هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3186 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ ، لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ ؟ قَالَ : إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا ، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا ، قَالَ : فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ ، أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا ، وَلَا يُبْتَاعُ ، وَلَا يُورَثُ ، وَلَا يُوهَبُ ، قَالَ : فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ ، وَفِي الْقُرْبَى ، وَفِي الرِّقَابِ ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَالضَّيْفِ ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ قَالَ : فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا ، فَلَمَّا بَلَغْتُ هَذَا الْمَكَانَ : غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ ، قَالَ مُحَمَّدٌ : غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هَذَا الْكِتَابَ أَنَّ فِيهِ : غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا . حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، وَأَزْهَرَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ : أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ مَا بَعْدَهُ ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ فِيهِ مَا ذَكَرَ سُلَيْمٌ قَوْلُهُ : فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا إِلَى آخِرِهِ ، وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، قَالَ : أَصَبْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا أَحَبَّ إِلَيَّ ، وَلَا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهَا ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فَحَدَّثْتُ مُحَمَّدًا وَمَا بَعْدَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3186 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، أخبرنا سليم بن أخضر ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : أصاب عمر أرضا بخيبر ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها ، فقال : يا رسول الله ، إني أصبت أرضا بخيبر ، لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه ، فما تأمرني به ؟ قال : إن شئت حبست أصلها ، وتصدقت بها ، قال : فتصدق بها عمر ، أنه لا يباع أصلها ، ولا يبتاع ، ولا يورث ، ولا يوهب ، قال : فتصدق عمر في الفقراء ، وفي القربى ، وفي الرقاب ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل ، والضيف ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، أو يطعم صديقا غير متمول فيه قال : فحدثت بهذا الحديث محمدا ، فلما بلغت هذا المكان : غير متمول فيه ، قال محمد : غير متأثل مالا ، قال ابن عون : وأنبأني من قرأ هذا الكتاب أن فيه : غير متأثل مالا . حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا ابن أبي زائدة ، ح وحدثنا إسحاق ، أخبرنا أزهر السمان ، ح وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، كلهم عن ابن عون ، بهذا الإسناد مثله ، غير أن حديث ابن أبي زائدة ، وأزهر انتهى عند قوله : أو يطعم صديقا غير متمول فيه ، ولم يذكر ما بعده ، وحديث ابن أبي عدي فيه ما ذكر سليم قوله : فحدثت بهذا الحديث محمدا إلى آخره ، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا أبو داود الحفري عمر بن سعد ، عن سفيان ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، قال : أصبت أرضا من أرض خيبر ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : أصبت أرضا لم أصب مالا أحب إلي ، ولا أنفس عندي منها ، وساق الحديث بمثل حديثهم ، ولم يذكر فحدثت محمدا وما بعده
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'Umar reported:

I acquired land from the lands of Khaibar. I came to Allah's Messenger (ﷺ) and said: I have acquired a piece of land. Never have I acquired land more loved by me and more cherished by me than this. The rest of the hadith is the same, but he made no mention of this: I narrated it to Muhammad and what follows.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1633] إِنِّي أصبت هِيَ ثمغ بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْمِيم وإعجام الْغَيْن أنفس أَي أَجود أَن يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَي يَأْكُل الْأكل الْمُعْتَاد وَلَا يتجاوزه وَهَذَا أصل فِي جامكته النّظر على الْوَقْف غير متأثل أَي جَامع

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن داود بهذا الإسناد إلى قوله وآثار نيرانهم.

المعنى العام

الجن خلق من خلق الله، يرانا من حيث لا نراه، منهم المسلمون، ومنهم القاسطون، عاثوا في الأرض فساداً، وعادى إبليس وجنوده منهم آدم وذريته قعدوا لهم صراط الله المستقيم، يوسوسون لهم ويغوونهم ويضلونهم بشتى وسائل الإضلال.

وكان من أساليبهم الصعود إلى السماء، وتسمع ملائكة الله تتكلم بينها بالأمر يوكل إليها، فيسترقون السمع، فينزلون بالخبر الغيبي ويكذبون عليه أخباراً وأخباراً، ويلقونها للكهان وسدنة الأصنام حتى إذا ذهب بنو آدم للأصنام يعبدونها ويسألونها أخبروا ببعض الغيب الذي تنزلت به الشياطين فيزيدونهم اعتقاداً في ألوهيتها، ويستميتون في عبادتها فينتشر الضلال والإضلال.

وبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وشاء الله تعالى أن تكون بعثته نهاية لهذا السلاح الشيطاني الخبيث، صعد الشياطين كعادتهم إلى السماء، فوجدوها ملئت حرساً شديداً وشهباً، من يحاول استراق السمع منهم يجد شهاباً واقفاً له بالمرصاد، صاروخاً من نار يثقب الجني فيفتته ويحرقه، لقد حاول بعضهم فاحترقوا، وخلص بعضهم إلى الأرض فراراً، ينذرون قومهم بهذا الأمر الخطير يقولون: { { لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً* وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً } } [الجن: 8-9] واغتاظ زعيمهم إبليس وجمع كبار جنده، وأجمعوا على أن حدثاً بالأرض كان وراء هذه الظاهرة فأرسل رسله إلى مشارق الأرض ومغاربها يبحثون، فكانت الطائفة التي اتجهت إلى تهامة بشيرة الخير، ونذيرة الشر، لقد وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح بأصحابه في وادي نخلة بين مكة والطائف، واستمعت إليه وهو يقرأ ويجهر بالقرآن، استمعت واستمعت، وأصغت وأنصتت إنهم يعلمون الكثير عن التوراة والإنجيل، ويعلمون خصائص كلام الله، إن ما يسمعون اليوم ليس من كلام البشر، لقد آمنوا بأنه من كلام الله: { { فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين* قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم* يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم.... } } [الأحقاف: 29-31] وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يعلمه أن الجن سمعوه بقوله: { { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً* يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً...
}
}
[الجن: 1-2].

وأمر صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على الجن القرآن مرة ومرة فكان يخرج إليهم خارج مكة يقرأ عليهم، مرة يراهم ومرة لا يراهم، مرة يكلمهم ويكلمونه، ومرة لا يحس بوجودهم لولا أن تعلمه شجرة بهم، ومرة سألوه ماذا يأكلون؟ وماذا يحل لهم من طعام؟ ولعلهم كانوا قبل ذلك يأكلون النجاسات والميتة، ولعلهم كانوا يسرقون ويخطفون من البشر -فأباح لهم العظم الذي ذكر اسم الله عليه -وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إليهم دون علم من أصحابه، وفي ليلة افتقده أصحابه، وبحثوا عنه فلم يجدوه، وتوقعوا له شراً وباتوا في حزن وضيق وانزعاج، وفي الصباح وجدوه ينزل من قبل غار حراء وسألوه، فأجاب أنه كان يقرأ على الجن القرآن.
فاطمأنوا عليه، وودوا أن لو كانوا معه حرصاً عليه، صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أصحابه أجمعين.

المباحث العربية

( في طائفة من أصحابه) قال الجوهري: الطائفة من الشيء قطعة منه وفي قوله تعالى { { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } } [الجن: 2] قال ابن عباس: الواحد فما فوقه.
وقال مجاهد: الطائفة الرجل الواحد إلى الألف، وقال عطاء: أقلها رجلان وهو الذي نميل إليه.

( عامدين إلى سوق عكاظ) أي قاصدين، وهو منصوب على الحال وعكاظ بضم العين وتخفيف الكاف، يصرف ولا يصرف، والسوق تؤنث وتذكر لغتان، قيل: سميت السوق سوقاً لقيام الناس فيها على سوقهم، ذكره النووي: وقيل من سوق الناس إليها بضائعهم.

وعكاظ إن كانت اسماً للسوق فالإضافة من إضافة الشيء إلى نفسه، قال ابن التين، وإن كانت السوق تقام بمكان عكاظ فالإضافة بمعنى في.

وسوق عكاظ كانت في صحراء مستوية ناحية مكة، قريبة من عرفات وهي من عمل الطائف، على عشرة أميال منها، وكانت العرب تجتمع بها كل سنة يتفاخرون بها ويحضرها الشعراء والخطباء، وتقوم السوق صبح هلال ذي القعدة، وتستمر عشرين يوماً، واتخذت سوقاً بعد الفيل بخمس عشرة سنة وظلت إلى سنة تسع وعشرين ومائة من الهجرة فخرج إليها الخوارج الحرورية فنهبوها فتركت إلى الآن.

