هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2613 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2613 حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده تابعه محمد بن مسلم ، عن عمرو ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Abdullah bin `Umar:

Allah's Messenger (ﷺ) said, It is not permissible for any Muslim who has something to will to stay for two nights without having his last will and testament written and kept ready with him.

'Abd Allah ibn 'Umar (radiallahanho): Le Messager d'Allah  dit: «Le musulman qui possède un objet sujet au testament n'a pas le droit de passer deux nuits [consécutives] sans que son testament ne soit écrit avec lui.» Rapporté aussi par Muhammad ibn Muslim, et ce de 'Amrû, d'ibn 'Umar, du Prophète  .

'Abd Allah ibn 'Umar (radiallahanho): Le Messager d'Allah  dit: «Le musulman qui possède un objet sujet au testament n'a pas le droit de passer deux nuits [consécutives] sans que son testament ne soit écrit avec lui.» Rapporté aussi par Muhammad ibn Muslim, et ce de 'Amrû, d'ibn 'Umar, du Prophète  .

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [2738] .

     قَوْلُهُ  مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَسَقَطَ لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ وَالْوَصْفُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِهِ لِمَا يَشْعُرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ وَوَصِيَّةُ الْكَافِرِ جَائِزَة فِي الْجُمْلَة وَحكى بن الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ شُرِعَتْ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْكَافِرُ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ يَصِحُّ مِنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَاللَّهُ أعلم قَوْله شَيْء يُوصي فِيهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ أَيُّوبَ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ بِلَفْظِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ مَا يُوصِي فِيهِ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ مَا حَقُّ امْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالْوَصِيَّةِ الْحَدِيثَ قَالَ بن عبد الْبر فسره بن عُيَيْنَةَ أَيْ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ اه وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يبيت لَيْلَتَيْنِ الحَدِيث وَذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَن بن عُمَرَ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ وبن عَوْنٍ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ وَذكره بن عبد الْبر من طَرِيق بن عَوْنٍ بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ قَالَ أَبُو عمر لم يُتَابع بن عَوْنٍ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ.

.

قُلْتُ إِنْ عَنَى عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِهَا فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ عَنَى عَن بن عُمَرَ فَمَرْدُودٌ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ذِكْرُ مَنْ رَوَاهُ عَن بن عمر أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  لَهُ مَالٌ أَوْلَى عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَنْ رَوَى لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْمَالِ كَذَا قَالَ وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِهَا فَرِوَايَةُ شَيْءٍ أَشْمَلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ مَا يُتَمَوَّلُ وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ كَالْمُخْتَصَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  يَبِيتُ كَأَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَبِيتَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ آيَاتِهِ يريكم الْبَرْق الْآيَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَبِيتُ صِفَةً لِمُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الطِّيبِيُّ قَالَ هِيَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ وَقَولُهُ يُوصِي فِيهِ صِفَةُ شَيْءٍ وَمَفْعُولُ يَبِيتُ مَحْذُوف تَقْدِيره آمنا أَو ذَاكِرًا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ تَقْدِيرُهُ مَوْعُوكًا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَرِيضِ نَعَمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا يُنْدَبُ أَنْ يَكْتُبَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَقَّرَةِ وَلَا مَا جَرَتِالْعَادَةُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْوَفَاءُ لَهُ عَنْ قُرْبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  لَيْلَتَيْنِ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَلِأَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَكَأَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا فَفُسِحَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَال على أَنه للتقريب لَا التَّحْدِيد وَالْمَعْنَى لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اغْتِفَارِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَكَأَنَّ الثَّلَاثَ غَايَةٌ لِلتَّأْخِيرِ وَلذَلِك قَالَ بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ الْمَذْكُورَةِ لَمْ أَبَتْ لَيْلَةً مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا وَوَصِيَّتِي عِنْدِي قَالَ الطِّيبِيُّ فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ تَسَامُحٌ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ زَمَانًا مَا وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الطَّائِفِي عَمَّن عَمْرو هُوَ بن دِينَار عَن بن عُمَرَ يَعْنِي فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ هَذِهِ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِهِ.

     وَقَالَ  تَفَرَّدَ بِهِ عِمْرَانُ بْنُ أَبَانَ يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعمْرَان أخرج لَهُ النَّسَائِيّ وَضَعفه قَالَ بن عَدِيٍّ لَهُ غَرَائِبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَلَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا وَلَفْظُهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَعَطَاءٌ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ فِي آخَرِينَ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَاخْتَارَهُ أَبُو عوَانَة الاسفرايني وبن جرير وَآخَرُونَ وَنسب بن عَبْدِ الْبَرِّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ إِلَى الْإِجْمَاعِ سِوَى مَنْ شَذَّ كَذَا قَالَ وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ لَقُسِّمَ جَمِيعُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَأُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ سَهْمٌ يَنُوبُ عَنِ الْوَصِيَّةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَة كَمَا قَالَ بن عَبَّاسٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسَ الْحَدِيثَ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الَّذِي نُسِخَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَرِثُونَ.

.
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرِثُ فَلَيْسَ فِي الْآيَة وَلَا فِي تَفْسِير بن عَبَّاسٍ مَا يَقْتَضِي النَّسْخَ فِي حَقِّهِ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا حَقُّ امْرِئٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ وَهَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْحَقُّ لُغَةً الشَّيْءُ الثَّابِتُ وَيُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ أَيْضًا لَكِنْ بِقِلَّةٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ عَلَى أَوْ نَحْوُهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بَلِ اقْتَرَنَ هَذَا الْحَقُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ تَفْوِيضُ الْوَصِيَّةِ إِلَى إِرَادَةِ الْمُوصِي حَيْثُ قَالَ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا عَلَّقَهَا بِإِرَادَتِهِ.

.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الرِّوَايَةِ الَّتِي بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهَا ذَكَرَهَا وَأَرَادَ بِنَفْيِ الْحِلِّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ فَأَكْثَرُهُمْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي آخَرِينَ تَجِبُ لِلْقَرَابَةِ الَّذين لَا يَرِثُونَ خَاصَّة أخرجه بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ قَالُوا فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ لَمْ تَنْفُذْ وَيُرَدُّ الثُّلُثُ كُلُّهُ إِلَى قَرَابَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ثُلُثَا الثُّلُثِ.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَأَقْوَى مَا يَرِدُ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ فِي قِصَّةِ الَّذِي أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً قَالَ فَجَعَلَ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةً وَلَا يُقَالُ لَعَلَّهُمْ كَانُوا أَقَارِبَ الْمُعْتِقِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ تَكُنْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تَمْلِكَ مَنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ أَوْ كَانَ مِنَ الْعَجَمِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ لَبَطَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ وَالله أعلم وَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ يَخْتَصُّ بِمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ يَخْشَى أَنْ يَضِيعَ عَلَى صَاحِبِهِ إِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ كَوَدِيعَةٍ وَدَيْنٍ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى قُدْرَتِهِ عَلَى تَنْجِيزِهِ وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ سَاغَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ بِهِ سَاغَ لَهُ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إِنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِعَيْنِهَا وَإِنَّ الْوَاجِبَ لِعَيْنِهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لِلْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِتَنْجِيزٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَنْجِيزِ مَا عَلَيْهِ وَكَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِشَهَادَتِهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ قَادِرًا أَوْ عَلِمَ بِهَا غَيْرُهُ فَلَا وُجُوبَ وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً فِيمَنْ رَجَا مِنْهَا كَثْرَةَ الْأَجْرِ وَمَكْرُوهَةً فِي عَكْسِهِ وَمُبَاحَةً فِيمَنِ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ وَمُحَرَّمَةً فِيمَا إِذَا كَانَ فِيهَا إِضْرَارٌ كَمَا ثَبَتَ عَن بن عَبَّاسٍ الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَرِجَاله ثِقَات وَاحْتج بن بطال تبعا لغيره بِأَن بن عُمَرَ لَمْ يُوصِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَهَا وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِك إِن ثَبت عَن بن عُمَرَ فَالْعِبْرَةُ بِمَا رَوَى لَا بِمَا رَأَى عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَبَتْ لَيْلَةً إِلَّا وَوَصِيَّتِي مَكْتُوبَةٌ عِنْدِي وَالَّذِي احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَلَا تُوصِي قَالَ أَمَّا مَالِي فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِيهِ.

.
وَأَمَّا رِبَاعِي فَلَا أُحِبُّ أَن يُشَارك وَلَدي فِيهَا أحد أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ وَيَتَعَاهَدُهَا ثُمَّ صَارَ يُنَجِّزُ مَا كَانَ يُوصِي بِهِ مُعَلَّقًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِي مَالِي وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهُ الَّذِي سَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ الْحَدِيثَ فَصَارَ يُنَجِّزُ مَا يُرِيدُ التَّصَدُّقَ بِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَعْلِيقٍ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْوَصَايَا أَنَّهُ وَقَفَ بَعْضَ دُورِهِ فَبِهَذَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ وَخَصَّ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ ذُكِرَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَبْطِ الْمَشْهُودِ بِهِ قَالُوا وَمَعْنَى وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ أَيْ بِشَرْطِهَا.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إِضْمَارُ الْإِشْهَادِ فِيهِ بُعْدٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ فِي الْوَصِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ ذِكْرُ الْكِتَابَةِ مُبَالَغَةٌ فِي زِيَادَةِ التَّوَثُّقِ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ الْمَشْهُودُ بِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تنفذ وَأَن كَانَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَارْتَجَعَهَا وَفِي الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِابْنِ عُمَرَ لِمُبَادَرَتِهِ لِامْتِثَالِ قَوْلِ الشَّارِعِ وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى التَّأَهُّبِ لِلْمَوْتِ وَالِاحْتِرَازِ قَبْلَ الْفَوْتِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سِنٍّ يُفْرَضُ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِيهِ جَمْعٌ جَمٌّ وَكُلُّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ جَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَهِّبًا لِذَلِكَ فَيكْتبوَصِيَّتَهُ وَيَجْمَعَ فِيهَا مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْأَجْرُ وَيُحْبِطُ عَنْهُ الْوِزْرَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ لَهُ شَيْءٌ أَوْ لَهُ مَالٌ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بالمنافع وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَمنعه بن أبي ليلى وبن شبْرمَة وَدَاوُد وَأَتْبَاعه وَاخْتَارَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَمُطْلَقُهَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ لَكِنَّ السَّلَفَ خَصُّوهَا بِالْمَرِيضِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فِي الْخَبَرِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ وَقَولُهُ مَكْتُوبَةٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِخَطِّهِ أَوْ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُهِمَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تُضْبَطَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ مِنَ الضَّبْطِ بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ يَخُونُ غَالِبًا الْحَدِيثُ الثَّانِي

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الْوَصَايَا)
أَيْ حُكْمِ الْوَصَايَا .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ الْمَرْءَ هُوَ الرَّجُلُ لَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فِي الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إِسْلَامٌ وَلَا رُشْدٌ وَلَا ثُيُوبَةٌ وَلَا إِذْنُ زَوْجٍ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ.

.
وَأَمَّا وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَفِيهَا خِلَافٌ مَنَعَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ وَصَحَّحَهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَول رَجحه بن أَبِي عَصْرُونَ وَغَيْرُهُ وَمَالَ إِلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ الْوَارِثَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الثُّلُثِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ وَصِيَّةِ الْمُمَيِّزِ قَالَ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَعْقِلَ مَا يُوصِي بِهِ وَرَوَى الْمُوَطَّأُ فِيهِ أَثَرًا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ غُلَامٍ لَمْ يَحْتَلِمْ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوِيٌّ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ وَلَهُ شَاهِدٌ وَقَيَّدَ مَالِكٌ صِحَّتَهَا بِمَا إِذَا عَقَلَ وَلَمْ يَخْلِطْ وَأَحْمَدُ بِسَبْعٍ وَعَنْهُ بِعَشْرٍ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ للْوَالِدين إِلَى جَنَفًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلنَّسَفِيِّ الْآيَةَ وَسَاقَ الْبَاقُونَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ إِلَى غَفُورٍ رَحِيمٍ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةُ وَقْتَ حُضُورِ الْمَوْتِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ مَفْعُولَ كَتَبَ أَوِ الْوَصِيَّةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لِلْوَالِدَيْنِ وَدَلَّ .

     قَوْلُهُ  إِنْ تَرَكَ خَيْرًا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَالُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يتْرك مَا لَا لَا تُشْرَعُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَالُ الْكَثِيرُ فَلَا تُشْرَعُ لِمَنْ لَهُ مَال قَلِيل قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا الْيَسِيرُ التَّافِهُ مِنَ الْمَالِ أَنَّهُ لَا تُنْدَبُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَالثَّابِتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ جَعَلَ اللَّهُ الْوَصِيَّةَ حَقًّا فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَدْبِيَّةُ الْوَصِيَّةِ من غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ نَعَمْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ إِنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا وَالْعِيَالُ كَثِيرًا اسْتُحِبَّ لَهُ تَوْفِرَتُهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَالِ كَأَنْ يُعَيِّنَ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِ وَلَدِهِ أَوْ يَعْهَدَ إِلَيْهِمْ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ أَحَدٌ نَدْبِيَّتَهُ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْمَالِ الْكَثِيرِ فِي الْوَصِيَّةِ فَعَنْ عَلِيٍّ سَبْعُمِائَةٍ مَالٌ قَلِيلٌ وَعَنْهُ ثَمَانُمِائَةٍ مَال قَلِيل وَعَن بن عَبَّاسٍ نَحْوُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ فِيمَنْ تَرَكَ عِيَالًا كَثِيرًا وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ لَيْسَ هَذَا بِمَالٍ كَثِيرٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  جَنَفًا مَيْلًا هُوَ تَفْسِيرُ عَطَاءٍ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ الْجَنَفُ الْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ وَأَخْرَجَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْجَنَفَ الْخَطَأُ وَالْإِثْمَ الْعَمْدُ .

     قَوْلُهُ  مُتَجَانِفٌ مُتَمَايِلٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِأَبِي ذَرٍّ مَائِلٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ .

     قَوْلُهُ  غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ أَيْ غَيْرَ مُنْعَوِجٍ مَائِلٍ لِلْإِثْمِ وَنَقَلَ الطَّبَرِيّ عَن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَحدهَا حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ

[ قــ :2613 ... غــ :2738] .

     قَوْلُهُ  مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَسَقَطَ لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ وَالْوَصْفُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِهِ لِمَا يَشْعُرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ وَوَصِيَّةُ الْكَافِرِ جَائِزَة فِي الْجُمْلَة وَحكى بن الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ شُرِعَتْ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْكَافِرُ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ يَصِحُّ مِنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَاللَّهُ أعلم قَوْله شَيْء يُوصي فِيهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ أَيُّوبَ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ بِلَفْظِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ مَا يُوصِي فِيهِ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ مَا حَقُّ امْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالْوَصِيَّةِ الْحَدِيثَ قَالَ بن عبد الْبر فسره بن عُيَيْنَةَ أَيْ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ اه وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يبيت لَيْلَتَيْنِ الحَدِيث وَذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَن بن عُمَرَ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ وبن عَوْنٍ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ وَذكره بن عبد الْبر من طَرِيق بن عَوْنٍ بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ قَالَ أَبُو عمر لم يُتَابع بن عَوْنٍ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ.

.

قُلْتُ إِنْ عَنَى عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِهَا فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ عَنَى عَن بن عُمَرَ فَمَرْدُودٌ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ذِكْرُ مَنْ رَوَاهُ عَن بن عمر أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  لَهُ مَالٌ أَوْلَى عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَنْ رَوَى لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْمَالِ كَذَا قَالَ وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِهَا فَرِوَايَةُ شَيْءٍ أَشْمَلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ مَا يُتَمَوَّلُ وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ كَالْمُخْتَصَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  يَبِيتُ كَأَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَبِيتَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ آيَاتِهِ يريكم الْبَرْق الْآيَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَبِيتُ صِفَةً لِمُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الطِّيبِيُّ قَالَ هِيَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ وَقَولُهُ يُوصِي فِيهِ صِفَةُ شَيْءٍ وَمَفْعُولُ يَبِيتُ مَحْذُوف تَقْدِيره آمنا أَو ذَاكِرًا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ تَقْدِيرُهُ مَوْعُوكًا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَرِيضِ نَعَمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا يُنْدَبُ أَنْ يَكْتُبَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَقَّرَةِ وَلَا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْوَفَاءُ لَهُ عَنْ قُرْبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  لَيْلَتَيْنِ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَلِأَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَكَأَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا فَفُسِحَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَال على أَنه للتقريب لَا التَّحْدِيد وَالْمَعْنَى لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اغْتِفَارِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَكَأَنَّ الثَّلَاثَ غَايَةٌ لِلتَّأْخِيرِ وَلذَلِك قَالَ بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ الْمَذْكُورَةِ لَمْ أَبَتْ لَيْلَةً مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا وَوَصِيَّتِي عِنْدِي قَالَ الطِّيبِيُّ فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ تَسَامُحٌ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ زَمَانًا مَا وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الطَّائِفِي عَمَّن عَمْرو هُوَ بن دِينَار عَن بن عُمَرَ يَعْنِي فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ هَذِهِ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِهِ.

     وَقَالَ  تَفَرَّدَ بِهِ عِمْرَانُ بْنُ أَبَانَ يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعمْرَان أخرج لَهُ النَّسَائِيّ وَضَعفه قَالَ بن عَدِيٍّ لَهُ غَرَائِبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَلَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا وَلَفْظُهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَعَطَاءٌ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ فِي آخَرِينَ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَاخْتَارَهُ أَبُو عوَانَة الاسفرايني وبن جرير وَآخَرُونَ وَنسب بن عَبْدِ الْبَرِّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ إِلَى الْإِجْمَاعِ سِوَى مَنْ شَذَّ كَذَا قَالَ وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ لَقُسِّمَ جَمِيعُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَأُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ سَهْمٌ يَنُوبُ عَنِ الْوَصِيَّةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَة كَمَا قَالَ بن عَبَّاسٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسَ الْحَدِيثَ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الَّذِي نُسِخَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَرِثُونَ.

.
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرِثُ فَلَيْسَ فِي الْآيَة وَلَا فِي تَفْسِير بن عَبَّاسٍ مَا يَقْتَضِي النَّسْخَ فِي حَقِّهِ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا حَقُّ امْرِئٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ وَهَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْحَقُّ لُغَةً الشَّيْءُ الثَّابِتُ وَيُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ أَيْضًا لَكِنْ بِقِلَّةٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ عَلَى أَوْ نَحْوُهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بَلِ اقْتَرَنَ هَذَا الْحَقُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ تَفْوِيضُ الْوَصِيَّةِ إِلَى إِرَادَةِ الْمُوصِي حَيْثُ قَالَ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا عَلَّقَهَا بِإِرَادَتِهِ.

.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الرِّوَايَةِ الَّتِي بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهَا ذَكَرَهَا وَأَرَادَ بِنَفْيِ الْحِلِّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ فَأَكْثَرُهُمْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي آخَرِينَ تَجِبُ لِلْقَرَابَةِ الَّذين لَا يَرِثُونَ خَاصَّة أخرجه بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ قَالُوا فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ لَمْ تَنْفُذْ وَيُرَدُّ الثُّلُثُ كُلُّهُ إِلَى قَرَابَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ثُلُثَا الثُّلُثِ.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَأَقْوَى مَا يَرِدُ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ فِي قِصَّةِ الَّذِي أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً قَالَ فَجَعَلَ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةً وَلَا يُقَالُ لَعَلَّهُمْ كَانُوا أَقَارِبَ الْمُعْتِقِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ تَكُنْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تَمْلِكَ مَنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ أَوْ كَانَ مِنَ الْعَجَمِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ لَبَطَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ وَالله أعلم وَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ يَخْتَصُّ بِمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ يَخْشَى أَنْ يَضِيعَ عَلَى صَاحِبِهِ إِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ كَوَدِيعَةٍ وَدَيْنٍ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى قُدْرَتِهِ عَلَى تَنْجِيزِهِ وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ سَاغَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ بِهِ سَاغَ لَهُ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إِنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِعَيْنِهَا وَإِنَّ الْوَاجِبَ لِعَيْنِهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لِلْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِتَنْجِيزٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَنْجِيزِ مَا عَلَيْهِ وَكَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِشَهَادَتِهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ قَادِرًا أَوْ عَلِمَ بِهَا غَيْرُهُ فَلَا وُجُوبَ وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً فِيمَنْ رَجَا مِنْهَا كَثْرَةَ الْأَجْرِ وَمَكْرُوهَةً فِي عَكْسِهِ وَمُبَاحَةً فِيمَنِ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ وَمُحَرَّمَةً فِيمَا إِذَا كَانَ فِيهَا إِضْرَارٌ كَمَا ثَبَتَ عَن بن عَبَّاسٍ الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَرِجَاله ثِقَات وَاحْتج بن بطال تبعا لغيره بِأَن بن عُمَرَ لَمْ يُوصِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَهَا وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِك إِن ثَبت عَن بن عُمَرَ فَالْعِبْرَةُ بِمَا رَوَى لَا بِمَا رَأَى عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَبَتْ لَيْلَةً إِلَّا وَوَصِيَّتِي مَكْتُوبَةٌ عِنْدِي وَالَّذِي احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَلَا تُوصِي قَالَ أَمَّا مَالِي فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِيهِ.

.
وَأَمَّا رِبَاعِي فَلَا أُحِبُّ أَن يُشَارك وَلَدي فِيهَا أحد أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ وَيَتَعَاهَدُهَا ثُمَّ صَارَ يُنَجِّزُ مَا كَانَ يُوصِي بِهِ مُعَلَّقًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِي مَالِي وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهُ الَّذِي سَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ الْحَدِيثَ فَصَارَ يُنَجِّزُ مَا يُرِيدُ التَّصَدُّقَ بِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَعْلِيقٍ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْوَصَايَا أَنَّهُ وَقَفَ بَعْضَ دُورِهِ فَبِهَذَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ وَخَصَّ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ ذُكِرَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَبْطِ الْمَشْهُودِ بِهِ قَالُوا وَمَعْنَى وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ أَيْ بِشَرْطِهَا.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إِضْمَارُ الْإِشْهَادِ فِيهِ بُعْدٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ فِي الْوَصِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ ذِكْرُ الْكِتَابَةِ مُبَالَغَةٌ فِي زِيَادَةِ التَّوَثُّقِ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ الْمَشْهُودُ بِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تنفذ وَأَن كَانَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَارْتَجَعَهَا وَفِي الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِابْنِ عُمَرَ لِمُبَادَرَتِهِ لِامْتِثَالِ قَوْلِ الشَّارِعِ وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى التَّأَهُّبِ لِلْمَوْتِ وَالِاحْتِرَازِ قَبْلَ الْفَوْتِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سِنٍّ يُفْرَضُ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِيهِ جَمْعٌ جَمٌّ وَكُلُّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ جَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَهِّبًا لِذَلِكَ فَيكْتب وَصِيَّتَهُ وَيَجْمَعَ فِيهَا مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْأَجْرُ وَيُحْبِطُ عَنْهُ الْوِزْرَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ لَهُ شَيْءٌ أَوْ لَهُ مَالٌ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بالمنافع وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَمنعه بن أبي ليلى وبن شبْرمَة وَدَاوُد وَأَتْبَاعه وَاخْتَارَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَمُطْلَقُهَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ لَكِنَّ السَّلَفَ خَصُّوهَا بِالْمَرِيضِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فِي الْخَبَرِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ وَقَولُهُ مَكْتُوبَةٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِخَطِّهِ أَوْ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُهِمَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تُضْبَطَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ مِنَ الضَّبْطِ بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ يَخُونُ غَالِبًا الْحَدِيثُ الثَّانِي

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  كتاب الوصايا
( كتاب الوصايا) .
جمع وصية وهي لغة الإيصال من وصى الشيء بكذا أوصله به لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه، وشرعًا تبرع بحق مضاف إلى ما بعد الموت ليس بتدبير ولا تعليق عتق وإن التحقا بها حكمًا في حسابهما من الثلث كالتبرع المنجز في مرض الموت أو الملحق به.

باب الْوَصَايَا، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»
وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} جَنَفًا: مَيْلاً.
مُتَجَانِفٌ: مَائِلٌ.

( بسم الله الرحمن الرحيم) .
( باب) حكم ( الوصايا) وقدّم النسفيّ في روايته البسملة على لفظ كتاب ( و) باب ( قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وصية الرجل مكتوبة عنده) التقييد بالرجل خرج مخرج الغالب، وإلا فلا فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والمرأة، لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يقف على هذا الحديث باللفظ المذكور فكأنه رواه بالمعنى فإن المرء هو الرجل، ( و) باب ( قول الله تعالى) : ولأبي ذر: وقال الله عز وجل: ( { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} ) أي حضرت أسبابه وظهرت أماراته { إن ترك خيرًا} مالاً، وقيل: مالاً كثيرًا لما روي عن علي -رضي الله عنه- أن مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة درهم فمنعه، وقال الله تعالى: ( { إن ترك خيرًا} ) والخير هو المال الكثير ( { الوصية} ) مرفوع بكتب وتذكير فعلها على تأويل أن يوصي أو الإيصاء ( { للوالدين والأقربين بالمعروف} ) بالعدل فلا يفضل الغنى ولا يتجاوز الثلث ( { حقًّا على المتقين} ) مصدر مؤكد أي حق حقًّا أي واجبًا ( { فمن بدّله} ) أي بدل ما ذكر من الوصية ( { بعدما سمعه} ) وصل إليه ( { فإنما إثمه على الذين يبدّلونه} ) ووقع
أجر الميت على الله ( { إن الله سميع} ) للوصية ( { عليم} ) بما بدل منها فيجازي المبدل بغير حق، وهذا الحكم كان في بدء الإسلام قبل نزول آية المواريث فلما نزلت نسختها وصارت المواريث المقررة فريضة من الله يأخذها أهلها حتمًا من غير وصية ولا تحمل ما نيّة الوصي، وفي حديث عمرو بن خارجة في السنن مرفوعًا "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" ( { فمن خاف من موصٍ} ) أي توقع وعلم ( { جنفًا أو إثمًا} ) بأن تعمد الجور في وصيته فزاد على الثلث ( { فأصلح بينهم} ) بين الموصي لهم بردّ ما زاد ( { فلا إثم عليه} ) في هذا التبديل لأنه تبديل باطل إلى حق بخلاف الأوّل ( { إن الله غفور رحيم} ) [البقرة: 180 و181 و182] حيث لم يجعل على عباده حرجًا في الدين، وقال البخاري مفسرًا لقوله ( جنفًا) أي ( ميلاً) رواه الطبري عن عطاء بإسناد صحيح ( متجانف) : أي ( مائل) .
ولغير أبي ذر كما في فتح الباري: متمايل، وسقط لأبي ذر من قوله: { والأقربين} إلى الآخر، وقال بعد قوله: ( { للوالدين} ) إلى { جنفًا} وللنسفيّ كما في الفتح الآية، وفي نسخة { والأقربين بالمعروف} إلى قوله: { إن الله غفور رحيم} .


[ قــ :2613 ... غــ : 2738 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَىْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ».

تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وسقط لأبي ذر عبد الله ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( ما) أي ليس ( حق امرئ) رجل ( مسلم) أو ذمي، ولمسلم عن أيوب عن نافع "ما حق امرئ يؤمن بالوصية" قال ابن عبد البر: فسّره ابن عيينة أي يؤمن بأنها حق ( له شيء) صفة لامرئ، وعند البيهقي "له مال" بدل "شيء" حال كونه ( يوصي فيه) صفة لشيء حال كونه "يبيت ليلتين" صفة أخرى لامرئ ومفعول يبيت محذوف تقديره آمنًا أو ذاكرًا أو موعوكًا، وعند البيهقي ليلة أو ليلتين، ولمسلم والنسائي ثلاث ليالٍ، والاختلاف دالٌّ على التقريب لا التحديد والمبتدأ الذي هو ما حق محصور في خبره المقدّر بعد "إلا" من قوله: ( إلاّ ووصيته) أي ما حقه إلا المبيت ووصيته ( مكتوبة عنده) .
مشهود بها فإن الغالب إنما يكتب العدول قال الله تعالى: { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} [المائدة: 106] ولأن أكثر الناس لا يحسن الكتابة فلا دلالة فيه على اعتماد الخط، ونقل في المصابيح: فيما إذا وجدت وصية بخط الميت من غير إشهاد في تَرِكته ويعرف أنها خطه بشهادة عدلين عن الباجي أنها لا يثبت شيء منها لأنه قد يكتب ولا يعزم.
رواه ابن القاسم في المجموعة والعتبية ولم يحكِ ابن عرفة فيها خلافًا، والواو في ووصيته اللحال، قال في العدة: ويحتمل أن يكون خبر المبتدأ يبيت بتأويله بالمصدر تقديره ما حقه بيتوتة ليلتين
إلا وهو بهذه الصفة، وهذا معنى قوله في المصابيح أن يبيت ليلتين ارتفع بعد حذف أن مثل قوله تعالى: { ومن آياته يريكم البرق} [الروم: 24] وقال في الفتح ونحوه، وتعقبه العيني فقال هذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى أيضًا، وإنما قدر أن في قوله تعالى: { يريكم البرق} لأنه في موضع الابتداء لأن قولها { ومن آياته} في موضع الخبر والفعل لا يقع مبتدأ فتقدر أن فيه حتى يكون في معنى المصدر فيصح حينئذٍ وقوعه مبتدأ فمن له ذوق في العربية يفهم هذا ويعلم تغيير المعنى فيما قال انتهى ولم يجب عن ذلك في انتقاض الاعتراض بشيء بل بيض له ككثير من الاعتراضات التي أوردها العيني عليه لكن يدل لما قالوه رواية النسائي من طريق فضيل بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر حين قال فيها: أن يبيت، فصرح بأن المصدرية والتعبير بالمسلم جرى على الغالب وإلاّ فالذمي كذلك فإن الكفار مخاطبون بالفروع.

فإن قلت: الوصية شرعت زيادة في العمل الصالح والكافر لا عمل له بعد الموت: أجيب: بأنهم نظروا إلى أن الوصية كالإعتاق وهو صحيح من الذمي والحربي أو التعبير بالمسلم من الخطاب المسمى عند البيانيين بالتهييج أي الذي يمتثل أمر الله ويجتنب نواهيه إنما هو المسلم ففيه إشعار بنفي الإسلام عن تارك ذلك.
وقال الشافعي فيما حكاه النووي: معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، وروى البيهقي في المعرفة مما قرأته فيها عن الشافعي أيضًا أنه قال في قوله: ما حق امرئ يحتمل ما لامرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده، ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من وجه الفرض انتهى.

وقد أجمع على الأمر بها، لكن مذهب الأربعة أنها مندوبة لا واجبة ولا دلالة في حديث الباب لمن قال بالوجوب وكيف، وفي رواية مسلم من طريق عبيد الله بن عمر وأيوب يريد أن يوصي فيه فجعل ذلك متعلقًا بإرادته.

سلمنا أنه يدل على الوجوب لكن صرفه عن ذلك أدلة أخرى كقوله تعالى فيما قاله السهيلي: { من بعد وصية يوصي بها أو دين} [النساء: 11و12] فإنه نكر الوصية كما نكر الدين، ولو كانت الوصية واجبة لقال من بعد الوصية.
نعم، روى ابن عون عن نافع عن ابن عمر الحديث بلفظ: لا يحل لامرئ مسلم، وقال المنذري: إنها تؤيد القول بالوجوب، لكن لم يتابع ابن عون على هذه الوصية، وقد قال المنذري إنها شاذة، نعم تجب الوصية على من عليه حق لله كزكاة وحج أو حق لآدمي بلا شهود بخلاف ما إذا كان به شهود فلا تجب، وهل الحكم كذلك في اليسير التي جرت العادة بردّه مع القرب فيه كلام لبعضهم مال فيه إلى أن مثل هذا لا تجب الوصية فيه على التضييق والفور مراعاة للشفقة.

وهذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

( تابعه) أي تابع مالكًا في أصل الحديث ( محمد بن مسلم) الطائفي فيما رواه الدارقطني في الإفراد ( عن عمرو) هو ابن دينار ( عن ابن عمر) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (كِتَابُ الوَصَايا)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْوَصَايَا، وَهُوَ جمع وَصِيَّة من: أوصى يُوصي إيصاء، وَوَصِيَّة ووصى يُوصي توصية، وَذَلِكَ موصى إِلَيْهِ، وَأوصى لفُلَان بِكَذَا أَي: جعل لَهُ من مَاله، وَذَلِكَ موصى لَهُ، والوصاية، بِفَتْح الْوَاو بِمَعْنى الْوَصِيَّة، وبكسرها مصدر وَأوصى إِلَى فلَان بِكَذَا أَي جعله وَصِيّا وَذَلِكَ موصى إِلَيْهِ.
قَالَ الْجَوْهَرِي: أوصيت لَهُ بِشَيْء وأوصيت إِلَيْهِ إِذا جعلته وصيك.
وَالِاسْم الْوِصَايَة بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا، وإوصيته ووصيته إيصاء وَوَصِيَّة وتوصية بِمَعْنى، والإسم الوصاءة.
قلت: الْوَصِيَّة فِي الشَّرْع تمْلِيك مُضَاف إِلَى مَا بعد الْمَوْت..
     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: الْوَصِيَّة من وصيت الشَّيْء بِالتَّخْفِيفِ أصيه، إِذا وصلته، وَسميت: وَصِيَّة لِأَن الْمَيِّت يصل بهَا مَا كَانَ فِي حَيَاته بِمَا بعد مماته، وَيُقَال: وصَّاه ووصَاه بِالتَّخْفِيفِ بِغَيْر همز، وَيُطلق شرعا أَيْضا على مَا يَقع بِهِ الزّجر عَن المنهيات، والحث على المأمورات.

(بابُُ الوَصايَا وقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا ورد من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَصِيَّة الرجل مَكْتُوبَة عِنْده) ، وَوَقع فِي بعض النّسخ، هَكَذَا: كتاب الْوَصَايَا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: (بابُُ الْوَصَايَا وَقَول النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصِيَّة الرجل مَكْتُوبَة عِنْده) ، وَوَقع للنسفي: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب الْوَصَايَا) ، وَلم يَقع فِي بعض النّسخ لفظ: بابُُ، وَوَقع كَذَا: (كتاب الْوَصَايَا، وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَصِيَّة الرجل مَكْتُوبَة عِنْده، وَهَذَا تَعْلِيق أسْندهُ بعد، وَهُوَ قَوْله: (مَا حق امرىء مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي فِيهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إلاَّ ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده) ، فَكَأَنَّهُ نَقله مُعَلّقا بِالْمَعْنَى.
وَقَوله: (وَصِيَّة الرجل) مُبْتَدأ، وَقَوله: (مَكْتُوبَة عِنْده) ، خَبره، وَالْمعْنَى: وَصِيَّة الرجل يَنْبَغِي أَن تكون مَكْتُوبَة عِنْده، وَإِنَّمَا ذكره بِهَذِهِ الصُّورَة قصدا للْمُبَالَغَة وحثاً على كِتَابَة الْوَصِيَّة.

وقَوْلِ الله تعَالى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خيْراً الوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ بالمَعْرُوفِ حقَّاً علَى المُتَّقِينَ فمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فإنَّمَا إثْمُهُ على الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهِ إنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جِنْفاً أوْ إثْماً فأصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الْبَقَرَة: 081، 281) .

وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: قَول النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي بعض النّسخ: (وَقَالَ الله تَعَالَى: { كتب عَلَيْكُم.
.
}
(الْبَقَرَة: 081، 281) .
إِلَى آخِره، وَهَذِه الْآيَات الثَّلَاث مَذْكُورَة هَكَذَا عِنْد الْأَكْثَرين، وَعند النَّسَفِيّ الْآيَة الأولى.
فَقَط.
وَقَوله: { كتب عَلَيْكُم} (الْبَقَرَة: 081، 281) .
الْآيَة، اشْتَمَلت على الْأَمر بِالْوَصِيَّةِ للْوَالِدين والأقربين، وَقد كَانَ ذَلِك وَاجِبا على أصح الْقَوْلَيْنِ قبل نزُول آيَة الْمَوَارِيث، فَلَمَّا نزلت آيَة الْمَوَارِيث نسخت هَذِه وَصَارَت الْمَوَارِيث المقررة فَرِيضَة من الله تَعَالَى يَأْخُذهَا أهلوها حتما من غير وَصِيَّة، وَلَا تحمل أَمَانَة الْوَصِيّ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث فِي (السّنَن) وَغَيرهَا، عَن عَمْرو بن خَارِجَة، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يخْطب وَهُوَ يَقُول: (إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حَقه، فَلَا وَصِيَّة لوَارث) ..
     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح، حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد أخبرنَا ابْن جريج وَعُثْمَان بن عَطاء عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين، نسختها هَذِه الْآيَة: { للرِّجَال نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ وللنساء نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قل مِنْهُ أَو كثر نَصِيبا مَفْرُوضًا} (النِّسَاء: 7) .
ثمَّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَرُوِيَ عَن ابْن عَمْرو وَأبي مُوسَى وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَمُجاهد وَعَطَاء وَسَعِيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعِكْرِمَة وَزيد بن أسلم وَالربيع بن أنس وَقَتَادَة وَالسُّديّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان وطاووس وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَشُرَيْح وَالضَّحَّاك وَالزهْرِيّ: أَن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة، نسختها آيَة الْمَوَارِيث، وَالْعجب من الرَّازِيّ كَيفَ حكى فِي (تَفْسِيره الْكَبِير) عَن أبي مُسلم الْأَصْفَهَانِي: أَن هَذِه الْآيَة غير مَنْسُوخَة، وَإِنَّمَا هِيَ مفسرة بِآيَة الْمَوَارِيث، وَمَعْنَاهُ: كتب عَلَيْكُم مَا أوصى الله بِهِ من تَوْرِيث الْوَالِدين والأقربين، من قَوْله: { يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} (النِّسَاء: 11) .
قَالَ: وَهُوَ قَول أَكثر الْمُفَسّرين والمعتبرين من الْفُقَهَاء، قَالَ: وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَة فِيمَن يَرث، ثَابِتَة فِيمَن لَا يَرث، وَهُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس وَالْحسن ومسروق وَالضَّحَّاك وَمُسلم بن يسَار والْعَلَاء بن زِيَاد، قَالَ ابْن كثير: وَبِه قَالَ أَيْضا سعيد بن جُبَير وَالربيع بن أنس وَمُقَاتِل بن حَيَّان، وَلَكِن على قَول هَؤُلَاءِ لَا يُسمى نسخا فِي اصطلاحنا الْمُتَأَخر، لِأَن آيَة الْمَوَارِيث إِنَّمَا رفعت حكم بعض أَفْرَاد مَا دلّ عَلَيْهِ عُمُوم آيَة الْوَصِيَّة، لِأَن الْأَقْرَبين أَعم مِمَّن يَرث وَمن لَا يَرث، فَرفع حكم من يَرث بِمَا عين لَهُ وَبَقِي الآخر على مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة الأولى، وَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى على قَول بَعضهم: إِن الْوِصَايَة فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام إِنَّمَا كَانَت ندبا حَتَّى نسخت، فَأَما من قَالَ: إِنَّهَا كَانَت وَاجِبَة، وَهُوَ الظَّاهِر من سِيَاق الْآيَة فَتعين أَن تكون مَنْسُوخَة بِآيَة الْمِيرَاث، كَمَا قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين، والمعتبرون من الْفُقَهَاء، فَإِن وجوب الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين الْوَارِثين مَنْسُوخ بِالْإِجْمَاع، بل مَنْهِيّ عَنهُ للْحَدِيث الْمُتَقَدّم: (إِن الله أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث) ، فآية الْمَوَارِيث حكم مُسْتَقل، وَوُجُوب من عِنْد الله لأهل الْفُرُوض والعصبات، رفع بهَا حكم هَذِه بِالْكُلِّيَّةِ بَقِي الْأَقَارِب الَّذين لَا مِيرَاث لَهُم، يسْتَحبّ لَهُ أَن يُوصي لَهُم من الثُّلُث استئناساً بِآيَة الْوَصِيَّة وشمولها، والآيات وَالْأَحَادِيث بِالْأَمر ببر الْأَقَارِب وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم كَثِيرَة جدا.
قَوْله: { إِن ترك خيرا} (الْبَقَرَة: 081) .
أَي: مَالا، قَالَه ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعَطَاء وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو الْعَالِيَة وعطية الْعَوْفِيّ وَالضَّحَّاك وَالسُّديّ وَالربيع بن أنس وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَقَتَادَة وَغَيرهم، ثمَّ مِنْهُم من قَالَ: الْوَصِيَّة مَشْرُوعَة، سَوَاء قل المَال أَو كثر، كالوراثة.
وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا يُوصي إِذا ترك مَالا جزيلاً ثمَّ اخْتلفُوا فِي مِقْدَاره، فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم، بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُرْوَة، قَالَ: قيل لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن رجلا من قُرَيْش قد مَاتَ وَترك ثَلَاثمِائَة دِينَارا، أَو أَرْبَعمِائَة دِينَار، وَلم يوصِ! قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء، إِنَّمَا قَالَ الله: { إِن ترك خيرا} (الْبَقَرَة: 081) ..
     وَقَالَ  الْحَاكِم بن أبان: حَدثنِي عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: إِن ترك خيرا، قَالَ ابْن عَبَّاس: من لم يتْرك سِتِّينَ دِينَارا لم يتْرك خيرا..
     وَقَالَ  الحكم: قَالَ طَاوُوس: لم يتْرك خيرا من لم يتْرك ثَمَانِينَ دِينَارا..
     وَقَالَ  قَتَادَة: كَانَ يُقَال: ألفا، فَمَا فَوْقهَا.
قَوْله: { بِالْمَعْرُوفِ} (الْبَقَرَة: 081) .
أَي: بالرفق وَالْإِحْسَان،.

     وَقَالَ  الْحسن: الْمَعْرُوف أَن يُوصي لأقربائه وَصِيَّة لَا يجحف ورثته من غير إِسْرَاف وَلَا تقتير.
قَوْله: { حَقًا} (الْبَقَرَة: 081) .
أَي: وَاجِبا على الْمُتَّقِينَ الَّذِي يَتَّقُونَ الشّرك.
قَوْله: { فَمن بدله} (الْبَقَرَة: 181) .
أَي: فَمن بدل مَا ذكر من الْوَصِيَّة بَعْدَمَا سَمعه، والتبديل يكون بالتحريف وتغيير الحكم، وبالزيادة وبالنقصان أَو بِالْكِتْمَانِ..
     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس وَغير وَاحِد: قد وَقع أجر الْمَيِّت على الله وَتعلق الْإِثْم بالذين بدلُوا { إِن الله سميع عليم} (الْبَقَرَة: 181) .
أَي: قد اطلع على مَا أوصى بِهِ الْمَيِّت، وَهُوَ عليم بذلك، وَمِمَّا بدله الْمُوصى إِلَيْهِم.
قَوْله: { فَمن خَافَ من موص} (الْبَقَرَة: 281) .
أَي: فَمن خشِي، وَقيل: علم، لِأَن الْخَوْف يسْتَعْمل بِمَعْنى الْعلم، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وانذر بِهِ الَّذين يخَافُونَ} (الْأَنْعَام: 15) .
{ إلاَّ أَن يخافا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} (الْبَقَرَة: 922) .
{ وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا} (النِّسَاء: 53) .
قرىء بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، والجنف الْميل على مَا نذكرهُ عَن قريب، وَقَرَأَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (حيفاً) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف.
قَوْله: { فَأصْلح بَينهم} (الْبَقَرَة: 281) .
أَي: بَين الْوَرَثَة والمختلفين فِي الْوَصِيَّة.
{ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} (الْبَقَرَة: 281) .
لِأَنَّهُ متوسط، وَلَيْسَ بمبدل { إِن الله غَفُور رَحِيم} (الْبَقَرَة: 281) .
حَيْثُ لم يَجْعَل على عباده حرجاً فِي الدّين.

جَنَفَاً مَيْلاً مُتَجانِفٌ مائِلٌ

هَذَا من تَفْسِير البُخَارِيّ، وَهُوَ مَنْقُول عَن عَطاء، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَنهُ كَذَا بِإِسْنَاد صَحِيح.
قَوْله: (متجانف مائل) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: متمايل،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: غير متجانف لإثم أَي: غير متعوج مائل: للإثم، وَنقل الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره أَن مَعْنَاهُ غير متعمد لإثم.



[ قــ :2613 ... غــ :2738 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا حقُّ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة بابُُ قَول النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَاهِرَة، والْحَدِيث رَوَاهُ عبد الله بن نمير وَعبيدَة بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع، كَمَا رَوَاهُ مَالك.
وَرَوَاهُ يُونُس بن يزِيد عَن نَافِع أَيْضا كَذَلِك، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن سَالم ابْن عبد الله عَن أَبِيه.
وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (مَا حق امرىء مُسلم لَهُ شَيْء يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إلاَّ ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده) ، وَرَوَاهُ من حَدِيث ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه أَنه سمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا حق امرىء مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي فِيهِ يبيت ثَلَاث لَيَال إلاَّ ووصيته عِنْده مَكْتُوبَة) .

وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا حق امرىء مُسلم يبيت لَيْلَتَيْنِ وَله مَا يُوصي فِيهِ إلاَّ ووصيته عِنْده مَكْتُوبَة) ، وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن أبي الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر نَحْو رِوَايَة مُسلم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا حق امرىء مُسلم) كلمة: مَا، بِمَعْنى: لَيْسَ، هَكَذَا وَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات بِلَفْظ مُسلم، وَلَيْسَت هَذِه اللَّفْظَة فِي رِوَايَة أَحْمد عَن إِسْحَاق بن عِيسَى عَن مَالك، وَالْوَصْف بِالْمُسلمِ هُنَا خرج مخرج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ، وَذكر للتهييج لتقع الْمُبَادرَة لامتثاله لما يشْعر بِهِ من نفي الْإِسْلَام عَن تَارِك ذَلِك، وَعَن قريب نحرر ذَلِك.
قَوْله: (لَهُ شَيْء) .
جملَة وَقعت صفة.
لامرىء.
قَوْله: (يُوصي فِيهِ) جملَة فعلية وَقعت صفة لقَوْله: شَيْء.
قَوْله: (يبيت لَيْلَتَيْنِ) ، جملَة فعلية وَقعت صفة أُخْرَى لامرىء،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يبيت، كَانَ فِيهِ حذفا، تَقْدِيره: أَن يبيت، وَهُوَ كَقَوْلِه: { وَمن آيَاته يريكم الْبَرْق} (الرّوم: 42) .
انْتهى.
قلت: وَهَذَا قِيَاس فَاسد وَفِيه تَغْيِير الْمَعْنى أَيْضا، وَإِنَّمَا قدر أَن فِي قَوْله: يريكم، لِأَنَّهُ فِي مَوضِع الِابْتِدَاء، لِأَن قَوْله: وَمن آيَاته، فِي مَوضِع الْخَبَر، وَالْفِعْل لَا يَقع مُبْتَدأ فَيقدر: أَن، فِيهِ حَتَّى يكون فِي معنى الْمصدر فَيصح حِينَئِذٍ وُقُوعه مُبْتَدأ، فَمن لَهُ ذوق من الْعَرَبيَّة يفهم هَذَا وَيعلم تَغْيِير الْمَعْنى فِيمَا قَالَ.
قَوْله: (إلاَّ ووصيته) ، مُسْتَثْنى، وَهُوَ خبر: لَيْسَ، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال..
     وَقَالَ  صَاحب (الْمظهر) : قيد لَيْلَتَيْنِ تَأْكِيد وَلَيْسَ بتحديد، يَعْنِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يمْضِي عَلَيْهِ زمَان وَإِن كَانَ قَلِيلا إلاَّ ووصيته مَكْتُوبَة،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: فِي تَخْصِيص لَيْلَتَيْنِ تسَامح فِي إِرَادَة الْمُبَالغَة، أَي: لَا يَنْبَغِي أَن يبيت لَيْلَة، وَقد سامحناه فِي هَذَا الْمِقْدَار، فَلَا يَنْبَغِي أَن يتَجَاوَز عَنهُ..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : وَفِي رِوَايَة: ثَلَاث لَيَال.
قلت: هُوَ رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه: يبيت ثَلَاث لَيَال، وَالْحَاصِل أَن ذكر الليلتين أَو الثَّلَاث لرفع الْحَرج لتزاحم أشغال الْمَرْء الَّتِي يحْتَاج إِلَى ذكرهَا، ففسح لَهُ هَذَا الْمِقْدَار ليتذكر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَاعْلَم أَن لفظ مَالك فِي هَذَا الحَدِيث لم تخْتَلف الروَاة فِيهِ عَنهُ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن سُفْيَان عَن أَيُّوب بِلَفْظ: (حق على كل مُسلم أَن لَا يبيت لَيْلَتَيْنِ وَله مَا يُوصي فِيهِ.
.
) الحَدِيث وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، رَحمَه الله، عَن سُفْيَان بِلَفْظ: ((مَا حق امرىء يُؤمن بِالْوَصِيَّةِ) الحَدِيث، قَالَ ابْن عبد الْبر: فسره ابْن عُيَيْنَة: أَي يُؤمن بِأَنَّهَا حق.
وَأخرجه أَبُو عوَانَة من طَرِيق هِشَام بن الْغَاز عَن نَافِع بِلَفْظ: (لَا يَنْبَغِي لمُسلم أَن يبيت لَيْلَتَيْنِ) الحَدِيث، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق روح بن عبَادَة عَن مَالك وَابْن عون جَمِيعًا عَن نَافِع بِلَفْظ: (مَا حق امرىء مُسلم لَهُ مَال يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ) وَذكره ابْن عبد الْبر من طَرِيق ابْن عَوْف بِلَفْظ: (لَا يحل لامرىء مُسلم لَهُ مَال) وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَالله أعلم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: حث على الْوَصِيَّة، واحتجت بِهِ الظَّاهِرِيَّة أَنَّهَا وَاجِبَة،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: جعل الله الْوَصِيَّة حَقًا مِمَّا قل أَو كثر، قيل لأبي مجلز: على كل مثر وَصِيَّة؟ قَالَ: كل من ترك خيرا،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: وروينا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن بن عبد الله، قَالَ: كَانَ طَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر يشددان فِي الْوَصِيَّة، وَهُوَ قَول عبد الله بن أبي أوفى وَطَلْحَة بن مصرف وَالشعْبِيّ وطاووس وَغَيرهم.
قَالَ: وَهُوَ قَول أبي سُلَيْمَان وَجَمِيع أَصْحَابنَا،.

     وَقَالَ ت: طَائِفَة لَيست الْوَصِيَّة بواجبة.
كَانَ الْمُوصى مُوسِرًا أَو فَقِيرا، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: أما السّلف الأول فَلَا نعلم أحدا قَالَ بِوُجُوبِهَا..
     وَقَالَ  النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ: الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين على النّدب،.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك وطاووس: الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين وَاجِبَة بِنَصّ الْقُرْآن إِذا كَانُوا لَا يَرِثُونَ:.

     وَقَالَ  طَاوُوس: من أوصى لأجانب وَله أقرباء انتزعت الْوَصِيَّة فَردَّتْ للأقرباء..
     وَقَالَ  الضَّحَّاك: من مَاتَ وَله شَيْء وَلم يوصِ لأقربائه فقد مَاتَ عَن مَعْصِيّة لله، عز وَجل،.

     وَقَالَ  الْحسن وَجَابِر بن زيد وَعبد الْملك بن يعلى، فِيمَا ذكره الطَّبَرِيّ: إِذا أوصى رجل لقوم غرباء بِثُلثِهِ وَله أقرباء، أعطي الغرباء ثلث المَال ورد الْبَاقِي على الأقرباء..
     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: وَحكي عَن طَاوُوس أَن جَمِيع ذَلِك ينتزع من الْمُوصى لَهُم، وَيدْفَع لِقَرَابَتِهِ لِأَن آيَة الْبَقَرَة عِنْدهم محكمَة..
     وَقَالَ  أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: الْوَصِيَّة مُسْتَحبَّة لِأَنَّهَا إِثْبَات حق فِي مَاله فَلم تكن وَاجِبَة كَالْهِبَةِ وَالْعَارِية، وَلَيْسَ الِاسْتِدْلَال على وجوب الْوَصِيَّة بِحَدِيث الْبابُُ بِصَحِيح، لِأَن ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث لم يوصِ، ومحال أَن يُخَالف مَا رَوَاهُ لَو كَانَ وَاجِبا، وردَّ ذَلِك بِأَنَّهُ إِن ثَبت فَالْعِبْرَة لما رُوِيَ لَا بِمَا رأى.
وَأجِيب عَنهُ: بِأَن فِي ذَلِك نسبته إِلَى مُخَالفَة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحاشاه من ذَلِك، فَإِذا رُوِيَ عَنهُ أَنه لم يوصِ على أَن الحَدِيث لم يدل على الْوُجُوب لمَانع عَن ذَلِك ظهر عِنْده لِأَن أُمُور الْمُسلمين مَحْمُولَة على الصّلاح والسداد، وَلَا سِيمَا مثل هَذَا الصَّحَابِيّ الْجَلِيل الْمِقْدَار.
فَإِن قلت: ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) أَنه قَالَ: (لم أَبَت لَيْلَة إلاَّ ووصيتي مَكْتُوبَة عِنْدِي) .
قلت: يُعَارضهُ مَا أخرجه ابْن الْمُنْذر وَغَيره: عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع، قَالَ: قيل لِابْنِ عمر فِي مرض مَوته: أَلا توصي؟ قَالَ: أما مَا لي فَالله يعلم مَا كنت أصنع فِيهِ، وَأما رباعي فَلَا أحب أَن يُشَارك وَلَدي فِيهَا أحد، فَإِذا جَمعنَا بَينهمَا بِالْحملِ على أَنه كَانَ يكْتب وصيبته ويتعاهدها، ثمَّ صَار ينجز مَا كَانَ يُوصي بِهِ مُعَلّقا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله: الله يعلم مَا كنت أصنع فِي مَالِي، وَلَعَلَّ الْحَامِل لَهُ على ذَلِك حَدِيث: (إِذا أمسيت فَلَا تنْتَظر الصَّباح) الحَدِيث، سَيَأْتِي فِي الرقَاق، فَصَارَ ينجز مَا يُرِيد التَّصَدُّق بِهِ، فَلم يحْتَج إِلَى تَعْلِيق.
وَنقل ابْن الْمُنْذر عَن أبي ثَوْر أَن المُرَاد بِوُجُوب الْوَصِيَّة فِي الْآيَة والْحَدِيث يخْتَص بِمن عَلَيْهِ حق شَرْعِي يخْشَى أَن يضيع على صَاحبه إِن لم يوصِ بِهِ: كوديعة وَدين لله أَو لآدَمِيّ، قَالَ: وَيدل على ذَلِك تَقْيِيده بقوله: لَهُ شَيْء يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ، لِأَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى قدرته على تنجيزه، وَلَو كَانَ مُؤَجّلا فَإِنَّهُ إِذا أَرَادَ ذَلِك سَاغَ لَهُ، وَإِن أَرَادَ أَن يُوصي بِهِ سَاغَ لَهُ.
وَفِيه: جَوَاز الِاعْتِمَاد على الْكِتَابَة والخط وَلَو لم تقترن ذَلِك بِالشَّهَادَةِ، وَبِه قَالَ أَحْمد وَمُحَمّد بن نصر من الشَّافِعِيَّة.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: معنى هَذَا الحَدِيث مَا الحزم وَالِاحْتِيَاط للْمُسلمِ إلاَّ أَن تكون وَصيته مَكْتُوبَة عِنْده، فَيُسْتَحَب تَعْجِيلهَا، وَأَن يَكْتُبهَا فِي صِحَّته ويُشْهِد على مَا فِيهَا وَيكْتب فِيهَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، فَإِن تجدّد أَمر يحْتَاج إِلَى الْوَصِيَّة بِهِ ألحقهُ با..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالُوا: لَا يكلَّف أَن يكْتب كل يَوْم محقرات الْمُعَامَلَات وجريان الْأُمُور المتكررة، وَلَا يقْتَصر على الْكِتَابَة بل لَا يعْمل بهَا وَلَا ينْتَفع إلاَّ إِذا كَانَ أشهد عَلَيْهِ بهَا، هَذَا مَذْهَبنَا، وَمذهب الْجُمْهُور.
فَإِن قلت: من أَيْن اشْتِرَاط الْإِشْهَاد وإضمار الْإِشْهَاد فِيهِ بعد؟ قلت: اسْتدلَّ على اشْتِرَاط الْإِشْهَاد بِأَمْر خَارج لقَوْله تَعَالَى: { شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة} (الْمَائِدَة: 601) .
فَإِنَّهُ يدل على اشْتِرَاط الْإِشْهَاد فِي الْوَصِيَّة..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الْكِتَابَة مُبَالغَة فِي زِيَادَة التوثيق، وإلاَّ فَالْوَصِيَّة الْمَشْهُود بهَا مُتَّفق عَلَيْهَا، وَلَو لم تكن مَكْتُوبَة.
وَفِيه: النّدب إِلَى التأهب للْمَوْت والإحتراز قبل الْفَوْت لِأَن الْإِنْسَان لَا يدْرِي مَتى يفجأه الْمَوْت.
وَفِيه: يسْتَدلّ بقوله: لَهُ شَيْء.
أَو: لَهُ مَال، على صِحَة الْوَصِيَّة بالمنافع، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَمنعه ابْن أبي ليلى، وَابْن شبْرمَة، وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ وَأَتْبَاعه، وَاخْتَارَهُ ابْن عبد الْبر، وَالله أعلم.

تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ عَمْرٍ وعنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: تَابع مَالِكًا فِي أصل الحَدِيث: مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْأَفْرَاد) من طَرِيقه..
     وَقَالَ : تفرد بن عمرَان بن أبان الوَاسِطِيّ عَن مُحَمَّد بن مُسلم، وَعمْرَان أخرج لَهُ النَّسَائِيّ وَضَعفه،.

     وَقَالَ  ابْن عدي: لَهُ غرائب عَن مُحَمَّد بن مُسلم، وَلَا أعلم بِهِ بَأْسا، وَلَفظه عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: (لَا يحل لمُسلم أَن يبيت لَيْلَتَيْنِ إلاَّ ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده) .
وَمُحَمّد بن مُسلم بن سوسن، وَيُقَال ابْن سوسن، وَيُقَال: ابْن سس، وَيُقَال: ابْن سِنِين، وَيُقَال: ابْن شونيز الطَّائِفِي يعد فِي المكيين، وَعَن أَحْمد: مَا أَضْعَف حَدِيثه، وَعَن يحيى: ثِقَة، وَعنهُ: لَا بَأْس بِهِ، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) وروى لَهُ فِي الْأَدَب، وروى لَهُ الْبَاقُونَ، مَاتَ سنة سبع وَسبعين وَمِائَة بِمَكَّة.