هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2157 وحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَمْسٌ فَوَاسِقُ ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ : الْعَقْرَبُ ، وَالْفَأْرَةُ ، وَالْحُدَيَّا ، وَالْغُرَابُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2157 وحدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا حماد وهو ابن زيد ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس فواسق ، يقتلن في الحرم : العقرب ، والفأرة ، والحديا ، والغراب ، والكلب العقور وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، قالا : حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام ، بهذا الإسناد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس فواسق يقتلن في الحرم: العقرب، والفأرة، والحديا، والغراب، والكلب العقور.


المعنى العام

إن الأمن والأمان الذي أراده الله لمخلوقاته في الحرم والإحرام أمن وأمان على الإنسان، وأمن وأمان من الإنسان، وفي الباب السابق بسطنا التشريع الحكيم في تأمين الإنسان غيره، أمنت الشريعة السمحة الحيوان والطير، حتى الحيوان البري المتوحش، أمنته من الإنسان المحرم، كما أمنته في الحرم على اختلاف الأزمنة وفي هذه الأحاديث يأتي دور تأمين الإنسان حلالاً أو محرماً من بعض مخلوقات الله التي أراد لها أن تؤذي الإنسان، أو أن تفسد له أمتعته، أو أن تنغص عليه حياته، كما حجبت الشريعة السمحة أذاه عن غيره مكنته من الدفاع عن نفسه وصد الأذى مما يهدده بالأذى.
تناسق وموازنة، وحكمة وعدالة، فكما يحرم على المحرم صيد البر وأكل لحمه إذا صيد له، يحل له بل يستحب أن يقتل ما يهدده بأذى اللسع، كالعقرب والحية والثعبان والأفعى والزنبور، حتى البعوض والذباب، وأن يقتل ما يهدده بخطف طعامه وأمتعته كالحدأة والغراب والصقر وأن يقتل ما يهدده بإفساد البيت والفراش وتخريب الثياب وقرض الأمتعة، كالفيران وأم عرس، وأن يقتل ما يهدد حياته بالعض أو الافتراس كالكلب العقور والذئب والسبع والنمر والفهد وإذا جاز للمحرم أن يؤمن نفسه، وأن يقتل ما يؤذيه، وهو صورة المسالمة وصورة السلامة جاز لغير المحرم أن يؤمن نفسه من هذه الأشياء من باب أولى.

من هنا قال صلى الله عليه وسلم: خمس من الدواب كلهن فاسق [خارج عن طبيعة المسالمة] يقتلن في الحل والحرم [في الأماكن الحلال وفي الحرم المكي الذي نزل فيه: { { ومن دخله كان آمناً } } [آل عمران: 97] .
وفي الوقت الحلال وفي الأشهر الحرم ومن المسلم الحلال ومن المحرم بحج أو عمرة]
لا حرج على من قتلهن في أي وقت وفي أي مكان، الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور.

المباحث العربية

( أربع) وكذا خمس مبتدأ، سوغ الابتداء به ملاحظة الوصف من الدواب الوارد في الرواية السادسة.

( كلهن فاسق) مبتدأ وخبر، والجملة خبر أربع وفي الرواية السادسة كلها فاسق قال النووي: تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وقوله تعالى: { { ففسق عن أمر ربه } } [الكهف: 50] .
أي خرج، وسمي الرجل فاسقاً لخروجه عن طاعة ربه، فهو خروج مخصوص.
وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله وقيل في حل أكله، لقوله تعالى: { { أو فسقاً أهل لغير الله به } } [الأنعام: 145] .
وقوله: { { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } } [الأنعام: 121] .
وقيل: لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى فيما يلحق بها من الدواب، وسيأتي توضيحه في فقه الحديث.

( خمس فواسق) هذا لفظ الرواية الثانية والثالثة والرابعة.
قال النووي: هو بإضافة خمس لا يتنوينه، وجوز ابن دقيق العيد الوجهين.

قال الحافظ ابن حجر: التقييد بالخمس، وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم فقد ورد في بعض الطرق [روايتنا الأولى] بلفظ أربع فأسقط العقرب، وفي بعض الطرق ست فأثبت العقرب، وزاد الحية، وإن كانت خالية عن لفظ العدد [وهي روايتنا العاشرة] وأغرب عياض فقال: في بعض الطرق ذكر الأفعى، فصارت سبعاً، وتعقب بأن الأفعى داخلة في مسمى الحية، والحديث الذي ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة من طريق ابن عوانة عن نافع، قال: قلت لنافع، فالأفعى؟ قال: ومن يشك في الأفعى.

وجاء في رواية عند أبي داود زيادة السبع العادي، فصارت سبعاً، وعند ابن خزيمة زيادة الذئب والنمر على الخمس المشهورة، فتصير بهذا الاعتبار تسعاً، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور، ثم قال الحافظ: فهذا جميع ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة ولا يخلو شيء من ذلك من مقال.
اهـ

( من الدواب) بتشديد الباء، جمع دابة، وهي: ما دب من الحيوان، وهي تشمل الطير بدليل هذا الحديث فقد ذكر منها الحدأة والغراب، ويدل على دخول الطير أيضاً عموم قوله تعالى: { { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } } [هود: 6] .
وقوله: { { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } } [العنكبوت: 60] .
وبعضهم لا يدخل الطير في الدواب، ويستدل بقوله تعالى: { { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } } [الأنعام: 38] .
والعطف يقتضي المغايرة، ويمكن الرد عليه بأنه من قبيل عطف الخاص على العام، كقوله: { { من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال... } } [البقرة: 98] .

والدابة: تطلق على الذكر والأنثى، وقد تصرف أهل العرف فيها فخصها بعضهم بذوات القوائم الأربع من الخيل والبغال والحمير، وخصها بعضهم بما يركب، ومنهم من خصها بالحمار، ومنهم من خصها بالفرس.

( يقتلن في الحل والحرم) في الرواية الثالثة والرابعة يقتلن في الحرم وإذا رخص في قتلهن في الحرم مع قدسيته وتحريم قتل غيرها فيه، رخص في قتلها في الحل من باب أولى.

وهل يقتلن رخصة أو ندباً؟ في الرواية الخامسة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس وفي التاسعة أمر -أو أمر- وفي العاشرة كان يأمر فهل الأمر للإباحة أو للندب؟ وفي السابعة والحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة رفع الجناح، أي رفع الإثم على من قتلهن، وفي الثامنة رفع الحرج أي رفع المؤاخذة على من قتلهن.
فهل رفع الجناح ورفع الحرج يفيد الحل فقط؟ أو يشمل الندب أيضاً؟ خلاف يأتي تفصيله في فقه الحديث.

وفي الرواية السابعة لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام قال النووي: اختلفوا في ضبط الحرم هنا، فضبطه جماعة من المحققين بفتح الحاء والراء، أي الحرم المشهور، وهو حرم مكة، والثاني بضم الحاء والراء، وهو جمع حرام، كما قال تعالى { { وأنتم حرم } } [المائدة: 1] .
قال: والمراد به المواضع المحرمة، قال: والفتح أظهر.
اهـ فصار قتلها مباحاً للمحرم سواء أكان في الحل أم في الحرم، ومباحاً في الحرم سواء للمحرم أم للحلال.

( الحدأة) لم تلتزم الروايات ترتيباً معيناً، فقد ذكرت الحدأة أولاً في الرواية الأولى وآخراً في الرواية الثانية، والرابعة عشرة، وفي الوسط في بقية الروايات ولا يتعلق بترتيبها غرض.

والحدأة بكسر الحاء، وبعد الدال همزة، وجمعها حدأ بكسر الحاء وفتح الدال بعدها همزة كعنبة وعنب، والتاء فيها للفرق بين الواحد والجمع، وليست للتأنيث، وفي بعض الروايات الحدأ بلفظ الجمع، وفي رواياتنا الثانية والرابعة عشرة الحديا بضم الحاء وفتح الدال وتشديد الياء بعدها ألف مقصورة، وهي لغة حجازية، وغيرهم يقول حدية بالتاء بدل الألف، وهي طائر معروف، قال الحافظ: ومن خواصها، أنها تقف في الطيران ويقال: إنها لا تخطف إلا من جهة اليمين.

( والغراب) كذا جاء مطلقاً في جميع روايات مسلم إلا الثانية فجاءت بلفظ الغراب الأبقع وهو الذي في بطنه أو ظهره بياض.
قال الحافظ ابن حجر: وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث، وهو قضية حمل المطلق على المقيد ورد الآخرون بأن هذه الزيادة لم تثبت، وسيأتي توضيح لذلك في فقه الحديث.

( والفأرة) بهمزة ساكنة، ويجوز تسهيلها فارة واحدة الفيران، وهي أنواع: منها الجرذ بوزن عمر، والخلد بضم الخاء وسكون اللام، وفأرة الإبل وفأرة المسك، وفأرة الغيط، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء.

( والكلب العقور) العقور والعاقر: الجارح، وفي المراد به هنا خلاف بين الفقهاء يأتي في فقه الحديث.

( تقتل بصغر لها) بضم الصاد، أي بمذلة وإهانة.

( والعقرب...والحية) العقرب: يقال للذكر والأنثى، وقد يقال: عقربة وعقرباء، قال صاحب المحكم: ويقال إن عينها في ظهرها، وأنها لا تضر ميتاً ولا نائماً حتى يتحرك، ويقال لدغته العقرب بالغين ولسعته، وقد ذكرت الحية بدلها في بعض الروايات، كروايتنا الثانية وجمع بينهما في بعض الروايات كروايتنا العاشرة.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار، وبين حكمهما معاًَ حيث جمع بينهما.
وسيأتي مزيد بحث في الحكم في فقه الحديث.

والعقرب: دويبة من العنكبيات ذات سم معروفة، أما الحية فهي طويلة من الزواحف، ومن أنواعها الثعبان والأفعى.

( حدثتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذه المبهمة صرح بها في الرواية الثامنة، وهي أخته حفصة رضي الله عنهم أجمعين.

فقه الحديث

قال النووي: اتفق جماهير العلماء على جواز قتل المذكورات في الحل والحرم والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن، ثم اختلفوا في المعنى فيهن، وما يكون في معناهن، فقال الشافعي: والمعنى في جواز قتلهن كونهن مما لا يؤكل وكل ما لا يؤكل، ولا هو متولد من مأكول وغيره قتله جائز للمحرم، ولا فدية عليه.

وقال مالك: المعنى فيهن كونهن مؤذيات، فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله، وما لا فلا.
اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: ليس في نفي الجناح، وكذا نفي الحرج دلالة على أرجحية الفعل على الترك، لكن لفظ أمر [في روايتنا التاسعة والعاشرة] ظاهره الوجوب، ويحتمل الندب والإباحة، لكن هذا الأمر ورد بعد الحظر، لعموم نهي المحرم عن القتل، فلا يكون للوجوب ولا للندب.
اهـ

وخلاف الفقهاء في الحدأة ينحصر في تقييد جواز قتلها بأن تبتدئ بالأذى، وتقييد جواز قتلها بالكبار منها؟ أو الجواز على الإطلاق، ابتدأت بالأذى أو لم تبتدئ، صغيرة كانت أم كبيرة؟ الجمهور على الإطلاق، وهو المشهور عن المالكية، لكن بعض المالكية على التقييد.

أما خلافهم في الغراب فهو نتيجة لتعدد أنواع الغراب، قال الحافظ ابن حجر، بعد أن صحح رواية الغراب الأبقع.
قال ابن قدامة: ويلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل.

قال الحافظ: وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب، ويقال له: غراب الزرع، ويقال له: الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ماعداه من الغربان ملتحقاً بالأبقع.

قال: ومنها الغداف على الصحيح، وسماه ابن قدامة غراب البين والمعروف عند أهل اللغة أن غراب البين هو الأبقع، قيل: سمي غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها، ولم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به، فأبطل الإسلام ذلك، وقال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الغداف، والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا، وكذا استثناه ابن قدامة، وما أظن فيه خلافاً.

ويحمل على غراب الزرع ما جاء عند أبي داود -إن صح- حيث قال فيه ويرمي الغراب ولا يقتله.

ومن أنواع الغربان: الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة، وحكمه حكم الأبقع، ومنها العقعق، وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل: سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم، والعرب تتشائم به أيضاًً، وحكمه حكم الأبقع على الصحيح، وقيل: حكم غراب الزرع، وقال أحمد إن أكل الجيف فكان أبقع، وإلا فلا.

وأما خلافهم في الفأرة فقد نقل ابن شاش عن المالكية خلافاً في جواز قتل الصغير منها، الذي لا يتمكن من الأذى.

وأما خلافهم في الكلب العقور فقد نقل عن سفيان بن عيينة أنه قال: الكلب العقور كل سبع يعقر، ولم يخص به الكلب، وعن أبي هريرة: الكلب العقور الأسد، وعن مالك: هو كل ما عقر الناس وعدا عليهم، مثل الأسد والنمر والفهد، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب وشبههما فلا يقتله المحرم، وإن قتله فداه وحكي عن أبي حنيفة أن المراد به الكلب المعروف خاصة، وألحق به الذئب، وحمل زفر الكلب هنا على الذئب وحده وذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن المراد كل مفترس غالباً.

واختلف العلماء في الكلب غير العقور، مما لم يؤمر باقتنائه، فذهب بعض الشافعية إلى أنه محترم لا يجوز قتله، وذهب آخرون إلى أنه غير محترم، وذهب جماعة إلى كراهة قتله كراهة تنزيه.

وأما خلافهم في العقرب فقد قال ابن المنذر: لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب، وقال نافع: لما قيل له فالحية؟ قال لا يختلف فيها، وفي رواية ومن يشك فيها.
وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحماداً، فقالا -لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب.
قال: ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض، فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام.

قال الحافظ وهو اعتلال لا معنى له.
نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى.

وخلاصة أقوال الفقهاء في هذا الموضوع: أن المالكية يرون العلة كونها مؤذية فيلحقون بها كل مؤذ، والأذى أنواع، وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم، كالحية، والزنبور وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض، كابن عرس، وبالغراب والحدأة على ما يشاركهما بالاختطاف كالصقر وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر، كالأسد والفهد.

والشافعية يرون العلة كونها مما لا يؤكل، وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام:

قسم يستحب قتله كالخمس وما في معناها مما يؤذي.

وقسم يجوز قتله، كسائر ما لا يؤكل لحمه، وهو قسمان: الأول ما يحصل منه نفع وضرر، فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد، ولا يكره لما فيه من العدوان.
والثاني ما ليس فيه نفع ولا ضرر، فيكره قتله ولا يحرم.

والقسم الثالث ما أبيح أكله، أو نهي عن قتله، فلا يجوز قتله، وفيه الجزاء إذا قتله المحرم.

أما الحنفية فاقتصروا على الخمس، إلا أنهم ألحقوا بها الحية، لثبوت الخبر بها والذئب لمشاركته الكلب في الكلبية، وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها.

بقيت أنواع اختلف الفقهاء في جواز قتلها، منها الوزغ، وهو دابة صغيرة لها قوائم تعدو في أصول الحشيش، وتعيش في الجدران والخربات، وهي ما يطلق عليها [البرص] .

وفي البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للوزغ فويسق، ولم أسمعه يأمر بقتله، وعدم سماع عائشة لا يدل على منع قتله.
قال العيني: فقد سمعه غيرها، وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعاً أمر بقتل الأوزاغ ثم ساق العيني مجموعة من الأحاديث في قتل الوزغ، ثم قال: ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم لكن نقل ابن عبد الحكم وغيره عن مالك: لا يقتل المحرم الوزغ، زاد ابن القاسم: وإن قتله يتصدق، لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها.

ومنها البعوض والبراغيث والذباب والقمل والبق والنمل.
قال ابن المنذر قال الشافعي وأصحاب الرأي: لا شيء على المحرم في قتل البعوض والبراغيث والبق، وكذا قال عطاء في البعوض والذباب.

وقال مالك: في الذباب والقمل إذا قتلها أرى أن يتصدق بشيء من الطعام، وكان الشافعي يكره قتل النملة، ولا يرى على المحرم في قتلها شيئاًً قال: فأما الزنبور [وهو المعروف عند العامة بالدبور] فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأمر بقتله، وقال عطاء وأحمد: لا جزاء فيه، وقال مالك: يطعم شيئاً، وقال ابن المنذر: وأما القملة إذا قتلها المحرم فقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: يتصدق بحفنة من طعام، وقال عطاء: قبضة من طعام.

ويؤخذ من هذه الأحاديث فوق ما تقدم:

1- جواز القصاص في الحرم.
قال النووي: وفي هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل ما يجب عليه قتل بقصاص أو رجم بالزنا، أو قتل في المحاربة، وغير ذلك، وأنه يجوز إقامة كل الحدود فيه سواء كان موجب القتل والحد جري في الحرم أو خارجه، ثم لجأ صاحبه إلى الحرم، وهذا مذهب مالك والشافعي وآخرين.

وقال أبو حنيفة وطائفة: ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه، وما فعله خارجه ثم لجأ إليه: إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم، بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه، فيقام عليه خارجه، وما كان دون النفس يقام فيه.
وحجتهم قوله تعالى: { { ومن دخله كان آمناً } } [آل عمران: 97] .
وحجتنا عليهم: هذه الأحاديث، لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدواب في اسم الفسق، بل فسقه أفحش، لكونه مكلفاً، ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمان، فقد خالفوا ظاهر ما فسروا به الآية.

قال القاضي: ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسرين أنه إخبار عما كان قبل الإسلام، وعطفه على ما قبله من الآيات، وقيل: آمن من النار، وقالت طائفة: يخرج ويقام عليه الحد.

والله أعلم