( وقد حيل بين الشياطين) بكسر الحاء، يقال: حال الشيء بيني وبينك أي حجر ومنع، والشياطين جمع شيطان، واشتقاقه من شطن إذا بعد، لبعده عن الصلاح والخير، فالنون أصلية، أو من شاط إذا بطل، فالنون زائدة، والشياطين العصاة من الجن.
وقال الجوهري: كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان، وقال ابن عبد البر: إن خبث الجن فهو شيطان، فإن زاد خبثه فهو مارد، فإن زاد على ذلك وقوي أمره فهو عفريت، والجمع عفاريت.
اهـ

وقال العيني: الجن والشيطان نوع واحد، غير أنهما صارا صنفين باعتبار أمر عرض لهما، وهو الكفر والإيمان، فالكافر منهم يسمى بالشيطان، والمؤمن بالجن.
اهـ.

( وبين خبر السماء) المراد جنس الأخبار التي في السماء عند الملائكة.

( وأرسلت عليهم الشهب) بضم الشين والهاء جمع شهاب، وهو شعلة نار ساطعة تنفصل من بعض الكواكب.

( فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها) أي سيروا في الأرض كلها فالمشارق والمغارب كناية عن الكل، ويقال: فلان ضرب في الأرض أي سار فيها، ومنه قوله تعالى: { { وإذا ضربتم في الأرض } } [النساء: 101].

( الذين أخذوا نحو تهامة) بكسر التاء، وفي الموعب: تهامة اسم مكة، وفي كتاب الرشاطي: تهامة ما ساير البحر من نجد، ومكة وجدة من تهامة، وأصلها اسم لكل مكان غير عال من بلاد الحجاز.

( وهو بنخل) قال النووي: هكذا وقع في مسلم بنخل وصوابه بنخلة بالهاء، وهو موضع معروف هناك، كذا جاء صوابه في صحيح البخاري، ويحتمل أن يقال فيه نخل ونخلة.
اهـ ونخلة على ليلة من مكة، وهي التي ينسب إليها بطن نخل، وضمير وهو بنخل للرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاء صريحاً في رواية البخاري ولفظها فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فقوله: عامدين إلى سوق عكاظ معترض بين الجملتين، مؤخر من تقديم.

( فلما سمعوا القرآن استمعوا له) أي أنصتوا، والفرق بين السماع والاستماع، أن الاستماع تصرف بالقصد والإصغاء، والسماع أعم.

{ { قرآناً عجباً } } أي بديعاً مبايناً لسائر الكتب، وانتصاب عجباً على أنه مصدر وضع موضع التعجب، وفيه مبالغة.

{ { يهدي إلى الرشد } } يدعو إلى الصواب والتوحيد والإيمان.

( استطير أو اغتيل) معنى استطير طارت به الجن، ومعنى اغتيل قتل سراً، والغيلة بكسر الغين هي القتل في خفية.

( من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن؟) أي من أعلمه حين القراءة بأنه يقرأ على الجن؟

فقه الحديث

قصد الإمام مسلم من ذكر هذا الحديث هنا هو الاستدلال على الجهر في قراءة الصبح، أخذاً من سماع الجن للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر.

لكن أحاديث الباب تتعرض لثلاث مسائل مهمة، هي:

1- الروايات المتعارضة في قراءته صلى الله عليه وسلم على الجن والتوفيق بينها ما أمكن.

2- حقيقة الجن والشياطين وأصل خلقتهم ومعايشهم وتكليفهم وثوابهم.

3- استراقهم السمع ورميهم بالشهب.

وسنحاول الإلمام مع الاختصار، فإن الآراء في هذه المسائل كثيرة، وغير محكومة بالعقل، وغير يقينية الدليل.
والله ولي التوفيق:

1- بالإضافة إلى روايات الباب يروي أبو داود وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أتلو القرآن على الجن، فمن يذهب معي؟ فسكتوا.
ثم قال الثانية فسكتوا، ثم قال الثالثة، فقال ابن مسعود: أنا أذهب معك يا رسول الله، فانطلق حتى جاء الحجون، عند شعب أبي دب [فيه مدفن آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم] فخط علي خطاً، فقال: لا تجاوزه، ثم مضى إلى الحجون، فانحدر عليه أمثال الحجل، يحدرون الحجارة بأقدامهم، يمشون يقرعون في دفوفهم كما تقرع النسوة في دفوفها، حتى غشوه فلا أراه، فقمت، فأومأ إلي بيده أن اجلس فتلا القرآن، فلم يزل صوته يرتفع ولصقوا بالأرض حتى ما أراهم؟ فلما انفلت إلي قال: أردت أن تأتيني؟ قلت: نعم يا رسول الله، فقال: ما كان ذلك لك.
هؤلاء الجن أتوا يستمعون القرآن، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، فسألوني الزاد فزودتهم العظم والبعر قال عكرمة: وكانوا اثنى عشر ألفاً من جزيرة الموصل.

