هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
212 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ ، أَوْ مَكَّةَ ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً ، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ : إِلَى أَنْ يَيْبَسَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
212 حدثنا عثمان ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة ، أو مكة ، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يعذبان ، وما يعذبان في كبير ثم قال : بلى ، كان أحدهما لا يستتر من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة . ثم دعا بجريدة ، فكسرها كسرتين ، فوضع على كل قبر منهما كسرة ، فقيل له : يا رسول الله ، لم فعلت هذا ؟ قال : لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا أو : إلى أن ييبسا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ ، أَوْ مَكَّةَ ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً ، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ : إِلَى أَنْ يَيْبَسَا .

Narrated Ibn `Abbas:

Once the Prophet, while passing through one of the graveyards of Medina or Mecca heard the voices of two persons who were being tortured in their graves. The Prophet (ﷺ) said, These two persons are being tortured not for a major sin (to avoid). The Prophet (ﷺ) then added, Yes! (they are being tortured for a major sin). Indeed, one of them never saved himself from being soiled with his urine while the other used to go about with calumnies (to make enmity between friends). The Prophet (ﷺ) then asked for a green leaf of a date-palm tree, broke it into two pieces and put one on each grave. On being asked why he had done so, he replied, I hope that their torture might be lessened, till these get dried.

0216 Ibn Abbas dit : Une fois, le Prophète fut de passage près de l’un des jardins de Médine (ou : de La Mecque) lorsqu’il entendit la voix de deux hommes qui étaient en train de subir des supplices dans leurs tombes. « On est en train de les châtier à cause d’un péché qui ne paraissait pas grand« , expliqua le Prophète avant de reprendre : « Oh ! que si ! l’un d’eux insistait à ne pas se préserver de son urine; quant à l’autre, il colportait des médisances. » Et il demanda ensuite de lui apporter une branche de palmier ; il la cassa en deux et posa sur chaque tombe un morceau. On lui demanda : « O Messager de Dieu ! Pourquoi tu as fait cela ? » « Peut-être qu’on leur allègera les supplices, tant que ces morceaux ne seront pas desséchés (ou : jusqu’à ce que ces deux morceaux se dessèchent). »  

":"ہم سے عثمان نے بیان کیا ، کہا ہم سے جریر نے منصور کے واسطے سے نقل کیا ، وہ مجاہد سے وہ ابن عباس رضی اللہ عنہما سے روایت کرتے ہیں کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم ایک دفعہ مدینہ یا مکے کے ایک باغ میں تشریف لے گئے ۔ ( وہاں ) آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے دو شخصوں کی آواز سنی جنھیں ان کی قبروں میں عذاب کیا جا رہا تھا ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ ان پر عذاب ہو رہا ہے اور کسی بہت بڑے گناہ کی وجہ سے نہیں پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا بات یہ ہے کہ ایک شخص ان میں سے پیشاب کے چھینٹوں سے بچنے کا اہتمام نہیں کرتا تھا اور دوسرا شخص چغل خوری کیا کرتا تھا ۔ پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے ( کھجور کی ) ایک ڈالی منگوائی اور اس کو توڑ کر دو ٹکڑے کیا اور ان میں سے ( ایک ایک ٹکڑا ) ہر ایک کی قبر پر رکھ دیا ۔ لوگوں نے آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے پوچھا کہ یا رسول اللہ ! یہ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے کیوں کیا ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا اس لیے کہ جب تک یہ ڈالیاں خشک ہوں شاید اس وقت تک ان پر عذاب کم ہو جائے ۔

0216 Ibn Abbas dit : Une fois, le Prophète fut de passage près de l’un des jardins de Médine (ou : de La Mecque) lorsqu’il entendit la voix de deux hommes qui étaient en train de subir des supplices dans leurs tombes. « On est en train de les châtier à cause d’un péché qui ne paraissait pas grand« , expliqua le Prophète avant de reprendre : « Oh ! que si ! l’un d’eux insistait à ne pas se préserver de son urine; quant à l’autre, il colportait des médisances. » Et il demanda ensuite de lui apporter une branche de palmier ; il la cassa en deux et posa sur chaque tombe un morceau. On lui demanda : « O Messager de Dieu ! Pourquoi tu as fait cela ? » « Peut-être qu’on leur allègera les supplices, tant que ces morceaux ne seront pas desséchés (ou : jusqu’à ce que ces deux morceaux se dessèchent). »  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [216] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ بن أبي شيبَة وَجَرِير هُوَ بن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِر وَمُجاهد هُوَ بن جبر صَاحب بن عَبَّاسٍ وَقَدْ سَمِعَ الْكَثِيرَ مِنْهُ وَاشْتُهِرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُ لَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِد فَأدْخل بَينه وَبَين بن عَبَّاسٍ طَاوُسًا كَمَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ قَلِيلٍ وَإِخْرَاجُهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ يَقْتَضِي صِحَّتَهُمَا عِنْدَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُجَاهِدًا سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ عَن بن عَبَّاس ثمَّ سَمعه من بن عَبَّاسٍ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوِ الْعَكْسِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي سِيَاقِهِ عَنْ طَاوُسٍ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِوَايَته عَن بن عَبَّاس وَصرح بن حِبَّانَ بِصِحَّةِ الطَّرِيقَيْنِ مَعًا.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ أَيْ بُسْتَانٍ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ غَيْرُ الْحَائِطِ الَّذِي مَرَّ بِهِ وَفِي الْأَفْرَادِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الْحَائِطَ كَانَ لِأُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ الْأَدَبِ لِجَزْمِهَا بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَالشَّكُّ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَكَّةَ مِنْ جَرِيرٍ .

     قَوْلُهُ  فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قبورهما قَالَ بن مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ شَاهِدٌ عَلَى جَوَازِ إِفْرَادِ الْمُضَافِ الْمُثَنَّى إِذَا كَانَ جُزْءَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ نَحْوَ أَكَلْتُ رَأْسَ شَاتَيْنِ وَجمعه أَجود نَحْو فقد صغت قُلُوبكُمَا وَقَدِ اجْتَمَعَ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُضَافُ جُزْءَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ فَالْأَكْثَرُ مَجِيئُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فَإِنْ أُمِنَ اللَّبْسُ جَازَ جَعْلُ الْمُضَافِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَقَولُهُ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا شَاهِدٌ لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  يُعَذَّبَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ مَرَّ بقبرين زَاد بن مَاجَهْ جَدِيدَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَنْ يُقَالَ أَعَادَهُ عَلَى الْقَبْرَيْنِ مَجَازًا وَالْمُرَادُ مَنْ فِيهِمَا .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى أَيْ إِنَّهُ لَكَبِيرٌ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مَنْصُورٍ فَقَالَ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ وَهَذَا مِنْ زِيَادَاتِ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَلَى الْأَعْمَشِ وَلم يُخرجهَا مُسلم وَاسْتدلَّ بن بَطَّالٍ بِرِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَلَى أَنَّ التَّعْذِيبَ لَا يَخْتَصُّ بِالْكَبَائِرِ بَلْ قَدْ يَقَعُ عَلَى الصَّغَائِرِ قَالَ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنَ الْبَوْلِ لَمْ يَرِدْ فِيهِ وَعِيدٌ يَعْنِي قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَتُعُقِّبَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَلَفْظُهُ وَمَا يعذبان فِي كَبِير بلَى.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ فِي كَبِيرٍ شَاهِدٌ عَلَى وُرُودِ فِي لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ قَالَ وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِكَقَوْل الله تَعَالَى لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم وَفِي الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الشِّعْرِ فَذَكَرَ شَوَاهِدَ انْتَهَى وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَبِيرٍ فَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ كَبِيرٌ فَاسْتَدْرَكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا وَالنَّسْخُ لَا يَدْخُلُ الْخَبَرَ وَأجِيب بِأَن الحكم بالْخبر يَجُوزُ نَسْخُهُ فَ.

     قَوْلُهُ  وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ إِخْبَارٌ بِالْحُكْمِ فَإِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَبِيرٌ فَأَخْبَرَ بِهِ كَانَ نَسْخًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّهُ يَعُودُ على الْعَذَاب لما ورد فِي صَحِيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُعَذَّبَانِ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ وَقِيلَ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ الذَّنْبَيْنِ وَهُوَ النَّمِيمَةُ لِأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ بِخِلَافِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَهَذَا مَعَ ضَعْفِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الِاسْتِتَارَ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ وبن الْعَرَبِيِّ كَبِيرٌ الْمَنْفِيِّ بِمَعْنَى أَكْبَرَ وَالْمُثْبَتُ وَاحِدُ الْكَبَائِرِ أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَالْقَتْلِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي الصُّورَةِ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَالْحَقَارَةِ وَهُوَ كَبِيرُ الذَّنْبِ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اعْتِقَادِهِمَا أَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَبِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ أَيْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْأَخِيرُ جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَجَمَاعَةٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ السِّيَاقُ فَإِنَّهُ وَصَفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ مِنْهُ وَاسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ لِلْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ بَعْدَ حَرْفِ كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  لَا يَسْتَتِرُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَة وَفِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ يَسْتَبْرِئُ بِمُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ يَسْتَنْزِهُ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ هَاءٌ فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مَعْنَى الِاسْتِتَارِ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِهِ سُتْرَةً يَعْنِي لَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ فَتُوَافِقُ رِوَايَةَ لَا يَسْتَنْزِهُ لِأَنَّهَا مِنَ التَّنَزُّهِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَانَ لَا يَتَوَقَّى وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ وَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَضُعِّفَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ لَوْ وَقَعَ عَلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ لَاسْتَقَلَّ الْكَشْفُ بِالسَّبَبِيَّةِ وَاطُّرِحَ اعْتِبَارُ الْبَوْلِ فَيَتَرَتَّبُ الْعَذَابُ عَلَى الْكَشْفِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْبَوْلُ أَمْ لَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَسَيَأْتِي كَلَام بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَرِيبًا.

.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الِاسْتِبْرَاءِ فَهِيَ أَبْلَغُ فِي التَّوَقِّي وَتَعَقَّبَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رِوَايَةَ الِاسْتِتَارِ بِمَا يحصل جَوَابه مِمَّا ذكرنَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَوْ حُمِلَ الِاسْتِتَارَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَلَزِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ كَانَ سَبَبَ الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْبَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ الْقَبْرِ خُصُوصِيَّةً يُشِيرُ إِلَى مَا صَححهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ أَيْ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ مِنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا أُضِيفَ إِلَى الْبَوْلِ اقْتَضَى نِسْبَةَ الِاسْتِتَارِ الَّذِي عَدَمُهُ سَبَبُ الْعَذَابِ إِلَى الْبَوْلِ بِمَعْنَى أَنَّ ابْتِدَاءَ سَبَبِ الْعَذَابِ مِنَ الْبَوْلِ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى مُجَرَّدِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ لِتَجْتَمِعَ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ وَاحِدٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أبي بكرَة عِنْد أَحْمد وبن مَاجَهْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ وَمِثْلُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ بَوْلِهِ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ قَوْلهيمشي بالنميمة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ هِيَ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا مَا كَانَ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ فَأَمَّا مَا اقْتَضَى فِعْلَ مَصْلَحَةٍ أَوْ تَرْكَ مَفْسَدَةٍ فَهُوَ مَطْلُوبٌ انْتَهَى وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلنَّمِيمَةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُخَالِفُهُ كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ الْغَيْرِ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ وَلَا حَدَّ عَلَى الْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الِاسْتِمْرَارُ هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ جَعْلَهُ كَبِيرَةً لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكَبِيرَةِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرَةِ مَعْنًى غَيْرُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ انْتَهَى وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ جَمِيعِهِمْ لَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ حَيْثُ حَكَى فِي تَعْرِيفِ الْكَبِيرَةِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ قَالَ وَهُمْ إِلَى الْأَوَّلِ أَمْيَلُ وَالثَّانِي أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ انْتَهَى وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنَ الْكَبَائِرِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُمَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعُرِفَ بِهَذَا الْجَوَابِ عَنِ اعْتِرَاضِ الْكِرْمَانِيِّ بِأَنَّ النَّمِيمَةَ قَدْ نُصَّ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ وَلِلْأَعْمَشِ فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ وَالْعَسِيبُ بِمُهْمَلَتَيْنِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ هِيَ الْجَرِيدَةُ الَّتِي لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا خُوصٌ فَإِنْ نَبَتَ فَهِيَ السَّعَفَةُ وَقِيلَ إِنَّهُ خَصَّ الْجَرِيدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَطِيءُ الْجَفَافِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَنَّ الَّذِيَ أَتَاهُ بِالْجَرِيدَةِ بِلَالٌ وَلَفْظُهُ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ إِذْ سَمِعَ شَيْئًا فِي قَبْرٍ فَقَالَ لِبِلَالٍ ائْتِنِي بِجَرِيدَةٍ خَضْرَاءَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  فَكَسَرَهَا أَيْ فَأَتَى بِهَا فَكَسَرَهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ الَّذِي أَتَى بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ أَنَّهُ الَّذِي قَطَعَ الْغُصْنَيْنِ فَهُوَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ فَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ وَقِصَّةُ جَابِرٍ كَانَتْ فِي السَّفَرِ وَكَانَ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَتَبِعَهُ جَابِرٌ وَحْدَهُ وَمِنْهَا أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَسَ الْجَرِيدَةَ بَعْدَ أَنْ شَقَّهَا نِصْفَيْنِ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ جَابِرًا بِقَطْعِ غُصْنَيْنِ مِنْ شَجَرَتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَتَرَ بِهِمَا عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ ثُمَّ أَمَرَ جَابِرًا فَأَلْقَى الْغُصْنَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَأَنَّ جَابِرًا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرْفَعَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ أَيْضًا السَّبَبُ الَّذِي كَانَا يُعَذَّبَانِ بِهِ وَلَا التَّرَجِّي الْآتِي فِي قَوْلِهِ لَعَلَّهُ فَبَان تغاير حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ جَابِرٍ وَأَنَّهُمَا كَانَا فِي قِصَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ تَعَدُّدُ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ ائْتُونِي بِجَرِيدَتَيْنِ فَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْأُخْرَى عِنْدَ رِجْلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ قِصَّةً ثَالِثَةً وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَسَمِعَ شَيْئًا فِي قَبْرٍ وَفِيهِ فَكَسَرَهَا بِاثْنَيْنِ تَرَكَ نِصْفَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَنِصْفَهَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَفِي قِصَّةِ الْوَاحِد جعل نِصْفَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَنِصْفَهَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَفِي قِصَّةِ الِاثْنَيْنِ جَعَلَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ جَرِيدَةً أَنَّهَا كِسْرَتَيْنِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْكِسْرَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ الْمَكْسُورِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَنَّهَا كَانَتْ نِصْفًا وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْهُ بِاثْنَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ وَالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  فَوَضَعَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْآتِيَةِ فَغَرَزَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْأُولَى .

     قَوْلُهُ  فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةًوَقَعَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْأَعْمَشِ ثُمَّ غَرَزَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِطْعَة قَوْله فَقيل لَهُ وللاعمش قَالُوا أَيِ الصَّحَابَةُ وَلَمْ نَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ السَّائِل مِنْهُم قَوْله لَعَلَّه قَالَ بن مَالِكٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَجَازَ تَفْسِيرُهُ بِأَنْ وَصِلَتِهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُسْنَدٍ وَمُسْنَدٍ إِلَيْهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَنْ زَائِدَةً مَعَ كَوْنِهَا نَاصِبَةً كَزِيَادَةِ الْبَاءِ مَعَ كَوْنِهَا جَارَّةً انْتَهَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِحَذْفِ أَنْ فَقَوَّى الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ شَبَّهَ لَعَلَّ بِعَسَى فَأَتَى بِأَنْ فِي خَبَرِهِ .

     قَوْلُهُ  يُخَفَّفُ بِالضَّمِّ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيِ الْعَذَابُ عَنِ الْمَقْبُورَيْنِ .

     قَوْلُهُ  مَا لَمْ تَيْبَسَا كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَيْ الْكِسْرَتَانِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَّا أَنْ تَيْبَسَا بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلِلْمُسْتَمْلِي إِلَى أَنْ يَيْبَسَا بِإِلَى الَّتِي لِلْغَايَةِ وَالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيِ الْعُودَانِ قَالَ الْمَازِرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ قَالَ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوَحْيُ لَمَا أَتَى بِحَرْفِ التَّرَجِّي كَذَا قَالَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى التَّعْلِيلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ شَفَعَ لَهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَكَذَا رَجَّحَ النَّوَوِيُّ كَوْنَ الْقِصَّة وَاحِدَة وَفِيه نظر لما اوضحناه مِنَ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّةَ بَقَاءِ النَّدَاوَةِ لَا أَنَّ فِي الْجَرِيدَةِ مَعْنًى يَخُصُّهُ وَلَا أَنَّ فِي الرَّطْبِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِسِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ مَا دَامَ رَطْبًا فَيَحْصُلُ التَّخْفِيفُ بِبَرَكَةِ التَّسْبِيحِ وَعَلَى هَذَا فَيَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ فِيمَا فِيهِ بركَة كالذكر وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ تَمْنَعَانِ الْعَذَابَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ لَنَا كَعَدَدِ الزَّبَانِيَةِ وَقَدِ اسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاسِ الْجَرِيدَ وَنَحْوَهُ فِي الْقَبْرِ عَمَلًا بِهَذَا الحَدِيث.

     وَقَالَ  الطُّرْطُوشِيُّ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِبَرَكَةِ يَدِهِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ لِأَنَّهُ عَلَّلَ غَرْزَهُمَا عَلَى الْقَبْرِ بِأَمْرٍ مُغَيَّبٍ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  لَيُعَذَّبَانِ.

.

قُلْتُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِنَا لَا نَعْلَمُ أَيُعَذَّبُ أَمْ لَا أَنْ لَا نَتَسَبَّبَ لَهُ فِي أَمْرٍ يُخَفِّفُ عَنْهُ الْعَذَابَ أَنْ لَوْ عُذِّبَ كَمَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَنَا لَا نَدْرِي أَرُحِمَ أَمْ لَا أَنْ لَا نَدْعُوَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ بَاشَرَ الْوَضْعَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ وَقَدْ تَأَسَّى بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الصَّحَابِيُّ بِذَلِكَ فَأَوْصَى أَنْ يُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ غَيْرِهِ تَنْبِيهٌ لَمْ يُعْرَفِ اسْمُ الْمَقْبُورَيْنِ وَلَا أَحَدُهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَمْدٍ مِنَ الرُّوَاةِ لِقَصْدِ السَّتْرِ عَلَيْهِمَا وَهُوَ عَمَلٌ مُسْتَحْسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي الْفَحْصِ عَنْ تَسْمِيَةِ مَنْ وَقَعَ فِي حَقِّهِ مَا يُذَمُّ بِهِ وَمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ وَضَعَّفَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ إِلَّا مَقْرُونًا بِبَيَانِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِكَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ دَفْنَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

.
وَأَمَّا قِصَّةُ الْمَقْبُورَيْنِ فَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ مَنْ دَفَنْتُمُ الْيَوْم هَا هُنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا ذَبًّا عَنْ هَذَا السَّيِّدِ الَّذِي سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدًا.

     وَقَالَ  لِأَصْحَابِهِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ.

     وَقَالَ  إِنَّ حُكْمَهُ قد وَافقحُكْمَ اللَّهِ.

     وَقَالَ  إِنَّ عَرْشَ الرَّحْمَنِ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ الْجَلِيلَةِ خَشْيَةَ أَنْ يَغْتَرَّ نَاقِصُ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَيَعْتَقِدَ صِحَّةَ ذَلِكَ وَهُوَ بَاطِلٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمَقْبُورَيْنِ فَقِيلَ كَانَا كَافِرَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ من حَدِيث جَابر بِسَنَد فِيهِ بن لَهِيعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ هَلَكَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَمِعَهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي الْبَوْلِ وَالنَّمِيمَةِ قَالَ أَبُو مُوسَى هَذَا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَمَا كَانَ لِشَفَاعَتِهِ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ الْجَرِيدَتَانِ مَعْنًى وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ لَمْ يَسْتَجِزْ لِلُطْفِهِ وَعَطْفِهِ حِرْمَانَهُمَا مِنْ إِحْسَانِهِ فَشَفَعَ لَهما إِلَى الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَجزم بن الْعَطَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ.

     وَقَالَ  لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ لَمْ يَدْعُ لَهُمَا بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ وَلَا تَرَجَّاهُ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَبَيَّنَهُ يَعْنِي كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ.

.

قُلْتُ وَمَا قَالَهُ أَخِيرًا هُوَ الْجَوَابُ وَمَا طَالَبَ بِهِ مِنَ الْبَيَانِ قَدْ حَصَلَ وَلَا يَلْزَمُ التَّنْصِيصُ عَلَى لَفْظِ الْخُصُوصِيَّةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَبُو مُوسَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ سَبَبُ التَّعْذِيبِ فَهُوَ مِنْ تَخْلِيطِ بن لَهِيعَةَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِمَا كَافِرَيْنِ فِيهِ ظَاهِرٌ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَجْمُوعِ طُرُقِهِ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ جَدِيدَيْنِ فَانْتَفَى كَوْنُهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ من دفنتم الْيَوْم هَا هُنَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّ الْبَقِيعَ مَقْبَرَةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَتَوَلَّاهُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ وَيُقَوِّي كَوْنَهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ رِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يُعَذَّبَانِ وَمَا يعذبان فِي كَبِير وبلى وَمَا يُعَذَّبَانِ إِلَّا فِي الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ فَهَذَا الْحَصْرُ يَنْفِي كَوْنَهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ عُذِّبَ عَلَى تَرْكِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْجَنَائِزِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْبَوْلِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ الْوُجُوب بِوَقْت إِرَادَة الصَّلَاة وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ الْقَبْر أَي عَن صَاحب الْقَبْر.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ اللَّامُ بِمَعْنَى لِأَجْلِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ يُشِيرُ إِلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاس قَالَ بن بَطَّالٍ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ بَوْلُ النَّاسِ لَا بَوْلُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يكون فِيهِ حجَّة لمن حمله علىالعموم فِي بَوْلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الْخَطَّابِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْأَبْوَالِ كُلِّهَا وَمُحَصَّلُ الرَّدِّ أَنَّ الْعُمُومَ فِي رِوَايَةِ مِنَ الْبَوْلِ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُلِقَوْلِهِ مِنْ بَوْلِهِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ لَكِنْ يَلْتَحِقُ بِبَوْلِهِ بَوْلُ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ النَّاسِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ قَالَ وَكَذَا غَيْرُ الْمَأْكُولِ.

.
وَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ بَوْلِهِ وَلِمَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ حُجَجٌ أُخْرَى.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْبَوْلِ اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَلَوْ سَلِمَ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [216] حدّثنا عُثْمانُ قَالَ حدّثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ مَرَّ النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيْهِ وسلمِ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ أوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهمَا فقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَان فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قالَ بَلى كانَ أحَدُهُمَااللَّام فِي قَوْله: ( لصَاحب الْقَبْر) بِمَعْنى: لأجل،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَي، عَن صَاحب الْقَبْر.
قلت: مجىء: اللَّام، بِمَعْنى: عَن، ذكره ابْن الْحَاجِب، وَاحْتج عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {.

     وَقَالَ  الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا لَو كَانَ خيرا مَا سبقُونَا إِلَيْهِ}
( الْأَحْقَاف: 11) وَغَيره لم يقل بِهِ، بل قَالُوا: إِن: اللَّام، فِيهِ: لَام التَّعْلِيل، فعلى هَذَا الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي هُوَ الأصوب، وَيجوز أَن تكون: اللَّام، هُنَا بِمَعْنى: عِنْد، كَمَا فِي قَوْلهم: كتبته لخمس خلون.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)

بِالتَّنْوِينِ مِنَ الْكَبَائِرِ أَيْ الَّتِي وُعِدَ مَنِ اجْتَنَبَهَا بِالْمَغْفِرَةِ

[ قــ :212 ... غــ :216] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ بن أبي شيبَة وَجَرِير هُوَ بن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِر وَمُجاهد هُوَ بن جبر صَاحب بن عَبَّاسٍ وَقَدْ سَمِعَ الْكَثِيرَ مِنْهُ وَاشْتُهِرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُ لَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِد فَأدْخل بَينه وَبَين بن عَبَّاسٍ طَاوُسًا كَمَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ قَلِيلٍ وَإِخْرَاجُهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ يَقْتَضِي صِحَّتَهُمَا عِنْدَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُجَاهِدًا سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ عَن بن عَبَّاس ثمَّ سَمعه من بن عَبَّاسٍ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوِ الْعَكْسِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي سِيَاقِهِ عَنْ طَاوُسٍ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِوَايَته عَن بن عَبَّاس وَصرح بن حِبَّانَ بِصِحَّةِ الطَّرِيقَيْنِ مَعًا.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ أَيْ بُسْتَانٍ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ غَيْرُ الْحَائِطِ الَّذِي مَرَّ بِهِ وَفِي الْأَفْرَادِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الْحَائِطَ كَانَ لِأُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ الْأَدَبِ لِجَزْمِهَا بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَالشَّكُّ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَكَّةَ مِنْ جَرِيرٍ .

     قَوْلُهُ  فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قبورهما قَالَ بن مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ شَاهِدٌ عَلَى جَوَازِ إِفْرَادِ الْمُضَافِ الْمُثَنَّى إِذَا كَانَ جُزْءَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ نَحْوَ أَكَلْتُ رَأْسَ شَاتَيْنِ وَجمعه أَجود نَحْو فقد صغت قُلُوبكُمَا وَقَدِ اجْتَمَعَ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُضَافُ جُزْءَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ فَالْأَكْثَرُ مَجِيئُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فَإِنْ أُمِنَ اللَّبْسُ جَازَ جَعْلُ الْمُضَافِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَقَولُهُ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا شَاهِدٌ لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  يُعَذَّبَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ مَرَّ بقبرين زَاد بن مَاجَهْ جَدِيدَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَنْ يُقَالَ أَعَادَهُ عَلَى الْقَبْرَيْنِ مَجَازًا وَالْمُرَادُ مَنْ فِيهِمَا .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى أَيْ إِنَّهُ لَكَبِيرٌ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مَنْصُورٍ فَقَالَ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ وَهَذَا مِنْ زِيَادَاتِ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَلَى الْأَعْمَشِ وَلم يُخرجهَا مُسلم وَاسْتدلَّ بن بَطَّالٍ بِرِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَلَى أَنَّ التَّعْذِيبَ لَا يَخْتَصُّ بِالْكَبَائِرِ بَلْ قَدْ يَقَعُ عَلَى الصَّغَائِرِ قَالَ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنَ الْبَوْلِ لَمْ يَرِدْ فِيهِ وَعِيدٌ يَعْنِي قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَتُعُقِّبَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَلَفْظُهُ وَمَا يعذبان فِي كَبِير بلَى.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ فِي كَبِيرٍ شَاهِدٌ عَلَى وُرُودِ فِي لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ قَالَ وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْل الله تَعَالَى لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم وَفِي الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الشِّعْرِ فَذَكَرَ شَوَاهِدَ انْتَهَى وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَبِيرٍ فَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ كَبِيرٌ فَاسْتَدْرَكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا وَالنَّسْخُ لَا يَدْخُلُ الْخَبَرَ وَأجِيب بِأَن الحكم بالْخبر يَجُوزُ نَسْخُهُ فَ.

     قَوْلُهُ  وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ إِخْبَارٌ بِالْحُكْمِ فَإِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَبِيرٌ فَأَخْبَرَ بِهِ كَانَ نَسْخًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّهُ يَعُودُ على الْعَذَاب لما ورد فِي صَحِيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُعَذَّبَانِ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ وَقِيلَ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ الذَّنْبَيْنِ وَهُوَ النَّمِيمَةُ لِأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ بِخِلَافِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَهَذَا مَعَ ضَعْفِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الِاسْتِتَارَ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ وبن الْعَرَبِيِّ كَبِيرٌ الْمَنْفِيِّ بِمَعْنَى أَكْبَرَ وَالْمُثْبَتُ وَاحِدُ الْكَبَائِرِ أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَالْقَتْلِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي الصُّورَةِ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَالْحَقَارَةِ وَهُوَ كَبِيرُ الذَّنْبِ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اعْتِقَادِهِمَا أَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَبِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ أَيْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْأَخِيرُ جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَجَمَاعَةٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ السِّيَاقُ فَإِنَّهُ وَصَفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ مِنْهُ وَاسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ لِلْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ بَعْدَ حَرْفِ كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  لَا يَسْتَتِرُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَة وَفِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ يَسْتَبْرِئُ بِمُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ يَسْتَنْزِهُ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ هَاءٌ فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مَعْنَى الِاسْتِتَارِ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِهِ سُتْرَةً يَعْنِي لَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ فَتُوَافِقُ رِوَايَةَ لَا يَسْتَنْزِهُ لِأَنَّهَا مِنَ التَّنَزُّهِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَانَ لَا يَتَوَقَّى وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ وَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَضُعِّفَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ لَوْ وَقَعَ عَلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ لَاسْتَقَلَّ الْكَشْفُ بِالسَّبَبِيَّةِ وَاطُّرِحَ اعْتِبَارُ الْبَوْلِ فَيَتَرَتَّبُ الْعَذَابُ عَلَى الْكَشْفِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْبَوْلُ أَمْ لَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَسَيَأْتِي كَلَام بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَرِيبًا.

.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الِاسْتِبْرَاءِ فَهِيَ أَبْلَغُ فِي التَّوَقِّي وَتَعَقَّبَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رِوَايَةَ الِاسْتِتَارِ بِمَا يحصل جَوَابه مِمَّا ذكرنَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَوْ حُمِلَ الِاسْتِتَارَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَلَزِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ كَانَ سَبَبَ الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْبَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ الْقَبْرِ خُصُوصِيَّةً يُشِيرُ إِلَى مَا صَححهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ أَيْ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ مِنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا أُضِيفَ إِلَى الْبَوْلِ اقْتَضَى نِسْبَةَ الِاسْتِتَارِ الَّذِي عَدَمُهُ سَبَبُ الْعَذَابِ إِلَى الْبَوْلِ بِمَعْنَى أَنَّ ابْتِدَاءَ سَبَبِ الْعَذَابِ مِنَ الْبَوْلِ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى مُجَرَّدِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ لِتَجْتَمِعَ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ وَاحِدٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أبي بكرَة عِنْد أَحْمد وبن مَاجَهْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ وَمِثْلُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ بَوْلِهِ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ قَوْله يمشي بالنميمة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ هِيَ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا مَا كَانَ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ فَأَمَّا مَا اقْتَضَى فِعْلَ مَصْلَحَةٍ أَوْ تَرْكَ مَفْسَدَةٍ فَهُوَ مَطْلُوبٌ انْتَهَى وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلنَّمِيمَةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُخَالِفُهُ كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ الْغَيْرِ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ وَلَا حَدَّ عَلَى الْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الِاسْتِمْرَارُ هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ جَعْلَهُ كَبِيرَةً لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكَبِيرَةِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرَةِ مَعْنًى غَيْرُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ انْتَهَى وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ جَمِيعِهِمْ لَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ حَيْثُ حَكَى فِي تَعْرِيفِ الْكَبِيرَةِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ قَالَ وَهُمْ إِلَى الْأَوَّلِ أَمْيَلُ وَالثَّانِي أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ انْتَهَى وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنَ الْكَبَائِرِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُمَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعُرِفَ بِهَذَا الْجَوَابِ عَنِ اعْتِرَاضِ الْكِرْمَانِيِّ بِأَنَّ النَّمِيمَةَ قَدْ نُصَّ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ وَلِلْأَعْمَشِ فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ وَالْعَسِيبُ بِمُهْمَلَتَيْنِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ هِيَ الْجَرِيدَةُ الَّتِي لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا خُوصٌ فَإِنْ نَبَتَ فَهِيَ السَّعَفَةُ وَقِيلَ إِنَّهُ خَصَّ الْجَرِيدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَطِيءُ الْجَفَافِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَنَّ الَّذِيَ أَتَاهُ بِالْجَرِيدَةِ بِلَالٌ وَلَفْظُهُ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ إِذْ سَمِعَ شَيْئًا فِي قَبْرٍ فَقَالَ لِبِلَالٍ ائْتِنِي بِجَرِيدَةٍ خَضْرَاءَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  فَكَسَرَهَا أَيْ فَأَتَى بِهَا فَكَسَرَهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ الَّذِي أَتَى بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ أَنَّهُ الَّذِي قَطَعَ الْغُصْنَيْنِ فَهُوَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ فَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ وَقِصَّةُ جَابِرٍ كَانَتْ فِي السَّفَرِ وَكَانَ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَتَبِعَهُ جَابِرٌ وَحْدَهُ وَمِنْهَا أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَسَ الْجَرِيدَةَ بَعْدَ أَنْ شَقَّهَا نِصْفَيْنِ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ جَابِرًا بِقَطْعِ غُصْنَيْنِ مِنْ شَجَرَتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَتَرَ بِهِمَا عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ ثُمَّ أَمَرَ جَابِرًا فَأَلْقَى الْغُصْنَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَأَنَّ جَابِرًا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرْفَعَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ أَيْضًا السَّبَبُ الَّذِي كَانَا يُعَذَّبَانِ بِهِ وَلَا التَّرَجِّي الْآتِي فِي قَوْلِهِ لَعَلَّهُ فَبَان تغاير حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ جَابِرٍ وَأَنَّهُمَا كَانَا فِي قِصَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ تَعَدُّدُ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ ائْتُونِي بِجَرِيدَتَيْنِ فَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْأُخْرَى عِنْدَ رِجْلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ قِصَّةً ثَالِثَةً وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَسَمِعَ شَيْئًا فِي قَبْرٍ وَفِيهِ فَكَسَرَهَا بِاثْنَيْنِ تَرَكَ نِصْفَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَنِصْفَهَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَفِي قِصَّةِ الْوَاحِد جعل نِصْفَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَنِصْفَهَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَفِي قِصَّةِ الِاثْنَيْنِ جَعَلَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ جَرِيدَةً أَنَّهَا كِسْرَتَيْنِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْكِسْرَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ الْمَكْسُورِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَنَّهَا كَانَتْ نِصْفًا وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْهُ بِاثْنَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ وَالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  فَوَضَعَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْآتِيَةِ فَغَرَزَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْأُولَى .

     قَوْلُهُ  فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً وَقَعَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْأَعْمَشِ ثُمَّ غَرَزَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِطْعَة قَوْله فَقيل لَهُ وللاعمش قَالُوا أَيِ الصَّحَابَةُ وَلَمْ نَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ السَّائِل مِنْهُم قَوْله لَعَلَّه قَالَ بن مَالِكٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَجَازَ تَفْسِيرُهُ بِأَنْ وَصِلَتِهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُسْنَدٍ وَمُسْنَدٍ إِلَيْهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَنْ زَائِدَةً مَعَ كَوْنِهَا نَاصِبَةً كَزِيَادَةِ الْبَاءِ مَعَ كَوْنِهَا جَارَّةً انْتَهَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِحَذْفِ أَنْ فَقَوَّى الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ شَبَّهَ لَعَلَّ بِعَسَى فَأَتَى بِأَنْ فِي خَبَرِهِ .

     قَوْلُهُ  يُخَفَّفُ بِالضَّمِّ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيِ الْعَذَابُ عَنِ الْمَقْبُورَيْنِ .

     قَوْلُهُ  مَا لَمْ تَيْبَسَا كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَيْ الْكِسْرَتَانِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَّا أَنْ تَيْبَسَا بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلِلْمُسْتَمْلِي إِلَى أَنْ يَيْبَسَا بِإِلَى الَّتِي لِلْغَايَةِ وَالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيِ الْعُودَانِ قَالَ الْمَازِرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ قَالَ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوَحْيُ لَمَا أَتَى بِحَرْفِ التَّرَجِّي كَذَا قَالَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى التَّعْلِيلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ شَفَعَ لَهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَكَذَا رَجَّحَ النَّوَوِيُّ كَوْنَ الْقِصَّة وَاحِدَة وَفِيه نظر لما اوضحناه مِنَ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّةَ بَقَاءِ النَّدَاوَةِ لَا أَنَّ فِي الْجَرِيدَةِ مَعْنًى يَخُصُّهُ وَلَا أَنَّ فِي الرَّطْبِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِسِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ مَا دَامَ رَطْبًا فَيَحْصُلُ التَّخْفِيفُ بِبَرَكَةِ التَّسْبِيحِ وَعَلَى هَذَا فَيَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ فِيمَا فِيهِ بركَة كالذكر وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ تَمْنَعَانِ الْعَذَابَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ لَنَا كَعَدَدِ الزَّبَانِيَةِ وَقَدِ اسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاسِ الْجَرِيدَ وَنَحْوَهُ فِي الْقَبْرِ عَمَلًا بِهَذَا الحَدِيث.

     وَقَالَ  الطُّرْطُوشِيُّ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِبَرَكَةِ يَدِهِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ لِأَنَّهُ عَلَّلَ غَرْزَهُمَا عَلَى الْقَبْرِ بِأَمْرٍ مُغَيَّبٍ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  لَيُعَذَّبَانِ.

.

قُلْتُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِنَا لَا نَعْلَمُ أَيُعَذَّبُ أَمْ لَا أَنْ لَا نَتَسَبَّبَ لَهُ فِي أَمْرٍ يُخَفِّفُ عَنْهُ الْعَذَابَ أَنْ لَوْ عُذِّبَ كَمَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَنَا لَا نَدْرِي أَرُحِمَ أَمْ لَا أَنْ لَا نَدْعُوَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ بَاشَرَ الْوَضْعَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ وَقَدْ تَأَسَّى بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الصَّحَابِيُّ بِذَلِكَ فَأَوْصَى أَنْ يُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ غَيْرِهِ تَنْبِيهٌ لَمْ يُعْرَفِ اسْمُ الْمَقْبُورَيْنِ وَلَا أَحَدُهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَمْدٍ مِنَ الرُّوَاةِ لِقَصْدِ السَّتْرِ عَلَيْهِمَا وَهُوَ عَمَلٌ مُسْتَحْسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي الْفَحْصِ عَنْ تَسْمِيَةِ مَنْ وَقَعَ فِي حَقِّهِ مَا يُذَمُّ بِهِ وَمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ وَضَعَّفَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ إِلَّا مَقْرُونًا بِبَيَانِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِكَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ دَفْنَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

.
وَأَمَّا قِصَّةُ الْمَقْبُورَيْنِ فَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ مَنْ دَفَنْتُمُ الْيَوْم هَا هُنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا ذَبًّا عَنْ هَذَا السَّيِّدِ الَّذِي سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدًا.

     وَقَالَ  لِأَصْحَابِهِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ.

     وَقَالَ  إِنَّ حُكْمَهُ قد وَافق حُكْمَ اللَّهِ.

     وَقَالَ  إِنَّ عَرْشَ الرَّحْمَنِ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ الْجَلِيلَةِ خَشْيَةَ أَنْ يَغْتَرَّ نَاقِصُ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَيَعْتَقِدَ صِحَّةَ ذَلِكَ وَهُوَ بَاطِلٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمَقْبُورَيْنِ فَقِيلَ كَانَا كَافِرَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ من حَدِيث جَابر بِسَنَد فِيهِ بن لَهِيعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ هَلَكَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَمِعَهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي الْبَوْلِ وَالنَّمِيمَةِ قَالَ أَبُو مُوسَى هَذَا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَمَا كَانَ لِشَفَاعَتِهِ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ الْجَرِيدَتَانِ مَعْنًى وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ لَمْ يَسْتَجِزْ لِلُطْفِهِ وَعَطْفِهِ حِرْمَانَهُمَا مِنْ إِحْسَانِهِ فَشَفَعَ لَهما إِلَى الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَجزم بن الْعَطَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ.

     وَقَالَ  لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ لَمْ يَدْعُ لَهُمَا بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ وَلَا تَرَجَّاهُ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَبَيَّنَهُ يَعْنِي كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ.

.

قُلْتُ وَمَا قَالَهُ أَخِيرًا هُوَ الْجَوَابُ وَمَا طَالَبَ بِهِ مِنَ الْبَيَانِ قَدْ حَصَلَ وَلَا يَلْزَمُ التَّنْصِيصُ عَلَى لَفْظِ الْخُصُوصِيَّةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَبُو مُوسَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ سَبَبُ التَّعْذِيبِ فَهُوَ مِنْ تَخْلِيطِ بن لَهِيعَةَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِمَا كَافِرَيْنِ فِيهِ ظَاهِرٌ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَجْمُوعِ طُرُقِهِ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ جَدِيدَيْنِ فَانْتَفَى كَوْنُهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ من دفنتم الْيَوْم هَا هُنَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّ الْبَقِيعَ مَقْبَرَةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَتَوَلَّاهُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ وَيُقَوِّي كَوْنَهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ رِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يُعَذَّبَانِ وَمَا يعذبان فِي كَبِير وبلى وَمَا يُعَذَّبَانِ إِلَّا فِي الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ فَهَذَا الْحَصْرُ يَنْفِي كَوْنَهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ عُذِّبَ عَلَى تَرْكِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْجَنَائِزِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْبَوْلِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ الْوُجُوب بِوَقْت إِرَادَة الصَّلَاة وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ لاَ يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ
هذا ( باب) بالتنوين كما في الفرع ( من الكبائر) التي وعد من اجتنبها بالمغفرة ( أن لا يستتر من بوله) والكبائر جمع كبيرة وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعًا العظيم أمرها كالقتل والزنا والفرار من الزحف ويأتي تمام مباحثها إن شاء الله تعالى.



[ قــ :212 ... غــ : 216 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ -أَوْ مَكَّةَ- فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ -ثُمَّ قَالَ- بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».
ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا».
[الحديث 216 - أطرافه في: 218، 1361، 1378، 6052، 6055] .

وبه قال: ( حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة الكوفي ( قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن مجاهد) أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه ( قال) :
( مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحائط) أي بستان من النخل عليه جدار ( من حيطان المدينة أو مكة) شك جرير، وعند المؤلف في الأدب المفرد من حيطان المدينة بالجزم من غير شك ويؤيده رواية الدارقطني في أفراده من حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية رضي الله عنها لأن حائطها كان بالمدينة وفي رواية الأعمش مرّ بقبرين ( فسمع صوت إنسانين) حال كونهما ( يعذبان) حال كونهما

( في قبورهما) عبر بالجمع في موضع التثنية لأن استعمالها في مثل هذا قليل وإن كانت هي الأصل، لأن المضاف إلى المثنى إذا كان جزء ما أضيف إليه يسوغ فيه الإفراد نحو: أكلت رأس شاتين والجمع أجود بنحو { فقد صغت قلوبكما} وإن كان غير جزئه، فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو: سلّ الزيدان سيفيهما وإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كما في قوله في قبورهما، وقد تجتمع التثنية والجمع في نحو: ظهراهما مثل ظهور الترسين.
قاله ابن مالك ولم يعرف اسم القبورين ولا أحدهما، فيحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام لم يسمهما قصد الستر عليهما وخوفًا من الافتضاح على عادة ستره وشفقته على أمته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو سماهما ليحترز غيرهما عن مباشرة ما باشراه وأبهمهما الراوي عمدًا لما مرّ ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يعذبان) أي صاحبا القبرين ( وما يعذبان في كبير) تركه عليهما ( ثم قال) : ( بلى) إنه كبير من جهة المعصية، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام ظن أن ذلك غير كبير، فأوحي إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك، وقال البغوي وغيره، ورجحه ابن دقيق العيد وغيره: إنه ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما الاحتراز عن ذلك، والكبيرة هي الموجبة للحدّ أو ما فيه وعيد شديد.
وعند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يعذبان عذابًا شديدًا في ذنب هين.
( كان أحدهما لا يستتر من بوله) بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة من الاستتار، أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة أي لا يتحفظ منه وهي بمعنى رواية مسلم وأبي داود من حديث الأعمش يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء من التنزّه وهو الإبعاد، ولا يقال إن معنى لا يستتر يكشف عورته لأنه يلزم منه أن مجرد كشف العورة سبب للعذاب المذكور لا اعتبار البول فيترتب العذاب على مجرد الكشف وليس كذلك، بل الأقرب حمله على المجاز، ويكون المراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه، إما بعدم ملابسته وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقّي بالاستتار مجازًا، ووجه العلاقة بينهما أن الستتر عن شيء فيه بُعد عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وإنما رجح المجاز وإن كان الأصل الحقيقة لأن الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرّح بهذه الخصوصية أولى وأيضًا فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازًا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حمل على كشف العورة زال هذا المعنى، وفي رواية ابن عساكر لا يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء أي لا يستفرغ جهده بعد فراغه منه، وهو يدل على وجوب الاستنجاء لأنه لما عذب على استخفافه بغسله وعدم التحرّز منه دلّ على أن من ترك البول في مخرجه ولم يستنج منه حقيق بالعذاب.
( وكان الآخر يمشي بالنميمة) فعيلة من ثمَّ الحديث ينمه إذا نقله عن المتكلم به إلى غيره وهي حرام بالإجماع إذا قصد بها الإفساد بين المسلمين وسبب كونهما كبيرتين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة من السعي بالفساد وهو من أقبح القبائح، ويجاب عن استشكال كون النميمة من الصغائر بأن الإصرار عليها المفهوم هنا من التعبير بكان المقتضية له يصير حكمها الكبيرة لا سيما على تفسيرها بما فيه وعيد

شديد، ووقع في حديث أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني بإسناد صحيح يعذبان وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة، والبول بأداة الحصر وهي تنفي كونهما كافرين لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام المسلمين فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف، وبذلك جزم العلاء بن العطار وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب عنهما ولا ترجاه لهما، وقد ذكر بعضهم السرّ في تخصيص البول والنميمة بعذاب القبر، وهو أن القبر أوّل منازل الآخرة وفيه نموذج ما يقع في القيامة من العقاب والثواب والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله وحق لعباده، وأوّل ما يقضى فيه من حقوق الله تعالى عز وجل الصلاة، ومن حقوق العباد الدماء، وأما البرزخ فيقضي فيه مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث ومقدمة الدماء النميمة فيبدأ في البرزخ بالعقاب عليهما.

( ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بجريدة) من جريد النخل وهي التي ليس عليها ورق فأُتي بها ( فكسرها كسرتين) بكسر الكاف تثنية كسرة وهي القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش الآتية إن شاء الله تعالى أنها كانت نصفًا، وفي رواية جرير عنه باثنتين ( فوضع) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( على كل قبر منهما كسرة) وفي الرواية الآتية: فغرز وهو يستلزم الوضع دون العكس ( فقيل له يا رسول الله) ولابن عساكر فقيل يا رسول الله ( لِمَ فعلت هذا) لم يعين السائل من الصحابة ( قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعله أن يخفف) بضم أوّله وفتح الفاء أي العذاب وهاء لعله ضمير الشأن، وجاز تفسيره بأن وصلتها في حكم جملة لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ويحتمل أن تكون زائدة مع كونها ناصبة كزيادة الباء مع كونها جارّة قاله ابن مالك، ويقوّي الاحتمال الثاني حذف أن في الرواية الآتية حيث قال: لعله يخفف ( عنهما) أي المعذبين ( ما لم تيبسا) بالمثناة الفوقية بالتأنيث باعتبار عود الضمير فيه إلى الكسرتين وفتح الموحدة من باب علم يعلم وقد تكسر وفي لغة شاذة.
وفي رواية الكشميهني إلا أن تيبسا بحرف للاستثناء وللمستملي إلى أن ييبسا بإلى التي للغاية والمثناة التحتية بالتذكير باعتبار عود الضمير إلى العودين لأن الكسرتين هما العودان، وما مصدرية زمانية أي مدة دوامهما إلى زمن اليبس المحتمل تأقيته بالوحي كما قاله المازري، لكن تعقبه القرطبي بأنه لو كان بالوحي لما أتى بحرف الترجي.

وأجيب: بأن لعل هنا للتعليل أو أنه يشفع لهما في التخفيف هذه المدة كما صرّح به في حديث جابر على أن القصة واحدة كما رجحه النووي وفيه نظر لما في حديث أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني أنه الذي أتى بالجريدة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنه الذي قطع الغصنين فدلّ ذلك على المغايرة، ويؤيد ذلك أن قصة الباب كانت بالمدينة وكان معه عليه الصلاة والسلام جماعة.
وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده فظهر التغاير بين حديث ابن عباس وحديث جابر، بل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المروي في صحيح ابن حبّان ما يدل على الثالثة، ولفظه: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بقبر فوقف فقال: ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب وضع الجريدة على القبر من كتاب الجنائز.


ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ودارمي ومكّي وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف هنا عن جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي الآتية عن الأعمش كمسلم عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس.
فأسقط المؤلف طاوسًا الثابت في الثانية من الأولى، فانتقد عليه الدارقطني ذلك كما سيأتي مع الجواب عنه في الباب اللاحق إن شاء الله تعالى، وقد أخرج المؤلف الحديث أيضًا في الطهارة في موضعين وفي الجنائز والأدب والحج ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الطهارة، وكذا النسائي فيها أيضًا وفي التفسير والجنائز.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ)

بابُُ بِالسُّكُونِ، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بِالْعقدِ والتركيب، اللَّهُمَّ إلاَّ إِذا قدر شَيْء فَيكون حِينَئِذٍ معرباً نَحْو مَا تَقول: هَذَا بابُُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون خبر مُبْتَدأ..
     وَقَالَ  بَعضهم: بابُُ، بِالتَّنْوِينِ هُوَ غلط.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن فِي الْبابُُ الأول ذكر الْوضُوء من غير حدث، وَله فضل كَبِير إِذا كَانَ المتوضىء محترزاً عَن إِصَابَة الْبَوْل بدنه أَو ثَوْبه، وَفِي هَذَا الْبابُُ يذكر الْوَعيد فِي حق من لَا يحْتَرز مِنْهُ.

مِنَ الكَبَائِر أنْ لاَ يَسْتَتَرَ مِنْ بَوْلهِ

كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء.
قَوْله: (من الْكَبَائِر) ، مقدما خَبره، وَالتَّقْدِير: ترك استتار الرجل من بَوْله من الْكَبَائِر، وَهُوَ جمع: كَبِيرَة، وَهِي: الفعلة القبيحة من الذُّنُوب الْمنْهِي عَنْهَا شرعا، الْعَظِيم أمرهَا: كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا والفرار من الزَّحْف وَغير ذَلِك، وَهِي من الصِّفَات الْغَالِبَة، يَعْنِي: صَار إسما لهَذِهِ الفعلة القيبحة.
وَفِي الأَصْل هِيَ صفة، وَالتَّقْدِير: الفعلة الْكَبِيرَة.
وَاخْتلفُوا فِي الْكَبَائِر فَقيل: سبع، وَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث ابي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (اجتنبوا السَّبع الموبقات، فَقيل: يَا رَسُول الله وَمَا هن؟ قَالَ: الاشراك بِاللَّه، وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَالسحر، وَأكل الرِّبَا، وَأكل مَال الْيَتِيم، والتولي يَوْم الزَّحْف، وَقذف الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات الْغَافِلَات) .
وَقيل: الْكَبَائِر تسع، وروى الْحَاكِم فِي حَدِيث طَوِيل: (والكبائر تسع) فَذكر السَّبْعَة الْمَذْكُورَة، وَزَاد عَلَيْهَا: (عقوق الْوَالِدين الْمُسلمين، وَاسْتِحْلَال الْبَيْت الْحَرَام) .
وَقيل: الْكَبِيرَة كل مَعْصِيّة.
وَقيل: كل مَعْصِيّة.
وَقيل: كل ذَنْب قرن بِنَار أَو لعنة أَو غضب أَو عَذَاب،.

     وَقَالَ  رجل لِابْنِ عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: الْكَبَائِر سبع؟ فَقَالَ: هِيَ إِلَى سَبْعمِائة.
قلت: الْكَبِيرَة أَمر نسبي، فَكل ذَنْب فَوْقه ذَنْب فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صَغِيرَة، وبالنسبة إِلَى مَا تَحْتَهُ كَبِيرَة.



[ قــ :212 ... غــ :216 ]
- حدّثنا عُثْمانُ قَالَ حدّثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ مَرَّ النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيْهِ وسلمِ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ أوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهمَا فقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَان فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قالَ بَلى كانَ أحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وكانَ الآخَرُ يَمْشِيِ بالنَّميمَةِ ثمَّ دَعَا بِجَرِيدةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَع عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً لهُ يَا رسولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذا قالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَم يَيْبسَا أوْ أنْ يَيْبَسَا..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا تخفي.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة.
الأول: عُثْمَان بن أبي شيبَة الْكُوفِي.
الثَّانِي: جرير ابْن عبد الحميد.
الثَّالِث: مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، الثَّلَاثَة تقدمُوا فِي بابُُ: من جعل لأهل الْعلم أَيَّامًا.
الرَّابِع: مُجَاهِد بن جبر، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: الإِمَام فِي التَّفْسِير، تقدم فِي أول كتاب الْإِيمَان.
الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ورازي ومكي.
وَمِنْهَا: أَن هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس، فَادْخُلْ بَينه وَبَين ابْن عَبَّاس طاوساً، لما يَأْتِي عَن قريب أَن البُخَارِيّ أخرجه هَكَذَا، وَإِخْرَاج البُخَارِيّ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَقْتَضِي أَن كليهمَا صَحِيح عِنْده، فَيحمل على أَن مُجَاهدًا سَمعه من طَاوس عَن ابْن عَبَّاس، وسَمعه أَيْضا من ابْن عَبَّاس بِلَا وَاسِطَة.
أَو الْعَكْس، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن فِي سِيَاق: مُجَاهِد عَن طَاوس زِيَادَة على مَا فِي رِوَايَته عَن ابْن عَبَّاس، وَصرح ابْن حبَان بِصِحَّة الطَّرِيقَيْنِ مَعًا،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: رِوَايَة الْأَعْمَش أصح..
     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ فِي (الْعِلَل) : سَأَلت مُحَمَّدًا: أَيهمَا أصح؟ فَقَالَ: رِوَايَة الْأَعْمَش أصح، فَإِن قيل: إِذا كَانَ حَدِيث الْأَعْمَش أصح فلِمَ لم يُخرجهُ وَخرج الَّذِي غير صَحِيح؟ قيل لَهُ: كِلَاهُمَا صَحِيح؟ قيل لَهُ: كِلَاهُمَا صَحِيح، فَحَدِيث الْأَعْمَش أصح، فَالْأَصَحّ يسْتَلْزم الصَّحِيح على مَا لَا يخفى، وَيُؤَيِّدهُ أَن شُعْبَة بن الْحجَّاج رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش كَمَا رَوَاهُ مَنْصُور وَلم يذكر طاوساً.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة وَغَيرهم، وَالْبُخَارِيّ أخرجه فِي مَوَاضِع هُنَا عَن عُثْمَان، وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى فِي موضِعين، وَفِي الْجَنَائِز عَن يحيى بن يحيى، وَفِي الْأَدَب عَن يحيى، وَعَن مُحَمَّد بن سَلام، وَفِي الْجَنَائِز أَيْضا عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْحَج عَن عَليّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي سعيد الْأَشَج، وَأبي كريب، وَإِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم، ثَلَاثَتهمْ عَن وَكِيع بِهِ، وَعَن أَحْمد بن يُوسُف.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن زُهَيْر بن حَرْب، وهناد بن السّري، كِلَاهُمَا عَن وَكِيع بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وهناد وَأبي كريب، ثَلَاثَتهمْ عَن وَكِيع بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي التَّفْسِير عَن هناد عَن وَكِيع بِهِ، وَفِي الْجَنَائِز عَن هناد عَن مُعَاوِيَة بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي مُعَاوِيَة ووكيع بِهِ.

بَيَان لغاته قَوْله: (بحائط) أَي: بُسْتَان من النّخل إِذا كَانَ عَلَيْهِ جِدَار، وَيجمع على: حيطان وحوائط، وَأَصله: حاوط بِالْوَاو، قلبت الْوَاو: يَاء، لِأَنَّهُ من الحوط، وَهُوَ الْحِفْظ والحراسة، والبستان إِذا عمل حواليه جدران يحفظ من الدَّاخِل، وَلَا يُسمى الْبُسْتَان حَائِطا إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهِ جدران.
فان قلت: أخرج البُخَارِيّ فِي هَذَا الْأَدَب، وَلَفظه: (خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بعض حيطان الْمَدِينَة) ، وَهنا: (مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحائط) .
وَبَينهمَا تنافٍ.
قلت: مَعْنَاهُ أَن الْحَائِط الَّذِي خرج مِنْهُ غير الْحَائِط الَّذِي مر بِهِ، وَفِي (أَفْرَاد) الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث جَابر: أَن الْحَائِط كَانَت لأم مُبشر الْأَنْصَارِيَّة.
قَوْله: (أَو مَكَّة) الشَّك من جرير بن عبد الحميد.
وَأخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَدَب: (من حيطان الْمَدِينَة) ، بِالْجَزْمِ من غير شكّ، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ، لِأَن حَائِط أم مُبشر كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا عرف: الْمَدِينَة، وَلم يعرف: مَكَّة، لِأَن: مَكَّة، علم فَلَا تحْتَاج إِلَى التَّعْرِيف، ومدينة اسْم جنس، فَعرفت بِالْألف وَاللَّام ليَكُون معهوداً عَن مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (يعذبان فِي قبورهما) ، وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش: (مر بقبرين) ، وَزَاد ابْن مَاجَه فِي رِوَايَته: (بقبرين جديدين فَقَالَ: إنَّهُمَا يعذبان) فان قلت: المعذب مَا فِي القبرين، فَكيف أسْند الْعَذَاب إِلَى القبرين؟ قلت: هَذَا من بابُُ ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال.
قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون الضَّمِير عَائِدًا على غير مَذْكُور، لِأَن سِيَاق الْكَلَام يدل عَلَيْهِ.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن الَّذِي يرجع إِلَيْهِ الضَّمِير مَوْجُود، وَهُوَ: القبران، وَلَو لم يكن مَوْجُودا لَكَانَ لكَلَامه وَجه، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ.
فَافْهَم.
قَوْله: (لَا يسْتَتر) هَكَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَكسر الثَّانِيَة، من: الستْرَة، وَمَعْنَاهُ: لَا يستر جسده وَلَا ثَوْبه من مماسة الْبَوْل، وَفِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر: (لَا يستبرىء) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الساكنة بعد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمَفْتُوحَة، من: الِاسْتِبْرَاء، وَهُوَ طلب الْبَرَاءَة.
وَفِي رِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد فِي حَدِيث الْأَعْمَش: (لَا يستنزه) ، بتاء مثناة من فَوق مَفْتُوحَة وَنون سَاكِنة وزاي مَكْسُورَة بعْدهَا هَاء، من: النزه.
وَهُوَ الإبعاد.
وَرُوِيَ: (لَا يستنثر) ، بتاء مثناة من فَوق مَفْتُوحَة وَنون سَاكِنة وثاء مُثَلّثَة مَكْسُورَة، من: الاستنثار، وَهُوَ طلب النثر، يَعْنِي: نثر الْبَوْل عَن الْمحل.
وَرُوِيَ: (لَا ينتتر) ، بتائين مثناتين من فَوق بعد النُّون الساكنة، من: النتر، وَهُوَ جذب فِيهِ قُوَّة وحفوة، وَفِي الحَدِيث: (إِذا بَال أحدكُم فينتتر) .
قَوْله: (بالنميمة) : هِيَ نقل كَلَام النَّاس..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هِيَ نقل كَلَام الْغَيْر بِقصد الْإِضْرَار، وَهُوَ من أقبح القبائح..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هَذَا لَا يَصح على قَاعِدَة الْفُقَهَاء، لأَنهم يَقُولُونَ: الْكَبِيرَة هِيَ الْمُوجبَة للحد، وَلَا حد على الْمَاشِي بالنميمة إلاَّ أَن يُقَال: الِاسْتِمْرَار الْمُسْتَفَاد مِنْهُ يَجعله كَبِيرَة، لِأَن الْإِصْرَار على الصَّغِيرَة حكمه حكم الْكَبِيرَة أَو لَا يُرِيد بالكسرة الْكَبِيرَة مَعْنَاهَا الاصطلاحي..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَمَا نَقله عَن الْفُقَهَاء لَيْسَ هُوَ قَول جَمِيعهم، لَكِن كَلَام الرَّافِعِيّ يشْعر بترجيحه حَيْثُ حكى فِي تَعْرِيف الْكَبِيرَة وَجْهَيْن: أَحدهمَا: هَذَا، وَالثَّانِي: مَا فِيهِ وَعِيد شَدِيد.
قَالَ: وهم إِلَى الأول أميل، وَالثَّانِي أوفق لما ذَكرُوهُ عِنْد تَفْصِيل الْكَبَائِر.
قلت: لَا وَجه لتعقيبه على الْكرْمَانِي لِأَنَّهُ لم يُمَيّز قَول الْجَمِيع عَن قَول الْبَعْض حَتَّى يعْتَرض على قَوْله على قَاعِدَة الْفُقَهَاء، على أَن الذَّنب المستمر عَلَيْهِ صَاحبه، وَإِن كَانَ صَغِيرَة، فَهُوَ كَبِيرَة فِي الحكم، وَفِيه وَعِيد.
لقَوْله: (لَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار) .
قَوْله (ثمَّ دَعَا بجريدة) ، وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش: (بعسيب رطب) ، وَهُوَ بِفَتْح الْعين وَكسر السِّين الْمُهْملَة على وزن فعيل نَحْو كريم: وَهِي الجريدة الَّتِي لم ينْبت فِيهَا خوص، وَإِن نبت فَهِيَ: السعفة، وَعلم من هَذَا أَن الجريدة هِيَ الْغُصْن من النّخل بِدُونِ الْوَرق.
قَوْله: (فَوضع) ، وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش، وَهِي تَأتي: (فغرز) ، فالغرز يسْتَلْزم الْوَضع بِدُونِ الْعَكْس.
قَوْله: (فَقيل لَهُ) ، وَفِي رِوَايَة: (قَالُوا) ، أَي: الصَّحَابَة، وَلم يعلم الْقَائِل من هُوَ.
قَوْله: (مَا لم ييبسا) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة من: يبس ييبس، من بابُُ: علم يعلم، وَفِيه لُغَة يبس ييبس بِالْكَسْرِ فيهمَا، وَهِي شَاذَّة، وَهَكَذَا رُوِيَ فِي كثير من الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (إلاَّ أَن ييبسا) بِحرف الِاسْتِثْنَاء، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (إِلَى أَن ييبسا) ، بِكَلِمَة: إِلَى، الَّتِي للغاية.
وَيجوز فِيهِ التَّأْنِيث والتذكير، أماالتأنيث فباعتبار رُجُوع الضَّمِير فِيهِ إِلَى الكسرتين، وَأما التَّذْكِير فباعتبار رُجُوعه إِلَى العودين، لِأَن الكسرتين هما العودان، والكسرتان بِكَسْر الكافية، تَثْنِيَة كسرة، وَهِي الْقطعَة من الشَّيْء المكسور، وَقد تبين من رِوَايَة الْأَعْمَش أَنَّهَا كَانَت نصفا، وَفِي رِوَايَة جرير عَنهُ بِاثْنَتَيْنِ،.

     وَقَالَ  النووى: الْبَاء، زَائِدَة للتَّأْكِيد، وَهُوَ مَنْصُوب على الْحَال.

بَيَان الْإِعْرَاب قَوْله: (يعذبان) جملَة وَقعت حَالا (من إنسانين) ، وَكَذَا قَوْله: (فِي قبورهما) أَي: حَال كَونهمَا يعذبان وهما فِي قبريهما.
وَإِنَّمَا قَالَ: (فِي قبورهما) ، مَعَ أَن لَهما قبرين، لِأَن فِي مثل هَذَا اسْتِعْمَال التَّثْنِيَة قَلِيل، وَالْجمع أَجود كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فقد صغت قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4) والاصل فِيهِ أَن الْمُضَاف إِلَى الْمثنى إِذا كَانَ جُزْء مَا أضيف إِلَيْهِ يجوز فِيهِ التَّثْنِيَة وَالْجمع، وَلَكِن الْجمع أَجود نَحْو: أكلت راسي شَاتين، وَإِن كَانَ غير جزئه، فالأكثر مَجِيئه بِلَفْظ التَّثْنِيَة نَحْو: سل الزيدان سيفيهما، وَإِن أَمن من اللّبْس جَازَ جعل الْمُضَاف بِلَفْظ الْجمع، كَمَا فِي قَوْله: (فِي قبورهما) ، وَقد تجمع التَّثْنِيَة وَالْجمع كَمَا فِي قَوْله.

ظهراهما مثل ظُهُور الترسين.


قَوْله: (لَعَلَّه ان يُخَفف عَنْهُمَا) شبه: لَعَلَّ بعسى، فَأتى بِأَن فِي خَبره،.

     وَقَالَ  الْمَالِكِي الرِّوَايَة: أَن يُخَفف عَنْهَا على التَّوْحِيد، والتأنيث وَهُوَ ضمير النَّفس، فَيجوز إِعَادَة الضميرين فِي: لَعَلَّه، وعنها إِلَى الْمَيِّت بِاعْتِبَار كَونه إنْسَانا، وَكَونه نفسا، وَيجوز أَن يكون الضَّمِير فِي: لَعَلَّه، ضمير الشان، وَفِي: عَنْهَا، للنَّفس، وَجَاز تَفْسِير الشَّأْن بِأَن وصلتها، مَعَ أَنَّهَا فِي تَقْدِير مصدر، لِأَنَّهَا فِي حكم جملَة لاشتمالها على مُسْند ومسند إِلَيْهِ، وَلذَلِك سدت مسد مفعولي: حسب وَعَسَى، فِي قَوْله تَعَالَى { أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة} (الْبَقَرَة: 214، وَآل عمرَان: 142) وَيجوز فِي قَول الْأَخْفَش أَن تكون: أَن، زَائِدَة مَعَ كَونهَا ناصبة كزيادة الْبَاء، وَمن كَونهمَا جارتين، وَمن تَفْسِير ضمير الشَّأْن: بِأَن وصلتها، قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: فَمَا هُوَ إلاَّ أَن سَمِعت أَبَا بكر تَلَاهَا فعقرت حَتَّى مَا تقلبني رجلاي..
     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: لَعَلَّ الظَّاهِر أَن يكون الضَّمِير مُبْهما يفسره مَا بعده، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِن هِيَ إلاَّ حياتنا الدُّنْيَا} (الْأَنْعَام: 29) ..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: هَذَا ضمير لَا يعلم مَا يَعْنِي بِهِ إلاَّ مَا يتلوه من بَيَانه، وَأَصله: أَن لَا حَيَاة إلاَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا، ثمَّ وضع: هِيَ، مَوضِع: الْحَيَاة، لِأَن الْخَبَر يدل عَلَيْهَا ويبينها، وَمِنْه: هِيَ النَّفس تتحمل مَا حملت، وَالرِّوَايَة بتثنية الضَّمِير فِي: عَنْهُمَا، لَا يَسْتَدْعِي إلاَّ هَذَا التَّأْوِيل.
قَوْله: (مَا لم ييبسا) كلمة: مَا، هُنَا مَصْدَرِيَّة زمانية، وَأَصله: مُدَّة دوامها إِلَى زمن اليبس.
بَيَان الْمعَانِي قَوْله: (أَو بِمَكَّة) شكّ من الرواي.
وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: (إنسانين) أَي: بشرين، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْإِنْس الْبشر، الْوَاحِد أنسي وأنسي بِالتَّحْرِيكِ، وَالْجمع: أناسي، وَإِن شِئْت جعلته إنْسَانا، ثمَّ جمعته إناسي، فَتكون الْيَاء عوضا عَن النُّون،.

     وَقَالَ  قوم: أصل الْإِنْسَان: إنسيان، على إفعلان، فحذفت: الْيَاء، اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَة مَا يجْرِي على ألسنتهم، وَإِذا صغروها ردوهَا..
     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا سمي إنْسَانا لِأَنَّهُ عهد إِلَيْهِ فنسي.
وَيُقَال: من الْأنس، خلاف: الوحشة.
وَيُقَال للْمَرْأَة أَيْضا إِنْسَان، وَلَا يُقَال: إنسانة، والعامة تَقوله.
قَوْله: (يعذبان فِي قبورهما) وَقد ورد فِي حَدِيث أبي بكرَة من (تَارِيخ البُخَارِيّ) بِسَنَد جيد: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبرين فَقَالَ: (إنَّهُمَا ليعذبان، وَمَا يعذبان فِي كَبِير، أما أَحدهمَا فيعذب فِي الْبَوْل، وَأما الآخر فيعذب فِي الْغَيْبَة) .
وَفِي حَدِيث ابي هُرَيْرَة من (صَحِيح ابْن حبَان) : (مر، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِقَبْر فَوقف عَلَيْهِ.

     وَقَالَ : ائْتُونِي بجريدتين، فَجعل أحداهما عِنْد رَأسه وَالْأُخْرَى عِنْد رجلَيْهِ..
     وَقَالَ : (لَعَلَّه يُخَفف عَنهُ بعض عَذَاب الْقَبْر) .
وَهُوَ عِنْد أبي مُوسَى بِلَفْظ: (قبرين، رجل لَا يتَطَهَّر من الْبَوْل، وَامْرَأَة تمشي بالنميمة) .
وَعند ابْن أبي شيبَة من حَدِيث يعلى بن شَبابَُة: (مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَبْر يعذب صَاحِبَة فَقَالَ: (إِن هَذَا الْقَبْر يعذب صَاحبه فِي غير كَبِير) ، وَذكره البرقي فِي (تَارِيخه) قَالَ: (قبرين أَحدهمَا يَأْكُل لُحُوم النَّاس ويغتابهم، وَكَانَ هَذَا لَا يَتَّقِي بَوْله) .
وَفِي (تَارِيخ بحشل) من حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر: (دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِطا لأم مُبشر، فَإِذا بقبرين، فَدَعَا بجريدة رطبَة فَشَقهَا ثمَّ وضع وَاحِدَة على أحد القبرين، وَالْأُخْرَى على الآخر، ثمَّ قَالَ: لَا يرفعان عَنْهُمَا حَتَّى يجفا، أما أَحدهمَا فَكَانَ يمشي بالنميمة، وَالْآخر كَانَ لَا يتنزه من الْبَوْل) .
وَفِي حَدِيث أنس: (مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبرين من بني النجار يعذبان فِي النميمة وَالْبَوْل، فَأخذ سعفة رطبَة فَشَقهَا، وَجعل على ذَا نصفا وعَلى ذَا نصفا،.

     وَقَالَ : لَا يزَال يُخَفف عَنْهُمَا الْعَذَاب مَا دامتا رطبتين) .
وَفِي (كتاب ابْن الْجَوْزِيّ) : (مر بِرَجُل يعذب فِي الْغَيْبَة وبآخر يعذب فِي الْبَوْل) .

وَورد فِي عَذَاب الْقَبْر أَحَادِيث كَثِيرَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: مِنْهَا: حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عِنْد الْبَزَّار.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد وَزيد بن ثَابت عِنْد مُسلم.
وَمِنْهَا: حَدِيث شُرَحْبِيل بن حَسَنَة.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عِنْد أبي دَاوُد.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أُمَامَة وَأبي رَافع، ذكرهمَا ابو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي (كتاب التَّرْغِيب والترهيب) .
وَمِنْهَا: حَدِيث مَيْمُونَة، ذكره ابْن مَنْدَه فِي كتاب الطَّهَارَة.
وَمِنْهَا: حَدِيث عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد اللالكائي.

قَوْله: (وَمَا يعذبان فِي كَبِير) أَي: بكبير تَركه عَلَيْهِمَا، إلاَّ أَنه كَبِير من حَيْثُ الْمعْصِيَة.
وَقيل: يحمل كَبِير على أكبر، تَقْدِيره: لَيْسَ هُوَ أكبر الذُّنُوب، إِذْ الْكَبَائِر مُتَفَاوِتَة..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: إِنَّه غير كَبِير عنْدكُمْ لقَوْله تَعَالَى { وتحسبونه هيناً وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم} (النُّور: 15) وَذَلِكَ أَن عدم التَّنَزُّه من الْبَوْل يلْزم مِنْهُ بطلَان الصَّلَاة، وَتركهَا كَبِيرَة.
وَفِي (شرح السّنة) معنى: (مَا يعذبان فِي كَبِير) : أَنَّهُمَا لَا يعذبان فِي أَمر كَانَ يكبر ويشق عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَاز مِنْهُ إِذْ لَا مشقة فِي الاستتار عِنْد الْبَوْل وَترك النميمة وَلم يرد أَنَّهُمَا غير كَبِير فِي أَمر الدّين.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ [/ قع: الذُّنُوب تَنْقَسِم إِلَى مَا يشق تَركه طيبا كالملاذ الْمُحرمَة وَإِلَى مَا بنفرد مِنْهُ طبعا كتارك السمُوم، وَإِلَى مَا لَا يشق تَركه طبعا: كالغيبة وَالْبَوْل.
قَوْله: (لَعَلَّه ايْنَ يُخَفف عَنْهُمَا) أَي: لَعَلَّه يُخَفف ذَلِك من نَاحيَة التَّبَرُّك بأثر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ودعائه بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا، فَكَأَن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل مُدَّة بَقَاء النداوة فيهمَا حدا لما وَقعت لَهُ الْمَسْأَلَة من تَخْفيف الْعَذَاب عَنْهُمَا، وَلَيْسَ ذَلِك من أجل أَن فِي الرطب معنى لَيْسَ فِي الْيَابِس، قَالَه الْخطابِيّ..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء: هُوَ مَحْمُول على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ الشَّفَاعَة لَهما فاجيبت شَفَاعَته بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا إِلَى أَن ييبسا.
وَقيل: يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو لَهما تِلْكَ الْمدَّة، وَقيل: لِكَوْنِهِمَا يسبحان مَا دامتا رطبتين وَلَيْسَ لليابس بتسبيح، قَالُوا: فِي قَوْله تَعَالَى: { وَإِن من شَيْء إلاَّ يسبح بِحَمْدِهِ} (الْإِسْرَاء: 44) مَعْنَاهُ: وَإِن من شَيْء حَيّ، ثمَّ حَيَاة كل شَيْء بِحَسبِهِ، فحياة الْخَشَبَة مَا لم يتبس وحياة الْحجر مَا لم يقطع، وَذهب الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنه على عُمُومه، ثمَّ اخْتلفُوا: هَل يسبح حَقِيقَة أم فِيهِ دلَالَة على الصَّانِع، فَيكون مسبحاً منزهاً بِصُورَة حَاله، وَأهل التَّحْقِيق على أَنه يسبح حَقِيقَة، وَإِذا كَانَ الْعقل لَا يحِيل جعل التَّمْيِيز فِيهَا وَجَاء النَّص بِهِ، وَجب الْمصير إِلَيْهِ.
وَاسْتحبَّ الْعلمَاء قِرَاءَة الْقُرْآن عِنْد الْقَبْر لهَذَا الحَدِيث، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يُرْجَى التَّخْفِيف لتسبيح الجريد، فتلاوة الْقُرْآن أولى.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي كَونهمَا مَا داما رطبين يمنعان الْعَذَاب، بعد دَعْوَى الْعُمُوم فِي تَسْبِيح كل شَيْء؟ قلت: يُمكن أَن يكون معرفَة هَذَا كمعرفة عدد الزَّبَانِيَة فِي أَنه تَعَالَى هُوَ الْمُخْتَص بهَا.
قَوْله: (ثمَّ قَالَ: بلَى) مَعْنَاهُ أَي: أَنه لكبير وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ، من طَرِيق عُبَيْدَة بن حميد عَن مَنْصُور فَقَالَ: وَمَا يعذبان فِي كَبِير، وَإنَّهُ لكبير؛ وَهَذَا من زيادات رِوَايَة مَنْصُور على الْأَعْمَش، وَمُسلم لَمْ يذكر الرواتين،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فان قلت: لفظ: بلَى، مُخْتَصّ بِإِيجَاب النَّفْي، فَمَعْنَاه: بلَى إنَّهُمَا ليعذبان فِي كَبِير، فَمَا وَجه التَّوْفِيق بَينه وَبَين: مَا يعذبان فِي كَبِير؟ قلت: قَالَ ابْن بطال: (وَمَا يعذبان بكبير) يَعْنِي: عنْدكُمْ وَهُوَ كَبِير، يَعْنِي: عِنْد الله تَعَالَى، وَقد ذَكرْنَاهُ..
     وَقَالَ  عبد الْملك الْبونِي فِي معنى قَوْله: (وانه لكبير) ، يحْتَمل أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ظن أَن ذَلِك غير كَبِير، فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ فِي الْحَال بِأَنَّهُ كَبِير، وَفِيه نظر.

بَيَان استنباط الاحكام الاول: فِيهِ أَن عَذَاب الْقَبْر حق يجب الْإِيمَان بِهِ وَالتَّسْلِيم لَهُ، وعَلى ذَلِك أهل السّنة وَالْجَمَاعَة خلافًا للمعتزلة، وَلَكِن ذكر القَاضِي عبد الْجَبَّار رَئِيس الْمُعْتَزلَة فِي كتاب (الطَّبَقَات) تأليفه: إِن قيل مذهبكم أداكم إِلَى إِنْكَار عَذَاب الْقَبْر، وَهَذَا قد أطبقت عَلَيْهِ الْأمة.
قيل: إِن هَذَا الْأَمر إِنَّمَا أنكرهُ أَولا ضرار بن عمر وَلما كَانَ من أَصْحَاب وَاصل ظنُّوا أَن ذَلِك مِمَّا أنكرته الْمُعْتَزلَة، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، بل الْمُعْتَزلَة رجلَانِ: أَحدهمَا: يجوز ذَلِك كَمَا وَردت بِهِ الْأَخْبَار، وَالثَّانِي: يقطع بذلك.
وَأكْثر شُيُوخنَا يقطعون بذلك، وَإِنَّمَا يُنكرُونَ قَول جمَاعَة من الجهلة: إِنَّهُم يُعَذبُونَ وهم موتى، وَدَلِيل الْعقل يمْنَع من ذَلِك، وبنحوه ذكره أَبُو عبيد الله المرزباني فِي كتاب (الطَّبَقَات) تأليفه..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: إِن الملحدة وَمن يذهب مَذْهَب الفلاسفة انكروه أَيْضا، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب لَازم حسب مَا أخبر بِهِ الصَّادِق، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن الله يحيى العَبْد وَيرد الْحَيَاة وَالْعقل، وَهَذَا نطقت بِهِ الْأَخْبَار، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَكَذَلِكَ يكمل الْعقل للصغار ليعلموا مَنْزِلَتهمْ وسعادتهم، وَقد جَاءَ أَن الْقَبْر يَنْضَم عَلَيْهِ كالكبير، وَصَارَ أَبُو الْهُذيْل وَبشر إِلَى أَن من خرج عَن سمة الْإِيمَان فَإِنَّهُ يعذب بَين النفختين، وَإِنَّمَا المساءلة إِنَّمَا تقع فِي تِلْكَ الْأَوْقَات، وَأثبت الْبَلْخِي والجبائي وَابْنه عَذَاب الْقَبْر، وَلَكنهُمْ نفوه عَن الْمُؤمنِينَ وأثبتوه للْكَافِرِينَ والفاسقين..
     وَقَالَ  بَعضهم: عَذَاب الْقَبْر جَائِز، وَإنَّهُ يجْرِي على الْمَوْتَى من غير رد روحهم إِلَى الْجَسَد، وَإِن الْمَيِّت يجوز أَن يتألم ويحس، وَهَذَا مَذْهَب جمَاعَة من الكرامية..
     وَقَالَ  بعض الْمُعْتَزلَة: إِن الله تَعَالَى يعذب الْمَوْتَى فِي قُبُورهم وَيحدث الآلام وهم لَا يَشْعُرُونَ، فَإِذا حشروا وجدوا تل الآلام كَالسَّكْرَانِ والمغشي عَلَيْهِ إِن ضُربوا لم يَجدوا ألماً، فَإِذا عَاد عقلهم إِلَيْهِم وجدوا تِلْكَ الآلام، وَأما بَاقِي الْمُعْتَزلَة مثل ضرار بن عمر وَبشر المريسي وَيحيى بن كَامِل وَغَيرهم فَإِنَّهُم أَنْكَرُوا عَذَاب الْقَبْر أصلا، وَهَذِه الْأَقْوَال كلهَا فَاسِدَة تردها الْأَحَادِيث الثَّابِتَة، وَإِلَى الانكار أَيْضا ذهب الْخَوَارِج وَبَعض المرجئة.
ثمَّ المعذب عِنْد أهل السّنة الْجَسَد بِعَيْنِه أَو بعضه بعد إِعَادَة الرّوح إِلَى جسده أَو إِلَى جزئه، وَخَالف فِي ذَلِك مُحَمَّد بن جرير وَطَائِفَة فَقَالُوا: لَا يشْتَرط إِعَادَة الرّوح، وَهَذَا أَيْضا فَاسد.

الثَّانِي: فِيهِ نَجَاسَة الأبوال مُطلقًا، قليلها وكثيرها، وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْفُقَهَاء، وَسَهل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، وَمُحَمّد بن عَليّ وَالشعْبِيّ، وَصَارَ أَبُو حنيفَة وصاحباه إِلَى الْعَفو عَن قدر الدِّرْهَم الْكَبِير اعْتِبَارا للْمَشَقَّة وَقِيَاسًا على المخرجين..
     وَقَالَ  الثَّوْريّ: كَانُوا يرخصون فِي الْقَلِيل من الْبَوْل، وَرخّص الْكُوفِيُّونَ فِي مثل رُؤُوس الأبر من الْبَوْل، وَفِي الْجَوَاهِر للمالكية: إِن الْبَوْل والعذرة من بني آدم الآكلين الطَّعَام نجسان، وطاهران من كل حَيَوَان مُبَاح الأول، ومكروهان من الْمَكْرُوه أكله.
وَقيل: بل نجسان.
وَعَامة الْفُقَهَاء لم يخففوا فِي شَيْء من الدَّم إلاَّ فِي الْيَسِير من دم الْحيض، وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي مِقْدَار الْيَسِير، فَقيل: قدر الدارهم الْكَبِير.

الثَّالِث: قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ دَلِيل على اسْتِحْبابُُ تِلَاوَة الْكتاب الْعَزِيز على الْقُبُور، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يُرْجَى عَن الْمَيِّت التَّخْفِيف بتسبيح الشّجر، فتلاوة الْقُرْآن الْعَظِيم أعظم رَجَاء وبركة.
قلت: اخْتلف النَّاس فِي هَذَا الْمَسْأَلَة، فَذهب أَبُو حنيفَة وَأحمد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِلَى وُصُول ثَوَاب قِرَاءَة الْقُرْآن إِلَى الْمَيِّت، لما روى أَبُو بكر النجار فِي كتاب (السّنَن) عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من مر بَين الْمَقَابِر فَقَرَأَ: قل هُوَ الله أحد، أحد عشر مرّة، ثمَّ وهب أجرهَا للأموات أعطي من الْأجر بِعَدَد الْأَمْوَات) .
وَفِي (سنَنه) أَيْضا عَن أنس يرفعهُ: (من دخل الْمَقَابِر فَقَرَأَ سُورَة: يس، خفف الله عَنْهُم يَوْمئِذٍ) .
وَعَن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من زار قبر وَالدية.
أَو أَحدهمَا، فَقَرَأَ عِنْده، أَو عِنْدهمَا يس، غفر لَهُ) .
وروى أَبُو حَفْص بن شاهين عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من قَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين رب السَّمَوَات، وَرب الأَرْض رب الْعَالمين، وَله الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم، لله الْحَمد رب السَّمَوَات وَرب الأَرْض رب الْعَالمين، وَله العظمة فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم هُوَ الْملك رب السَّمَوَات وَرب الأَرْض وَرب الْعَالمين، وَله النُّور فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم، مرّة وَاحِدَة، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَل ثَوَابهَا لوالدي لم يبْق لوَالِديهِ حق إلاَّ أَدَّاهُ إِلَيْهِمَا) ..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي وَجَمَاعَة: أَن قِرَاءَة الْقُرْآن لَا تصل إِلَى الْمَيِّت، وَالْأَخْبَار الْمَذْكُورَة حجَّة عَلَيْهِم، وَلَكِن أجمع الْعلمَاء على أَن الدُّعَاء يَنْفَعهُمْ ويصلهم ثَوَابه، لقَوْله تَعَالَى: { وَالَّذين جَاءُوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بالايمان} (الْحَشْر: 59) وَغير ذَلِك من الْآيَات، وبالاحاديث الْمَشْهُورَة مِنْهَا: قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللَّهُمَّ اغْفِر لأهل بَقِيع الْغَرْقَد) ، وَمِنْهَا قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا) ، وَغير ذَلِك.
فان قلت: هَل يبلغ ثَوَاب الصَّوْم أَو الصَّدَقَة أَو الْعتْق؟ قلت: روى أَبُو بكر النجار فِي كتاب (السّنَن) من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: (أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن الْعَاصِ بن وَائِل كَانَ نذر فِي الْجَاهِلِيَّة أَن ينْحَر مائَة بَدَنَة، وَإِن هِشَام بن الْعَاصِ نحر حِصَّته خمسين، أفيجزىء عَنهُ؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَبَاك لَو كَانَ أقرّ بِالتَّوْحِيدِ فَصمت عَنهُ أَو تَصَدَّقت عَنهُ أَو أعتقت عَنهُ بلغه ذَلِك) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ: (قَالَ رجل: يَا رَسُول الله كَيفَ أبر أَبَوي بعد مَوْتهمَا؟ فَقَالَ: إِن من الْبر بعد الْمَوْت أَن تصلي لَهما مَعَ صَلَاتك، وَأَن تَصُوم لَهما مَعَ صيامك، وَأَن تصدق عَنْهُمَا مَعَ صدقتك) .
وَفِي كتاب القَاضِي الإِمَام أبي الْحُسَيْن بن الْفراء، عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِذا نتصدق عَن مَوتَانا ونحج عَنْهُم وندعو لَهُم فَهَل يصل ذَلِك اليهم؟ قَالَ: نعم، ويفرحون بِهِ كَمَا يفرح أحدكُم بالطبق إِذا أهدي إِلَيْهِ) .
وَعَن سعد: (أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله إِن أبي مَاتَ، أفاعتق عَنهُ؟ قَالَ: نعم) .
وَعَن ابي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن: (أَن الْحسن وَالْحُسَيْن، رَضِي الله عَنْهُمَا، كَانَا يعتقان عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) .
وَفِي (الصَّحِيح) (قَالَ رجل: يَا رَسُول الله إِن أُمِّي توفيت، أينفعها أَن أَتصدق عَنْهَا؟ قَالَ: نعم) .

فان قلت: قَالَ الله تَعَالَى { وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إلاَّ مَا سعى} (النَّجْم: 39) وَهُوَ يدل على عدم وُصُول ثَوَاب الْقُرْآن للْمَيت؟ قلت: اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذِه الْآيَة على ثَمَانِيَة أَقْوَال: أَحدهمَا: إِنَّهَا مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: { وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ} (الطّور: 21) أَدخل الْآبَاء الْجنَّة بصلاح الأبناي، قَالَه ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
الثَّانِي: إِنَّهَا خَاصَّة بِقوم إِبْرَاهِيم ومُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَأما هَذِه الْأمة فَلهم مَا سعوا، وَمَا سعى لَهُم غَيرهم، قَالَه عِكْرِمَة.
الثَّالِث: المُرَاد بالإنسان هَهُنَا الْكَافِر، قَالَه الرّبيع بن أنس.
الرَّابِع: لَيْسَ للْإنْسَان إلاَّ مَا سعى من طَرِيق الْعدْل، فَأَما من بابُُ الْفضل فَجَائِز أَن يزِيد الله تَعَالَى مَا شَاءَ، قَالَه الْحُسَيْن بن فضل.
الْخَامِس: إِن معنى: مَا سعى: مَا نوى، قَالَه أَبُو بكر الْوراق.
السَّادِس: لَيْسَ للْكَافِرِ من الْخَيْر إِلَّا مَا عمله فِي الدُّنْيَا فيثاب عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَا يبْقى لَهُ فِي الْآخِرَة شَيْء، ذكره الثَّعْلَبِيّ.
السَّابِع إِن: اللَّام، فِي: الْإِنْسَان، بِمَعْنى: على، تَقْدِيره: لَيْسَ على الْإِنْسَان إلاَّ مَا سعى.
الثَّامِن: إِنَّه لَيْسَ لَهُ إلاَّ سَعْيه، غير أَن الْأَسْبابُُ مُخْتَلفَة فَتَارَة يكون سَعْيه فِي تَحْصِيل الشَّيْء بِنَفسِهِ، وَتارَة يكون سَعْيه فِي تَحْصِيل سَببه، مثل سَعْيه فِي تَحْصِيل قِرَاءَة ولد يترحم عَلَيْهِ، وصديق يسْتَغْفر لَهُ، وَتارَة يسْعَى فِي خدمَة الدّين وَالْعِبَادَة فيكتسب محبَّة أهل الدّين، فَيكون ذَلِك سَببا حصل بسعيه، حَكَاهُ أَبُو الْفرج عَن شَيْخه ابْن الزغواني.

الرَّابِع: فِيهِ وجوب الِاسْتِنْجَاء إِذْ هُوَ المُرَاد بِعَدَمِ الاستتار من الْبَوْل، فَلَا يَجْعَل بَينه وَبَينه حِجَابا من مَاء أَو حجر، وَيبعد أَن يكون المُرَاد: الاستتار عَن الْأَعْين..
     وَقَالَ  ابْن بطال مَعْنَاهُ: وَلَا يسْتَتر جسده وَلَا ثَوْبه من مماسة الْبَوْل، وَلما عذب على استخفافه بِغسْلِهِ، وبالتحرز عَنهُ دلّ على أَن من ترك الْبَوْل فِي مخرجه وَلم يغسلهُ أَنه حقيق بِالْعَذَابِ..
     وَقَالَ  الْبَغَوِيّ: فِيهِ وجوب الاستتار عِنْد قَضَاء الْحَاجة عَن أعين النَّاس عِنْد الْقَضَاء.
قلت: هَذَا رد على من قَالَ: وَيبعد أَن يكون المُرَاد الاستتار عَن الْأَعْين، وَلَكِن كِلَاهُمَا وَاجِب على مَا لَا يخفى، وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْكَلَام أَن معنى رِوَايَة الاستتار إِذا حمل على حَقِيقَته يلْزم مِنْهُ أَن يكون سَبَب الْعَذَاب مُجَرّد كشف الْعَوْرَة، وَفِي الحَدِيث مَا يدل على أَن للبول خُصُوصِيَّة فِي عَذَاب الْقَبْر يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَرْفُوعا: (أَكثر عَذَاب الْقَبْر من الْبَوْل) ، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تعين أَن يكون معنى الاستتار على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ، لتتفق أَلْفَاظ الحَدِيث على معنى وَاحِد وَلَا تخْتَلف، وَيُؤَيّد ذَلِك رِوَايَة ابي بكرَة عِنْد أَحْمد، وَابْن مَاجَه: (أما أَحدهمَا فيعذب فِي الْبَوْل) .
وَمثله عِنْد الطَّبَرَانِيّ عَن أنس، وَكلمَة: فِي، للتَّعْلِيل أَي: يعذب أَحدهمَا بِسَبَب الْبَوْل.

الْخَامِس: فِيهِ حُرْمَة النميمة، وَهَذَا بِالْإِجْمَاع، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
الأسئلة والأجوبة مِنْهَا: أَن هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن عَبَّاس، فعلى تَقْدِير كَون هَذَا فِي مَكَّة على مَا دلّ عَلَيْهَا السَّنَد، كَيفَ يتَصَوَّر هَذَا، وَكَانَ ابْن عَبَّاس عِنْد هِجْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من مَكَّة ابْن ثَلَاث سِنِين؟ فَكيف ضبط مَا وَقع بِمَكَّة؟ الْجَواب: من ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَنه يحْتَمل وُقُوع هَذِه الْقَضِيَّة بعد مُرَاجعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة سنة الْفَتْح، أَو سنة الْحَج.
الثَّانِي: أَنه يحْتَمل أَنه سمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك.
الثَّالِث: أَنه يكون مَا رَوَاهُ من مَرَاسِيل الصَّحَابَة، كَذَا قيل.
قلت: لَهُ وَجه رَابِع: وَهُوَ أَن يكون ابْن عَبَّاس سمع ذَلِك من صَحَابِيّ، فاسقط ذكره من بَينه وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونظائره كَثِيرَة.
وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة دَاخل فِي الْوَجْه الثَّالِث.

وَمِنْهَا: أَن فِي متن هَذَا الحَدِيث: (ثمَّ دَعَا بجريدة فَكَسرهَا كسرتين) يَعْنِي: أُتِي بهَا فَكَسرهَا، وَفِي حَدِيث جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ مُسلم

أَنه الَّذِي قطع الغصنين، فَهَل هَذِه قَضِيَّة وَاحِدَة ام قضيتان؟ الْجَواب: أَنَّهُمَا قضيتان، والمغايرة بَينهمَا من أوجه.
الأول: أَن هَذِه كَانَت فِي الْمَدِينَة، وَكَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة، وَقَضِيَّة جَابر كَانَت فِي السّفر وَكَانَ خرج لِحَاجَتِهِ فَتَبِعَهُ جَابر وَحده.
الثَّانِي: أَن فِي هَذِه الْقَضِيَّة أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، غرس الجريدة بعد أَن شقها نِصْفَيْنِ، كَمَا فِي رِوَايَة الْأَعْمَش الْآتِيَة فِي الْبابُُ الَّذِي بعده، وَفِي حَدِيث جَابر: أَمر، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جَابِرا، فَقطع غُصْنَيْنِ من شجرتين كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استتر بهما عِنْد قَضَاء حَاجته، ثمَّ أَمر جَابِرا فَألْقى غُصْنَيْنِ عَن يَمِينه وَعَن يسَاره، حَيْثُ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا، وَأَن جَابِرا سَأَلَهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: إِنِّي مَرَرْت بقبرين يعذبان، فَأَحْبَبْت بشفاعتي أَن يرفع عَنْهُمَا مَا دَامَ الغصنان رطبين.
الثَّالِث: لم يذكر فِي قصَّة جَابر مَا كَانَ السَّبَب فِي عذابهما.
الرَّابِع: لم يذكر فِيهِ كلمة: الترحبي، فَدلَّ ذَلِك كُله على أَنَّهُمَا قضيتان مُخْتَلِفَتَانِ، بل روى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) عَن أبي هُرَيْرَة: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِقَبْر فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ: ائْتُونِي بجريدتين فَجعل إِحْدَاهمَا عِنْد رَأسه، وَالْأُخْرَى عِنْد رجلَيْهِ) فَهَذَا بِظَاهِرِهِ يدل على أَن هَذِه قَضِيَّة ثَالِثَة، فَسقط بِهَذَا كَلَام من ادّعى أَن الْقَضِيَّة وَاحِدَة، كَمَا مَال إِلَيْهِ النَّوَوِيّ والقرطبي.

وَمِنْهَا: أَن مَا كَانَت الْحِكْمَة فِي عدم بَيَان إسمي المقبورين وَلَا أَحدهمَا؟ الْجَواب: أَنه يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبين ذَلِك قصدا للستر عَلَيْهِمَا، خوفًا من الافتضاح، وَهُوَ عمل مستحسن، وَلَا سِيمَا من حَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي شَأْنه الرَّحْمَة والرأفة على عباد الله تَعَالَى، وَيحْتَمل أَن يكون قد بَينه ليحترز غَيره من مُبَاشرَة مَا بَاشر صَاحب القبرين، وَلَكِن الرَّاوِي أبهمه عمدا لما ذكرنَا.
فان قلت: قد ذكر الْقُرْطُبِيّ عَن بَعضهم أَن أَحدهمَا كَانَ سعد بن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: هَذَا قَول فَاسد لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَمِمَّا يدل على فَسَاده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حضر جنَازَته كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح، وَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيداً حَيْثُ قَالَ لأَصْحَابه: (قومُوا إِلَى سيدكم) ..
     وَقَالَ : إِن حكمه وَافق حكم الله تَعَالَى،.

     وَقَالَ : إِن عرش الرَّحْمَن اهتز لمَوْته، وَغير ذَلِك من مناقبه الْعَظِيمَة، رَضِي الله عَنهُ، وَقد حضر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دفن المقبورين، دلّ عَلَيْهِ حَدِيث أبي أُمَامَة، رَضِي الله عَنهُ، رَوَاهُ أَحْمد، وَلَفظه: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم: من دفنتم الْيَوْم هَهُنَا) ؟ وَلم ينْقل عَنهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَا ذكره الْقُرْطُبِيّ عَن الْبَعْض، فَدلَّ ذَلِك على بُطْلَانه فِي هَذِه الْقَضِيَّة.

وَمِنْهَا: أَن هذَيْن المقبورين هَل كَانَا مُسلمين أَو كَافِرين؟ الْجَواب: أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: كَانَا كَافِرين، وَبِه جزم أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كِتَابه (التَّرْغِيب والترهيب) وَاحْتج فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن أُسَامَة بن زيد عَن أبي الزبير عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (مر نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قبرين من بني النجار هلكا فِي الجاهيلة، فسمعهما يعذبان فِي الْبَوْل والنميمة) ، قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن، وَإِن كَانَ إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ لِأَنَّهُمَا لَو كَانَا مُسلمين لما كَانَ لشفاعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهما إِلَى أَن ييبسا معنى، وَلكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز من عطفه ولطفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرمانهما من ذَلِك، فشفع لَهما إِلَى الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَلما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) : (مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قُبُور نسَاء من بني النجار هلكن فِي الْجَاهِلِيَّة فسمعهن يعذبن فِي النميمة) .
قَالَ: لم يروه عَن أُسَامَة إلاَّ ابْن لَهِيعَة، وَقيل: كَانَا مُسلمين وَجزم بِهِ بَعضهم، لِأَنَّهُمَا لَو كَانَا كَافِرين لم يدع، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَهما بتَخْفِيف الْعَذَاب وَلَا ترجاه لَهما، وَيُقَوِّي هَذَا مَا فِي بعض طرق حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: (مر بقبرين من قُبُور الْأَنْصَار جديدين) .
فَإِن تعدّدت الطّرق، وَهُوَ الْأَقْرَب لاخْتِلَاف الْأَلْفَاظ، فَلَا بَأْس.
وَإِن لم تَتَعَدَّد فَهُوَ بِالْمَعْنَى إِذْ بَنو النجار من الْأَنْصَار، وَهُوَ لقب إسلامي لقبوا بِهِ لنصرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يعرف بهَا مُسَمّى فِي الْجَاهِلِيَّة، ويقويه أَيْضا مَا فِي رِوَايَة مُسلم: (فاجبت بشفاعتي) ، والشفاعة لَا تكون إلاَّ لمُؤْمِن، وَمَا فِي رِوَايَة أَحْمد الْمَذْكُورَة: (فَقَالَ من دفنتم الْيَوْم هَهُنَا) ؟ فَهَذَا أَيْضا يدل على أَنَّهُمَا كَانَا مُسلمين، لِأَن البقيع مَقْبرَة الْمُسلمين، وَالْخطاب لَهُم.
فَإِن قلت: لِمَ لَا يجوز أَن يَكُونَا كَافِرين، كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى، وَكَانَ دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهما من خَصَائِصه كَمَا فِي قصَّة أبي طَالب؟ قلت: لَو كَانَ ذَلِك من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبينه، على أَنا نقُول: إِن هَذِه الْقَضِيَّة مُتعَدِّدَة كَمَا ذكرنَا، فَيجوز تعدد حَال المقبورين.
فَإِن قلت: ذكر الْبَوْل والنميمة يُنَافِي ذَلِك، لِأَن الْكَافِر، وَإِن عذب على أَحْكَام الاسلام، فَإِنَّهُ يعذب مَعَ ذَلِك على الْكفْر بِلَا خلاف.
قلت: لم يبين فِي حَدِيث جَابر الْمَذْكُور سَبَب الْعَذَاب مَا هُوَ، وَلَا ذكر فِيهِ الترجي لرفع الْعَذَاب، كَمَا فِي حَدِيث غَيره، وَظهر من ذَلِك صِحَة مَا ذكرنَا من تعدد الْحَال، ورد بَعضهم احتجاج ابي مُوسَى بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور: بِأَنَّهُ ضَعِيف، كَمَا اعْترف بِهِ.
وَقد رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح على شَرط مُسلم، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر سَبَب التعذيب، فَهُوَ من تَخْلِيط ابْن لَهِيعَة.
قلت: هَذَا من تَخْلِيط هَذَا الْقَائِل لِأَن أَبَا مُوسَى لم يُصَرح بِأَنَّهُ ضَعِيف، بل قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن وَإِن كَانَ إِسْنَاده لَيْسَ بِقَوي، وَلم يعلم هَذَا الْقَائِل الْفرق بَين الْحسن والضعيف، لِأَن بَعضهم عد الْحسن من الصَّحِيح لَا قسيمه، وَلذَلِك يُقَال للْحَدِيث الْوَاحِد: إِنَّه حسن صَحِيح..
     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: الْحسن مَا لَيْسَ فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ، وَعبد الله بن لَهِيعَة الْمصْرِيّ لَا يتهم بِالْكَذِبِ، على أَن طَائِفَة مِنْهُم قد صححوا حَدِيثه ووثقوه، مِنْهُم: أَحْمد، رَضِي الله عَنهُ.

وَمِنْهَا: أَنه قيل: هَل للجريد معنى يَخُصُّهُ فِي الغرز على الْقَبْر لتخفيف الْعَذَاب؟ الْجَواب: أَنه لَا لِمَعْنى يَخُصُّهُ، بل الْمَقْصُود أَن يكون مَا فِيهِ رُطُوبَة من أَي شجر كَانَ، وَلِهَذَا أنكر الْخطابِيّ وَمن تبعه وضع الجريد الْيَابِس، وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَله أَكثر النَّاس من وضع مَا فِيهِ رُطُوبَة من الرياحين والبقول وَنَحْوهمَا على الْقُبُور لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا السّنة الغرز

.
فَإِن قلت: فِي الحَدِيث الْمَذْكُور: فَوضع على كل قبر مِنْهُمَا كسرة.
قلت: فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: (فغرز) ، فَيَنْبَغِي أَن يغرز، لِأَن الْوَضع يُوجد فِي الغرز بِخِلَاف الْوَضع فَافْهَم.

وَمِنْهَا أَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علل غرزهما على الْقَبْر بِأَمْر معِين من الْعَذَاب، وَنحن لَا نعلم ذَلِك مُطلقًا؟ الْجَواب: أَنه لَا يلْزم من كوننا لَا نعلم أيعذب ام لَا؟ أَن نَتْرُك ذَلِك.
أَلاَ ترى أَنا نَدْعُو للْمَيت بِالرَّحْمَةِ، وَلَا نعلم أَنه يرحم أم لَا؟ .

وَمِنْهَا: أَنه هَل لأحد أَن يَأْمر بذلك لأحد أم الشَّرْط أَن يباشره بِيَدِهِ؟ الْجَواب: أَنه لَا يلْزم ذَلِك، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن بُرَيْدَة بن الْحصيب، رَضِي الله عَنهُ، أوصى أَن يوضع على قَبره جريدتان، كَمَا يَأْتِي فِي هَذَا الْكتاب..
     وَقَالَ  بَعضهم: لَيْسَ فِي السِّيَاق مَا يقطع على أَنه بَاشر الْوَضع بِيَدِهِ الْكَرِيمَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل يحْتَمل أَن يكون أَمر بِهِ.
قلت: هَذَا كَلَام واهٍ جدا، وَكَيف يَقُول ذَلِك وَقد صرح فِي الحَدِيث: (ثمَّ دَعَا بجريدتين فكسرهما فَوضع على كل قبر مِنْهُمَا كسرة) ؟ .
وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَضعه بيدَيْهِ الْكَرِيمَة، وَدَعوى احْتِمَال الْأَمر لغيره بِهِ بعيدَة، وَهَذِه كدعوى احْتِمَال مَجِيء غُلَام زيد فِي قَوْلك: جَاءَ زيد، وَمثل هَذَا الِاحْتِمَال لَا يعْتد بِهِ.