هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
334 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ ، فَقَالَ أَبُو الجُهَيْمِ الأَنْصَارِيُّ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
334 حدثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن الأعرج ، قال : سمعت عميرا مولى ابن عباس ، قال : أقبلت أنا وعبد الله بن يسار ، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري ، فقال أبو الجهيم الأنصاري أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار ، فمسح بوجهه ويديه ، ثم رد عليه السلام
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أبي الجُهَيْمِ الأَنْصَارِيُّ  ، قال : أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ .

Narrated Abu Juhaim Al-Ansari:

The Prophet (ﷺ) came from the direction of Bir Jamal. A man met him and greeted him. But he did not return back the greeting till he went to a (mud) wall and wiped his face and hands with its dust (performed Tayammum) and then returned back the greeting.

0337 Al-Araj dit : J’ai entendu Umayr, l’affranchi d’ibn Abbas, dire : J’étais avec Abd-ul-Lâh ben Yasar, l’affranchi de Maymuna, l’épouse du Prophète, chez Abu Juhaym ben al-Harith ben as-Simma al-Ansari. A notre entrée, Juhaym dit : « Le Prophète revenait de bir-Jamal lorsqu’un homme le croisa et le salua en prononçant le salam, mais le Prophète ne lui rendit pas le salam, et ce jusqu’à ce qu’il fût devant un mur sur lequel il posa les mains puis s’essuya le visage et les deux mains avant de rendre le salam. »  

":"ہم سے یحییٰ بن بکیر نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم سے لیث بن سعد نے بیان کیا ، انھوں نے جعفر بن ربیعہ سے ، انھوں نے عبدالرحمٰن اعرج سے ، انھوں نے کہا میں نے ابن عباس رضی اللہ عنہما کے غلام عمیر بن عبداللہ سے سنا ، انھوں نے کہا کہمیں اور عبداللہ بن یسار جو کہ حضرت میمونہ رضی اللہ عنہا زوجہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے غلام تھے ، ابوجہیم بن حارث بن صمہ انصاری ( صحابی ) کے پاس آئے ۔ انھوں نے بیان کیا کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم ” بئر جمل “ کی طرف سے تشریف لا رہے تھے ، راستے میں ایک شخص نے آپ کو سلام کیا ( یعنی خود اسی ابوجہیم نے ) لیکن آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے جواب نہیں دیا ۔ پھر آپ دیوار کے قریب آئے اور اپنے چہرے اور ہاتھوں کا مسح کیا پھر ان کے سلام کا جواب دیا ۔

0337 Al-Araj dit : J’ai entendu Umayr, l’affranchi d’ibn Abbas, dire : J’étais avec Abd-ul-Lâh ben Yasar, l’affranchi de Maymuna, l’épouse du Prophète, chez Abu Juhaym ben al-Harith ben as-Simma al-Ansari. A notre entrée, Juhaym dit : « Le Prophète revenait de bir-Jamal lorsqu’un homme le croisa et le salua en prononçant le salam, mais le Prophète ne lui rendit pas le salam, et ce jusqu’à ce qu’il fût devant un mur sur lequel il posa les mains puis s’essuya le visage et les deux mains avant de rendre le salam. »  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [337] .

     قَوْلُهُ  عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ وَنِصْفُ هَذَا الْإِسْنَادِ مِصْرِيُّونَ وَنِصْفُهُ الْأَعْلَى مدنيون قَوْله سَمِعت عُمَيْرًا مولى بن عَبَّاس هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْهِلَالِيُّ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِث وَالِدَة بن عَبَّاس وَقد روى بن إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَإِذَا كَانَ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ فَهُوَ مَوْلَى أَوْلَادِهَا وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وبن لَهِيعَةَ وَأَبُو الْحُوَيْرِثِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي الْجُهَيْمِ وَلَمْ يَذْكُرُوا بَيْنَهُمَا عُمَيْرًا وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ وَرِوَايَةُ الْأَعْرَجِ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ .

     قَوْلُهُ  أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ هُوَ أَخُو عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ التَّابِعِيِّ الْمَشْهُورِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ وَهْمٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُونَ فِي رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ .

     قَوْلُهُ  عَلَى أَبِي جُهَيْمٍ قيل اسْمه عبد الله وَحكى بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ يُقَالُ هُوَ الْحَارِث بن الصمَّة فعلى هَذَا لَفْظَة بن زَائِدَةٌ بَيْنَ أَبِي جُهَيْمٍ وَالْحَارِثِ لَكِنْ صَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ الْحَارِثَ اسْمُ أَبِيهِ لَا اسْمه وَفرق بن أَبِي حَاتِمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جهيم يكنى أَيْضا أَبَا جهيم.

     وَقَالَ  بن مَنْدَهْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فَجَعَلَ الْحَارِثَ اسْمَ جَدِّهِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الْأَقْوَالَ الْمُخْتَلِفَةَ فِيهِ وَالصِّمَّةُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هُوَ بن عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ الْخَزْرَجِيُّ وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْجَهْمِ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ بِالتَّصْغِيرِ وَفِي الصَّحَابَةِ شَخْصٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْجَهْمِ وَهُوَ صَاحِبُ الْإِنْبِجَانِيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ هَذَا لِأَنَّهُ قُرَشِيٌّ وَهَذَا أَنْصَارِيٌّ وَيُقَالُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِإِثْبَاتِهِمَا .

     قَوْلُهُ  مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعْرَفُ بِذَاكَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَفِي النَّسَائِيِّ بِئْرُ الْجَمَلِ وَهُوَ مِنَ الْعَقِيقِ .

     قَوْلُهُ  فَلَقِيَهُ رَجُلٌ هُوَ أَبُو الْجُهَيْمِ الرَّاوِي بَيَّنَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنِ الْأَعْرَجِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَار وللدارقطني من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنِ الْأَعْرَجِ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْجِدَارِ وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فَحَتَّهُ بِعَصًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْجِدَارَ كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ يَعْرِفُ رِضَاهُ .

