هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3487 حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً ، قَالَ جَابِرٌ : لَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا ، وَلَا أُحُدًا مَنَعَنِي أَبِي ، فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ أُحُدٍ ، لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ قَطُّ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3487 حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا زكريا ، أخبرنا أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله ، يقول : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ، قال جابر : لم أشهد بدرا ، ولا أحدا منعني أبي ، فلما قتل عبد الله يوم أحد ، لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It has been reported on the authority of Abu Zubair who heard Jabir b. Abdullah say:

I fought in the company of the Messenger of Allah (ﷺ) nineteen battles. Jabir said: I did not participate in the Battle of Badr and the Battle of Uhud. My father prevented me (from participating in these battles as my age was tender). After 'Abdullah (my father) was killed on the Day of Ubud, I never lagged behind the Messenger of Allah (ﷺ) and joined every battle (he fought).

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة.
قال جابر: لم أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي.
فلما قتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط.


المعنى العام

بعض الأنبياء والرسل أذن لهم بقتال أعدائهم، وبعضهم لم يتعرض لقتال، والقتال في الأصل وسيلة من وسائل الإخضاع والإلزام، بل التهديد به، وخوف الأعداء منه قد يكون وسيلة للالتزام والتسليم والدخول في طاعة القوي، كما حدث لملكة سبأ مع سليمان عليه السلام، وصدق الله العظيم إذ يقول: { { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } } [الحج: 40] .

وهكذا أجرى الله تعالى العادة بذلك في الأمم الماضية، لينتظم به الأمر، وتقوم الشرائع، وتصان المتعبدات من الهدم، ولولا القتال، وتسليط الله المؤمنين على المشركين لهدمت متعبداتهم، ولذهبوا، ولم تنتشر الدعوة إلى الله، ولضاعت مهمة الرسل أمام كيد الكافرين.

إن الإسلام بدأ غريبا وحورب قبل أن يحارب، وأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وأوذي من أسلم ثلاث عشرة سنة، فر المسلمون بدينهم مرتين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وكان الواحد منهم يفر بنفسه، بثيابه التي عليه، مخلفا وراءه ماله للكافرين، أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولقد حوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في شعب أبي طالب حصارا اقتصاديا واجتماعيا رهيبا، ووصل الأمر بهم معه أن تآمروا على قتله، فأنزل الله تعالى قرآنا بما بيتوا، فقال: { { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } } [الأنفال: 30] .

وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب البلاد إليه، وآواه الأنصار في المدينة وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، وازداد المسلمون عددا وقوة، وتجمع مهاجروهم إلى الحبشة وغيرها في المدينة، وبدءوا يفكرون في نشر دعوتهم في مشارق الأرض ومغاربها، لكن كيف والمشركون يضعون العقبات، ويوحون إلى أوليائهم بمحاربة الإسلام وأهله، لقد استمرت الدعوة السلمية أكثر من ثلاثة عشر عاما، فهل يصرح لها بأن تشق طريقها إلى مسامع الناس ولو بالقوة والسيف؟ نعم، وأنزل الله تعالى هذا التصريح في قوله: { { أذن للذين يقاتلون } } بقتال أعدائهم { { بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } } [الحج: 39، 40] وبدأ القرآن الكريم يحرض المسلمين على قتال الكفار { { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } } [البقرة: 190] { { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } } [التوبة: 111] { { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة } } [التوبة: 123] { { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم } } [الأنفال: 60] { { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } } [الأنفال: 16] { { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } } [محمد: 4] { { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } } [محمد: 31] { { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم } } [محمد: 35] { { ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا } } [الفتح: 22] { { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } } [البقرة: 193] { { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون* وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } } [الأنفال: 57، 58] { { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } } [الأنفال: 65] { { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } } [التوبة: 5] { { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين* ويذهب غيظ قلوبهم } } [التوبة: 14] ولم يكن قتال المسلمين لشهوة القتال وإراقة الدماء.
وإنما كان للدعوة إلى الله، فمن آمن وأسلم عصم دمه وماله وعرضه، ومن استسلم ولم يقاتل، ودخل في حماية المسلمين وتحت ولايتهم، وأراد أن يبقى على دينه وله مالهم، وعليه ما عليهم، دفع الجزية، مقابل حمايته والدفاع عنه، فلا إكراه في الدين، وما أكذب الذين يدعون أن الإسلام نشر بالسيف.

