هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2768 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَقُتَيْبَةُ ، وَابْنُ رُمْح ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى ، قَالَ قُتَيْبَةُ : حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، وَقَالَ الْآخَرَانِ : أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا ، ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ، ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى ، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ، وَزَادَ ابْنُ رُمْح فِي رِوَايَتِهِ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ، قَالَ لِأَحَدِهِمْ : أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِهَذَا ، وَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا ، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ ، وَعَصَيْتَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكَ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ ، قَالَ مُسْلِمٌ : جَوَّدَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2768 حدثنا يحيى بن يحيى ، وقتيبة ، وابن رمح ، واللفظ ليحيى ، قال قتيبة : حدثنا ليث ، وقال الآخران : أخبرنا الليث بن سعد ، عن نافع ، عن عبد الله ، أنه طلق امرأة له وهي حائض تطليقة واحدة ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ، ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض عنده حيضة أخرى ، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها ، فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها ، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ، وزاد ابن رمح في روايته : وكان عبد الله إذا سئل عن ذلك ، قال لأحدهم : أما أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا ، وإن كنت طلقتها ثلاثا ، فقد حرمت عليك ، حتى تنكح زوجا غيرك ، وعصيت الله فيما أمرك من طلاق امرأتك ، قال مسلم : جود الليث في قوله تطليقة واحدة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Ibn 'Umar (Allah be pleased with them) reported that he divorced his wife while she was menstruating during the lifetime of Allah's Messenger (ﷺ). 'Umar b. Khattib (Allah be pleased with him) asked Allah's Messenger (ﷺ) about it, whereupon Allah's Messenger (ﷺ) said:

Command him ('Abdullah b. 'Umar) to take her back (and keep her) and pronounce divorce when she is purified and she again enters the period of menstruation and she is again purified (after passing the period of menses), and then if he so desires he may keep her and if he desires divorce her (finally) before touching her (without having an intercourse with her), for that is the period of waiting ('ldda) which God, the Exalted and Glorious, has commanded for the divorce of women.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه طلق امرأته وهي حائض.
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها.
ثم ليتركها حتى تطهر.
ثم تحيض.
ثم تطهر.
ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس.
فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء.



المعنى العام

كان الطلاق قبل الإسلام على مصراعيه، دون تحديد بعدد، وكان مباحًا في طهر أو حيض، لا يحسب للمرأة حساب.
في تطويل عدتها، بل كانوا يسيئون إليها، يتركونها تعتد، حتى آخر يوم من عدتها يرجعونها، ثم يطلقونها، فتعتد، حتى آخر يوم من عدتها يرجعونها، وهكذا دون تحديد، فتعيش المرأة معلقة، لا هي زوجة فتحصن ولا هي أيم فتتزوج، فلما جاء الإسلام رعاها، وأحاط حق الرجل في الطلاق والرجعة بسياج يمنع تعسفه في استخدام هذا الحق ونزل قوله تعالى: { { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } } [الطلاق: 1] حرص الإسلام أن لا تطول عدة المرأة يومًا واحدًا عما قدره لها، بل أمر أن يكون الطلاق بحيث تستقبل عدتها، وذلك لا يكون إلا إذا طلقها في طهر لم يجامعها فيه، لأنه لو طلقها في طهر جامعها فيه لم يحسب هذا الطهر من القروء الثلاثة، وبدأت عدتها بالطهر الذي يلي حيضتها عند من يقول بأن العدة بالأطهار، ولو طلقها في الحيض لم تحسب هذه الحيضة من القروء الثلاثة، وبدأت عدتها بحيضة أخرى عند من يقول بأن العدة بالحيضات.
فكان لزامًا أن يطلق من أراد الطلاق في طهر لم يجامع فيه.

وأخطأ عبد الله بن عمر فطلق امرأته في الحيض، وعلم بذلك أبوه عمر - رضي الله عنهما - ولم يدر ماذا عليه وقد أخطأ وفعل هذا الممنوع؟ فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: يا رسول الله، إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فغضب صلى الله عليه وسلم لهذه المخالفة التي وقعت من أشد الصحابة حرصًا على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصغيرة الكبير كبيرة، غضب حتى تغيظ صلى الله عليه وسلم، وقال لعمر: مر ابنك عبد الله أن يراجعها، ثم ليمسكها عنده بقية حيضتها، ثم يظل ممسكًا لها طهرًا بعد حيضها، ثم حيضًا آخر، فإذا طهرت بعد الحيضة الثانية، وكان مصرًا على طلاقها، فليطلقها طاهرًا قبل أن يجامعها، فتلك الحالة هي التي أذن الله للرجال أن يطلقوا فيها النساء.

المباحث العربية

( أنه طلق امرأته وهي حائض) الطلاق في اللغة حل الوثاق، مشتق من الإطلاق، وهو الإرسال والترك، وفي الشرع حل عقدة التزويج، قال إمام الحرمين، هو لفظ جاهلي، ورد الشرع بتقريره، وطلقت المرأة بفتح الطاء، وضم اللام وفتحها، وفتحها أفصح، وطلقت أيضًا بضم الطاء وكسر اللام المشددة وامرأة ابن عمر هذه اسمها آمنة بنت غفار، وقيل: اسمها النوار، ويمكن الجمع بأن يكون اسمها آمنة، ولقبها النوار.

ولم يؤنث لفظ حائض لأن الصفة إذا كانت خاصة بالنساء فلا حاجة لتأنيثها، وجملة وهي حائض في محل النصب على الحال.

والراوي هنا عن ابن عمر نافع، وقد سمع القصة عن ابن عمر، فحكاها، وهي الرواية الثالثة، يسند القول لابن عمر، قال: طلقت امرأتي... وفي الرواية العاشرة يقول يونس بن جبير: سمعت ابن عمر يقول: طلقت امرأتي... وكذا الرواية الثانية عشرة عن ابن سيرين.

( في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) أي في زمنه وأيام حياته، والجار والمجرور متعلق بـطلق قال الحافظ ابن حجر: وأكثر الرواة لم يذكروا ذلك، استغناء بما في الخبر أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فاستلزم أن ذلك وقع في عهده.

وزاد في الرواية الثانية تطليقة واحدة وفي ملحقها جود مسلم هذه الزيادة وقال: جود الليث في قوله تطليقة واحدة.
يعني أنه حفظ وأتقن قدر الطلاق الذي لم يتقنه غيره، ولم يخطئ فيه، ولم يجعله ثلاثًا، كما أخطأ فيه غيره، كما تصرح بهذا الخطأ الرواية الثامنة، ولم يهمله الليث، كما أهملته روايات كثيرة، بل بينه بيانًا صحيحًا.

( فسأل عمر بن الخطاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك) الإشارة إلى الطلاق بهذه الصفة، وفي الكلام مضاف محذوف، أي عن حكم ذلك الطلاق، وفي الرواية الحادية عشرة فذكر ذلك لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم وفي سؤال عمر النبي صلى الله عليه وسلم إشعار بأنه لم يتقبل هذا العمل شرعًا، إما لأن الطلاق في الحيض كان ممنوعًا منهيًا عنه، وتعقب بأنه لو كان كذلك لعلمه ابن عمر، ولم يفعله، وأجيب بأن عمر ربما كان يعلم أنه ممنوع، لكن لا يعلم ماذا يصنع من فعل ذلك؟ فسأل، ويحتمل أن حكم الطلاق في الحيض لم يكن بين بعد، فوقع في نفس عمر تساؤل عنه بعد نزول قوله تعالى: { { فطلقوهن لعدتهن } } فسأل.

زاد في الرواية الخامسة فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن دقيق العيد: وتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم إما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرًا، فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك، أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إذا عزم عليه.

( مره فليراجعها) أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر ابنه بالمراجعة.
فهل ابن عمر حينئذ يكون مأمورًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وبلغة الأصوليين: هل الأمر بالأمر بشيء أمر بذلك الشيء؟ سيأتي تفصيله وتوضيحه في فقه الحديث، وفي الرواية الثانية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها والضمير في فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر، كما هو ظاهر، فكأن ابن عمر اعتبر أمر عمر أن يأمره أمرًا له من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ملحق الرواية الثانية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا أي بالرجعة.

واللام في فليراجعها لام الأمر، تجزم الفعل المضارع، والكثير فيها إسكانها بعد الفاء والواو، وقد تكسر، وكسرها بعد ثم كثير، وقد تسكن.

وأصل مر اؤمر بهمزتين، الأولى همزة الوصل جيء بها توصلاً للنطق بالساكن، كما في اكتب، فإن وصل بما قبله سقطت، نحو قوله تعالى: { { وأمر أهلك بالصلاة } } [طه: 132] والهمزة الثانية فاء الكلمة، فحذفوها تخفيفًا، فلم يعد هناك داع لهمزة الوصل لتحرك ما بعدها، فقيل مر.

( ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر) اللام في ليتركها ساكنة، والمراد بتركها في عصمته حائضًا حتى تطهر من حيضتها، وحتى تحيض حيضة أخرى، غير التي طلقت وروجعت فيها، وحتى تطهر من حيضتها الثانية، وفي الرواية الثانية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها وفي الرواية الثالثة مره فليراجعها، ثم ليدعها - أي ليمسكها - حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها... وفي الرواية الخامسة فليراجعها حتى تحيض حيضة أخرى مستقبلة، سوى حيضتها التي طلقها فيها وعلى هذا تحمل الروايات التي لم تذكر الحيضة الثانية، حيث إن القضية واحدة، كالرواية السادسة، وفيها مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً والرواية التاسعة، وفيها فأمره أن يراجعها، حتى يطلقها طاهرًا من غير جماع والرواية العاشرة، وفيها ليراجعها، فإذا طهرت فإن شاء فليطلقها والحادية عشرة، وفيها مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها لطهرها والثانية عشرة، وفيها مره فليراجعها، ثم إذا طهرت فليطلقها والرابعة عشرة، وفيها ليراجعها... وإذا طهرت فليطلق أو ليمسك.

فتحمل هذه الروايات على أن فيها طيًا وحذفًا، وأن ابن عمر أمر بالإمساك حيضة أخرى، وإن لم يشترط ذلك عامة الفقهاء، وسيأتي توضيحه في فقه الحديث.

( ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس) أي قبل أن يجامع، وفي الرواية الثانية فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها وفي الرواية الثالثة فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها، أو يمسكها وفي الرواية الرابعة ثم يطلقها قبل أن يمسها أي إن شاء، وفي الرواية الخامسة فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا من حيضتها، قبل أن يمسها.

( فتلك العدة التي أمر اللَّه - عز وجل - أن يطلق لها النساء) أي فتلك التطليقة التي تستقبل بها المرأة عدتها من غير تطويل عليها، والتي أمر الله بها في قوله تعالى: { { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن } } وفي الرواية الرابعة عشرة قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم { { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } } بضم القاف والباء - أي وقت استقبال عدتهن، قال النووي: هذه قراءة ابن عباس وابن عمر، وهي شاذة، لا تثبت قرآنًا بالإجماع.
اهـ.
والآية تنادي النبي صلى الله عليه وسلم وتعم المخاطبين بالحكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إمام أمته، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان.
افعلوا كيت وكيت.
وقيل: الخطاب كالنداء، له صلى الله عليه وسلم، إلا أنه اختير ضمير الجمع إذا طلقتم للتعظيم.

وقوله { { إذا طلقتم النساء } } فيه مجاز المشارفة، أي إذا أردتم تطليقهن، وأشرفتم على ذلك، ففيه تنزيل المشارف للفعل منزلة المباشر له، ولولا هذا المجاز لم يستقم الكلام، إذ يكون لطلب تحصيل الحاصل.
واللام في { { فطلقوهن لعدتهن } } على القراءة المتواترة لام التوقيت، أي فطلقوهن لوقت عدتهن، أو مستقبلات عدتهن، أي في الوقت الذي يحتسب من عدتهن، والحيض الذي تطلق فيه لا يحتسب من العدة باتفاق، فالمطلوب طلاقها في طهر لم يجامع فيه، فهي بذلك تعتد بذلك الطهر ويحسب لها قرءًا من ثلاثة قروء، على مذهب الشافعي وموافقيه، بتفسير القرء بالطهر، وإذا فسر القرء بالحيض كما يقول أبو حنيفة وموافقوه، استقبلت عدتها بالحيضة التي تلي الطهر الذي لم تجامع فيه.

( أما أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا، وإن كنت طلقتها ثلاثًا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيرك، وعصيت اللَّه فيما أمرك من طلاق امرأتك) في الرواية الرابعة أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها.. وأما أنت طلقتها ثلاثًا فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك، وبانت منك.

ومقصود العبارتين أن الرجعة المأمور بها إنما تكون بعد طلقة واحدة أو طلقتين.
فإن طلقها الثالثة في حيض بانت منه، ولا رجعة، والطلاق في الحيض حرام ومعصية، سواء كانت طلقة أولى أو ثانية أو ثالثة.

هذا مقصود العبارتين، أما كيفية دلالة الألفاظ على هذا المقصود فقد قال القاضي عياض: قيل: إنه بفتح الهمزة من أما أي وتخفيف الميم، بعدها إن الشرطية - أي أما إن كنت، فحذفوا الفعل كان فانفصل الضمير أنت وفتحوا همزة إن الشرطية، وأدغموا النون في ما فصارت أما أنت بتشديد الميم، ويدل على ذلك قوله بعد وإن كنت طلقتها ثلاثًا.....

( قلت لنافع: ما صنعت التطليقة؟ قال: واحدة اعتد بها) أي ماذا كانت نتيجة التطليقة التي طلقها ابن عمر في الحيض؟ قال: كانت واحدة، فحسبت عليه، فاعتد بها ابن عمر، وحسبها، وفي الرواية الخامسة وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة، فحسبت من طلاقها، وراجعها... وفي ملحق هذه الرواية قال ابن عمر: فأرجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها وفي الرواية الثامنة أفحسبت عليه؟ قال: فمه؟ أو إن عجز واستحمق؟.

فمه الفاء في جواب شرط مقدر، ومه اسم فعل أمر، أي إذا كان الأمر واضحًا فانزجر وكف عن الشك في احتسابها.
وقيل مه أصلها ما الاستفهامية، أبدلت الألف هاء، كما قالوا في مهما أصلها ماما أي: أي شيء؟ والمعنى: فماذا يترتب على احتسابها؟ أي لا يترتب على احتسابها شيء، فلا يكون إلا احتسابها، ومعنى أو إن عجز واستحمق أفيرتفع عنه الطلاق لأنه جهل الحكم وكان أحمق؟ والاستفهام إنكاري، أي لا مانع من حسبان الطلاق وإن كان عاجزًا عن إدراك الحكم ساعتها وكان أحمق، وفي الرواية العاشرة أفتحتسب بها؟ قال: ما يمنعه؟ أي ما يمنع ابن عمر من احتسابها؟ أرأيت إن عجز واستحمق؟ أي أخبرني إن لم يدرك الحكم وصار أحمق.
أيعفيه ذلك من احتسابها؟ لا يعفيه، وفي الرواية الحادية عشرة قال: ما لي لا أعتد بها؟ وإن كنت عجزت واستحمقت؟ وجاء في غير مسلم أن ابن عمر قال: أرأيت إن كان ابن عمر عجز واستحمق، فما يمنعه أن يكون طلاقًا؟ وقال القاضي: أي إن عجز عن الرجعة، وفعل فعل الأحمق، وقال الكرماني: يحتمل أن يكون كلمة إن نافية، أي ما عجز ابن عمر، وما استحمق.

فقه الحديث

يتعلق الحديث بثلاث نقاط أساسية:

1- الأحكام الشرعية للطلاق في ذاته، ومن حيث ما يعرض له من أسباب ودوافع.

2- الطلاق في الحيض، وما يتعلق به.

3- ما يؤخذ من الحديث من أحكام أخرى.

أما عن النقطة الأولى فقد قال غير واحد: الطلاق في ذاته محظور، لما فيه من كفران نعمة النكاح، وإنما يباح، أو يستحب، أو يجب للحاجة التي تختلف قوة وضعفًا، ومعنى هذا أننا لو جردناه من دوافع الفعل ومن دوافع الترك الآتية يكون مكروهًا، كمن يطلق لمجرد العبث والقدرة على الزواج والطلاق، ويمكن أن يستدل له بما رواه أبو داود وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من أبغض المباحات عند الله - عز وجل - الطلاق وفي لفظ أبغض الحلال إلى الله الطلاق والحلال البغيض أو الأبغض يمكن أن يصدق على المكروه.

وقيل هو في أصله مباح، لوصفه في الحديثين السابقين بالإباحة والحل، وقد يستدل لهذا أيضًا بقوله تعالى: { { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } }

والخلاف في هذا سهل يسير، لأن هذه الصورة نادرة أو فرضية، وما مثل به من طلاق المغيرة بن شعبة زوجاته الأربع، حيث قال لهن في دفعة واحدة: أنتن حسنات الأخلاق، ناعمات الأطواق، طويلات الأعناق.
اذهبن فأنتن طلاق.
فهو محمول على وجود حاجة لم يصرح بها.

أما من حيث أسباب الطلاق ودوافعه فقد يكون واجبًا، كطلاق المولى الذي آلى أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر، أي حلف ألا يطأها أربعة أشهر، وهو قادر على الوطء، فيتربص أربعة أشهر، فإن انقضت ولم يكن له عذر ثبت لها المطالبة بالفيئة أو الطلاق، فإن طالبته بذلك وجب الفيئة أو الطلاق، ولو امتنع طلق عليه الحاكم على القول الصحيح.
وكالطلاق الذي حكم به الحكمان بسبب الشقاق الذي يستحيل معه العشرة.

وقد يكون مستحبًا، كما إذا وقعت الخصومة بين الزوجين، وخافا أن لا يقيما حدود الله، أو تكون غير عفيفة، أو سيئة الخلق، بحيث لا يصبر على عشرتها عادة، فيستحب له طلاقها.

وقد يكون حرامًا كالطلاق البدعي، وهو موضوع النقطة الثانية الآتية.

وقد يكون مكروهًا كطلاق مستقيمة الحال، ولا يكره شيئًا من خلقها، ولا دينها، وتطيب نفسه بمؤنتها وعشرتها.

فإن خلا الطلاق من هذه الأسباب ومن تلك الدوافع كان مباحًا، ونفاه النووي، وصوره بعضهم بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها، من غير حصول غرض الاستمتاع، وقد سبق توضيح هذا النوع بما فيه الكفاية، واللَّه أعلم.

أما النقطة الثانية فهي الطلاق البدعي، وهي الطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، والحكمة في ذلك حمايتها من تطويل العدة عليها، لأنها إذا طلقت في الحيض لم تحسب هذه الحيضة من القروء المطلوبة للعدة بقوله تعالى: { { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } } [البقرة: 228] عند القائلين بأن المراد بالقرء الحيض وهم الحنفية وموافقوهم، لأنهم يشترطون أن تستقبل العدة بحيضة كاملة، وتطول أيضًا إذا طلقها في طهر جامعها فيه، لاحتمال أن تحمل فتطول أو يندم، وعند القائلين بأن المراد بالقرء الطهر، وهم المالكية والشافعية وموافقوهم ستطول عدتها بزمن الحيضة التي طلقت فيها، لأنها لا تحتسب، كذلك ستطول عدتها إذا طلقت في طهر جامعها فيه، لأن هذا الطهر لن يحتسب من عدتها، فتطول ببقية أيام هذا الطهر وبالحيضة الكاملة التي بعده، وقد تحمل فيندم.

والقرء في اللغة يطلق على الحيض والطهر، لهذا اختلف الفقهاء في المراد منه، كما سبق، فمن قال إن المراد به الحيض اشترط في العدة ثلاث حيضات كاملة، أي لا تخرج من العدة إلا بانقطاع الدم في الحيضة الثالثة، وقيل: حتى ينقطع الدم وتغتسل، أو يذهب وقت صلاة، وقيل: تنتهي العدة بانقطاع الدم، وتنقطع الرجعة ويصح الصيام، لكن لا تحل للأزواج حتى تغتسل احتياطًا، وخروجًا من الخلاف.

أما القائلون بأن المراد من الأقراء الأطهار فتبدأ العدة بطهر لم يجامعها فيه، ولو طلقها قبل نهاية هذا الطهر بلحظة، فهو محسوب من العدة، حيث لم يجامعها فيه، واختلفوا في نهاية العدة، فقيل، بمجرد رؤية الدم بعد الطهر الثالث، وقيل: بعد انقضاء يوم وليلة على رؤية الدم، ويتفرع على هذا مسائل:

الأولى: لو كانت الحائض حاملاً - على القول بأن الحامل تحيض - فالصحيح عند الشافعية، وهو نص الشافعي أن طلاقها لا يحرم، لأن تحريم الطلاق في الحيض إنما كان لمنع تطويل العدة، والحامل الحائض عدتها بوضع الحمل، فلا يحصل في حقها تطويل، وقال أبو إسحاق: هو بدعة، لأنه طلاق في الحيض، وعن أحمد رواية أنه ليس بسني ولا بدعي.

الثانية: طلاق غير المدخول بها في الحيض لا يحرم، وليس طلاق بدعة، لأنه لا عدة عليها.

الثالثة: المدخول بها الصغيرة التي لا تحمل، والكبيرة الآيسة التي لا تحمل، طلاقها في الحيض ليس بدعة، ولا يحرم.

الرابعة: لو طلقها في حيض طلقة أولى أو ثانية أمر بالرجعة، قال النووي: أجمعوا على أنه إذا طلقها في حيض أمر برجعتها، وهذه الرجعة مستحبة، لا واجبة، هذا مذهبنا، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وفقهاء المحدثين وآخرون، وقال مالك وأصحابه: هي واجبة.
اهـ ويجبر عليها، فإن امتنع أدبه الحاكم، فإن أصر ارتجع الحاكم عليه، ووضح الحافظ ابن حجر حجة الفريقين، فقال: أما القائلون بأنها مستحبة فاحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب، فاستدامته كذلك، والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها، ولأن الطلاق لما كان محرمًا في الحيض كانت استدامة النكاح في الحيض واجبة.

فإن تمادى الذي طلق في الحيض، ولم يراجع حتى طهرت، قال مالك وأكثر أصحابه: يجبر على الرجعة أيضًا، وقال أشهب من أصحابه: إذا طهرت انتهى الأمر بالرجعة.

واتفقوا على أنها إذا انقضت عدتها أن لا رجعة، وأنه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لا يؤمر بمراجعتها، كذا نقله ابن بطال وغيره، لكن الخلاف فيه ثابت، قد حكاه الحناطي من الشافعية وجهًا، واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة، إلا ما نقل عن زفر، فقد طرد الباب.
اهـ.

الخامسة: لو طلقها في الحيض، وراجعها، وأراد أن يطلقها، فهل يطلقها في الطهر الذي يلي تلك الحيضة التي طلقها فيها، قبل أن يجامعها؟ أو يمسكها بعد هذا الطهر حتى تحيض حيضة أخرى عنده، ثم تطهر طهرًا آخر، يطلق فيه، كما هو ظاهر أكثر روايات الحديث؟.

قال الحافظ ابن حجر: في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق والمراجعة وجهان للشافعية، أصحهما المنع، وبه قطع المتولي، وهو الذي يقتضيه ظاهر الزيادة التي في الحديث، وكلام المالكية يقتضي أن التأخير مستحب، وقال ابن تيمية في المحرر: ولا يطلقها في الطهر المتعقب له، فإنه بدعة.
وعن أحمد جواز ذلك، وفي كتب الحنفية عن أبي حنيفة الجواز، وعن أبي يوسف ومحمد المنع.
ثم ذكر وجهة نظر الفريقين، فقال: ووجه الجواز أن التحريم إنما كان لأجل الحيض، فإذا طهرت زال موجب التحريم، فجاز طلاقها في هذا الطهر، كما يجوز في الطهر الذي بعده، وكما يجوز طلاقها في الطهر، حيث لم يتقدم طلاق في الحيض.
اهـ.

ويجيبون عن أمر ابن عمر بالإمساك طهرًا، ثم حيضة أخرى بأن هذا كان خاصًا بابن عمر رضي الله عنه عقوبة له على وقوعه في أمر، لا يخفى على مثله، أو أن الأمر بهذا التأخير للإرشاد، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، ولعل طول مدة الإمساك يجعله يجامعها، أو يذهب ما في نفسه من سبب طلاقها، فيمسكها.

أما وجهة نظر المانعين للتطليق في الطهر الذي يلي حيضة الطلاق فقيل: إن الطهر الأول مع الحيض الذي يليه كقرء واحد، فلو طلقها في أول طهر كان كمن طلق في الحيض، وهو ممنوع أن يطلق في الحيض، فلزم أن يتأخر إلى الطهر الثاني، وقيل: عقوبة له من معصية جنايته، حيث قصد تطويل العدة، فعوقب بتطويل الإمساك.
وخير ما قيل في ذلك أن الأمر بهذا التأخير لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق، إذ لو طلقها عقب تلك الحيضة كان قد راجعها ليطلقها، وهذا عكس مقصود الرجعة، فإنها شرعت لإيواء المرأة، ولإعطائها فرصة الإصلاح، ولهذا سماها إمساكًا، فأمره أن يمسكها في ذلك الطهر، وأن لا يطلق فيه حتى تحيض حيضة أخرى، ثم تطهر، لتكون الرجعة للإمساك، لا للطلاق، قال الحافظ ابن حجر: ويؤيد ذلك أن الشارع أكد هذا المعنى حيث أمر أن يمسكها في الطهر الذي يلي الحيض الذي طلقها فيه، فإذا كان قد أمره بأن يمسكها في ذلك الطهر، فكيف يبيح له أن يطلقها فيه؟

السادسة: لو طلقها في الحيض.
هل تحسب هذه التطليقة عليه؟ ظاهر الروايات أنها تحسب عليه تطليقة، ففي الرواية الثالثة ما صنعت التطليقة؟ قال: واحدة أعتد بها وفي ملحق الرواية الخامسة وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة، فحسبت من طلاقها وفي رواية قال ابن عمر: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها وفي الرواية التاسعة أتعتد بتلك الطلقة؟ فقال: فمه؟ أو إن عجز واستحمق؟ وفي الرواية العاشرة أفاحتسبت بها؟ قال: ما يمنعه؟ أرأيت إن عجز واستحمق؟ وفي الرواية الحادية عشرة فاعتددت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض؟ قال: ما لي لا أعتد بها؟ وإن عجزت واستحمقت.

قال النووي: وبه قال العلماء كافة، وشذ بعض أهل الظاهر، فقال: لا يقع طلاقه، لأنه غير مأذون له فيه، فأشبه طلاق الأجنبية.
قال النووي: والصواب الأول، ودليلهم الأمر بالرجعة، ولو لم يقع لم تكن رجعة، فإن قيل: المراد بالرجعة الرجعة اللغوية، وهي الرد إلى حالها الأول، لا أنه تحسب عليه طلقة.
قلنا: هذا غلط لوجهين.
أحدهما: أن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية يقدم على حمله على الحقيقة اللغوية، كما تقرر في علم أصول الفقه، الثاني: أن ابن عمر صرح في روايات مسلم وغيره بأنه حسبها طلقة.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: كأن النووي أراد ببعض الظاهرية ابن حزم، فإنه ممن جرد القول بذلك، وانتصر له، وبالغ، وأجاب عن أمر ابن عمر بالمراجعة بأن ابن عمر كان اجتنبها، فأمره أن يعيدها إليه على ما كانت عليه من المعاشرة، فحمل المراجعة على معناها اللغوي، وأجاب عن قول ابن عمر: حسبت على تطليقة بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن حجر: وقد وافق ابن حزم على ذلك من المتأخرين ابن تيمية، وله كلام طويل في تقرير ذلك، والانتصار له، وأعظم ما احتجوا به ما وقع في رواية أبي الزبير [روايتنا الرابعة عشرة] ليراجعها، فردها، وقال: إذا طهرت فليطلق أو يمسك لفظ مسلم، ولفظ أبي داود فردها علي وزاد أبو داود ولم يرها شيئًا قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة، وأحاديثهم كلها على خلاف ما قاله أبو الزبير، وقال ابن عبد البر: قوله ولم يرها شيئًا منكر، لم يقله غير أبي الزبير، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بمن هو أثبت منه؟ ولو صح فمعناه عندي - والله أعلم - ولم يرها شيئًا مستقيمًا، لكونها لم تقع على السنة.
وقال الخطابي: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه لم يرها شيئًا تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئًا جائزًا في السنة، ماضيًا في الاختيار، وإن كان لازمًا له مع الكراهة، ونقل البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه ذكر رواية أبي الزبير، فقال: نافع أثبت من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا، وقد وافق نافعًا غيره من أهل الثبت.
اهـ.

وأطال الحافظ ابن حجر في هذه المسألة بما لم يسمح بذكره المقام.
والله أعلم.

وأما عن النقطة الثالثة فيؤخذ من الحديث

1- قال ابن دقيق العيد: يتعلق بقوله مره فليراجعها مسألة أصولية، وهي أن الأمر بالأمر بالشيء.
هل هو أمر بذلك الشيء؟ أم لا؟ فقال ابن الحاجب: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا بذلك الشيء، لأنه لو كان أمرًا بذلك الشيء لكان قولنا: مر عبدك بكذا تعديًا - أي وكان أمرًا للعبد بما لا يملك الآمر.
وقال الرازي: الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء، والتحقيق التفرقة، إن كان الآمر الأول بحيث يسوغ له الحكم على المأمور الثاني فهو أمر له، وإلا فلا.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا قوي، وهو مستفاد من الدليل الذي استدل به ابن الحاجب على النفي، لأنه لا يكون متعديًا إلا إذا أمر من لا حكم له عليه، لئلا يصير متصرفًا في ملك غيره بغير إذنه، والشارع حاكم على الآمر والمأمور، فوجد فيه سلطان التكليف على الفريقين، ومنه قوله تعالى { { وأمر أهلك بالصلاة } } [طه: 132] فإن كل أحد يفهم منه أمر اللَّه لأهل بيته بالصلاة.
ثم ذكر الحافظ نظائر كثيرة، ثم قال: والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفًا آخر بفعل شيء كان المكلف الأول مبلغًا محضًا، والثاني مأمور من قبل الشارع، فإذا أمر الأول الثاني بذلك، فلم يمتثله كان عاصيًا، وإن توجه الخطاب من الشارع لمكلف أن يأمر غير مكلف، أو توجه الخطاب من غير الشارع بأمر من له عليه الأمر أن يأمر من لا أمر للأول عليه لم يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء.
فهذا فصل الخطاب.
والله المستعان.

2- وفيه أن الرجعة يستقل بها الزوج، دون الولي.

3- وأن الرجعة لا تفتقر إلى رضا المرأة، ولا رأيها، ولا تجديد عقد، لأنه جعل ذلك إليه دون غيره، وهو كقوله تعالى { { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } } [البقرة: 228] .

4- وفيه أن طلاق الطاهرة لا يكره، لأنه أنكر إيقاعه في الحيض، لا في غيره، ولقوله في آخر الحديث فإن شاء أمسك، وإن شاء طلق كذا قال الحافظ ابن حجر، وفيه نظر، فقد يكره لسبب آخر كما ذكرنا في أحكام الطلاق.

5- وفيه أن الحامل لا تحيض لقوله في الرواية السادسة ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً فحرم صلى الله عليه وسلم الطلاق في زمن الحيض، وأباحه في زمن الحمل، فدل على أنهما لا يجتمعان.
قال الحافظ: وأجيب بأن حيض الحامل لما لم يكن له تأثير في تطويل العدة ولا تخفيفها - لأنها بوضع الحمل - أباح الشارع طلاقها حاملاً مطلقًا، وأما غير الحامل ففرق بين الحائض والطاهر.
اهـ.

وهذا على جعل لفظ أو مانعة جمع، كقولنا: تزوج هندًا أو أختها، لكن لو جعلناها مانعة خلو تبيح الجمع، من قبيل: جالس الحسن أو ابن سيرين فلا يؤخذ من الحديث هذا المأخذ.

6- وفيه أن الأب يقوم عن ابنه البالغ الرشيد في الأمور التي تقع له، مما يحتشم الابن من ذكره، ويتلقى عنه ما لعله يلحق من العتاب على فعله، شفقة منه وبرًا.

7- واستدل به من ذهب إلى أن المراد بالأقراء الأطهار، لقوله في الروايات الخمس الأوليات فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء للأمر بطلاقها في الطهر، وقوله تعالى { { فطلقوهن لعدتهن } } أي وقت ابتداء عدتهن، وقد جعل للمطلقة تربص ثلاثة قروء، فلما نهي عن الطلاق في الحيض، وقال: إن الطلاق في الطهر هو الطلاق المأذون فيه، علم أن الأقراء الأطهار.
قاله ابن عبد البر.

8- قال النووي: في قوله ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً دلالة لجواز طلاق الحامل التي تبين حملها، وهو مذهب الشافعي.
قال ابن المنذر: وبه قال أكثر العلماء، منهم طاووس والحسن وابن سيرين وربيعة وحماد بن أبي سليمان ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، قال ابن المنذر: وبه أقول، وبه قال بعض المالكية، وقال بعضهم: هو حرام، وحكى ابن المنذر رواية أخرى عن الحسن أنه قال: طلاق الحامل مكروه.
ثم مذهب الشافعي ومن وافقه أن له أن يطلق الحامل ثلاثًا بلفظ واحد، وبألفاظ متصلة، وفي أوقات متفرقة، وكل ذلك جائز، لا بدعة فيه، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجعل بين الطلقتين شهرًا، وقال مالك وزفر ومحمد بن الحسن: لا يوقع عليها أكثر من واحدة حتى تضع.
اهـ.

9- ومن قوله في الرواية الأولى وإن شاء طلق قبل أن يمس وفي الثانية فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر، من قبل أن يجامعها وفي الثالثة فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها وفي الرابعة ثم يطلقها قبل أن يمسها وفي الخامسة فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا من حيضتها قبل أن يمسها وفي التاسعة حتى يطلقها طاهرًا من غير جماع استدل على أن الطلاق في طهر جامعها فيه حرام، وبه صرح الجمهور.
وقال المالكية: لا يحرم، وفي رواية كالجمهور، ورجحها الفاكهاني، لكونه شرط في الإذن في الطلاق عدم المسيس، والمعلق بشرط، معدوم عند عدمه.

10- وفي الحديث حرص الإسلام أن لا يشق الزوج بالزوجة، حتى عند فراقه لها، مهما كان غاضبًا عليها.

واللَّه أعلم