هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2988 حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ، يَقُولُ : كُنَّا أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ حَقْلًا ، قَالَ : كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ ، وَلَهُمْ هَذِهِ ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ ، وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ ، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْوَرِقُ فَلَمْ يَنْهَنَا ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2988 حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن حنظلة الزرقي ، أنه سمع رافع بن خديج ، يقول : كنا أكثر الأنصار حقلا ، قال : كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ، ولهم هذه ، فربما أخرجت هذه ، ولم تخرج هذه ، فنهانا عن ذلك ، وأما الورق فلم ينهنا ، حدثنا أبو الربيع ، حدثنا حماد ، ح وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا يزيد بن هارون ، جميعا عن يحيى بن سعيد ، بهذا الإسناد نحوه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا أكثر الأنصار حقلاً.
قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه.
فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه.
فنهانا عن ذلك.
وأما الورق فلم ينهنا.


المعنى العام

إن المعاملة الثانية التي لا يستغني عنها المجتمع بعد البيع والشراء - معاملة الإجارة، ولم تكن إجارة البيوت والمساكن شائعة كما هو الحال اليوم، ولكن كان الشائع إجارة الأرض الزراعية، فجاءت الشريعة بالأحكام والقوانين والقواعد والضوابط التي تحمي كلا من المتعاملين من الآخر، تحقيقًا لقاعدة: لا ضرر ولا ضرار.
إن طائفة من المجتمع تملك الأرض، وطائفة لا تملك، وقد رفع الله بعض الناس على بعض ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا، تلك حكمة الله في المجتمعات لتترابط أفرادها، وتضام أشتاتها، الكل يحتاج إلى الكل، الغني المالك يحتاج الفقير العامل، وإلا لم ينتفع بملكه، وأصبح كلاً ملك، والعامل يحتاج إلى الغني المالك، ليعيش من أجر عمله، وقانون العرض والطلب يحكم المعاملات البشرية، وقد تستغل طبقة الأخرى نتيجة لهذا القانون، فرغبت الشريعة الإسلامية في الرفق والمواساة والمعروف من كان له أرض فليزرعها بنفسه، فإن عجز عن زراعتها بنفسه فلا يستغل أخاه العامل في زراعتها، ولكن يمنحها له منحة ليزرعها، فإن لم يزرعها، ولم تجد نفسه بها على أخيه فليملكها خالية بدون زراعة، ولا يؤجرها للعامل بإيجار ظالم مستغل.
لقد كان كراء الأرض وتأجيرها للمحتاجين والعاملين يأخذ قبل الإسلام أشكالاً كثيرة، يعطى العامل ثمر قطعة صغيرة منها ليزرع جميعها، أو يعطى الشواطئ والحروف وحافات الطرق ومسالك المياه ليزرع للمالك باقي أرضه، ويسلمه خيراتها، أو يعطى نسبه صغيرة مما تنتج الأرض، ووفرتها لمالكها، أو يؤجرها المالك بإيجار مالي قد يعجز العامل عن الوفاء به، وكثيرًا ما يحدث الشقاق والمخاصمة بين المالك ومستأجر الأرض فكانت الشريعة حكمًا، وكانت الأحاديث التي أعمل الفقهاء فيها عقولهم، واستنبطوا منها أحكامهم ومذاهبهم، وهدف الجميع تحقيق حكمة التشريع.
والحفاظ على الحقوق، ورفع المظالم.
والله الهادي إلى سواء السبيل.

المباحث العربية

( نهي عن كراء الأرض) كراء بكسر الكاف.
قال أهل اللغة: الكروة والكراء بكسر الكاف فيهما: أجرة المستأجر، والكراء أيضًا مصدر كاراه، مكاراة، وكراء، ويقال: كاراه، واكتراه، وأكراني داره وأرضه، فهي مكراه، واكتريت منه دارًا، واستكريتها بمعنى، فقوله في الرواية السادسة ولا يكرها هو بضم الياء وسكون الكاف وكسر الراء، من أكريته أرضى، وهو معنى قوله في الرواية الخامسة ولا يؤاجرها إياه وكذلك قوله في الرواية الثانية عشرة كنا نكري أرضنا هو بضم النون، وقوله في ملحق الرواية المتممة للعشرين فكان لا يكريها هو بضم الياء أيضًا، وقوله في الرواية الثالثة والعشرين أن الأرض تكرى هو بضم التاء وسكون الكاف وفتح الراء، مبني للمجهول.

( فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه) يزرع الأولى بفتح الياء، والثانية بضم الياء، والمعنى فإن لم يزرعها بنفسه فليجعلها مزروعة من أخيه، ومعناه يعيرها إياه بلا عوض، وهو معنى قوله في الرواية الثالثة أو ليمنحها أخاه وقوله في الرواية التاسعة أو فليحرثها أخاه بضم الياء، أي ليجعلها محروثة من أخيه، وقوله في الرواية الحادية عشرة فليهبها أو ليعرها وقوله في الرواية الرابعة والثلاثين فإنه أن يمنحها أخاه خير.
أن بفتح الهمزة وسكون النون، وفعل يمنحها منصوب، والمعنى: فإنه لأن يمنحها أخاه خير له من أن يأخذ عليها أجرًا.
وبكسر الهمزة على أنها شرطية، وفعل يمنحها مجزوم.

( كان لرجال فضول أرضين) أي كان لهم أرضون فاضلة وزائدة على مجهودهم وقدراتهم على الزراعة.
فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف.

( فإن أبى فليمسك أرضه) أي فإن أبى منحها فليمسكها من غير زراعة، ولا يكريها، وهو معنى قوله في الرواية التاسعة وإلا فليدعها.

( نهي أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ) الحظ النصيب، أي نهي أن يؤخذ في مقابل زراعة الأرض مال أو جزء ونصيب من إنتاجها.
والنهي للتنزيه، وسيأتي في فقه الحديث.

( نهي عن المخابرة) سبق توضيحها ومأخذها اللغوي في الباب السابق.
وقلنا: إن المحاقلة والمخابرة والمزارعة متقاربات على المشهور.

( ولا تبيعوها) إطلاق البيع وإرادة الكراء - إن كانت الرواية باللفظ - مجاز، بجامع المقابل والبدل.

( فنصيب من القصري ومن كذا) القصري بكسر القاف، بعدها صاد ساكنة، ثم راء مكسورة، ثم ياء مشددة، على وزن القبطي، قال النووي: هكذا ضبطناه وضبطه الجمهور، وهو المشهور، وعن الطبري بفتح القاف والراء، مقصور، والصواب الأول، وهو ما بقي من الحب في السنبل بعد الدياس.

ويقال له: القصارة بضم القاف.
والمعنى.
كنا نكري أرضنا فنحصل على بعض ما تنبت من حب صاف ومن حب في سنبله لم يخرج بالدياس، ومن كذا وكذا كناية عن جهات أخرى نحصل منها على بعض الإنتاج.

( كنا نأخذ الأرض بالماذيانات) قال النووي: بذال مكسورة، ثم ياء ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم تاء، هذا هو المشهور، وحكي عن بعض الرواة فتح الذال، وهي مسايل المياه، وقيل: ما ينبت على حافتي مسيل الماء، وقيل: ما ينبت حول السواقي، وهي لفظة معربة، ليست عربية - وفي الرواية السابعة والعشرين على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا أما قوله وأقبال فبفتح الهمزة، والجداول جمع جدول، وهو النهر الصغير كالساقية، فالمراد أوائل القنوات ورؤوسها وحوافها، وفي الرواية الخامسة والعشرين نؤاجرها - يا رسول الله - على الربيع أو الأوسق من التمر أو الشعير هكذا هو في معظم النسخ الربيع وهو الساقية والنهر الصغير، أي الزرع الذي ينبت على شاطئيه، وفي بعض النسخ الربع بخذف الياء، وهو صحيح أيضًا.

والمعنى أنهم كانوا يدفعون الأرض إلى من يزرعها ببذر من عنده، على أن يكون لمالك الأرض ما ينبت على الماذيانات وأقبال الجداول، أو هذه القطعة من الأرض، والباقي للعامل، فنهوا عن ذلك، لما فيه من الغرر، فربما هلك هذا دون ذلك، أو عكسه.

( نهي عن بيع الأرض البيضاء) أي التي لا شجر عليها، ولا زرع ولا غرس.

( سنتين أو ثلاثًا) في الرواية الرابعة عشرة عن بيع السنين وقد تقدم في الباب السابق.

( كنا لا نرى بالخبر بأسًا) الخبر قال النووي: ضبطناه بكسر الخاء وفتحها، والكسر أصح وأشهر، وحكى القاضي فيه الضم أيضًا، ورجح الكسر، ثم الفتح، وهو بمعنى المخابرة.

( حتى كان عام أول) كان تامة، وفاعلها عام مرفوع بدون تنوين، لأنه مضاف، وأول مضاف إليه، مجرور بالفتحة، للمنع من الصرف وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف.

( فتركناه من أجله) أي فتركنا الخبر من أجل زعم رافع، فابن عمر ترك كراء أرضه احتياط أخذًا بالأحوط، فإن معلوماته أنه مباح، فهو يقول في الرواية الثالثة والعشرين لقد كنت أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأرض تكرى ويقول نافع: خشي عبد الله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك شيئًا - من الأحكام - لم يكن علمه، فترك كراء الأرض وفي ملحق الرواية التاسعة عشرة يقول ابن عمر لقد منعنا رافع نفع أرضنا أي منعنا بحديثه الذي حدثه، ولا يقصد بذلك الطعن في رافع وروايته، فقد استوثق منه عنها، ولكن يظن أنها كانت مخصوصة بحالة، أو موجهة توجيهًا غير الظاهر، كما سيأتي في فقه الحديث.

( وصدرًا من خلافة معاوية) المراد من إمارة أبي بكر وعمر وعثمان خلافتهم، قال الحافظ ابن حجر: ولم يذكر خلافة علي لأنه لم يبايعه، لوقوع الاختلاف عليه، وكان يرى أنه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس، ولهذا لم يبايع أيضًا لابن الزبير، ولا لعبد الملك في حال اختلافهما، وبايع ليزيد بن معاوية، ثم لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير.
قال الحافظ: ولعل في تلك المدة، مدة خلافة علي لم يؤاجر أرضه، فلم يذكرها لذلك.
اهـ.
أقول: هذا الاحتمال بعيد جدًا عن صحيح الحديث، ويحتمل أن سقط خلافة علي سقط ذكري غير مقصود من ابن عمر، وكان آخر خلافة معاوية في سنة ستين من الهجرة، فكأن ابن عمر ظل يكري أرضه أكثر من خمسين سنة، وهذا أمر لا يخفى على عامة الصحابة.

( حتى أتاه بالبلاط) بفتح الباء، مكان معروف بالمدينة، مبلط بالحجارة، وهو بقرب مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

( كأن يأجر الأرض) يأجر بالجيم المضمومة بعدها راء، وكذا في آخر الحديث فلم يأجره هكذا هو في كثير من النسخ، قال النووي: يأخذ بالخاء والذال في الموضعين، وهو تصحيف، وفي بعض النسخ يؤاجر وهذا صحيح.
اهـ.

وكان الظاهر أن يقول في آخر الحديث فلم يأجرها بتأنيث الضمير العائد على الأرض، وتوجيهه سهل، بتأويله بالمكان أو بالموقع أو نحو ذلك.

( كان يكري أرضيه) بفتح الراء وكسر الضاد، بعدها ياء علامة النصب، فقد جمع هذا الاسم جمع مذكور سالم شذوذًا، وفي بعض النسخ أرضه بالإفراد، قال النووي: وكلاهما صحيح.

( سمعت عمي) بفتح الميم المشددة، تثنية عمي بكسرها، وهما المقصودان ببعض عمومته في الرواية الثانية والعشرين وأحدهما ظهير بالتصغير، الوارد في الرواية الخامسة والعشرين، وهو المقصود بقوله فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي في الرواية الرابعة والعشرين، والآخر قيل: لم يوقف على اسمه.
وقيل: إن اسمه مظهر بضم الميم، وفتح الظاء، وتشديد الهاء المكسورة، قيل: مهير على وزن ظهير أخيه.

( عن رافع أن ظهير بن رافع - وهو عمه - قال: أتاني ظهير) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ، وهو صحيح، وتقديره: عن رافع أن ظهيرًا عمه حدثه بحديث.
قال رافع في بيان ذلك الحديث: أتاني ظهير فقال... إلخ.
وهذا التقدير دل عليه فحوى الكلام، ووقع في بعض النسخ أنبأني بدل أتاني والصواب المنتظم أتاني من الإتيان.

( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بنا رافقًا) أي كان هذا الأمر ذا رفق بنا.

( كيف تصنعون بمحاقلكم؟) أي بمزارعكم.
جمع محقل من الحقل، والحقل الزرع، وقيل: مادام أخضر، والمحاقلة المزارعة بجزء مما يخرج، وقيل: هو بيع الزرع بالحنطة، وقيل غير ذلك.

( أبا لذهب والورق) بفتح الواو وكسر الراء الفضة.

( كنا أكثر الأنصار حقلاً) حقلاً تمييز، وفي رواية البخاري مزدرعًا أي مكان زرع.

( على أن لنا هذه، ولهم هذه) الإشارة إلى قطع من الأرض.

( فاسمع منه الحديث عن أبيه) الأب هنا مراد منه العم، وقوله فاسمع بهمزة وصل، مجزومًا على الأمر، وبهمزة قطع، مرفوع على الخبر، قال النووي: وكلاهما صحيح، والأول أجود.

( فانتهره) أي انتهر طاووس مجاهدًا، أي لامه بعنف، ترفعًا عن أخذ الحديث عن رافع عن عمه بعد أخذه عن ابن عباس، وربما أحس طاووس أن مجاهدًا يغمزه بحديث رافع، لأن طاووسًا كان يكري أرضه، لهذا ثار وانفعل وانتهره.

( خير من أن يأخذ عليها خرجًا معلومًا) أي أجرًا معلومًا، وأصله ما يخرج من الأرض من غلة ونحوها.

فقه الحديث

1- كراء الأرض قد يكون لسقي ورعاية ما عليها من الأشجار، وهو المعروف عند الفقهاء بالمساقاة.
وأجازها مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وجميع فقهاء المحدثين وأهل الظاهر وجماهير العلماء.
وعمدة أدلتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وسيأتي في الباب التالي.

ومنعها أبو حنيفة، وتأول أحاديثها بأن خيبر فتحت عنوة، وكان أهلها عبيدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أخذه فهوله، وما تركه فهوله.

والقائلون بالجواز اختلفوا فيما تجوز عليه المساقاة من الأشجار، فقال داود: تجوز على النخل خاصة، إذ هي رخصة، والرخصة لا تتعدى المنصوص عليه، وكان نخلاً، وقال الشافعي: تجوز على النخل والعنب خاصة، إذ هي رخصة، لكن حكم العنب حكم النخل في معظم الأبواب.
وقال مالك: تجوز على جميع الأشجار، لأن سبب الجواز الحاجة والمصلحة، وهذا يشمل الجميع، فيقاس عليه، وهو قول للشافعي.

وسيأتي بقية مباحثها في الباب التالي.

2- وقد يكون كراء الأرض لسقي ورعاية ما عليها من أشجار، وزراعة الأرض الخالية، وهذا ما يعرف بالمزارعة التابعة للمساقاة، وأجازها الشافعي وموافقوه، وهم الأكثرون، فتجوز عندهم المزارعة تبعًا للمساقاة، وإن كانت المزارعة عندهم لا تجوز منفردة، فيساقيه على النخل، ويزارعه على الأرض، وحجتهم ما جرى في خيبر.
وقال مالك: لا تجوز المزارعة، لا منفردة، ولا تبعًا، إلا ما كان من الأرض بين الشجر.
وقال أبو حنيفة وزفر: المزارعة والمساقاة فاسدتان، سواء جمعهما أو فرقهما، ولو عقدتا فسختا.
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وسائر الكوفيين وفقهاء المحدثين وأحمد وابن خزيمة وابن شريح وآخرون: تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعتين، وتجوز كل واحدة منهما منفردة.

قال النووي: وهذا هو الظاهر المختار، لحديث خيبر، ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر إنما جازت تبعًا للمساقاة، بل جازت مستقلة، ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة، قياسًا على القراض، فإنه جائز بالإجماع، وهو كالمزارعة في كل شيء، ولأن المسلمين في جميع الأعصار والأمصار مستمرون على العمل بالمزارعة.

ثم قال: وأما الأحاديث السابقة في النهي عن المخابرة فمحمولة على ما إذا شرطًا لكل واحد قطعة معينة من الأرض.
وقد صنف ابن خزيمة كتابًا في جواز المزارعة، واستقصى فيه وأجاد، وأجاب عن أحاديث النهي.

3- وقد يكون كراء الأرض الخالية من الأشجار لزراعتها ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك، وهو ما يعرف عند بعض فقهاء الشافعية بالمزارعة، ويعرف عندهم - إذا كان البذر من العامل - بالمخابرة، والبعض الآخر من فقهاء الشافعية يرون أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد، زراعة الأرض ببعض ما يخرج منها مطلقًا.

وقد أجازهما أحمد في رواية، ومن الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي.

قال البخاري: وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع، وزارع علي وسعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين، وعامل عمر الناس على: إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا، وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما، فينفقان جميعًا، فما خرج فهو بينهما، ورأى ذلك الزهري، وقال ابن حزم: وممن أجاز إعطاء الأرض بجزء مسمى مما يخرج منها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وحذيفة ومعاذ رضي الله عنهم، وهو قول ابن أبي ليلى وسفيان الثوري والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن المنذر، وأجازها أحمد وإسحق، إلا أنهما قالا: إن البذر يكون من عند صاحب الأرض، وإنما على العامل البقر والآلة والعمل.
وقال ابن بطال: كرهت المزارعة طائفة.
منهم ابن عباس وابن عمر وعكرمة والنخعي، وهو قول مالك وأبي حنيفة والليث والشافعي وأبي ثور.
قالوا: لا تجوز المزارعة وهي كراء الأرض بجزء منها.
واعتمد من قال بالجواز على معاملة أهل خيبر، وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، واستمراره على عهد أبي بكر.
إلى أن أجلاهم عمر، وعلى أن المزارعة عقد عمل في المال ببعض نمائه، فهو كالمضاربة، لأن المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه، وهو معدوم ومجهول، وبأنه قد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة، فكذلك هنا.

واستدل المانعون بأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة، وقد أجاب عنه المجوزون قريبًا، كما قال المانعون: إن العامل إذا أخرج البذر كأنه باعه إلى صاحب الأرض بمجهول من الطعام نسيئة، وهو لا يجوز، وأجاب المجوزون: بأنه مستثنى من النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة، جمعًا بين الأحاديث - وقال المجوزون إن القياس في إبطال نص أو إجماع مردود.

واستدل المانعون بأحاديث النهي عن المخابرة وعن كراء الأرض [رواياتنا السابعة والثامنة والعاشرة والثانية عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة وما بعدها من روايات رافع بن خديج] ، ورد المجوزون بأن الممنوع نوع من المخابرة كان سببًا في المنازعات، وهو جعل قطعة من الأرض لهذا وأخرى لهذا كما تصرح الرواية السابعة والعشرون، أو يحمل النهي على ما إذا تضمن العقد شرطًا فيه جهالة، أو يؤدي إلى الغرر، وقد روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص، قال: كان أصحاب المزارع يكرونها بما يكون على المساقي من الزرع، فاختصموا في ذلك، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا بذلك، وقال: اكروا بالذهب والفضة.

وقد يحمل النهي على التنزيه، على أن أحاديث رافع بن خديج فيها كلام كثير، فقد بين الطحاوي علة النهي فيه، فروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج.
أنا والله كنت أعلم منه بالحديث، إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد اقتتلا، فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع.
فالنهي الذي سمعه رافع لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التحريم، وإنما كان لكراهيته وقوع الشر بينهم، ويروي الطحاوي أن ابن عمر حين استفهم من رافع عن الحديث، وأسنده رافع إلى أحد عميه قال ابن عمر: قد علمنا أن عمك هذا كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن له ما في جداول السواقي وطائفة من التبن.
فالظاهر أن ابن عمر كان ينكر على رافع تعميم النهي وإطلاقه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها مطلقًا، مع أن المراد منه ما تضمن الشرط الفاسد، يؤكد ذلك قول عمه في الرواية الخامسة والعشرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نؤاجرها على الربيع - أي على النهر الصغير، أي على ما يخرج على شواطئه.
وهذا شرط فاسد، وقول رافع في الرواية السابعة والعشرين إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويهلك هذا.
فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه وقوله في الرواية الثامنة والعشرين كنا نكري الأرض على أن لنا هذه، فربما أخرجت هذه، ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك فكل هذا يؤكد أن النهي مقصود به نوع خاص من كراء الأرض، وليس كراء الأرض ببعض ما يخرج منها مطلقًا.

على أن الترمذي قال: حديث رافع حديث فيه اضطراب، روي عنه روايات مختلفة.
والله أعلم.

4- وقد يكون كراء الأرض الخالية من الأشجار لزراعتها، بالنقد والذهب والفضة وغير ذلك، وعنه يقول النووي: قال طاووس والحسن البصري: لا يجوز بكل حال.
سواء أكراها بطعام أو ذهب أو فضة أو بجزء من زرعها، وذهب إليه ابن حزم، واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وهي أحاديث النهي عن كراء الأرض.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وكثيرون: تجوز إجارتها بالذهب والفضة وبالطعام والثياب وسائر الأشياء، سواء كان من جنس ما يزرع فيها أم من غيره، لكن لا يجوز أن يشترط له زرع قطعة معينة.
واستدلوا بصريح روايات رافع بن خديج وثابت بن الضحاك في جواز الإجارة بالذهب والفضة ونحوهما، وهي الروايات السادسة والعشرون والسابعة والعشرون والثامنة والعشرون، وتأولوا أحاديث النهي بحملها على ما تضمن العقد من فساد كزرع قطعة معينة، أو بحملها على جزء ما يخرج منها ونحو ذلك.

وقال ربيعة: يجوز بالذهب والفضة فقط، وقال مالك: يجوز بالذهب والفضة وغيرهما إلا الطعام، لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام، قال ابن المنذر: ينبغي أن يحمل ما قال مالك على ما إذا كان الطعام المكري به جزءًا مما يخرج منها، فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري، أو بطعام حاضر، يقبضه المالك، فلا مانع من الجواز.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- من الروايات الست الأوليات الحث على مواساة المسلمين بعضهم بعضا، والحث على الهبة والمنيحة ونحوها.

2- والحث على إفادة الآخرين بما لا ينتفع به صاحبه.

3- من قوله في الرواية الثالثة فإن أبى فليمسك أرضه جواز إمساك الممتلكات دون استثمار، ولا يكون ذلك من قبيل إضاعة المال المنهي عنها، فقد يكون في ذلك حماية للممتلكات، ورفع لقيمتها.

4- من توقف ابن عمر عن كراء أرضه يتبين ورع ابن عمر واحتياطه وبعده عن الشبهات.

5- ومن موقفه من رافع مدى استيثاق الصحابة عند أخذ الحديث، وتتبع مصادره.

6- ومن موقف رافع وأعمامه من نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر فيه مصلحتهم حرص الصحابة على الالتزام بطاعة الله ورسوله، ولو كان في ذلك ضياع لمصلحتهم ومنفعتهم.

7- من فتوى رافع بجواز كراء الأرض بالذهب والفضة ما كان عليه الصحابة من الاجتهاد في الأحكام، والتعمق في الفهم والاستنباط.

هذا وللأحاديث علاقة وثيقة بالباب الآتي.

والله أعلم