الحق أن الإسلام نشر بشريعته الحكيمة السمحة، وما دخل الناس في دين الله أفواجا إلا عن اقتناع وحب لتعاليمه، ويكفيه مثلا في العفو عن المسيئين، والتسامح مع المحاربين ما حصل منه يوم فتح مكة، وقوله لمن آذى وقاتل، وقتل من المسلمين من قتل، أن قال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

إن الإسلام دين اللين، لا دين القسوة، دين السلام لا دين الحرب { { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله } } [الأنفال: 61] دين حرية العقيدة، لا دين القهر والإرهاب، دين الرحمة بالضعفاء لا يقتل صبيا ولا امرأة ولا شيخا عجوزا من الأعداء.

هكذا كانت تعاليمه عند القتال، بل حتى بعد القتال، وبعد النصر على الأعداء، وبعد أخذ الغنائم والسبي، إذا دخل من كانوا حاربوا في دين الله وأسلموا ردت إليهم أموالهم وسباياهم، وعاشوا أحرارا آمنين.

لقد غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين غزوة في تسع سنين، وقاد جند الله في معاركه مع الكفر، وكان أشجع الناس، وأثبت الناس في الحرب، كما كان البلسم الشافي المداوي في السلم، جرح وكسرت سنه، وسال الدم على وجهه الشريف، فما وهن، وما ضعف، وما استكان، بل صبر وكافح، وجاهد في الله حق جهاده، حتى جاء نصر الله والفتح ورأى الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربه واستغفره، حتى أتاه اليقين.

صلى الله وسلم عليك يا رسول الله، نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، فجزاك الله عن الأمة وعن الإسلام خير الجزاء.
والحمد لله رب العالمين.

المباحث العربية

( الغزوات) جمع غزوة وهي المرة الواحدة من الغزو، وهو السير إلى القتال مع العدو، تقول: غزا، يغزو، غزوا، ومغزي، ومغزاة، وقال الجوهري: غزوت العدو غزوا، والاسم الغزاة، ورجل غاز، والجمع غزاة -بضم الغين مثل قاض وقضاة.
اهـ.
والمغازي جمع مغزى يصلح مصدرا، ويصلح أن يكون موضع الغزو، وكونه مصدرا هنا أولى.

( كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) أي كم غزوة اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه؟ قاتل فيها؟ أو لم يقاتل؟

( تسع عشرة غزوة) في الرواية الثالثة عن جابر رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة -قال جابر: لم أشهد بدرا ولا أحدا فعدد الغزوات عند جابر إحدى وعشرون غزوة، قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا ففات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها، ولعلهما الأبواء، وبواط، وكأن ذلك خفي عليه لصغره، ويؤيد هذا ما وقع في روايتنا الأولى بلفظ فما أول غزوة غزاها؟ قال: ذات العسير والعسير ثالث غزوة كما سنبين بعد.
وهذا التوجيه حسن، أما توجيه ابن التين، وحمله قول زيد بن أرقم على أن العسيرة أول ما غزا هو -أي زيد بن أرقم- والتقدير: فقلت: ما أول غزوة غزاها وأنت معه؟ قال: العسير، فهو محتمل، لكنه بعيد، لأنه لما سئل: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة، فسيرجع هذا التوجيه إلى أنه خفي عليه ثنتان مما عد بعد، أو عد غزوتين واحدة، لقربهما، فقد أهمل موسى بن عقبة غزوة بني قريظة، لأنه ضمها إلى الأحزاب، لكونها كانت في إثرها، وأفردها غيره، لوقوعها منفردة، بعد هزيمة الأحزاب، وأهمل غيره الطائف، وعدها مع حنين واحدة لتقاربهما، فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر.
وقد توسع ابن سعد، فبلغ عدد المغازي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي، وهو مطابق لما عده ابن إسحق، إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر، وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل، وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرازق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين فالاختلاف في العدد ناشئ عن إدماج بعض الرواة غزوة في غزوة، وعدم إدماج البعض لغزوتين في واحدة، أما الرواية الخامسة عن بريدة وأنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة والرواية السادسة عن سلمة وأنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات فلا تعارض ما قدمنا، فكل منهما يتحدث عن مشاركته، وليس فيما ذكر حصر للعدد، ولا نفي للزيادة.

أما الغزوات والسرايا التي عدها ابن سعد فهي على الترتيب الزمني:-

أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب في رمضان على رأس سبعة أشهر، من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين رجلا من المهاجرين، قالوا، ولم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من الأنصار مبعثا حتى غزا بهم بدرا.
خرج حمزة يعترض عير قريش الآتية من الشام إلى مكة، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فلم يحصل قتال، ورجع أبو جهل بالعير إلى مكة.

وعلى رأس ثمانية أشهر من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب إلى بطن رابغ في ستين رجلا من المهاجرين، ليعترض قافلة المشركين، فلم يحصل قتال، وعادت القافلة.

وعلى رأس تسعة أشهر من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار في عشرين رجلا من المهاجرين، ليعترض عيرا لقريش، فكانت العير قد سبقتهم قبل وصولهم ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء على رأس اثني عشر شهرا من الهجرة، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة، يريد عيرا لقريش، كما يريد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة من كنانة، والأبواء موضع معروف بين مكة والمدينة وهي إلى المدينة أقرب، فوادع بني ضمرة، وعقد معهم عهدا أن لا يغزوه، ولا يغزوهم ولا يكثروا عليه جمعا، ولا يعينوا عدوا، ولم يلق العير.

فسار إلى ودان فتح الواو، وتشديد الدال، وهي قرية من أمهات القرى، بينها وبين الأبواء ستة أميال، ليعترض عيرا لقريش، فلم يلق العير، فرجع إلى المدينة بعد غياب خمس عشرة ليلة.

وعلى رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة غزا بواط بضم الباء وتخفيف الواو، وهو جبل من جبال جهينة، على نحو أربعين ميلا من المدينة من جهة الشام، واستخلف على المدينة سعد بن معاذ، يقصد اعتراض عير لقريش، فلم يلق كيدا، ورجع إلى المدينة.

وعلى رأس ستة عشر شهرا كانت غزوة العشيرة.

( فقلت: فما أول غزوة غزاها؟ قال: ذات العسير أو العشير) قال النووي: هكذا في جميع نسخ صحيح مسلم العسير أو العشير، العين مضمومة، والأول بالسين والثاني بالشين، وقال القاضي في المشارق: هي ذات العشيرة، بضم العين وفتح الشين، قال: وجاء في كتاب المغازي من صحيح البخاري عسير بفتح العين وكسر السين، قال: والمعروف فيها العشيرة مصغرا، وهي من أرض مدمج اهـ.
قال ابن إسحق: هي بطن ينبع، خرج صلى الله عليه وسلم إليها يريد عيرا لقريش فوجد العير التي خرج لها قد مضت قبل وصوله بأيام.

قال ابن سعد: وبلغ قريشا خبرها، فخرجوا يمنعونها، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، فواقعهم، وقتل منهم من قتل.

قال ابن إسحق: ولما رجع إلى المدينة لم يقم إلا ليالي حتى أغار كرز بن جابر القهري على سرح المدينة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفران، بفتح السين، من ناحية بدر، ففاته كرز بن جابر، وهذه هي بدر الأولى.

قال ابن سعد: وعلى رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة كانت سرية عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة، قرب مكة، فاعترضوا عيرا لقريش، وشدوا عليهم، واستولوا على العير، وكان فيها خمر وأدم وزبيب وجاءوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم كانت غزوة بدر الكبرى على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة.

ثم كانت غزوة بني قينقاع على رأس عشرين شهرا من الهجرة، وكانوا قوما من يهود، حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول، وكانوا صاغة، وادعوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد، ونبذوا العهد، فسار صلى الله عليه وسلم إليهم، فحاربوا، وتحصنوا في حصنهم، فحاصرهم صلى الله عليه وسلم أشد حصار، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشفع فيهم عبد الله بن أبي، أن لا يقتلوا، وأن يجلوا من المدينة، فلحقوا بأذرعات.

وعلى رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة أراد أبو سفيان أن يثأر من محمد صلى الله عليه وسلم في بدر فأخذ أربعين راكبا، فجاءوا بني النضير ليلا، ونزلوا على سلام بن مشكم، فلما كان السحر خرجوا، وعلى بعد ثلاثة أميال من المدينة قتلوا رجلا من الأنصار وأجيرا له، وحرقوا أبياتا هناك وتبنا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم في مائتي رجل، فهرب أبو سفيان، ومن معه، وجعلوا يتخففون من السويق الذي معهم، يلقونه فيأخذه الصحابة، ولم يلحقوهم، فسميت هذه الغزوة بغزوة السويق.

وعلى رأس ثلاثة وعشرين شهرا كانت غزوة قرقرة الكدر، ويقال: قرارة الكدر بضم الكاف، على بعد أكثر من مائة ميل من المدينة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن جمعا من سليم وغطفان يتجمعون له، فسار إليهم فهربوا وتركوا إبلهم، فساقها المسلمون إلى المدينة وكانت خمسمائة بعير.

وعلى رأس خمسة وعشرين شهرا كانت سرية قتل كعب بن الأشرف، وقد سبقت في باب مستقل ثم ذكر ابن سعد غزوة غطفان، وغزوة بني سليم، وفيهما لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما كيدا، ورجع إلى المدينة.

وعلى رأس ثمانية وعشرين شهرا كانت سرية زيد بن حارثة إلى القردة -بفتح القاف والراء والدال، من أرض نجد، كانت لاعتراض عير لقريش، وكانت في مائة راكب، فأصابوا العير، وأفلت أعيان القوم، وقدموا بالعير إلى المدينة، فبلغ الخمس: عشرين ألف درهم.

وعلى رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة كانت غزوة أحد.

ولما انصرف صلى الله عليه وسلم من أحد بات ليلة على بابه الأنصار، يداوون جراحهم، فلما صلى الصبح أمر بلالا أن ينادي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس، فقال جابر بن عبد الله: إن أبي خلفني يوم أحد على أخوات لي، فلم أشهد الحرب، فأذن لي أن أسير معك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال غيره، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه، وخرج الناس معه، فبعث بثلاثة نفر من أسلم طليعة، فقتل المشركون منهم اثنين بحمراء الأسد، وهي من المدينة على عشرة أميال، طريق العقيق على يسار ذي الحليفة، وفر المشركون، وعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد ليالي، ثم عاد إلى المدينة، وقد غاب خمس ليال، وتعرف بغزوة حمراء الأسد.

وعلى رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة كانت سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي على قطن، وهو جبل بناحية فيد، به ماء لبني أسد بن خزيمة، إذ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طليحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوان إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعقد اللواء لأبي سلمة، وبعث معه مائة وخمسين رجلا فرجعوا سالمين غانمين إبلا وشاء، ولم يلقوا أحدا.

وبعد أيام من سرية أبي سلمة كانت سرية عبد الله بن أنيس إلى عرنة وما والاها، وعلى رأس ستة وثلاثين شهرا كانت سرية المنذر بن عمرو إلى بئر معونة، وذلك أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان أرسلوا وفودا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا منه نفرا من أصحابه إلى قومهم، رجاء أن يسلموا، ويجيبوا دعوته، فبعث معهم بسبعين من القراء، فغدروا بهم وقتلوهم عند بئر معونة، فقنت صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان.

وعلى رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة كانت سرية مرثد بن أبي مرثد إلى الرجيع، وذلك أن رهطا من عضل والقارة، جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم عشرة، فخرجوا معهم، حتى إذا كانوا بالرجيع -وهو ماء لهذيل، على سبعة أميال من عسفان- غدروا بهم، واستصرخوا عليهم هذيلا، فخرج إليهم بنو لحيان، فقتلوا بعضهم وأسروا بعضهم، وباعوهم بمكة.

وعلى رأس سبعة وثلاثين شهرا من الهجرة كانت غزوة بني النضير.

وعلى رأس خمسة وأربعين شهرا من الهجرة كانت غزوة بدر الموعد، وهي غير بدر القتال، وذلك أن أبا سفيان لما انصرف من أحد نادى: الموعد بيننا وبينكم بدر الصفراء، رأس الحول، نلتقي بها فنقتتل، فلما دنا الموعد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف وخمسمائة حتى وصل بدرا، وخرج أبو سفيان في ألفين، حتى انتهوا إلى مر الظهران، ثم رجعوا.
وهي غزوة بدر الصغرى.

وعلى رأس سبعة وأربعين شهرا من الهجرة كانت غزوة ذات الرقاع، التي سنتحدث عنها في الباب التالي.

وعلى رأس تسعة وأربعين شهرا من الهجرة كانت غزوة دومة الجندل إذ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بدومة الجندل جمعا كبيرا من الكفار، وأنهم يظلمون من مر بهم، وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة -وهي طرف من أطراف الشام، بينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من المسلمين، فلما دنا منهم هربوا.
وفي هذه الغزوة وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن.

وفي شعبان من السنة الخامسة من الهجرة كانت غزوة المريسيع، وذلك أن الحارث بن أبي ضرار سار في قومه ومن قدر عليه من العرب، فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خلق كثير من المنافقين على رأسهم عبد الله بن أبي، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ماء المريسيع، فتهيئوا للقتال، فحمل المسلمون عليهم، حملة رجل واحد، فما أفلت منهم رجل، قتل عشرة منهم، وأسر سائرهم وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد.
وكان السبي مائتي أهل بيت وفيهن جويرية بنت الحارث، والإبل ألفي بعير، والشاء خمسة آلاف شاة، وفي هذه الغزوة كان حديث الإفك.

وفي ذي القعدة سنة خمس من الهجرة كانت غزوة الأحزاب، وهي الخندق.

وفي الشهر نفسه كانت غزوة بني المصطلق.

وعلى رأس تسعة وخمسين شهرا من الهجرة كانت سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء، وهم بطن من بني بكر من كلاب، على بعد سبع ليال من المدينة، بعثه في ثلاثين راكبا، فأغار عليهم، فقتل نفرا منهم، وهرب سائرهم، واستاق نعما وشاء، ولم يتعرض للطعن.

وفي ربيع الأول سنة ست من الهجرة كانت غزوة بني لحيان، وكانوا بناحية عسفان، أسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل من أصحابه، حتى بلغ بطن غران -بينها وبين عسفان خمسة أميال- حيث كان مصاب أصحابه القراء السبعين، فترحم عليهم، فسمعت بنو لحيان بهم، فهربوا في رءوس الجبال، فلم يقدر منهم على أحد، فرجع إلى المدينة.

وفي الشهر نفسه كانت غزوة الغابة، وهي غزوة ذي قرد التي تحدثنا عنها.

وفي الشهر نفسه كانت سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر، وهو ماء لبني أسد، خرج في أربعين رجلا، فأغاروا عليهم، فهربوا، فاستاقوا إلى المدينة مائتي بعير.

وفي ربيع الآخر سنة ست من الهجرة كانت سرية محمد بن مسلمة إلى القصة، إلى بني ثعلبة، بينهم وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا طريق الربذة، في عشرة نفر، فحملت عليهم الأعراب، فقتلوهم، وحمل محمد بن مسلمة جريحا إلى المدينة.

وفي الشهر نفسه كانت سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة، فهرب أهلها إلى الجبال، وعادوا بالنعم.

وفي الشهر نفسه كانت سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم، ناحية بطن نخل، على نحو سبعين ميلا من المدينة، فعادوا بالنعم والشاء.

وفي جمادى الأولى سنة ست من الهجرة كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص، وبينها وبين المدينة أربع ليال، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائة وسبعين راكبا، ليعترضوا طريق قافلة لقريش، قادمة من الشام، فأخذوها وما فيها، وأسروا ناسا ممن كانوا في العير، منهم العاص بن الربيع، زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم فأجارته زينب.

وفي جمادى الآخرة كانت سرية زيد بن حارثة إلى الطرف، وهو ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة، في خمسة عشر رجلا، فأصابوا نعما وشاء، وهربت الأعراب.

وفي الشهر نفسه كانت سرية زيد بن حارثة إلى حسمى، وهي وراء وادي القرى، في خمسمائة رجل، فأغاروا على القوم، واستاقوا ماشيتهم ونعمهم ونساءهم، فأخذوا من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف شاة، ومن السبي مائة من النساء والصبيان، فأسلم القوم، فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غنم منهم.

وفي رجب سنة ست من الهجرة كانت سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى.

وفي شعبان سنة ست من الهجرة كانت سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا.

وفي شعبان سنة ست من الهجرة كانت سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك حيث بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فعادت السرية بخمسمائة بعير وألف شاة، وهربت بنو سعد.

وفي رمضان سنة ست من الهجرة كانت سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بوادي القرى على سبع ليال من المدينة.

وفي الشهر نفسه كانت سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع سلام بن أبي الحقيق النضري بخيبر، فقتلوا أبا رافع، وعادوا إلى المدينة.

وفي شوال سنة ست كانت سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم اليهودي، بخيبر، فإنه لما قتل أبو رافع أمرت يهود عليهم أسير بن زارم، فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه إليه عبد الله بن رواحة في ثلاثين رجلا فقتلوه وقتلوا معه ثلاثين رجلا من يهود، ولم يصب أحد من المسلمين.

وفي الشهر نفسه كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين، فقد قدم نفر من عرينة، ثمانية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا واستوبأوا المدينة، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاحه، وكانت ترعى بناحية قباء، على ستة أميال من المدينة، فكانوا فيها حتى صحوا وسمنوا، فغدوا على اللقاح فاستاقوها، وقطعوا يد الراعي يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم عشرين فارسا، فأحاطوا بهم، وأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل، حتى قدموا بهم المدينة، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم فصلبوا، ونزل قوله تعالى: { { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا... } } [المائدة: 33] الآية.
فلم يسمل بعد ذلك عينا.

وفي القعدة سنة ست كانت غزوة الحديبية.

وفي جمادى الأولى سنة سبع كانت غزوة خيبر.

وفي شعبان سنة سبع من الهجرة كانت سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى كلاب بنجد فقتلت السرية من قتلت، وأسرت من أسرت، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة إحدى السبايا إلى مكة، ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين.

وفي الشهر نفسه كانت سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك.

وفي شهر رمضان كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة، وهي وراء بطن نخل، بعثه في مائة وثلاثين رجلا، فقتلوا من أشرف لهم، واستاقوا نعما وشاء فجاءوا به المدينة.

وفي شوال كانت سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار حيث بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان بالجناب قد واعدهم عيينة بن حصن، ليكون معهم ليزحفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث صلى الله عليه وسلم بشيرا في ثلاثمائة رجل، فهرب القوم وأصابت السرية نعما وأسيرين، وعادت إلى المدينة.

وفي ذي القعدة سنة سبع كانت عمرة القضية.

وفي ذي الحجة سنة سبع كانت سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم في خمسين رجلا، فقتل عامتهم، إذ تكاثر عليهم القوم، وأحاطوا بهم.

وفي صفر سنة ثمان من الهجرة كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد.

وفي الشهر نفسه كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي أيضا إلى مصاب في مائتي رجل، فأصابوا منهم قتلا ونعما.

وفي ربيع الأول كانت سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسبي في أربعة وعشرين رجلا، فأصابوا نعما كثيرا وشاة، وقدموا بها إلى المدينة.

وفي الشهر نفسه كانت سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح، من وراء وادي القرى في خمسة عشر رجلا، فتكاثر عليهم القوم، فقتلوهم عدا رجل واحد، تحامل حتى وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي جمادى الأولى كانت سرية مؤتة، بأدنى البلقاء، دون دمشق، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فأسرعوا فعسكروا في الجرف، وهم ثلاثة آلاف، وقال لهم: أميركم زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلا فيجعلوه عليهم.
فلما خرجوا من المدينة سمع العدو بمسيرتهم، فجمعوا لهم أكثر من مائة ألف والتقى الفريقان عند مؤتة، وقاتل المسلمون، وقتل القادة الثلاثة، فتول القيادة خالد بن الوليد، ففتح الله به، وهزم القوم أسوأ هزيمة.

وفي جمادى الآخرة كانت سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل، وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام، في ثلاثمائة رجل، ثم أمده رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائتين فيهم أبو بكر وعمر، وأمر عليهم عبيدة بن الجراح، فنصرهم الله على عدوهم.

وفي رجب كانت سرية الخبط، وأميرها أبو عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل إلى حي من جهينة، على ساحل البحر، وبينها وبين المدينة خمس ليال، فأصابهم في الطريق جوع شديد، فأكلوا الخبط، وبه سميت السرية، فلما وصلوا لم يلقوا كيدا.

وفي شعبان كانت سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضره، وهي أرض محارب بنجد، وكانت السرية خمسة عشر رجلا فقتلوا من قتلوا، واستاقوا مائتي بعير وألفي شاة، وسبوا سبيا كثيرا، وعادوا إلى المدينة.

وفي أول رمضان كانت سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى بطن إضم، وذلك حين هم الرسول صلى الله عليه وسلم بغزو مكة بعث أبا قتادة في ثمانية نفر، وبينها وبين المدينة نحو خمسين ميلا، ليظن ظان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية، فتذهب بذلك الأخبار، فمضوا ولم يلحقوا جمعا، فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة، فاتجهوا نحوها.

وفي رمضان سنة ثمان من الهجرة كانت غزوة الفتح.

وفي آخر رمضان كانت سرية خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها، فخرج في ثلاثين فارسا، فانتهوا إليها فهدموها، وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة، وكانت أعظم أصنامهم، وكان بنو شيبان، من بني سليم سدنتها.

وفي الوقت نفسه كانت سرية عمرو بن العاص إلى سواع، صنم هذيل، ليهدمه.

وفي الوقت نفسه كانت سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة، وكانت بالمشلل، وكانت للأوس والخزرج وغسان، خرج في عشرين فارسا، فهدموها.

وفي شوال كانت سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة، وكانوا بأسفل مكة، ناحية يلملم، فانتهى إليهم خالد في ثلاثمائة وخمسين رجلا، فأعلنوا إسلامهم، فلم يصدقهم خالد، فقتل منهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع خالد، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد وبعث علي بن أبي طالب بالدية لقتلاهم.

وفي الشهر نفسه كانت غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال، وقد سبق الحديث عن هذه الغزوة.

وفي الشهر نفسه كانت سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين، صنم عمرو بن حممة الدوسي، وذلك حين أراد الرسول صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف، فهدم الصنم ولحق بالرسول صلى الله عليه وسلم.

وفي الشهر نفسه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، يريد الطائف، وكانت غزوة الطائف.

وفي المحرم سنة تسع كانت سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارسا، فأسروا نساء وأطفالا، وجاء أشرافهم مسلمين ينادون بصوت مرتفع: يا محمد اخرج إلينا، فنزل فيهم { { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات } } [الحجرات: 4] فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى والسبي.

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق من خزاعة يأخذ منهم الصدقة وكانوا قد أسلموا، وبنوا المساجد، فلما سمعوا بدنو الوليد خرج منهم عشرون رجلا يتلقونه بالجزور والغنم فرحا به، فلما رآهم ولى راجعا إلى المدينة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم تلقوه بالسلاح، يحولون بينه وبين الصدقة.
فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم من يغزوهم، وبلغ ذلك القوم، فقدم عليه الركب الذين تلقوا الوليد، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم الخبر على وجهه، ونزل قوله تعالى: { { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } } [الحجرات: 6] .

وفي صفر سنة تسع كانت سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم، ناحية بيشة، قريبا من تربة في عشرين رجلا، فقتلوا من قتلوا، وعادوا بالنعم والشاء والنساء إلى المدينة.

