هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2506 حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَعْيَنَ ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2506 حدثني سلمة بن شبيب ، حدثنا ابن أعين ، حدثنا معقل ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Jabir (Allah be pleased with him) reported:

I heard Allah's Apostle (ﷺ) say: It is not permissible for any one of you to carry weapons in Mecca.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح.



المعنى العام

شرع الله تعالى حرم مكة بأن شرع فيه من وسائل الأمن ما لم يشرع في غيره من بقاع الأرض، منذ خلق السموات والأرض، وتكريماً لإبراهيم عليه السلام بإجابة دعوته حين قال { { رب اجعل هذا البلد آمناً } } [إبراهيم: 35] .
وامتن الله على قريش بقوله: { { أولم نمكن لهم حرماً آمناً } } [القصص: 57] .
{ { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } } [قريش: 3، 4] .
وبقوله { { أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم } } [العنكبوت: 67] .

ولم يقتصر هذا الأمن على الإنسان، بل تعداه إلى الحيوان والطير والشجر حتى الشوك، لا يسفك فيه دم ولا ينفر صيده، ولا يصاد، ولا يقتل حيوانه، اللهم إلا الفواسق الخمس، العقرب والحدأة والفأرة والغراب والكلب العقور.

ولقد فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام ثمانية من الهجرة ودخل بجيوشه حاملين أسلحتهم بإذن ربهم، أذن الله له لنشر دينه، وإعلاء كلمته، وأحل له هذا الحرم جزءاً من نهار، من طلوع الشمس إلى صلاة العصر، ثم أعلن للناس عودة حرمته إلى ما كانت عليه.
وحذر من أن يأتي أحد بعده يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل وقُتل في مكة، فالقتل والقتال فيها مباحان.
حذر من ذلك كل التحذير، ونبه أنها لم تحل لأحد قبله، ولا تحل لأحد بعده، وإنما أحلت له صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها كما كانت.
وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشير بذلك إلى ما سيحدث بعده، وما حدث على يد الحجاج بن يوسف الثقفي حين غزا مكة لقتال عبد الله بن الزبير، وضرب الكعبة نفسها بالمنجنيق، حتى تهدمت.

فاللهم إن هذا الحرم حرمك، والبلد بلدك، والأمن أمنك وأنا عبدك وابن أمتك، اللهم زد هذا الحرم تكريماً وتشريفاً وتعظيماً ومهابة وبراً، وزد من كرمه وشرفه وعظمه، بحج أو عمرة تكريماً وتشريفاً وتعظيماً ومهابة وبراً.

المباحث العربية

( يوم الفتح -فتح مكة) أل في الفتح للعهد، وقد أكد الراوي الفتح المعهود وزاده بياناً، بقوله فتح مكة ويوم الفتح متعلق بقال، والظاهر أن هذا القول لم يكن في يوم الفتح نفسه، ففيه مجاز التوسع، ففي الرواية الثانية الغد من يوم الفتح وفي الرواية الثالثة لما فتح الله....
قام في الناس وفي الرواية الرابعة عام فتح مكة.

( لا هجرة) أي بعد الفتح.
قال النووي قال العلماء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، وفي تأويل هذا الحديث قولان.
أحدهما لا هجرة بعد الفتح من مكة، لأنها صارت دار إسلام وإنما تكون الهجرة من دار الحرب، وهذا يتضمن معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تبقى دار الإسلام، لا يتصور منها الهجرة.

الثاني: معناه لا هجرة بعد الفتح تساوي في فضلها الهجرة قبل الفتح، كما قال تعالى { { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } } [الحديد: 10] .

( ولكن جهاد ونية) جهاد مبتدأ، خبره محذوف، أي لكم جهاد ونية، والمعنى ولكن لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد، ونية الخير في كل شيء، وقال الطيبي الهجرة إما فراراً من الكفار، وإما إلى الجهاد، وإما إلى نحو طلب العلم وقد انقطعت الأولى، فاغتنموا الأخيرتين.

( وإذا استنفرتم فانفروا) استنفرتم بضم التاء وسكون النون وكسر الفاء، أي إذا دعاكم الإمام إلى الغزو فاخرجوا إليه.
فالجملة تفسير لبقاء الجهاد.

( وقال يوم الفتح إن هذا البلد) أي مكة، وقد فصل مسلم الكلام الأول عن الثاني بهذا، فجعله حديثاً آخر مستقلاً وهو مقتضى صنيع من اقتصر على الكلام الأول كرواية البخاري في الجهاد.

( حرمه الله يوم خلق السموات والأرض) في الرواية الثانية إن مكة حرمها الله وسيأتي قريباً في مسلم إن إبراهيم حرم مكة، إذ قال { { رب اجعل هذا بلداً آمناً } } قال النووي فظاهر هذا الاختلاف، وفي المسألة خلاف مشهور في وقت تحريم مكة، فقيل إنها مازالت محرمة من يوم خلق السموات والأرض، وقيل مازالت حلالاً كغيرها إلى زمن إبراهيم عليه السلام، ثم ثبت لها التحريم من زمن إبراهيم.
وهذا القول يوافق ملحق الرواية الأولى وليس فيه يوم خلق السموات والأرض والقول الأول يوافق الرواية الأولى، وبه قال الأكثرون، وأجابوا عن الحديث الثاني بأن تحريمها كان ثابتاً من يوم خلق الله السموات والأرض، ثم خفي تحريمها، واستمر خفاؤه إلى زمن إبراهيم، فأظهره وأشاعه، لا أنه ابتدأه ومن قال بالقول الثاني أجاب عن الحديث الأول بأن معناه أن الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق السموات والأرض أن إبراهيم عليه السلام سيحرم مكة بأمر الله تعالى.

( وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي) الهاء في إنه ضمير الشأن ولفظ لم أشبه بالمراد من حرف لا الوارد عند البخاري، ومن حرف لن الوارد في روايتنا الثالثة، ولعل الأخيرة خطأ من النساخ.
وفي ملحق الرواية الأولى القتل بدل القتال والفرق بينهما ظاهر والمحرم فعلاً القتال، وسيأتي في فقه الحديث، أما القتل فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها، والخلاف فيمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم والقتال هو المراد من قوله في الرواية الثانية أن يسفك بها دماً.

( ولم يحل لي إلا ساعة من نهار) في الرواية الثانية وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وفي الرواية الثالثة، وإنها أحلت لي ساعة من نهار وفي الرواية الرابعة ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار قال الحافظ ابن حجر مقدار هذه الساعة ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر [فالساعة بمعناها اللغوي القطعة من الزمان كبرت أو صغرت] قال: ويستفاد من ذلك أن قتل من أذن النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم كابن خطل وقع في الوقت الذي أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم فيه القتال، خلافاً لمن حمل الساعة على ظاهرها [العرفي] فاحتاج إلى الجواب عن قصة ابن خطل.

( فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة) في الرواية الثانية وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وفي الرواية الرابعة ألا وإنها ساعتي هذه حرام أي هي حرام من ساعتي هذه، فبينت المراد من اليوم في الرواية الثانية وأنه الزمن الحاضر.

( لا يعضد شوكه) أي لا يقطع، على صيغة المبني للمجهول، من عضدت الشجر عضداً، من ضرب يضرب إذا قطعته، والمعضد بكسر الميم الآلة التي يقطع بها، وقال الخليل: المعضد الممتهن من السيوف في قطع الشجر.
وفي الرواية الثانية ولا يعضد بها شجرة وفي الرواية الثالثة ولا يختلى شوكها بضم أوله، مبني للمجهول، أي لا يقطع، ولا يؤخذ، وفي الرواية الرابعة لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها أي لا يضرب بالعصا ونحوها ليسقط ورقه وفي رواية لعمر بن شيبه ولا يخضد بالخاء بدل العين، وهو يرجع إلى معنى يعضد لأن أصله الكسر، ويستعمل في القطع.

( ولا ينفر صيده) أي لا يزعج، ولا ينحى عن موضعه، والصيد ما يصاد من طير أو حيوان.

( ولا يلتقط إلا من عرفها) يلتقط بفتح الياء، مبني للمعلوم، والفاعل ضمير مستتر، أي لا يلتقط لاقط لقطته، أو لا يلتقط أحد لقطته إلا من عرفها، أي إلا من ظل يعرفها أبدا الدهر، وليس يكفي التعريف سنة كغيرها من البلاد.
وفي ملحق الرواية الأولى ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها وفي الرواية الرابعة ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد قال النووي: والمنشد هو المعرف وأما طالبها فيقال له ناشد، وأصل النشد والإنشاد رفع الصوت.

( ولا يختلى خلاها) الخلا بفتح الخاء مقصور هو الرطب من الكلأ.
قال النووي: قالوا الخلا والعشب اسم للرطب منه، والحشيش والهشيم اسم لليابس منه، والكلأ يقع على الرطب واليابس.

( إلا الإذخر) يجوز فيه الرفع والنصب، أما الرفع فعلى البدل، وأما النصب فعلى الاستثناء، والإذخر بكسر الهمزة نبت معروف، طيب الريح، له سيقان دقاق، أدق من سيقان القمح، يشبه الحلفاء، ينبت في السهل والحزن، والذي بمكة أجوده، وكان أهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب وفوقه، ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور ويستعملونه بدلاً من الحلفاء في الوقود.

والعباس رضي الله عنه لم يرد بالاستثناء أن يستثنى هو، وإنما أراد أن يلقن النبي صلى الله عليه وسلم الاستثناء راجياً أن يستثنى الرسول صلى الله عليه وسلم إن كان مجتهداً، أو يطلب من ربه الاستثناء إن كان لا ينطق إلا بالوحي، فطلب العباس على سبيل الضراعة.

( فإنه لقينهم ولبيوتهم) القين بفتح القاف وسكون الباء هو الحداد والصائغ، فإنه يستعمل الإذخر وقوداً لناره.
والضمير في لقينهم لأهل مكة، كما سبق توضيحه، وفي الرواية الثالثة فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا.

( عن أبي شريح العدوي) قال الحافظ ابن حجر اختلف في اسمه، والمشهور أنه خويلد بن عمرو أسلم قبل الفتح، وسكن المدينة، ومات بها، سنة ثمان وستين.

( قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة) قال الحافظ: عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق، لطيم الشيطان، ليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان، وعرف بالأشدق لأنه صعد المنبر، فبالغ في شتم علي رضي الله عنه، وتشدق في الكلام، ولاه يزيد بن معاوية المدينة، وكان قدومه والياً على المدينة سنة ستين، وهي السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة، فامتنع ابن الزبير من بيعته، وأقام بمكة، فجهز إليه عمرو بن سعيد بأمر من يزيد جيشاً لقتاله، وأمر على الجيش عمرو بن الزبير، وكان معادياً لأخيه عبد الله، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد، فنهاه، فامتنع، فجاء أبو شريح، فذكر ما في الحديث.
فلما نزل الجيش ذا طوى قريباً من مكة خرج إليهم جماعة من أهل مكة، فهزموهم، وأسروا عمرو بن الزبير، فسجنه أخوه بسجن عارم، وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة من أهل المدينة، ممن اتهمهم وهو قائد الشرطة بالمدينة بالميل إلى أخيه، فأقادهم عبد الله منه، فمات من ذلك الضرب.

فالمراد من البعوث الجيش المجهز للقتال.

( ائذن لي أيها الأمير) روي إيذن لي وأصله إئذن لي بهمزتين، فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وأيها الأمير منادى، بحذف حرف النداء.

( أحدثك) بسكون الثاء، مجزوم في جواب الأمر.

( سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به) أي حملته عنه بغير واسطة، وبكل انتباه حين تكلم به، فذكر الأذنين لتأكيد السمع، وذكر العينين لزيادة تأكيد الإبصار، ويشير إلى بيان حفظه، وتحقق فهمه وتثبته بقوله ووعاه قلبي وزيادة في تحقيق ذلك أشار إلى أن سماعه منه لم يكن معتمداً على السمع فقط بل كان مع الشاهدة والتمكن والتحقق.

( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس) أي إن الله حرم مكة ابتداء، من غير سبب ينسب لأحد، ولا لأحد فيه مدخل، ثم أكد هذا المعنى بقوله ولم يحرمها الناس فتحريمها ثابت بالشرع، لا مدخل للعقل فيه، وليس من محرمات الناس في الجاهلية، كبعض الأمور التي حرموها من عند أنفسهم، فيجب امتثال ذلك.

( فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر) قال ابن دقيق العيد هذا من خطاب التهييج، نحو قوله تعالى { { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } } [المائدة: 23] .
فالمعنى أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه.

( أن يسفك بها دماً) يسفك بكسر الفاء على المشهور، وحكى ضمها أي يسيله ويصبه، والمراد به القتل.

( فإن أحد ترخص) أحد فاعل بفعل محذوف، يفسره ما بعده، أي إن ترخص أحد، وترخص من الرخصة، وفي رواية لأحمد فإن ترخص مترخص أي متكلف للرخصة.

( بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني لا يقول متحايل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بمكة وأنا أقتل مثله، فإن قال ذلك قائل فقولوا له....
إلخ.

( إن الحرم لا يعيذ عاصياً) أي لا يجير، ولا يعصم عاصياً خارجاً على الخليفة.

( ولا فاراً بدم) بالفاء وتشديد الراء، أي هارباً بعد أن وجب عليه حد القتل.

( ولا فاراً بخربة) قال النووي بفتح الخاء وإسكان الراء هذا هو المشهور، ويقال بضم الخاء أيضاً، وأصلها سرقة الإبل، وتطلق على كل خيانة.
وفي صحيح البخاري أنها البلية، وقال الخليل هي الفساد في الدين، من الخارب، وهو اللص المفسد في الأرض، وقيل هي العيب.

قال ابن بطال ليس كلام عمرو جواباً لأبي شريح، لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حداً في غير الحرم ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم، فإن أبا شريح أنكر إرسال الجيوش إلى مكة، ونصب الحرب عليها، فأحسن في استدلاله بالحديث، وبعد عمرو عن جوابه، وأجاب على غير سؤاله.
فإن ابن الزبير لم يرتكب أمراً يجب عليه فيه شيء من ذلك.

( ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين.
إما أن يفدى وإما أن يقتل)
قال النووي: معناه أن ولي المقتول بالخيار، إن شاء قتل القاتل وإن شاء أخذ فداءه [أي ما يفتدى به القاتل] وهو الدية.
اهـ فلفظ يفدى بضم أوله وسكون الفاء، أي يفدى القاتل، بأن يدفع فداء نفسه وهو الدية، وفي رواية يفادى وإما أن يقتل، بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه، أي يقتل القاتل .
كذا في الأصل، فالكلام في اللفظين عن القاتل، ولنا أن نجعل الكلام على ولي الدم الذي هو بخير النظرين، أي يختار أحد الأمرين.
إما أن يفدي بكسر الدال القاتل فيأخذ الدية، وإما أن يقتل القاتل بفتح أوله وضم ثالثه، أي يقتص، وفي الرواية الرابعة إما أن يعطى يعني الدية وإما أن يقاد أهل القتيل.

وهذا القول قيل بمناسبة ما جاء في صدر الرواية الرابعة.

( فقام أبو شاه) بهاء، تكون هاء في الوقف والوصل، ولا يقال بالتاء، ولا يعرف اسم أبي شاه هذا، وإنما يعرف بكنيته.

فقه الحديث

يمكن حصر نقاط هذه الأحاديث في ثلاث نقاط:

1- القتال والقتل في مكة.

2- شجرها وصيدها ولقطتها.

3- ما يؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم.

أما عن النقطة الأولى فيقول النووي: هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم القتال بمكة.
قال الماوردي صاحب الحاوي من أصحابنا في كتاب الأحكام السلطانية: من خصائص الحرم ألا يحارب أهله، فإن بغوا على أهل العدل فإن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز، وإن لم يمكن إلا بالقتال فقد قال بعض الفقهاء يحرم قتالهم، ويضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة، ويدخلوا في أحكام أهل العدل، وقال جمهور الفقهاء يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال، لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى، التي لا يجوز إضاعتها، فحفظها أولى في الحرم من إضاعتها.
قال النووي هذا كلام الماوردي، وهذا الذي نقله عن جمهور الفقهاء هو الصواب، وقد نص عليه الشافعي في كتاب اختلاف الحديث من كتب الإمام، ونص عليه الشافعي أيضاً في آخر كتابه المسمى بسير الواقدي من كتب الأم.
وقال القفال المروزي من أصحابنا، في كتابه شرح التلخيص في أول كتاب النكاح، في ذكر الخصائص لا يجوز القتال بمكة، حتى لو تحصن جماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم فيها.
قال النووي وهذا الذي قاله القفال غلط، نبهت عليه حتى لا يغتر به، وأما الجواب عن الأحاديث المذكورة هنا فهو ما أجاب به الشافعي في كتابه سير الواقدي أن معناها تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم، كالمنجنيق وغيره، إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك، بخلاف ما إذا تحصن الكفار في بلد آخر، فإنه يجوز قتالهم على أي وجه، وبكل شيء.
اهـ

أقول هذا هو المنقول عن الفقهاء، والأحاديث مع بعض الفقهاء، لا مع جمهورهم، لأن الذي أبيح للرسول صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار لا يباح لغيره من بعده، كما هو صريح الأحاديث التي لا تحتمل التأويل، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وأراد أن يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له إن الله قد أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لكم.
فماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ليس إلا السيف والرمح والسهم فليمنع السيف، وإذا منع السيف منع القتال بما هو أشد منه من باب أولى يؤكد هذا المعنى قوله فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً وعموم قوله وإنه لم يحل القتال فيه لأحد من قبلي وإنها لن تحل لأحد بعدي وجواب الشافعي وغيره عن الأحاديث محل نظر.
والله أعلم.

وسواء في ذلك من قال إن مكة فتحت عنوة وهو مذهب أبي حنيفة والأكثرين ومن قال إنها فتحت صلحا وهو مذهب الشافعي، لأن ما فعله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من قتل وقتال لا يباح لغيره، وما كان مباحاً له، مأذوناً فيه، ولم يفعله، ولو احتاج إليه لفعله صلى الله عليه وسلم على تأويل الشافعية هو أيضاً لا يباح لغيره، فالقتال في الحرم بأي صورة لا يباح، ووسيلة الحصار المحكم كافية في كل عصر ومع أية قوة لإرغام من تحصن به وإن طال الزمن.
والله أعلم.

أما عن النقطة الثانية فيقول النووي اتفق العلماء على تحريم قطع أشجار الحرم التي لا يستنبتها الآدميون، واختلفوا في ضمان الشجر إذا قطعه، فقال مالك يأثم، ولا فدية عليه، وقال الشافعي وأبو حنيفة عليه الفدية، واختلفا فيها، فقال الشافعي في الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة، وكذا جاء عن ابن عباس وابن الزبير، وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة الواجب في الجميع القيمة قال الشافعي وتضمن الخلا بالقيمة، ويجوز عند الشافعي ومن وافقه رعي البهائم في كلأ الحرم، وقال أبو حنيفة وأحمد ومحمد لا يجوز.

قال وأما صيد الحرم فحرام بالإجماع على الحلال والمحرم، فإن قتله فعليه الجزاء عند العلماء كافة، إلا داود فقال يأثم ولا جزاء عليه.
ولو دخل صيد من الحل إلى الحرم فله ذبحه وأكله وسائر أنواع التصرف فيه، هذا مذهبنا ومذهب مالك وداود، وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز ذبحه ولا التصرف فيه، بل يلزمه إرساله قالا فإن أدخله مذبوحاً جاز أكله، وقاسوه على المحرم، واحتج أصحابنا والجمهور بحديث يا أبا عمير ما فعل النغير؟ وأبو عمير أخو أنس بن مالك لأمه، وكان نغر، بضم النون وفتح الغين، طائر صغير، كالعصفور، له منقار أحمر كان يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرآه حزيناً، فقال ما شأنه؟ فقالوا مات نغره.
فقال....
الحديث ولا دلالة فيه، فليس فيه أنه دخل من الحل والاحتمال القوي أن ذلك كان قبل تحريم تنفير الصيد فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير وبالقياس على ما إذا دخل من الحل شجرة أو كلأ وهو قياس مع الفارق، كما هو ظاهر، ولأنه ليس بصيد حرم.

ثم قال وتنفير صيده أيضاً حرام، فإن نفره عصى، سواء تلف أم لا، لكن إن تلف في نفاره قبل سكون نفاره ضمنه المنفر، وإلا فلا ضمان.
قال العلماء ونبه صلى الله عليه وسلم بالتنفير على الإتلاف ونحوه، لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى.

ثم قال ومعنى الحديث لا تحل لقطته أي لمن يريد أن يعرفها سنة، ثم يتملكها كما في باقي البلاد، بل لا تحل إلا لمن يعرفها أبداً، ولا يتملكها، وبهذا قال الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وغيرهم، وقال مالك يجوز تملكها بعد تعريفها سنة، كما في سائر البلاد، وبه قال أصحاب الشافعي، ويتأولون الحديث تأويلات ضعيفة.

أما عن النقطة الثالثة فيؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- استدل بعضهم بقوله لا يعضد شوكه في الرواية الأولى من يقول بتحريم جميع نباتات الحرم، من الشجر والكلأ سواء الشوك المؤذي وغيره.
قال النووي وهو الذي اختاره المتولي من أصحابنا، وقال جمهور أصحابنا لا يحرم الشوك، لأنه مؤذ، فأشبه الفواسق الخمس، ويخصون الحديث بالقياس، والصحيح ما اختاره المتولي.

2- قد يستدل من يقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الأحكام بقوله صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر ورد بأن هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه في الحال باستثناء الإذخر، وتخصيصه من العموم، ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم كما يقول الحافظ ابن حجر، ويحتمل أن إجابته صلى الله عليه وسلم هذه كانت بطريق الإلهام، ويحتمل أنه أوحي إليه قبل الخطبة أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله، ويحتمل أن الله كان قد فوض له الحكم في هذه المسألة مطلقاً.
وحكى ابن بطال عن المهلب أن الاستثناء هنا للضرورة، كتحليل أكل الميتة للضرورة، ورد عليه بأن الذي يباح للضرورة يمتنع استعماله إلا عند تحقق ضرورته، وليس الإذخر كذلك.

3- قوله فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً في الرواية الثانية قد يحتج به من يقول إن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الإسلام.
قال النووي والصحيح عندنا وعند آخرين أنهم مخاطبون بها، كما هم مخاطبون بأصولها، وهذا التعبير للتهييج كما ذكرنا لأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن محرمات الشرع، ويستثمر أحكامه، فجعل الكلام فيه، وليس فيه أن غير المؤمن ليس مخاطباً بالفروع.

4- وفي ضراعة العباس وإجابته رضي الله عنه عظيم منزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5- وعنايته رضي الله عنه بأمر أهل مكة، لكونه كان منها، أصله ومنشؤه.

6- وجواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد.

7- وفي الحديث رفع وجوب الهجرة عن مكة إلى المدينة.

8- ومن الرواية الثانية، من قوله ائذن لي أيها الأمير يستفاد حسن التلطف في مخاطبة السلطان، ليكون أدعى لقبوله النصيحة، وأن السلطان لا يخاطب إلا بعد استئذانه، ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه.

9- ومن خطبته صلى الله عليه وسلم استحباب حمد الله والثناء عليه في أول الخطبة، وبين يدي تعليم العلم، وتبيين الأحكام.

10- والخطبة في الأمور المهمة.

11- ومن قول شريح سمعته أذناي....
إلخ جواز إخبار الرجل عن نفسه، بما يقتضي الثقة به.

12- وإنكار العالم على الحاكم ما يراه تغيراً في أمر الدين.

13- والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد.

14- وجواز المجادلة في الأمور الدينية.

15- قال الحافظ ابن حجر وقد وهم من عد كلام عمرو بن سعيد حديثاً واحتج بما تضمنه كلامه.

16- وجواز النسخ، لقوله وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس.

17- وأن مسائل الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد.

18- وفيه الخروج من عهدة التبليغ، والصبر على المكاره، لمن لا يستطيع بداً من ذلك.

19- ومن قوله وليبلغ الشاهد الغائب الحث على تبليغ العلم.

20- وقبول خبر الواحد، لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة لزمه الإبلاغ، وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم إلا والإبلاغ يلزم الغائب فرض العمل بما بلغه، كالذي لزم السامع سواء، وإلا لم يكن للتبليغ فائدة.

21- وفي حل مكة للرسول صلى الله عليه وسلم إثبات خصائصه، واستواء المسلمين معه في الحكم عند عدم الخصوصية.

22- وفي الحديث فضيلة أبي شريح لاتباعه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه، ومواجهة الحاكم والجرأة في الحق.

23- ومن الكتابة لأبي شاه جواز كتابة الحديث وتقييد العلم، وأن الحديث كان يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

24- ومن الرواية الخامسة منع حمل السلاح بمكة.

25- وفي الأحاديث فضيلة لمكة المكرمة.
حرسها الله تعالى.

26- قال النووي عن القصاص والدية فيه حجة صريحة للشافعي وموافقيه أن الولي بالخيار بين أخذ الدية وبين القتل، وإن له إجبار الجاني على أي الأمرين شاء ولي القتيل وقال مالك ليس للولي إلا القتل أو العفو، وليس له الدية إلا برضى الجاني وهذا خلاف نص الحديث.

والله أعلم