هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3537 حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا شَبَابةُ ، حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ ، وَيُتَّقَى بِهِ ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3537 حدثنى زهير بن حرب ، حدثنا شبابة ، حدثني ورقاء ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إنما الإمام جنة ، يقاتل من ورائه ، ويتقى به ، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل ، كان له بذلك أجر ، وإن يأمر بغيره كان عليه منه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It has been narrated on the authority of Abu Huraira that the Prophet of Allah (ﷺ) said:

A commander (of the Muslims) is a shield for them. They fight behind him and they are protected by (him from tyrants and aggressors). If he enjoins fear of God, the Exalted and Glorious, and dispenses justice, there will be a (great) reward for him; and if he enjoins otherwise, it redounds on him.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الإمام جنة فإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإذا وافق قول أهل الأرض قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه.


المعنى العام

في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا سار به في بعض شوارع المدينة المنورة، ولعل الفرس رأى في جوانب الطريق ما يزعجه فنفر فسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم على جذع نخلة فانفكت قدمه، وخدشت ساقه، وقشر بعض الجلد في كتفه ودخل صلى الله عليه وسلم بيت عائشة وصعد المشربة وهي مرتفع يصعد إليه بدرجات خشبية، شبيهة بما يسمى اليوم بالفرندة أو البلكون الدخلي وعلم الصحابة بالحادث، فذهب إليه أبو بكر وأنس وعمر وجابر يعودونه وحضرت صلاة الظهر أو العصر فأقيمت الصلاة، ولم يستطع صلى الله عليه وسلم الوقوف مما أصابه، فصلى من قعود، وأحس من تحركات من خلفه أن من وراءه وقوف، فالتفت التفافة خفيفة، ونظر إليهم نظرة خاطفة فوجدهم قياما، فأشار إليهم بيده وأومأ إليهم برأسه: أن اجلسوا، فجلسوا وأتموا الصلاة خلفه جلوسا، يكبر بصوت خافت لحالته الصحية، وأبو بكر خلفه يصلي بعده مباشرة، ليسمع القوم تكبيره، وليؤدي مشروعية الجهر بالتكبير، فلما سلم التفت إليهم فقال: لقد كدتم [في صلاتكم وقوفا خلفي قاعدا] أن تشبهوا فارس والروم في فعلهم القبيح، يقفون على رءوس ملوكهم تعظيما لهم، لا تفعلوا ذلك ثانية وائتموا بأئمتكم، فإن صلوا قياما فصلوا قياما.
وإن صلوا قعودا فصلوا قعودا وإذا كبر الإمام فكبروا، ولا تبادروه، ولا تسبقوه في فعل من أفعال الصلاة، بل إذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد فإن الملائكة في السماء.
تقول ذلك، فمن وافق قوله من أهل الأرض قول الملائكة أهل السماء ونطق بذلك وقت ما ينطقون غفر له ما تقدم من ذنبه.

المباحث العربية

( سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس) في الرواية الثانية خر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس وفي الرواية الثالثة صرع عن فرس وفي الرواية الخامسة سقط من فرسه والسقوط: الوقوع.
فإن لوحظ الانفصال قيل: سقط عن الفرس، وإن لوحظ البداية قيل: سقط من الفرس.

ويقال: خر بفتح الخاء وتشديد الراء، يخر بكسرها، خرا بفتحها، ويخر ضم الخاء خرورا.
إذا سقط، أو إذا سقط من علو إلى أسفل، والصرع الطرح على الأرض، وواقع الحادثة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ركب فرسا بالمدينة فسقط عنه على جذع نخلة.

( فجحش شقه الأيمن) بضم الجيم وكسر الحاء، والجحش الخدش أو أشد منه قليلا، والخدش قشر الجلد، ورواياتنا جحش شقه الأيمن وفي رواية للبخاري فجحشت ساقه أو كتفه بالشك من الراوي، وعند الإسماعيلي انفكت قدمه ولا تنافي فقد انفكت قدمه، وخدش في ساقه الأيمن، أو كتفه الأيمن أو فيهما، وعبارة شقه الأيمن أشمل من ذكر الساق أو الكتف.
فكل رواية ذكرت وضعا لا ينافي ما ذكرته الأخرى.

( فدخلنا عليه نعوده) معطوف على محذوف، أي فدخل بيته واحتجب عن الخروج، فدخلنا عليه، وجملة نعوده في محل النصب على الحال، وسميت زيارة المريض عيادة لما أن الغالب فيها التكرار.
والداخلون -كما يؤخذ من الروايات- كانوا أنسا الراوي وأبا بكر وجابرا وعمر رضي الله عنه عنهم، وهم المقصودون من قول عائشة في الرواية السادسة: فدخل عليه ناس يعودونه.

( فحضر الصلاة) قال القرطبي: اللام للعهد ظاهرا، والمراد الفرض لأن المعهود من عاداتهم اجتماعهم للفرض بخلاف النافلة، وقال عياض عن ابن القاسم: إن هذه الصلاة كانت نفلا.
والتحقيق ما قاله القرطبي.

( فصلينا وراءه قعودا) هذا بيان لما آل إليه الحال، بعد أمره لهم بالجلوس وبذلك تصرح الرواية السادسة، ولفظها فصلوا بصلاته قياما فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال، وهو الذي حكاه أنس في الرواية الأولى، وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس، وهو الذي حكته عائشة في الرواية السادسة، وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد، لأن فرض القادر في الأصل القيام.

( إنما جعل الإمام ليؤتم به) الائتمام الاقتداء والاتباع، أي جعل الإمام إماما ليقتدي به، ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه.
ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله، ويأتي على أثره بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال، وسيأتي مزيد إيضاح لهذا في فقه الحديث.

( فإذا كبر فكبروا) قال بعضهم: الفاء في فكبروا وفي فاسجدوا وفي فارفعوا للتعقيب، واستدل بها على أن المقتدي لا يسبق الإمام بالركوع ولا بالسجود، ولا بالرفع، والتحقيق أن الفاء التي للتعقيب هي العاطفة، وأما التي هنا فهي للربط فقط، لأنها وقعت جوابا للشرط.
نعم يمكن الاستدلال بتقدم الشرط على الجواب، وقد قال قوم: إن الجزاء يكون مع الشرط، فعلى هذا لا تنتفى المقارنة إلا بدليل آخر، كرواية أبي داود، ولفظها ولا تركعوا حتى يركع، ولا تسجدوا حتى يسجد.

( وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون) كذا في جميع الطرق في الصحيحين أجمعون بالرفع، فهو تأكيد لضمير الفاعل في صلوا لكن خلاف المحدثين في رواية أبي هريرة، الرواية الثامنة فقد رواها بعضهم أجمعين بالنصب على الحال، أي فصلوا جلوسا مجتمعين.

( إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم) إن مخففة من الثقيلة مهملة لا عمل لها، وفعل فارس مفعول مطلق مبين لنوعه وتفعلون منزل منزلة اللازم، وفي الكلام تشبيه، والتقدير: تفعلون مثل فعل فارس، وآنفا نصب على الظرفية، وهو من استأنفت الشيء إذا ابتدأته، والمعنى: كدتم في أول الوقت الذي يقرب منا أن تفعلوا فعل فارس، وفي بعض النسخ إن كدتم آنفا تفعلون بدون اللام.

( يقومون على ملوكهم وهم قعود) جملة وهم قعود حال من ملوكهم وجملة يقومون على ملوكهم لا محل لها من الإعراب مستأنفة استئنافا بيانيا، كأنها في جواب سؤال، تقديره: وما فعل فارس؟ ويجوز أن تكون في موضع النصب على الحال من ( فارس والروم) .

( فلا تفعلوا) الفاء فصيحة، في جواب شرط مقدر، أي إذا كان هذا فعل فارس والروم فلا تفعلوه، لئلا تتشبهوا بهم في فعل لا يرضاه الشرع، ومفعول تفعلوا محذوف.

( ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما) كان الظاهر أن يقول: إن صلوا قياما فصلوا قياما، لأن الضمير عائد على أئمتكم لكن التقدير إن صلى أحدهم قائما.

( إنما الإمام ليؤتم به) يؤتم مؤول بمصدر مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بكون خاص، والتقدير: إنما الإمام جعل للائتمام به.

( سمع الله لمن حمده...اللهم ربنا لك الحمد) سبق شرحه في الباب السابق.

( لا تبادروا الإمام) أي لا تسبقوه، ففي القاموس: بادره مبادرة وبدارا، وابتدره عاجله.

( إنما الإمام جنة) بضم الجيم وتشديد النون المفتوحة، أي وقاية وساتر لمن خلفه، ومانع من خلل يعرض لصلاتهم بسهو أو مرور، أي كالجنة، وهي الترس الذي يستر من وراءه، ويمنع وصول مكروه إليه.

( فإذا وافق قول أهل الأرض قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه) ، قول أهل الأرض فاعل وافق وقول أهل السماء مفعوله، وغفر مبني للمجهول، وما تقدم نائب فاعل، وضمير له يعود على الإمام أو على الموافق من أهل الأرض، وهو أولى ليوافق الرواية الأولى من الباب السابق ولفظها فإنه من وافق قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.

فقه الحديث

النقطة الأساسية في هذا الحديث، برواياته الإحدى عشرة، هي: إذا صلى الإمام جالسا، فهل يجلس المأموم أو يقف؟

وصريح الروايات الأمر بمتابعة الإمام في جلوسه ووقوفه، فإن صلى جالسا جلس المأموم، وإن صلى واقفا وقف المأموم، وبهذا الظاهر قال أحمد بن حنبل والأوزاعي وطائفة.

وقال مالك في المشهور عنه: لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد مطلقا، لا قائما، ولا قاعدا وسنعرض قريبا لدليله ومناقشته.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي ومالك في رواية عنه وجمهور السلف: لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائما، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض وفاته بعد هذا قاعدا وأبو بكر والناس خلفه قياما، كما ذكره مسلم في الباب التالي ولم يأمرهم بالجلوس، فصلاة الإمام قاعدا بالناس قعودا نسخت بصلاته صلى الله عليه وسلم قاعدا وهم قيام، وهو الأحدث من فعله صلى الله عليه وسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به ليس على عمومه، بل دخله التخصيص.

ويزيد مالك في المشهور عنه على ما ذهب إليه الجمهور أن صلاة القائم خلف القاعد نسخت كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحد بعدي جالسا فهذا الحديث ينسخ أمره في روايات الباب بالجلوس لما صلوا خلفه قياما، وينسخ صلاتهم خلفه قياما في مرض موته، فيثبت عدم جواز صلاة القادر خلف القاعد.
ويحتج بعض المالكية لهذا المذهب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعدا لأنه لا يصح التقدم بين يديه، لنهي الله عن ذلك، فلا يصح أن يكون إماما له، مهما قعد صلى الله عليه وسلم.
قال بعض أشياخهم: إن حال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به، وعدم العوض عنه يقتضي الصلاة معه على أي حال كان عليها، وليس ذلك لغيره، وأيضا فنقص صلاة القاعد عن القائم لا يتصور في حقه، ويتصور في حق غيره، فالصلاة خلف القاعد كانت من خصوصياته صلى الله عليه وسلم.

ورد الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحد بعدي جالسا بأنه لا حجة فيه، لأنه مرسل، ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه وهو جابر الجعفي.
وقال ابن بزيزة: وعلى فرض صحته لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس، فيعرب جالسا مفعولا لا حالا.
اهـ.

ثم إن القول بأن هذا الحديث ينسخ عمله صلى الله عليه وسلم في مرض موته بعيد، لأنه يحتاج إثبات أن تاريخه متأخر عن صلاة مرض الموت ودونه خرط القتاد.
فإن قيل: إن مواظبة الخلفاء الراشدين على عدم صلاة الإمام قاعدا تشهد له، قلنا: إن عدم النقل لا يدل على عدم الوقوع ولو سلم لا يستدل به على عدم الجواز، لاحتمال أن يكونوا اكتفوا باستخلاف القادر على القيام للاتفاق، على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة بالنسبة إلى صلاة القائم بمثله وهذا كاف في بيان تركهم الإمامة من قعود.

وأما قول بعضهم: لا يصح أن يكون أحد إماما له صلى الله عليه وسلم فهو مردود بما ثبت في الصحيح عند مسلم، وسيأتي بعد باب، أنه صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبد الرحمن بن عوف، مما يدل على أن المراد بمنع التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم إنما هو في غير الإمامة.

وأما نقص صلاة القاعد عن القائم فهو في حق القادر في النافلة وأما المعذور في الفريضة فلا نقص في صلاته عن القائم، ثم إن جعل هذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم لا دليل يعتمد عليه، بل هو معارض بعموم قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي.

ومن هنا قال أبو بكر بن العربي المالكي: لا جواب لأصحابنا عن حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم يخلص عند السبك، واتباع السنة أولى والتخصيص لا يثبت بالاحتمال.
اهـ.

وننتقل إلى مذهب الحنابلة، وهم ينكرون نسخ روايات الباب بحديث صلاته صلى الله عليه وسلم في مرضه الأخير، ويجمعون بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين، إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا، ثانيتهما إذ ابتدأ الإمام قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما، سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا فالحالة الأولى كروايات الباب، والحالة الثانية كحديث صلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته، فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة، لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائما، وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى، ويقوي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ، لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين، لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا، بروايات الباب، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين، وهو بعيد.

وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية، كابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وأجابوا في الجمع بين الحديثين بأجوبة أخرى، منها قول ابن خزيمة، إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا تبعا لإمامه لم يختلف في صحتها ولا في سياقها، وأما في صلاته صلى الله عليه وسلم قاعدا فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما؟ وما لم يختلف فيه لا ينبغي تركه لمختلف فيه.

ومنها ما قاله بعضهم: إن الأمر بالجلوس كان للندب، وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز، فعلى هذا الأمر من أم قاعدا لعذر تخير من صلى خلفه بين القعود والقيام، والقعود أولى، لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع، ولكثرة الأحاديث الواردة في ذلك، واستدل لهذا بما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن فهد الأنصاري أن إماما لهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكان يؤمنا وهو جالس ونحن جلوس.
وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير أنه كان يؤم قومه فاشتكى، فخرج إليهم بعد شكواه، فأمروه أن يصلي بهم.
فقال: إني لا أستطيع أن أصلي قائما.
فاقعدوا.
فصلى بهم قاعدا وهم قعود.

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى.
فحضرت الصلاة، فصلى بهم جالسا، وصلوا معه جلوسا.

ولهذا المذهب أميل، وإن كنت أفضل القيام للمأمومين خلف الإمام القاعد لعذر، والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث

1- وجوب متابعة المأموم لإمامه في التكبير والقيام والقعود والركوع والسجود، ومع وجوب المتابعة ليس شيء منها شرطا في صحة القدوة إلا تكبيرة الإحرام، واختلف في السلام والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من التشهد الأول، قال النووي: وأنه يفعلها بعد الإمام، فيكبر تكبيرة الإحرام بعد فراغ الإمام منها، فإن شرع فيها قبل فراغ الإمام منها لم ننعقد صلاته، ويركع بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه، فإن قارنه أو سبقه، فقد أساء، ولكن لا تبطل صلاته، وكذا السجود، ويسلم بعد فراغ الإمام من السلام، فإن سلم قبله بطلت صلاته إلا أن ينوي المفارقة، ففيه خلاف مشهور، وإن سلم معه لا قبله ولا بعده فقد أساء، ولا تبطل صلاته على الصحيح.
وقيل: تبطل.
اهـ.

وهذا ظاهر في قوله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، وقوله: فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا وخالف الحنفية، فقالوا: تكفي المقارنة لأن معنى الائتمام الامتثال، ومن فعل مثل فعل إمامه عد ممتثلا.

2- استدل المالكية والحنفية بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به على عدم صلاة الفرض خلف النفل وعكسه، والظهر خلف العصر وعكسه، والظهر خلف العصر وعكسه، قالوا: لأن معنى الحديث ليؤتم به في الأفعال والنيات، كما استدلوا بقوله في الرواية الثامنة فلا تختلفوا عليه وقالوا: مقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال، ولا اختلاف أشد من الاختلاف في النيات في صلاة فرضين أو نفل وفرض.

وأجاب الشافعية -وهم يجيزون ذلك- بأن معنى الحديث: ليؤتم به في الأفعال الظاهرة، إذ هي التي نبه عليها في الحديث، فذكر الركوع وغيره، بخلاف النية، فإنها لم تذكر، وقد خرجت من قوله صلى الله عليه وسلم: فلا تختلفوا عليه بدليل آخر، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، ببطن نخل صلاة الخوف مرتين، بكل فرقة مرة، فصلاته الثانية وقعت له نفلا، وللمقتدين فرضا وأيضا حديث معاذ كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصليها بهم، هي له تطوع، ولهم فريضة، بل يمكن أن يستدل من أحاديث الباب على عدم دخولها.
لأنها تقتضي الحصر في الاقتداء به في أفعاله [القيام، والقعود والركوع والسجود، والرفع، والتكبير والتسبيح والتأمين] لا في جميع أحواله.
والله أعلم.

3- استدل بعض المالكية بقوله في الرواية السابعة: وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر على جواز الصلاة بالسمع، فالمقتدي به مقتد بالإمام، وقيل عند المالكية أيضا: إن أذن له الإمام صحت لأن مع الإذن يصير المقتدي به كالمقتدي بالإمام.
وقيل: إنما يجوز في مثل الأعياد والجنائز والصلوات المجتمع لها من غير الفرض.
وقيل: يجوز: في الجمعات، لضرورة كثرة الناس والجمهور على عدم صحة الاقتداء بمقتد والمقتدي به مقتدي بغير إمام.

4- استدل بقوله: فحضرت الصلاة على جواز صلاة الفرض جماعة في المنزل، وهو مذهب الجمهور؛ وأجاب المخالف بأن من في المسجد صلى بصلاته صلى الله عليه وسلم، لأن منزله في المسجد، إذا لم يثبت أنه استخلف.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا محتمل، ويحتمل أيضا أن يكون استخلف وإن لم ينقل.
اهـ.

5- استدل بقوله في الرواية السابعة: فالتفت إلينا على جواز العمل اليسير، وشرط بعضهم أن يكون لمصلحة الصلاة لأنه التفت ليرى هل امتثلوا وصلوا كما صلى أولا؟ قال الأبي: أما الالتفات لغير مصلحة الصلاة فمكروه وخلسة من الشيطان اهـ والتحقيق أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة سواء كان لمصلحتها أم لا، وأما كراهته فمسلمة إلا لضرورة.

6- استدل بقوله في الرواية السادسة: فأشار إليهم وفي الرواية السابعة فأشار إلينا على جواز الإشارة في الصلاة، وأن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة.

7- استدل المالكية والحنفية ومن تبعهما بالرواية التاسعة على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد، وأن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده، قال الحافظ ابن حجر في رده هذا الاستدلال: ليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك، لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله، نعم مقتضاه أن المأموم يقول ربنا لك الحمد عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده فأما منع الإمام من قول ربنا لك الحمد فليس بشيء.
اهـ وقد سبق بيان الحكم وأدلته في باب التسميع، في الباب السابق.

8- قال الحافظ ابن حجر: فيه أنه يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك، بل ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة.
اهـ وقال الأبي: الأمراض الحسية، الأنبياء عليهم السلام فيها كغيرهم، تعظيما لأجرهم، ولا يقدح في رتبتهم، بل هو تثبيت لأمرهم وأنهم بشر، إذ لو لم يصبهم ما أصاب البشر، مع ما يظهر على أيديهم من خرق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام ويستثنى من ذلك ما فيه نقص كالجنون.
اهـ.

9- قال الحافظ ابن حجر: فيه مشروعية ركوب الخيل، والتدرب على أخلاقها، والتأسي لمن يحصل له سقوط ونحوه بما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الأسوة الحسنة.

10- أخذ النووي من الرواية السابعة النهي عن قيام الغلمان والأتباع على رأس متبوعهم الجالس، لغير حاجة، قال: وأما القيام للداخل إذا كان من أهل الفضل والخير فليس من هذا، بل هو جائز: قد جاءت به أحاديث، وأطبق عليه السلف والخلف.
اهـ.

وقال الأبي: قاموا على رأس عمر بن عبد العزيز فقال: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، فلم يكره القيام إلا على رأس القاعد، وعليه يحمل حديث: من أحب أن يتمثل له الناس قياما وأما القيام للقادم فقد قام صلى الله عليه وسلم لجعفر وعكرمة وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، وقال للأنصار رضي الله عنهم: قوموا لسيدكم، وعمم بعضهم النهي في الجميع، إذا كان للتعظيم، وهو ظاهر مذهب مالك رحمه الله تعالى.
اهـ.

11- وفيه فضل أبي بكر على عامة الصحابة.

والله أعلم