هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3468 وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ - وَنَسَبَهُ غَيْرُ ابْنِ وَهْبٍ - ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ قَاتَلَ أَخِي قِتَالًا شَدِيدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَارْتَدَّ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ، وَشَكُّوا فِيهِ رَجُلٌ مَاتَ فِي سِلَاحِهِ ، وَشَكُّوا فِي بَعْضِ أَمْرِهِ ، قَالَ سَلَمَةُ : فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَرْجُزَ لَكَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَعْلَمُ مَا تَقُولُ ، قَالَ : فَقُلْتُ :
وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقْتَ ، وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ، وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا ، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ، قَالَ : فَلَمَّا قَضَيْتُ رَجَزِي ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَالَ هَذَا ؟ قُلْتُ : قَالَهُ أَخِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُهُ اللَّهُ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ، يَقُولُونَ : رَجُلٌ مَاتَ بِسِلَاحِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنًا لِسَلَمَةَ بْنَ اْلَأكْوَعِ . فَحَدَّثَني عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ - حِينَ قُلْتُ : إِنَّ نَاسًا يَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَذَبُوا مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ونسبه غير ابن وهب ، فقال ابن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن سلمة بن الأكوع ، قال : لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فارتد عليه سيفه فقتله ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وشكوا فيه رجل مات في سلاحه ، وشكوا في بعض أمره ، قال سلمة : فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، فقلت : يا رسول الله ، ائذن لي أن أرجز لك ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر بن الخطاب : أعلم ما تقول ، قال : فقلت :
والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدقت ، وأنزلن سكينة علينا ، وثبت الأقدام إن لاقينا ، والمشركون قد بغوا علينا ، قال : فلما قضيت رجزي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال هذا ؟ قلت : قاله أخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحمه الله ، قال : فقلت : يا رسول الله ، إن ناسا ليهابون الصلاة عليه ، يقولون : رجل مات بسلاحه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مات جاهدا مجاهدا ، قال ابن شهاب ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع . فحدثني عن أبيه مثل ذلك غير أنه قال حين قلت : إن ناسا يهابون الصلاة عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبوا مات جاهدا مجاهدا ، فله أجره مرتين وأشار بإصبعيه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر، قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتد عليه سيفه فقتله.
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وشكوا فيه رجل مات في سلاحه، وشكوا في بعض أمره.
قال سلمة: فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، فقلت: يا رسول الله ائذن لي أن أرجز لك.
فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر بن الخطاب أعلم ما تقول: قال: فقلت:

والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت.

وأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا

والمشركون قد بغوا علينا

قال: فلما قضيت رجزي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال هذا؟ قلت: قاله أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمه الله قال: فقلت يا رسول الله إن ناسا ليهابون الصلاة عليه يقولون رجل مات بسلاحه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مات جاهدا مجاهدا قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك غير أنه قال ( حين قلت: إن ناسا يهابون الصلاة عليه) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوا.
مات جاهدا مجاهدا فله أجره مرتين وأشار بإصبعيه.


المعنى العام

كان بعض اليهود الذين أجلوا عن بني النضير قد ذهبوا إلى يهود خيبر، يتكتلون معهم، ويجمعون ما استطاعوا جمعه من العرب لمحاربة المسلمين، وقد أقاموا أحلافا مع بعض القبائل كغطفان، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بما يكيدون، فقرر غزوهم، وقرروا حربه، واستعدوا للقائه هم وحلفاؤهم وفي المحرم سنة سبع من الهجرة سار جيش المسلمين نحو خيبر، المدينة الكبيرة، ذات المزارع والنخيل، وذات الحصون المنيعة، بلغهم مسير جيش المسلمين، فكانوا لا يخرجون إلى مزارعهم إلا مسلحين مستعدين، ولما طال بهم الانتظار خرجوا إلى مزارعهم بالفئوس والمكاتل وأدوات الزرع والحرث العادية في اليوم الذي وصل فيه المسلمون إلى مشارف مدينتهم وصل المسلمون إلى المشارف ليلا، فنزلوا، وضربوا عسكرهم، وناموا حتى أصبحوا، وظهر ضوء النهار، فصلوا الصبح، ورآهم الفلاحون الذاهبون إلى زراعتهم، فنادى بعضهم بعضا: محمد وجيشه محمد وجيشه، وجروا إلى طرقات وزقاق مدينتهم يتحصنون بحصونها، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوبته، وأردف خلفه أبا طلحة، وأردف عليها خلف أبي طلحة أنس بن مالك، واتجه يعدو نحو الحارات والزقاق الواقعة في ضواحي المدينة، ومن خلفه جنود المسلمين، ومع أن غطفان خذلوا أهل خيبر كان اليهود في خيبر قد أعدوا لهذا اليوم عدته فجمعوا في حصونهم أقواتهم وأسلحتهم، ودخلوا وتحصنوا فيها، وهي حصون منيعة، عالية الأسوار، قوية الأبواب، لم يجد المسلمون وسيلة لحربهم سوى الحصار، وكان اليهود يخرجون من الحصون وظهورهم محمية بها يقاتلون ويناوشون المسلمين كل يوم، مرة بالمبارزة، ومرة بالتشابك بالسيوف والنبال، وهم كثعلب في حجر، لا يبتعدون عن حصونهم فيقضي عليهم، ولا يكفون عن المناوشة والمشاكسة، وطال الحصار والقتال بضعة عشر يوما، ونفذت أزودة المسلمين، فلجئوا إلى المزارع يأكلون من ثومها وبصلها، ولم يكن أمامهم من الحيوانات الأليفة سوى الحمر الأهلية، فذبحوها، ووضعوا لحومها في القدور وأوقدوا عليها النار، يطبخونها، ليأكلوها، إنهم في مجاعة شديدة، فماذا أمامهم؟ ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعسكر نيرانا كثيرة، فقال: ما هذه النيران؟ قالوا: نيران تحت قدور تفور بلحوم الحمر الأهلية.
قال: أكفئوا القدور، وأريقوها واكسروها فقد طبخ فيها النجس المحرم، قال أحدهم: نرجو الترخيص لنا بغسلها بعد إراقتها، والاحتفاظ بها لحاجتنا إليها، فرخص لهم صلى الله عليه وسلم بذلك.

وأحاديثنا تتعرض لبطل من أبطال المسلمين، عامر بن الأكوع، عم سلمة بن الأكوع، وكان شاعرا، وكانت رفقته في السفر تطلب منه أن يقول شعرا، يحدو به للإبل، والإبل تحب الحداء، فكان هذا الشاعر يحدو لها ويقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر -فداء لك- ما اقتفينا
وثبت الأقدام إن لاقينا

وألقين سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أتينا

وبالصياح عولوا علينا

هذا البطل بارز مليك اليهود في خيبر، بعد أن أبلى في هذه الحرب وغيرها بلاء حسنا، لكنه في هذه المبارزة ارتد إليه سيفه، فأصاب شريان ركبته، فاستشهد، فقال بعض الصحابة: إنه قتل بسلاحه فأحبط عمله، وعز على ابن أخيه سلمة بن الأكوع أن يكون مصير عمه البطل هذا الذي يقولون، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد، وأن له أجرين، وأنه جاهد الكفار بكل جهد وعزيمة، وأنه لا يكاد يوجد عربي مثله، وتتعرض أحاديث البخاري لبطل آخر في هذه الغزوة، ذاك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية بعد طول حصار فأصبح يحملها، فبارزه ملك اليهود، فضربه على رأسه فقتله، ثم فتح الله على يديه الحصون، واستسلم اليهود على أن يجلوا عن البلاد على أن يحملوا معهم ما يستطيعون، فشرط عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكشفوا له أماكن أموالهم فقبلوا، لكنهم كشأنهم دائما نكثوا العهد، وأخفوا كنزا أظهره الله للمسلمين، فطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبقيهم في الأرض مزارعين لهم مقابل زراعتها نصف ثمارها، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وظلوا هكذا حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

المباحث العربية

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر) خيبر على وزن جعفر، مدينة كبيرة، ذات حصون ومزارع على نحو مائة وثلاثين ميلا من المدينة من جهة الشام، وكانت الغزوة في المحرم سنة سبع، ومعنى غزا خيبر بدأ السير لغزوها.

( فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس) في الرواية الرابعة خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فتسيرنا ليلا وفي رواية البخاري فسرنا ليلا وذكر ابن إسحق أنه صلى الله عليه وسلم نزل بواد، يقال له الرجيع، بينهم وبين غطفان، لئلا يمدوهم، وكانوا حلفاءهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا، وقصدوا خيبر، فسمعوا أصواتا خلفهم، فظنوا أن المسلمين أغاروا على ذراريهم، فرجعوا فأقاموا، وخذلوا أهل خيبر.

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير على قوم حتى يصبح، وينظر، فإن سمع أذانا كف عنهم، وإلا أغار، فانتهى إلى خيبر ليلا، فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب

والغداة ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، والمراد هنا من صلاة الغداة صلاة الصبح، والغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، أي أنهم قدموها ليلا، فناموا دونها، ثم أصبحوا فصلوا.

( فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر) أي سير رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في زقاقها، أي في طرقها الضيقة.
والمراد أنهم دخلوا البيوت المتطرفة عن المدينة وحصونها، فإن المسلمين حاصروا المدينة بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها الله عليهم.

( وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي: أي انحسر بغير اختياره، لضرورة الإغارة والإجراء.

( فلما دخل القرية) أي أطراف المدينة.

( خربت خيبر) قال ذلك صلى الله عليه وسلم تفاؤلا، لأنه لما رأى آلات الهدم في أيديهم، أخذ منها أن مدينتهم ستخرب، وقيل: أخذه من اسمها، قال الحافظ: ويحتمل أن يكون قال ذلك بطريق الوحي، ويؤيده قوله إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين والساحة الفناء، وأصلها الفضاء بين المنازل.

( وقد خرج القوم إلى أعمالهم) عند الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصد محمد صلى الله عليه وسلم لهم قبل وصوله بأيام، فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين، مستعدين للقتال، فلا يرون أحدا، حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا، فلم تتحرك لهم دابة، ولم يصح لهم ديك، وخرجوا مبكرين، طالبين مزارعهم، فوجدوا المسلمين.
وفي الرواية الثانية وقد أخرجوا مواشيهم، وخرجوا بفئوسهم ومكاتلهم ومرورهم والفئوس بالهمزة جمع فأس، كرأس ورءوس، وهي آلة معروفة، ذات يد ملساء من الخشب، وسن عريضة من الحديد، يحفر بها، ويعزق، والمكاتل جمع مكتل، بكسر الميم، وهو القفة التي يحول فيها التراب وغيره، والمرور جمع مر بفتح الميم، قيل: هي المساحي، فعند البخاري خرجت اليهود بمساحيهم والمساحي جمع مسحاة، وهي آلة الحرث، وقيل: هي حبالهم التي يصعدون بها إلى النخل، واحدها مروة.

( فقالوا: محمد والخميس) قالوا ذلك حينما رأوا المسلمين في طريقهم إلى مزارعهم، والخميس الجيش، قال النووي: قالوا: سمي الجيش خميسا لأنه خمسة أقسام: ميمنة، وميسرة ومقدمة، ومؤخرة وقلب، قال القاضي: رويناه برفع الخميس، عطفا على قوله محمد وبنصبها على أنه مفعول معه.

والظاهر أنهم رجعوا إلى حصونهم، وتحصنوا بها، فحاصرهم المسلمون، وكانوا يخرجون لمناوشة وقتال المسلمين، ويعودون إلى حصونهم ليلا.

( وأصبناها عنوة) بفتح العين، أي قهرا، لا صلحا.
قال المازري: ظاهر هذا أنها كلها فتحت عنوة، وروى مالك عن ابن شهاب أن بعضها فتح عنوة، وبعضها صلحا.

( فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك) ؟ في بعض النسخ هنياتك والهنة يقع على كل شيء، أي أسمعنا من حاجاتك، والمراد هنا أراجيزك، والهنيهات جمع هنيهة، وهي تصغير هنة، كما قالوا في تصغير سنة سنيهة، والهنيات جمع هنية، كسنة وسنية، وفي رواية للبخاري لو أسمعتنا من هناتك؟ بغير تصغير، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم الرجل الذي قال لعامر، صريحا، وعند ابن إسحق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع، وهو عم سلمة بن الأكوع، واسم الأكوع سنان: انزل يا ابن الأكوع، فاحد لنا من هنياتك ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك.
اهـ لكن هذا الاحتمال لا يتفق مع قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية بعد من هذا السائق؟ فلعل ذلك في نزلة أخرى غير التي معنا.

( فنزل يحدو بالقوم) من الحدو، وهو سوق الإبل والغناء لها، يقال: حدوت الإبل حدوا، وحداء، والإبل تحب الحداء، ولا يكون الحداء إلا شعرا أو رجزا، وأول من سن حداء الإبل مضر بن نزار، لما نزل عن بعيره، فكسرت يده، فبقي يقول: وايداه.
وايداه.

( اللهم لولا أنت ما اهتدينا) قال النووي: كذا الرواية، قالوا: وصوابه في الوزن: لاهم، أو والله لولا أنت كما في الحديث الآخر والله لولا الله.

( فاغفر فداء لك) بكسر الفاء وبالمد، وحكى ابن التين فدى لك بفتح الفاء وبالقصر، وزعم أنه هنا بكسر الفاء مع القصر، لضرورة الوزن، قال العيني: وليس كما قال، فإنه لا يتزن إلا بالمد على ما لا يخفى.
قال النووي: قال المازري: هذه اللفظة مشكلة، فإنه لا يقال: فدى الباري سبحانه وتعالى، ولا يقال له سبحانه: فديتك، لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص، فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به ويفديه منه.
قال: ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه كما يقال: قاتله الله ولا يراد بذلك حقيقة الدعاء عليه، وكقوله صلى الله عليه وسلم تربت يداك وتربت يمينك وويل أمه وفيه كله ضرب من الاستعارة، لأن الفادي مبالغ في طلب رضى المفدي، حين بذل نفسه عن نفسه للمكروه، فكان مراد الشاعر أني أبذل نفسي في رضاك، وعلى كل حال فإن المعنى -وإن أمكن صرفه إلى جهة صحيحة، فإطلاق اللفظ واستعارته والتجوز به- يفتقر إلى ورود الشرع بالإذن فيه، قال: وقد يكون المراد بقوله فدا لك رجلا يخاطبه، وفصل بين الكلام، فكأنه قال: فاغفر ثم دعا إلى رجل ينبهه، فقال فدا لك ثم دعا إلى تمام الكلام الأول، فقال ما اقتفينا قال: وهذا تأويل يصح معه اللفظ والمعنى، لولا أن فيه تعسفا، اضطررنا إليه لتصحيح الكلام، وقد يقع في كلام العرب من الفصل بين الجمل المتعلق بعضها ببعض ما يسهل هذا التأويل.
انتهى كلام المازري.

وفي توجيهه كما قال تعسف كبير، والأولى أن يقال: إن الرواية دخلها تصحيف، وأصلها نداء لك بالنون بدل الفاء، وفي الحداء قد يشتبه الحرف على السامع.
والله أعلم.

( فاغفر...
ما اقتفينا)
بقاف ساكنة بعدها تاء مفتوحة، أي ما تبعنا من الخطايا، من قفوت الأثر، واقتفيته إذا تبعته.
وهي أشهر الروايات، وروي ما اتقينا بتاء مشددة، بعدها قاف، وهي أكثر الروايات، ومعناها ما تركنا من الأوامر، وروي ما أبقينا أي ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب منه، وفي رواية ما لقينا بكسر القاف، أي ما وجدنا من المناهي.

( وألقين سكينة علينا) في رواية وألق السكينة علينا بحذف النون وزيادة ألف ولام في السكينة وليس بموزون وفي ملحق الرواية الرابعة وألق سكينة علينا.

( إنا إذا صيح بنا أتينا) بألف وتاء، أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق، وروي أبينا بالباء بدل التاء، فإن ثبتت الرواية فمعناها إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا، ويحتمل أن يكون معناها أبينا الفرار والامتناع.

( وبالصياح عولوا علينا) أي قصدونا واعتمدوا علينا إذا صاحوا واستغاثوا.
تقول: عولت على فلان، وعولت بفلان بمعنى استغثت به، واعتمدت عليه، وقال الخطابي: المعنى جلبوا علينا بالصوت، من العويل، وتعقب بأنه لو كان من العويل لقال أعولوا.

( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق؟ قالوا: عامر.
قال: يرحمه الله)

وفي باب غزوة ذي قرد الآتي من هذا؟ قال: أنا عامر.
قال: غفر لك ربك.

( فقال رجل من القوم: وجبت يا رسول الله) أي ثبتت له الشهادة، وسيأتي في باب غزوة ذي قرد وغيرها، في حديث سلمة بن الأكوع قوله وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد قال النووي: وكان معلوما عندهم أن من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء في هذا الموطن استشهد.
اهـ.

( لولا أمتعتنا به؟) في حديث سلمة في باب غزوة ذي قرد فنادى عمر بن الخطاب، وهو على جمل له: يا نبي الله، لولا ما متعتنا بعامر؟ وعمر نفسه الذي قال: وجبت، أي ثبتت.
فعند ابن إسحق فقال عمر: وجبت يا رسول الله ومعنى لولا هلا، وأمتعتنا أي متعتنا، أي أبقيته لنا لنتمتع به، أي بشجاعته وصحبته، والتمتع الترف إلى مدة، أي وددنا لو أنك أخرت الدعاء له بهذا إلى وقت آخر.

( فأتينا خيبر فحاصرناهم) أي فأتينا أهل خيبر فحاصرناهم، مدة طويلة، نفد فيها زادنا.

( حتى أصابتنا مخمصة شديدة) أي مجاعة شديدة، يبين بذلك سبب لجوئهم إلى طبخ الحمر الإنسية الآتي، والمخمصة المجاعة.

( ثم قال: إن الله فتحها عليكم) أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في نهاية مدة الحصار، وفي الليلة التي فتحت في صبيحتها، أي إن الله سيفتحها عليكم، وسيأتي في آخر الباب التالي، باب غزوة ذي قرد وغيرها قول سلمة: ثم أرسلني إلى علي، وهو أرمد وعند البخاري ومسلم كان علي رضي الله عنه تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان رمدا -يقال رمد الإنسان بكسر الميم يرمد بفتحها، رمدا فهو رمد وأرمد، إذا هاجت عينه- فقال: أنا أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ -لام نفسه على عدم مصاحبته جيش خيبر بسبب مرض عينيه- فلحق به، فلما بتنا الليلة التي فتحت- أي التي ستفتح في صبيحتها- قال -صلى الله عليه وسلم لأصحابه- لأعطين الراية غدا، أو ليأخذن الراية غدا رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح عليه، أو يفتح الله على يديه، فبات الناس يفكرون ليلتهم، أيهم يعطاها؟ وعند مسلم أن عمر رضي الله عنه قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ وفي حديث بريدة فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنا لها قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه.
قال: فأرسلوا إليه هذا من البخاري.
ونعود إلى مسلم، يقول سلمة: فأتيت عليا، فجئت به أقوده، وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبصق في عينيه، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية وعند الحاكم قال علي: فوضع رأسي في حجره ثم بزق في إلية راحته فدلك بها عيني وعند الطبراني فما رمدت، ولا صدعت منذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الراية يوم خيبر وفي رواية له فما اشتكيتها حتى الساعة وكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء، مكتوب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

( فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة) يطبخون عليها لحوم الحمر الإنسية.

( لحم حمر الإنسية) قال النووي: هكذا هو بإضافة حمر وهو من إضافة الموصوف إلى صفته وهو على ظاهره عند الكوفيين، وتقديره عند البصريين: حمر الحيوانات الإنسية، قال: وأما الإنسية ففيها لغتان وروايتان حكاهما القاضي عياض وآخرون، أشهرهما كسر الهمزة وإسكان النون، قال القاضي: هذه رواية الأكثر، والثانية فتحهما جميعا، وهما جميعا نسبة إلى الإنس، وهم الناس، وسميت بذلك لاختلاطها بالناس، بخلاف حمر الوحش.

( أهريقوها واكسروها) أي اهرقوا القدور، واكسروا القدور، وسيأتي هذا الموضوع في كتاب الصيد والذبائح.

( فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه) ظاهر هذا أن مبارزة عامر لليهودي كانت بعد إعطاء الراية لعلي، وليس كذلك، بل هو وصف لمعركة في يوم سابق، وكان يهود خيبر طيلة مدة الحصار يخرجون فيقاتلون المسلمين، وظهورهم إلى حصونهم، فإذا جاء الليل دخلوا حصونهم، ورجع المسلمون إلى عسكرهم.

وقد أوضحت رواية سلمة في آخر باب غزوة ذي قرد معركة عمه عامر، فقال سلمة: خرج ملكهم مرحب بفتح الميم وسكون الراء وفتح الحاء يخطر بسيفه بكسر الطاء، أي يرفعه مرة، ويضعه أخرى ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

أي تام السلاح، يقال: رجل شاكي السلاح، وشاك السلاح، وشاك في السلاح، من الشوكة، وهي القوة، والشوكة أيضا السلاح، ومنه قوله تعالى: { { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } } [الأنفال: 7] بطل مجرب أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان، والبطل الشجاع، يقال: بطل الرجل، بضم الطاء يبطل بطالة وبطولة، أي صار شجاعا إذا الحروب أقبلت تلهب أي يتلهب، يقال: تلهبت النار اتقدت، أي يثور ويتحرق للنزال.

قال سلمة وبرز له عمي عامر فقال:

قد علمت خيبر أني عامر
شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر أي اشتبك في الترس، وتعلق به وذهب عامر يسفل له بفتح الياء، وإسكان السين وضم الفاء، أي يضربه من أسفله وفي روايتنا فتناول به ساق يهودي ليضربه.

( ويرجع ذباب سيفه، فأصاب ركبة عامر) يرجع تعبير بالمضارع عن الماضي رجع، لاستحضار الصورة.

وذباب السيف حد طرفه، وفي آخر غزوة ذي قرد فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه أي فكان في هذه الرجعة خروج نفسه، بسكون الفاء، أي روحه، والأكحل وريد في وسط الذراع، أو الساق.
والمراد هنا وريد الساق، وفي رواية البخاري فأصاب عين ركبة عامر أي رأس ركبته وفي آخر غزوة ذي قرد قال سلمة: وخرج مرحب أي في يوم الفتح فقال:

قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فقال علي:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة
كليث غابات كريه المنظرة

أو فيهمو بالصاع كيل السندرة وحيدرة اسم للأسد، وكان علي رضي الله عنه سمته أمه أسدا في أول ولادته، باسم جده لأمه أسد بن هشام بن عبد مناف، وكان أبو طالب غائبا، فلما قدم سماه عليا، وسمي الأسد حيدرة لغلظه، والحادر الغليظ القوي، ومراده أنا الأسد على جرأته وإقدامه وقوته، ومعنى أوفيهمو بالصاع كيل السندرة أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا، والسندرة مكيال واسع، وقيل: هي العجلة، أي أقتلهم عاجلا، قال سلمة فضرب على رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه قال النووي: هذا هو الأصح، أن عليا هو قاتل مرحب، وقيل: إن قاتل مرحب هو محمد بن مسلمة، قال ابن الأثير: الصحيح الذي عليه أكثر أهل الحديث وأهل السير أن عليا هو قاتله.

( فلما قفلوا قال سلمة -وهو آخذ بيدي أي ورسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيدي- قال: فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكتا قال مالك؟) وفي رواية رآني شاحبا وعند البخاري فلما قفلوا.
قال سلمة: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيدي، قال مالك؟ وفي الرواية الخامسة قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، فقلت: يا رسول الله، ائذن لي أن أرجز لك؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب: أعلم ما تقول أي لفراسه عمر استطاع أن يتنبأ بما سيقوله سلمة أخذا من حزنه على عمه قال: فقلت:

والله لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت أي فقلت:

وأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا

والمشركون قد بغوا علينا

قال: فلما قضيت رجزي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال هذا أي ممن سمعت هذا؟ قال: قلت: أخي قال النووي: قال عن عامر مرة عمي، ومرة أخي، فلعله كان أخاه من الرضاعة، وكان عمه من النسب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحمه الله.
قال: فقلت...
إلخ.

وفي آخر غزوة ذي قرد قال سلمة: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقلت...
إلخ.

فهذه أحوال ثلاث لوضع سلمة حين شكواه للنبي صلى الله عليه وسلم من قول أصحابه، وحين سؤاله عن مصير عمه.
ويمكن الجمع بينها بأنه صلى الله عليه وسلم رأه ساكتا، فسأله: مالك؟ فبكى، فقال يا رسول الله ائذن لي أن أرجز لك، فقال الرجز، ثم سأل عن عمه.

( فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك) قولا، بينه في الروايات الأخرى، قالوا: رجل مات في سلاحه؟ بطل عمله؟ قتل نفسه؟ كيف نصلي عليه وندعو له؟

( وشكوا فيه) بتشديد الكاف، أي شكوا في مصيره، هل أحبط عمله؟ أولا؟

( قلت: فلان وفلان وأسيد بن حضير الأنصاري) فلان وفلان كناية عن اسمين من الصحابة، ذكرهما سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

( كذب من قاله) أي لم يطابق قوله الواقع، وإن كان لم يتعمد ذلك، فهو مخطئ.

( إن له لأجرين، وجمع بين إصبعيه) السبابة والوسطى، يؤكد القول بالإشارة والفعل.

قال النووي: وفي معظم النسخ إن له لأجران بالألف، وهي صحيحة.
لكن الأولى هو الأشهر الأفصح، والثاني لغة أربع قبائل من العرب، ومنها قوله تعالى: { { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } } [طه: 63] لغة من يلزم المثنى الألف في أوجه الإعراب المختلفة.

والأجران: أجر لأنه جاهد، وأجر لأنه مجاهد، كما سيأتي، وفي رواية إنه لشهيد، وصلى عليه.

( إنه لجاهد مجاهد) قال النووي: جاهد بكسر الهاء وتنوين الدال، ومجاهد بضم الميم وتنوين الدال أيضا، وفسروا لجاهد بالجاد في علمه وعمله، أي لجاد في طاعة الله، والمجاهد هو المجاهد في سبيل الله، وهو الغازي، اهـ واللام في لجاهد للتأكيد، وفي رواية بدونها.

وجاهد اسم فاعل من جهد، ومجاهد اسم فاعل من جاهد، قال القاضي: وفيه وجه آخر، وهو أنه جمع اللفظين جاهد مجاهد توكيدا، والعرب إذا بالغت في تعظيم شيء اشتقت له من لفظه لفظا آخر، على غير بنائه، زيادة في التوكيد، وأعربوه بإعرابه، فيقولون: جاد مجد، وليل لائل، وشعر شاعر، ونحو ذلك.

وفي رواية إنه لجاهد وجاهد بالواو العاطفة، بدل الميم، وبلفظ الفعل الماضي.
قال القاضي: والأول هو الصواب.

( قل عربي مشى بها مثله) قل بفتح القاف وتشديد اللام، فعل ماض، قال النووي: ضبطنا هذه اللفظة مشى بها هنا في مسلم بوجهين، وذكرهما القاضي أيضا، الصحيح المشهور الذي عليه جماهير رواة البخاري ومسلم مشى بها بفتح الميم، فعل ماض من المشي، وبها جار ومجرور، ومعناه مشى بالأرض، أو في الحرب، والثاني مشابها بضم الميم وتنوين الهاء، من المشابهة، أي مشابها لصفات الكمال في القتال أو غيره مثله، ويكون مشابها منصوبا بفعل محذوف، أي رأيته مشابها، ومعناه: قل عربي يشبهه في جميع صفات الكمال، وضبطه بعض رواة البخاري نشأ بها بالنون والهمزة، أي شب وكبر، والهاء عائدة إلى الحرب أو الأرض أو بلاد العرب أو المدينة أو الخصلة.

فقه الحديث

روى البخاري في غزوة خيبر هذه الأحاديث وغيرها، نذكر مما رواه:

1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء، فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثانية، فقال: أكلت الحمر، فسكت ثم أتاه الثالثة.
فقال: أفنيت الحمر، فأمر مناديا، فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فأكفئت القدور، وإنها لتفور باللحم وسيأتي بنحوه في كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية.

2- ومن رواية عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر قتل المقاتلة، وسبي الذرية، وكان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عتقها صداقها.

3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما.

4- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر لليهود أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها.

هذا.
وقد روى البيهقي بإسناد رجاله ثقات أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل خيبر، على أن لا يكتموه شيئا من أموالهم، فإن فعلوا فلاذمة لهم ولا عهد، قال: فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، كان قد احتمله معه إلى خيبر، فسألهم عنه، فقالوا: أذهبته النفقات، فقال: العهد قريب، والمال أكثر من ذلك؟ فوجد بعد ذلك في خربة، وكان في ذلك نكث لعهدهم.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- عن قوله في الرواية الأولى فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس قال النووي: فيه استحباب التبكير بالصلاة في أول وقتها.

2- وأنه لا يكره تسمية صلاة الصبح غداة، فيكون ردا على من قال من الشافعية: إنه مكروه.

3- ومن ركوب أبي طلحة وأنس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ جواز الإرداف على الدابة، إذا كانت مطيقة.

4- وفي إجراء النبي صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر أن إجراء الفرس والإغارة ليس بنقص، ولا هادم للمروءة، بل هو سنة وفضيلة، وهو من مقاصد القتال.

5- استدل أصحاب مالك ومن وافقهم بانحسار الإزار عن فخذ النبي صلى الله عليه وسلم على أن الفخذ ليست بعورة من الرجل، ومذهب الجمهور أنها عورة، قال النووي: وقد جاءت بكونها عورة أحاديث كثيرة مشهورة، وتأول الشافعية هذا الحديث على أنه انحسر بغير اختياره، لضرورة الإغارة والإجراء، وليس فيه استدامة كشف الفخذ مع إمكان الستر.

6- كما استدلوا على أن الفخذ ليست بعورة بقول أنس وإني لأرى بياض فخذه صلى الله عليه وسلم إذ لو كانت عورة ما نظر إليها، ويجيب الجمهور بأن ذلك محمول على أنه وقع بصره عليه فجأة، لا أنه تعمده، كما يستدل المالكية برواية البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم حسر الإزار ويجيب الجمهور بأنها محمولة على أنه انحسر، كما في رواية مسلم.
ويقول بعض المالكية: النبي صلى الله عليه وسلم أكرم على الله تعالى أن يبتليه بانكشاف عورته فلو كانت عورة ما انكشفت، ويجيب الشافعية بأنه إذا كان بغير اختيار الإنسان فلا نقص عليه فيه، ولا يمتنع مثله.

7- من قوله الله أكبر، خربت خيبر استحباب التكبير عند اللقاء.

8- من قوله إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن في الأمور المحققة، كما جاء في قوله { { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } } [الإسراء: 81] لكن قال العلماء: يكره من ذلك ما كان على ضرب الأمثال في المحاورات والمزاح ولغو الحديث، تعظيما لكتاب الله تعالى.

9- واستدل بعضهم بقوله وأصبناها عنوة على أن خيبر كلها فتحت عنوة لا صلحا، قال المازري: وقد يشكل على هذا ما روي في سنن أبي داود أنه قسمها نصفين، نصفا لنوائبه وحاجته، ونصفا للمسلمين.
قال: وجوابه ما قال بعضهم: إنه كان حولها ضياع وقرى، أجلى عنها أهلها، فكانت خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم، وما سواها للغانمين، فكان قدر الذين خلوا عنه النصف، فلهذا قسمها النبي صلى الله عليه وسلم نصفين، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر، فغلب على النخل، وألجأهم إلى القصر، فصالحوه على أن يجلوا منها، وله الصفراء والبيضاء والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، على أن لا يكتموا ولا يغيبوا...
فسبى نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم، فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها، فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح، ثم من عليهم بترك القتل، وإبقائهم عمالا بالأرض، ليس لهم فيها ملك، ولذا أجلاهم عمر رضي الله عنه، كما تقدم في المزارعة، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها.

10- قال القاضي: في هذا الحديث أن الإغارة على العدو يستحب كونها أول النهار عند الصبح، لأنه وقت غرتهم وغفلة أكثرهم، ثم يضيء لهم النهار لما يحتاج إليه، بخلاف ملاقاة الجيوش ومصاففتهم ومناصبة الحصون، فإن هذا يستحب كونه بعد الزوال، ليدوم النشاط ببرد الوقت بخلاف ضده.
اهـ وأقول: هذا يخضع للظروف والملابسات والخطط الحربية.

11- ومن قوله ألا تسمعنا من هنيهاتك جواز إنشاد الأراجيز وغيرها من الشعر وسماعها، ما لم يكن فيه مذموم، والشعر كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح.

12- ومن قوله فنزل يحدو القوم استحباب الحداء في الأسفار، لتنشط النفوس والدواب على قطع الطريق، واشتغالها بسماعه عن الإحساس بألم السير.

13- استدل بقوله أهريقوها واكسروها على نجاسة لحوم الحمر الأهلية، قال النووي: وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، إذ الأمر بإراقته سببه الصحيح أنها نجسة محرمة، وقيل: إن النهي عن لحوم الحمر الأهلية للحاجة إليها، وقيل: لأنهم كانوا أخذوها قبل القسمة، قال: وهذان التأويلان هما لأصحاب مالك، القائلين بإباحة لحومها.

14- ومن قول الرجل أو يهرقوها ويغسلوها وموافقة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد، وقيل: إنما وافق بوحي أوحي إليه.

15- فيه فضيلة لعامر بن الأكوع.

16- من المخمصة التي أصابتهم حتى أكلوا الثوم، وحاولوا أكل لحوم الحمر علامة ظاهرة على مالقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله والدعوة إلى الله.

والله وأعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ سـ :3468 ... بـ :1802]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَنَسَبَهُ غَيْرُ ابْنِ وَهْبٍ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ قَاتَلَ أَخِي قِتَالًا شَدِيدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَدَّ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَشَكُّوا فِيهِ رَجُلٌ مَاتَ فِي سِلَاحِهِ وَشَكُّوا فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ سَلَمَةُ فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أَنْ أَرْجُزَ لَكَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْلَمُ مَا تَقُولُ قَالَ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقْتَ وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا قَالَ فَلَمَّا قَضَيْتُ رَجَزِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ هَذَا.

قُلْتُ قَالَهُ أَخِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ يَقُولُونَ رَجُلٌ مَاتَ بِسِلَاحِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ.

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَنَسَبَهُ غَيْرُ ابْنِ وَهْبٍ فَقَالَ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَالَ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مُسْلِمٍ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ ، وَحُسْنِ خِبْرَتِهِ ، وَعَظِيمِ إِتْقَانِهِ ، وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ دَاوُدُ : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ : الصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، قَالَ الْحُفَّاظُ : وَالْوَهْمُ فِي هَذَا مِنَ ابْنِ وَهْبٍ ، فَجَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ رَاوِيًا عَنْ سَلَمَةَ ، وَجَعَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَاوِيًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ ، بَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَرْوِيهِ عَنْ سَلَمَةَ ، وَإِنَّمَا عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُهُ ، فَذُكِرَ فِي نَسَبِهِ ; لِأَنَّ لَهُ رِوَايَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَتِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَبْدَ اللَّهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ ، وَأَرَادَ مُسْلِمٌ تَعْرِيفَهُ فَقَالَ : قَالَ غَيْرُ ابْنِ وَهْبٍ : هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ ، فَحَصَلَ تَعْرِيفُهُ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ لِلتَّعْرِيفِ ، إِلَى ابْنِ وَهْبٍ ، وَحَذَفَ مُسْلِمٌ ذِكْرَ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ رَجُلَيْنِ كَانَ لَهُ حَذْفُ أَحَدِهِمَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْآخَرِ ، فَأَجَازُوا هَذَا الْكَلَامَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ ، فَإِذَا كَانَ عُذْرٌ بِأَنْ كَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ غَلَطًا كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَ الْجَوَازُ أَوْلَى .