     قَوْلُهُ  فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ فَمسح بِوَجْهِهِ وذراعيه وَكَذَا لِلشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْحُوَيْرِثِ وَلَهُ شَاهِدٌ من حَدِيث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ لَكِنْ خَطَّأَ الْحُفَّاظُ رِوَايَتَهُ فِي رَفْعِهِ وَصَوَّبُوا وَقْفَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَالِكًا أَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّابِتُ فِي حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ أَيْضًا بِلَفْظِ يَدَيْهِ لَا ذِرَاعَيْهِ فَإِنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ مَعَ مَا فِيأَبِي الْحُوَيْرِثِ وَأَبِي صَالِحٍ مِنَ الضَّعْفِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي إِيجَابِ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ بَعْدُ بِبَابٍ وَاحِدٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عادما للْمَاء حَال التَّيَمُّم قلت وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ لَكِنْ تُعُقِّبَ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ بِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ إِرَادَةُ ذِكْرِ اللَّهِ لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَامِ مِنْ أَسْمَائِهِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَيَمَّمَ فِي الْحَضَرِ لِرَدِّ السَّلَامِ مَعَ جَوَازِهِ بِدُونِ الطَّهَارَةِ فَمَنْ خَشِيَ فَوْتَ الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَا اسْتِبَاحَةَ مَحْظُورٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّشَبُّهَ بِالْمُتَطَهِّرِينَ كَمَا يُشْرَعُ الْإِمْسَاكُ فِي رَمَضَانَ لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ أَوْ أَرَادَ تَخْفِيفَ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ كَمَا يُشْرَعُ تَخْفِيفُ حَدَثِ الْجُنُبِ بِالْوُضُوءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بن بَطَّالٍ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التُّرَابِ قَالَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَقْ بِيَدِهِ مِنَ الْجِدَارِ تُرَابٌ وَنُوقِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ بَلْ هُوَ مُحْتَمل وَقد سبق مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجِدَارِ تُرَابٌ وَلِهَذَا احْتَاجَ إِلَى حته بالعصا ( قَولُهُ بَابُ الْمُتَيَمِّمِ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا) أَيْ فِي يَدَيْهِ وَزَعَمَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ النّسخ بَاب هَل ينْفخ فِي يَدَيْهِ بعد مَا يَضْرِبُ بِهِمَا الصَّعِيدَ لِلتَّيَمُّمِ وَإِنَّمَا تَرْجَمَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا كَعَادَتِهِ لِأَنَّ النَّفْخَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ عَلِقَ بِيَدِهِ خَشِيَ أَنْ يُصِيبَ وَجْهَهُ الْكَرِيمَ أَوْ عَلِقَ بِيَدِهِ مِنَ التُّرَابِ شَيْءٌ لَهُ كَثْرَةٌ فَأَرَادَ تَخْفِيفَهُ لِئَلَّا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي وَجْهِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ التَّشْرِيعِ وَمِنْ ثَمَّ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَجَازَ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ زَاعِمًا أَنَّ نَفْخَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرَطَ فِي التَّيَمُّمِ الضَّرْبُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مُحْتَمِلًا لِمَا ذَكَرَ أَوْرَدَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِيَعْرِفَ النَّاظِرُ أَنَّ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالًا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [337] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ.
وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير نسبة لجده لشهرته به المخزومي المصري ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي المصري، وفي رواية الإسماعيلي.
حدّثني جعفر ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني، ولابن عساكر كما في الفرع عن حميد الأعرج وهو ابن قيس المكي أبو صفوان القاري من السادسة، توفي سنة ثلاثين أو بعدها ( قال) : ( سمعت عميرًا) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله الهاشمي ( مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بنيسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة ( مولى ميمونة زوج النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث) بالمثلثة، وجهيم بضم الجيم وفتح الهاء بالتصغير عبد الله ( ابن الصمة) بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم ابن عمرو بن عتيك الخزرجي ( الأنصاري، فقال أبو جهيم) وللأصيلي وأبي الوقت أبو الجهيم ولابن عساكر فقال الأنصاري: ( أقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نحو بئر جمل) بالجيم والميم المفتوحتين موضع بقرب المدينة أي من جهة الموضع الذي يعرف ببئر الجمل، ( فلقيه رجل) هو أبو الجهيم الراوي كما صرّح به الشافعي في روايته، ( فسلم عليه فلم يردّ عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحركات الثلاث في دال يرد الكسر لأنه الأصل والفتح لأنه أخف، وهو الذي في الفرع وغيره والضم لاتباع الراء ( حتى أقبل على الجدار) الذي هناك وكان مباحًا فحتّه بعصًا ثم ضرب يده على الحائط ( فمسح بوجهه ويديه) وللأصيلي وأبي الوقت: وبيديه بزيادة الموحدة، وللدارقطني وغيره ومسح وجهه وذراعيه، ( ثم ردَّ عليه) أي على الرجل ( السلام) زاد في رواية الطبراني في الأوسط، وقال: إنه لم يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنت على غير طهر أي أنه كره أن يذكر الله على غير طهارة.
قال ابن الجوزي: لأن السلام من أسماء الله تعالى لكنه منسوخ بآية الوضوء، أو بحديث عائشة كان عليه الصلاة والسلام يذكر الله على كل أحيانه، قال النووي: والحديث محمول على أنه عليه السلام كان عادمًا للماء حال التيمم لامتناع التيمم مع القدرة سواء كان لفرض أو نفل.
قال في الفتح: وهو مقتضى صنيع البخاري، لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب وهو إرادة ذكر الله فلم يرد به استباحة الصلاة.
وأجيب: بأنه لما تيمم في الحضر لردّ السلام مع جوازه بدون الطهارة، فمن خشي فوات الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى، واستدل به على جواز التيمم على الحجر لأن حيطان المدينة مبنية بحجارة سود.
وأجيب: بأن الغالب وجود الغبار على الجدار، ولا سيما وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام حتّ الجدار بالعصا ثم تيمم كما في رواية الشافعي، فيحمل المطلق على المقيد.
ورواة هذا الحديث السبعة ما بين مدنيين ومصريين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الطهارة.
4 - باب الْمُتَيَمِّمُ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا هذا ( باب) بالتنوين ( المتيمم هل ينفخ فيهما) أي في يديه بعدما يضرب بهما الصعيد وللأربعة باب هل ينفخ فيهما.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [337] ثنا يحيى بن بُكير: ثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، قال: سمعت عُميراً مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم: أقبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نحو بئر جمل، فلقيه رجلٌ فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السلام، حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام.
هذا الحديث ذكره مسلم في ( ( صحيحه) ) تعليقاً عن الليث بهذاالإسناد، وكذا رواه ابن إسحاق، عن الأعرج.
ورواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن أبي الحويرث عبد الرحمان بن معاوية، عن الأعرج، عن ابن الصمة، وزاد، أنه مسح وجهه وذراعيه، وأسقط من إسناده ( ( عُميراً) ) .
ورواه أبو صالح كاتب الليث بن سعد، عنه، وقال في حديثه - أيضا ً -: ( ( فمسح بوجهه وذراعيه) ) .
وأبو صالح تغير بآخرة، وقد اختلف عليه في لفضه، ورواية يحيى بن بُكير أصح.
قال الخطابي: حديث أبي الجهيم في مسح الذراعين لا يصح.
يعني: لا يصح رواية من روى فيه مسح الذراعين.
وقد استدل البخاري بهذا الحديث على جواز التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء، ولكن التيمم هنا لم يكن لما تجب له الطهارة، بل لما يستحب له، وقد تقدم ذكر هذا في ( ( كتاب: الوضوء) ) في غير موضع منه، وذكرنا أن عمر كان يتيمم في الحضر لذكر الله عز وجل، وهو من رواية علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قَالَ: رأيتعمر بال ثم أتى الحائط فتمسح به، ثم قال: هذا للذكر والتسبيح حتى تلقى الماء.
خرّجه ابن جرير الطبري.
وهذا يدل على أنه إنما تيمم بمكان ليس فيه ماء، وذكرنا فيما تقدم أن من السلف من كان يتيمم لرواية الحديث ونحو ذلك، وعن أبي العالية أنه تيمم لرد السلام.
وفي المسند عن ابن عباس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج فيهريق الماء، فيتيمم بالتراب، فأقول: يا رسول الله، الماء منك قريب، فيقول: ( ( ما يدريني، لعلي لا أبلغه) ) .
وذكرنا - أيضاً - أن طائفة من أعيان الشافعية كأبي المعالي الجويني - وصاحبه أبي حامد صرحوا بأن من تيمم في الحضر، ثم قرأ القرآن وذكر الله كان جائزاً، استدلالاً بهذا الحديث.
ورد ذلك بعض متأخر يهم، وقال: لم يكن تيمم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة، إنما كان ظاهراً حيث لا يوجد الماء، ولكن كان بقرب المدينة، فإن في هذا الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قد أقبل من نحو بئر جمل، وهي خارج المدينة.
وقد روى هذا الحديث عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحو حديث أبي الجهيم.
خرجه أبو داود من حديث ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضىحاجته ثم أقبل في سكة من سكك المدينة، فسلم عليه رجل، فمسح وجهه وذراعيه، ثم رد عليه السلام.
خرجه أبو داود وغيره.
ورفعه منكر عند أئمة الحفاظ، وإنما هو موقوف عندهم -: كذا قاله الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والبخاري والعقيلي والأثرم.
وتفرد برفعه محمد بن ثابت العبدي، عن نافع.
والعبدي ضعيف.
وذكر الأثرم أبي الوليد، أنه سأل محمد بن ثاب هذا: من الذي يقول النبي وابن عمر؟ فقال لا أدري.
ففي هذا الحديث: أن تيمم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في بعض سكك المدينة.
وسيأتي في ( ( باب: الشعر في المسجد) ) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم على جدار المسجد، ثم دخل المسجد.
وقال بعض أصحابنا: يجوز التيمم لرد السلام في الحضر، إذا خشي فوته؛ لان الطهارة لرده مشروعة ندبا لا وجوبا؛ فإنه يجوز الرد معالحدث لكن يفوت فعله بالطهارة؛ لأنه على الفور.
واستدل بعضهم بهذا الحديث: على جواز التيمم في الحضر إذا خاف فوت صلاة الجنازة، كما هو قول كثير من العلماء، ومذهب أبي حنيفة، وأحمد في رواية عنه، وذكر أحمد أنه قول أكثر العلماء: ابن عباس ومن بعده - وذكر الحسن والنخعي وجماعة.
ومن منع من ذلك كمالك والشافعي وأحمد - في الرواية الأخرى -؛ فإنهم قد يفرقون بأن الطهارة بالماء لصلاة الجنازة شرط، فلا يسقط مع القدرة عليه خشية الفوات، بخلاف الطهارة لرد السلام ونحوه من الذكر، فأنها ليست بشرط فخف أمرها.
وقد أجاب بهذا طائفة من الفقهاء من الشافعية، منهم: الماوردي وأبو الطيب الطبري ونصر المقدسي وغيرهم.
وهذا موافق لما تقدم حكايته عن أبي المعالي والغزالي.
والعجب أن صاحب ( ( شرح المهذب) ) حكى ذلك كله في موضعين من ( ( كتابه) ) ، وقال فيما حكاه عن أبي المعالي والغزالي: لا نعرف أحدا وافقهما، وهذا الذي حكاه عن الماوردي وغيره يدل على الموافقة.
4 - باب هل ينفخ فيهما؟

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ وَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ)
جَعَلَهُ مُقَيَّدًا بِشَرْطَيْنِ خَوْفِ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَفَقْدِ الْمَاءِ وَيَلْتَحِقُ بِفَقْدِهِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ أَيْ بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق من وَجه صَحِيح وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَيْسَ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ تَعَرُّضٌ لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْحَسَنُ وَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ مِنْ وَجه صَحِيح وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ وبن سِيرِينَ قَالَا لَا يَتَيَمَّمُ مَا رَجَا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَمَفْهُومُهُ يُوَافِقُ مَا قبله قَوْله وَأَقْبل بن عمر قَالَ الشَّافِعِي أخبرنَا بن عُيَيْنَة عَن بن عجلَان عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْجُرُفِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْخَبَرِ كَمَا عَلَّقَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي سَبَبُ حَذْفِهِ مِنْهُ ذِكْرَ التَّيَمُّمِ مَعَ أَنَّهُ مَقْصُودُ الْبَابِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ مُخْتَصَرًا لَكِنْ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ مَرْفُوعًا لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَالْجُرُفُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ مَوْضِعٌ ظَاهِرَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُعَسْكِرُونَ بِهِ إِذَا أَرَادُوا الْغَزْو.

     وَقَالَ  بن إِسْحَاقَ هُوَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ رُوِيَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مِيلٍ وَهَذَا يدل على أَن بن عُمَرَ كَانَ يَرَى جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلْحَاضِرِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى سَفَرًا وَبِهَذَا يُنَاسِبُ التَّرْجَمَة وَظَاهره أَن بن عُمَرَ لَمْ يُرَاعِ خُرُوجَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْت وَيحْتَمل أَيْضا إِن بن عُمَرَ تَيَمَّمَ لَا عَنْ حَدَثٍ بَلْ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ اسْتِحْبَابًا فَلَعَلَّهُ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ فَأَرَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ كَعَادَتِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ بَدَلَ الْوُضُوءِ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ مُطَابِقًا لِلتَّرْجَمَةِ إِلَّا بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ.