ومن غير هذا الوجه يروي ابن مسعود: انطلق بي عليه السلام، حتى إذا جئنا المسجد الذي عند حائط عوف خط لي خطأ، فأتاه نفر منهم، كأنهم رجال الزط [جنس من الهنود] فقالوا: من أنت؟ قال: أنا نبي الله.
قالوا: فمن يشهد لك على ذلك؟ قال: هذه الشجرة، فقال: يا شجرة.
فجاءت تجر عروقها حتى انتصبت بين يديه.
فقال: على ماذا تشهدين؟ قالت: أشهد أنك رسول الله فرجعت كما جاءت.

وروي أنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من لقاء الجن وضع رأسه على حجر ابن مسعود فرقد، ثم استيقظ، فقال: هل من وضوء؟ قال: لا.
إلا أن معي إداوة فيها نبيذ، هل هو إلا تمر وماء؟ فتوضأ منه، وقال: تمرة طيبة وماء طهور.

هذه الروايات بينها وبين روايات الباب تعارض واضح، إذ هي تثبت بوضوح أن ابن مسعود كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، وروايات الباب تنفي بشكل قاطع أنه كان معه، بل ولم يكن أحد معه ليلة ذهب للقراءة على الجن، والأحاديث التي تنفي متأخرة، ففيها التابعي يسأل ابن مسعود فينفي، فيستحيل بناء على هذا الجمع بتعدد الواقعة، فلم يكن مناص من الأخذ برواية ورد الأخرى، ولهذا قال النووي في شرح مسلم بعد أن ذكر روايات الباب: هذا صريح في إبطال الحديث المروي، في سنن أبي داود وغيره، المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فإن هذا الحديث [أي الذي في رواية مسلم من روايات الباب] صحيح، وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين ومداره على زيد مولى عمر بن حريث، وهو مجهول.
اهـ.

بقي التوفيق بين روايات الباب نفسها، فالرواية الأولى تنفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجن، وتنفي أنه رآهم، على معنى أنه صلى الله عليه وسلم حين قرأ على أصحابه في صلاة الفجر لم يكن يقصد القراءة على الجن، ولا يعلم باستماعهم حتى أعلمه الله بعد، والرواية الثانية تثبت أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إليهم قاصداً وقرأ عليهم عالماً بهم وسألوه وأجابهم.

وأمام هذا التعارض يقول الحافظ ابن حجر: كأن البخاري حذف من حديث ابن عباس [الرواية الأولى] عبارة ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، وبدأ حديثه بلفظ انطلق لأن ابن مسعود أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجن فكان ذلك مقدماً على نفي ابن عباس.
اهـ ومعنى ذلك رد هذا الجزء من رواية ابن عباس وترجيح رواية ابن مسعود.
ثم قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بالتعدد على معنى أن الجن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين إحداهما بمكة وهي التي ذكرها ابن مسعود، والثانية بنخلة وهي التي ذكرها ابن عباس.
اهـ

وهذا الجمع أولى من إهمال جزء من رواية واردة في الصحيح، وقد جزم بذلك النووي، حيث قال: قال العلماء: هما قضيتان، فحديث ابن عباس في أول الأمر، وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة { { قل أوحي } } [ولعل مراد النووي: حين أتوا فسمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في صلاة الصبح، فنزل عليه بعد ذلك { { قل أوحي } } واختلف المفسرون.
هل علم النبي صلى الله عليه وسلم استماعهم حال استماعهم بوحي أوحي إليه؟ [وحينئذ يتعارض ظاهره مع قول ابن عباس: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن] أم لم يعلم بهم إلا بعد ذلك؟ وأما حديث ابن مسعود فقضية أخرى جرت بعد ذلك بزمان، الله أعلم بقدره، وكان بعد اشتهار الإسلام.
اهـ

أما متى كانت القراءة الأولى والثانية فيقول ابن إسحاق والواقدي: لما أيس رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة خرج إلى ثقيف بالطائف قبل الهجرة بثلاث سنين وقبل الإسراء، وأقام خمسة وعشرين ليلة وفي طريق عودته من الطائف، وعند بطن نخلة قام من جوف الليل يصلي الفجر، فمر نفر من الجن الذين ذكرهم الله تعالى، وهم من جن نصيبين [قرية باليمن] قيل كانوا سبعة وقيل كانوا تسعة وقيل: كانوا اثنى عشر.
وأقام بمكة ثلاثة أشهر، وقرأ على جن الحجون.