وفي ربيع الأول كانت سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب.

وفي ربيع الآخر كانت سرية علقمة بن مجزر المدلجي إلى الحبشة في ثلاثمائة.

وفي الشهر نفسه كانت سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس، صنم طيئ، ليهدمه في خمسين ومائة رجل، فهدموه.

وفي الشهر نفسه كانت سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب، أرض عذرة وبلي.

وفي رجب سنة تسع كانت غزوة تبوك، خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفا، فأقام بها عشرين ليلة، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم من تبوك، ولم يلق كيدا.

وفي آخر شهر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للتهيؤ لغزو الروم، ثم دعا أسامة بن زيد، فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ يغيب ويفيق فيقول: انفذوا بعث أسامة، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبويع لأبي بكر خرج أسامة بجيشه، عند هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة.

هذا ما قاله ابن سعد في الطبقات الكبرى بتصرف كبير.

( ولم أشهد أحدا، ولا بدرا) قال النووي: قال القاضي: كذا في رواية مسلم أن جابرا لم يشهدهما، وقد ذكر أبو عبيد أنه شهد بدرا، وقال ابن عبد البر: الصحيح أنه لم يشهدهما، وقد ذكر ابن الكلبي أنه شهد أحدا.
اهـ.
وفيما سبق عن ابن سعد أنه لم يشهدها.

( منعني أبي) سبق في روايات ابن سعد أن المنع كان لرعايته أخواته البنات اللائي لا عائل لهن غيره.

( فلما قتل عبد الله) أي أبوه.

( لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط) في الصحيح أنه كان قد تزوج بعد وفاة أبيه ثيبا كبيرة، ترعى أخواته في غيبته.
وقط ظرف زمان، لاستغراق ما مضى، تقول: ما فعلته قط، بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات، وتختص بالنفي، والعامة يقولون: لا أفعله قط، وهو لحن، واشتقاقه من قططت الشيء إذا قطعته، فمعنى ما فعلته قط، ما فعلته فيما انقطع من عمري، لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال، وبنيت على الضم لتضمنها معنى مذ، وإلى، وقد تكسر، على أصل التقاء الساكنين، وقد تتبع قافه طاءه في الضم، وقد تخفف طاؤه، مع ضمها أو إسكانها، قاله ابن هشام في مغني اللبيب.

( قاتل في ثمان منهن) وهن: بدر، وأحد، والأحزاب، والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين.
وقيل: قاتل في تسع، فزاد الطائف، وبعضهم لم يعد مكة، على أنها فتحت صلحا، كما سبق.

فقه الحديث

يؤخذ من الحديث

1- مدى حرص الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- على حضور الغزوات.

2- تفاخرهم بالاشتراك فيها.

3- حفظهم لها واهتمامهم بها.

4- من الرواية الأولى الحرص على أخذ العلم من أهله، وممن اشتهر به.

5- حب القرب من العلماء، والاعتزاز به.

6- ومن الرواية الثانية أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد ما هاجر إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع.

7- ومن الرواية الثالثة، وتخلف جابر رضي الله عنه عن بدر وأحد، أن الأعذار عن الغزو كانت مقبولة.

والله أعلم.

( ملحوظة) : ذكر الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- الغزوات غير مرتبة، لا ترتيبا زمنيا كما فعل البخاري، ولا ترتيب الأهم فالأهم، ولا ترتيب المتفق عليه ثم المختلف فيه، ولم أستطع الوصول إلى حكمة لهذا الترتيب، فقد ذكر غزوة حنين، فغزوة الطائف، فغزوة بدر، ففتح مكة، فصلح الحديبية، فغزوة الأحزاب، فغزوة أحد، فعود على أحداث غزوة بدر وقتل أبي جهل، فغزوة خيبر، فغزوة الأحزاب مرة أخرى، فغزوة ذي قرد.

وأغرب من هذا أنه ذكر غزوة ذات الرقاع بعد أن ذكر عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ولعله -رحمه الله تعالى- لم يتسع زمنه لترتيب هذا الجزء من كتابه، أحسن الله إليه، وجزاه عن السنة خير الجزاء.