.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُعِدْ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَسْقَطَ الْإِعَادَةَ عَنِ الْمُتَيَمِّمِ فِي الْحَضَرِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ تيَمّم فِي الْحَضَر وَوَجهه بن بَطَّالٍ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ لِإِدْرَاكِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَيَلْتَحِقُ بِهِمَا الْحَاضِرُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ قِيَاسًا.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ لَا يُصَلِّي إِلَى أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ

[ قــ :334 ... غــ :337] .

     قَوْلُهُ  عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ وَنِصْفُ هَذَا الْإِسْنَادِ مِصْرِيُّونَ وَنِصْفُهُ الْأَعْلَى مدنيون قَوْله سَمِعت عُمَيْرًا مولى بن عَبَّاس هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْهِلَالِيُّ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِث وَالِدَة بن عَبَّاس وَقد روى بن إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَإِذَا كَانَ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ فَهُوَ مَوْلَى أَوْلَادِهَا وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وبن لَهِيعَةَ وَأَبُو الْحُوَيْرِثِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي الْجُهَيْمِ وَلَمْ يَذْكُرُوا بَيْنَهُمَا عُمَيْرًا وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ وَرِوَايَةُ الْأَعْرَجِ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ .

     قَوْلُهُ  أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ هُوَ أَخُو عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ التَّابِعِيِّ الْمَشْهُورِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ وَهْمٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُونَ فِي رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ .

     قَوْلُهُ  عَلَى أَبِي جُهَيْمٍ قيل اسْمه عبد الله وَحكى بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ يُقَالُ هُوَ الْحَارِث بن الصمَّة فعلى هَذَا لَفْظَة بن زَائِدَةٌ بَيْنَ أَبِي جُهَيْمٍ وَالْحَارِثِ لَكِنْ صَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ الْحَارِثَ اسْمُ أَبِيهِ لَا اسْمه وَفرق بن أَبِي حَاتِمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جهيم يكنى أَيْضا أَبَا جهيم.

     وَقَالَ  بن مَنْدَهْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فَجَعَلَ الْحَارِثَ اسْمَ جَدِّهِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الْأَقْوَالَ الْمُخْتَلِفَةَ فِيهِ وَالصِّمَّةُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هُوَ بن عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ الْخَزْرَجِيُّ وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْجَهْمِ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ بِالتَّصْغِيرِ وَفِي الصَّحَابَةِ شَخْصٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْجَهْمِ وَهُوَ صَاحِبُ الْإِنْبِجَانِيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ هَذَا لِأَنَّهُ قُرَشِيٌّ وَهَذَا أَنْصَارِيٌّ وَيُقَالُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِإِثْبَاتِهِمَا .

     قَوْلُهُ  مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعْرَفُ بِذَاكَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَفِي النَّسَائِيِّ بِئْرُ الْجَمَلِ وَهُوَ مِنَ الْعَقِيقِ .

     قَوْلُهُ  فَلَقِيَهُ رَجُلٌ هُوَ أَبُو الْجُهَيْمِ الرَّاوِي بَيَّنَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنِ الْأَعْرَجِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَار وللدارقطني من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنِ الْأَعْرَجِ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْجِدَارِ وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فَحَتَّهُ بِعَصًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْجِدَارَ كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ يَعْرِفُ رِضَاهُ .

     قَوْلُهُ  فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ فَمسح بِوَجْهِهِ وذراعيه وَكَذَا لِلشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْحُوَيْرِثِ وَلَهُ شَاهِدٌ من حَدِيث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ لَكِنْ خَطَّأَ الْحُفَّاظُ رِوَايَتَهُ فِي رَفْعِهِ وَصَوَّبُوا وَقْفَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَالِكًا أَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّابِتُ فِي حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ أَيْضًا بِلَفْظِ يَدَيْهِ لَا ذِرَاعَيْهِ فَإِنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ مَعَ مَا فِي أَبِي الْحُوَيْرِثِ وَأَبِي صَالِحٍ مِنَ الضَّعْفِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي إِيجَابِ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ بَعْدُ بِبَابٍ وَاحِدٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عادما للْمَاء حَال التَّيَمُّم قلت وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ لَكِنْ تُعُقِّبَ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ بِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ إِرَادَةُ ذِكْرِ اللَّهِ لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَامِ مِنْ أَسْمَائِهِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَيَمَّمَ فِي الْحَضَرِ لِرَدِّ السَّلَامِ مَعَ جَوَازِهِ بِدُونِ الطَّهَارَةِ فَمَنْ خَشِيَ فَوْتَ الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَا اسْتِبَاحَةَ مَحْظُورٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّشَبُّهَ بِالْمُتَطَهِّرِينَ كَمَا يُشْرَعُ الْإِمْسَاكُ فِي رَمَضَانَ لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ أَوْ أَرَادَ تَخْفِيفَ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ كَمَا يُشْرَعُ تَخْفِيفُ حَدَثِ الْجُنُبِ بِالْوُضُوءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بن بَطَّالٍ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التُّرَابِ قَالَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَقْ بِيَدِهِ مِنَ الْجِدَارِ تُرَابٌ وَنُوقِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ بَلْ هُوَ مُحْتَمل وَقد سبق مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجِدَارِ تُرَابٌ وَلِهَذَا احْتَاجَ إِلَى حته بالعصا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة
وبه قال عطاء.

وقال الحسن في المريض عنده الماء ولا يجد من يناوله: تيمم.

وأقبل ابن عمر من أرضه بالجرف، فحضرت العصر بمربد النعم، فصلى، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة، فلم يعد.

هذه الآثار الثلاثة التي علقها البخاري تشتمل على ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى:
أن من عدم الماء في الحضر فله أن يتيمم ويصلي، وقد حكاه عن عطاء، وهو قول جمهور العلماء.

وقد سبقت الإشارة إلى الاختلاف في هذه المسألة، وان السفر هل هو شرط لجواز التيمم أم كان ذكره في القران لان السفر مظنة عدم الماء غالبا؟ والأكثرون على الثاني، فلو لم يجد الماء في الحضر تيمم وصلى.

واختلفوا: هل يعيد إذا وجد الماء أم لا؟ فقال الليث وأبو حنيفة والشافعي:
يعيد، وهو وجه لأصحابنا.

ومنهم من فرق بين أن تقصر مدة عدم الماء في الحضر فيعيد، وبين أن تطول فلا يعيد، والصحيح من المذهب: أنه لا يعيد، وهو قول مالك والثوري وإسحاق والمزني وغيرهم.

وذهبت طائفة إلى أنه لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر، وهو رواية عن أبي
حنيفة، ورواية عن أحمد اختاره الخلال والخرقي وحكي عن زفر وداود.

ومن أصحابنا من قال: إن كان يرجو حصول الماء قريبا لم يصلي حتى يجده، وإن فات الوقت.

المسألة الثانية:
أن المريض إذا كان يجد الماء، ولكن ليس عنده من يناوله إياه، فإنه يتيمم
ويصلي، حكاه عن الحسن، وهو –أيضا - قول الأوزاعي والشافعي وأحمد وأكثر
العلماء.

وعن الشافعي: يعيد، وحكي رواية عن أحمد، وظاهر كلامه أنه لا يعيد، وهو المشهور عند أصحابنا.

ولأصحابنا وجه: أنه إن رجا أن يجد من يناوله الماء بعد الوقت قريبا لم يصل بالتيمم، وأخر حتى يجيء من يناوله.

والصحيح: الأول، وأنه يصلي بالتيمم في الوقت، ولا يؤخر الصلاة إلى أن يقدر على الوضوء بعده، كما لا يؤخر المسافر الصلاة إذا رجا الوصول إلى الماء بعد الوقت عقيبه.

وخرج ابن أبي حاتم من رواية قيس، عن خصيف، عن مجاهد، في قوله تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء:43] ، قَالَ: نزلت في رجل من الأنصار، كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ، ولم يكن له خادم فيناوله، فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

المسألة الثالثة:
أنه يجوز التيمم بقرب المصر إذا لم يجد الماء، وان كان يصل إلى المصر في الوقت، هذا هو المروي عن ابن عمر - رضي الله عنه -، وقد احتج به الإمام أحمد، وقال: كان ابن عمر يتيمم قبل أن يدخل المدينة، وهو يرى بيوت المدينة.
وهذا الأثر مشهور عن ابن عمر من رواية نافع عنه، وقد رفعه بعضهم، خرجه الدارقطني والبيهقي مرفوعا.
قال البيهقي: وهو غير محفوظ.

ولفظ المرفوع: أن ابن عمر قَالَ: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم بموضع يقال له: مربد النعم، وهو يرى بيوت المدينة.

وخرج الأثرم من طريق أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه اقبل من أرضه التي بالجرف، حتى إذا كان بمربد النعم حضرت الصلاة صلاة العصر، فتيمم وهو ينظر إلى بيوت المدينة.

وقد روى الشافعي، عن ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن نافع، أن ابن عمر أقبل من الجرف حتى كان بالمربد تيمم وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصَّلاة.

( ( الجرف) ) : بضم الجيم والراء -: موضع بينه وبين المدينة ثلاثة أميال.

و ( ( المربد) ) : مكان بقرب المدينة.

ورواه سفيان الثوري، عن ابن عجلان، عن نافع، أنه تيمم على راس ميل أو ميلين من المدينة، فصلى العصر، ثم قدم والشمس مرتفعة، فلم يعد.

خرجه حرب الكرماني.

ورواه - أيضا - مالك، عن نافع، قَالَ: أقبلت مع ابن عمر من الجرف حتى إذا بلغ المربد تيمم، ثم صلى.

ورواه العمري، عن نافع، عن ابن عمر، أنه تيمم وصلى ثم دخل المدينة في وقت، فلم يعد، ورواه أبو معشر، عن نافع، عن ابن عمر، قَالَ: اقبلنا من الغابة، حتى إذا كنا بمربد النعم جاءت الصلاة، فتيمم، وصلى العصر، ثم دخل المدينة.

وهذا المروي عن ابن عمر يؤخذ منه عدة مسائل:
منها: أنه تجوز الصلاة بالتيمم في أول وقت للمسافر، وان علم أنه يصل إلى الماء قبل خروج الوقت، وهذا قول أكثر العلماء، ومنهم من حكاه إجماعا، واستدل أحمد لذلك بحديث ابن عمر هذا.
وحكي عن الشافعي قول: أنه لا يجوز.

ومنها: أن المسافر سفرا قصيرا له أن يتيمم فيه كالسفر الطويل، وهو قول جمهور العلماء - أيضا -، وحكي فيه خلاف شاذ في مذهب الشافعي، ومن أصحابه من لم يثبته عنه، وقال: إنما حكاه الشافعي عن غيره، وهو وجه ضعيف لأصحابنا - أيضا.

وقد تقدم: أن عدم الماء في الحضر يبيح التيمم عند الأكثرين، لكن منهم من أوجب الإعادة فيه، فمن قال: يعيد إذا تيمم في الحضر، وقال: لا يتيمم إلا في سفر طويل جعل حكم السفر القصير حكم الحضر في الإعادة إذا صلى فيه بالتيمم.

وحكى ابن عبد البر، عن محمد بن مسلمة المالكي، أنه حمل ما فعله ابن عمر على أنه خاف فوت الوقت، وهذا يدل على أنه يرى أن الحاضر إذا كان عادما للماء لم يتيمم، إلا أن يخاف فوت الوقت.

وسئل ابن المبارك: عن الراعي تكون الماشية منه على الميلين والثلاثة؟ فذكر عن سعيد بن المسيب، قَالَ: يتيمم ويصلي.

وقال أبو داود: قلت لأحمد: الرجل يخرج على الميلين والثلاثة والأكثر، فتحضره الصلاة، أيتيمم؟ قَالَ: إذا خاف يتيمم.
قيل له فيعيد؟ قال: لا.

قال: حرب: قلت لإسحاق - يعني: ابن راهويه -: فرجل من المدينة على فرسخ، وليس في سفر، فحضرت الصلاة، وليس له ماء، أيتيمم ويصلي؟ فقل: نعم.
قلت: يعيد؟ قال: لا، وانأ أرى في الحضر التيمم.

قَالَ: وسألته عن رجل في الصيد، وليس هو في سفر، فحضرت الصلاة، ولم يكن معه ماء، فتيمم وصلى؟ قال: إن كان في معصية يعيد، وان كان للكسب على عياله لا يعيد.

وروى حرب بإسناده عن الزهري، في رجل ينتجع الكلأ فلا يجد الماء؟ قال: لا نرى أن يقيم بالأرض ليس فيها ماء.
قال الوليد بن مسلم ذكرته لبعض المشيخة، فقال: سمعت أن معاذ بن جبل ذكر ذلك له، فقال: لو لم يكن لهم ذلك لم يكن لنا أن نتركهم وذلك.

والمنصوص عن أحمد في الحطاب ونحوه: لا يرخص لهم في ترك حمل ماء
الوضوء، وإنه إذا لم يكن معهم ماء فلا يتيممون، وحمله القاضي على أن السفر القصير لا تيمم فيه.

وأجاز طائفة من أصحابنا لمن عدم الماء في الحضر في التيمم في أخر الوقت، وإنهم لا يكلفون طلب الماء مع فوت الوقت مع بعد الماء في الحضر، وأوجب القاضي في ( ( خلافه) ) طلب الماء على الحاضر، وان أدركه بعد الوقت.

وقال صاحب ( ( المغني) ) : من فارق موضع الماء إلى مكان قريب لحرث ونحوه، فحضرت الصلاة، ولا ماء معه، وان رجع إليه فاته غرضه؛ فإنه يتيمم ويصلي، ولا إعادة عليه، إلا أن يكون مكان الماء ومكان الحاجة من عمل واحد، ففي الإعادة وجهان.

وقد سبق ذكر هذه المسألة في ( ( باب: التماس الماء إذا حانت الصَّلاة) ) في ( ( كتاب: الوضوء) ) .

ومنها: أن من صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت فإنه لا إعادة عليه، هذا قول جمهور العلماء، وحكي عن طائفة من السلف وجوب الإعادة.

ولو وجده بعد الوقت، فأجمعوا على أن لا إعادة علية -: حكاه ابن المنذر
وغيره.

وفي ( ( المسند) ) و ( ( سنن أبي داود) ) والنسائي من رواية عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قَالَ: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً وصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: ( ( أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك) ) ، وقال للذي توضأ وأعاد: ( ( لك الأجر مرتين) ) .

وقال أبو داود: ذكر أبي سعيد في إسناده وهم ليس بمحفوظ، بل هو مرسل.

واستحب الأوزاعي الإعادة بالوضوء في الوقت من غير إيجاب.
ونقله حرب، عن أحمد.

وقال القاضي أبو يعلي: يجوز ولا يستحب، وذكر أنه ظاهر كلام أحمد؛ فإنه قَالَ في رواية صالح: إن أعاد لم يضره.

وقال الخلال: العمل من قول أبي عبد الله على أنه لا يعيد.

وقال الحسن: أن شاء أعاد، وإن شاء لم يعد.

وصرح أصحاب الشافعي بأن الإعادة غير مستحبة.

وهذا الحديث قد يستدل به على استحباب الإعادة؛ لقوله: ( ( لك الأجر
مرتين)
)
.
وقد يقال: إصابة السنة أفضل من ذَلكَ.

وقد ذكرنا في ( ( كتاب: العلم) ) في شرح حديث: ( ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين) ) أنه ليس كل من له أجره مرتين يكون أفضل من غيره.

ومنها: أنه لا يجب طلب الماء لمن عدمه في غير موضعه الذي هو فيه، وقد أخذ بذلك إسحاق، واستنبطه من فعل ابن عمر هذا.

قال البخاري - رحمه الله -:
[ قــ :334 ... غــ :337 ]
- ثنا يحيى بن بُكير: ثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، قال: سمعت عُميراً مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم: أقبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نحو بئر جمل، فلقيه رجلٌ فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السلام، حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام.

هذا الحديث ذكره مسلم في ( ( صحيحه) ) تعليقاً عن الليث بهذا الإسناد، وكذا رواه ابن إسحاق، عن الأعرج.

ورواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن أبي الحويرث عبد الرحمان بن معاوية، عن الأعرج، عن ابن الصمة، وزاد، أنه مسح وجهه وذراعيه، وأسقط من إسناده
( ( عُميراً) ) .

ورواه أبو صالح كاتب الليث بن سعد، عنه، وقال في حديثه - أيضا ً -:
( ( فمسح بوجهه وذراعيه) ) .

وأبو صالح تغير بآخرة، وقد اختلف عليه في لفضه، ورواية يحيى بن بُكير أصح.

قال الخطابي: حديث أبي الجهيم في مسح الذراعين لا يصح.

يعني: لا يصح رواية من روى فيه مسح الذراعين.

وقد استدل البخاري بهذا الحديث على جواز التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء، ولكن التيمم هنا لم يكن لما تجب له الطهارة، بل لما يستحب له، وقد تقدم ذكر هذا في ( ( كتاب: الوضوء) ) في غير موضع منه، وذكرنا أن عمر كان يتيمم في الحضر لذكر الله عز وجل، وهو من رواية علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قَالَ: رأيت عمر بال ثم أتى الحائط فتمسح به، ثم قال: هذا للذكر والتسبيح حتى تلقى الماء.

خرّجه ابن جرير الطبري.

وهذا يدل على أنه إنما تيمم بمكان ليس فيه ماء، وذكرنا فيما تقدم أن من السلف من كان يتيمم لرواية الحديث ونحو ذلك، وعن أبي العالية أنه تيمم لرد السلام.

وفي المسند عن ابن عباس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج فيهريق الماء، فيتيمم بالتراب، فأقول: يا رسول الله، الماء منك قريب، فيقول: ( ( ما يدريني، لعلي لا
أبلغه)
)
.

وذكرنا - أيضاً - أن طائفة من أعيان الشافعية كأبي المعالي الجويني - وصاحبه أبي حامد صرحوا بأن من تيمم في الحضر، ثم قرأ القرآن وذكر الله كان جائزاً، استدلالاً بهذا الحديث.

ورد ذلك بعض متأخر يهم، وقال: لم يكن تيمم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة، إنما كان ظاهراً حيث لا يوجد الماء، ولكن كان بقرب المدينة، فإن في هذا الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قد أقبل من نحو بئر جمل، وهي خارج المدينة.

وقد روى هذا الحديث عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحو حديث أبي الجهيم.

خرجه أبو داود من حديث ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى حاجته ثم أقبل في سكة من سكك المدينة، فسلم عليه رجل، فمسح وجهه وذراعيه، ثم رد عليه السلام.

خرجه أبو داود وغيره.

ورفعه منكر عند أئمة الحفاظ، وإنما هو موقوف عندهم -: كذا قاله الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والبخاري والعقيلي والأثرم.

وتفرد برفعه محمد بن ثابت العبدي، عن نافع.
والعبدي ضعيف.

وذكر الأثرم أبي الوليد، أنه سأل محمد بن ثاب هذا: من الذي يقول النبي وابن عمر؟ فقال لا أدري.

ففي هذا الحديث: أن تيمم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في بعض سكك المدينة.

وسيأتي في ( ( باب: الشعر في المسجد) ) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم على جدار المسجد، ثم دخل المسجد.

وقال بعض أصحابنا: يجوز التيمم لرد السلام في الحضر، إذا خشي فوته؛ لان الطهارة لرده مشروعة ندبا لا وجوبا؛ فإنه يجوز الرد مع الحدث لكن يفوت فعله بالطهارة؛ لأنه على الفور.

واستدل بعضهم بهذا الحديث: على جواز التيمم في الحضر إذا خاف فوت صلاة الجنازة، كما هو قول كثير من العلماء، ومذهب أبي حنيفة، وأحمد في رواية عنه، وذكر أحمد أنه قول أكثر العلماء: ابن عباس ومن بعده - وذكر الحسن والنخعي وجماعة.

ومن منع من ذلك كمالك والشافعي وأحمد - في الرواية الأخرى -؛ فإنهم قد يفرقون بأن الطهارة بالماء لصلاة الجنازة شرط، فلا يسقط مع القدرة عليه خشية
الفوات، بخلاف الطهارة لرد السلام ونحوه من الذكر، فأنها ليست بشرط فخف أمرها.

وقد أجاب بهذا طائفة من الفقهاء من الشافعية، منهم: الماوردي وأبو الطيب الطبري ونصر المقدسي وغيرهم.
وهذا موافق لما تقدم حكايته عن أبي المعالي والغزالي.

والعجب أن صاحب ( ( شرح المهذب) ) حكى ذلك كله في موضعين من
( ( كتابه) ) ، وقال فيما حكاه عن أبي المعالي والغزالي: لا نعرف أحدا وافقهما، وهذا الذي حكاه عن الماوردي وغيره يدل على الموافقة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ، إِذَا لَمْ يَجِدِ

الْمَاءَ، وَخَافَ فَوْتَ الصَّلاَةِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ..
     وَقَالَ 
الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ وَلاَ يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ يَتَيَمَّمُ
وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَحَضَرَتِ الْعَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ.

( باب) حكم ( التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء) أصلاً أو كان موجودًا لكنه لا يقدر على تحصيله
كما إذا وجده في بئر وليس عنده آلة الاستقاء أو حال بينه وبينه عدو أو سبع ( وخاف) وللأصيلي
فخاف ( فوت) وقت ( الصلاة) تيمم ( وبه) أي بتيمم الحاضر الخائف فوت الوقت عند فقد الماء ( قال
عطاء)
هو ابن أبي رباح فيما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه، وبه قال الشافعي لكن مع القضاء لندرة
فقد الماء في الحضر بخلاف السفر.
وفي شرح الطحاوي من الحنفية: التيمم في الحضر لا يجوز إلا
في ثلاث: إذا خاف فوت الجنازة إن توضأ، أو فوت صلاة العيد، أو خاف الجنب من البرد بسبب
الاغتسال.


( وقال الحسن) البصري مما وصله القاضي إسماعيل في الأحكام من وجه صحيح ( في المريض
عنده الماء ولا يجد من يناوله)
الماء ويعينه على استعماله ( يتيمم) ، بل عند الشافعية يتيمم إذا خاف من
الماء محذورًا وإن وجد معينًا ولا يجب عليه القضاء، وفي رواية تيمم بصيغة الماضي.

( وأقبل ابن عمر) بن الخطاب ومعه نافع مما وصله في الموطأ ( من أرضه بالجر) بضم الجيم
والراء وقد تسكن ما تجرفه السيول وتأكله من الأرض، والمراد به هنا موضع قريب من المدينة على ثلاثة
أميال منها إلى جهة الشام.
وقال ابن إسحاق: على فرسخ كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو
( فحضرت العصر) أي صلاتها ( بمربد النعم) بفتح الميم كما في الفرع.
ورواه السفاقسي والجمهور
على كسرها، وهو الموافق للغة وبسكون الراء وفتح الموحدة آخره مهملة موضع تحبس فيه الإبل
والغنم وهو هنا على ميلين من المدينة، ( فصلى) أي بعد أن تيمم كما في رواية مالك وغيره،
وللشافعي ثم صلى العصر ( ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة) عن الأفق، ( فلم يعد) أي الصلاة.

وهذا يدل على أن ابن عمر كان يرى جواز التيمم للحاضر لأن السفر القصير في حكم الحضر،
وظاهره أن ابن عمر لم يراعِ خروج الوقت لأنه دخل المدينة والشمس مرتفعة، لكن يحتمل أنه ظن أنه
لا يصل إلا بعد الغروب أو تيمم لا عن حدث، وإنما أراد تجديد الوضوء فلم يجد الماء، فاقتصر على
التيمم بدل الوضوء.
وقد ذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر، وأوجبها
الشافعي لندور ذلك: وعن أبي يوسف وزفر: لا يصلي إلا أن يجد الماء ولو خرج الوقت.

فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الترجمة وهذا؟ أجيب: من كونه تيمم في الحضر لأن السفر
القصير في حكم الحضر كما مرّ وإن كان المؤلف لم يذكر التيمم، لكن قال العيني: الظاهر أن حذفه
من الناسخ واستمر الأمر عليه.


[ قــ :334 ... غــ : 337 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ.

وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير نسبة لجده لشهرته به
المخزومي المصري ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي
المصري، وفي رواية الإسماعيلي.
حدّثني جعفر ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني، ولابن
عساكر كما في الفرع عن حميد الأعرج وهو ابن قيس المكي أبو صفوان القاري من السادسة، توفي
سنة ثلاثين أو بعدها ( قال) :

( سمعت عميرًا) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله الهاشمي ( مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا
وعبد الله بن يسار)
بفتح المثناة التحتية والسين المهملة ( مولى ميمونة زوج النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حتى دخلنا على
أبي جهيم بن الحارث)
بالمثلثة، وجهيم بضم الجيم وفتح الهاء بالتصغير عبد الله ( ابن الصمة) بكسر

الصاد المهملة وتشديد الميم ابن عمرو بن عتيك الخزرجي ( الأنصاري، فقال أبو جهيم) وللأصيلي
وأبي الوقت أبو الجهيم ولابن عساكر فقال الأنصاري: ( أقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نحو بئر جمل) بالجيم
والميم المفتوحتين موضع بقرب المدينة أي من جهة الموضع الذي يعرف ببئر الجمل، ( فلقيه رجل) هو
أبو الجهيم الراوي كما صرّح به الشافعي في روايته، ( فسلم عليه فلم يردّ عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحركات
الثلاث في دال يرد الكسر لأنه الأصل والفتح لأنه أخف، وهو الذي في الفرع وغيره والضم لاتباع
الراء ( حتى أقبل على الجدار) الذي هناك وكان مباحًا فحتّه بعصًا ثم ضرب يده على الحائط ( فمسح
بوجهه ويديه)
وللأصيلي وأبي الوقت: وبيديه بزيادة الموحدة، وللدارقطني وغيره ومسح وجهه
وذراعيه، ( ثم ردَّ عليه) أي على الرجل ( السلام) زاد في رواية الطبراني في الأوسط، وقال: إنه لم
يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنت على غير طهر أي أنه كره أن يذكر الله على غير طهارة.
قال ابن
الجوزي: لأن السلام من أسماء الله تعالى لكنه منسوخ بآية الوضوء، أو بحديث عائشة كان عليه
الصلاة والسلام يذكر الله على كل أحيانه، قال النووي: والحديث محمول على أنه عليه السلام كان
عادمًا للماء حال التيمم لامتناع التيمم مع القدرة سواء كان لفرض أو نفل.
قال في الفتح: وهو
مقتضى صنيع البخاري، لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب
وهو إرادة ذكر الله فلم يرد به استباحة الصلاة.

وأجيب: بأنه لما تيمم في الحضر لردّ السلام مع جوازه بدون الطهارة، فمن خشي فوات
الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى، واستدل به على جواز التيمم على الحجر لأن حيطان
المدينة مبنية بحجارة سود.

وأجيب: بأن الغالب وجود الغبار على الجدار، ولا سيما وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام
حتّ الجدار بالعصا ثم تيمم كما في رواية الشافعي، فيحمل المطلق على المقيد.

ورواة هذا الحديث السبعة ما بين مدنيين ومصريين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم
وأبو داود والنسائي في الطهارة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ التَّيمُّمِ فِي الحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الماءَ وَخافَ فَوْتَ الصَّلاة)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم التَّيَمُّم فِي الْحَضَر إِلَى آخِره، ذكر قيدين: أَحدهمَا: فقدان المَاء، وَالْآخر: خَوفه خُرُوج وَقت الصَّلَاة، وَيدخل فِي فقدان المَاء عدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَإِن كَانَ واجداً نَحْو مَا إِذا وجده فِي بِئْر وَلَيْسَ عِنْده آلَة الاستقاء، أَو كَانَ بَينه وَبَينه سبع أَو عَدو.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْبابُُ الأول كَانَ فِي عادم المَاء فِي السّفر، وَهَذَا فِي عادم المَاء فِي الْحَضَر، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف يدل على مَا تقدمه، تَقْدِيره: إِذا لم يجد المَاء وَخَافَ فَوت وَقت الصَّلَاة يتَيَمَّم.

وَبِهِ قالَ عَطاءٌ.

أَي: وَبِمَا ذكر من أَن فَاقِد المَاء فِي الْحَضَر الْخَائِف فَوت الْوَقْت يتَيَمَّم.
قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح:.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَي بِهَذَا الْمَذْهَب.
قلت: الْمَعْنى الَّذِي يُسْتَفَاد من التَّرْكِيب مَا ذكرته، وَلَا يرد عَلَيْهِ شَيْء، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) مَوْصُولا عَن عمر عَن ابْن جريج عَن عَطاء.
قَالَ: (إِذا كنت فِي الْحَضَر وَحَضَرت الصَّلَاة وَلَيْسَ عنْدك مَاء فانتظر المَاء، فَإِن خشيت فَوت الصَّلَاة فَتَيَمم وصلِّ) ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَبقول عَطاء قَالَ الشَّافِعِي.
قلت: مَذْهَبنَا جَوَاز التَّيَمُّم لعادم المَاء فِي الْأَمْصَار، ذكره فِي (الْأَسْرَار) .
وَفِي (شرح الطَّحَاوِيّ) : التَّيَمُّم فِي الْمصر لَا يجوز إلاَّ فِي ثَلَاث.
إِحْدَاهَا: إِذا خَافَ فَوت صَلَاة الْجِنَازَة إِن تَوَضَّأ.
وَالثَّانيَِة: عِنْد خوف فَوت صَلَاة الْعِيد.
وَالثَّالِثَة: عِنْد خوف الْجنب من الْبرد بِسَبَب الِاغْتِسَال..
     وَقَالَ  الإِمَام التُّمُرْتَاشِيّ: من عدم المَاء فِي الْمصر لَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم لِأَنَّهُ نَادِر.
قلت: الأَصْل جَوَاز التَّيَمُّم لعادم المَاء، سَوَاء كَانَ فِي الْمصر أَو خَارجه لعُمُوم النُّصُوص، وَفِي (كتاب الْأَحْكَام) لِابْنِ بزيزة؛ الْحَاضِر الصَّحِيح يعْدم المَاء، هَل يتَيَمَّم أَو لَا؟ قَالَت طَائِفَة: يتَيَمَّم، وَهُوَ مَذْهَب ابْن عمر وَعَطَاء وَالْحسن وَجُمْهُور الْعلمَاء،.

     وَقَالَ  قوم من الْعلمَاء: لَا يتَيَمَّم؛ وَعَن أبي حنيفَة يسْتَحبّ لعادم المَاء وَهُوَ يرجوه أَن يُؤَخر الصَّلَاة إِلَى آخر الْوَقْت ليَقَع الآداء بأكمل الطهارتين.
وَعَن مُحَمَّد: إِن خَافَ فَوت الْوَقْت يتَيَمَّم.
وَفِي (شرح الأقطع) : التَّأْخِير عَن أبي حنيفَة وَيَعْقُوب حتم، كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن عَليّ رَضِي اعنه: (إِذا أجنب الرجل فِي السّفر تلوم مَا بَينه وَبَين آخر الْوَقْت، فَإِن لم يجد المَاء تيَمّم ثمَّ صلى) ..
     وَقَالَ  ابْن حزم: وَبِه قَالَ سُفْيَان بن سعيد وَأحمد بن حَنْبَل وَعَطَاء..
     وَقَالَ  مَالك: لَا يعجل وَلَا يُؤَخر، وَلَكِن فِي وسط الْوَقْت..
     وَقَالَ  مرّة: إِن أَيقَن بِوُجُود المَاء قبل خُرُوج الْوَقْت أَخّرهُ إِلَى وسط الْوَقْت، وَإِن كَانَ موقناً أَنه لَا يجد المَاء حَتَّى يخرج الْوَقْت فيتيمم فِي أول الْوَقْت وَيُصلي.
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ.
كل ذَلِك سَوَاء.
وَعند مَالك: إِذا وجد الْحَاضِر المَاء فِي الْوَقْت هَل يُعِيد أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ فِي (الْمُدَوَّنَة) وَقيل: إِنَّه يُعِيد أبدا.

وقالَ الحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْماءُ وَلاَ يَجِدُ مَنْ يُناوِلُهُ يَتيَمَّمُ.

أَي: الْحسن الْبَصْرِيّ، رَضِي اعنه.
قَوْله: (المَاء) فِي بعض النّسخ: مَاء، بِلَا لَام.
قَوْله: (من يناوله) أَي: يُعْطِيهِ ويساعده على اسْتِعْمَاله.
وَجَاز عِنْد الشَّافِعِي: وَإِن وجد من يناوله بِالْمرضِ الَّذِي يخَاف من الْغسْل مَعَه محذوراً، وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.
قَوْله: (يتَيَمَّم) ، وَفِي بَعْضهَا: (تيَمّم) ، على صِيغَة الْمَاضِي، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن الْحسن وَابْن سِيرِين قَالَا: (لَا يتَيَمَّم مَا رجى أَن يقدر على المَاء فِي الْوَقْت) ، وَهَذَا فِي الْمَعْنى مَا ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا.

وَأقْبَلَ ابنُ عُمَرَ منْ أرْضِهِ بِالْجرُفِ فَحَضَرَتِ العَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ فَصَلَّى ثُمَّ دَخَلَ المَدِينَةَ والشَّمسُ مرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ.

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.

الأول: أَن هَذَا التَّعْلِيق فِي موطأ مَالك: (عَن نَافِع أَنه أقبل هُوَ وَعبد امن الجرف حَتَّى إِذا كَانَا بِالْمَدِينَةِ نزل عبد افتيمم صَعِيدا طيبا، فَمسح وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين ثمَّ صلى) ، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن عجلَان عَن نَافِع عَن ابْن ابْن عمر بِلَفْظ: (ثمَّ صلى الْعَصْر ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة فَلم يعد الصَّلَاة) .
قَالَ الشَّافِعِي: والجرف قريب من الْمَدِينَة.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مُحَمَّد بن أبي رزين: حدّثنا هِشَام بن حسان عَن عبيد اعن نَافِع عَن عبد ا: (أَن النَّبِي تيَمّم وَهُوَ ينظر إِلَى بيُوت الْمَدِينَة بمَكَان يُقَال لَهُ: مربد النعم) ، ثمَّ قَالَ: تفرد عمر بن مُحَمَّد بِإِسْنَادِهِ هَذَا، وَالْمَحْفُوظ عَن نَافِع عَن ابْن عمر من فعله، وَفِي (سنَن الدَّارَقُطْنِيّ) قَالَ: حدّثنا ابْن صاعد حدّثنا ابْن زنبور حدّثنا فُضَيْل بن عِيَاض عَن ابْن عجلَان عَن نَافِع أَن ابْن عمر تيَمّم وَصلى وَهُوَ على ثَلَاثَة أَمْيَال أَو ميلين من الْمَدِينَة.
وَفِي حَدِيث يحيى بن سعيد عَن نَافِع: تيَمّم عبد اعلى ثَلَاثَة أَمْيَال أَو ميلين من الْمَدِينَة.
وَفِي خبر عمر بن زُرَارَة من طَرِيق مُوسَى بن ميسرَة.
عَن ابْن عمر مثله.

النَّوْع الثَّانِي: أَن البُخَارِيّ ذكر هَذَا مُعَلّقا مُخْتَصرا وَلم يذكر فِيهِ التَّيَمُّم، مَعَ أَنه لَا يُطَابق تَرْجَمَة الْبابُُ إلاَّ بِهِ..
     وَقَالَ  بَعضهم: لم يظْهر لي سَبَب حذفه قلت: الَّذِي يظْهر لي أَن ترك هَذَا مَا هُوَ من البُخَارِيّ، وَالظَّاهِر أَنه من النَّاسِخ، وَاسْتمرّ الْأَمر عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ وَجه غير هَذَا.
الثَّالِث: فِي لغاته.
فَقَوله: (بالجرف) بِضَم الْجِيم وَالرَّاء، وَقد تسكن الرَّاء: وَهُوَ مَا تجْرِي فِيهِ السُّيُول وأكلته من الأَرْض، وَهُوَ جمع: جرفة، بِكَسْر الْجِيم وَفتح الرَّاء.
وَزعم الزبير: أَن الجرفة على ميل من الْمَدِينَة..
     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: على فَرسَخ، وَهُنَاكَ كَانَ الْمُسلمُونَ يعسكرون إِذا أَرَادوا الْغَزْو.
وَزعم ابْن قر قَول أَنه على ثَلَاثَة أَمْيَال إِلَى جِهَة الشَّام، بِهِ مَال عمر وأموال أهل الْمَدِينَة، وَيعرف ببئر جشم وبئر جمل.
قَوْله: (بمربد النعم) .
قَالَ السفاقسي: روينَاهُ بِفَتْح الْمِيم، وَهُوَ فِي اللُّغَة بِكَسْرِهَا، وَفِي (الْمُحكم) : المربد محبس الْإِبِل، وَقيل: هِيَ من خَشَبَة أَو عصى تعترض صُدُور الْإِبِل فتمنعها من الْخُرُوج، ومربد الْبَصْرَة من ذَلِك لأَنهم كَانُوا يحبسون فِيهِ الْإِبِل، والمربد: فضاء وَرَاء الْبيُوت ترتفق بِهِ، والمربد: كالحجرة فِي الدَّار، ومربد التَّمْر: جرينه الَّذِي يوضع فِيهِ بعد الْجذاذ لييبس..
     وَقَالَ  سِيبَوَيْهٍ: هُوَ اسْم كالمسطح، وَإِنَّمَا مثله بِهِ لِأَن المسطح ييبس..
     وَقَالَ  السُّهيْلي: المربد والجرين والمسطح والبيدر والاندر والجرجار: لُغَات بِمَعْنى وَاحِد.
قَوْله: (النعم) ، بِفَتْح النُّون وَالْعين: وَهُوَ المَال الراعية، وَأكْثر مَا يَقع هَذَا الِاسْم على الْإِبِل.

الرَّابِع فِي حكم الْأَثر الْمَذْكُور: وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَاز التَّيَمُّم للحضري، لِأَن من يُجِيز التَّيَمُّم فِي السّفر يقصره على السّفر الَّذِي تقصر فِيهِ الصَّلَاة.
قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: إِنَّمَا تيَمّم ابْن عمر بالمربد لِأَنَّهُ خَافَ فَوت الْوَقْت.
قيل: لَعَلَّه يُرِيد فَوَات الْوَقْت الْمُسْتَحبّ وَهُوَ أَن تصفر الشَّمْس.
وَقَوله: (وَالشَّمْس مُرْتَفعَة) يحْتَمل أَن تكون مُرْتَفعَة عَن الْأُفق والصفرة دَخَلتهَا، وَيحْتَمل أَن يكون ظن أَنه لَا يدْخل الْمَدِينَة حَتَّى يخرج الْوَقْت فَتَيَمم على ذَلِك الِاجْتِهَاد..
     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: من رجا إِدْرَاك المَاء فِي آخر الْوَقْت فَتَيَمم فِي أَوله وَصلى أَجزَأَهُ وَيُعِيد فِي الْوَقْت اسْتِحْبابُُا، فَيحْتَمل أَن ابْن عمر كَانَ يرى هَذَا..
     وَقَالَ  سَحْنُون فِي (شرح الْمُوَطَّأ) كَانَ ابْن عمر على وضوء لِأَنَّهُ كَانَ يتَوَضَّأ لكل صَلَاة، فَجعل التَّيَمُّم عِنْد عدم المَاء عوض الْوضُوء، وَقيل: كَانَ ابْن عمر يرى أَن الْوَقْت إِذا دخل حل التَّيَمُّم، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُؤَخر لقَوْله تَعَالَى: { فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} (النِّسَاء: 34، والمائدة: 6) .



[ قــ :334 ... غــ :337 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيى بنُ بُكيْر قَالَ حدّثنا اللَّيْثُ عَن جَعْفَرِ بنِ ربِيعةَ عنِ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْراً مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ أقْبَلْتُ أَنا وعَبْدُ اللَّهِ بنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النبيِّ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أبِي جُهَيْمِ بنِ الْحَارِثِ بنِ الصِّمَّةِ الأَنصَارِيِّ فقالَ أبُو الجُهيْمِ أقْبَلَ النَّبيُّ منْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عليهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النبيُّ حَتى أقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيه السَّلاَمَ.

وَجه مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة هُوَ أَن النَّبِي لما تيَمّم فِي الْحَضَر لرد السَّلَام، وَكَانَ لَهُ أَن يردهُ عَلَيْهِ قبل تيَمّمه، دلّ ذَلِك أَنه إِذا خشِي فَوَات الْوَقْت فِي الصَّلَاة فِي الْحَضَر أَن لَهُ التَّيَمُّم، بل ذَلِك آكِد، لِأَنَّهُ لَا تجوز الصَّلَاة بِغَيْر وضوء وَلَا تيَمّم، وَيجوز السَّلَام بِغَيْرِهِمَا.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة.
الأول: يحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد ابْن بكير القريشي المَخْزُومِي، أَبُو زَكَرِيَّا الْمصْرِيّ.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد، الإِمَام الْمَشْهُور.
الثَّالِث: جَعْفَر بن ربيعَة بن شُرَحْبِيل الْكِنْدِيّ الْمصْرِيّ، مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
الرَّابِع: الْأَعْرَج وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز راوية أبي هُرَيْرَة، تقدم فِي بابُُ حب الرَّسُول من الْإِيمَان.
الْخَامِس: عُمَيْر مصغر عَمْرو بن عبد االهاشمي، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وَمِائَة.
السَّادِس: عبد ابْن يسَار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة: الْمدنِي الْهِلَالِي.
السَّابِع: أَبُو جهيم، بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: هُوَ عبد ابْن الْحَارِث بن الصمَّة، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم: الصَّحَابِيّ الخزرجي.
وللبخاري حديثان عَنهُ، ويروى: أَبُو الْجُهَيْم بِالْألف وَاللَّام،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: أَبُو جهيم.
وَيُقَال: أَبُو الْجُهَيْم بن الْحَارِث بن الصمَّة، كَانَ أَبوهُ من كبار الصَّحَابَة، وَأَبُو جهم عبد ابْن جهيم.
قَالَ أَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه: أَبُو جهيم وَابْن الصمَّة وَاحِد.
وَكَذَا قَالَه مُسلم فِي بعض كتبه، وجعلهما ابْن عبد الْبر اثْنَيْنِ.
وَعَن ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه قَالَ: وَيُقَال: أَبُو الْجُهَيْم هُوَ الْحَارِث بن الصمَّة، فعلى هَذَا تكون لَفْظَة: ابْن فِي متن الحَدِيث زَائِدَة، لَكِن صحّح أَبُو حَاتِم أَن الْحَارِث اسْم لِأَبِيهِ لَا اسْمه، وَفِي الصَّحَابَة شخص آخر يُقَال لَهُ: أَبُو الجهم، وَهُوَ صَاحب الأنبجانية، وَهُوَ غير هَذَا لِأَنَّهُ قريشي وَهَذَا أَنْصَارِي.
قلت: أَبُو الجهم هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَه الذَّهَبِيّ: أَبُو جهم عبد ابْن جهيم.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين، وَلَكِن فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنِي جَعْفَر.
وَفِيه: أَن نصف الْإِسْنَاد الأول مصريون، وَالنّصف الثَّانِي مدنيون.
وَفِيه: عُمَيْر مولى ابْن عَبَّاس، كَذَا هَهُنَا، وَهُوَ مولى أم الْفضل بنت الْحَارِث وَالِدَة ابْن عَبَّاس، وَإِذا كَانَ مولى أم الْفضل فَهُوَ مولى أَوْلَادهَا.
وَقد روى ابْن إِسْحَاق هَذَا الحَدِيث.

     وَقَالَ : مولى عبيد ابْن عَبَّاس، وَقد روى مُوسَى بن عقبَة وَابْن لَهِيعَة وَأَبُو الْحُوَيْرِث هَذَا الحَدِيث عَن الْأَعْرَج عَن أبي الْجُهَيْم وَلم يذكرُوا بَينهَا عُمَيْرًا، وَالصَّوَاب إثْبَاته، وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر عَن أم الْفضل.
وَفِيه: رِوَايَة الْأَعْرَج عَنهُ رِوَايَة الأقران.
وَفِيه: السماع وَالْقَوْل.
وَفِيه: عبد ابْن يسَار، وَهُوَ أَخُو عَطاء بن يسَار التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وَوَقع عِنْد مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث: عبد ابْن يسَار وَهُوَ وهم، وَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث رِوَايَة، وَلِهَذَا لم يذكرهُ المصنفون فِي رجال الصَّحِيحَيْنِ.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة،.

     وَقَالَ : روى اللَّيْث فَذكره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن سعد عَن أَبِيه عَن جده.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن شُعَيْب بن اللَّيْث بِهِ، وَمُسلم ذكر هَذَا الحَدِيث منقعطاً وَهُوَ مَوْصُول على شَرطه، وَفِيه عبد الرَّحْمَن بن يسَار، وَهُوَ وهم، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِيه أَبُو الجهم مكبراً وَهُوَ أَبُو الْجُهَيْم مُصَغرًا، وروى الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن الْأَعْرَج عَن أبي جهيم بن الصمَّة.
قَالَ: (مَرَرْت على النَّبِي وَهُوَ يَبُول فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عليَّ حَتَّى قَامَ إِلَى جِدَار فحته بعصاً كَانَت مَعَه، ثمَّ وضع يَده على الْجِدَار فَمسح وَجهه وذراعيه ثمَّ رد عَليّ) ، قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.

ذكر مَعْنَاهُ وَمَا ورد فِيهِ من الرِّوَايَات: قَوْله: (من نَحْو بِئْر جمل) ، أَي: من جِهَة الْموضع الَّذِي يعرف ببئر جمل، بِالْجِيم وَالْمِيم المفتوحتين.
ويروى: (ببئر الْجمل) ، بِالْألف وَاللَّام، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَهُوَ مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة فِيهِ مَال من أموالها.
قَوْله: (فَلَقِيَهُ رجل) ، هُوَ أَبُو الْجُهَيْم الرَّاوِي، وَقد صرح بِهِ الشَّافِعِي فِي حَدِيثه الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن.
قَوْله: (فَلم يرد) ، يجوز فِي داله الحركات الثَّلَاث: الْكسر، لِأَنَّهُ الأَصْل؛ وَالْفَتْح، لِأَنَّهُ أخف؛ وَالضَّم لإتباع الرَّاء.
قَوْله: (حَتَّى أقبل على الْجِدَار) الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد الْخَارِجِي، أَي: جِدَار هُنَاكَ، والجدار كَانَ مُبَاحا فَلم يحْتَج إِلَى الْإِذْن فِي ذَلِك، أَو كَانَ مَمْلُوكا لغيره وَكَانَ رَاضِيا بِهِ.
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) : (حَتَّى إِذا كَانَ الرجل أَن يتَوَارَى فِي السِّكَّة ضرب بيدَيْهِ على الْحَائِط فَمسح ذِرَاعَيْهِ ثمَّ رد على الرجل السَّلَام،.

     وَقَالَ : إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إلاَّ أَنِّي كنت على غير طهر) .
وَعند أبي دَاوُد، من حَدِيث حَيْوَة عَن ابْن الْهَاد: أَن نَافِعًا حَدثهُ عَن ابْن عمر قَالَ: (أقبل رَسُول الله من الْغَائِط، فَلَقِيَهُ رجل عِنْد بِئْر جمل فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ رَسُول الله حَتَّى أقبل على الْحَائِط فَوضع يَده عَلَيْهِ ثمَّ مسح وَجهه وَيَديه ثمَّ رد على الرجل السَّلَام) .
وَعند الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح: (عَن نَافِع عَنهُ أَن رجلا مر على النَّبِي وَهُوَ يَبُول، فَسلم عَلَيْهِ الرجل فَرد عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا جاوزه ناداه عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: (إِنَّمَا حَملَنِي على الرَّد عَلَيْك خشيَة أَن تذْهب فَتَقول: إِنِّي سلمت على النَّبِي فَلم يرد عَليّ، فَذا رَأَيْتنِي على هَذِه الْحَالة فَلَا تسلم عَليّ فَإنَّك إِن تفعل لَا أرد عَلَيْك) .
وَعند الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب (أنهُ سلم على النَّبِي وَهُوَ يَبُول فَلم يرد عَلَيْهِ حَتَّى فرغ) ، وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة بِسَنَد فِيهِ ضعف، قَالَ: (سلمت على النَّبِي وَهُوَ يَبُول فَلم يرد عَليّ، ثمَّ دخل إِلَى بَيته فَتَوَضَّأ ثمَّ خرج فَقَالَ: (وَعَلَيْك السَّلَام) .
وَعند الْحَاكِم من حغيث الْمُهَاجِرين قنقذ، قَالَ: (أتيت النَّبِي، وَهُوَ يتَوَضَّأ فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ، فَلَمَّا فرغ من وضوئِهِ قَالَ: (إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إلاَّ أَنِّي كنت على غير وضوء) .
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَلَفظه: (إلاَّ أَنِّي كرهت أَن أذكر اإلاَّ على طَهَارَة) .
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَلَفظه: (فَلم يرد حَتَّى تَوَضَّأ ثمَّ اعتذر إِلَيْهِ، قَالَ: (إِنِّي كرهت أَن أذكر اإلاَّ على طهر، أَو على طَهَارَة) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ، وَزَاد: (فَقُمْت مهموماً، فَدَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ ورد عَليّ،.

     وَقَالَ : (إِنِّي كرهت أَن أذكر اعلى غير وضوءه) وَعند ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (مر رجل على النَّبِي، وَهُوَ يَبُول، فَسلم فَلم يرد عَلَيْهِ، فَلَمَّا فرغ ضرب بكفيه الأَرْض فَتَيَمم ثمَّ رد عَلَيْهِ السَّلَام) .
ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ: مِنْهَا: مَا قَالَ ابْن التِّين، قَالَ بَعضهم: يستنبط مِنْهُ جَوَاز التَّيَمُّم فِي الْحَضَر، وَعَلِيهِ بوب البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِيهِ التَّيَمُّم للحضر إلاَّ أَنه لَا دَلِيل فِيهِ أَنه رفع بذلك التَّيَمُّم الْحَدث رفعا استباح بِهِ الصَّلَاة، لِأَنَّهُ إِنَّمَا فعله كَرَاهَة أَن يذكر اعلى غير طَهَارَة، كَذَا رَوَاهُ حَمَّاد فِي (مُصَنفه).

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: كره أَن يرد عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَنَّهُ اسْم من أَسمَاء اتعالى، أَو يكون هَذَا فِي أول الْأَمر ثمَّ اسْتَقر الْأَمر على غير ذَلِك.
وَفِي (شرح الطَّحَاوِيّ) حَدِيث الْمَنْع من رد السَّلَام مَنْسُوخ بِآيَة الْوضُوء؛ وَقيل: بِحَدِيث عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا: كَانَ يذكر اعلى كل أحيانه، وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي حَدِيث رَوَاهُ جَابر الْجعْفِيّ عَن عبد ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر بن حزم عَن عبد ابْن عَلْقَمَة بن الغفراء عَن أَبِيه قَالَ: (كَانَ النَّبِي إِذا أَرَادَ المَاء نكلمه فَلَا يُكَلِّمنَا ونسلم عَلَيْهِ فَلَا يسلم علينا حَتَّى نزلت آيَة الرُّخْصَة { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} (النِّسَاء: 34، والمائدة: 6).

     وَقَالَ  ابْن دَقِيق الْعِيد: هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث المُهَاجر بن قنفذ مَعْلُول ومعارض، أما كَونه معلولاً فَلِأَن سعيد بن أبي عرُوبَة كَانَ قد اخْتَلَط فِي آخر عمره، فيراعى فِيهِ سَماع من سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط، وَقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنه لم يَمْنعنِي إِلَى آخِره، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد وَغَيره عَن الْحسن عَن مهَاجر مُنْقَطِعًا، فَصَارَ فِيهِ ثَلَاث علل.

ب 05 2 وَأما كَونه مُعَارضا، فَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث كريب عَن ابْن عَبَّاس.
قَالَ: (بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة) .
الحَدِيث، فَفِي هَذَا مَا يدل على جَوَاز ذكر اسْم اوقراءة الْقُرْآن مَعَ الْحَدث، وَزعم الْحسن أَن حَدِيث مهَاجر غير مَنْسُوخ، وَتمسك بِمُقْتَضَاهُ، فَأوجب الطَّهَارَة للذّكر، وَقيل: يتَأَوَّل الْخَبَر على الِاسْتِحْبابُُ، لِأَن ابْن عمر: مِمَّن روى فِي هَذَا الْبابُُ، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب روى ذَلِك، والصحابي الرَّاوِي أعلم بِالْمَقْصُودِ.
وَمِنْهَا: أَنه اسْتدلَّ بِهِ بعض أَصْحَابنَا على جَوَاز التَّيَمُّم على الْحجر، قَالَ: وَذَلِكَ لِأَن حيطان الْمَدِينَة مَبْنِيَّة بحجارة سود..
     وَقَالَ  ابْن بطال، فِي تيَمّم النَّبِي بالجدار رد على الشَّافِعِي فِي اشْتِرَاط التُّرَاب، لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنه لم يعلق بِهِ تُرَاب، إِذْ لَا تُرَاب على الْجِدَار.

وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول لَيْسَ فِيهِ رد على الشَّافِعِي إِذْ لَيْسَ مَعْلُوما أَنه لم يعلق بِهِ تُرَاب، وَمَا ذَاك إلاَّ تحكم بَارِد إِذْ الْجِدَار قد يكون عَلَيْهِ التُّرَاب وَقد لَا يكون، بل الْغَالِب وجود الْغُبَار على الْجِدَار، مَعَ أَنه قد ثَبت أَنه حت الْجِدَار بالعصا ثمَّ تيَمّم، فَيجب حمل الْمُطلق على الْمُقَيد.
انْتهى.
قلت: الْجِدَار إِذا كَانَ من حجر لَا يحْتَمل التُّرَاب لِأَنَّهُ لَا يثبت عَلَيْهِ، خُصُوصا جدران الْمَدِينَة، لِأَنَّهَا من صَخْرَة سَوْدَاء.
وَقَوله؛ مَعَ أَنه ثَبت ... الخ، مَمْنُوع لِأَن حت الْجِدَار بالعصا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف.
فَإِن قلت: حسنه الْبَغَوِيّ كَمَا ذكرنَا.
قلت: كَيفَ حسنه وَشَيخ الشَّافِعِي وَشَيخ شَيْخه ضعيفان لَا يحْتَج بهما؟ قَالَه مَالك وَغَيره، وَأَيْضًا فَهُوَ مُنْقَطع، لِأَن مَا بَين الْأَعْرَج وَأبي جهيم عُمَيْر كَمَا سبق من عِنْد البُخَارِيّ وَغَيره، وَنَصّ عَلَيْهِ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره، وَفِيه عِلّة أُخْرَى وَهِي زِيَادَة حك الْجِدَار لم يَأْتِ بهَا أحد غير إِبْرَاهِيم، والْحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة كَمَا ذَكرْنَاهُ وَلَيْسَ فِي حَدِيث أحدهم هَذِه الزِّيَادَة، وَالزِّيَادَة إِنَّمَا تقبل من ثِقَة، وَلَو وقف الْكرْمَانِي على مَا ذكرنَا لما قَالَ: مَعَ أَنه قد ثَبت أَنه، حت الْجِدَار بالعصا.
وَمِنْهَا: أَنه اسْتدلَّ بِهِ الطَّحَاوِيّ على جَوَاز التَّيَمُّم للجنازة عِنْد خوف فَوَاتهَا، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ، لِأَنَّهُ، تيَمّم لرد السَّلَام فِي الْحَضَر لأجل فَوت الرَّد، وَإِن كَانَ لَيْسَ شرطا، وَمنع مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد ذَلِك وَهُوَ حجَّة عَلَيْهِم.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على جَوَاز التَّيَمُّم للنوافل كالفرائض؛.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : وَأبْعد من خصّه من أَصْحَابنَا بالفرائض.
وَمِنْهَا: أَن التَّيَمُّم مسح الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ، لقَوْله: فَمسح بِوَجْهِهِ وَيَديه.
فَإِن قلت: أطلق يَدَيْهِ فَيتَنَاوَل إِلَى الْكَفَّيْنِ وَإِلَى الْمرْفقين وَإِلَى مَا وَرَاء ذَلِك.
قلت: المُرَاد مِنْهُ ذِرَاعَيْهِ، ويفسره رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فِي هَذَا الحَدِيث: فَمسح بِوَجْهِهِ وذراعيه، وَفِيه خلاف بَين الْعلمَاء، وَسَيَأْتِي بَيَانه إِن شَاءَ اتعالى عَن قريب.