هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3269 وحَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ، فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ ؟ فُلَانٌ ؟ فُلَانٌ ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا ، فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا ، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3269 وحدثنا هداب بن خالد ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين ، فسألوها من صنع هذا بك ؟ فلان ؟ فلان ؟ حتى ذكروا يهوديا ، فأومت برأسها ، فأخذ اليهودي فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين.
فسألوها من صنع هذا بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديًا فأومت برأسها فأخذ اليهودي فأقر، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة.



المعنى العام

النفوس البشرية الشريرة موجودة في كل مجتمع، وتزيد ويعظم شرها إذا لم تؤخذ بجريرتها، وتعاقب عقوبة رادعة، وإذا كان الإسلام قد غرس في نفوس أبنائه الوازع الداخلي، والخوف من الله، ومراقبته في السر والعلن، فإن غير المسلمين أول الإسلام، وبخاصة اليهود لم يكن عندهم وازع سوى الأحكام الدنيوية فإذا أحس الواحد منهم غفلة القانون والحكام، راح يرتكب أبشع الجرائم، لأتفه الأسباب.

وقصة هذا الحديث تحكي مدى ما وصل إليه اليهود من المادية ولتجدنهم أحرص الناس على حياة وأحرص الناس على المال، وارتكاب أفظع الجنايات من أجل عرض حقير.

هذا يهودي يسكن الجزيرة العربية، ويجاور المسلمين بالمدينة، يرى صبية صغيرة، لم تبلغ الحلم، تبتعد قليلاً عن العمران، ربما كانت ترعى بعض غنمها، يراها وعليها بعض الحلي الفضية، حلق وخلخال مثلاً، بل ربما أسورة وقلادة، وماذا يساوي هذا القدر من الفضة؟ لكنه في نظر اليهودي كنز يضحي من أجله بالكثير، ربما حاول إغراء الصبية وخداعها لتعطيه حليها بوجه أو بآخر، ففشل، وربما حاول خلع حليها من أطرافها فامتنعت، وقاومت فلجأ إلى القوة، مستغلاً انقطاع الساحة من البشر، وخلوها ممن يمكن أن ينجد المسكينة، مهما صرخت واستغاثت، لقد أمسك حجرًا كبيرًا فضربها على رأسها، فسقطت برأسها على الأحجار، مغشيًا عليها، فسلبها ما على جسدها من حلي، وخاف أن تفيق فتبلغ عنه، فحملها وألقاها في بئر، ولم يكتف بذلك بل أخذ يرجمها بالحجارة، حتى ظن أنها فارقت الحياة.
فانصرف، وتركها.
وأفاقت يسيل دمها، وجراحها تؤلمها، فصرخت وصرخت، وسمعها أحد المارة، فأخرجها من البئر، وحملها إلى أهلها بالمدينة، الذين حملوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد منقذها عن مكان حادثتها، والقوم يعرفون من يتردد على هذا المكان، أو من يسكنه، فأرشدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسماء أناس، تنحصر الشبهة فيهم، فعرضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها واحدًا واحدًا، لكنها لا تستطيع الكلام مما بها، فكانت تشير برأسها حين يذكر لها الاسم: ليس هو، حتى ذكر اسم قاتلها، فأشارت بنعم، فجيء به، وضيق عليه الخناق، فأقر وأعترف، وقام بتمثيل ما فعله بها، فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فربطت رأسه إلى حجر كبير، ثم رجمت رأسه بالحجارة حتى مات.
جزاء وفاقا { { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } } [البقرة: 194] .
{ { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } } [النحل: 126] { { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } } [البقرة: 179] .

المباحث العربية

( أن يهوديًا قتل جارية) الجارية تطلق على الحرة والأمة، في سن الغلام دون البلوغ، والظاهر هنا أنها كانت حرة ففي الرواية الثانية جارية من الأنصار.

( على أوضاح لها) أي بسبب أوضاح، وهي جمع وضح، والأوضاح حلي الفضة، أي قتلها من أجل أوضاح وحلي من فضة كانت عليها، وفي الرواية الثانية على حلي لها وفي رواية للبخاري خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة وفي رواية له عدا يهود على جارية، فأخذ أوضاحًا كانت عليها، ورضخ رأسها.

( فقتلها بحجر) في الرواية الثانية ألقاها في القليب - أي البئر - ورضخ رأسها بالحجارة وفي الرواية الثالثة وجد رأسها قد رض بين حجرين وفي رواية للبخاري فرماها يهودي بحجر ويجمع بينها بأنه رماها بحجر، فأصاب رأسها، فسقطت على حجر آخر، فألقاها في البئر، وضرب رأسها بالحجارة، والتعبير بـفقتلها باعتبار ما آلت إليه، وإلا فحين ضربها لم يقتلها، وإنما آل أمرها إلى القتل نتيجة الإصابة.

والرضخ، والرض بمعنى.

( فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبها رمق) الرمق بقية الحياة والروح.

( فقال لها: أقتلك فلان؟) القائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي رواية للبخاري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلان قتلك؟ ولا مانع أن يكون غيره صلى الله عليه وسلم قد اشترك في سؤالها، ففي الرواية الثالثة فسألوها من صنع هذا بك؟ وفلان كناية عن اسم من الأسماء ذكر لها.

( فأشارت برأسها: أن لا) معناه أنها لم تكن تستطيع أن تنطق، فهزت رأسها يمينًا وشمالاً تفيد النفي وأن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وخبرها ما دلت عليه لا أي أشارت إشارة يستفاد منها ما يستفاد منها لو نطقت بقولها: الحال والشأن لم يقتلها فلان المذكور.

( ثم قال لها الثانية، فأشارت برأسها: أن لا) أي قال لها المرة الثانية: أقتلك فلان؟ كناية عن اسم آخر غير الأول.
وفي الرواية الثالثة فلان؟ فلان؟ وفي رواية للبخاري من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ وفي رواية فلان قتلك؟ فرفعت رأسها - أي أشارت: لا - فأعاد، فقال: فلان قتلك؟ فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة: فلان قتلك؟ فخفضت رأسها.

( ثم سألها الثالثة فقالت: نعم، وأشارت برأسها) أي أشارت برأسها بما يفيد نعم، أي خفضتها مرة أو مرتين، وفي الرواية الثالثة حتى ذكروا يهوديًا - أي ذكروا لها اسم يهودي في المرة الثالثة - فأومأت برأسها أي نعم.

وفي رواية للبخاري حتى سمى اليهودي.

( فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين) معطوف على محذوف، تقديره: فطلب اليهودي، فأخذ، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب منه أن يعترف، فتلكأ، فلم يزالوا به برفق ولطف حتى اعترف، وأقر، فقتله، أي أمر بقتله بين حجرين، وفي ملحق الرواية فرضخ رأسه بين حجرين وفي الرواية الثانية فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات وفي الرواية الثالثة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة ولا تنافي بين هذه الروايات، إذ يجمعها أنه نام ورأسه على حجر مربوط به، وأمر بقذفه بالحجارة، فدق رأسه بين حجر تحته، وحجر رجم به.

فقه الحديث

احتج الجمهور بهذا الحديث على أن القاتل يقتل بما قتل به، وتمسكوا بقوله تعالى { { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } } وبقوله تعالى { { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } }

وخالف في ذلك الكوفيون، واحتجوا بحديث لا قود إلا بالسيف وهو ضعيف، وطرقه كلها ضعيفة، وعلى تقدير ثبوته، فإنه على خلاف قاعدتهم في أن السنة لا تنسخ الكتاب، ولا تخصصه.

واستدلوا بحديث النهي عن المثلة، وهو صحيح، لكنه محمول عند الجمهور على غير المماثلة في القصاص، جمعا بين الدليلين.

وتفرع على القتل بمثقل كحجر أو عصا أو حديدة خلاف بين الفقهاء في مسألتين: الأولى: متى يعتبر هذا القتل عمدًا؟ ومتى لا يعتبر؟ فقال عطاء وطاووس: شرط العمد أن يكون بسلاح، إذن القتل بحجر أو عصا أو حديدة ليس عمدًا على الإطلاق.

وقال الحسن البصري والشعبي والنخعي والحكم وأبو حنيفة ومن تبعهم: شرط أن يكون بحديدة، والحديث يرد عليهم، وقد أجاب بعض الحنفية بأن هذا الحديث لا دلالة فيه على المماثلة في القصاص، لأن المرأة كانت حية، والقود لا يكون في حي، ورد بأنه إنما أمر بقتله بعد أن ماتت، فكان قصاصًا.

وقال ابن المنذر: قال الأكثر: إذا قتله بشيء يقتل مثله غالبًا، فهو عمد.

وقال ابن أبي ليلى: إن قتل بالحجر أو العصا ففيه نظر: إن كرر ذلك فهو عمد، وإلا فلا.
وهذا غير مسلم، فقد يكون تأثير حجر واحد أقوى من تأثير مائة حجر، وكذلك العصا، وكلام ابن المنذر يتفق مع حديث المرأة التي رمت ضرتها بعمود الفسطاط، فقتلتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها الدية.

المسألة الثانية: اختلف القائلون بالقصاص بما قتل به، فيما إذا استعمل ما قتل، فلم يقتل، كرجل ضرب رجلاً بعصا مرة واحدة، فقتله، فأقيد، فضرب بالعصا، فلم يمت، هل يكرر عليه حتى يموت؟ فقيل: لا يكرر، وقيل: إن لم يمت قتل بالسيف.

وماذا لو قتل رجل رجلاً بمحرم، كخمر ولواط وتحريق، قال ابن العربي: يستثنى من المماثلة ما كان فيه معصية، قال الحافظ ابن حجر: الأولان بالاتفاق، وفي الثالث خلاف عند الشافعية.

والحديث ظاهر في جواز سؤال الجريح: من جرحك؟ قال النووي: وفائدة السؤال أن يعرف المتهم، ليطالب، فإن أقر ثبت عليه القتل، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه، ولا يلزمه شيء بمجرد قول المجروح.
هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، وقد سبق في القسامة.
ومذهب مالك ثبوت القتل على المتهم بمجرد قول المجروح، وتعلقوا بهذا الحديث، وهذا تعلق باطل، لأن اليهودي اعترف، كما صرح به مسلم في إحدى رواياته، فقتل باعترافه.

قال الحافظ ابن حجر: وادعى ابن المرابط، من المالكية، أن هذا الحكم كان في أول الإسلام، وهو قبول قول القتيل، قال: وأما ما جاء أنه اعترف، فهو في رواية قتادة، ولم يقله غيره، وهذا مما عد عليه.
اهـ قال الحافظ: ولا يخفى فساد هذه الدعوى، فقتادة حافظ، وزيادته مقبولة، لأن غيره لم يتعرض لنفيها، فلم يتعارضا، والنسخ لا يثبت بالاحتمال.

واستدل بالحديث على وجوب القصاص على الذمي، وتعقب بأنه ليس فيه تصريح بكونه ذميًا، فيحتمل أن يكون معاهدًا أو مستأمنًا.

وفي الحديث قتل الرجل بالمرأة.
قال النووي: وهذا إجماع من يعتد به.
اهـ وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الرجل يقتل بالمرأة، إلا رواية عن علي وعن الحسن وعطاء، وخالف الحنفية فيما دون النفس.

واللَّه أعلم