هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1963 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : إِنَّكُمْ تَقُولُونَ : إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَقُولُونَ مَا بَالُ المُهَاجِرِينَ ، وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي ، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا ، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا ، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ ، أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ ، وَقَدْ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ : إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ ، إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ ، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي ، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1963 حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة رضي الله عنه ، قال : إنكم تقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون ما بال المهاجرين ، والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثل حديث أبي هريرة ، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق ، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ، فأشهد إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا ، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم ، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة ، أعي حين ينسون ، وقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه : إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ، ثم يجمع إليه ثوبه ، إلا وعى ما أقول ، فبسطت نمرة علي ، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري ، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

You people say that Abu Huraira tells many narrations from Allah's Messenger (ﷺ) and you also wonder why the emigrants and Ansar do not narrate from Allah's Messenger (ﷺ) as Abu Huraira does. My emigrant brothers were busy in the market while I used to stick to Allah's Messenger (ﷺ) content with what fills my stomach; so I used to be present when they were absent and I used to remember when they used to forget, and my Ansari brothers used to be busy with their properties and I was one of the poor men of Suffa. I used to remember the narrations when they used to forget. No doubt, Allah's Messenger (ﷺ) once said, Whoever spreads his garment till I have finished my present speech and then gathers it to himself, will remember whatever I will say. So, I spread my colored garment which I was wearing till Allah's Messenger (ﷺ) had finished his saying, and then I gathered it to my chest. So, I did not forget any of that narrations.

D'après Sa'îd ibn alMusayyab et Abu Salama ibn 'AbdarRahmân, Abu Hurayra (radiallahanho) dit: «Vous dites qu'Abu Hurayra rapporte trop de hadîth du Messager d'Allah (salallahou alayhi wa sallam) et vous dites aussi ceci: Pourquoi les Muhâjir et les Ansar ne rapportent pas autant de hadîth du Messager d'Allah (salallahou alayhi wa sallam) qu'Abu Hurayra? Eh bien! mes frères muhâjir étaient occupés à contracter négoce dans les marchés, tandis que moi, je restais près du Messager d'Allah () en me contentant de peu de nourriture; donc, j'étais présent lorsqu'ils étaient absents; [de plus], je retenais lorsqu'ils oubliaient. Quand à mes frères Ansar, ils étaient occupés par le travail qui se rapportait à leurs biens, tandis que moi, j'étais un homme pauvre faisant partie des pauvres de Suffa et je saisissais... lorsqu'ils oubliaient. Aussi, le Messager d'Allah (r ) dit dans l'un de ses hadîth'. Quiconque étale son vêtement jusqu'à ce que je termine mes proposci puis le retire à lui, saisira ce qui je dirai . Sur ce, j'étalai un manteau coloré que j'avais sur moi; et une fois que le Messager d'Allah (salallahou alayhi wa sallam) avait terminé ses propos, je le retirai à moi... Je n'oubliai alors aucune chose de ces propos du Messager d'Allah (r ).»

D'après Sa'îd ibn alMusayyab et Abu Salama ibn 'AbdarRahmân, Abu Hurayra (radiallahanho) dit: «Vous dites qu'Abu Hurayra rapporte trop de hadîth du Messager d'Allah (salallahou alayhi wa sallam) et vous dites aussi ceci: Pourquoi les Muhâjir et les Ansar ne rapportent pas autant de hadîth du Messager d'Allah (salallahou alayhi wa sallam) qu'Abu Hurayra? Eh bien! mes frères muhâjir étaient occupés à contracter négoce dans les marchés, tandis que moi, je restais près du Messager d'Allah () en me contentant de peu de nourriture; donc, j'étais présent lorsqu'ils étaient absents; [de plus], je retenais lorsqu'ils oubliaient. Quand à mes frères Ansar, ils étaient occupés par le travail qui se rapportait à leurs biens, tandis que moi, j'étais un homme pauvre faisant partie des pauvres de Suffa et je saisissais... lorsqu'ils oubliaient. Aussi, le Messager d'Allah (r ) dit dans l'un de ses hadîth'. Quiconque étale son vêtement jusqu'à ce que je termine mes proposci puis le retire à lui, saisira ce qui je dirai . Sur ce, j'étalai un manteau coloré que j'avais sur moi; et une fois que le Messager d'Allah (salallahou alayhi wa sallam) avait terminé ses propos, je le retirai à moi... Je n'oubliai alors aucune chose de ces propos du Messager d'Allah (r ).»

شرح الحديث من عمدة القاري

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    (كِتَابُ البُيُوعِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْبيُوع، وَلما فرغ البُخَارِيّ من بَيَان الْعِبَادَات الْمَقْصُود مِنْهَا التَّحْصِيل الأخروي، شرع فِي بَيَان الْمُعَامَلَات الْمَقْصُود مِنْهَا التَّحْصِيل الدنيوي، فَقدم الْعِبَادَات لاهتمامها، ثمَّ ثنى بالمعاملات لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّة، وَأخر النِّكَاح لِأَن شَهْوَته مُتَأَخِّرَة عَن الْأكل وَالشرب وَنَحْوهمَا، وَأخر الْجِنَايَات والمخاصمات لِأَن وُقُوع ذَلِك فِي الْغَالِب إِنَّمَا هُوَ بعد الْفَرَاغ من شَهْوَة الْبَطن والفرج، وَأغْرب ابْن بطال فَذكر هُنَا الْجِهَاد، وَأخر البيع إِلَى أَن فرغ من الْأَيْمَان وَالنُّذُور.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَا أَدْرِي لما فعل ذَلِك، وَكَذَلِكَ قدم الصَّوْم على الْحَج أَيْضا قلت: لَعَلَّه نظر إِلَى أَن الْجِهَاد أَيْضا من الْعِبَادَات، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا التَّحْصِيل الأخروي، لِأَن جلّ الْمَقْصُود ذَلِك لِأَن فِيهِ إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَإِظْهَار الدّين وَنشر الْإِسْلَام.
وَبَعض أَصْحَابنَا قدم النِّكَاح على الْبيُوع فِي مصنفاتهم نظرا إِلَى أَنه مُشْتَمل على الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية، ألاَ ترى أَنه أفضل من التخلي للنوافل؟ وَبَعْضهمْ قدم الْبيُوع على النِّكَاح نظرا إِلَى أَن احْتِيَاج النَّاس إِلَى البيع أَكثر من احتياجهم إِلَى النِّكَاح، فَكَانَ أهم بالتقديم.
قلت: لما كَانَ مدَار أُمُور الدّين بِخَمْسَة أَشْيَاء، وَهِي: الاعتقادات، والعبادات، والمعاملات والزواجر، والآداب.
فالاعتقادات محلهَا علم الْكَلَام، والعبادات قد بَينهَا، شرع فِي بَيَان الْمُعَامَلَات، وَقدم مِنْهَا الْبيُوع نظرا إِلَى كَثْرَة الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
ثمَّ إِنَّه ذكر لفظ الْكتاب لِأَنَّهُ مُشْتَمل على الْأَبْوَاب، وَهِي كَثِيرَة فِي أَنْوَاع الْبيُوع، وَجمع البيع لاخْتِلَاف أَنْوَاعه، وَهِي الْمُطلق: إِن كَانَ بيع الْعين بِالثّمن، والمقايضة: إِن كَانَ عينا بِعَين، وَالسّلم: إِن كَانَ بيع الدّين بِالْعينِ، وَالصرْف: إِن كَانَ بيع الثّمن بِالثّمن، والمرابحة: إِن كَانَ بِالثّمن مَعَ زِيَادَة، وَالتَّوْلِيَة: إِن لم يكن مَعَ زِيَادَة، والوضيعة: إِن كَانَ بِالنُّقْصَانِ، وَاللَّازِم: إِن كَانَ تَاما، وَغير اللَّازِم: إِن كَانَ بِالْخِيَارِ، وَالصَّحِيح، وَالْبَاطِل، وَالْفَاسِد، وَالْمَكْرُوه.
ثمَّ للْبيع تَفْسِير: لُغَة، وَشرعا، وركن، وَشرط، وَمحل، وَحكم، وَحِكْمَة.
أما تَفْسِير لُغَة: فمطلق الْمُبَادلَة، وَهُوَ ضد الشِّرَاء وَالْبيع الشِّرَاء أَيْضا بَاعه الشَّيْء وَبَاعه مِنْهُ جَمِيعًا فيهمَا، وابتاع الشَّيْء اشْتَرَاهُ، وأباعه عرضه للْبيع، وَبَايَعَهُ مبايعة وبياعا عَارضه للْبيع، والبيعان: البَائِع وَالْمُشْتَرِي، وَجمعه: باعة عِنْد كرَاع، وَالْبيع اسْم البيع وَالْجمع بُيُوع، والبياعات الْأَشْيَاء المتبايعة للتِّجَارَة، وَرجل بُيُوع جيد البيع، وبياع كثير البيع، ذكره سِيبَوَيْهٍ فِيمَا قَالَه ابْن سَيّده، وَحكى النَّوَوِيّ عَن أبي عُبَيْدَة: أباع، بِمَعْنى: بَاعَ.
قَالَ: وَهُوَ غَرِيب شَاذ.
وَفِي (الْجَامِع) أبعته أبيعه إباعة إِذا عرضته للْبيع، وَيُقَال: بِعته وأبعته بِمَعْنى وَاحِد.
.

     وَقَالَ  ابْن طريف فِي: بَاب فعل وَافْعل، بِاتِّفَاق معنى بَاعَ الشَّيْء وأباعه عَن أبي زيد، وَأبي عُبَيْدَة.
وَفِي (الصِّحَاح) : وَالشَّيْء مَبِيع وبيوع، والبياعة السّلْعَة، وَيُقَال: بيع الشَّيْء، على مَا لم يسم فَاعله إِن شِئْت كسرت الْبَاء وَإِن شِئْت ضممتها، وَمِنْهُم من يقلب الْيَاء واوا فَيَقُول: بوع الشَّيْء.
.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: بِعْت الشَّيْء بِمَعْنى بِعته، وَبِمَعْنى اشْتَرَيْته، وشريت الشَّيْء اشْتَرَيْته، وَبِمَعْنى بِعته.
وَيُقَال: استبعته أَي: سَأَلته البيع، قَالَ الْخَلِيل: الْمَحْذُوف من مَبِيع وَاو مفعول لِأَنَّهَا زَائِدَة فَهِيَ أولى بالحذف.
.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: الْمَحْذُوف عين الْكَلِمَة،.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ: كِلَاهُمَا حسن، وَقَول الْأَخْفَش أَقيس، وَقيل: سمي البيع بيعا لِأَن البَائِع يمد بَاعه إِلَى المُشْتَرِي حَالَة العقد غَالِبا، ورد هَذَا بِأَنَّهُ غلط، لِأَن الباع من ذَوَات الْوَاو، وَالْبيع من ذَوَات الْيَاء.
وَأما تَفْسِيره شرعا فَهُوَ مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ على سَبِيل التَّرَاضِي.
وَأما رُكْنه: فالإيجاب وَالْقَبُول.
وَأما شَرطه: فأهلية الْمُتَعَاقدين.
وَأما مَحَله فَهُوَ المَال، لِأَنَّهُ ينبىء عَنهُ شرعا.
وَأما حكمه: فَهُوَ ثُبُوت الْملك للْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيع، وَللْبَائِع فِي الثّمن إِذا كَانَ تَاما، وَعند الْإِجَازَة إِذا كَانَ مَوْقُوفا.
وَأما حكمته: فَهِيَ كَثِيرَة.
مِنْهَا: باتساع أُمُور المعاش والبقاء.
وَمِنْهَا: إطفاء نَار المنازعات والنهب والسرق والطر والخيانات والحيل الْمَكْرُوهَة.
وَمِنْهَا: بَقَاء نظام المعاش وَبَقَاء الْعَالم، لِأَن الْمُحْتَاج يمِيل إِلَى مَا فِي يَد غَيره، فبغير الْمُعَامَلَة يُفْضِي إِلَى التقاتل والتنازع وفناء الْعَالم واختلال نظام المعاش وَغير ذَلِك.
وثبوته بِالْكتاب لقَوْله تَعَالَى: { وَأحل لكم البيع وَحرم الرِّبَا} (الْبَقَرَة: 752) .
وَالسّنة، وَهِي: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعث وَالنَّاس يتعاملون فأقرهم عَلَيْهِ، وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على شرعيته.
وقَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ { وأحَلَّ الله البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا} (الْبَقَرَة: 752) .
{ إلاَّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً حاضِرَةً تديرُونَهَا بَيْنَكُمْ} (الْبَقَرَة: 282) .
وَقَول الله، بِالرَّفْع عطفا على الْمُضَاف فِي كتاب الْبيُوع، وَقيل: لَيْسَ فِيهِ وَاو الْعَطف، وَإِنَّمَا أصل النُّسْخَة هَكَذَا: كتاب الْبيُوع: قَالَ الله تَعَالَى { وَأحل الله البيع وَحرم الربوا} (الْبَقَرَة: 752) .
وَقد ذمّ الله تَعَالَى عز وَجل أَكلَة الربوا، بقوله: { الَّذين يَأْكُلُون الربوا} (الْبَقَرَة: 572) .
أول الْآيَة، وَكَانُوا اعْترضُوا على أَحْكَام الله تَعَالَى فِي شَرعه، فَقَالُوا: إِنَّمَا البيع مثل الربوا، فَرد الله عَلَيْهِم بقوله: { وَأحل الله البيع وَحرم الربوا} (الْبَقَرَة: 752) .
.

     وَقَالَ  ابْن كثير قَوْله: { وَأحل الله البيع وَحرم الربوا} (الْبَقَرَة: 752) .
يحْتَمل أَن يكون من تَمام كَلَامهم اعتراضا على الشَّرْع (أَي مثل هَذَا وَقد أحل هَذَا وَحرم هَذَا) وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام الله تَعَالَى ردا عَلَيْهِم.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: فِي قَوْله هَذَا أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه عَامَّة، فَإِن لَفظهَا لفظ عُمُوم يتَنَاوَل كل بيع، أَو يَقْتَضِي إِبَاحَة جَمِيعهَا إلاَّ مَا خصّه الدَّلِيل.
قَالَ فِي (الْأُم) : وَهَذَا أظهر مَعَاني الْآيَة الْكَرِيمَة،.

     وَقَالَ  صَاحب (الْحَاوِي) : وَالدَّلِيل لهَذَا القَوْل أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن بُيُوع كَانُوا يعتادونها وَلم يبين الْجَائِز، فَدلَّ على أَن الْآيَة تناولت إِبَاحَة جَمِيع الْبيُوع إلاَّ مَا خص مِنْهَا وَبَين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَخْصُوص.
القَوْل الثَّانِي: إِن الْآيَة مجملة لَا يعتقل مِنْهَا صِحَة بيع من فَسَاده إلاَّ بِبَيَان من سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
القَوْل الثَّالِث: يتناولهما جَمِيعًا، فَيكون عُمُوما دخله التَّخْصِيص، ومجملاً لحقه التَّفْسِير لقِيَام الدّلَالَة عَلَيْهِمَا.
القَوْل الرَّابِع: أَنَّهَا تناولت بيعا معهودا، وَنزلت بعد أَن أحل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بيوعا وَحرم بيوعا فَقَوله: { أحل الله البيع} (الْبَقَرَة: 752) .
أَي: البيع الَّذِي بَينه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل، وعرفه الْمُسلمُونَ مِنْهُ، فتناولت الْآيَة بيعا معهودا، وَلِهَذَا دخلت الْألف وَاللَّام لِأَنَّهُمَا للْعهد، وأجمعت الْأمة على أَن الْمَبِيع بيعا صَحِيحا يصير بعد انْقِضَاء الْخِيَار ملكا للْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزالِيّ: أَجمعت الْأمة على أَن البيع سَبَب لإِفَادَة الْملك.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ ذكر هَذِه الْقطعَة من الْآيَة الْكَرِيمَة الَّتِي أَولهَا: { الَّذين يَأْكُلُون الربوا} إِلَى قَوْله: { هم فِيهَا خَالدُونَ} إِشَارَة إِلَى أُمُور: مِنْهَا: أَن مَشْرُوعِيَّة البيع بِهَذِهِ.
وَمِنْهَا: أَن البيع سَبَب للْملك.
وَمِنْهَا: أَن الرِّبَا الَّذِي يعْمل بِصُورَة البيع حرَام.
قَوْله: وَقَوله: { إلاَّ أَن تكون} (الْبَقَرَة: 282) .
إِلَى آخِره، عطف على قَوْله: (وَقَول الله عز وَجل) وَهَذِه قِطْعَة من آيَة المداينة، وَهِي أطول آيَة فِي الْقُرْآن.
أَولهَا قَوْله: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين} (الْبَقَرَة: 282) .
وأخراها: { وَالله بِكُل شَيْء عليم} .

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: أَي: لَكِن إِذا كَانَت تِجَارَة، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، أَي: إلاَّ التِّجَارَة، فَإِنَّهَا لَيست بباطل إِذا كَانَ البيع بالحاضر يدا بيد، فَلَا بَأْس بِعَدَمِ الْكِتَابَة لانْتِفَاء الْمَحْذُور فِي تَركهَا.
وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة: تِجَارَة، بِالنّصب وَهُوَ اخْتِيَار أبي عبيد، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: قرىء: { تِجَارَة حَاضِرَة} (الْبَقَرَة: 282) .
بِالرَّفْع على كَانَ التَّامَّة.
وَقيل: هِيَ النَّاقِصَة، على أَن الِاسْم: تِجَارَة، وَالْخَبَر { تديرونها} (الْبَقَرَة: 282) .
وَبِالنَّصبِ على إلاَّ أَن تكون التِّجَارَة تِجَارَة حَاضِرَة.
قَوْله: { حَاضِرَة} يَعْنِي: يدا بيد { تديرونها بَيْنكُم} وَلَيْسَ فِيهَا إِجْمَال.
أَبَاحَ الله ترك الْكِتَابَة فِيهَا لِأَن مَا يخَاف من النِّسَاء والتأجيل يُؤمن فِيهِ، وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْقطعَة من الْآيَة أَيْضا إِلَى مَشْرُوعِيَّة البيع بِهَذِهِ، وَالله أعلم.


(بابُُ مَا جاءَ فِي قَوْلِ الله تعَالى { فإذَا قُضَيْتِ الصَّلاَةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله واذْكُرُوا الله كثِيرا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وإذَا رَأوْا تجَارَةً أوْ لَهْوا انْفَضُّوا إلَيْهَا وتَرَكُوكَ قائِما قُلْ مَا عِنْدَ الله خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ومِنَ التِّجَارَةِ وَالله خَيْرُ الرَّازِقِينَ وقوْلِهِ لاَ تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطلِ إلاَّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي قَوْله عز وَجل: { فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
إِلَى آخرالآية هَذِه، وَالَّتِي بعْدهَا من سُورَة الْجُمُعَة، وَهِي مَدَنِيَّة، وَهِي سَبْعمِائة وَعِشْرُونَ حرفا وَمِائَة وَثَمَانُونَ كلمة، وَإِحْدَى عشرَة آيَة قَوْله: { فإذَا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
أَي: فَإِذا أدّيت، وَالْقَضَاء يَجِيء بِمَعْنى: الْأَدَاء، وَقيل: مَعْنَاهُ إِذا فرغ مِنْهَا: { فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
للتِّجَارَة وَالتَّصَرُّف فِي حوايجكم { وابتغوا من فضل الله} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
أَي: الرزق، ثمَّ أطلق لَهُم مَا حظر عَلَيْهِم بعد قَضَاء الصَّلَاة من الانتشار وابتغاء الرِّبْح مَعَ التوصية بإكثار الذّكر، وَأَن لَا يلهيهم شَيْء من التِّجَارَة وَلَا غَيرهَا عَنهُ، وَالْأَمر فيهمَا للْإِبَاحَة والتخيير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَإِذا حللتم فاصطادوا} (الْمَائِدَة: 2) .
وَقيل: هُوَ أَمر على بابُُه،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ، هُوَ على الْإِبَاحَة لمن لَهُ كفاف أَو لَا يُطيق التكسب، وَفرض على من لَا شَيْء لَهُ ويطيق التكسب، وَقيل: من يعْطف عَلَيْهِ بسؤال أَو غَيره لَيْسَ طلب الكفاف عَلَيْهِ بفريضة.
قَوْله: { واذْكُرُوا الله كثيرا} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
أَي: على كل حَال، وَلَعَلَّ من الله وَاجِب، والفلاح: الْفَوْز والبقاء.
قَوْله: { وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
سَبَب نُزُولهَا مَا رُوِيَ (عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: أَقبلت عير وَنحن نصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجُمُعَة، فانفض النَّاس إِلَيْهَا، فَمَا بَقِي غير اثْنَي عشر رجلا وَأَنا فيهم، فَنزلت: { وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
وَرُوِيَ أَن أهل الْمَدِينَة أَصَابَهُم جوع وَغَلَاء شَدِيد، فَقدم دحْيَة بن خَليفَة بِتِجَارَة من زَيْت الشَّام، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامُوا إِلَيْهِ بِالبَقِيعِ، خَشوا أَن يُسْبَقوا إِلَيْهِ، فَلم يبْق مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ رَهْط مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قيل: ثَمَانِيَة، وَقيل: أحد عشر، وَقيل: اثْنَي عشر، وَقيل: أَرْبَعُونَ، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، لَو تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لم يبقَ مِنْكُم أحد لَسَالَ بكم الْوَادي نَارا، وَكَانُوا إِذا أَقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق.
فَهُوَ المُرَاد باللهو.
وَعَن قَتَادَة: فعلوا ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فِي كل مقدم عير.
قَوْله: { انْفَضُّوا} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
أَي: تفَرقُوا.
قَوْله: { إِلَيْهَا} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
أَي: إِلَى التِّجَارَة.
فَإِن قلت: الْمَذْكُور شَيْئَانِ: التِّجَارَة وَاللَّهْو، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: إِلَيْهِمَا؟ قلت: تَقْدِيره: وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة انْفَضُّوا إِلَيْهَا أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهِ، فحذفت إِحْدَاهمَا لدلَالَة الْمَذْكُور عَلَيْهِ.
قَوْله: { وَتَرَكُوك} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
{ قَائِما} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
أَي: على الْمِنْبَر، قل يَا مُحَمَّد: { مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
الَّذِي لَا نفع فِيهِ، بل هُوَ خير من التِّجَارَة الَّتِي فِيهَا نفع فِي الْجُمْلَة.
قدم اللَّهْو على التِّجَارَة فِي الآخر، وَالتِّجَارَة على اللَّهْو فِي الأول فَإِن الْمقَام يَقْتَضِي هَكَذَا.
قَوْله: { وَالله خير الرازقين} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
لِأَنَّهُ موجد الأرزاق، فإياه فاسألوا، وَمِنْه فَاطْلُبُوا.
وَقيل: لم يكن يفوتكم الرزق لَو أقمتم، لِأَن الله خير الرازقين.
قَوْله: { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
أَي: بِغَيْر حق، وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن التَّصَرُّف فِي المَال بالحرام بَاطِل حرَام، سَوَاء كَانَ أكلا أَو بيعا أَو هبة، وَغير ذَلِك، وَالْبَاطِل اسْم جَامع لكل مَا لَا يحل فِي الشَّرْع: كالربا وَالْغَصْب وَالسَّرِقَة والخيانة، وكل محرم ورد الشَّرْع بِهِ.
قَوْله: { إلاَّ أَن تكون تِجَارَة} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
فِيهِ قراءتان: الرّفْع على أَن تكون تَامَّة، وَالنّصب على تَقْدِير إلاَّ أَن تكون الْأَمْوَال أَمْوَال تحارة، فَحذف الْمُضَاف، وَقيل: الأجود الرّفْع لِأَنَّهُ أدل على انْقِطَاع الِاسْتِثْنَاء، وَلِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى إِضْمَار.
قَوْله: { عَن ترَاض مِنْكُم} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
أَي: يرضى كل وَاحِد مِنْكُم بِمَا فِي يَده،.

     وَقَالَ  أَكثر الْمُفَسّرين: هُوَ أَن يُخَيّر كل وَاحِد من البائعين صَاحبه بعد العقد عَن ترَاض، وَالْخيَار بعد الصَّفْقَة، وَلَا يحل لمُسلم أَن يغش مُسلما.

ثمَّ إِن الْآيَات الَّتِي ذكرهَا البُخَارِيّ ظَاهِرَة فِي إِبَاحَة التِّجَارَة إلاَّ قَوْله: { وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} (الْجُمُعَة: 01، 11) .
فَإِنَّهَا عتب عَلَيْهَا، وَهِي أَدخل فِي النَّهْي مِنْهَا فِي الْإِبَاحَة لَهَا، لَكِن مَفْهُوم النَّهْي عَن تَركه قَائِما اهتماما بهَا يشْعر بِأَنَّهَا لَو خلت من الْعَارِض الرَّاجِح لم يدْخل فِي العتب، بل كَانَت حِينَئِذٍ مُبَاحَة.
وَقد أَبَاحَ الله تَعَالَى التِّجَارَة فِي كِتَابه، وَأمر بالابتغاء من فَضله، وَكَانَ أفاضل الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، كَانُوا يتجرون ويحترفون فِي طلب المعاش، وَقد نهى الْعلمَاء والحكماء عَن أَن يكون الرجل لَا حِرْفَة لَهُ وَلَا صناعَة، خشيَة أَن يحْتَاج إِلَى النَّاس فيذل لَهُم.
وَقد رُوِيَ عَن لُقْمَان، عَلَيْهِ السَّلَام، أَنه قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني خُذ من الدُّنْيَا بلاغك، وَأنْفق من كسبك لآخرتك، وَلَا ترفض الدُّنْيَا كل الرَّفْض فَتكون عيالاً، وعَلى أَعْنَاق الرِّجَال كلالاً.



[ قــ :1963 ... غــ :2047 ]
- حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ قَالَ حدَّثنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ وأبُو سَلَمَة بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إنَّكُمْ تَقُولُونَ إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتقُولُونَ مَا بالُ المهاجِرينَ والأنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ عنْ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِثْلِ حَديثِ أبِي هُرَيْرَةَ وإنَّ إخْوَانِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بالأسْوَاقِ وكُنْتُ ألْزَمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى مِلءِ بَطْنِي فأشْهَدُ إذَا غَابُوا وأحْفَظُ إذَا نَسُوا وكانَ يَشْغَلُ إخْوَانِي مِنَ الأنْصَارِ عَمَلُ أمْوَالِهِمْ وكُنْتُ امْرَءا مِسْكِينا مِنْ مَساكِين الصُّفَّةِ أعِي حِينَ يَنْسَونَ وقَدْ قالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ إنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أقْضِي مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ إلاَّ وَعَى مَا أقُولُ فَبَسَطْتُ ثَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إذَا قَضَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إلَى صَدْرِي فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ مِنْ شَيءٍ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صفق بالأسواق) ، وَهُوَ التِّجَارَة، والترجمة مُشْتَمِلَة على التِّجَارَة بنوعيها: أَحدهمَا: التِّجَارَة الْحَاصِلَة بِالتَّرَاضِي وَهِي حَلَال.
وَالْآخر: التِّجَارَة الْحَاصِلَة بِغَيْر التَّرَاضِي، وَهِي حرَام دلّ عَلَيْهِ قَوْله عز وَجل: { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} (الْبَقَرَة: 881) .
الْآيَة.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن خلي بن بشر بن شُعَيْب عَن أبي حَمْزَة عَن أَبِيه بِهِ.

قَوْله: (يكثر الحَدِيث) ، بِضَم الْيَاء من الْإِكْثَار.
قَوْله: (مَا بَال الْمُهَاجِرين؟) أَي: مَا حَالهم؟ قَوْله: (وَإِن إخْوَانِي) ويروى: (إِن إخوتي) أَي: فِي الدّين.
قَوْله: (يشغلهم) بِفَتْح الْيَاء وَهُوَ فعل مُتَعَدٍّ.
قَوْله: (صفق) بالصَّاد الْمُهْملَة، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر.
وَعند غَيره: (سفق) ، بِالسِّين.
.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: كل صَاد تَجِيء قبل الْفَاء، وكل سين تَجِيء بعد الْقَاف، فللعرب فِيهِ لُغَتَانِ: سين وصاد، وَلَا يبالون اتَّصَلت أَو انفصلت بعد أَن تَكُونَا فِي كلمة إلاَّ أَن الصَّاد فِي بعض أحسن وَالسِّين فِي بعض أحسن.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَكَانُوا إِذا تبايعوا تصافقوا بالأكف إِمَارَة لانتزاع البيع، وَذَلِكَ أَن الْأَمْلَاك إِنَّمَا تُضَاف إِلَى الْأَيْدِي، والقبوض تبع لَهَا، فَإِذا تصافقت الأكف انْتَقَلت الْأَمْلَاك واستقرت كل يَد مِنْهَا على مَا صَار لكل وَاحِد مِنْهُمَا من ملك صَاحبه، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ تجارًا وَالْأَنْصَار أَصْحَاب زرع، فيغيبون بهَا عَن حَضْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَكثر أَحْوَاله وَلَا يسمعُونَ من حَدِيثه إلاَّ مَا كَانَ يحدث بِهِ فِي أَوْقَات شهودهم، وَأَبُو هُرَيْرَة حَاضر دهره لَا يفوتهُ شَيْء مِنْهَا: إلاَّ مَا شَاءَ الله، ثمَّ لَا يستولي عَلَيْهِ النسْيَان لصدق عنايته بضبطه وَقلة اسْتِعْمَاله بِغَيْرِهِ، وَقد لحقته دَعْوَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَامَتْ لَهُ الْحجَّة على من أنكر أمره واستغرب شَأْنه.
قَوْله: (على ملْء بَطْني) بِكَسْر الْمِيم أَي: مقتنعا بالقوت.
قَوْله: (فاشهد) أَي: فأحضر إِذا غَابُوا.
قَوْله: (نسوا) ، بِفَتْح النُّون وَضم السِّين المخففة، وَأَصله: نسيوا، فنقلت ضمة الْيَاء إِلَى مَا قبلهَا فَاجْتمع ساكنان فحذفت الْيَاء فَصَارَ: نسوا، على وزن: فعوا.
قَوْله: (وَكَانَ يشغل) ، بِفَتْح الْيَاء وفاعله قَوْله: (عمل أَمْوَالهم) بِالرَّفْع، وإخواني فِي مَحل النصب على المفعولية.
قَوْله: (الصّفة) أَي: صفة مَسْجِد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي كَانَت منزل غرباء فُقَرَاء أَصْحَابه،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: أهل الصّفة، هم فُقَرَاء الْمُهَاجِرين، وَمن لم يكن لَهُ مِنْهُم منزل يسكنهُ، فَكَانُوا يأوون إِلَى مَوضِع يظلل فِي مَسْجِد الْمَدِينَة يسكنونه، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة رئيسهم.
قَوْله: (أعي) أَي: أحفظ، من: وعى يعي وعيا، إِذا حفظ، وَأَصله: أوعى، وحذفت الْوَاو مِنْهُ تبعا ليعي، إِذْ أَصله: يوعى، حذفت الْوَاو مِنْهُ لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة.
قيل: أعي، حَال عَن فَاعل: كنت، وَالْحَال مُقَارن لَهُ، فَكيف يكون هُوَ مَاضِيا وَهَذَا مُسْتَقْبلا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ اسْتِئْنَاف، مَعَ أَنه لَو كَانَ حَالا يَصح لِأَن الْمُضَارع يكون لحكاية الْحَال، وَإِنَّمَا اختصر فِي حق الْأَنْصَار بِهَذَا وَترك ذكر: أشهد إِذا غَابُوا، لِأَن غيبَة الْأَنْصَار كَانَت أقل، وَكَيف لَا وَالْمَدينَة بلدهم ومسكنهم، وَوقت الزِّرَاعَة وَقت مَعْلُوم؟ فَلم يعْتد بغيبتهم لقلتهَا أَو أَن هَذَا عَام للطائفتين، كَمَا: (أَن أشهد إِذا غَابُوا وأحفظ إِذا نسوا) يعم بِأَن يقدر فِي قَضِيَّة الْأَنْصَار أَيْضا بِقَرِينَة السِّيَاق.
قَوْله: (نمرة) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم، وَهِي كسَاء ملون، وَلَعَلَّه أَخذ من النمر لما فِيهِ من سَواد وَبَيَاض.
وَفِي الحَدِيث (الْحِرْص على التَّعَلُّم وإيثار طلبه على طلب المَال، وفضيلة ظَاهِرَة لأبي هُرَيْرَة وَأَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خصّه ببسط رِدَائه وضمه، فَمَا نسي من مقَالَته شَيْئا، قيل: إِذا كَانَ أَبُو هُرَيْرَة أَكثر أخذا للْعلم يكون أفضل من غَيره، لِأَن الْفَضِيلَة لَيست إلاَّ بِالْعلمِ وَالْعَمَل؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من أكثرية الْأَخْذ كَونه أعلم، وَلَا باشتغالهم عدم زهدهم، مَعَ أَن الْأَفْضَلِيَّة مَعْنَاهَا: أكثرية الثَّوَاب عِنْد الله، وأسبابُه لَا تَنْحَصِر فِي أَخذ الْعلم وَنَحْوه، وَقد يكون بإعلاء كلمة الله وَنَحْوه، كَذَا قيل، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: لَا يسْتَلْزم الْأَفْضَلِيَّة فِي نوع، الْأَفْضَلِيَّة فِي كل الْأَنْوَاع، فَافْهَم.