمْ فِي سُؤَالِ الزِّيَادَةِ ، فَلَمْ يَجِدُوا مَزِيدًا عَلَى مَا أَعْطَاهُمْ ، فَسَأَلُوهُ - حِينَ رَأَوْا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سُؤَالٍ - أَنْ يُرْجِعَ أَرْوَاحَهُمْ إِلَى أَجْسَادِهِمْ لِيُجَاهِدُوا ، أَوْ يَبْذُلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَسْتَلِذُّوا بِالْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .