هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
360 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ ، حَدَّثَنَا أَبَانُ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، أَنَّ زَيْدًا ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو تملأ ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Malik at-Ash'ari reported:

The Messenger of Allah (ﷺ) said: Cleanliness is half of faith and al-Hamdu Liliah (Praise be to Allah) fills the scale, and Subhan Allah (Glory be to Allah) and al-Hamdu Liliah (Praise be to Allah) fill upwhat is between the heavens and the earth, and prayer is a light, and charity is proof (of one's faith) and endurance is a brightness and the Holy Qur'an is a proof on your behalf or against you. All men go out early in the morning and sell themselves, thereby setting themselves free or destroying themselves.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [223] أَن أَبَا سَلام حَدثهُ عَن أبي مَالك قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره سقط بَينهمَا رجل وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن غنم وَقد ثَبت فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأجَاب االنووي بِاحْتِمَال سَماع أبي سَلام من أبي مَالك وَمن بن غنم عَن أبي مَالك الطّهُور بِالضَّمِّ على الافصح وَالْمرَاد بِهِ الْفِعْل شطر الْإِيمَان أَي نصفه وَالْمعْنَى أَن الْأجر فِيهِ يَنْتَهِي تَضْعِيفه الى نصف أجر الْإِيمَان وَقيل الْإِيمَان يجب مَا قبله من الْخَطَايَا وَكَذَا الْوضُوء إِلَّا أَنه لَا يَصح إِلَّا مَعَ الْإِيمَان فَصَارَ لتوقفه على الْإِيمَان فِي معنى الشّطْر وَقيل المُرَاد بِالْإِيمَان الصَّلَاة وَالطَّهَارَة شَرط فِي صِحَّتهَا فَصَارَت كالشطر وَلَا يلْزم فِي الشّطْر أَن يكون نصفا حَقِيقِيًّا قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا أقرب الْأَقْوَال وَالْحَمْد لله تملأ الْمِيزَان مَعْنَاهُ عظم أجرهَا وَأَنه يمْلَأ الْمِيزَان تملآن أَو تملأ بالتأنيث فيهمَا وَضمير الثَّانِي للجملة من الْكَلَام وَجوز صَاحب التَّحْرِير التَّذْكِير فيهمَا على إِرَادَة النَّوْعَيْنِ من الْكَلَام أَو الذكرين فِي الأول وَالذكر فِي الثَّانِي وَمَعْنَاهُ لَو قدر ثَوَابهَا جسما لملأ مَا بَين السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالصَّلَاة نور لِأَنَّهَا تمنع عَن الْمعاصِي وتنهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وتهدي إِلَى الصَّوَاب كَمَا أَن النُّور يستضاء بِهِ وَقيل يكون أجرهَا نورا لصَاحِبهَا وَقيل لِأَنَّهَا سَبَب لإشراق نور المعارف وانشراح الْقلب ومكاشفات الْحَقَائِق لفراغ الْقلب مِنْهَا واقباله االله وَقيل انها تكون نورا ظَاهرا على وَجهه يَوْم الْقِيَامَة وَفِي الدُّنْيَا أَيْضا بالبهاء وَالصَّدَََقَة برهَان أَي حجَّة على إِيمَان فاعلها فَإِن الْمُنَافِق يمْتَنع مِنْهَا لكَونه لَا يعتقدها وَالصَّبْر ضِيَاء أَي لَا يزَال صَاحبه مستضيئا مستهديا مستمرا على فعل الصَّوَاب وَالْقُرْآن حجَّة لَك أَو عَلَيْك أَي تنْتَفع بِهِ إِن تلوته وعملت بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَيْك حجَّة كل النَّاس يَغْدُو إِلَى آخِره كل إِنْسَان يسْعَى بِنَفسِهِ فَمنهمْ من يَبِيعهَا لله بِطَاعَتِهِ فيعتقها من الْعَذَاب وَمِنْهُم من يَبِيعهَا للشَّيْطَان والهوى باتباعهما فيوبقها أَي يهلكها

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان.
والحمد لله تملأ الميزان.
وسبحان الله والحمد لله تملآن ( أو تملأ) ما بين السموات والأرض.
والصلاة نور.
والصدقة برهان.
والصبر ضياء.
والقرآن حجة لك أو عليك.
كل الناس يغدو.
فبائع نفسه.
فمعتقها أو موبقها.


المعنى العام

شاء الله للإسلام أن يكون دين الطهارة والنظافة، فجعل النظافة من الإيمان، والطهور شطر الإيمان، ومثل الوضوء للصلاة وتنظيف الظاهر والباطن بنهر يجري بباب أحدنا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فلا يبقى من درنه شيئا، شاء الله للإسلام أن يكون دين طهارة الظاهر والباطن بما شرع من شرائع وعبادات، فحمد الله وتسبيحه وذكره والثناء عليه يرطب اللسان، ويجلي صدأ القلوب، كلمات خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، والصلاة تنور البصيرة وتزكي الأعضاء، وتنهي عن الفحشاء والمنكر، وتحيط صاحبها بملائكة الرحمة، وتحوطه بعناية الله تعالى، والصدقة تطهر المال، وتزكي النفس من البخل والشح وتنقيها من الأثرة والأنانية وحب الذات، والصدقة برهان على صدق الإيمان باليوم الآخر، ودليل على حب الخير للناس، وصدق الله العظيم حيث يقول { { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } } [التوبة: 103] والصبر طهارة للعقيدة من الاعتراض على القضاء، ونور للنفوس في ظلمات نوائب الدهر ونوازل الزمان، وصدق الله العظيم حيث يقول { { وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } } [البقرة: 155-157] .

والقرآن الكريم طهارة في ذاته { { لا يمسه إلا المطهرون } } [الواقعة: 79] طهارة لقارئه وسامعه وللعامل به، وشاهد صدق يرفع صاحبه يوم القيامة.

تلك مثل من طهارة الإسلام وشرائعه، وكل الناس يتحرك ويسعى، لكن منهم من يستفيد من سعيه، ويبني آخرته بحركة دنياه، ومنهم من يشقى بسعيه ويهدم آخرته بلذات فانية في دنياه، وصدق الله العظيم حيث يقول { { إن سعيكم لشتى* فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى* فسنيسره للعسرى* وما يغني عنه ماله إذا تردى* إن علينا للهدى* وإن لنا للآخرة والأولى } } [الليل: 4-13] .

المباحث العربية

( الطهور شطر الإيمان) بضم الطاء وفتحها وقيل: الضم اسم للفعل، والفتح اسم لما يتطهر به، والمراد من الطهور التطهر، أي رفع الحدث الأكبر أو الأصغر، والشطر في الأصل النصف، وقيل: الجزء من قولهم: أشطار الناقة أي أجزاؤها، والإيمان بمعناه الاصطلاحي : التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وقيل: المراد من الإيمان هنا الصلاة، باعتبارها مظهرا من مظاهره؛ فيكون من قبيل ما قيل في تفسير قوله تعالى: { { وما كان الله ليضيع إيمانكم } } [البقرة: 143] وسيأتي مزيد إيضاح لهذا في فقه الحديث.

( والحمد لله تملأ الميزان) المراد من الميزان ميزان الأعمال يوم القيامة، ومعنى أن الحمد يملأ الميزان: أن ذاكرها يمتلئ ميزانه بالثواب، وقيل إن الأعمال نفسها والذكر نفسه يتجسم يوم القيامة، فيكون له ثقل وحجم يملأ الميزان.

( وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السموات والأرض) سبحان اسم منصوب، على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف، تقديره: سبحت الله سبحانا.
ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص، فيلزم منه نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل، ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر، ويطلق ويراد به صلاة النافلة، والمراد منه هنا الأول، لقرنه بالحمد لله.
وأما قوله تملآن أو تملأ قد ضبطه النووي بالتاء، فالأول تملآن أي الجملتان، والثاني تملأ أي الجملة بما فيها المعطوف والمعطوف عليه، وصحح صاحب التحرير فيهما التذكير يملآن أو يملأ بالياء بدل التاء، أما الأول فعلى إرادة النوعين من الكلام، أو الذكرين، وأما الثاني فعلى إرادة الذكر، والمعنى أنه لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السموات والأرض.

( والصلاة نور) أي كالنور، يستضاء بها ويهتدي في ظلمات المعاصي، وقيل غير ذلك مما سيأتي في فقه الحديث.

( والصدقة برهان) أي حجة ودليل على إيمان صاحبها، وقيل غير ذلك.

( والصبر ضياء) الصبر الإمساك في ضيق، وحبس النفس على المكروه، وعقد اللسان عن الشكوى، والمكابدة في التحمل وانتظار الفرج، وتختلف معانيه بتعلقاته، فإن كان عن مصيبة سمي صبرا، وإن كان في لقاء عدو سمي شجاعة، وإن كان عن كلام سمي كتمانا، وإن كان عن تعاطي ما نهي عنه سمي عفة، ومعنى أنه ضياء أنه محمود، لا يزال صاحبه مستضيئا به مهتديا مستمرا على الصواب.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا فرق بين النور والضياء إلا في اللفظ، لكن التحقيق أن الضياء هو الحاصل في الشيء من مقابلته المضيء بذاته، فالذي نراه على الأرض منبسطا من مقابلتها للشمس ضوء، فإذا اشتد هو ضياء، أما النور فهو الحاصل في الشيء من مقابلته المضيء بالغير، فالذي نراه على الأرض من مقابلتها القمر الذي استمد ضوءه من مقابلته الشمس هو نور، وحسبنا القرآن الكريم إذ يقول { { جعل الشمس ضياء والقمر نورا } } [يونس:5] .

والحاصل أن الضياء فرط الإنارة، وإنما قرن بالصبر الذي هو حبس النفس لأنه عمل الذات والداخل، بخلاف الصلاة فإنها عمل الأركان والجوارح التابعة للباطن.

( والقرآن حجة لك أو عليك) أي إن أخلصت في تلاوته وعملت به كان حجة لك، وإلا كان حجة عليك، والخطاب لكل من يتأتى خطابه، وقيل: المعنى أنه الحكم الفصل عند التنازع فتحتج به أو يحتج به عليك.

( كل الناس يغدو) أي يبكر ويسعى ويعمل، والغدو السير أول النهار.

( فبائع نفسه) معطوف على يغدو أي كل الناس بائع نفسه، إما لله تعالى بطاعته إياه، وإما للشيطان والهوى باتباعهما، ففي الكلام استعارة تصريحية تبعية، شبه قطع العمر وعمل الدنيا في مقابل ما بعد الموت بالبيع، والمراد كل الناس يعمل دنياه.

( فمعتقها أو موبقها) أي فمنهم معتقها ومخلصها من العذاب، ومنهم موبقها أي مهلكها، والتعبير بالمسبب وإرادة السبب، أي فمنهم من يعمل عملا يكون سببا في تخليصها وبعدها عن النار، ومنهم من يعمل عملا يكون سببا في عذابها.

فقه الحديث

يتناول الحديث فضل الطهور، والذكر، والصلاة، والصدقة، والصبر، والقرآن.

أما الطهور فقد قال النووي: اختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان فقيل: معناه أن الأجر ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل: معناه أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا، وكذلك الوضوء، لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان، فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر، وقيل: إن للإيمان شطرين: تطهير السر من خبائث النفس، وتطهير الجوارح، فمن طهر ظاهره للوقوف بين يدي الله جاء بنصف الإيمان، فإذا طهر سره كمل إيمانه، وقيل: المراد بالإيمان هنا الصلاة، كما قال تعالى { { وما كان الله ليضيع إيمانكم } } [البقرة: 143] والطهارة شرط في صحة الصلاة، فصارت كالشطر، وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا قال: وهذا القول أقرب الأقوال.
ثم قال: ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب، وانقياد بالظاهر، وهما شطران للإيمان، والطهارة متضمنة الصلاة، فهي انقياد في الظاهر، والله أعلم.
اهـ.

والذي اختاره الإمام النووي، واعتبره أقرب الأقوال هو بعيد الاحتمال، لأن تفسير الإيمان في قوله تعالى { { وما كان الله ليضيع إيمانكم } } بالصلاة أحد التفسيرات البعيدة، وفيه مجاز لا ضرورة له، ثم إنه في الحديث يضعف القصد والهدف، إذ قولنا: الوضوء شرط الصلاة لا يعطي فضل الوضوء والترغيب فيه، ولا يأتي بمعنى جديد للمخاطبين الذين لم يصلوا منذ شرعت الصلاة إلا بالوضوء.

وعندي أن الهدف من الحديث هو الترغيب في استصحاب الوضوء، كما أن الغرض من المذكورات الخمسة بعده هو الحث على الإكثار منها والإخلاص فيها، لتكثير الثواب لا لتحصيل أصل الفعل.

وحيث كان الهدف كذلك كان المعنى أن الطهور كشطر الإيمان، فكما يحرص المؤمن على استصحاب الإيمان كاملا في كل حين ينبغي أن يحرص على استصحاب الوضوء في كل حين، وكما أن الإيمان الكامل وقاية للمؤمن من الوقوع في المحرمات، فإن الوضوء سلاح المؤمن ضد إغواء الشيطان، فالوضوء كشطر الإيمان في انبغاء استصحابه في كل حين، وأما الذكر فقد رغب فيه في الحديث بعبارتين: الحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض وظاهره أفضلية التحميد والتسبيح على سائر الأذكار، ويؤيده ما رواه مسلم عن أبي ذر قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله قال: أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده وفيه تلميح بقوله تعالى عن الملائكة { { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } } [البقرة: 30] .
لكن يعارضه ما رواه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم أفضل الذكر لا إله إلا الله.

ومن هنا قال بعضهم: التهليل أفضل، لأنه صريح في التوحيد، والتسبيح متضمن له، ولأن نفي الإله في قوله لا إله إلا الله فيه نفي ما يضاده ويخالفه من النقائص، فمنطوق لا إله إلا الله توحيد، فيكون لا إله إلا الله أفضل، لأن التوحيد أصل، والتنزيه ينشأ عنه.

وقال الحافظ ابن حجر: الذكر بلا إله إلا الله أرجح من الذكر بالحمد لله، فقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال موسى: يا رب، علمني شيئا أذكرك به قال: قل لا إله إلا الله الحديث، وفيه لو أن السموات السبع، وعامرهن، والأرضين السبع، جعلن في كفة، ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله قال: وملء الميزان بالحمد لله في حديث أبي مالك الأشعري يدل على المساواة، والرجحان في حديث النسائي صريح في الزيادة، فيكون أولى.
اهـ.

وجمع القرطبي بما حاصله: إن هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله فالمراد: إذا انضمت إلى أخواتها، بدليل حديث سمرة عن مسلم أحب الكلام إليه أربع، لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ويحتمل أن يكتفى في ذلك بالمعنى، فيكون من اقتصر على بعضها كفى، لأن حاصلها التعظيم والتنزيه، ومن نزهه فقد عظمه، ومن عظمه فقد نزهه.
اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يجمع بأن تكون من مضمرة في قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله وفي قوله أحب الكلام بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى.
اهـ.

وقال النووي: هذا الإطلاق في الأفضلية محمول على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل الذكر.
اهـ.

وقال البيضاوي: الظاهر أن المراد من الكلام كلام البشر، فإن الثلاث الأول وإن وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجد، ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه.
اهـ.

ويتحقق الكلمات الأربع غيرها من الذكر كالحوقلة، والبسملة، والحسبلة والاستغفار والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي حكم الذكر قراءة التفسير والحديث ومدارسة العلم، ثم الذكر يقع تارة باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي التناقض عنه ازداد كمالا، فإن وقع ذلك في عمل صالح من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا.

ثم إن هذا الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام، ولا يلحق بهم من أصر على شهواته، وانتهك دين الله وحرماته، مصداقا لقوله جل شأنه { { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } } [الجاثية: 21] .
وقوله { { إنما يتقبل الله من المتقين } } [المائدة:27] .

وأما الصلاة: ففي معنى قوله صلى الله عليه وسلم والصلاة نور يقول الإمام النووي: معناه أنها تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب، كما أن النور يستضاء به، وقيل: معناه أن يكون أجرها نورا لصاحبها يوم القيامة، وقيل: لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب، ومكاشفات الحقائق، لفراغ القلب فيها، وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه، وقد قال الله تعالى { { واستعينوا بالصبر والصلاة } } [البقرة: 45] ، وقيل: معناه: أنها تكون نورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء، بخلاف من لم يصل، والله أعلم.

وأما الصدقة: وأنها برهان فقد قال صاحب التحرير: معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله، كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال، فيقول: تصدقت به.
قال: ويجوز أن يوسم المتصدق بسيماء يعرف بها، فيكون برهانا له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله.
اهـ.

وقال بعضهم: معناه: الصدقة حجة على إيمان فاعلها، فإن المنافق يمتنع منها، لكونه لا يعتقدها، فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه.

وأما الصبر: فقد قيل: إنه ثلاثة أقسام: صبر عن المعصية فلا يرتكبها، وصبر على الطاعة حتى يؤديها، وصبر على البلية فلا يشكو ربه فيها، والصبر سبب في حصول كل كمال، وإلى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله إن الصبر خير ما أعطيه العبد ويقول جل شأنه { { وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } } [البقرة: 155-157] .

هذا، وإظهار البلاء لا على وجه الشكوى لا ينافي الصبر، إذ هو يتحقق بعدم الاعتراض على المقدور، ففي أيوب -عليه السلام- يقول الله تعالى { { إنا وجدناه صابرا نعم العبد } } [ص: 44] مع أنه قال { { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } } [الأنبياء: 83] .

وأما القرآن: فهو حجة ودفاع عمن يقرؤه مخلصا مرتلا متدبرا عاملا بما فيه، وحجة على من قدر على قراءته فأهمله، أو نسيه بعد ما حفظه، أو راءى بقراءته أو اختال به على من سواه من الخلق، أو عرضه للسخرية والاستهزاء، أو لم يعمل بما فيه.

القرآن شاهد صدق، وحكم عدل، فهو كلام الله جل شأنه { { ومن أصدق من الله قيلا } } [النساء: 122] .

ويؤخذ من الحديث

1- فضل الطهور واستحباب استصحابه على الدوام.

2- فضل الحمد والتسبيح وذكر الله تعالى.

3- فضل الصلاة والمحافظة عليها والحث على الإكثار من التنفل بها.

4- الترغيب في الصدقة.

5- وفي الصبر.

6- وفي قراءة القرآن بإخلاص والعمل بما فيه.

