هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3321 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ ، وَالنِّعَالِ ، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ ، وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالْقُرَى ، قَالَ : مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ، قَالَ : فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا ، وَلَمْ يَذْكُرِ الرِّيفَ وَالْقُرَى
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3321 حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد ، والنعال ، ثم جلد أبو بكر أربعين ، فلما كان عمر ، ودنا الناس من الريف والقرى ، قال : ما ترون في جلد الخمر ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : أرى أن تجعلها كأخف الحدود ، قال : فجلد عمر ثمانين ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا هشام ، بهذا الإسناد مثله ، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن هشام ، عن قتادة ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين ، ثم ذكر نحو حديثهما ، ولم يذكر الريف والقرى
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين.
فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود.
قال: فجلد عمر ثمانين.


المعنى العام

العقل هبة الله تعالى، ميز به الإنسان على سائر مخلوقات الأرض، به يحس بالخير والشر، فيستكثر من الخير، ويتباعد عن السوء، فالاعتداء على العقل، ولو للحظة واحدة، اعتداء على أقدس مخلوق، وأشرف الأعضاء، والإنسان بجهله أحيانًا يعالج مشاكله بالهروب منها بعض الوقت، مع أنه يعلم يقينًا أنه بذلك لا يحلها، بل ستظل معه حتى يعود إليها، إنه حين يلجأ إلى شرب الخمر، فيغيب عن حقائق حياته، ويدخل في متاهات الفكر، وسراديب الخيال، يهذي، وينفلت لسانه من عقاله، فيسب حيث لا داعي للسب، ويتهارج ويتقاتل، وهو لا يدرك ما يفعل، ويكشف سرًا، ويهتك سترًا، ويقلب صورته التي خلقها الله في أحسن تقويم، إلى شبح متمايل، وهيكل مترنح مضحك، مثير للسخرية منه والاستهزاء به.

من هنا حرم الله شرب الخمر، وجعل لشاربها عقابًا وحدًا زاجرًا لمن له قلب أو ألقى السمع، عقاب يسوده الإهانة والذلة، وهو الضرب بالنعال أربعين، يضربه عامة الناس، وإن كان الشارب من الخاصة، يضربه العظيم والحقير، والشريف والوضيع، مهما كان الشارب شريفًا، فهذا الوليد بن عقبة، في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وهو أخوه لأمه، وقد عينه واليًا على الكوفة، يشرب ويسكر، فيأتي به رعيته إلى عثمان فيأمر بضربه، ثم عزله، نعم عقاب الخمر رادع للنفوس الأبية الكريمة العزيزة، في زمن كان نور الإسلام يشاغف القلوب، فلما بعد النور، وفي عهد عمر بن الخطاب، ضعفت النفوس، وكثر شاربو الخمر، المستهينون بعقوبته، فاستشار عمر كبار الصحابة أن يضيف إلى حد الخمر زيادة على سبيل التعزير والتخويف، والتأديب والتهذيب، فأشاروا عليه بأن يجعل العقوبة ثمانين ضربة، وأن يجعل الضرب جلدًا بالسوط، بدلاً من الضرب باليد، والثياب والنعال، ففعل، فحسم الداء، وقل المرضى، وأصلح الله بالراعي الحازم القوي أمور المسلمين.

المباحث العربية

( الخمر) اللغة الفصحى تأنيث الخمر، وأثبت بعضهم فيها التذكير، ويقال لها: الخمرة بفتح الخاء وسكون الميم، قيل سميت بذلك لأنها تخامر العقل، أي تخالطه وتغطيه، وقيل: لأنها هي تخمر - بفتح الميم، مبني للمجهول، أي تغطي حتى تغلي، أو لأنها تختمر، كالعجين حين يتفاعل بالخميرة، قال الكرماني: هذا تعريف من حيث اللغة، وأما بحسب العرف فهو ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة، ورده الحافظ ابن حجر، وسيأتي بسط الكلام في ذلك في فقه الحديث.

( أتي برجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه صريحًا، ووقع عند الإسماعيلي أنه النعيمان، وقال ابن عبد البر: إن الذي كان قد أتي به قد شرب الخمر هو ابن النعيمان، فإنه قيل في ترجمة النعيمان: كان رجلاً صالحًا، وكان له ابن انهمك في شرب الخمر، فجلده النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وأظن أن ابن النعيمان جلد في الخمر أكثر من خمسين مرة.

وفي البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلاً كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به، فجلد... فيحتمل هذا ويحتمل غيرهما، فالذين أمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلدوا كثيرون.

( قد شرب الخمر) في رواية للبخاري قد شرب بحذف المفعول، للعلم به، وفي رواية له وهو سكران.

( فجلده) أي أمر بجلده.

( بجريدتين نحو أربعين) قال النووي: اختلفوا في معناه، فأصحابنا يقولون: معناه أن الجريدتين كانتا مفردتين، جلد بكل منهما عددًا، حتى كمل من الجميع أربعون، فالحد أربعون، وقال آخرون ممن يقول: جلد الخمر ثمانون: معناه أنه جمعهما، وجلده بهما أربعين جلدة، فيكون البالغ ثمانين.

قال: وتأويل أصحابنا أظهر، لأن الرواية الأخرى [روايتنا الثانية والثالثة] مبينة لهذه، وأيضًا فحديث علي رضي الله عنه [روايتنا الرابعة] مبين لها.
اهـ وفي الرواية الثانية جلد في الخمر بالجريد والنعال.

( فلما كان عمر استشار الناس) أي فلما كان عمر خليفة استشار الناس، وظاهرها أن الاستشارة وقعت في أول خلافة عمر، وليس كذلك، ففي الرواية الثانية فلما كان عمر، ودنا الناس من الريف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ والريف المواضع التي فيها المياه، والقريبة منها، أي لما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفتحت الشام والعراق، وسكن الناس في الريف، وأقاموا في مواضع الخصب وسعة العيش وكثرة الأعناب والثمار، أكثروا من شرب الخمر، فاستشار عمر في زيادة حد الخمر، تغليظًا عليهم، وزجرًا لهم.

وفي رواية للبخاري عن السائب بن يزيد قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإمرة أبي بكر، فصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا، وفسقوا جلد ثمانين وهذه الرواية ظاهرها أن الاستشارة وقعت في نهاية خلافة عمر، وليس كذلك أيضًا، فإن الذي رجحه ابن حجر أن الاستشارة وقعت وسط إمارته.

والمراد من الناس من كان حوله في مجلسه بالمسجد حينئذ من الصحابة، من المهاجرين والأنصار، ذكروا فيهم عليًا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف.

( فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانين) هكذا وقع لبعض رواة مسلم ثمانين بالنصب ورواية الرفع ثابتة، وأعربت مبتدأ وخبرًا، قال الفاكهي: الذي يظهر أن راوي النصب وهم، واحتمال توهيمه أولى من ارتكاب ما لا يجوز لفظًا ولا معنى، ووجهها بعضهم على تقدير حذف عامل النصب، أي أخف الحدود أجده ثمانين، أو أجد أخف الحدود ثمانين، ويؤيد هذا التوجيه ظاهرالعبارة في الرواية الثانية، ولفظها أرى أن تجعلها - أي تجعل العقوبة، التي هي للخمر حد - كأخف الحدود يعني المنصوص عليها في القرآن، وهي حد السرقة بقطع اليد، وحد الزنا بالجلد مائة، وحد القذف بالجلد ثمانين، فاجعلها ثمانين كأخف هذه الحدود.
فعامل النصب المحذوف تقديره: اجعل الحد أخف الحدود ثمانين، والكلام على التشبيه، أي كأخف الحدود.

وفي رواياتنا أن المشير على عمر رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن عوف، وفي غير مسلم روايات تفيد أن المشير بذلك علي رضي الله عنه، أخرجها مالك والطبراني والطحاوي، والبيهقي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة، ومثلها عند أبي داود والنسائي، ولا تعارض، فقد يكون كل من علي وعبد الرحمن قد أشار بذلك، فذكر بعض الرواة عبد الرحمن لكبره، وذكر آخرون عليًا لفضله.

( فأمر به عمر) أي فأمر بهذا القدر من الجلد عمر، وفي الرواية الثانية فجلد عمر ثمانين.

( عن حضين بن المنذر) قال النووي: هو بالضاد المعجمة، وليس في الصحيح حضين بالمعجمة غيره.

( شهدت عثمان بن عفان، وأتي بالوليد) جملة وأتي بالوليد حالية، أي وقد أتي بالوليد على أنه شرب خمرًا، ليقيم عليه الحد.
والوليد هو ابن عقبة بن أبي معيط الأموي، أخو عثمان بن عفان لأمه، كان أبوه شديدًا على المسلمين، كثير الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ممن أسر ببدر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، نشأ الوليد وتربى في كنف عثمان، فلما استخلف عثمان ولاه الكوفة، بعد عزل سعد بن أبي وقاص، واستعظم الناس ذلك، وصلى بالناس الصبح، فلما فرغ وكان في سكره قال للمصلين: أزيدكم للصبح ركعتين أخريين؟ بل روي أنه صلى بالناس الصبح أربعًا، وهو سكران، فجلده عثمان، وعزله بعد جلده عن الكوفة، وولاها سعيد بن العاص، قيل: كانت ولايته الكوفة سنة خمس وعشرين، وعزل عنها سنة تسع وعشرين، واعتزل الفتنة، ولكنه كان يحرض معاوية على قتال علي، ومات في خلافة معاوية.

( فقال عثمان: يا علي، قم.
فاجلده)
أي فأقم عليه الحد، بنفسك، أو بأن تأمر من ترى بذلك.

قال ذلك لعلي على سبيل التكريم له، وتفويض الأمر إليه في استيفاء الحد، ويحتمل أن عثمان رضي الله عنه أراد أن لا يضرب أخاه لأمه، وواليه على الكوفة أمام عامة الناس، ولذا نرى عليًا، وقد قبل التفويض، يأمر أحب وأقرب الناس إليه، ابنه الأكبر الحسن، ليقوم بالمهمة.

( ول حارها من تولى قارها) الحسن يخاطب أباه رضي الله عنهما، ويطلب منه أن يفوض هذه المهمة لأحد أقارب عثمان، فقوله ول فعل أمر، يقال: ولى بتشديد اللام - فلانًا الأمر جعله واليًا عليه، والحار بتشديد الراء الساخن، ومن العمل شاقه وشديده، والقار بتشديد الراء البارد الهنيء الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب، معناه: ول شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة والولاية، أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخلافة، ويختصون به، يتولون نكدها وقاذوراتها، ومعناه: ليتول عثمان بنفسه هذا الجلد، أو ليول ذلك أقاربه الأدنين.

( فكأنه وجد عليه) أي فكأن عليًا غضب وتألم على ابنه، لرفضه أمره، وإن كان محقًا.
يقال: وجد عليه، بفتح الجيم، يجد بكسرها، وجدًا بسكونها، وموجدة بكسرها، أي غضب عليه.

( فقال: يا عبد اللَّه بن جعفر) أي فطلب علي رضي الله عنه، من عبد الله بن أخيه جعفر بن أبي طالب أن يقوم بالمهمة.

( وكل سنة) أي الاقتصار على الأربعين سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبلوغ الثمانين سنة خلفائه رضي الله عنهم، ومعناه أن عليًا رضي الله عنه يعظم آثار عمر رضي الله عنه، ويعتبر حكمه سنة، وأن أمره حق.

( وهذا أحب إلي) الإشارة قبل: إلى الثمانين التي فعلها عمر رضي الله عنه، وقيل: إن عليًا جلد الوليد ثمانين، والإشارة إلى فعله.

( ما كنت أقيم على أحد حدًا، فيموت فأجد منه في نفسي إلا صاحب الخمر) الفاء في فيموت للسببية، والفعل منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية، وكذا أجد معطوف على يموت ومعناه أحزن، والمراد من صاحب الخمر شاربها، والمعنى لم أكن أحزن على موت يتسبب عن إقامة حد إلا موت شارب الخمر المتسبب عن حده.

( لأنه إن مات وديته) بفتح الواو والدال وسكون الياء أي غرمت ديته، وأعطيتها لمن يستحق قبضها، وعند النسائي وابن ماجه عن علي رضي الله عنه قال: من أقمنا عليه حدًا، فمات، فلا دية له، إلا من ضربناه في الخمر.

قال بعض العلماء: فإنه إن مات وديته بالفاء، لا باللام، وهكذا هو في رواية البخاري بالفاء.

( لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يسنه) أي لم يقدر فيه حدًا مضبوطًا، ولم يحدد فيه عددًا معينًا، فوق الأربعين وفي رواية فإنما هو شيء صنعناه أي فإنما تحديده بثمانين وقع باجتهاد منا في عهد عمر، تعزيرًا لا حدًا.

فقه الحديث

حرمت الخمر بقوله تعالى { { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } } [المائدة: 90، 91] .
والصحيح أنه كان في عام الفتح، قبل الفتح، وذهب بعضهم إلى أنه كان عام الحديبية سنة ست، قال الرازي في أحكام القرآن: يستفاد تحريم الخمر من هذه الآية من تسميتها رجسًا، وقد سمى الله به ما أجمع على تحريمه، وهو لحم الخنزير، كما يستفاد التحريم من قوله { { من عمل الشيطان } } فكل ما كان من عمل الشيطان حرم تناوله، ومن الأمر بالاجتناب، وهو للوجوب، وما وجب اجتنابه حرم تناوله، ومن الفلاح المرتب على الاجتناب، ومن كون الشرب سببًا للعداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتعاطي ما يوقع ذلك حرام، ومن كونها تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ومن ختام الآية بقوله تعالى { { فهل أنتم منتهون } } فإنه استفهام معناه الردع والزجر، ولهذا قال عمر لما سمعها: انتهينا.
انتهينا.
اهـ.

وقد روى البخاري من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها، حرمها في الآخرة وروى لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن.

قال الحافظ ابن حجر: وقد انعقد الإجماع على أن القليل من الخمر المتخذ من العنب يحرم، كما يحرم كثيره، وقال في موضع آخر: والمجمع على تحريمه عصير العنب إذا اشتد، فإنه يحرم تناول قليله وكثيره بالاتفاق، وحكى ابن قتيبة عن قوم من مجان أهل الكلام أن النهي عنها للكراهة، وهو قول مهجور، لا يلتفت إلى قائله، وحكى أبو جعفر النحاس عن قوم أن الحرام ما أجمعوا عليه، وما اختلفوا فيه ليس بحرام، قال: وهذا عظيم من القول، يلزم منه القول بحل كل شيء اختلف في تحريمه، ولو كان مستند الخلاف واهيًا.
ونقل الطحاوي في اختلاف العلماء عن أبي حنيفة: الخمر حرام قليلها وكثيرها، والسكر من غيرها حرام، وليس كتحريم الخمر، والنبيذ المطبوخ لا بأس به، من أي شيء كان، وإنما يحرم منه القدر الذي يسكر، وعن أبي يوسف: لا بأس بالنقيع من كل شيء، وإن غلى، إلا الزبيب والتمر.
قال: وكذا حكاه محمد عن أبي حنيفة، وعن محمد: ما أسكر كثيره، فأحب إلي أن لا أشربه، ولا أحرمه، وقال الثوري: أكره نقيع التمر إذا غلي، ونقيع العسل لا بأس به.

وقد ذكرنا في المباحث العربية معنى الخمر، وأصل اشتقاقها في اللغة، وأما المراد منها في عرف الشرع واصطلاحه، فالحنفية يقصرونها على ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة.
والجمهور على أن المراد بها ما خامر العقل من الشراب، ويستدلون بما رواه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل وسئل ابن عمر عن شيء يصنع بالسند من الأرز؟ فقال: ذاك لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: أو قال: على عهد عمر - وفي رواية مكان العنب.
والزبيب قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث المرفوعة، لأن له عندهم حكم الرفع، لأنه خبر صحابي، شهد التنزيل، أخبر عن سبب نزول الآية، وقد خطب به عمر على المنبر، بحضرة كبار الصحابة وغيرهم، فلم ينقل عن أحد منهم إنكاره، وأراد عمر بنزول تحريم الخمر الآية المذكورة في سورة المائدة { { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر....
}
}
فأراد عمر التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصًا بالمتخذ من العنب، بل يتناول المتخذ من غير العنب، قال الحافظ: ويوافقه حديث أنس الذي رواه البخاري قال أنس: كنت قائمًا على الحي أسقيهم الفضيخ، فجاء آت، فقال: إن الخمر قد حرمت.
فقال أبو طلحة: قم يا أنس، فاهرقها، قال: فهرقتها وفي رواية أن أنس بن مالك حدثهم أن الخمر حرمت، والخمر يومئذ البسر والتمر والفضيخ اسم للبسر إذا نبذ، والبسر الذي يحمر أو يصفر، قبل أن يترطب.
وفي رواية عن أنس وإنا نعدها يومئذ الخمر.

فحديث أنس يدل على أن الصحابة فهموا من تحريم الخمر تحريم كل مسكر، سواء كان من العنب أم من غيرها، وقد جاء هذا الذي قاله عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا، أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وصححه ابن حبان، فعند أبي داود وابن حبان، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الخمر من العصير والزبيب، والتمر والحنطة والشعير والذرة، وإني أنهاكم عن كل مسكر ولأبي داود بلفظ إن من العنب خمرًا، وإن من التمر خمرًا، وإن من العسل خمرًا، وإن من البر خمرًا، وإن من الشعير خمرًا وكذا لأصحاب السنن.

فعمر رضي الله عنه على المنبر لم يكن في مقام تعريف اللغة، بل كان في مقام تعريف الحكم الشرعي، فكأنه قال: الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع هو ما خامر العقل.

ثم إن الحكم الشرعي ينزل على ما يعهده المخاطبون وقد أخرج البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - نزل تحريم الخمر، وإن بالمدينة يومئذ خمسة أشربة، ما فيها شراب العنب.

ماذا يقول الحنفية في هذه الأحاديث؟

جعل الطحاوي هذه الأحاديث متعارضة.
حديث لأبي هريرة في صحيح مسلم الخمر من هاتين الشجرتين، النخلة والعنبة فكون الخمر من شيئين يعارض حديث عمر والنعمان بن بشير وابن عمر، وأنس يعد الخمر في البر والتمر.
فلما اختلفت الصحابة في ذلك، ووجدنا اتفاق الأمة على أن عصير العنب إذا اشتد وغلي وقذف بالزبد، فهو خمر، ومستحله كافر، دل على أنهم لم يعملوا بحديث أبي هريرة، إذ لو عملوا به لكفروا مستحل نبيذ التمر، فثبت أنه لم يدخل في الخمر غير المتخذ من عصير العنب.
اهـ.

ورد عليه الحافظ ابن حجر بقوله: لا يلزم من كونهم لم يكفروا مستحل نبيذ التمر أن يمنعوا تسميته خمرًا، فقد يشترك الشيئان في التسمية، ويفترقان في بعض الأوصاف، مع أن الطحاوي يوافق على أن حكم المسكر من نبيذ التمر حكم قليل العنب في التحريم، فلم تبق المشاحة إلا في التسمية، والجمع بين حديث أبي هريرة وغيره بحمل حديث أبي هريرة على الغالب والكثير، وليس في أسلوبه قصر، وبحمل حديث عمر وحديث من وافقه على إرادة استيعاب ما هو معهود حينئذ أن يتخذ منه الخمر، وذكر بعض الأمور لا يتنافى مع ذكر الكل أو الأغلب.

وقال صاحب الهداية من الحنفية: لنا إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب.
اهـ ورده الحافظ ابن حجر بثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمرًا.
قال الخطابي: وزعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرًا عرب فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحًا لما أطلقوه.

وقال بعض الحنفية: إن الخمر من العنب، لقوله تعالى { { إني أراني أعصر خمرًا } } فهو يدل على أن الخمر ما يعتصر، لا ما ينتبذ، ورد بأنه لا يفيد القصر، ولا دليل فيه على الحصر.

هذا.
وفي الموضوع كلام آخر كثير، وسنعود إليه عند أحاديث كتاب الأشربة إن شاء الله، وإنما تعجلنا هذه العجالة لإلقاء الضوء على حد الخمر، هل يثبت على من شرب النبيذ، ولم يسكر؟ أو لا يثبت؟ قال النووي: اختلف العلماء فيمن شرب النبيذ - وهو ما سوى عصير العنب من الأنبذة المسكرة - فقال الشافعي ومالك وأحمد - رحمهم الله تعالى - وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو حرام، يجلد فيه، كجلد شارب الخمر، الذي هو عصير العنب، سواء كان يعتقد إباحته، أو تحريمه، وقال أبو حنيفة والكوفيون - رحمهم الله تعالى - لا يحرم ولا يحد شاربه، وقال أبو ثور: هو حرام، يجلد بشربه من يعتقد تحريمه، دون من يعتقد إباحته.

والهدف من أحاديث الباب بيان حد الخمر، وعنه قال النووي: واختلف العلماء في قدر حد الخمر، فقال الشافعي، وأبو ثور وداود وأهل الظاهر وآخرون: حده أربعون.
قال الشافعي وللإمام أن يبلغ به ثمانين، وتكون الزيادة على الأربعين تعزيرات، على تسببه في إزالة عقله، وفي تعرضه للقذف والقتل، وأنواع الإيذاء، وترك الصلاة، وغير ذلك.

ونقل القاضي عن الجمهور من السلف والفقهاء، منهم مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحق أنهم قالوا: حده ثمانون، واحتجوا بأنه الذي استقر عليه إجماع الصحابة، وأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن للتحديد، ولهذا قال في الرواية الأولى نحو أربعين وحجة الشافعي وموافقيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد أربعين، كما صرح به في الرواية الثالثة، وأما زيادة عمر فتعزيرات، والتعزير إلى رأي الإمام، وأما الأربعون فهي الحد المقدر الذي لا بد منه، ولو كانت الزيادة حدًا لم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ولم يتركها علي رضي الله عنه - بعد فعل عمر.
ولهذا قال علي وكل سنة ومعناه الاقتصار على الأربعين، وبلوغ الثمانين سنة، قال النووي: وهذا الذي قاله الشافعي هو الظاهر الذي تقتضيه هذه الأحاديث، ولا يشكل شيء منها.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وفي سياق قصة استشارة عمر ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحد أربعون، وإنما تشاوروا في أمر يحصل به الارتداع، يزيد على ما كان مقررًا، ويشير إلى ذلك ما وقع من التصريح في بعض طرقه أنهم احتقروا العقوبة، وانهمكوا في الشرب، فاقتضى رأيهم أن يضيفوا إلى الحد المذكور قدره، إما اجتهادًا، بناء على جواز دخول القياس في الحدود، فيكون الكل حدًا، أو استنبطوا من النص معنى يقتضي الزيادة في الحد، لا النقصان منه، أو القدر الذي زادوه كان على سبيل التعزير، تحذيرًا وتخويفًا، لأن من احتقر العقوبة إذا عرف أنها غلظت في حقه، كان أقرب إلى ارتداعه، فيحتمل أنهم ارتدعوا بذلك، ورجع الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، فرأى علي رضي الله عنه الرجوع إلى الحد المنصوص، وأعرض عن الزيادة، لانتفاء سببها، ويحتمل أن يكون القدر الزائد كان عندهم خاص بمن تمرد، وظهرت منه أمارات الاشتهار بالفجور، ويدل على ذلك أن في بعض الروايات عند الدارقطني وغيره فكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف، تكون منه الزلة، جلده أربعين وكذلك عثمان، جلد أربعين وثمانين.

وقد فهم بعضهم من قول علي رضي الله عنه في الرواية الخامسة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه أن مراده لم يشرع في الخمر حدًا معينًا أصلاً، لا دون الأربعين ولا الزيادة عليها، قال المازري: لو فهم الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر حدًا معينًا، لما قالوا فيه بالرأي، كما لم يقولوا بالرأي في غيره، فلعلهم فهموا أنه ضرب فيه باجتهاده في حق من ضربه.
اهـ وقد يستأنس لهذا القول بما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: كان الذي يشرب الخمر يضربونه بأيديهم ونعالهم، فلما كان عمر فعل ذلك، حتى خشي، فجعله أربعين سوطًا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطًا.
فظاهره أن عمر كان يضرب دون عدد، ثم جعله أربعين، وهذا الظاهر مستبعد، لورود النص بالأربعين في روايتنا الثانية، وإنما مراد رواية عبد الرزاق أن عمر جعل السوط آلة، بعد أن كان الضرب باليد والنعال، قال الحافظ ابن حجر: فيحمل النفي في قوله لم يسنه على أنه لم يحد الثمانين، أي لم يسن الثمانين وقيل: أي لم يسن شيئًا زائدًا على الأربعين، وعلى هذا فقوله، في روايتنا الخامسة لو مات لوديته أي لو مات بسبب ما زاد على الأربعين وبذلك جزم البيهقي وابن حزم، ويحتمل أن يكون الضمير في لم يسنه لصفة الضرب، وكونها بسوط الجلد، أي لم يسن الجلد بالسوط، وإنما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها، أشار إلى ذلك البيهقي وابن حزم، وقال ابن حزم: لو جاء عن غير علي من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون، وأنه غير مسنون، لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه الآخر، فضلاً عن علي، مع سعة علمه، وقوة فهمه، وإذا تعارض خبر عمير بن سعيد - روايتنا الخامسة - وخبر أبي ساسان - روايتنا الرابعة - فخبر أبي ساسان أولى بالقبول، لأنه مصرح فيه برفع الحديث عن علي، وخبر عمير موقوف على علي، وإذا تعارض المرفوع والموقوف قدم المرفوع.

قال القاضي عياض: أجمعوا على وجوب الحد في الخمر، واختلفوا في تقديره.
وتعقب بأن الطبري وابن المنذر وغيرهما حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها، وإنما فيها التعزير، واستندوا إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر: سئل ابن شهاب: كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر؟ فقال: لم يكن فرض فيها حدًا، كان يأمر من حضره أن يضربوا بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم: ارفعوا وما أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدًا، قال ابن عباس: وشرب رجل فسكر، فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى دار العباس انفلت، فدخل على العباس، فالتزمه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فضحك ولم يأمر فيه بشيء.
وأخرج الطبري عن ابن عباس ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إلا أخيرًا، ولقد غزا تبوك، فغشي حجرته من الليل سكران، فقال: ليقم إليه رجل، فيأخذه بيده، حتى يرده إلى رحله.

والجواب عن هذه الشبهة الواهية أن الإجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد، لأن أبا بكر تحرى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران، فصيره حدًا، واستمر عليه، وكذلك استمر من بعده، وإن اختلفوا في العدد، وجمع القرطبي بين الأخبار، بأنه لم يكن أولاً في شرب الخمر حد، وعلى ذلك يحمل حديث ابن عباس في الذي استجار بالعباس، ثم شرع فيه التعزير، على ما في سائر الأحاديث التي لا تقدير فيها، ثم شرع الحد، ولم يطلع أكثرهم على تعيينه صريحًا، مع اعتقادهم أن فيه الحد المعين، ومن هنا توخى أبو بكر ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستقر عليه الأمر، ثم رأى عمر ومن وافقه الزيادة على الأربعين، إما حدًا، وإما تعزيرًا.
اهـ.

أما كيفية الضرب ففي روايتنا الأولى فجلده بجريدتين وفي روايتنا الثالثة كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، فقال: اضربوه.
قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه.

وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال، وهي ثلاثة أوجه عند الشافعية، أصحها يجوز الجلد بالسوط، ويجوز الاقتصار على الضرب بالأيدي والنعال والثياب، ثانيها يتعين الجلد، ثالثها يتعين الضرب.

وحجة جواز الأمرين أن أحدهما فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت نسخه، وفعل ثانيهما في عهد الصحابة فدل على جوازه، وأما تعين الجلد بالسوط فقد صرح به القاضي حسين من الشافعية، واحتج بأنه إجماع الصحابة، وتعقب بأنه لا يسلم فيه إجماع الصحابة، واعتبر النووي هذا القول شاذًا غلطًا ومنابذًا للأحاديث الصحيحة، وقال: أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب.
اهـ.

وأما تعين الضرب، ومنع الجلد بالسوط فقد جاء عن الشافعي في الأم: لو أقام عليه الحد بالسوط فمات، وجبت الدية.
اهـ فسوى بينه وبين ما إذا زاد، فدل على أن الأصل الضرب بغير السوط.
قال الحافظ ابن حجر: وتوسط بعض المتأخرين، فعين السوط للمتمردين، وأطراف الثياب والنعال للضعفاء، ومن عداهم بحسب ما يليق بهم.
وهو متجه.

قال النووي: قال أصحابنا: وإذا ضربه بالسوط، يكون سوطًا معتدلاً في الحجم، بين القضيب والعصا، فإن ضربه بجريدة فلتكن خفيفة بين اليابسة والرطبة، ويضربه ضربًا بين ضربين، فلا يرفع يده فوق رأسه، ولا يكتفي بالوضع، بل يرفع ذراعه رفعًا معتدلاً.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- يؤخذ من قول عبد الرحمن بن عوف في الرواية الثانية أرى أن تجعلها كأخف الحدود جواز القياس.

2- ومن فعل عمر رضي الله عنه مشاورة القاضي والمفتي والحاكم أصحابه وحاضري مجلسه في الأحكام.

3- ومن قول علي رضي الله عنه في الرواية الرابعة وكل سنة أن فعل الصحابي سنة، يعمل بها، وهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ قاله النووي.

4- وفي هذا دليل على أن عليًا رضي الله عنه كان معظمًا لآثار عمر، وأن حكمه وقوله سنة، وأن أمره حق، وكذلك أبو بكر - رضي الله عنهم جميعًا - وهذا يخالف ما عليه الشيعة.

5- استدل بقول علي رضي الله عنه في الرواية الخامسة إلا صاحب الخمر، لأنه إن مات وديته على أن من وجب عليه الحد، فجلده الإمام أو جلاده الحد الشرعي، فمات، فلا دية فيه، ولا كفارة، لا على الإمام، ولا على جلاده، ولا في بيت المال، وأما من مات من التعزير فمذهب الشافعية وجوب ضمانه بالدية والكفارة، وفي محل ضمانه قولان للشافعي، أصحهما: تجب ديته على عاقلة الإمام، والكفارة في مال الإمام، والثاني تجب الدية في بيت المال، وفي الكفارة وجهان، في بيت المال، أو في مال الإمام.
وقال جماهير العلماء: لا ضمان فيه، لا على الإمام، ولا على عاقلته، ولا في بيت المال.

أما من مات في حد الخمر فمذهب علي رضي الله عنه واضح وصريح، وقال الشافعي: إن ضرب بغير السوط فلا ضمان، وإن جلد بالسوط ضمن، قيل: الدية، وقيل: قدر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره، والدية في ذلك على عاقلة الإمام، وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين.

6- وقد يستدل بالرواية الأولى والرابعة، وبما رواه البخاري عن عقبة بن الحارث قال: جيء بالنعيمان شاربًا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان في البيت أن يضربوه.
قال فضربوه، فكنت أنا فيمن ضربه بالنعال قد يستدل بذلك على جواز إقامة الحد في البيت، خلافًا لمن قال: لا يضرب الحد سرًا، وقد ورد عن عمر في قصة ولده أبو شحمة، لما ضرب بمصر، فحده عمرو بن العاص في البيت، أن عمر أنكر عليه، وأحضره إلى المدينة، وضربه الحد جهرًا، روى ذلك ابن سعد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر مطولاً.
قال الحافظ ابن حجر: وجمهور أهل العلم على الاكتفاء، وحملوا صنيع عمر على المبالغة في تأديب ولده، لا أن إقامة الحد لا تصح إلا جهرًا.

7- ومن قول عثمان رضي الله عنه في الرواية الرابعة إنه لم يتقيأ حتى شربها استدل لمالك وموافقيه على أن من تقيأ الخمر يحد حد الشارب.
قال النووي: ومذهبنا أنه لا يحد بمجرد ذلك، لاحتمال أنه شربها جاهلاً كونها خمرًا، أو مكرها عليها، أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للحدود.
قال: ودليل مالك هنا قوي، لأن الصحابة اتفقوا على جلد الوليد بن عقبة المذكور في هذا الحديث، وقد يجيب أصحابنا عن هذا بأن عثمان رضي الله عنه علم شرب الوليد، فقضى بعلمه في الحدود، وهذا تأويل ضعيف وظاهر كلام عثمان يرد على هذا التأويل.
اهـ.

8- وقد يستدل بالرواية الأولى، وبرواية البخاري جيء بالنعيمان، وهو سكران على جواز إقامة الحد على السكران في حال سكره، وبه قال أهل الظاهر، والجمهور على خلافه، لأن المعنى المقصود بالضرب في الحد الإيلام، ليحصل به الردع.

9- وفي هذه الأحاديث تحريم الخمر، ووجوب الحد على شاربها، سواء شرب كثيرًا أم قليلاً، وسواء سكر أم لا.

( إضافة) ذكر الحافظ ابن حجر: أحاديث كثيرة تأمر بقتل شارب الخمر، إذا تكرر شربه خامسة، ونقد هذه الأحاديث نقدًا علميًا، ثم قال: مال الخطابي إلى تأويل الحديث في الأمر بالقتل، فقال: قد يرد الأمر بالوعيد، ولا يراد به وقوع الفعل، وإنما يراد الردع والتحذير، ثم قال: ويحتمل أن يكون القتل في الخامسة كان واجبًا، ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة، على أنه لا يقتل، وأما ابن المنذر فقال: كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكل به، ثم نسخ بالأمر بجلده، فإن تكرر ذلك أربعًا قتل، ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة، وبإجماع أهل العلم، إلا من شذ، ممن لا يعد خلافه خلافًا.
اهـ

وهو يشير بذلك إلى بعض أهل الظاهر، وقد استمر على هذا القول ابن حزم، واستدل له، وادعى أن لا إجماع.
ورد عليه الحافظ ابن حجر، بما لا يتسع له المقام.

والله أعلم