هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2077 وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ جَبَلَةَ ، وَمُحَارِبٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَحَيَّنُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَوْ قَالَ فِي التِّسْعِ الْأَوَاخِرِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2077 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن مسهر ، عن الشيباني ، عن جبلة ، ومحارب ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر أو قال في التسع الأواخر
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر أو قال في التسع الأواخر.

المعنى العام

من فضل الله على عباده ، ومن إكرامه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن ضاعف ثواب طاعتهم أضعافاً مضاعفة، تارة بوقوعها في المكان المفضل، كالمسجد الحرام، حيث جعل الصلاة فيه بمائة ألف صلاة تقع في غيره من المساجد، خلا مسجد المدينة والمسجد الأقصى، وتارة بوقوعها في الزمان المفضل، كشهر رمضان، فمن تطوع بخصلة فيه كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وتارة بهيئة العبادة، فصلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة.

فيا سعادة من اغتنم مواسم الفضل فأحسن الطاعة، وأكثر من العبادة، ويا تعاسة من ضيع الفرص، وتكاسل عن ربح التجارة.

وخير الفرص وأعلاها ليلة القدر { { وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر } } [القدر: 2، 5].

من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه قيام ليلة واحدة يعدل قيام ألف شهر.
وطاعة وذكر ودعاء وقراءة وصلاة في ليلة واحدة يعدل بل يزيد على طاعة وذكر ودعاء وقراءة ثلاث وثمانين سنة، فأين هي هذه الليلة؟.

إن الله تعالى يقول: { { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } } [البقرة: 185] ويقول: { { إنا أنزلناه في ليلة القدر } } فكأن المفهوم من الآيتين أن ليلة القدر في رمضان، وهكذا فهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفهم صحابته رضوان الله عليهم أجمعين، فاعتكف في خيمة صغيرة بمسجده بالمدينة عشر ليال من رمضان، هي العشر الأولى.
واعتكف معه كثير من صحابته، كل في معتكف صغير يضع فيه متاعه وزاده، ولا يخرج من المسجد إلا لضرورة، وكل وقتهم في ليلهم ونهارهم ذكر وقراءة وصلاة ودعاء، يلتمسون ليلة القدر، ثم بدا له صلى الله عليه وسلم في العام الآخر أن يعتكف العشر الأوسط، يلتمس ليلة القدر، ويقصد بذلك استيعاب الشهر تدريجياً، ليقع له ولهم ليلة القدر التي لا تخرج عن ليالي الشهر، واعتكف معه أصحابه العشر الوسطى، حتى إذا كان صبيحة الليلة المتممة للعشرين خرج من معتكفه، وأمر بخيمته أن تزال، فطويت، وطوى الصحابة معتكفهم.

واستعد الجميع لمغادرة المسجد إلى ديارهم، وما كانوا ليخرجوا إلا إذا خرج رسولهم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرج، بل أمر بإعادة بناء خيمته ثانية.
ثم دخلها وعلى بابها يتدلى حصير، ماذا حدث؟ بعد لحظات نحى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصير، وفتح الباب، ونادى أصحابه، فاجتمعوا إليه.
واقتربوا منه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال لهم: اعتكفت العشر الأول ألتمس ليلة القدر، ثم اعتكفت العشر التي في وسط الشهر، ألتمس ليلة القدر، وقد أريتها في منامي بالأمس، وحددت لي ليلتها، وأيقظني بعض أهلي.

[وكانت بيوت أزواجه تفتح في المسجد، وكانت خيمته بجوار أحد أبوابها، لدرجة أنه كان يخرج رأسه من الخيمة، فتصبح في البيت، فتغسلها زوجه] وخرجت لأخبركم بعين ليلتها، فوجدت فلاناً وفلاناً يتخاصمان، فشغلت بالإصلاح بينهما، فنسيتها، لكني رأيتني ليلتها أسجد في ماء وطين، فهذه علامتها، وجاء بعض أصحابه، فقال أحدهم: لقد رأيت أنها ليلة إحدى وعشرين، وقال آخر: لقد رأيت أنها ليلة ثلاث وعشرين، وقال ثالث: لقد رأيت أنها ليلة خمس وعشرين، وقال رابع: لقد رأيت أنها ليلة سبع وعشرين، فقال صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد اتفقت على أنها في العشر الأواخر، فالتمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز عن قيام العشر فليحرص على قيام السبع الأواخر، فإن عجز عن قيام السبع الأواخر فليحرص على قيام الوتر من العشر أو من السبع الأواخر.
وعاد الصحابة إلى معتكفهم، وقاموا يتعبدون ليلة إحدى وعشرين، وكانت سماؤها صافية، لكن سحابة جاءت فأمطرت عند الفجر، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر بأصحابه، فكانت أرض المسجد ماء وطيناً من سقوط المطر من سقف المسجد، ولم يكن به فراش، فسجد صلى الله عليه وسلم وسجد أصحابه على الطين، ورأوا بعد الصلاة أثر الطين في وجهه صلى الله عليه وسلم، في جبهته ورأس أنفه، فعلموا أن ليلتهم الماضية كانت ليلة القدر، أو هكذا ظنوا، كما توقعوا أن تمطر السماء ثانية في بقية العشر، فتكون الليلة مازالت أمامهم، فأكملوا اعتكاف العشر، وصارت الوصية بعد ذلك: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، فاللهم وفقنا لها وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

المباحث العربية

( أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسمية أحد من هؤلاء.

( أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر) وأروا بضم الهمزة فعل ماض مبني للمجهول، أي أراهم الله في منامهم ليلة القدر بعلاماتها الآتية في فقه الحديث، وأوقع في نفوسهم أنها في السبع الأواخر من رمضان أو أعلمهم الله من غير رؤية، أو قال لهم قائل: إنها في السبع الأواخر، من رمضان، فـال في السبع الأواخر للعهد، وقوله: في السبع الأواخر متعلق بمحذوف حال من ليلة القدر أي أروا ليلة القدر كائنة وواقعة في السبع الأواخر، ويؤيد هذا الاحتمال روايتنا الثالثة، وفيها رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين والرابعة، وفيها وأرى ناس منكم أنها في السبع الغوابر وقيل: إن الجار والمجرور في السبع الأواخر متعلق بـأروا أي أراهم الله في السبع الأواخر ليلة القدر، فرجل رآها ليلة الثالث والعشرين، وآخر رآها ليلة الخامس والعشرين، وآخر رآها ليلة السابع والعشرين، وليس بذلك، لأنه لا يستلزم أن يتكرر وقوعها في عام واحد، أو أن يروها في عدة أعوام بهذا العدد، وهو بعيد، وقيل: متعلق بمحذوف حال من المنام أي في المنام واقعاً وكائناً في السبع الأواخر، وهو بعيد كسابقه، حتى لو فسر بوقوع رؤياهم لها في ليلة واحدة من السبع الأواخر، حيث لا داعي لإبهام ليلة الرؤيا في سبع.

قال الحافظ ابن حجر: واختلف في المراد بالقدر الذي أضيفت إليه الليلة، فقيل: المراد به التعظيم.
كقوله { { وما قدروا الله حق قدره } } [الأنعام: 91] قال الزهري: ليلة العظمة والشرف، والمعنى أنها ذات قدر، لنزول القرآن فيها، وهو كتاب ذو قدر، نزل بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، لأمة ذات قدر، أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر، أو لأن الطاعات في هذه الليلة ذات عظمة وأجر وقيل: القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء، والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة.

لقوله تعالى: { { فيها يفرق كل أمر حكيم } } [الدخان: 4] وبه صدر النووي كلامه فقال: قال العلماء: سميت ليلة القدر لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به، وتقديره له.

( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر) أرى بفتح الهمزة والراء، أي أعلم، والمراد من رؤياكم مرائيكم، لأنها لم تكن رؤيا واحدة، وكان الأصل رؤاكم جمع رؤيا، ليكون جمعاً في مقابلة جمع فيقتضي القسمة آحاداً، ليصير المعنى رؤيا كل منكم، وهذا الإفراد جائز لكن الجمع أكثر وأشهر.
ومعنى تواطأت توافقت، قال النووي: هو في جميع النسخ بطاء ثم تاء تواطت وكان ينبغي أن يكتب بألف بين الطاء والتاء، صورة للهمزة، ولا بد من قراءته مهموزاًً، قال الله تعالى: { { ليواطئوا عدة ما حرم الله } } [التوبة: 37] وفي الرواية الثالثة أرى رؤياكم في العشر الأواخر.

( فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) أي فمن كان طالبها وقاصدها فليطلبها في السبع الأواخر، والتحري القصد والاجتهاد في الطلب، وفي الرواية الثانية تحروا بفعل الأمر من غير تعليق، وفي الثالثة فاطلبوها وفي الرابعة والخامسة التمسوها وفي السادسة من كان ملتمسها فليلتمسها وكل من التحري والالتماس طلب وقصد، ولكن التحري طلب بجد واجتهاد، وفي الرواية السابعة، تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر أي اطلبوا حينها، وهو زمانها.

وفي الرواية الرابعة فالتمسوها في العشر الغوابر يعني البواقي، وهي الأواخر، وفي الخامسة من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر وفي السابعة تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر أو قال في التسع الأواخر وفي البخاري في التعبير عن سالم عن أبيه قال: إن ناساً أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وإن ناساً أروا أنها في العشر الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: التمسوها في السبع الأواخر قال الحافظ ابن حجر: وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين [وهي السبع] فأمر به.
اهـ

والتحقيق أنه أمر بالأمرين لكنه أكد أحدهما أكثر من الآخر كما تدل على ذلك روايتنا الخامسة، إذ فيها التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي وفي بعض النسخ عن السبع بلفظ عن بدل على قال النووي: وكلاهما صحيح.

وفي المراد من السبع الأواخر قال الحافظ ابن حجر: الظاهر أن المراد بها أواخر الشهر [أي ابتداء من ليلة الرابع والعشرين إن كان الشهر ثلاثين، ومن ليلة الثالث والعشرين إن كان الشهر ثلاثين، والاحتياط بدء الالتماس على هذا من ليلة الثالث والعشرين وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين، ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين.

وفي الرواية الثالثة في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها وفي الرواية التاسعة فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر وفي الرواية الثالثة عشرة فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة وفسرها أبو سعيد الخدري على أن الشهر ثلاثون، فإذا مضت واحدة وعشرون ليلة كان الباقي منه تسعاً، وليلة ثنتين وعشرين التاسعة، وإذا مضى ثلاث وعشرون ليلة كان الباقي من الشهر سبعاً، وليلة أربع وعشرين السابعة، وإذا مضى خمس وعشرين ليلة كان الباقي خمس ليال وكانت ليلة ست وعشرين هي الخامسة، فكأن المأمور به التماسها في الليلة الثانية والعشرين والرابعة والعشرين والسادسة والعشرين، فتكون في الشفع لا في الوتر.

وفي البخاري التمسوها في العشر الأواخر....في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى.
وظاهرها يتفق مع تفسير أبي سعيد، فيتعارض مع أحاديث طلبها في الوتر.

وقد جمع بعض المحققين بين الأحاديث على خلاف تفسير أبي سعيد، فقال: إن المطلوب التماسها ليلة واحدة وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين أعني الوتر، فإذا كان الشهر تسعاً وعشرين فواضح، إذ ليلة واحد وعشرين هي التاسعة مما يبقى، وليلة ثلاث وعشرين هي السابعة مما يبقى.
وهكذا، وإن كان الشهر ثلاثين فالمراد من تاسعة تبقى أي تبقى خارجاً عن الليلة المطلوبة التي هي ليلة واحد وعشرين.
ذكره الحافظ ابن حجر، وهو جمع حسن، يرفع الإشكال عن الروايات الصحيحة التي ظاهرها الشفع.

( أريت ليلة القدر) أي أريت مناماً تحديد وقتها، بأن قيل لي مثلاً: هي ليلة كذا، وليس معناه أنه رأى علامتها، أو رأى الأنوار، أو الملائكة، ثم أنسي، لأن مثل ذلك قلما ينسى.

( ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها) سبب نسيانها انشغاله صلى الله عليه وسلم بالمتخاصمين -كما سيأتي في الرواية الثالثة عشرة، ففي هذه الرواية طي وحذف، والأصل: ثم أيقظني بعض أهلي، فخرجت لأخبركم بها، فجاء رجلان يحتقان، معهما الشيطان، فنسيتها، وقد روي لفظ فنسيتها بفتح النون وكسر السين مخففه، والمقصود الإخبار بنسيانه من غير إشارة إلى سبب النسيان، وبضم النون وتشديد السين المكسورة.
وبلفظ أنسيتها بضم الهمزة، أي نساني أو أنساني حادث.
والمراد نسيان علم تعيينها في تلك السنة.

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر التي في وسط الشهر) أي يعتكف في المسجد، وفي الرواية الحادية عشرة، اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول في عام، ثم اعتكف الأوسط فقط بعض الأعوام، ثم اعتكف العشر الأوسط والعشر الأواخر، كما توضح الرواية الثالثة عشرة، ثم اقتصر بعد ذلك على العشر الأواخر، حتى آخر أعوامه صلى الله عليه وسلم فاعتكف عشرين يوماً، ففي البخاري كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً وسيأتي الكلام عن ذلك في كتاب الاعتكاف

( ثم إنه أقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس) أي إنه أقام في شهر من أشهر رمضان معتكفاً ليلة واحدة وعشرين، وتوضيح ذلك في الرواية الحادية عشرة اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية وهي قبة صغيرة من لبود، أي صوف ملبد، وكان يعتكف دائماً في خباء كالخيمة الصغيرة تضرب له في المسجد على سدتها حصير أي بابها من حصير والسدة الباب فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة أي فتح باب القبة بإزاحة الحصير في ناحية ثم أطلع رأسه من القبة فكلم الناس أي ناداهم: أيها الناس فدنوا منه، فقال: إلخ.
وتكملة الصورة في الرواية الثالثة عشرة أنه صلى الله عليه وسلم لما أصبح بعد الليلة المتممة للعشرين أمر -كعادته- بالبناء فقوض، أي هدم وأزيل، أي طويت القبة، ليعود إلى بيوت أزواجه، وجاءه جبريل، فقال له: إن ما تطلبه أمامك.
فأمر بالقبة فضربت ثانية، فكشف بابها، وأخرج رأسه منها وكلم الناس، وذلك في صبيحة الليلة المتممة للعشرين، أي في صبح اليوم العشرين.

( ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر) أي بناء على إشارة جبريل وقوله له: إن ما تطلبه أمامك، وفي الرواية الحادية عشرة ثم أتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر.

( فمن اعتكف معي فليبت في معتكفه) قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ فليبت من المبيت، وفي بعضها فليثبت، من الثبوت، وفي بعضها فليلبث من اللبث، وكلها صحيح.
والمعتكف بفتح الكاف هو موضع الاعتكاف.
اهـ

وفي الرواية الحادية عشرة فمن أحب منكم أن يعكتف فليعتكف وفي الثانية عشرة فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع.

( وقد رأيت هذه الليلة) أي أبصرتها، أي أبصرت علامتها، وهي السجود في الماء والطين، كما هو في الرواية التاسعة، وقد أعلم بوقتها في تلك السنة، فنسيه.

( وقد رأيتني أسجد في ماء وطين) وفي الرواية الحادية عشرة وإني أريتها ليلة وتر، وأني أسجد صبيحتها -أي في صلاة فجرها- في طين وماء وفي الرابعة عشرة وأراني صبحها أسجد في ماء وطين.

( مطرنا ليلة إحدى وعشرين، فوكف المسجد) أي قطر الماء من سقفه، وفي الرواية الحادية عشرة فمطرت السماء، فوكف المسجد وفي الرواية الثانية عشرة فرجعنا -أي إلى معتكفنا- وما نرى في السماء قزعة -بفتح القاف والزاي وهي القطعة من السحاب -وجاءت سحابة فمطرنا، حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل أي كان المسجد مظللاً بالجريد والخوص، ولم يكن محكم البناء بحيث يمنع من المطر الكثير.

( فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء) وفي الرواية التاسعة فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مبتل طيناً وماء وفي الثانية عشرة وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين.
قال: حتى رأيت أثر الطين في جبهته وفي الرابعة عشرة فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه والحاصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤي وهو يسجد في طين وماء، ورؤي بعد الانصراف من الصلاة وعلى وجهه، وعلى جبينه وعلى جبهته وأنفه أثر الطين والماء، وروثة الأنف بالتاء هي طرفه، ويقال لها أيضاً: أرنبة الأنف، وقد جاء في ملحق الرواية الثانية عشرة وعلى جبهته وأرنبته -أي أرنبة أنفه- أثر الطين والجبين غير الجبهة، فالجبين في جانب الجبهة، وللإنسان جبينان، يكتنفان الجبهة، ولا يلزم من امتلاء الجبين امتلاء الجبهة، قاله النووي.

وقال: قوله وجبينه ممتلئاً [في روايتنا العاشرة] كذا هو في معظم النسخ ممتلئاً بالنصب، وفي بعضها ممتلئ ويقدر للمنصوب فعل محذوف، أي وجبينه رأيته ممتلئاً.
اهـ والأولى اعتبارها خطأ من الناسخ، والله أعلم.
والمراد من أثر الطين والماء بقيته، وليس المراد محض الأثر، وهو ما يبقى بعد زوال العين.

( العشر الوسطى من رمضان) كذا في الرواية الثانية عشرة، والمراد بالعشر الليالي، وهي مؤنثة فوصفت بالمؤنث الوسطى ولا إشكال فيها، ولكن الإشكال في الرواية الحادية عشرة، والثالثة عشرة العشر الأوسط إذ وصفت بالمذكر.
قال الحافظ: على إرادة الوقت أو الزمان، أو التقدير الثلث، كأنه قال: الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر، قال: ووقع في الموطأ العشر الوسط بضم الواو والسين، جمع وسطى.

( فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فخرجنا من معتكفنا، وفي الكلام حذف، تقديره: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من معتكفه، وأزيلت قبته، ثم أعادها، فخطبنا...
إلخ.

( يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له...
ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر، فقال: إنها كانت أبينت لي ليلة القدر...
فنسيتها)
المعنى قبل أن تبان له أنها في العشر الأواخر، ثم أبينت له أنها في يوم كذا من العشر الأواخر، فنسيها.
أي نسي اليوم المحدد، وظل ذكر أنها في العشر الأواخر.

( فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان، فنسيتها) يحتقان أي يطلب كل واحد منهما حقه، ويدعي أنه المحق، وفي ملحق الرواية نفسها يختصمان وفي رواية البخاري فتلاحى فلان وفلان أي وقعت بينهما ملاحاة، وهي المخاصمة والمنازعة، وزاد ابن إسحاق: أنه لقيهما عند باب المسجد، فحجز بينهما، أي وانشغل بقضيتهما، وكان هذا سبب النسيان، لكن في الرواية الثامنة أريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي، فنسيتها، مما رتب النسيان على إيقاظ بعض الأهل له، فهذا سبب آخر.
وجمع الحافظ ابن حجر باحتمال أن تكون الرؤيا في الرواية الثامنة مناماً، فيكون سبب النسيان الإيقاظ، وأن الرؤية والإبانة في الرواية الثالثة عشرة في اليقظة وسبب نسيانها ما ذكر من المخاصمة، واحتمال اتحاد القصة ويكون سبب النسيان الأمرين، وقال: ويحتمل أن يكون المعنى أيقظني بعض أهلي فسمعت المخاصمة، فقمت لأحجز بينهما فنسيتها .
اهـ

وهذا الاحتمال الأخير هو الذي اخترناه قريباً.

( فالتي تليها ثنتين وعشرين) كذا في الرواية الثالثة عشرة، قال النووي: ثنتين وعشرين بالياء، هكذا هو في أكثر النسخ، وفي بعضها ثنتان وعشرون بالرفع، قال: والأول أصوب، وهو منصوب بفعل محذوف، تقديره: أعني ثنتين وعشرين.
اهـ وما صوبه النووي ليس بصواب، لأنه خبر مرفوع، ولو نصبنا خبر المبتدأ على تقدير أعني لم نحترم القواعد النحوية.
والناسخ غير معصوم حتى نتمحل له:

( ثم حلف -لا يستثنى- أنها ليلة سبع وعشرين) أي حلف جازماً، ولم يقل: إلا أن يشاء الله.

( قلت: بأي شيء تقول ذلك) ؟ أي بأي دليل تحكم هذا الحكم، وعلى أي شيء بنيت قولك؟.

( التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) عائد الصلة محذوف، أي أخبرنا بها.

( أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها) الضمير في أنها للشمس.
قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ من غير ذكر الشمس، وحذفت للعلم بها، فعاد الضمير إلى معلوم، كقوله: { { حتى توارت بالحجاب } } [ص: 32] ونظائره، والشعاع بضم الشين هو ما يرى من ضوئها عند بزوغها مثل الحبال والقضبان، مقبلة إليك إذا نظرت إليها.
قال القاضي عياض: قيل معنى لا شعاع لها أنها علامة جعلها الله تعالى لها، قال: وقيل بل لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها، ونزولها إلى الأرض وصعودها، فسترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها.
اهـ

وعند أحمد ليلة القدر صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة صاحية، لا حر فيها ولا برد، ومن أمارتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية، ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر وعند ابن خزيمة ليلة القدر طلعة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة ولا شك أن ليلة القدر وشمسها لا ترى كذلك لكل الناس، ولا في كل البقاع، وقد يكون هذا وصفاً لعام من الأعوام في بعض الأماكن.
والله أعلم.

( وهو مثل شق جفنة) الشق بكسر الشين هو النصف، والجفنة قصعة كبيرة.
قال القاضي: فيه إشارة إلى أنها إنما تكون في أواخر الشهر، لأن القمر لا يكون كذلك عند طلوعه إلا في أواخر الشهر.

فقه الحديث

أخذ النووي عنوان [فضل ليلة القدر] استنباطاً من الأحاديث المذكورة، فهي تحث على طلبها والتماسها وتحريها بالعبادة والدعاء، وما ذلك إلا لفضلها، وقد ساق البخاري تحت هذا العنوان قوله تعالى: { { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر } } كما ساق حديث من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

وقد اختلف العلماء في وجودها ودوامها إلى آخر الدهر، وفي محلها اختلافات كثيرة، حصل منها الحافظ ابن حجر أكثر من أربعين قولاً.
قال النووي: وأجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر، للأحاديث الصحيحة المشهورة، قال القاضي: وشذ قوم، فقالوا: رفعت، لقوله صلى الله عليه وسلم فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في السبع والتسع رواه البخاري.
قال: وهذا غلط من هؤلاء الشاذين، لأن آخر الحديث يرد عليهم، ففيه تصريح بأن المراد برفعها رفع بيان علم عينها، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها.
اهـ ونسب هذا القول للروافض، وحكى السروجي أنه قول الشيعة، وأخطأ الفكهاني في شرح العمدة حين نسبه للحنفية.

ويشبه هذا القول قول من يقول: أنها خاصة بسنة واحدة، وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهل هي خاصة بهذه الأمة؟ أو كانت في الأمم قبلها؟ خلاف.
والجمهور على الأول.

أما عن محلها من ليالي السنة فنعرض بعض الأقوال التي سردها الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
قال:

1- هي ممكنة في جميع السنة، وهو قول مشهور عن الحنفية، وروي مثله عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وغيرهم، ومأخذ ابن مسعود أنه أراد أن لا يتكل الناس.
كما هو واضح من روايتنا السادسة عشرة، وزيف المهلب هذا القول، وقال: لعل صاحبه بناه على دوران الزمان، لنقصان الأهلة.
قال وهو فاسد، لأن ذلك لم يعتبر في صيام رمضان [فرمضان لدوران الزمان يأتي زماناً صيفاً وزماناً شتاء] فلا يعتبر في غيره حتى تنتقل ليلة القدر عن رمضان.

2- أنها مختصة برمضان، ممكنة في جميع لياليه، وقد جزم صاحب شرح الهداية بأنه قول أبي حنيفة، وقال به ابن المنذر والمحاملي وبعض الشافعية، وقال السروجي في شرح الهداية: قول أبي حنيفة إنها تنتقل في جميع رمضان، وقال صاحباه: إنها في ليلة معينة منه مبهمة.

3- أنها مبهمة في العشر الأوسط من رمضان.
قال به بعض الشافعية.

4- أنها أول ليلة من العشر الأخير، وإليه مال الشافعي، وجزم به جماعة من الشافعية.

5- أنها ليلة اثنتين وعشرين إن كان الشهر ناقصاً وليلة ثلاث وعشرين إن كان تاماً.

6- أنها ليلة سبع وعشرين، وهذا القول هو الجادة من مذهب أحمد، ورواية عن أبي حنيفة وبه جزم أبي بن كعب وحلف عليه، كما في روايتنا السادسة عشرة والسابعة عشرة، وحكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء.
وقد استنبطه ابن عباس عند عمر -رضي الله عنهما- ووافقه عمر عليه، فقد روى الحاكم عن ابن عباس أن عمر كان إذا دعا الأشياخ من الصحابة قال لابن عباس: لا تتكلم حتى يتكلموا، فقال ذات يوم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر وتراً أي الوتر هي؟ فقال رجل برأيه: تاسعة سابعة خامسة.
ثالثة.
فقال عمر: مالك لا تتكلم يابن عباس؟ قال: أتكلم برأيي؟ قال: عن رأيك أسألك.
قال إني لأعلم -أو أظن- أنها سابعة تمضي، أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال: من أين علمت ذلك؟ قال: خلق الله سبع سموات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، ورمي الجمار سبع.
فقال عمر لقد فطنت له، ثم قال: أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام الذي ما استوت شئون رأسه؟.

واستنبط بعضهم هذا العدد من عدد كلمات السورة، وقد وافق قوله فيها هي سابع كلمة بعد العشرين، واستنبط بعضهم ذلك من جهة الحروف فقال ليلة القدر تسعة أحرف، وقد أعيدت في السورة ثلاث مرات، فذلك سبع وعشرون.

7- أنها في أوتار العشر الأخير.
قال الحافظ: وهو أرجح الأقوال وصار إليه أبو ثور والمزني وابن خزيمة وجماعة من علماء المذاهب.

8- أنها تنتقل في العشر الأخير كله، نص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحق، وزعم الماوردي أنه متفق عليه.
ويقويه معظم الأحاديث، واعتكافه صلى الله عليه وسلم العشر الأخير في طلب ليلة القدر، واعتكاف أزواجه بعده، والاجتهاد فيه.

واختلف القائلون بهذا، فمنهم من قال: هي فيه محتملة على حد سواء، ومنهم من قال: بعض لياليه أرجى من بعض.
واختلفوا.
فمنهم من قال.
أرجاه ليلة إحدى وعشرين، ومنهم من قال: أرجاه ليلة ثلاث وعشرين، ومنهم من قال: أرجاه ليلة سبع وعشرين.
والله أعلم.

أما كيف تعلم؟ فقد قال ابن العربي: الصحيح أنها لا تعلم.
وأنكر الثوري هذا القول، وقال: قد تظاهرت الأحاديث بإمكان العلم بها، وأخبر به جماعة من الصالحين، فلا معنى لإنكار ذلك.

واختار الطبري أنه لا يشترط لحصولها رؤية شيء ولا سماعه: قال الحافظ ابن حجر: واختلفوا.
هل يحصل الثواب المترتب عليها لمن قامها وإن لم يظهر له شيء؟ أو يتوقف ذلك على كشفها له؟ وإلى الأول ذهب الطبري والمهلب وابن العربي وجماعة، وإلى الثاني ذهب الأكثر ويدل له ما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ من يقم ليلة القدر فيوافقها وفي حديث عبادة عن أحمد من قامها إيماناً واحتساباً، ثم وفقت له قال النووي: معنى يوافقها أي يعلم أنها ليلة القدر فيوافقها، ويحتمل أن يكون المراد يوافقها في نفس الأمر وإن لم يعلم هو ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الأخير هو الذي يترجح في نظري، ولا أنكر حصول الثواب الجزيل لمن قام لابتغاء ليلة القدر وإن لم يعلم بها ولو لم توفق له، وإنما الكلام على حصول الثواب المعين الموعود به، وفرعوا على القول باشتراط العلم بها أنه يختص بها شخص دون شخص، فيكشف لواحد، ولا يكشف لآخر، ولو كانا معاً في بيت واحد.

قال العلماء: والحكمة في إخفائها أن يحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عينت لها ليلة، فإنه يقتصر عليها.
والله أعلم.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- من رؤيا الصحابة واعتماد الرسول صلى الله عليه وسلم لها الدلالة على عظم قدر الرؤيا.

2- وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية، قال الحافظ ابن حجر: بشرط أن لا يخالف القواعد الشرعية.

3- وأن من الرؤيا ما يقع تعبيره مطلقاً.

4- ومن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم لها وأمره لهم بناء عليها يؤخذ الأحكام على رؤيا الأنبياء.

5- ومن نسيانه صلى الله عليه وسلم لما علمه جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نقص عليه في ذلك، لا سيما فيما لا يؤذن له في تبليغه، وقد يكون في ذلك مصلحة تتعلق بالتشريع، كما في السهو في الصلاة أو للاجتهاد في العبادة كما هنا.

6- وفي الأحاديث الحث على التماس ليلة القدر وطلبها عن طريق العبادة والاستغفار، والدعاء، فقد أخرج أحمد عن عائشة قالت: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر.
فما أقول؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني قال سفيان الثوري: والدعاء في تلك الليلة أحب من الصلاة، وذكر ابن رجب أن الأكمل الجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، ويحصل قيامها -على ما قال البعض- بصلاة التراويح، وقد أخرج البيهقي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان فقد أصاب من ليلة القدر بحظ وافر.

7- واستحباب الاعتكاف في شهر رمضان.

8- وترجيح وتأكيد اعتكاف العشر الأواخر منه.

9- وفضل ليلة القدر، وفي القرآن الكريم سورة كاملة خاصة بها، شرف الله تعالى هذه الليلة بإنزال القرآن فيها من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا -كما يرجح الحافظ ابن حجر، وجعلها خيراً من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وذلك باعتبار العبادة فيها عند جمهور العلماء، على معنى أن العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر.
ولا يعلم مقدار الخيرية إلا الله تعالى، وهذا تفضل منه، وله عز وجل أن يخص ما شاء بما شاء، ورب عمل قليل خير من عمل كثير، ولا شك أن العمل القليل قد يفضل العمل الكثير باعتبار الزمان، وباعتبار المكان، وباعتبار كيفية الأداء، كصلاة واحدة أديت في جماعة، فإنها تعدل خمساً وعشرين صلاة أديت على الانفراد.

قال المفسرون: وتخصيص الألف بالذكر للتكثير، كقوله تعالى { { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة } } [البقرة: 96] وشرفها الله تعالى بإنزال الملائكة.
يتنزل ملائكة السماء إلى الأرض للتسليم على المؤمنين ولتصير طاعتهم أكثر ثواباً فيسبحون معهم، ويقدسون ويهللون، ويستغفرون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى رأس الملائكة جبريل عليه السلام، وشرف الله هذه الليلة بأنها سلام ورحمة من الله، من غروب الشمس حتى مطلع الفجر، فمن قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

10- وأخذ بعضهم من رؤيا الصحابة، والأمر بالتماسها إمكان رؤيتها، إذ ما لا يرجى في زمان أو مكان لا يحسن أن يؤمر بالتماسه عادة، ويكفي في رؤيتها رؤية ما يحصل به العلم بها، مما خصت به من الأنوار وتنزل الملائكة عليهم السلام أو نحو ذلك من الكشف المفيد للعلم، مما لا يعرف حقيقته إلا أهله.

وقيل إنها لا ترى مكاشفة أبداً، ولا يراها أحد بعده صلى الله عليه وسلم أصلاً، والأمر بالتماسها مقصود به التماس فضلها في الليالي المذكورة.
والله أعلم.

11- وعلى القول برؤيتها قال الحافظ ابن حجر: ويسن لرؤيتها كتمها، هكذا استنبطه السبكي الكبير من هذه القصة.
قال: ووجه الدلالة أن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخير كله فيما قدر له، فيستحب اتباعه في ذلك.
قال: وذكر في شرح المنهاج ذلك عن الحاوي.
قال: والحكمة فيه أنها كرامة، والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق.
من جهة رؤية النفس، فلا يأمن السلب، ومن جهة أن لا يأمن الرياء، ومن جهة الأدب، فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس، ومن جهة أنه لا يأمن الحسد، فيوقع غيره في المحظور، ويستأنس له بقول يعقوب عليه السلام: { { يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً } } [يوسف: 5] الآية.

12- ومن الأحاديث أن الله تعالى أخفى وقتها على التحديد، ليجتهد في طلبها، وما ذكر من علاماتها من السجود في الماء والطين إنما يعرف بعد فواتها، فإنها تنقضي بمطلع الفجر، ومن فاتته تدارك في صبيحتها بعض ما فاته، ثم إنها علامة قد تتكرر في مستقبل لياليهم، فلا يقال: لم ينقطعوا عن طلبها بعد رؤية هذه العلامة.

13- ومن اختلاف الروايات في تحديد وقتها استدل بعضهم على تنقلها في رمضان أو في العشر الأواخر منه، أو في السبع، أو في أوتاره.
قال الحافظ ابن حجر: وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين.

14- ومن كون علاماتها السجود في الماء والطين، استدل بعضهم على أنه ليس بلازم أن يكون لها علامة، وعلى أنها كرامة لمن شاء الله من عباده فيختص بها قوم دون قوم، فكثيراً ما ينقضي شهر رمضان دون مطر، مع اعتقادنا أنه لا يخلو رمضان من ليلة القدر.

15- واستنبط بعض العلماء من الأحاديث إما أنها تتعدد في العام الواحد باعتبار تعدد الأماكن وإما لا اعتبار بكونها في الوتر، ولا اعتبار بكونها ليلة كذا، بل ولا يصح إطلاق القول بأن وقت التقدير وتنزل الملائكة ليلاً.
لأنه من المعلوم اختلاف المطالع، فالليل عند قوم نهار في جهة أخرى، والفجر عند قوم مغرب عند آخرين، بل بعض المناطق ليلها أشهر، ونهارها أشهر، فإن قلنا بوحدتها وتحديد وقتها لأهل الأرض كانت وتراً عند قوم شفعاً عند آخرين، وليلاً عند قوم ونهاراً عند آخرين.

ولو صح الاحتمال الثاني وأنها ليلة واحدة محددة كان التعبير بليلة كذا رعاية لمكان المنزل عليه القرآن عليه الصلاة والسلام، فيكون القول بوتريتها بالنسبة إلى قومه وإن كانت شفعاً عند الآخرين، وكونها بالليل بالنسبة إلى قومه وإن كانت نهاراً عند آخرين، ولا يبعد أن يعطي الله تعالى أجرها لمن اجتهد ليلة الشفع التي هي الوتر عند أهل المدينة، وبهذا الاحتمال يمكن الجمع بين الروايات المتعارضة.

ولو صح الاحتمال الأول، وأنها ليال متعددة باعتبار تعدد الأماكن وأن لكل قوم ليلتهم كانت ليلة القدر كراكب يسير إلى جهة، فيصل إلى كل منزل في وقت، وتتنزل الملائكة وتصعد حسب سيرها.
فينزل منهم ما شاء الله عند قوم، وينزل منهم ما شاء الله عند آخرين { { وما يعلم جنود ربك إلا هو } } [المدثر: 31] ومناط الفضل على هذا تحققها بالنسبة لكل قوم على حدة.

ومثل هذا الإيراد يأتي في سائر أوقات العبادة، ووقت نزوله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا من الليل كما صحت به الأخبار، وكذا ساعة الإجابة من يوم الجمعة، ورمضان، وأيام العيد، وغيرها كثير.
مما يرجح القول بالاحتمال الأخير، وأن لكل قوم مطلعهم ووقتهم.

وعندي كما -قال الألوسي- إن البحث قوي، والأمر مما لا مجال فيه لعقلي.
والله أعلم.

16- ومن قوله في الرواية الخامسة فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي أي من عجز عن الأهم حرص على المهم.

17- ومن قوله في الرواية التاسعة فخطب الناس، فأمرهم بما شاء الله ثم قال...
إلخ تقديم الخطبة على التعليم.

18- ومن وجود أثر الطين والماء في جبهته وأنفه صلى الله عليه وسلم استدل بعضهم على أن السنة للمصلي أن لا يمسح جبهته في الصلاة، قال النووي: وهذا محمول على أنه كان شيئاً يسيراً، فيستحب أن لا يمسحه في الصلاة اهـ ورده بعضهم بأن بقاء أثر الطين لا يستلزم نفي مسح الجبهة، فقد يمسح جبهته ويبقى أثر الطين، ويجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ترك المسح ناسياً، أو تركه متعمداً لتصديق رؤياه، أو غير شاعر به، أو لبيان الجواز، وليس في ذلك ما يدل على الاستحباب.

19- واستدل بعضهم ببقاء أثر الماء والطين على الجبهة بين السجدتين على جواز السجود مع الحائل المتصل به بين الجبهة والأرض، وأجاب النووي بأنه محمول على أنه كان شيئاً يسيراً لا يمنع مباشرة بشرة الجبهة للأرض.
قال الحافظ: لكن يعكر عليه قوله في بعض الروايات ووجهه ممتلئ طيناً وماء.

20- وفيه جواز السجود في الطين، وأن الأنف من أعضاء السجود لأنه صلى الله عليه وسلم لم يترك السجود على الأنف مع وجود العذر، ولولا وجوبه لصانه عن لوث الطين.

21- ومن الرواية الثانية عشرة من قوله تذاكرنا ليلة القدر حرص الصحابة والتابعين على مدارسة العلم.

22- ومن إتيانهم أبا سعيد طلبهم العلم ممن يعتقدون أن عنده زيادة علم، والمشي في طلب العلم.

23- ومن قوله وكان لي صديقاً الاعتزاز بصداقة الكبراء والعلماء وأولو الفضل.

24- ومن قوله ألا تخرج بنا إلى النخل إيثار المواضع الخالية للسؤال، وتأنيس الطلب للشيخ.

25- ومن خروج أبي سعيد إجابة السائل لذلك، وتيسير حصوله على مطلوبه.

26- ومن سؤال أبي سلمة ابتداء الطالب بالسؤال.

27- ومن قوله رجلان يحتقان معهما الشيطان أن المخاصمة والمنازعة مذمومة.

28- وأنها قد تكون سبباً للعقوبة الدنيوية أو الأخروية أو منع الخير وضياعه.

29- ومن الرواية السادسة عشرة حرص الصحابة على دفع الناس نحو الاجتهاد في العبادة وعدم الاتكال.

30- ومن الرواية السابعة عشرة الحلف على غالب الظن وأكبر العلم حسب الفهم.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :2077 ... بـ :1165]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَبَلَةَ وَمُحَارِبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَيَّنُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَوْ قَالَ فِي التِّسْعِ الْأَوَاخِرِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَحَيَّنُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ) أَيِ اطْلُبُوا حِينَهَا وَهُوَ زَمَانُهَا .