7- الحث على سعي الإنسان للخير، لأن الدنيا مزرعة الآخرة، والكيس من أخذ من شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، ومن غناه لفقره، والسفيه من أتبع نفسه هواها فأوردها هلاكها، وصدق الله العظيم إذ يقول { { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } } [الشورى: 20] .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب فَضْلِ الْوُضُوءِ
[ سـ :360 ... بـ :223]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا
قَالَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ حَدَّثَنَا أَبَانٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ ) هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا : سَقَطَ فِيهِ رَجُلٌ بَيْنَ أَبِي سَلَّامٍ وَأَبِي مَالِكٍ ، وَالسَّاقِطُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ ، قَالُوا : وَالدَّلِيلُ عَلَى سُقُوطِهِ : أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ سَلَّامٍ رَوَاهُ عَنْ أَخِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ لِمُسْلِمٍ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلِمَ سَمَاعَ أَبِي سَلَّامٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَبِي مَالِكٍ فَيَكُونُ أَبُو سَلَّامٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي مَالِكٍ ، وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ ; فَرَوَاهُ مَرَّةً عَنْهُ وَمَرَّةً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَتْنُ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ ) فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ..
وَأَمَّا ( أَبَانٌ ) فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ صَرْفُهُ ..
وَأَمَّا أَبُو سَلَّامٍ فَاسْمُهُ ( مَمْطُورٌ ) الْأَعْرَجُ الْحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ، نُسِبَ إِلَى حَيٍّ مِنْ حِمْيَرَ مِنَ الْيَمَنِ لَا إِلَى الْحَبَشَةِ ..
وَأَمَّا ( أَبُو مَالِكٍ ) فَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ : الْحَارِثُ ، وَقِيلَ : عُبَيْدٌ ، وَقِيلَ : كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ ، وَقِيلَ : عَمْرٌو ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الشَّامِيِّينَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ ، قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى مُهِمَّاتٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ ، فَأَمَّا ( الطُّهُورُ ) فَالْمُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ فَهُوَ مَضْمُومُ الطَّاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا تَقَدَّمَ ، وَأَصْلُ الشَّطْرِ النِّصْفُ ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ ، فَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ يَنْتَهِي تَضْعِيفُهُ إِلَى نِصْفِ أَجْرِ الْإِيمَانِ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْخَطَايَا ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ ; لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ فَصَارَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِيمَانِ فِي مَعْنَى الشَّطْرِ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ هُنَا الصَّلَاةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَصَارَتْ كَالشَّطْرِ ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي الشَّطْرِ أَنْ يَكُونَ نِصْفًا حَقِيقِيًّا ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : أَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَانْقِيَادٌ بِالظَّاهِرِ ، وَهُمَا شَطْرَانِ لِلْإِيمَانِ ، وَالطَّهَارَةُ مُتَضَمِّنَةٌ الصَّلَاةَ ، فَهِيَ انْقِيَادٌ فِي الظَّاهِرِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ) فَمَعْنَاهُ : عِظَمُ أَجْرِهَا ، وَأَنَّهُ يَمْلَأُ الْمِيزَانَ ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وَزْنِ الْأَعْمَالِ وَثِقَلِ الْمَوَازِينِ وَخِفَّتِهَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، فَضَبَطْنَاهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ فِي تَمْلَآنِ وَتَمْلَأُ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، فَالْأَوَّلُ ضَمِيرُ مُؤَنَّثَتَيْنِ غَائِبَتَيْنِ ، وَالثَّانِي ضَمِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْكَلَامِ ،.

     وَقَالَ  صَاحِبُ التَّحْرِيرِ : يَجُوزُ ( تَمْلَآنِ ) بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ جَمِيعًا ، فَالتَّأْنِيثُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَالتَّذْكِيرُ عَلَى إِرَادَةِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْكَلَامِ أَوِ الذِّكْرَيْنِ ، قَالَ :.

وَأَمَّا تَمْلَأُ فَمُذَكَّرٌ عَلَى إِرَادَةِ الذِّكْرِ ، .

وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : لَوْ قُدِّرَ ثَوَابُهُمَا جِسْمًا لَمَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَسَبَبُ عِظَمِ فَضْلِهِمَا مَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : ( سُبْحَانَ اللَّهِ ) ، وَالتَّفْوِيضِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَالصَّلَاةُ نُورٌ ) ، فَمَعْنَاهُ : أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْمَعَاصِي ، وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، وَتَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ ، كَمَا أَنَّ النُّورَ يُسْتَضَاءُ بِهِ .
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ أَجْرُهَا نُورًا لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِإِشْرَاقِ أَنْوَارِ الْمَعَارِفِ ، وَانْشِرَاحِ الْقَلْبِ ، وَمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ لِفَرَاغِ الْقَلْبِ فِيهَا ، وَإِقْبَالِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ نُورًا ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيَكُونُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِهِ الْبَهَاءُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ) ، فَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ : مَعْنَاهُ : يَفْزَعُ إِلَيْهَا كَمَا يَفْزَعُ إِلَى الْبَرَاهِينِ ، كَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا سُئِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ كَانَتْ صَدَقَاتُهُ بَرَاهِينَ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ ، فَيَقُولُ : تَصَدَّقْتُ بِهِ ، قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ يُوسَمَ الْمُتَصَدِّقُ بِسِيمَاءَ يُعْرَفُ بِهَا فَيَكُونُ بُرْهَانًا لَهُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ ..
     وَقَالَ  غَيْرُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ : مَعْنَاهُ الصَّدَقَةُ حُجَّةٌ عَلَى إِيمَانِ فَاعِلِهَا ، فَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا لِكَوْنِهِ لَا يَعْتَقِدُهَا فَمَنْ تَصَدَّقَ اسْتُدِلَّ بِصَدَقَتِهِ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ) ، فَمَعْنَاهُ الصَّبْرُ الْمَحْبُوبُ فِي الشَّرْعِ ، وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّبْرُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَالصَّبْرُ أَيْضًا عَلَى النَّائِبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّبْرَ مَحْمُودٌ ، وَلَا يَزَالُ صَاحِبُهُ مُسْتَضِيئًا مُهْتَدِيًا مُسْتَمِرًّا عَلَى الصَّوَابِ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَاصُّ : الصَّبْرُ هُوَ الثَّبَاتُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ..
     وَقَالَ  ابْنُ عَطَاءٍ : الصَّبْرُ الْوُقُوفُ مَعَ الْبَلَاءِ بِحُسْنِ الْأَدَبِ ..
     وَقَالَ  الْأُسْتَاذُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - : حَقِيقَةُ الصَّبْرِ أَنْ لَا يَعْتَرِضَ عَلَى الْمَقْدُورِ ، فَأَمَّا إِظْهَارُ الْبَلَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ الشَّكْوَى فَلَا يُنَافِي الصَّبْرَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ مَعَ أَنَّهُ قَالَ : إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ) ، فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ أَيْ تَنْتَفِعُ بِهِ إِنْ تَلَوْتَهُ وَعَمِلْتَ بِهِ ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكَ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) ، فَمَعْنَاهُ كُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى بِنَفْسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ فَيُعْتِقُهَا مِنَ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلشَّيْطَانِ وَالْهَوَى بِاتِّبَاعِهِمَا فَيُوبِقُهَا أَيْ يُهْلِكُهَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ
فِي إِسْنَادِهِ ( أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ ، وَاسْمُهُ : الْفُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ ، مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لَهُ ، اسْمُهُ جَحْدَرٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ .
وَفِيهِ ( أَبُو عَوَانَةَ ) وَاسْمُهُ : الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ :
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ ) هَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ ، وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَتِ الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ ، فَذَهَبَ ابْنُ الْجَهْمِ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ سُنَّةً ثُمَّ نَزَلَ فَرْضُهُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ ، قَالَ الْجُمْهُورُ : بَلْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَرْضًا ، قَالَ : وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْوُضُوءَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْ عَلَى الْمُحْدِثِ خَاصَّةً ؟ فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الْآيَةَ ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ ، وَقِيلَ : الْأَمْرُ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى النَّدْبِ ، وَقِيلَ : بَلْ لَمْ يُشْرَعْ إِلَّا لِمَنْ أَحْدَثَ .
وَلَكِنَّ تَجْدِيدَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُسْتَحَبٌّ ، وَعَلَى هَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتْوَى بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافٌ ، وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ إِذَا كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ .
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى .
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُوجِبِ لِلْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ يَجِبُ بِالْحَدَثِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ، وَالثَّانِي : لَا يَجِبُ إِلَّا عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَالثَّالِثُ : يَجِبُ بِالْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ قَوْلِهِمَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ، وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ ، وَلَوْ صَلَّى مُحْدِثًا مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَا يَكْفُرُ عِنْدنَا وَعِنْدَ الْجَمَاهِيرِ ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى أَنَّهُ يَكْفُرُ لِتَلَاعُبِهِ .
وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْكُفْرَ لِلِاعْتِقَادِ وَهَذَا الْمُصَلِّي اعْتِقَادُهُ صَحِيحٌ ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَلِّي مُحْدِثًا عُذْرٌ .
أَمَّا الْمَعْذُورُ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى وَهِيَ مَذَاهِبُ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَائِلُونَ أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا : يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ ، وَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الطَّهَارَةِ ، وَالثَّانِي : يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ ، وَالثَّالِثُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ ، وَالرَّابِعُ : يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا ، فَأَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ،.

وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
وَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيُّ : كُلُّ صَلَاةٍ أُمِرَ بِفِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .