هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
30 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ ، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
30 حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا شعبة ، عن واصل الأحدب ، عن المعرور بن سويد ، قال : لقيت أبا ذر بالربذة ، وعليه حلة ، وعلى غلامه حلة ، فسألته عن ذلك ، فقال : إني ساببت رجلا فعيرته بأمه ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية ، إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لقيت أبا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ .

Narrated Al-Ma'rur:

At Ar-Rabadha I met Abu Dhar who was wearing a cloak, and his slave, too, was wearing a similar one. I asked about the reason for it. He replied, I abused a person by calling his mother with bad names. The Prophet said to me, 'O Abu Dhar! Did you abuse him by calling his mother with bad names You still have some characteristics of ignorance. Your slaves are your brothers and Allah has put them under your command. So whoever has a brother under his command should feed him of what he eats and dress him of what he wears. Do not ask them (slaves) to do things beyond their capacity (power) and if you do so, then help them.'

0030 Ma’rûr dit : Je rencontrai Abu Dhar à ar-Rabtha. Il portait, ainsi que son esclave, une hulla (un vêtement formé de deux pièces). Je l’interrogeai sur la question et lui de me répondre : J’avais insulté un homme en citant sa mère, d’où le Prophète me dit : « O Abu Dhar ! Tu l’as insulté en citant sa mère ! Tu es un homme en qui il y a encore un caractère qui fait partie de la Jâhiliya. Ces esclaves sont vos frères que Dieu a mis sous votre autorité. Que celui qui a son frère sous son autorité lui donne à manger de ce qu’il mange lui-même et l’habille comme il s’habille lui-même… Ne leur assignez pas une tâche qu’ils ne peuvent faire; aidez-les au cas où vous leur infligez cela ! »

":"ہم سے بیان کیا عبدالرحمٰن بن مبارک نے ، کہا ہم سے بیان کیا حماد بن زید نے ، کہا ہم سے بیان کیا ایوب اور یونس نے ، انھوں نے حسن سے ، انھوں نے احنف بن قیس سے ، کہا کہمیں اس شخص ( حضرت علی رضی اللہ عنہ ) کی مدد کرنے کو چلا ۔ راستے میں مجھ کو ابوبکرہ ملے ۔ پوچھا کہاں جاتے ہو ؟ میں نے کہا ، اس شخص ( حضرت علی رضی اللہ عنہ ) کی مدد کرنے کو جاتا ہوں ۔ ابوبکرہ نے کہا اپنے گھر کو لوٹ جاؤ ۔ میں نے آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ہے آپ صلی اللہ علیہ وسلم فرماتے تھے جب دو مسلمان اپنی اپنی تلواریں لے کر بھڑ جائیں تو قاتل اور مقتول دونوں دوزخی ہیں ۔ میں نے عرض کیا یا رسول اللہ ! قاتل تو خیر ( ضرور دوزخی ہونا چاہیے ) مقتول کیوں ؟ فرمایا ’’ وہ بھی اپنے ساتھی کو مار ڈالنے کی حرص رکھتا تھا ۔ ‘‘ ( موقع پاتا تو وہ اسے ضرور قتل کر دیتا دل کے عزم صمیم پر وہ دوزخی ہوا ) ۔

0030 Ma’rûr dit : Je rencontrai Abu Dhar à ar-Rabtha. Il portait, ainsi que son esclave, une hulla (un vêtement formé de deux pièces). Je l’interrogeai sur la question et lui de me répondre : J’avais insulté un homme en citant sa mère, d’où le Prophète me dit : « O Abu Dhar ! Tu l’as insulté en citant sa mère ! Tu es un homme en qui il y a encore un caractère qui fait partie de la Jâhiliya. Ces esclaves sont vos frères que Dieu a mis sous votre autorité. Que celui qui a son frère sous son autorité lui donne à manger de ce qu’il mange lui-même et l’habille comme il s’habille lui-même… Ne leur assignez pas une tâche qu’ils ne peuvent faire; aidez-les au cas où vous leur infligez cela ! »

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [30] حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ.
إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».
[الحديث طرفاه في: 2545، 6050] .
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بالموحدة الأزدي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واصل) هو ابن حيان بالمهملة المفتوحة والمثناة التحتية الشددة، ولغير أبوي ذر والوقت عن وأصل الأحدب وللأصيلي هو الأحدب (عن المعرور) بعين مهملة وراءين مهملتين بينهما واو، وليس رواية ابن عساكر زيادة ابن سويد (قال) ولأبي ذر عن الكشميهني وقال (لقيت أبا ذر بالربذة) بالذال المعجمة المفتوحة وتشديد الراء جندب بضم الجيم والدال المهملة وقد تفتح ابن جنادة بضم الجيم الغفاري السابق في الإسلام، الزاهد القائل بحرمة ما زاد من المال على الحاجة، المتوفى بالربذة بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة منزل للحاج العراقي على ثلاث مراحل من المدينة، وله في البخاري أربعة عشر حديثًا (وعليه) أي لقيته حال كونه عليه (حلة) بضم المهملة ولا تكون إلا من ثوبين سميا بذلك لأن كل واحد منهما يحل على الآخر (وعلى غلامه حلة) أي وحال كون غلامه عليه حلة ففيه ثلاث أحوال، قال في فتح الباري: ولم يسم غلام أبي ذر؛ ويحتمل أن يكون أبا مراوح مولى أبي ذر (فسألته عن ذلك) أي عن تساويهما في لبس الحلة، وسبب السؤال أن العادة جارية بأن ثياب الغلام دون ثياب سيده (فقال) أبو ذر رضي الله عنه: (إني ساببت) بموحدتين أي شاتمت (رجلاً فعيّرته بأمه) بالعين المهملة أي نسبته إلى العار، وعند المؤلف في الأدب المفرد: وكانت أمه أعجمية فنلت منها، وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء (فقال ليس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا أبا ذر أعيّرته بأمه)؟ بالاستفهام على وجه الإنكار التوبيخي (إنك امرؤ) بالرفع خبر إن وعين كلمته تابعة للامها في أحوالها الثلاث (فيك جاهلية) بالرفع مبتدأ قدّم خبره، ولعل هذا كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريم ذلك، فكانت تلك الخصلة من خصال الجاهلية باقية عنده، ولذا قال له عليه الصلاة والسلام: إنك امرؤ فيك جاهلية، وإلا فأبو ذر من الإيمان بمنزلة عالية، وإنما وبّخه بذلك على عظيم منزلته تحذيرًا له عن معاودة مثل ذلك.
وعند الوليد بن مسلم منقطعًا كما ذكره في الفتح أن الرجل المذكور هو بلال المؤذن.
وروى البرماوي أنه لما شكاه بلال إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "شتمت بلالاً وعيرته بسواد أُمه "؟ قال: نعم.
قال: "حسبت أنه بقي فيك شيء من كبر الجاهلية" فألقى أبو ذر خدّه على التراب ثم قال: لا أرفع خدّي حتى يطأ بلال خذي بقدمه.
زاد ابن الملقن فوطئ خدّه اهـ.
ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ِ: (إخوانكم) أي في الإسلام أو من جهة أولاد آدم فهو على سبيل المجاز (خولكم) بفتح أوّله المعجم والواو أي خدمكم أو عبيدكم الدين يتخوّلون الأمور أي يصلحونها وقدّم الخبر على المبتدأ في قولكم إخوانكم خولكم للاهتمام بشأن الأخوة ويجوز أن يكونا خبرين حذف من كل مبتدؤه أي هم إخوانكم هم خولكم وأعربه الزركشي بالنصب أي احفظوا قال: وقال أبو البقاء إنه أجود لكن رواه البخاري في كتاب حسن الخلق هم إخوانكم وهو يرجح تقدير الرفع هم (جعلهم الله تحت أيديكم) مجاز عن القدرة أو الملك أي وأنتم مالكون إياهم (فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس) أي من الذي يأكله ومن الذي يلبسه والمثناة التحتية في فليطعمه وليلبسه مضمومة وفي يلبس مفتوحة، والفاء في فمن عاطفة على مقدّر أي وأنتم مالكون إلى آخر ما مرّ، ويجوز أن تكون سببية كما في ({ فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّة} [الحج: 63] ، ومن للتبعيض، فإذا أطعم عبده مما يقتاته كأن قد أطعمه مما يأكله ولا يلزمه أن يطعمه من كل مأكوله على العموم من الأدم وطيبات العيش، لكن يستحب له ذلك (ولا تكلفوهم ما) أي الذي (يغلبهم) أي تعجز قدرتهم عنه والنهي فيه للتحريم (فإن كلفتموهم) ما يغلبهم (فأعينوهم) ويلحق بالعبد الأجير والخادم والضيف والدابة.
وفي الحديث النهي عن سبّ العبيد ومن في معناهم وتعييرهم بآبائهم والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم، وأن التفاضل الحقيقي بين المسلمين إنما هو في التقوى، فلا يفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى ويفيد الوضيع النسب بالتقوى.
قال الله تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} [الحجرات: 13] ، وجواز إطلاق الأخ على الرقيق والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي رجاله بصري وواسطي وكوفيان والتحديث والعنعنة، وأخرجه المصنف في العتق والأدب، ومسلم في الإيمان والنذور، وأبو داود والترمذي باختلاف ألفاظ بينهم.
باب { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فَسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية الأصيلي { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] ، أي تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى فإن كل طائفة جمع (فأصلحوا بينهما) بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى، وللأصيلي وأبي الوقت اقتتلوا الآية.
(فسماهم المؤمنين) ولابن عساكر مؤمنين مع تقاتلهم كذا في رواية الأصيلي وغيره فصل هذه الآية والحديث التالي لها بباب كما ترى، وأما رواية أبي ذر عن مشايخه فأدخل ذلك في الباب السابق بعد قوله { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، لكن سقط حديث أبي بكرة من رواية المستملي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [30] حدّثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قالَ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ واصِلٍ الأحْدَبِ عَنِ المَعْرُورِ قَالَ لَقِيتُ أبَا ذَرّ بالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فقالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بأمِّهِ فَقالَ لِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا ذَرٍّ أعَيَّرتَهُ بِأُمِّهِ إنْكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إخْوَانُكُمْ خَولُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ فَمَنْ كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَس وَلا تُكِلِّفُوهمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإنّ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن التَّبْوِيب على جُزْء مِنْهُ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: غَرَض البُخَارِيّ من الحَدِيث الرَّد على الْخَوَارِج فِي قَوْلهم: المذنب من الْمُؤمنِينَ مخلد فِي النَّار، كَمَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة { وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} ( النِّسَاء: 48 و 116) وَالْمرَاد بِهِ: من مَاتَ على الذُّنُوب، كَمَا ذكرنَا..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي ثُبُوت غَرَض البُخَارِيّ مِنْهُ الرَّد عَلَيْهِم دغدغة، إِذْ لَا نزاع لَهُم فِي أَن الصَّغِيرَة لَا يكفر صَاحبهَا، والتعيير بِنَحْوِ: يَا ابْن السَّوْدَاء، صَغِيرَة.
قلت: يُشِير الْكرْمَانِي بِكَلَامِهِ هَذَا إِلَى عدمالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
السَّادِس: فِيهِ جَوَاز إِطْلَاق الْأَخ على الرَّقِيق.
( بَاب { وإنْ طَائِفَتَانِ مِنْ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنِينَ} ) الْكَلَام فِيهِ على وُجُوه.
الأول: قَالَ الْكرْمَانِي: وَقع فِي كثير من نسخ البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة، وَحَدِيث أحنف، ثمَّ حَدِيث أبي ذَر فِي بَاب وَاحِد بعد قَوْله تَعَالَى: { وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} ( النِّسَاء: 48 و 116) وَفِي بَعْضهَا على التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
قلت: التَّرْتِيب الأول وَهُوَ رِوَايَة أبي ذَر عَن مشايخه، لَكِن سقط حَدِيث أبي بكرَة من رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَالتَّرْتِيب الثَّانِي الَّذِي مشينا عَلَيْهِ هُوَ رِوَايَة الْأصيلِيّ وَغَيره، وكل من الترتيبين حسن جيد.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول أَن مرتكب الْمعْصِيَة لَا يكفر بهَا، وَأَن صفة الْإِيمَان لَا تسلب عَنهُ، فَكَذَلِك فِي هَذَا الْبَاب يبين مثل ذَلِك، لِأَن الْآيَة الْمَذْكُورَة فِيهِ فِي حق الْبُغَاة، وَقد سماهم الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ وَلم تسلب عَنْهُم صفة الْإِيمَان، وَبِهَذَا يرد على الْخَوَارِج والمعتزلة كَمَا ذكرنَا.
الثَّالِث: قَوْله: ( بَاب) لَا يعرب إلاَّ بعد تركيبه مَعَ شَيْء آخر، بِأَن يُقَال: هَذَا بَاب، وَنَحْو ذَلِك، ولايجوز إِضَافَته إِلَى مَا بعده.
الرَّابِع: فِي معنى الْآيَة وَإِعْرَابه.
فَقَوله { طَائِفَتَانِ} ( الحجرات: 9) تَثْنِيَة طَائِفَة، وَهِي الْقطعَة من الشَّيْء فِي اللُّغَة.
وَفِي ( الْعباب) : الطَّائِفَة من الشَّيْء الْقطعَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} ( النُّور: 2) قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا: الطَّائِفَة الْوَاحِد فَمَا فَوْقه، فَمن أوقع الطَّائِفَة على الْمُفْرد يُرِيد النَّفس الطَّائِفَة.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: الطَّائِفَة الرجل الْوَاحِد إِلَى الْألف..
     وَقَالَ  عَطاء: أقلهَا رجلَانِ.
انْتهى..
     وَقَالَ  الزّجاج: الَّذِي عِنْدِي أَن أقل الطَّائِفَة اثْنَان، وَقد حمل الشَّافِعِي وَغَيره من الْعلمَاء الطَّائِفَة فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن على أوجه مُخْتَلفَة بِحَسب المواطن، فَهِيَ فِي قَوْله تَعَالَى: { فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} ( التَّوْبَة: 122) وَاحِد فَأكْثر، وَاحْتج بِهِ فِي قبُول خبر الْوَاحِد، وَفِي قَوْله تَعَالَى: { وليشهد عذابهما طَائِفَة} ( النُّور: 2) أَرْبَعَة، وَفِي قَوْله تَعَالَى: { فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} ( النِّسَاء: 102) ثَلَاثَة، وَفرقُوا فِي هَذِه الْمَوَاضِع بِحَسب الْقَرَائِن، أما فِي الأولى، فَلِأَن الْإِنْذَار يحصل بِهِ، وَفِي الثَّانِيَة لِأَنَّهَا لبينة فِيهِ، وَفِي الثَّالِثَة لذكرهم بِلَفْظ الْجمع فِي قَوْله: { وليأخذوا أسلحتهم} ( النِّسَاء: 102) إِلَى آخِره، وَأقله ثَلَاثَة على الْمَذْهَب الْمُخْتَار فِي قَول جُمْهُور أهل اللُّغَة وَالْفِقْه وَالْأُصُول.
فَإِن قلت: فقد قَالَ الله تَعَالَى فِي آيَة الانذار: { ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم} ( التَّوْبَة: 122) وَهَذِه ضمائر جموع! قلت: إِن الْجمع عَائِد إِلَى الطوائف الَّتِي تَجْتَمِع من الْفرق قَوْله: ( وَإِن) للشّرط.
وَالتَّقْدِير: وَإِن اقتتل طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: ( فأصلحوا) جَوَاب الشَّرْط.
الْخَامِس: دلّت الْآيَة أَن الْمُؤمن لَا يُخرجهُ فسقه ومعاصيه عَن الْمُؤمنِينَ، وَلَا يسْتَحق بذلك الخلود فِي النَّار، وَقد قَالَ الْعلمَاء: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على وجوب قتال الفئة الباغية على الإِمَام أَو على آحَاد الْمُسلمين، وعَلى فَسَاد قَول من منع من قتال الْمُؤمنِينَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( سباب الْمُؤمن فسوق وقتاله كفر) ، بل هُوَ مَخْصُوص بِغَيْر الْبَاغِي لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِهِ فِي الْآيَة، فَلَو كَانَ كفرا لما أَمر بِهِ، بل الحَدِيث مَعَ حَدِيث أبي بكرَة، رَضِي الله عَنهُ، الْمَذْكُور فِي الْبَاب مَحْمُول على قتال العصبية وَنَحْوه، وَقد ذكر الواحدي وَغَيره أَن سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة مَا جَاءَ عَن أنس، قَالَ: ( قيل: يَا نَبِي الله لَو أتيت عبد الله بن أبي، فَانْطَلق إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يركب حِمَاره، وَانْطَلق الْمُسلمُونَ يَمْشُونَ، وَهِي أَرض سبخَة، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِلَيْك، فوَاللَّه لقد آذَانِي نَتن حِمَارك، فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: وَالله لحِمَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطيب ريحًا مِنْك، فَغَضب لعبد الله رجل من قومه، وَغَضب لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَصْحَابه، وَكَانَ بَينهمَا ضرب بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنعال) .
فَإِن قلت: قَالَ أَولا: اقْتَتَلُوا، بِلَفْظ الْجمع، وَثَانِيا: بَينهمَا، بِلَفْظ التَّثْنِيَة فَمَا تَوْجِيهه؟ قلت: نظر فِي الأول إِلَى الْمَعْنى، وَفِي الثَّانِي إِلَى اللَّفْظ، وَذَلِكَ سَائِغ ذائع، وَقَرَأَ ابْن أبي عبلة: اقتتلتا، وَقَرَأَ عمر بن عبيد: اقتتلا، على تَأْوِيل الرهطين أَو النفرين.
قَوْله: ( فسماهم الْمُؤمنِينَ) أَي: سمى الله تَعَالَى أهل الْقِتَال مُؤمنين، فَعلم أَن صَاحب الْكَبِيرَة لَا يخرج عَن الْإِيمَان.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :30 ... غــ :30 ]
- باب
خرج فيهِ:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلاَّ بِالشِّرْكِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ».
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
هذا ( باب) بالتنوين وهو ساقط عند الأصيلي ( المعاصي) كبائرها وصغائرها ( من أمر الجاهلية) وهي زمان الفترة قبل الإسلام وسمي بذلك لكثرة الجهالات فيه ( ولا يكفر) بفتح المثناة التحتية وسكون الكاف، وفي غير رواية أبي الوقت ولا يكفر بضمها وفتح الكاف وتشديد الفاء المفتوحة ( صاحبها بارتكابها) أي لا ينسب إلى الكفر باكتساب المعاصىِ والإتيان بها ( إلا بالشرك) أي بارتكابه خلافًا للخوارج القائلين بتكفيره بالكبيرة والمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر، واحترز بالارتكاب عن الاعتقاد.
فلو اعتقد حلّ حرام معلوم من الدين بالضرورة كفر قطعًا.

ثم استدل المؤلف لا ذكره فقال: القول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنك امرؤ فيك جاهلية) أي إنك في تعييره بأمه على خُلُق من أخلاق الجاهلية ولست جاهلاً محضًا ( وقول الله تعالى) ولأبي ذر والأصيلي عز وجل ولأبي ذر عن الكشميهني، وقال الله: ( إن الله لا يغفر أن يشرك به) أي يكفر به ولو بتكذيب نبيه لأن من جحد نبوّة الرسول عليه الصلاة والسلام مثلاً فهو كافر ولو لم يجعل مع الله إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48] ، فصير ما دون الشرك تحت إمكان المغفرة، فمن مات على التوحيد غير مخلد في النار وإن ارتكب من الكبائر غير الشرك ما عساه أن يرتكب.



[ قــ :30 ... غــ : 30 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ.
إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».
[الحديث 30 - طرفاه في: 2545، 6050] .


وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) بالموحدة الأزدي البصري ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن واصل) هو ابن حيان بالمهملة المفتوحة والمثناة التحتية الشددة، ولغير أبوي ذر والوقت عن وأصل الأحدب وللأصيلي هو الأحدب ( عن المعرور) بعين مهملة وراءين مهملتين بينهما واو، وليس رواية ابن عساكر زيادة ابن سويد ( قال) ولأبي ذر عن الكشميهني وقال ( لقيت أبا ذر بالربذة) بالذال المعجمة المفتوحة وتشديد الراء جندب بضم الجيم والدال المهملة وقد تفتح ابن جنادة بضم الجيم الغفاري السابق في الإسلام، الزاهد القائل بحرمة ما زاد من المال على الحاجة، المتوفى بالربذة بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة منزل للحاج العراقي على ثلاث مراحل من المدينة، وله في البخاري أربعة عشر حديثًا ( وعليه) أي لقيته حال كونه عليه ( حلة) بضم المهملة ولا تكون إلا من ثوبين سميا بذلك لأن كل واحد منهما يحل على الآخر ( وعلى غلامه حلة) أي وحال كون غلامه عليه حلة ففيه ثلاث أحوال، قال في فتح الباري: ولم يسم غلام أبي ذر؛ ويحتمل أن يكون أبا مراوح مولى أبي ذر ( فسألته عن ذلك) أي عن تساويهما في لبس الحلة، وسبب السؤال أن العادة جارية بأن ثياب الغلام دون ثياب سيده ( فقال) أبو ذر رضي الله عنه: ( إني ساببت) بموحدتين أي شاتمت ( رجلاً فعيّرته بأمه) بالعين المهملة أي نسبته إلى العار، وعند المؤلف في الأدب المفرد: وكانت أمه أعجمية فنلت منها، وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء ( فقال ليس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا أبا ذر أعيّرته بأمه) ؟ بالاستفهام على وجه الإنكار التوبيخي ( إنك امرؤ) بالرفع خبر إن وعين كلمته تابعة للامها في أحوالها الثلاث ( فيك جاهلية) بالرفع مبتدأ قدّم خبره، ولعل هذا كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريم ذلك، فكانت تلك الخصلة من خصال الجاهلية باقية عنده، ولذا قال له عليه الصلاة والسلام: إنك امرؤ فيك جاهلية، وإلا فأبو ذر من الإيمان بمنزلة عالية، وإنما وبّخه بذلك على عظيم منزلته تحذيرًا له عن معاودة مثل ذلك.
وعند الوليد بن مسلم منقطعًا كما ذكره في الفتح أن الرجل المذكور هو بلال المؤذن.
وروى البرماوي أنه لما شكاه بلال إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "شتمت بلالاً وعيرته بسواد أُمه "؟ قال: نعم.
قال: "حسبت أنه بقي فيك شيء من كبر الجاهلية" فألقى أبو ذر خدّه على التراب ثم قال: لا أرفع خدّي حتى يطأ بلال خذي بقدمه.
زاد ابن الملقن فوطئ خدّه اهـ.
ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ِ: ( إخوانكم) أي في الإسلام أو من جهة أولاد آدم فهو على سبيل المجاز ( خولكم) بفتح أوّله المعجم والواو أي خدمكم أو عبيدكم الدين يتخوّلون الأمور أي
يصلحونها وقدّم الخبر على المبتدأ في قولكم إخوانكم خولكم للاهتمام بشأن الأخوة ويجوز أن يكونا خبرين حذف من كل مبتدؤه أي هم إخوانكم هم خولكم وأعربه الزركشي بالنصب أي احفظوا قال: وقال أبو البقاء إنه أجود لكن رواه البخاري في كتاب حسن الخلق هم إخوانكم وهو يرجح تقدير الرفع هم ( جعلهم الله تحت أيديكم) مجاز عن القدرة أو الملك أي وأنتم مالكون إياهم ( فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس) أي من الذي يأكله ومن الذي يلبسه والمثناة التحتية في فليطعمه وليلبسه مضمومة وفي يلبس مفتوحة، والفاء في فمن عاطفة على مقدّر أي وأنتم مالكون إلى آخر ما مرّ، ويجوز أن تكون سببية كما في ( { فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّة} [الحج: 63] ، ومن للتبعيض، فإذا أطعم عبده مما يقتاته كأن قد أطعمه مما يأكله ولا يلزمه أن يطعمه من كل مأكوله على العموم من الأدم وطيبات العيش، لكن يستحب له ذلك ( ولا تكلفوهم ما) أي الذي ( يغلبهم) أي تعجز قدرتهم عنه والنهي فيه للتحريم ( فإن كلفتموهم) ما يغلبهم ( فأعينوهم) ويلحق بالعبد الأجير والخادم والضيف والدابة.
وفي الحديث النهي عن سبّ العبيد ومن في معناهم وتعييرهم بآبائهم والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم، وأن التفاضل الحقيقي بين المسلمين إنما هو في التقوى، فلا يفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى ويفيد الوضيع النسب بالتقوى.
قال الله تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} [الحجرات: 13] ، وجواز إطلاق الأخ على الرقيق والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي رجاله بصري وواسطي وكوفيان والتحديث والعنعنة، وأخرجه المصنف في العتق والأدب، ومسلم في الإيمان والنذور، وأبو داود والترمذي باختلاف ألفاظ بينهم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ المَعَاصِي مِنْ أمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكابِهَا إلاَّ بِالشِّرْكِ لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جاهِليَّةٌ وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { إنّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .
)

الْكَلَام فِيهِ على وُجُوه: الأول: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ ظَاهر، لِأَن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول كفران العشير، وَهُوَ أَيْضا من جملَة الْمعاصِي.
الثَّانِي: يجوز فِي بابُُ التَّنْوِين وَالْإِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة الَّتِي بعده، لِأَن قَوْله: ( الْمعاصِي) مُبْتَدأ، وَقَوله: ( من أَمر الْجَاهِلِيَّة) ، خَبره وعَلى كل تَقْدِير تَقْدِيره: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن الْمعاصِي من أُمُور الْجَاهِلِيَّة.
الثَّالِث: وَجه التَّرْجَمَة هُوَ الرَّد على الرافضة والأباضية وَبَعض الْخَوَارِج فِي قَوْلهم: إِن المذنبين من الْمُؤمنِينَ مخلدون فِي النَّار بِذُنُوبِهِمْ، وَقد نطق الْقُرْآن بتكذيبهم فِي مَوَاضِع، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: { إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} ( النِّسَاء: 48 و 116) الْآيَة.
الرَّابِع: قَوْله: ( الْمعاصِي) ، جمع مَعْصِيّة، وَهِي مصدر ميمي.
وَفِي ( الصِّحَاح) وَقد عَصَاهُ، بِالْفَتْح، يعصيه عصيا ومعصية.
وَفِي الشَّرْع: هُوَ مُخَالفَة الشَّارِع بترك وَاجِب أَو فعل محرم، وَهُوَ أَعم من الْكَبَائِر والصغائر.
و: ( الْجَاهِلِيَّة) : زمَان الفترة قبل الْإِسْلَام، سميت بذلك لِكَثْرَة جهالاتهم.
قَوْله ( وَلَا يكفر) ، بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة، أَي: لَا ينْسب إِلَى الْكفْر، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْقَاف.
قَوْله: ( بارتكابها) أَي: بارتكاب الْمعاصِي، وَأَرَادَ بالارتكاب الِاكْتِسَاب والاتيان بهَا عِنْده، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِمَا فِي حَدِيث أبي ذَر من قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: ( إِنَّك امْرُؤ فِيك جَاهِلِيَّة) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: { إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} ( النِّسَاء: 48 و 116) الْآيَة.
أما وَجه الِاسْتِدْلَال بِمَا فِي الحَدِيث فَهُوَ أَنه قَالَ لَهُ: فِيك جَاهِلِيَّة يَعْنِي: أَنَّك فِي تعيير أمه على خلق من أَخْلَاق الْجَاهِلِيَّة وَلست جَاهِلا مَحْضا، وَكَانَ أَبُو ذَر قد عير الرجل بِأُمِّهِ، على مَا يَجِيء بَيَانه عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَهُوَ نوع من الْمعْصِيَة.
وَلَو كَانَ مرتكب الْمعْصِيَة يكفر لبين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي ذَر، وَلم يكتف بقوله فِي الْإِنْكَار عَلَيْهِ: ( إِنَّك امْرُؤ فِيك جَاهِلِيَّة) .
وَأما الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ فَظَاهر صَرِيح، وَهَذَا هُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
وَأما عِنْد الْخَوَارِج: فالكبيرة مُوجبَة للكفر، وَعند الْمُعْتَزلَة مُوجبَة للمنزلة بَين المنزلتين صَاحبهَا لَا مُؤمن وَلَا كَافِر..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْمَفْهُوم من الْآيَة أَن مرتكب الشّرك لَا يغْفر لَهُ لَا أَنه يكفر، والترجمة إِنَّمَا هِيَ فِي الْكفْر لَا فِي الغفر.
قلت: الْكفْر وَعدم الغفر عندنَا متلازمان؛ نعم، عِنْد الْمُعْتَزلَة صَاحب الْكَبِيرَة الَّذِي لم يتب مِنْهَا غير مغْفُور لَهُ، بل يخلد فِي النَّار.
فِي الْكَلَام لف وَنشر، وَمذهب أهل الْحق على أَن من مَاتَ موحدا لَا يخلد فِي النَّار وَإِن ارْتكب من الْكَبَائِر غير الشّرك مَا ارْتكب، وَقد جَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، مِنْهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: ( وَإِن زنى وَإِن سرق) ، وَالْمرَاد بِهَذِهِ الْآيَة: من مَاتَ على الذُّنُوب من غير تَوْبَة، وَلَو كَانَ المُرَاد: من تَابَ قبل الْمَوْت، لم يكن للتفرقة بَين الشّرك وَغَيره معنى، إِذْ التائب من الشّرك قبل الْمَوْت مغْفُور لَهُ، وَيُقَال: المُرَاد بالشرك فِي هَذِه الْآيَة الْكفْر، لِأَن من جحد نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلا كَانَ كَافِرًا وَلَو لم يَجْعَل مَعَ الله، إلاها آخر، وَالْمَغْفِرَة منتفية عَنهُ بِلَا خلاف، وَقد يرد الشّرك وَيُرَاد بِهِ مَا هُوَ أخص من الْكفْر، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين} ( الْبَيِّنَة: 1) قَوْله: ( إلاَّ بالشرك) ، أَي: إلاَّ بارتكاب الشّرك، حَتَّى يَصح الِاسْتِثْنَاء من الارتكاب..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالَ بارتكابها احْتِرَازًا من اعتقادها، لِأَنَّهُ لَو اعْتقد حل بعض الْمُحرمَات الْمَعْلُومَة من الدّين ضَرُورَة كَالْخمرِ كفر بِلَا خلاف.
الْخَامِس: سَبَب نزُول الْآيَة قَضِيَّة الوحشي قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله عَنهُ، على مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أَتَى وَحشِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد! أَتَيْتُك مستجيرا فأجرني حَتَّى أسمع كَلَام الله، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( قد كنت أحب أَن أَرَاك على غير جوَار، فَأَما إِذا أتيتني مستجيرا فَأَنت فِي جواري حَتَّى تسمع كَلَام الله.
قَالَ: فَإِنِّي أشركت بِاللَّه، وَقتلت النَّفس الَّتِي حرم الله، وزنيت فَهَل يقبل الله تَعَالَى مني تَوْبَة؟ فَصمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أنزلت: { وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} ( الْفرْقَان: 68) إِلَى آخر الْآيَة فَتَلَاهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أرى شرطا فلعلي لَا أعمل صَالحا، أَنا فِي جوارك حَتَّى أسمع كَلَام الله، فَنزلت: { إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} ( النِّسَاء: 48 و 116) فَدَعَا بِهِ فَتَلَاهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: لعَلي مِمَّن لَا يَشَاء الله؟ أَنا فِي جوارك حَتَّى أسمع كَلَام الله، فَنزلت: { يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله} ( الزمر: 53) فَقَالَ: نعم الْآن لَا أرى شرطا، فَأسلم)
.



[ قــ :30 ... غــ :30 ]
- حدّثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قالَ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ واصِلٍ الأحْدَبِ عَنِ المَعْرُورِ قَالَ لَقِيتُ أبَا ذَرّ بالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فقالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بأمِّهِ فَقالَ لِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا ذَرٍّ أعَيَّرتَهُ بِأُمِّهِ إنْكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إخْوَانُكُمْ خَولُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ فَمَنْ كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَس وَلا تُكِلِّفُوهمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإنّ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن التَّبْوِيب على جُزْء مِنْهُ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: غَرَض البُخَارِيّ من الحَدِيث الرَّد على الْخَوَارِج فِي قَوْلهم: المذنب من الْمُؤمنِينَ مخلد فِي النَّار، كَمَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة { وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} ( النِّسَاء: 48 و 116) وَالْمرَاد بِهِ: من مَاتَ على الذُّنُوب، كَمَا ذكرنَا..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي ثُبُوت غَرَض البُخَارِيّ مِنْهُ الرَّد عَلَيْهِم دغدغة، إِذْ لَا نزاع لَهُم فِي أَن الصَّغِيرَة لَا يكفر صَاحبهَا، والتعيير بِنَحْوِ: يَا ابْن السَّوْدَاء، صَغِيرَة.
قلت: يُشِير الْكرْمَانِي بِكَلَامِهِ هَذَا إِلَى عدم مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ مُطَابق لِأَن التعيير بِالْأُمِّ أَمر عَظِيم عِنْدهم، لأَنهم كَانُوا يتفاخرون بالأنساب وَهَذَا ارْتِكَاب مَعْصِيّة عَظِيمَة، وَلِهَذَا أنكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَفْظ يدل على أَشد الْإِنْكَار..
     وَقَالَ  ابْن بطال: مَعْنَاهُ جهلت وعصيت الله تَعَالَى فِي ذَلِك، وَلَئِن سلمنَا أَن هَذَا صَغِيرَة، وَلَكِن كَونه صَغِيرَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَنْب فَوْقه، وبالنسبة إِلَى مَا دونه كَبِيرَة، لِأَن هَذَا من الْأُمُور النسبية، وَلِهَذَا يجوز أَن يُقَال: سَائِر الذُّنُوب بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكفْر صغائر، لِأَنَّهُ لَا ذَنْب أعظم من الْكفْر، وَلَيْسَ فَوْقه ذَنْب، وَمَا دونه مُخْتَلف فِي نَفسه، فَإِن نسب إِلَى مَا فَوْقه فَهُوَ صَغِيرَة، وَإِن نسب إِلَى مَا دونه فَهُوَ كَبِيرَة؛ فَافْهَم.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
الأول: أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بن حَرْب، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَقد تقدم.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج، وَقد تقدم.
الثَّالِث: وَاصل بن حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة، الأحدب الْأَسدي الْكُوفِي، وَهَكَذَا وَقع للأصيلي: عَن وَاصل الأحدب، وَلغيره: عَن وَاصل فَقَط، وَوَقع للْبُخَارِيّ فِي الْعتْق: عَن وَاصل الأحدب، مثل مَا وَقع للأصيلي هُنَا؛ سمع الْمَعْرُور وَأَبا وَائِل وشقيقا ومجاهدا وَغَيرهم؛ روى عَنهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة ومسعر وَغَيرهم؛ قَالَ يحيى بن معِين: ثِقَة،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: صَدُوق صَالح الحَدِيث.
قيل: مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
وحيان: أَن أَخذ من الْحِين ينْصَرف، وَإِن أَخذ من الْحَيَاة لَا ينْصَرف.
الرَّابِع: الْمَعْرُور، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء الْمُهْملَة، ابْن سُوَيْد أَبُو أُميَّة الْأَسدي الْكُوفِي، وَوَقع فِي الْعتْق: سَمِعت الْمَعْرُور بن سُوَيْد.
سمع عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَأَبا ذَر، روى عَنهُ وَاصل الأحدب وَالْأَعْمَش،.

     وَقَالَ : رَأَيْته وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة، أسود الرَّأْس واللحية.
قَالَ يحيى بن معِين وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: أَبُو ذَر، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَتَشْديد الرَّاء، واسْمه جُنْدُب، بِضَم الْجِيم وَالدَّال، وَحكي فتح الدَّال، وَعَن بَعضهم فِيهِ كسر أَوله وَفتح ثالثه، فَكَأَنَّهُ لُغَة من وَاحِد الجنادب الَّذِي هُوَ طَائِر، وَقيل: اسْمه برير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَرَاء مكررة، ابْن جُنْدُب، وَالْمَشْهُور جُنْدُب بن جُنَادَة، بِضَم الْجِيم، بن سُفْيَان بن عبيد بن الوقيعة بن حرَام بن غفار بن مليك بن ضَمرَة بن بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار، الْغِفَارِيّ السَّيِّد الْجَلِيل.
وغفار، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة، قَبيلَة من كنَانَة، أسلم قَدِيما.
رُوِيَ عَنهُ قَالَ: أَنا رَابِع أَرْبَعَة فِي الْإِسْلَام، وَيُقَال: كَانَ خَامِس خَمْسَة، أسلم بِمَكَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاد قومه.
قَامَ بهَا حَتَّى مَضَت بدر وَأحد وَالْخَنْدَق، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة، فصحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى أَن مَاتَ، ومناقبه جمة، وزهده مَشْهُور، وتواضعه وزهده مشبهان فِي الحَدِيث بتواضع عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، وزهده.
وَمن مذْهبه: أَنه يحرم على الْإِنْسَان ادخار مَا زَاد على حَاجته من المَال.
رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِائَتَا حَدِيث وَاحِد وَثَمَانُونَ حَدِيثا، اتفقَا مِنْهَا على اثْنَي عشر، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بحديثين، وَمُسلم بسبعة عشر.
روى عَنهُ خلق من الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عَبَّاس وَأنس وَخلق من التَّابِعين، مَاتَ بالربذة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ، وَقَضيته فِيهِ مَشْهُورَة.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسُّؤَال.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ بصريا وواسطيا وكوفيين.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ بَيَان الرَّاوِي مَكَان لقِيه الصَّحَابِيّ وسؤاله عَنهُ عَن لبسه الدَّاعِي ذَلِك إِلَى تحديث الصَّحَابِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه هَهُنَا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة، وَأخرجه فِي الْعتْق عَن آدم عَن شُعْبَة عَن وَاصل كِلَاهُمَا عَن الْمَعْرُور، وَأخرجه فِي الْأَدَب عَن عَمْرو بن حَفْص بن غياث عَن أَبِيه.
وَأخرجه مُسلم فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع، وَعَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر، وَعَن أبي بكر عَن أبي مُعَاوِيَة عَن إِسْحَاق بن يُونُس عَن عِيسَى بن يُونُس، كلهم عَن الْأَعْمَش، وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن وَاصل كِلَاهُمَا عَن الْمَعْرُور، وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَلَفظه: ( رَأَيْت أَبَا ذَر بالربذة وَعَلِيهِ برد غليظ، وعَلى غُلَامه مثله، قَالَ: فَقَالَ الْقَوْم: يَا أَبَا ذَر { لَو كنت أخذت الَّذِي على غلامك فَجَعَلته مَعَ هَذَا فَكَانَت حلَّة وكسوت غلامك ثوبا غَيره.
فَقَالَ أَبُو ذَر: إِنِّي كنت ساببت رجلا، وَكَانَت أمه أَعْجَمِيَّة، فَعَيَّرْته بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر إِنَّك امْرُؤ فِيك جَاهِلِيَّة.
قَالَ: إِنَّهُم إخْوَانكُمْ فَضلكُمْ الله عَلَيْهِم، فَمن لم يلائمكم فبيعوه وَلَا تعذبوا خلق الله)
وَفِي أُخْرَى لَهُ قَالَ: ( دَخَلنَا على أبي ذَر بالربذة فَإِذا عَلَيْهِ برد وعَلى غُلَامه مثله، فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَر} لَو أخذت برد غلامك إِلَى بردك فَكَانَت حلَّة وَكسوته ثوبا غَيره، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إخْوَانكُمْ، جعلهم الله تَحت أَيْدِيكُم، فَمن كَانَ لَهُ أخوة تَحت يَده فليطعمه مِمَّا يَأْكُل، وليلبسه مِمَّا يلبس، وَلَا يكلفه مَا يغلبه، فَإِن كلفه مَا يغلبه فليعنه)
.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَلَفظه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إخْوَانكُمْ جعلهم الله تَحت أَيْدِيكُم، فَمن كَانَ أَخُوهُ تَحت يَده فليطعمه من طَعَامه، وليلبسه من لِبَاسه، وَلَا يكلفه مَا يغلبه فَإِن كلفه مَا يغلبه فليعنه) .

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( بالربذة) ، بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة، مَوضِع قريب من الْمَدِينَة، منزل من منَازِل خَارج الْعرَاق، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ثَلَاثَة مراحل، قريب من ذَات عرق.
قَوْله: ( حلَّة) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، وَهِي إِزَار ورداء، وَلَا يُسمى حلَّة حَتَّى تكون ثَوْبَيْنِ، وَيُقَال: الْحلَّة ثَوْبَان غير لفقين: رِدَاء وَإِزَار، سميا بذلك لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يحل على الآخر.
قَوْله: ( ساببت) أَي: شاتمت، وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ.
قَوْله: ( فَعَيَّرْته) بِالْعينِ الْمُهْملَة، أَي نسبته إِلَى الْعَار.
وَفِي ( الْعبابُ) الْعَار: السبة وَالْعَيْب، وَمِنْه الْمثل: النَّار وَلَا الْعَار، أَي: اختر النَّار أَو الزمها.
وعاره يعيره إِذا عابه، وَهُوَ من الأجوف اليائي، يُقَال: عيرته بِكَذَا، وعيرته كَذَا.
قَوْله: ( خولكم) بِفَتْح الْوَاو، وخول الرجل: حشمه، الْوَاحِد خايل، وَقد يكون الخول وَاحِدًا وَهُوَ اسْم يَقع على العَبْد وَالْأمة.
قَالَ الْفراء: هُوَ جمع: خايل، وَهُوَ الرَّاعِي..
     وَقَالَ  غَيره: هُوَ من التخويل، وَهُوَ التَّمْلِيك وَقيل: الخول الخدم، وَسموا بِهِ لأَنهم يتخولون الْأُمُور، أَي يصلحونها..
     وَقَالَ  القَاضِي: أَي خدمكم وعبيدكم الَّذين يتخولون أُمُوركُم، أَي: يصلحون أُمُوركُم، ويقومون بهَا.
يُقَال: خَال المَال يخوله إِذا أحسن الْقيام عَلَيْهِ، وَيُقَال: هُوَ لفظ مُشْتَرك، تَقول خَال المَال وَالشَّيْء يخول، وخلت أخول خولاً إِذا أسست الشَّيْء، وتعاهدته وأحسنت الْقيام عَلَيْهِ، والخايل: الْحَافِظ، وَيُقَال: خايل المَال، وخايل مَال، وخولي مَال، وخوله الله الشَّيْء: أَي ملكه إِيَّاه.
قَوْله: ( وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ) من التَّكْلِيف، وَهُوَ تحميل الشَّخْص شَيْئا مَعَه كلفة، وَقيل: هُوَ الْأَمر بِمَا يشق.
قَوْله: ( مَا يَغْلِبهُمْ) أَي: مَا يصير قدرتهم فِيهِ مغلوبة، يُقَال: غَلبه غلبا بِسُكُون اللَّام، وغلبا بتحريكها، وَغَلَبَة بإلحاق الْهَاء، وغلابية مثل عَلَانيَة، وَغَلَبَة مثل خرقَة، وغلبي، بِضَمَّتَيْنِ مُشَدّدَة الْبَاء مَقْصُورَة ومغلبة.
قَوْله: ( فَأَعِينُوهُمْ) من الْإِعَانَة وَهِي المساعدة.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( لقِيت) فعل وفاعل، وَأَبا ذَر مَفْعُوله.
قَوْله: ( بالربذة) فِي مَحل النصب على الْحَال، أَي: لَقيته حَال كَونه بالربذة.
وَقَوله: ( وَعَلِيهِ حلَّة) ، جملَة إسمية حَال أَيْضا، وَكَذَا قَوْله: ( وعَلى غُلَامه حلَّة) .
قَوْله: ( فَسَأَلته) عطف على قَوْله: ( لقِيت أَبَا ذَر) .
قَوْله: ( ساببت) فعل وفاعل و: ( رجلا) مَفْعُوله.
قَوْله: ( فَعَيَّرْته) ، عطف على ( ساببته) .
فَإِن قلت: هَذَا عطف الشَّيْء على نَفسه لِأَن التعيير هُوَ نفس السب، وَكَيف تصح الْفَاء بَينهمَا، وَشرط المعطوفين مغايرتهما؟ قلت: هما متغايران بِحَسب الْمَفْهُوم من اللَّفْظ، وَمثل هَذِه الْفَاء تسمى بِالْفَاءِ التفسيرية، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { تُوبُوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم} ( الْبَقَرَة: 54) حَيْثُ قَالَ فِي التَّفْسِير: إِن الْقَتْل هُوَ نفس التَّوْبَة.
قَوْله: ( يَا باذر) أَصله، يَا أَبَا ذَر، بِالْهَمْزَةِ فحذفت للْعلم بهَا تَخْفِيفًا.
قَوْله: ( أعيرته) ؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على وَجه الْإِنْكَار التوبيخي، وَقَول من قَالَ للتقرير، بعيد.
قَوْله: ( امْرُؤ) مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر: إِن، وَهُوَ من نَوَادِر الْكَلِمَات، إِذْ حَرَكَة عين الْكَلِمَة تَابِعَة للامها فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث وَفِي ( الْعبابُ) : الْمَرْء، الرجل، يُقَال: هَذَا امْرُؤ صَالح، وَرَأَيْت مرأ صَالحا، ومررت بمره صَالح، وَضم الْمِيم فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث لُغَة، وهما مرآن صالحان، وَلَا يجمع على لَفظه، وَتقول: هَذَا مرء، بِالضَّمِّ، و: رَأَيْت مرأ،، بِالْفَتْح ومررت بمرء بِالْكَسْرِ معربا من مكانين.
وَتقول: هَذَا أمرأ، بِفَتْح الرَّاء، وَكَذَلِكَ: رَأَيْت أمرأ، أَو مَرَرْت بأمرى بِفَتْح الراءآت.
وَبَعْضهمْ يَقُول هَذِه: مرأة صَالِحَة وَمرَّة أَيْضا بترك الْهمزَة وتحريك الرَّاء بحركتها، فَإِن جِئْت بِأَلف الْوَصْل كَانَ فِيهِ أَيْضا ثَلَاث لُغَات: فتح الرَّاء على كل حَال حَكَاهَا الْفراء، وَضمّهَا على كل حَال، وإعرابها على كل حَال، وَتقول: هَذَا أمرؤ وَرَأَيْت أمرأ، أَو بمررت بامرىء، معربا من مكانين، وَهَذِه امْرَأَة، مَفْتُوحَة الرَّاء على كل حَال، وإعرابها على كل حَال، فَإِن صغرت أسقطت ألف الْوَصْل فَقلت: مرىء ومريئة.
قَوْله: ( جَاهِلِيَّة) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ ( وفيك) مقدما خَبره.
قَوْله: ( إخْوَانكُمْ خولكم) يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ.
أَحدهمَا: أَن يكون ( خولكم) مُبْتَدأ و ( إخْوَانكُمْ) مقدما خَبره، وتقديمه للاهتمام كَمَا سنبينه عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَالْآخر: أَن يكون اللفظان خبرين حذف من كل وَاحِد مِنْهُمَا الْمُبْتَدَأ، تَقْدِيره: هم إخْوَانكُمْ هم خولكم.
قَوْله: ( جعلهم الله) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هم جعلهم الله تَحت أَيْدِيكُم.
قَوْله: ( فَمن كَانَ) كلمة من، مَوْصُولَة متضمنة معنى الشَّرْط فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، و: ( أَخُوهُ) مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم كَانَ، وَقَوله: ( تَحت يَده) مَنْصُوب على أَنه خَبره، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول.
وَقَوله: ( فليطعمه) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْفَاء لتَضَمّنه معنى الشَّرْط، وَأما الْفَاء الَّتِي فِي: فَمن، فَإِنَّهَا عاطفة على مُقَدّر، تَقْدِيره: وَأَنْتُم مالكون إيَّاهُم، فَمن كَانَ إِلَى آخِره، وَيجوز أَن تكون سَبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} ( الْحَج: 63) قَوْله: ( مِمَّا يَأْكُل) يجوز أَن تكون مَا، مَوْصُولَة، والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره: من الَّذِي يَأْكُلهُ، وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة أَي من أكله.
قَوْله: ( وليلبسه) عطف على: ( فليطعمه) وإعراب ( مِمَّا يلبس) مثل إِعْرَاب ( مِمَّا يَأْكُل) .
قَوْله: ( وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ) جملَة ناهية من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول.
وَقَوله: ( مَا يَغْلِبهُمْ) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول ثَان، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة، ويغلبهم، صلتها.
قَوْله: ( فَأَعِينُوهُمْ) ، جَوَاب الشَّرْط فَلذَلِك دخلت الْفَاء.

بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان: فِيهِ ثَلَاثَة أَحْوَال مُتَوَالِيَة.
وَهِي قَوْله: ( بالربذة) و: ( عَلَيْهِ حلَّة) و ( على غُلَامه حلَّة) فَإِن قلت: الْحَال مَا بَين هَيْئَة الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَبَيَان هَيْئَة الْمَفْعُول فِي الْحَالين الْأَوَّلين ظَاهر، وَأما مَا فِي الْحَال الْأَخِيرَة وَهِي قَوْله ( وعَلى غُلَامه حلَّة) فَغير ظَاهر.
قلت: هَذَا نَظِير قَوْلك جِئْت مَاشِيا وَزيد متكىء إِذْ الْمَعْنى: جِئْت فِي حَال مشي، وَحَال اتكاء زيد، فَكَذَلِك التَّقْدِير هَهُنَا: لقِيت أَبَا ذَر فِي حَال كَونه بالربذة، وَحَال كَون غُلَامه فِي حلَّة.
وَاسم هَذَا الْغُلَام لم يبين فِي رِوَايَات هَذَا الحَدِيث،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون أَبَا مراوح، مولى أبي ذَر، وَحَدِيثه عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
قلت: هَذَا خدش، وبالاحتمال لَا تثبت الْحَقِيقَة.
فَإِن قلت: قد اخْتلفت أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث فِي الْحلَّة، فاللفظ الْوَاقِع هُنَا: عَلَيْهِ حلَّة وعَلى غُلَامه حلَّة، وَعند البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب فِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَن الْمَعْرُور بِلَفْظ: ( رَأَيْت عَلَيْهِ بردا وعَلى غُلَامه بردا فَقلت: لَو أخذت هَذَا فلبسته كَانَت حلَّة) .
وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَر لَو جمعت بَينهمَا كَانَت حلَّة) .
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( فَقَالَ الْقَوْم: يَا أَبَا ذَر لَو أخذت الَّذِي على غلامك فَجَعَلته مَعَ الَّذِي عَلَيْك لكَانَتْ حلَّة) .
وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معَاذ عَن شُعْبَة: ( أتيت أَبَا ذَر فَإِذا حلَّة، عَلَيْهِ مِنْهَا ثوب، وعَلى عَبده، مِنْهَا ثوب) .
وَقد بَينا أَن الْحلَّة ثَوْبَان من جنس وَاحِد، فَكيف التَّوْفِيق بَين هَذِه الْأَلْفَاظ؟ فَإِن لَفظه هَهُنَا يدل على الحلتين: حلَّة على أبي ذَر وحلة على عَبده، وَلَفظه فِي رِوَايَة الْأَعْمَش يدل على أَن الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ هُوَ الْبرد وعَلى غُلَامه كَذَلِك، وَلَا يُسمى هَذَا حلَّة إِلَّا بِالْجمعِ بَينهمَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَة مُسلم: ( لَو جمعت بَينهمَا كَانَت حلَّة) .
وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَرِوَايَة الاسماعيلي تدل على أَنَّهَا كَانَت حلَّة وَاحِدَة بِاعْتِبَار جمع مَا كَانَ على أبي ذَر وعَلى عَبده من الثَّوْبَيْنِ.
قلت: تحمل رِوَايَته هَهُنَا على الْمجَاز بِاعْتِبَار مَا يؤول، وَيضم إِلَى الثَّوْب الَّذِي كَانَ على كل وَاحِد مِنْهُمَا ثوب آخر، أَو بِاعْتِبَار إِطْلَاق اسْم الْكل على الْجُزْء، فَلَمَّا رأى الْمَعْرُور على أبي ذَر ثوبا وعَلى غُلَامه ثوبا من الأبراد، كَمَا هُوَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْأَدَب، أطلق على كل وَاحِد مِنْهُمَا حلَّة بِاعْتِبَار مَا يؤول، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم: ( لَو جمعت بَينهمَا كَانَت حلَّة) .
وَكَذَا رِوَايَة أبي دَاوُد.
وَأما رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فَإِنَّهَا أَيْضا مجَاز، وَلَكِن الْمجَاز فِيهَا فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي هَهُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
فَافْهَم.
هَذَا هُوَ الَّذِي فتح لي هَهُنَا من الْأَنْوَار الإلهية..
     وَقَالَ  بَعضهم: يُمكن الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ برد جيد تَحت ثوب خلق من جنسه، وعَلى غُلَامه كَذَلِك، وَكَأَنَّهُ قيل لَهُ: لَو أخذت الْبرد الْجيد فأضفته إِلَى الْبرد الْجيد الَّذِي عَلَيْك، وَأعْطيت الْغُلَام الْبرد الْخلق بدله لكَانَتْ حلَّة جَيِّدَة، فتلتئم بذلك الرِّوَايَتَانِ، وَيحمل قَوْله فِي حَدِيث الْأَعْمَش: ( لكَانَتْ حلَّة) أَي: كَامِلَة الْجَوْدَة، فالتنكير فِيهِ للتعظيم.
قلت: لَيْسَ الْجمع إِلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذكرته، وَمَا ذكره لَيْسَ بِجمع، فَإِنَّهُ نَص فِي الرِّوَايَة الَّتِي هَهُنَا على حلتين، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ على حلَّة وَاحِدَة، وبالتأويل الَّذِي ذكره يؤول الْمَعْنى إِلَى أَن يكون عَلَيْهِ حلَّة وعَلى غُلَامه حلَّة باجتماع الجديدين عَلَيْهِ والخلقين على غُلَامه فيعارض هَذَا رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَإِنَّهَا تدل على أَنَّهَا كَانَت حلَّة وَاحِدَة، وَكَانَت عَلَيْهِمَا جَمِيعًا.
وَقَوله: وَيحْتَمل قَوْله فِي حَدِيث الْأَعْمَش إِلَى آخر كَلَام صادر من غير تروٍّ وَتَأمل لِأَنَّهُ لَا يفرق بَينه وَبَين رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمَعْنى، والتنكير فِيهِ لَيْسَ للتعظيم، وَإِنَّمَا هُوَ للإيراد أَي: لَا يُرَاد فَرد وَاحِد.
فَافْهَم.
قَوْله: ( فَسَأَلته عَن ذَلِك) أَي: عَن تساويهما فِي لبس الْحلَّة، فَإِن قلت: لم سَأَلَهُ عَن ذَلِك وَمَا الْفَائِدَة فِيهِ؟ قلت: لِأَن عَادَة الْعَرَب وَغَيرهم أَن يكون ثِيَاب الْمَمْلُوك دون سَيّده، وَالَّذِي فعله أَبُو ذَر كَانَ خلاف المألوف.
قَوْله: ( ساببت رجلا) قَالَ النَّوَوِيّ: وَسِيَاق الحَدِيث يشْعر أَن المسبوب كَانَ عبدا،.

     وَقَالَ  صَاحب ( مَنْهَج الراغبين) وَالَّذِي نعرفه أَنه بِلَال، رَضِي الله عَنهُ، وَعَن هَذَا أَخذ بَعضهم، فَقَالَ: وَقيل: إِن الرجل الْمَذْكُور هُوَ بِلَال الْمُؤَذّن، مولى أبي بكر، رَضِي الله عَنهُ، روى ذَلِك الْوَلِيد بن مُسلم مُنْقَطِعًا.
فَإِن قلت: لم قَالَ: ساببت، من بابُُ المفاعلة؟ قلت: ليدل على أَن السب كَانَ من الْجِهَتَيْنِ، وَيدل عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَة مُسلم: ( قَالَ: أعيرته بِأُمِّهِ؟ فَقلت: من سبّ الرِّجَال سبوا أَبَاهُ وَأمه) .
فَإِن قلت: كَيفَ جوز أَبُو ذَر ذَلِك وَهُوَ حرَام؟ .
قلت: الظَّاهِر أَن هَذَا كَانَ مِنْهُ قبل أَن يعرف تَحْرِيمه، فَكَانَت تِلْكَ الْخصْلَة من خِصَال الْجَاهِلِيَّة بَاقِيَة عِنْده، فَلذَلِك قَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِنَّك امْرُؤ فِيك جَاهِلِيَّة) فَإِن قلت: مَا كَانَ تعييره بِأُمِّهِ؟ قلت: عيره بسواد أمه، على مَا جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: قلت لَهُ يَا ابْن السَّوْدَاء وَفِي رِوَايَته فِي الْأَدَب: وَكَانَت أمة أَعْجَمِيَّة فنلت مِنْهَا، والأعجمي من لَا يفصح بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ سَوَاء كَانَ عَرَبيا أَو عجميا.
قَوْله: ( إِنَّك امْرُؤ فِيك جَاهِلِيَّة) فِيهِ ترك العاطف بَين الجملتين لكَمَال الِاتِّصَال بَينهمَا.
فَنزلت الثَّانِيَة من الأولى منزلَة التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ من متبوعه فِي إِفَادَة التَّقْرِير مَعَ اخْتِلَاف فِي اللَّفْظ، وَمن هَذَا الْقَبِيل قَوْله تَعَالَى: { ألم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ} ( الْبَقَرَة: 1 و 2) قَوْله: ( إخْوَانكُمْ خولكم) فِيهِ حصر، وَذَلِكَ لِأَن أصل الْكَلَام أَن يُقَال: خولكم إخْوَانكُمْ لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الحكم على الخول بالأخوة، وَلَكِن لما قصد حصر الخول على الإخوان، قدم الإخوان، أَي: لَيْسُوا إلاَّ إخْوَانًا، وَإِنَّمَا قدم الإخوان لأجل الاهتمام بِبَيَان الْأُخوة، وَيجوز أَن يكون من بابُُ الْقلب الْمُورث لملاحة الْكَلَام، نَحْو قَوْله:
( نم وَإِن لم أنم كراي كراكا ... شَاهِدي الدمع إِن ذَاك كذاكا)

وَقَالَ بعض المعانيين: إِن الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر إِذا كَانَا معرفتين، أَي تَعْرِيف كَانَ يُفِيد التَّرْكِيب الْحصْر،.

     وَقَالَ  التَّيْمِيّ: كانه قَالَ: هم إخْوَانكُمْ، ثمَّ أَرَادَ إِظْهَار هَؤُلَاءِ الإخوان فَقَالَ: خولكم.
قَوْله: ( تَحت أَيْدِيكُم) فِيهِ مجَاز عَن الْقُدْرَة أَو عَن الْملك، والأخوة أَيْضا مجَاز عَن مُطلق الْقَرَابَة، لِأَن الْكل أَوْلَاد آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، أَو عَن أخوة الْإِسْلَام، والمماليك الْكَفَرَة إِمَّا أَن نجعلهم فِي هَذَا الحكم تابعين لمماليك الْمُؤمنِينَ، أَو نخصص هَذَا الحكم بالمؤمنة.
قَوْله: ( فليطعمه مِمَّا يَأْكُل) من الْإِطْعَام، إِنَّمَا قَالَ: مِمَّا يَأْكُل، وَلم يقل مِمَّا يطعم، رِعَايَة للمطابقة كَمَا فِي قَوْله: ( وليلبسه مِمَّا يلبس) ، لِأَن الطّعْم يَجِيء بِمَعْنى الذَّوْق يُقَال: طعم يطعم طعما إِذا ذاق أَو أكل.
قَالَ الله تَعَالَى: { وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني} ( الْبَقَرَة: 249) أَي: من لم يذقه، فَلَو قَالَ: مِمَّا يطعم لتوهم أَنه يجب الإذاقة مِمَّا يَذُوق، وَذَلِكَ غير وَاجِب.
فَإِن قيل: لم لم يقل فليؤكله مِمَّا يَأْكُل؟ قلت: إِنَّمَا قَالَ: فليطعمه، إِشَارَة إِلَى أَنه لَا بُد من إذاقته مِمَّا يَأْكُل، وَإِن لم يشبعه من ذَلِك الْأكل.
قَوْله: ( فَإِن كلفْتُمُوهُمْ) ، فِيهِ حذف الْمَفْعُول الثَّانِي للاكتفاء، إِذْ أَصله: فَإِن كلفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبهُمْ.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه.
الأول: فِيهِ النَّهْي عَن سبّ العبيد وتعييرهم بوالديهم، والحث على الْإِحْسَان إِلَيْهِم والرفق بهم، فَلَا يجوز لأحد تعيير أحد بِشَيْء من الْمَكْرُوه يعرفهُ فِي آبَائِهِ، وخاصة نَفسه.
كَمَا نهى عَن الْفَخر بِالْآبَاءِ، وَيلْحق بِالْعَبدِ من فِي مَعْنَاهُ من أجِير وخادم وَضَعِيف، وَكَذَا الدَّوَابّ، يَنْبَغِي أَن يحسن إِلَيْهَا وَلَا يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا تطِيق الدَّوَابّ عَلَيْهِ، فَإِن كلفه ذَلِك لزمَه إعانته بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ.
الثَّانِي: عدم الترفع على الْمُسلم وَإِن كَانَ عبدا وَنَحْوه من الضعفة، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: { إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} ( الحجرات: 13) وَقد تظاهرت الْأَدِلَّة على الْأَمر باللطف بالضعفة، وخفض الْجنَاح لَهُم، وعَلى النَّهْي عَن احتقارهم والترفع عَلَيْهِم.
الثَّالِث: إستحبابُ الْإِطْعَام مِمَّا يَأْكُل والإلباس مِمَّا يلبس..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: الْأَمر مَحْمُول على الِاسْتِحْبابُُ لَا على الْإِيجَاب بالاجماع، بل إِن أطْعمهُ من الْخبز وَمَا يقتاته كَانَ قد أطْعمهُ مِمَّا يَأْكُل، لِأَن: من، للتَّبْعِيض وَلَا يلْزمه أَن يطعمهُ من كل مَا يَأْكُل على الْعُمُوم من الْأدم وطيبات الْعَيْش، وَمَعَ ذَلِك فَيُسْتَحَب أَن لَا يستأثر على عِيَاله، وَلَا يفضل نَفسه فِي الْعَيْش عَلَيْهِم.
الرَّابِع: فِيهِ منع تَكْلِيفه من الْعَمَل مَا لَا يُطيق أصلا، لَا يُطيق الدَّوَام عَلَيْهِ، لِأَن النَّهْي للتَّحْرِيم بِلَا خلاف، فَإِن كلفه ذَلِك أَعَانَهُ بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ.
لقَوْله: ( فَإِن كلفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ) .
وَجَاء فِي رِوَايَة مُسلم: ( فليبعه) مَوضِع: ( فليعنه) .
قَالَ القَاضِي: هَذَا وهم، وَالصَّوَاب: ( فليعنه) ، كَمَا رَوَاهُ الْجُمْهُور.
الْخَامِس: فِيهِ الْمُحَافظَة على الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
السَّادِس: فِيهِ جَوَاز إِطْلَاق الْأَخ على الرَّقِيق.