هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1949 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ، أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً ، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1949 حدثني محمد بن رافع ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، حدثني ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة حدثه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أفطر في رمضان ، أن يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين ، أو يطعم ستين مسكينا حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، بهذا الإسناد نحو حديث ابن عيينة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً.


المعنى العام

للعبادة حرمة، ولها قدسية، قد يسبقها استعداد لها وتهيؤ كالصلاة، وقد يصاحبها حماية ووقاية، وتحاط بسياج الفضائل كالصوم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

وإفساد العبادة -أية عبادة- متعمداً دون عذر خطأ في حق مشرعها جل شأنه ربما جر إلى الكفر إن وصل إلى الاستهانة بها والاستهتار بمشروعيتها.

وللصوم في هذا خصوصية من بين العبادات، فالله يقول في الحديث القدسي كل عمل يعمله ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي، إن المفطر متعمداً من غير عذر في نهار رمضان كالمحارب لربه، المفسد لما يخصه جل شأنه، المستهتر بالأجر العظيم الذي يتفضل به على الصائم، ولهذا ورد من أفطر يوماً من رمضان من غير علة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه أي لا يقوم مقام يوم من رمضان صيام العام كل العام وإن صامه ذاك المفطر، وفي رواية من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله تعالى له لم يقض عنه وإن صام الدهر كله.

وقال عبد الله بن مسعود: لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله.
فإن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.

علم الصحابة قدسية شهر رمضان، وعلموا عظم الجريمة في إفطار يوم منه متعمداً بدون عذر، وعلموا أن الإفطار على الجماع في نهار رمضان متوعد عليه، معاقب عليه بكفارة مغلظة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهريين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

فتحرزوا من الوقوع في هذه الجريمة الكبرى، لكن أعرابياً وقع فيها، لم يملك نفسه إذ حام حول الحمى، إن الصحابة ابتعدوا عن مقدمات الجماع مخافة أن تجرهم إليه، وكانوا يسألون عن القبلة في نهار رمضان، وكانوا يجابون بما يحضهم على البعد عنها، لقد قالت لهم عائشة إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل أزواجه في رمضان لكنها أتبعت ذلك بقولها وأيكم يملك إربه [أي شهوته] كما يملك الرسول صلى الله عليه وسلم إربه؟ ويبدو أن هذا الأعرابي لم يملك نفسه حتى وقع، وجاءته الفكرة بعد السكرة، وأفاق من شهوته على إدراك قبح جريرته، فأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، يقول: هلكت يا رسول الله، احترقت يا رسول الله، ما أراني إلا قد هلكت؟ وأخذ يشد في شعره وينتفه، وأخذ يدق صدره بيده، ويلطم وجهه ويحثي التراب على رأسه، ويدعو بالويل والثبور على نفسه، ويصيح: احترقت، احترقت.
فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك؟ ما شأنك؟ ماذا أصابك؟ ويحك؟ ماذا صنعت؟ وما الذي أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان.
قال صلى الله عليه وسلم: بئسما صنعت، هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، ليس عندي والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط.
قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا أستطيع، لا أقدر.
وهل لقيت ما لقيت، ووقعت فيما وقعت فيه إلا من الصيام؟ قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا أجد، لا أستطيع أن أطعم ستين مسكيناً والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي.

قال له صلى الله عليه وسلم: اجلس.
فجلس الرجل يأمل صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله لهذا الأمر فرجاً، يأمل أن يأتيه الوحي بشيء فيه، أو يأتيه من مال الصدقات ما يسد به عنه.

وكان أن جاء رجل يحمل على حماره زنبيلين: زنبيلاً على يمين حماره وزنبيلاً على يساره، أنزلهما على باب المسجد، فأفرغ أحدهما في الآخر، وقدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، زنبيل مليء بالتمر، يبلغ خمسة عشر صاعاً، يبلغ ستين مداً، قدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه صدقة ماله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الرجل الذي أمرته بالجلوس؟ أين المحترق؟ أين الذي قال آنفاً: احترقت، احترقت؟ فقام الرجل ووقف وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ هذا التمر فتصدق به على ستين مسكيناً، كفارة لما صنعت، وفكر الرجل: أتصدق به على مساكين؟ ألست أكبر مسكين في المدينة؟ فقال: يا رسول الله: أتصدق به على أفقر مني؟ إنني أفقر مسكين في المدينة، والله ما بين جبلي المدينة من هو أفقر منا، فوالله إنا لجياع ما لنا من شيء، والله ما لعيالي من طعام، ما لنا عشاء ليلة.
وتعجب صلى الله عليه وسلم من ذكاء الرجل، ومن مقاطع كلامه، ومن حسن توصله إلى هدفه، ومن أدبه في طلبه وتوسله، تعجب من ابن آدم وطبعه الذي يتمثل في حال هذا الرجل، لقد جاء خائفاً على نفسه، راغباً في فدائها بكل ما يمكنه، فلما وجد الرخصة واطمأن إلى فدائها طمع في أن يأكل ويستفيد مما أعطيه فداء، لما اطمأن إلى عدم الخسارة طمع في المكسب.
تعجب صلى الله عليه وسلم، فضحك وتبسم تبسماً كبيراً حتى ظهرت أنيابه، ثم قال للرجل: خذه فأطعمه أهلك، عد به عليك وعلى عيالك.

المباحث العربية

( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، ولا يصح قول من قال: إنه سليمان أو سلمة بن صخر البياضي، لأن سلمة جاء مظاهراً لزوجته ووطئها، بخلاف هذه القصة.
وفي الرواية السادسة، أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان.

( فقال: هلكت) وفي رواية ما أراني إلا قد هلكت، وفي رواية هلكت وأهلكت، وفي الرواية الخامسة احترقت، وفي السادسة احترقت.
احترقت مرتين، ورواية الاحتراق تفسر رواية الهلاك، وكأنه لما اعتقد أن مرتكب هذا الإثم يعذب بالنار، أطلق على نفسه أنه احترق لذلك، أو مراده أنه سيحترق بالنار يوم القيامة، فجعل المتوقع كالواقع، واستعمل الماضي بدل المستقبل.

وفي رواية البيهقي جاء رجل وهو ينتف شعره، ويدق صدره، ويقول: هلك الأبعد وأهلكت وهو يدعو بالويل وفي رواية يلطم وجهه وفي رواية ويحثي على رأسه التراب.

( قال: وما أهلكك) ؟ في رواية للبخاري مالك وفي رواية ويحك ما شأنك؟ وفي روايتنا الخامسة لم؟ وفي السادسة فسأله: ما شأنك؟ وفي رواية وما الذي أهلكك وفي رواية ما ذاك؟ وفي رواية ويحك.
ما صنعت؟ وويح كلمة رحمة.
اسم فعل.

( وقعت على امرأتي في رمضان) في رواية للبخاري وقعت على امرأتي وأنا صائم، وفي روايتنا السادسة أصبت أهلي، وفي رواية وقعت على أهلي اليوم، وفي روايتنا الثانية وقع بامرأته وكل ذلك كناية عن الوطء كما جاء صريحاً في روايتنا الخامسة، ولفظها وطئت امرأتي في رمضان نهاراً.

( هل تجد ما تعتق رقبة) ؟ رقبة منصوب، بدل من ما، وفي روايتنا الثانية هل تجد رقبة؟، وفي رواية للبخاري هل تجد رقبة تعتقها؟، وفي رواية أتجد ما تحرر رقبة؟، وفي رواية أتستطيع أن تعتق رقبة؟، وفي رواية أعتق رقبة، وفي رواية بئسما صنعت.
أعتق رقبة، وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم من غير عذر ولا سقم؟ قال: نعم، قال: بئس ما صنعت.
قال: أجل.
ما تأمرني؟ قال: أعتق رقبة.

( قال: لا) أي لا أجد رقبة، وفي رواية ليس عندي، وفي رواية والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط.

( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين) وفي روايتنا الثانية وهل تستطيع صيام شهرين؟، وفي رواية فصم شهرين متتابعين.

( قال: لا) أي لا أستطيع أن أصوم.
وفي رواية قال: لا أقدر، وفي رواية وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام؟.

( فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً) في الرواية الثانية فأطعم ستين مسكيناً، وفي رواية أفتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟.

( قال: لا) أي لا أستطيع أن أطعم ستين مسكيناً، وفي رواية قال: والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي.

( قال: ثم جلس) في روايتنا الخامسة فأمره أن يجلس، وفي رواية فقال له: اجلس.
فجلس قيل يحتمل أن يكون أمره بالجلوس انتظاراً للوحي في شأنه، ويحتمل أن يكون انتظاراً لورود صدقات يصرف له منها.

( فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر) أتي بضم الهمزة، مبني للمجهول، والعرق -قال النووي- هو بفتح العين والراء.. هذا هو الصواب المشهور في الرواية واللغة، قال القاضي: ورواه كثير من شيوخنا بإسكان الراء، قال القاضي: والصواب الفتح، ويقال للعرق الزبيل بفتح الزاي من غير نون، والزنبيل بكسر الزاي وزيادة نون، ويقال له القفة، والمكتل بكسر الميم وفتح التاء، والسفيفة، بفتح السين وبالفاءين، والعرق عند الفقهاء ما يسع خمسة عشر صاعاً، وهي ستون مداً، لستين مسكيناً، لكل مسكين مد اهـ وفي بعض كتب اللغة: ويقال العرق أيضاً على السفيفة من الخوص قبل أن يجعل منها زنبيلاً.

وفي روايتنا الخامسة فجاءه عرقان فيهما طعام قال الحافظ ابن حجر: المشهور في غير مسلم عرق ورجحه البيهقي، وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة وهو جمع لا نرضاه؛ لاتحاد مخرج الحديث، والأصل عدم التعدد.
والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة، ليكون أسهل في الحمل، فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر، فمن قال: عرقان أراد ابتداء الحال، ومن قال: عرق أراد ما آل إليه.
اهـ.

فقال: تصدق بهذا في روايتنا السادسة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين المحترق آنفاً؟ فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا أي أين الذي وصف نفسه بالمحترق منذ قليل؟ وقال العيني: يدل على أنه كان عامداً، لأنه صلى الله عليه وسلم أثبت له حكم العمد، وأثبت له هذا الوصف، إشارة إلى أنه لو أصر على ذلك لاستحق ذلك.
اهـ وفيه نظر، لأن ثبوت هذا الوصف لا يعلمه إلا الله.

( قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا) ؟ أي أتصدق به على أفقر منا؟ وفي روايتنا السادسة أغيرنا فوالله إنا لجياع، ما لنا شيء، قال النووي: أفقر كذا ضبطناه بالنصب، وكذلك نقل القاضي أن الرواية فيه بالنصب، على إضمار فعل تقديره، أتجد أفقر منا؟ أو أنعطي أفقر منا.
قال: ويصح رفعه على تقدر: هل أحد أفقر منا؟ ثم أغيرنا كذا ضبطناه بالرفع، ويصح الكلام على ما سبق.
هذا كلام القاضي، وقد ضبطنا الثاني بالنصب أيضاً، فهما جائزان، كما سبق توجيههما.
اهـ.

وفي رواية الطبراني إلى من أدفعه؟ قال: إلى أفقر من تعلم وفي رواية أعلى أفقر من أهلي؟ وفي رواية أعلى أهل بيت أفقر مني؟ وفي رواية أعلى أحوج منا، وفي رواية ما أحد أحق به من أهلي.
ما أحد أحوج إليه مني، وفي رواية والله ما لعيالي من طعام، وفي رواية ما لنا عشاء ليلة واللابتان تثنية لابة واللابة الحرة بفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة، وهي الأرض ذات الحجارة السود، والمدينة تقع بين حرتين.
وفي رواية ما بين حرتيها، وفي رواية والذي نفسي بيده ما بين طنبي المدينة تثنية طنب بضم الطاء والنون، جمعه أطناب، والخيمة لها أطناب، واستعاره للطرف.

( حتى بدت أنيابه) قال الحافظ ابن حجر: في رواية إسحق حتى بدت نواجذه والنواجذ الأضراس، وفي رواية حتى بدت ثناياه والثنايا الأسنان.
قال الحافظ: ولعلها تصحيف من أنيابه فإن الثنايا تظهر بالتبسم غالباً؛ وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم.

وقال: قيل: إن سبب ضحكه صلى الله عليه وسلم كان من تباين حال الرجل، حيث جاء خائفاً على نفسه راغباً في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة، وقيل: ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه، وحسن تأتيه، وتلطفه في الخطاب، وحسن توسله في توصله إلى مقصوده.
اهـ ولا مانع من أن يكون كل هذا سبباً.

( اذهب فأطعمه أهلك) في الرواية السادسة فكلوه، وفي رواية خذها وكلها وأنفقها على عيالك وفي رواية عد به عليك وعلى أهلك.

( أن يعتق رقبة أو يصوم) قال النووي: لفظة أو هنا للتقسيم لا للتخيير، تقديره: يعتق، أو يصوم إن عجز عن العتق، أو يطعم إن عجز عنهما.

وسيأتي الكلام على ترتيب الكفارة في فقه الحديث.

( تصدق.
تصدق)
قال النووي: هذا التصدق مطلق، وجاء مقيداً في الروايات الأخرى بإطعام ستين مسكيناً، ستين مداً خمسة عشر صاعاً.
اهـ.

فقه الحديث

قال النووي: مذهبنا ومذهب العلماء كافة وجوب الكفارة على من جامع امرأته في نهار رمضان عامداً جماعاً أفسد به صوم يوم.

وقال في المجموع: إذا أفطر الرجل أو المرأة في نهار رمضان بالجماع بغير عذر لزمه إمساك بقية النهار بلا خلاف، ويجب عليه القضاء، وقال: إذا كفر بالصوم اندرج قضاء اليوم فيه، ولا خلاف أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم توجب عليها كفارة.

ثم قال: واتفق أصحابنا على أنه إذا جامع في يومين أو أيام وجب لكل يوم كفارة، سواء كفر عن الأول أم لا، بخلاف من تطيب ثم تطيب في الإحرام قبل أن يكفر عن الأول، فإنه يكفيه فدية واحدة، لأن الإحرام عبادة واحدة بخلاف اليومين في رمضان وإن جامع زوجته في يوم من رمضان مرتين فأكثر لزمه كفارة واحدة عن الأول، ولا شيء عن الثاني.

هذا مذهب الشافعية وفي المذاهب الأخرى خلاف، ولم تتعرض أحاديثنا لهذه التفصيلات.

وظاهر أحاديث الباب الأول والثاني والثالث وجوب الكفارة، وبهذا قال جمهور العلماء.
قال النووي: وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود والعلماء كافة إلا ما حكي عن الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وقتادة أنهم قالوا: لا كفارة عليه، كما لا كفارة عليه بإفساد الصلاة.
اهـ قيل: واستندوا إلى أنه لو كانت واجبة عليه لما سقطت بالإعسار، ورد بمنع سقوطها بالإعسار، كما سيأتي.

وظاهرها أيضاً أن الكفارة عليه مرتبة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
قال ابن العربي: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر، وليس هذا شأن التخيير.

وقال البيضاوي: ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول [قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين] ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني [قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً] يدل على عدم التخيير، مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال، فينزل منزلة الشرط للحكم.
وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن حبيب من المالكية والمشهور من مذهب أحمد، ووقع في المدونة [ولا يعرف مالك غير الإطعام، ولا يأخذ بعتق ولا صيام] واحتجوا له بأن حديث عائشة -روايتنا الخامسة والسادسة- لم يقع فيه سوى الإطعام، وأجاب الجمهور بأنه قد ورد فيه من وجه آخر ذكر العتق أيضاً، وروى عنه أيضاً القول بالتخيير بين الثلاثة، بين عتق الرقبة وصوم شهرين والإطعام، بل قال: الإطعام أحب إلي من العتق.
مستنداً إلى روايتنا الرابعة، ولفظها أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكيناً فذكر أو للتخير، ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بأن الله ذكره في القرآن رخصة القادر، ثم نسخ هذا الحكم { { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } } [البقرة: 184] ولا يلزم من نسخ الحكم نسخ الفضيلة، ويترجح الإطعام أيضاً لاختيار الله له في حق المفطر بالعذر، وكذا أخبر بأنه في حق من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، ولمناسبة إيجاب الإطعام لجبر فوات الصيام الذي هو إمساك عن الطعام، ولشمول نفعه للمساكين.

ونازع القاضي عياض في ظهور دلالة الترتيب في روايتنا الأولى، وقال: إن مثل هذا قد يستعمل فيما هو على التخيير، وقرره ابن المنير في الحاشية بأن شخصاً لو حنث فاستفتى، فقال له المفتي: أعتق رقبة، فقال: لا أجد فقال: صم ثلاثة أيام....
إلخ لم يكن مخالفاً لحقيقة التخيير، بل يحمل على أن إرشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفارة.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وكل هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام، ثم الإطعام، فإن هذه البداءة إن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضي استحبابه.
وقال ابن دقيق العيد: وهي [أي أقوال المالكية] معضلة، لا يهتدي إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت.
اهـ.

قال الحافظ: ومن المالكية من وافق على استحباب الترتيب الوارد، ومنهم من قال: إن الكفارة، تختلف باختلاف الأوقات، ففي وقت الشدة يكون بالإطعام، وفي غيرها يكون بالعتق أو الصوم، ونقلوه عن بعض محققي المتأخرين، ومنهم من قال: الإفطار بالجماع يكفر بالخصال الثلاث، وبغيره لا يكفر إلا بالإطعام، وهو قول أبي مصعب، وقال ابن جرير الطبري: هو مخير بين العتق والصوم، ولا يطعم إلا عند العجز عنهما.

وجاء عن بعض المتقدمين إهداء البدنة عند تعذر الرقبة.
اهـ.

ثم قال وسلك الجمهور في ذلك [في استدلال المالكية بروايتنا الرابعة] مسلك الترجيح، بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير، فقد روي الترتيب عن الزهري أكثر من ثلاثين نفساً، ورجح الترتيب أيضاً بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها، فمعه زيادة علم من صورة الواقعة، وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث، فدل على أنه من تصرف بعض الرواة، إما لقصد الاختصار، أو لغير ذلك، ويترجح الترتيب أيضاً بأنه أحوط، لأن الأخذ به مجزئ، سواء قلنا بالتخير أولا بخلاف العكس.
اهـ.

هذا.
وفي رواية عن أحمد أن هذه الكفارة على التخيير بين العتق والصيام والإطعام، وبأيها كفر أجزأ.

وأخذ بعضهم من الحديث سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها، لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس، ولا إلى العيال، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره، ولا يتأخر البيان عن وقت الحاجة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عجز الأعرابي عنها قال: أطعمه أهلك، ولم يأمره بكفارة أخرى، ولأنه حق مال، يجب لله تعالى لا على وجه البدل، فلم يجب على العجز، كزكاة الفطر.

وهو أحد قولين للشافعي، ورواية عن أحمد، والجمهور على أنها لا تسقط بالإعسار المقارن لوجوبها، بل تثبت في الذمة، فإذا قدر لزمه قضاؤها، قال النووي: وهو صحيح، لأنه حق لله تعالى، يجب بسبب من جهة المكلف، فلم يسقط بالعجز، كجزاء الصيد، ثم إن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها، فتستقر في الذمة قالوا: وليس في الحديث ما يدل على الإسقاط، وليس فيه نفي استقرار الكفارة في الذمة، قال النووي: بل فيه دليل لاستقرارها، لأن الرجل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الكفارة بأنه عاجز عن الخصال الثلاث [ولم يعفه من الكفارة لإعساره، بل استبقاه] وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق التمر، فأمره بإخراجه، فلو كانت تسقط بالإعسار والعجز لم يكن عليه شيء، ولم يأمره بإخراجه، فدل على ثبوتها في ذمة المعسر.
اهـ.

ويواجه الجمهور [القائل بعدم سقوط الكفارة بالإعسار] إشكالين في الحديث.

الأول: لو كانت لا تسقط بالإعسار، وأن عرق التمر الذي أذن له بأكله قد أعطاه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التمليك المطلق، لا على أنه الكفارة، بل على جهة التصدق عليه وعلى أهله من مال الصدقة، لما ظهر من حاجتهم، لو أن الأمر كذلك لأخبره بأن الكفارة باقية في ذمته، عليه أداؤها عند الاستطاعة، وإلا كان قد أخر البيان عن وقت الحاجة.

اختار هذا الاحتمال بعض الجمهور، وأجاب عن هذا الإشكال بجوابين:

الأول: أن منع تأخير البيان لوقت الحاجة ليس محل اتفاق، بل جمهور الأصوليين أجازه، فلعله صلى الله عليه وسلم أخر البيان، وأخر إعلامه بثبوت الكفارة في ذمته إلى وقت القدرة على إخراجها.

الجواب الثاني: أن هذا ليس من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأن علم الرجل بوجوب الكفارة عليه ثابت مقدماً، ولم يطرأ ما يرفع هذا الثبوت، بل تأكد هذا الثبوت بعدم الإعفاء عند إعلان العجز، فالأمر عند الرجل ليس في حاجة إلى بيان.

الإشكال الثاني: لو كانت لا تسقط بالإعسار، وأن عرق التمر الذي أذن له بأكله، كان صلى الله عليه وسلم أعطاه إياه، وملكه إياه على أنه الكفارة، ومعنى هذا أن الكفارة أديت، فليس في الحديث دلالة على سقوطها بالإعسار، ولا على عدم سقوطها بالإعسار، لو أن الأمر كذلك لما أذن له بإطعامها أهله، لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، فحيث أذن له في ذلك لم يكن هذا العرق كفارة، ولم يطالب بالكفارة، فدل الحديث على سقوطها عنه لعجزه.

واختار هذا الاحتمال بعض الجمهور، وأجاب بعضهم عن الإشكال بأن أكل الرجل من كفارته هنا خاص بهذا الرجل، قاله الزهري، ونحا إمام الحرمين نحوه، قال الحافظ ابن حجر: ورد بأن الأصل عدم الخصوصية.

وأجاب بعضهم بأن ذلك كان شرعاً ونسخ، قال الحافظ: ولم يبين قائله ناسخه.
وأجاب بعض الشافعية بأن المراد بالأهل الذين أمر بصرفها إليهم من لا تلزمه نفقته من أقاربه.
قال الحافظ: وضعف بالرواية الأخرى التي فيها عيالك وبالرواية المصرحة بالإذن له في الأكل من ذلك.

وأجاب بعضهم بأنه لما كان عاجزاً عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم.

واختار الحافظ ابن حجر الاحتمال الأول، وأن الإعطاء لم يكن على سبيل الكفارة، بل على جهة التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم.
قال: والحق أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم: خذ هذا فتصدق به لم يقبضه، بل اعتذر بأنه أحوج إليه من غيره، فأذن له حينئذ في أكله، فلو كان قبضه لملكه ملكاً مشروطاً بصفة، وهو إخراجه عنه بكفارته، لكنه لما لم يقبضه لم يملكه، فلما أذن له صلى الله عليه وسلم في إطعامه لأهله وأكله منه كان تمليكاً مطلقاً بالنسبة إليه وإلى أهله، وأخذهم إياه بصفة الفقر المشروحة، وقد تقدم أنه كان من مال الصدقة، وتصرف النبي فيه تصرف الإمام في إخراج مال الصدقة، فلا يكون فيه إسقاط، ولا أكل المرء من كفارة نفسه، ولا إنفاقه على من تلزمه نفقته من كفارة نفسه.
اهـ.

واستدل بعضهم بالأحاديث على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة لإفراده بالحكم هل تجد كذا؟ هل تجد كذا؟ هل تستطيع صيام شهرين؟ تصدق، أطعم ستين مسكيناًً، وهذا هو الأصح من قول الشافعية، وقال الجمهور: تجب الكفارة على المرأة أيضاً على اختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة، والمطاوعة والمكرهة، وهل هي عليها، أو على الرجل عنها؟ واستدل الشافعي بسكوته صلى الله عليه وسلم عن إعلام المرأة بوجوب الكفارة مع الحاجة، قال الحافظ: وأجيب بمنع وجود الحاجة إذ ذاك، لأنها لم تعترف ولم تسأل، واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكماً ما لم تعترف وبأنها قضية حال، فالسكوت عنها لا يدل على الحكم، لاحتمال أن تكون المرأة لم تكن صائمة لعذر من الأعذار، ثم إن بيان الحكم للرجل بيان في حقها، لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم، كما لم يأمره بالغسل، والتنصيص على الحكم في حق المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين.

قال القرطبي: ليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك، لأنه ساكت عن المرأة، فيؤخذ حكمها من دليل آخر.
اهـ.

واستدل بعضهم بالأحاديث على عدم وجوب قضاء اليوم الذي جامع فيه، لأنه لم يرد للقضاء ذكر فيها.
والجمهور أن عليه القضاء، وعدم الذكر لا يدل على عدم الوجوب، فهو أمر معلوم أن من أفسد الصوم الواجب وجب عليه القضاء.
وقال الأوزاعي: إن كفر بالعتق أو الإطعام صام يوماً مكانه، وإن كفر بصيام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء ذلك اليوم.

واستدل بعضهم من إطلاق الرقبة في أحاديث الباب على جواز المسلمة والكافرة والذكر والأنثى والصغير والكبير، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، والجمهور يشترطون الإيمان حملاً للمطلق هنا على المقيد في كفارة الظهار.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- قال عياض: في الأحاديث أن من جاء مستفتياً فيما فيه الاجتهاد، دون الحدود المحدودة أنه لا يلزمه تعزير ولا عقوبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الأعرابي على هتك حرمة الشهر، لأن في مجيئه واستفتائه ظهور توبته وإقلاعه، قال: ولأنه لو عوقب كل من جاء بجيئة لم يستفت أحد غالباً عن نازلة، مخافة العقوبة بخلاف ما فيه حد محدود، وقد بوب عليه البخاري في كتاب المحاربين: باب من أصاب ذنباً دون الحد، فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد أن جاء مستفتياً.

2- وفيها إعانة المعسر في الكفارة.

3- وأخذ منه بعضهم إعطاء القريب من الكفارة.

4- وأن الهبة والصدقة لا يحتاج فيهما إلى القبول باللفظ، بل القبض كاف.

5- وأن الكفارة لا تجب إلا بعد نفقة من تجب نفقته.

6- وجواز المبالغة في الضحك عند التعجب، لقوله حتى بدت أنيابه.

7- وجواز الحلف وإن لم يستحلف لقول الرجل في الرواية السادسة فوالله إنا لجياع ما لنا من شيء.

والحكم على غلبة الظن، وإن لم يعلم ذلك بالأدلة القطعية، لقول الرجل في الرواية الأولى فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا مع جواز أن يكون بالمدينة أحوج منهم، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

9-واستعمال الكناية فيما يستقبح ظهوره بصريح لفظه، لقوله وقعت، أصبت قال العيني وما ورد في بعض الطرق [روايتنا الخامسة] بلفظ وطئت هو من تصرف الرواة.

10- وأن القول قول الفقير، فيعطى مما يستحقه الفقراء بقوله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكلفه البينة على فقره.

11- والرفق بالمتعلم، والتلطف في التعليم.

12- التأليف على الدين.

13- واستدل بها على جواز إعطاء الصدقة جميعها في صنف واحد.

14- والجلوس في المسجد لغير الصلاة من المصالح الدينية، كنشر العلم.

15- وإعطاء الواحد فوق حاجته الراهنة.

16- أوجب بعضهم الكفارة على من أفطر يوماً من رمضان من غير علة قياساً على الجماع، وذهب بعضهم إلى عدم القضاء في الفطر بالأكل بل يبقى ذلك من ذمته زيادة في عقوبته؛ لأن مشروعية القضاء تقتضي رفع الإثم، واستدل بحديث من أفطر يوماً من رمضان من غير علة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه، والجمهور على وجوب القضاء وعدم الكفارة؛ لأن الفرق بين انتهاك حرمة الشهر بالجماع والأكل ظاهر، فلا يتم القياس.

والله أعلم