هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1921 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَهَى عَنِ الْوِصَالِ ، قَالُوا : إِنَّكَ تُوَاصِلُ ، قَالَ : إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1921 حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، نهى عن الوصال ، قالوا : إنك تواصل ، قال : إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Ibn 'Umar (Allah be pleased with both of them) said that the Messenger of Allah (ﷺ) forbade uninterrupted fasting. They (some of the Companions) said:

You yourself fast uninterruptedly, whereupon he said: I am not like you. I am fed and supplied drink (by Allah).

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال.
قالوا: إنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى.


المعنى العام

يقول تعالى: { { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } } [البقرة: 185] .
ويقول: { { وما جعل عليكم في الدين من حرج } } [الحج: 78] .
ومن رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن خفف عليهم مدة الإمساك في الصيام، فجعلها من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، بعد أن كان معظم الليل داخلاً في الإمساك، وزيادة في التيسير رغب صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطر وتأخير السحور.

إن العبادة بهمة ويقظة ونشاط خير من العبادة المشوبة بالملل والسقم، وليس من البر أن يتكلف الإنسان ما لا يطيق، ولا أن يتشدد ويبالغ في العبادة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: أوغل في الدين برفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وكثيراً ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك الشيء وهو يحب أن يفعله مخافة أن يقتدي به أصحابه فيشق عليهم.

وكثيراً ما كان يقدر على ما لا يقدر عليه أتباعه، وكان يكلفه ربه بما لا يكلف به أمته، ومن هذا الوصال في الصيام، والإمساك عن المفطرات يومين متتاليين أو أكثر دون أن يأكل أو يشرب شيئاً، وكيف لا والقرب والمناجاة يغني عن متاع هذه الحياة، والاستغراق في العبادة ينسي الرغبة في الطعام والشراب.

لقد واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان، وعلم بذلك أصحابه فتأسوا به وواصلوا.
فلما علم بوصالهم نهاهم عن هذا التكلف، وقال: لا تواصلوا إياكم والوصال، فكف البعض عن الوصال، وواصل بعض آخر لم يسمعوا النهي، أو ظنوه رحمة وإشفاقاً مع جوازه وفضله، وكرر صلى الله عليه وسلم النهي، وكرر الصحابة مراجعته يقولون: إنك تواصل وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فدعنا نسارع إلى الخيرات ونواصل كما تواصل.
قال لهم: وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين فقالوا: إنا بنا قوة على الوصال فأذن لنا بالوصال معك.

فلما أبوا أن يكفوا عن الوصال، وتمسكوا به رغبة في المزيد من الأجر، واصل بهم يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من رمضان، فرأوا هلال شوال، فكان الحكم الإفطار الواجب يوم العيد.
فقال لهم صلى الله عليه وسلم ولو مد الشهر ولم نر هلال شوال لزدتكم وصالاً، حتى تقتنعوا بالممارسة أنكم لا تقدرون عليه، وأنه سيشق عليكم، فلا تغلوا في الدين، وتكلفوا من العمل أيسره وما تطيقونه، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.

وصدق قول الله في رسوله صلى الله عليه وسلم { { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } } [التوبة: 128] .

المباحث العربية

( نهى عن الوصال) عبارة النهي وردت في الرواية الرابعة بلفظ إياكم والوصال وفي الرواية الخامسة بلفظ ما بال رجال يواصلون؟ وفي رواية للبخاري إياكم والوصال مرتين، وعند أحمد إياكم والوصال ثلاث مرات، وفي رواية للبخاري بلفظ لا تواصلوا والظاهر من مراجعتهم له صلى الله عليه وسلم أن النهي تعدد بألفاظ مختلفة.

والوصال المراد هنا ترك الأكل والشرب وبقية المفطرات في الليل بين الصومين عمداً بلا عذر، وشذ من خصه بعدم الأكل، وعرفه الحافظ ابن حجر بأنه الترك في ليالي الصيام لما يفطر بالنهار بالقصد.

( قالوا: إنك تواصل) أي ونحن نرغب في الاقتداء والتأسي بك؟ وفي الرواية الثالثة فقال رجل من المسلمين والظاهر أن القائل واحد، ونسب القول للمجموع لرضاهم به، قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمه.

( إني لست كهيئتكم) في الرواية الثانية إني لست مثلكم وفي الثالثة وأيكم مثلي؟ وفي الرابعة إنكم لستم في ذلك مثلي وكلها متقاربة، تنفي المماثلة بينه وبينهم في هذا الأمر، وبين عدم المماثلة بقوله إني أطعم وأسقى.

( إني أطعم وأسقى) ببناء الفعلين للمجهول، وفي الرواية الثالثة والرابعة إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني وفي السادسة إني أظل يطعمني ربي ويسقيني وفي السابعة إني يطعمني ربي ويسقيني وأصل التعبير بأظل يفيد مواصلة العمل نهاراً، وأصل التعبير بأبيت يفيد مواصلة الشيء ليلاً.

قال عنترة:

ولقد أبيت على الطوى وأظله
حتى أنال به كريم المأكل

يقصد أنه قد يعيش ليلاً على الجوع، ويعيش على الجوع كذلك نهاراً ولا يرضى بالأكل الذليل، وكذلك أضحى أصل التعبير بها يفيد المواصلة في الضحى، لكن هذه الألفاظ قد تحمل على مطلق الكون من غير نظر إلى الوقت، ومنه قوله تعالى: { { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً } } [النحل: 58] .
فإن المراد به مطلق الوقت، ولا اختصاص لذلك بنهار دون دليل، وعلى هذا يسقط الاعتراض على القول بأن الطعام والشراب حقيقة، إذ قال المعترض إن ظل لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز أن يكون أكلاً حقيقياً في النهار.

هذا وقد اختلف العلماء في معنى يطعمني ربي ويسقين هل هو على الحقيقة، وأنه يؤتى بطعام وشراب من الجنة؛ فيأكل ويشرب؟ أو هو كناية عن لازم الطعام والشراب، وهو القوة، على معنى أن الله يعطيه قوة الآكل والشارب، فلا يحصل له جوع ولا عطش؟ أو هو كناية عن قوة التحمل، مع وجود الجوع والعطش والإحساس بهما لكن مع القدرة على تحملهما؟ أو كناية عن الاشتغال عن الجوع والعطش بالاستغراق في المناجاة فلا يحس بهما مع وجودهما؟ أقوالاً يأتي الكلام عنها تفصيلاً في فقه الحديث.

( واصل في رمضان فواصل الناس) في الرواية السادسة واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان، فواصل ناس من المسلمين، وفي الرواية الخامسة فأخذ يواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في آخر الشهر، فأخذ رجال من الصحابة يواصلون، قال النووي: في أول شهر رمضان، كذا هو في كل النسخ ببلادنا، وكذا نقله القاضي عن أكثر النسخ، قال: وهو وهم من الراوي، وصوابه آخر شهر رمضان، وهو الموافق للحديث الذي قبله؛ ولباقي الأحاديث.
اهـ لكن يمكن الجمع بين الحديثين، وطريق الجمع أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم واصل في أول رمضان فواصل بوصاله ناس فنهاهم.
وواصل في آخر رمضان فواصل بوصاله ناس آخرون لم يبلغهم النهي الأول، فنهاهم، فلم ينتهوا وأبوا إلا الوصال، فواصل بهم.
ففي الرواية السادسة طي وحذف، والعمل بالروايتين على وجه خير من اتهام الراوي بالوهم.

( واصل بهم يوماً ثم يوماً) قال الحافظ ابن حجر: ظاهره أن قدر المواصلة بهم كانت يومين.
اهـ أقول: إن ظاهره أن قدر المواصلة ثلاثة أيام، لأنه لا يقال: واصل بهم يوماً إلا إذا وصل يوماً بيوم دون إفطار، فقوله ثم يوماً أي ثالثاً.

( ثم رأوا الهلال) ال في الهلال للعهد، أي هلال شوال.

( لو تأخر الهلال لزدتكم) أي لزدتكم وصالاً إلى أن تعجزوا عنه فتسألوا التخفيف عنه بتركه.

( كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا) في رواية للبخاري كالتنكيل لهم والتنكيل المعاقبة، وفي رواية كالمنكر وفي رواية كالمنكى من الكناية.
قال الحافظ ابن حجر: والأول هو الذي تضافرت عليه الروايات.

( فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون) قال الحافظ ابن حجر: اكلفوا بسكون الكاف وضم اللام، وقال النووي: هو بفتح اللام، وفي مختار الصحاح كلف بكذا أي أولع به، وبابه طرب، فهو بفتح اللام.

( حتى كنا رهطاً) أي جمعاً يقرب من تسعة، فالرهط من ثلاثة إلى تسعة.

( فلما حس) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ حس بغير ألف، ويقع في طرق بعض النسخ أحس بالألف، وهو الفصيح الذي جاء به القرآن { { فلما أحس عيسى منهم الكفر } } [آل عمران: 52] .
وأما حس بغير ألف فلغة قليلة، وهذه الرواية تصح على هذه اللغة.

( جعل يتجوز في الصلاة) أي يخفف ويقتصر على الجائز المجزي مع بعض المندوبات، قاله النووي.

( ثم دخل رحله) أي منزله، قال الأزهري: رحل الرجل عند العرب هو منزله، سواء أكان من حجر أو مدر أو وبر أو شعر أو غيرها.

( لا يصليها عندنا) لطولها.

( أما والله لو تماد لي الشهر لواصلت) بتشديد الدال قال النووي: هكذا هو في الأصول، وفي بعضها تمادى وكلاهما صحيح، وهو بمعنى ( مد) في الرواية السادسة.

( لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم) جملة يدع المتعمقون تعمقهم صفة وصالاً وضميرها الرابط محذوف، أي يدع به المتعمقون تعمقهم والمتعمقون المتشددون في الأمور، المجاوزون الحدود في قول أو فعل.
قال الحافظ ابن حجر: والتعمق المبالغة في تكلف ما لم يكلف به، وعمق الوادي قعره.

فقه الحديث

اختلف العلماء في حكم الوصال على خمسة أقوال:

القول الأول: أنه مباح لمن لم يشق عليه.
نقل ذلك عن عبد الله بن الزبير وروي أنه واصل خمسة عشر يوماً، واجتهد لهذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه بعد النهي، فلو كان محرماً لما أقرهم على فعله.

وأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالنهي الرحمة لهم والشفقة عليهم والتخفيف عنهم، كما جاء ذلك في حديث عائشة روايتنا السابعة، وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم، ولم ينكر على من بلغه أنه فعله، ممن لم يشق عليه.

وبأن بعض الصحابة أقدموا على الوصال بعد النهي، فدل على أنهم فهموا أن النهي للتنزيه لا للتحريم.
وإلا لما أقدموا عليه.

وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم سوى في علة النهي بين الوصال وبين تأخير الفطر في حديث رواه أحمد والطبراني وغيرهما بإسناد صحيح عن ليلى امرأة بشير الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، وقال: يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى: { { ثم أتموا الصيام إلى الليل } } فإذا كان الليل فأفطروا فقد سوى بينهما في أن العلة فعل النصارى، ولم يقل أحد بتحريم تأخير الفطر، سوى بعض من لا يعتد به من أهل الظاهر.

ومن حيث المعنى وحكمة التشريع أن في الوصال فطماً للنفس وشهواتها وقمعها عن ملذاتها مما يجعله جائزاً لمن لم يشق عليه، ولم يقصد موافقة أهل الكتاب، ولم يكن فعله رغبة عن السنة في تعجيل الفطر.

القول الثاني أجازه ابن وهب وأحمد وإسحق وابن المنذر وابن خزيمة وجماعة من المالكية إلى السحر.

واستدلوا بحديث البخاري عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر.

ورد أكثر الشافعية على هذا بأن الإمساك إلى السحر ليس وصالاً، بل الوصال أن يمسك في الليل جميعه كما يمسك في النهار، وإنما أطلق على الإمساك إلى السحر وصالاً لمشابهته الوصال في الصورة ثم إن هذا الوصال لا يترتب عليه شيء مما يترتب على غيره، فهو في الحقيقة بمنزلة تأخير عشائه.

القول الثالث: أنه حرام، وقد ذهب إليه الأكثرون وصرح بتحريمه ابن حزم، وصححه ابن العربي من المالكية، وقطع به جمهور الشافعية، واحتجوا بأحاديث النهي عن الوصال وهي كثيرة وصحيحة، كما استدلوا بأحاديث تعجيل الفطر المتقدمة، وبأن الوصال من خصوصياته صلى الله عليه وسلم لقوله وأيكم مثلي فغيره ممنوع منه.

وأجابوا عن مواصلته صلى الله عليه وسلم بأصحابه بعد النهي أنه لم يكن تقريراً، بل تقريعاً وتنكيلاً -كما جاء في روايتنا الثالثة- فاحتمل منهم ذلك لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم، لأنهم إذا باشروه ظهرت لهم حكمة النهي، وكان ذلك أذعن إلى قلوبهم، لما يترتب عليهم من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح، من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك، والجوع الشديد ينافي ذلك.

وأجابوا عن أن النهي أريد به الرحمة بأن الرحمة لا تمنع التحريم، وبأن من رحمته لهم أن حرمه عليهم.

وعن أن الصحابة أقدموا على الوصال بعد النهي بأنه يحتاج إلى دليل يعتد به، ومن نسب إليهم الوصال ندرة، بل لم يثبت لأحد من الصحابة سوى عبد الله بن الزبير، ولعله تأول أحاديثه بما لا يوافق عليه.

وعن التسوية في علة النهي بينه وبين تأخير الفطور بأن الشيء قد يشارك آخر في جزء علة، وينفرد بعلل أخرى، فعلة النهي عن الوصال ليست مخالفة النصارى فحسب، بل ما سبق من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم من وظائف العبادة الأخرى، ومع أنه حرام لا يبطل الصوم كما قال النووي.

القول الرابع: أن الوصال مكروه كراهة تحريم، وعليه كثير من الشافعية، وقد نص الشافعي في الأم على أنه محظور.

ودليله دليل القائلين بتحريمه.

والقول الخامس: أن الوصال مكروه كراهة تنزيه وهو قريب من القائلين بالجواز.

هذا وقد أفاض الحافظ ابن حجر في توجيه قوله صلى الله عليه وسلم أبيت يطعمني ربي ويسقيني فقال: قيل: على الحقيقة، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه، وتعقبه ابن بطال ومن تبعه بأن لو كان كذلك لم يكن مواصلاً، ولو جاءه الطعام والشراب نهاراً لم يكن صائماً.

ورد العلماء على اعتراض ابن بطال، فقال بعضهم: إن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا تجري عليه أحكام المكلفين فيه، كما غسل صدره صلى الله عليه وسلم في طست من الذهب، مع أن استعمال أواني الذهب الدنيوية حرام.

وقال ابن المنير: الذي يفطر شرعاً إنما هو الطعام المعتاد، وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى، وليس تعاطيه من جنس الأعمال، وإنما هو من جنس الثواب، كأكل أهل الجنة في الجنة، والكرامة لا تبطل العادة -ثم قال في موضع آخر: هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشبع والري بالأكل والشرب، ويستمر له ذلك حتى يستيقظ، ولا يبطل بذلك صومه، ولا ينقطع وصاله، ولا ينقص أجره.
اهـ.

وظاهر هذا التوجيه أن الأكل والشرب ليس حقيقياً، وإنما هو حالة نفسية تنشأ من استغراقه صلى الله عليه وسلم في أحواله الشريفة، حتى لا يؤثر فيه حينئذ شيء من الأحوال البشرية.
وقريب من هذا قول من فسر يطعمني ربي ويسقيني أي يشغلني بالتفكير في عظمته والتملي بمشاهدته، والتغذي بمعارفه، وقرة العين بمحبته، والاستغراق في مناجاته والإقبال عليه عن الطعام والشراب، قال ابن القيم: قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد، ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني، ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه، الذي قرت عينه بمحبوبه.
اهـ.

وهذه الحالة مشاهدة فيمن يشغله شاغل مهم عن الأكل.

وقال الجمهور: قوله يطعمني ويسقيني، مجاز عن لازم الطعام والشراب، وهو القوة، فكأنه قال: يعطيني قوة الآكل والشارب، ويفيض علي ما يسد مسد الطعام والشراب، ويقوي على أنواع الطاعات من غير ضعف في القوة ولا كلال في الإحساس فالجوع والعطش يحصلان، لكن الإحساس بهما، أو أثرهما منعدم.

وبعضهم يقول: المعنى أن الله يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب، فلا يحس بجوع ولا عطش، بل لا يجد جوعاً ولا عطشاً، ويضعف هذا القول أنه ينافي حال الصائم، ويفوت المقصود من الصيام والوصال، لأن الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها، قال القرطبي، ويبعده أيضاً النظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع، ويربط على بطنه الحجارة من الجوع.
والله أعلم.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- استواء المكلفين في الأحكام، وأن كل حكم ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته إلا ما استثنى بدليل.
قاله الحافظ ابن حجر.

2- وفيها جواز معارضة المفتي فيما أفتى به إذا كان بخلاف حاله ولم يعلم المستثنى بسر المخالفة.

3- وفيها الاستكشاف عن حكمة النهي.

4- وفيها ثبوت خصائصه صلى الله عليه وسلم، وأن عموم قوله تعالى: { { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } } [الأحزاب: 21] .
مخصوص.

5- وفيها أن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته، ويبادرون إلى الائتساء به، إلا فيما نهاهم عنه.

6- وفيها أن خصائصه لا يتأسى به في جميعها.

7- وفيها بيان قدرة الله تعالى على إيجاد المسببات العاديات من غير سبب ظاهر.

8- وفيها النهي عن التشدد في الدين والتكلف والحث على اليسر وما يطيق المسلم.

9- وفيها شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته، ورحمته بهم.

10- وفيها تعليل الحكم الغريب لتستريح نفس المشتبه.

والله أعلم