وهذا القول من أصحاب السيرة يفتقر إلى الدليل والتوثيق حتى تطمئن إليه النفس، وقد استشكل عليه الحافظ ابن حجر بأن ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وعودته منها لم يكن معه من أصحابه سوى زيد بن حارثة، فكيف يقال: وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر؟ وأيضاً من المعلوم أن الصلاة فرضت بأوقاتها ليلة الإسراء، فكيف تصح هذه العبارة [أي صلاة الفجر وصلاة الجماعة] قبل فرض الصلوات؟ وحاول أن يجيب عن الإشكال الأول بجواز مرور بعض أصحابه فالتقوا به في هذا الوقت فصلوا معه، وعن الإشكال الثاني باحتمال أن يكون قد فرضت الصلاة بمكة قبل الإسراء صلاة بالغداة وصلاة بالعشي قبل أن تفرض الصلوات الخمس على هيئتها الحالية، فتكون صلاة الفجر الواردة في الحديث إحدى الصلاتين الواجبتين، وهو جواب لا تطمئن إليه النفس، ويبقى كلام أصحاب السير في حاجة إلى دليل، ونحن لا يعنينا كثيراً وقت القراءتين، وإنما المهم ثبوتهما، والأحاديث في ذلك صحيحة وقوية، بل قيل بتعدد القراءة على الجن أكثر من مرتين في مكة والمدينة.
والله أعلم.

2- أما عن الجن:

( أ) وحقيقة وجودهم فقد نقل إمام الحرمين أن كثيراً من الفلاسفة والزنادقة والقدرية ينكرون وجودهم رأساً، وبعض هؤلاء يثبت وجودهم في الماضي وينفي وجودهم الآن، وبعض آخر منهم يثبت وجودهم، وينفي صلتهم بالإنسان وتسلطهم عليه ووسوستهم له.

أما أهل السنة وجمهور المعتزلة فيثبتون وجودهم.
قال عبد الجبار المعتزلي: الدليل على إثباتهم السمع دون العقل، إذ لا طريق إلى إثبات أجسام غائبة، لأن الشيء لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تعلق، ولو كان إثباتهم باضطرار لما وقع الاختلاف فيه، إلا أنا قد علمنا بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتدين بإثباتهم، وذلك أشهر من أن يتشاغل بإيراده.

( ب) وإذا ثبت وجودهم فقد اختلف في أصلهم، فقيل: إن أصلهم من ولد إبليس، فمن كان منهم كافراً سمي شيطاناً، وقيل إن الشياطين أولاد إبليس، ومن عداهم ليسوا من ولده.

وفي كتاب المبتدأ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خلق الله الجن قبل آدم بألفي سنة، وعن ابن عباس: كان الجن سكان الأرض والملائكة سكان السماء، وقال بعضهم: عمروا الأرض ألفي سنة، وقيل: أربعين سنة، وعن عكرمة عن ابن عباس قال: خلق الله شوما أبا الجن، وهو الذي خلق من مارج من نار.

وكل هذه أقوال مصدرها إسرائيليات لا يعتمد عليها.
والله أعلم.

( ج) واختلف في صفتهم فقال بعض المعتزلة: الجن أجسام رقيقة بسيطة.

وقال أبو يعلى بن الفراء: الجن أجسام مؤلفة، وأشخاص ممثلة، يجوز أن تكون رقيقة، وأن تكون كثيفة، خلافاً للمعتزلة في دعواهم أنها رقيقة، وأن امتناع رؤيتنا لهم من جهة رقتها، قال: وهو مردود، فإن الرقة ليست بمانعة من الرؤية، ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها.
اهـ.

أما عن رؤيتهم في صورتهم الحقيقية أو صورة متطورة فقد روى البيهقي في مناقب الشافعي بإسناده عن الربيع، سمعت الشافعي يقول: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته إلا أن يكون نبياً.
اهـ وهو محمول على من يدعي رؤيتهم على صورتهم التي خلقوا عليها، وأما من ادعى أنه يرى شيئاً منهم بعد أن يتطور على صور شتى فلا يقدح فيه، وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور.

قال الحافظ ابن حجر: واختلف أهل الكلام في ذلك، فقيل هو تخييل فقط ولا ينتقل أحد عن صورته الأصلية، وقيل: بل ينتقلون، لكن لا باقتدارهم على ذلك، بل بضرب من الفعل إذا فعله انتقل كالسحر.
قال: وهذا يرجع إلى الأول.
اهـ

( د) واختلف أيضاً: وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون؟ أو لا؟ فقيل: نعم، وقيل: لا.
ومن قال نعم اختلفوا.
فقيل: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح، لا مضغ ولا بلع، وهو مردود بما رواه أبو داود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل ولم يسم، ثم سمى في آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مازال الشيطان يأكل معه، فلما سمى استقاء ما في بطنه.

وروى مسلم من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل أحدكم بشماله ويشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله.

والرواية الثانية من أحاديث الباب تفيد أن الزاد الذي أبيح لهم كل عظم ذكر اسم الله عليه، وقد قيل: إن هذا لمؤمنهم، أما الكافرون فطعامهم ما لم يذكر اسم الله عليه.
قاله النووي.

واستدل من قال: إنهم يتناكحون بقوله تعالى: { { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } } [الرحمن: 56] وبقوله { { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو } } [الكهف: 50]؟

وأما كونهم مكلفين فقد قال ابن عبد البر: الجن عند الجماعة مكلفون.
وقال عبد الجبار: لا نعلم خلافاً بين أهل النظر في ذلك، إلا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا مكلفين.
قال: والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم، وما أعد لهم من العذاب، وهذه الخصال لا تكون إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي، مع تمكنه من أن لا يفعل، والآيات والأخبار الدالة على ذلك كثيرة جداً.

وإذا تقرر كونهم مكلفين فقد اختلفوا.
هل كان فيهم نبي منهم أولاً؟ فروى الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم إثبات ذلك، ومن قال بقول الضحاك احتج بأن الله تعالى أخبر أن من الجن والأنس رسلاً أرسلوا إليهم: { { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } } [الأنعام: 130].

فلو جاز أن المراد برسل الجن رسل الإنس لجاز عكسه، وهو فاسد.
اهـ وأجاب الجمهور بأن معنى الآية أن رسل الإنس رسل من قبل الله إليهم، ورسل الجن بثهم الله في الأرض، فسمعوا كلام الرسل من الإنس، وبلغوا أممهم، ولهذا قال قائلهم: { { إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى } } [الأحقاف: 30] واحتج ابن حزم بأنه صلى الله عليه وسلم قال: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة قال: وليس الجن من قوم الإنس، فثبت أنه كان فيهم أنبياء إليهم.
قال: ولم يبعث إلى الجن من الإنس نبي إلا نبينا صلى الله عليه وسلم لعموم بعثه للجن والإنس باتفاق.
اهـ

وقال ابن عبد البر: لا يختلفون أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن، وهذا مما فضل به محمد على الأنبياء.
اهـ

وقال ابن تيمية: اتفق على ذلك علماء السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين.

قال ابن حجر: وثبت التصريح بذلك في حديث وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الإنس والجن.

وإذا تقرر أنهم مكلفون فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الإسلام، وأما ما عداه من الفروع فاختلف فيه، لما ثبت من النهي عن الروث والعظم، وأنها زاد الجن، مما يدل على جواز تناولهم الروث، وذلك حرام على الإنس.
اهـ

ولم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي، واختلف هل يثابون؟

فروى الطبري وابن أبي حاتم موقوفاً إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار قال الله لمؤمني الجن وسائر الأمم [أي من غير الإنس] كونوا تراباً فحينئذ يقول الكافر: { { يا ليتني كنت تراباً } } [النبأ: 40] وروى ابن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال: ثواب الجن أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم كونوا تراباً.
وروي عن أبي حنيفة هذا القول، ويؤيد هذا الرأي قوله تعالى: { { يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } } [الأحقاف: 31] حيث جعل نتيجة الإيمان الإجارة من النار، ويرده أن مثل ذلك وارد في الإنس أيضاً، وعدم ذكر الجنة ليس دليلاً على عدم استحقاقها.

وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة، وهو قول الأئمة الثلاثة والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وغيرهم، واختلفوا هل يدخلون الجنة مدخل الإنس على أربعة أقوال:

( 1) [نعم]، وهو قول الأكثر.

( 2) يكونون في ربض الجنة، وهو منقول عن مالك وطائفة.

( 3) أنهم أصحاب الأعراف.

( 4) التوقف.

وفي قوله تعالى: { { ولكل درجات مما عملوا } } [الأنعام: 132، الأحقاف: 19].
{ { أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس } } [الأحقاف: 18] بعدها { { ولكل درجات مما عملوا } } { { ولمن خاف مقام ربه جنتان } } [الرحمن: 46] والخطاب للإنس والجن، بدليل قوله تعالى: { { فبأي آلاء ربكما تكذبان } }

في ذلك كله دليل كاف على أنهم يدخلون الجنة.

3- وأما عن استراقهم السمع فقد قال النووي: ظاهر قوله وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب أن هذا حدث بعد نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قبلها، ولهذا أنكرته الشياطين وارتاعت له، وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب حتى قطع بين الشياطين وبين صعود السماء واستراق السمع.
اهـ وذكر ابن إسحق أن العرب أنكرت وقوع الشهب.
وأشدهم إنكاراً ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رئيسهم عمرو بن أمية بعد ما عمي، فسألوه، فقال انظروا، إن كانت هي التي يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فهو خراب الدنيا وزوالها، وإن كان غيرها فهو لأمر حدث.

وذهب جماعة من العلماء وابن عباس والزهري إلى أن الشهب مازالت منذ كانت الدنيا، يؤيده ما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: ورمي بنجم ما كنتم تقولون إن كان مثل هذا في الجاهلية؟ قالوا: يموت عظيم أو يولد عظيم الحديث.

وذكر بعضهم أن السماء كانت محروسة قبل النبوة، ولكن إنما كانت تقع الشهب عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل، أو إرسال رسول إليهم، وعليه فسروا قوله تعالى: { { وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً } } [الجن: 10].

وقيل: كانت الشهب مرئية معلومة، لكن رجم الشياطين وإحراقهم لم يكن إلا بعد نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن عباس: كانت الشياطين لا تحجب عن السموات، فلما ولد عيسى عليه السلام منعت من ثلاث سموات، فلما ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منعت منها كلها.

وقال ابن الجوزي: الذي أميل إليه أن الشهب لم ترم إلا قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استمر ذلك وكثر حين بعث، وعن الزهري: كانت الشهب قليلة فغلظ أمرها وكثرت حين البعثة.

قال العيني: فإن قيل: كيف تتعرض الجن لإتلاف نفسها بسبب سماع خبر بعد أن صار الرمي بالشهب معلوماً لهم؟ أجيب بأنه قد ينسيهم الله تعالى ذلك لينفذ فيهم قضاؤه، على أن السهيلي وغيره زعموا أن الشهاب تارة يصيبهم فيحرقهم، وتارة لا يصيبهم، فإن صح هذا كان تعرضهم لعدم تيقنهم الهلاك وعدم جزمهم به.

وقد تحصل لنا في هذه المسألة أقوال:

( أ) الحراسة والشهب لم تكن أصلاً قبل البعثة.

( ب) الحراسة والشهب كانت موجودة قبل البعثة لكن لا تستخدم الشهب إلا عند حدوث أمر عظيم.

وهل كانت موجهة إلى الجن أولا؟ الظاهر لا.

( جـ) الحراسة والشهب كانت موجودة قبل البعثة.
وكانت توجه إلى الشياطين لكن إحراقهم بها لم يكن إلا بعد البعثة.

( د) الحراسة والرجم كانا موجودين وحاصلين قبل البعثة ولكنهما غلظا وكثرا وأحكما بعد البعثة.

ولا يستطيع باحث منصف أن يجزم برأي، فالأمور غيبية والتأويلات سائغة، والله أعلم بالصواب.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- الجهر بالقراءة في الصبح.

2- إثبات صلاة الجماعة وأنها مشروعة في السفر، وأنها كانت مشروعة من أول النبوة.

3- أخذ منه المازري أن الجن آمنوا عند سماع القرآن، قال: ولا بد لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة، وبعد ذلك يقع له العلم بصدق الرسول، فيكون الجن علموا ذلك من كتب الرسل المتقدمين قبلهم على أنه هو النبي الصادق المبشر به.
اهـ.

4- يؤخذ في قوله: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أن الجن يطعمون ذلك.
قال النووي: قال بعض العلماء: هذا لمؤمنيهم، وأما غيرهم فجاء في حديث آخر أن طعامهم ما لم يذكر اسم الله عليه.

5- من قوله وددت أني كنت معه يؤخذ الحرص على مصاحبة أهل الفضل في أسفارهم ومهماتهم ومشاهدهم ومجالسهم مطلقاً والتأسف على فوات ذلك.

6- قال الحافظ ابن حجر: وفيه أن الاعتبار بما قضى الله تعالى للعبد من حسن الخاتمة، لا بما يظهر منه الشر ولو بلغ ما بلغ، لأن هؤلاء الذين بادروا إلى الإيمان بمجرد استماع القرآن كانوا عند إبليس في أعلى مقامات الشر، وإلا ما اختارهم لهذه المهمة، ونحو ذلك قصة سحرة فرعون.

7- قال النووي: في قوله آذنت بهم شجرة دليل على أن الله تعالى يجعل فيما يشاء من الجماد تميزاً، ونظيره قوله تعالى: { { وإن منها لما يهبط من خشية الله } } [البقرة: 74] وقوله تعالى: { { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } } [الإسراء: 44] وقوله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي.
وحديث الشجرتين اللتين انتقلتا إليه صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب، وحديث حنين الجذع، وتسبيح الطعام، وفرار حجر موسى.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْوَقْفِ
[ سـ :3186 ... بـ :1633]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُبْتَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ قَالَ فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا فَلَمَّا بَلَغْتُ هَذَا الْمَكَانَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ قَالَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا قَالَ ابْنُ عَوْنٍ وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هَذَا الْكِتَابَ أَنَّ فِيهِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَأَزْهَرَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ وَلَمْ يُذْكَرْ مَا بَعْدَهُ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ فِيهِ مَا ذَكَرَ سُلَيْمٌ قَوْلُهُ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا إِلَى آخِرِهِ وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَصَبْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا أَحَبَّ إِلَيَّ وَلَا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ فَحَدَّثْتُ مُحَمَّدًا وَمَا بَعْدَهُ
قَوْلُهُ : ( أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ ، لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ ؟ قَالَ : إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ ، قَالَ : فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّعِيفِ ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ ) وَفِي رِوَايَةٍ ( غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا )
أَمَّا قَوْلُهُ : ( هُوَ أَنْفَسُ ) فَمَعْنَاهُ : أَجْوَدُ ، وَالنَّفِيسُ الْجَيِّدُ ، وَقَدْ نَفُسَ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ نَفَاسَةً ، وَاسْمُ هَذَا الْمَالِ الَّذِي وَقَفَهُ عُمَرُ ( ثَمْغٌ ) بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ ) فَمَعْنَاهُ : غَيْرُ جَامِعٍ ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ أَصْلٌ قَدِيمٌ أَوْ جُمِعَ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ فَهُوَ مُؤَثَّلٌ ، وَمِنْهُ مَجْدٌ مُؤَثَّلٌ أَيْ قَدِيمٌ ، وَأَثْلَةُ الشَّيْءِ : أَصْلُهُ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ أَصْلِ الْوَقْفِ ، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِشَوَائِبِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ الْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَاتِ .
وَفِيهِ أَنَّ الْوَقْفَ ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْوَقْفِ ، وَهِيَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْإِنْفَاقِ مِمَّا يُحِبُّ .
وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .
وَفِيهِ مُشَاوَرَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ فِي الْأُمُورِ وَطُرُقِ الْخَيْرِ .
وَفِيهِ أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهَا وَاقْتَسَمُوهَا ، وَاسْتَقَرَّتْ أَمْلَاكُهُمْ عَلَى حِصَصِهِمْ وَنَفَذَتْ تَصَرُّفَاتُهُمْ فِيهَا .

وَفِيهِ فَضِيلَةُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ .

.

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( يَأْكُلُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ ) فَمَعْنَاهُ : يَأْكُلُ الْمُعْتَادَ وَلَا يَتَجَاوَزُهُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .