هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1665 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيَّانِ ، وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ قَالُوا : حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ ، سَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ ، فَقُلْتُ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِكَ ، وَأَهْلًا يَا ابْنَ أَخِي سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى وَجَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا يَعْنِي ثَوْبًا مُلَفَّقًا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا ، فَصَلَّى بِنَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ، ثُمَّ أُذِّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَصْنَعُ ؟ فَقَالَ : اغْتَسِلِي وَاسْتَذْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ ، قَالَ : جَابِرٌ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ ، وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ ، عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْهُ ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ ، قَالَ جَابِرٌ : لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا ، وَمَشَى أَرْبَعًا ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ . قَالَ : فَكَانَ أَبِي يَقُولُ قَالَ : ابْنُ نُفَيْلٍ ، وَعُثْمَانُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ سُلَيْمَانُ : وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ وَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي ، حَتَّى إِذَا صَعَدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ ، فَصَنَعَ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ ، قَالَ : إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي الْأُخْرَى ، ثُمَّ قَالَ : دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ هَكَذَا مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ ، لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ قَالَ : وَقَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ عَلِيٌّ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَقَالَ : مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا ، فَقَالَتْ : أَبِي ، فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ : بِالْعِرَاقِ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي صَنَعَتْهُ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ ، أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ : إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا ، فَقَالَ : صَدَقَتْ ، صَدَقَتْ مَاذَا ، قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ : قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحْلِلْ قَالَ : وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ ، وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى أَهَلُّوا بِالْحَجِّ ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةٍ ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلَا إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ ، وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دِمَاؤُنَا : دَمُ . قَالَ عُثْمَانُ : دَمُ ابْنُ رَبِيعَةَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ : دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، و قَالَ : بَعْضُ هَؤُلَاءِ كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَانَا : رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ ، اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ ، أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ : كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ ، وَأَدَّيْتَ ، وَنَصَحْتَ ، ثُمَّ قَالَ : بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُبُهَا إِلَى النَّاسِ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حِينَ غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ ، السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ ، قَالَ عُثْمَانُ : وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ، ثُمَّ اتَّفَقُوا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ ، قَالَ سُلَيْمَانُ : بِنِدَاءٍ وَإِقَامَةٍ ، ثُمَّ اتَّفَقُوا ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَرَقِيَ عَلَيْهِ ، قَالَ عُثْمَانُ وَسُلَيْمَانُ : فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ ، زَادَ عُثْمَانُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ، ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا ، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظُّعُنُ يَجْرِينَ ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ ، وَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ ، وَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ ، وَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا ، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّذِي يُخْرِجُكَ إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى ، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ، وَأَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ يَقُولُ : مَا بَقِيَ ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا ، مِنْ مَرَقِهَا قَالَ سُلَيْمَانُ : ثُمَّ رَكِبَ ، ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ : انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1665 حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، وعثمان بن أبي شيبة ، وهشام بن عمار ، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان ، وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء قالوا : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلنا على جابر بن عبد الله فلما انتهينا إليه ، سأل عن القوم حتى انتهى إلي ، فقلت : أنا محمد بن علي بن حسين ، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ، ثم نزع زري الأسفل ، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب ، فقال : مرحبا بك ، وأهلا يا ابن أخي سل عما شئت فسألته وهو أعمى وجاء وقت الصلاة ، فقام في نساجة ملتحفا بها يعني ثوبا ملفقا كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها ، فصلى بنا ورداؤه إلى جنبه على المشجب ، فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بيده فعقد تسعا ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ؟ فقال : اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء ، قال : جابر نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن ، وهو يعلم تأويله فما عمل به من شيء ، عملنا به فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته ، قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت . قال : فكان أبي يقول قال : ابن نفيل ، وعثمان ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال سليمان : ولا أعلمه إلا ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بقل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فكبر الله ووحده وقال : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك ، وقال : مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي ، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا ، حتى إذا كان آخر الطواف على المروة ، قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان معه هدي فقام سراقة بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى ، ثم قال : دخلت العمرة في الحج هكذا مرتين لا بل لأبد أبد ، لا بل لأبد أبد قال : وقدم علي رضي الله عنه ، من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ، ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر علي ذلك عليها ، وقال : من أمرك بهذا ، فقالت : أبي ، فكان علي يقول : بالعراق ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة في الأمر الذي صنعته مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت عنه فأخبرته ، أني أنكرت ذلك عليها فقالت : إن أبي أمرني بهذا ، فقال : صدقت ، صدقت ماذا ، قلت حين فرضت الحج قال : قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإن معي الهدي فلا تحلل قال : وكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة فحل الناس كلهم ، وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان معه هدي ، قال : فلما كان يوم التروية ووجهوا إلى منى أهلوا بالحج ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وأول دم أضعه دماؤنا : دم . قال عثمان : دم ابن ربيعة وقال سليمان : دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، و قال : بعض هؤلاء كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضعه ربانا : ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ، اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم ، أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله وأنتم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت ، ثم قال : بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص وأردف أسامة خلفه ، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، وهو يقول بيده اليمنى السكينة أيها الناس ، السكينة أيها الناس كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، قال عثمان : ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اتفقوا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر حين تبين له الصبح ، قال سليمان : بنداء وإقامة ، ثم اتفقوا ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقي عليه ، قال عثمان وسليمان : فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله ، زاد عثمان ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما ، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظعن يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل ، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ، وحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الشق الآخر ، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر حتى أتى محسرا ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى الذي يخرجك إلى الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها بمثل حصى الخذف فرمى من بطن الوادي ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين ، وأمر عليا فنحر ما غبر يقول : ما بقي ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا ، من مرقها قال سليمان : ثم ركب ، ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوا فشرب منه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Ja’far bin Muhammad reported on the authority of his father “We entered upon Jabir bin ‘Abd Allaah. When we reached him, he asked about the people (who had come to visit him). When my turn came I said “I am Muhammad bin Ali bin Hussain. He patted my head with his hand and undid my upper then lower buttons. He then placed his hand between my nipples and in those days I was a young boy.” He then said “welcome to you my nephew, ask what you like. I questioned him he was blind. The time of prayer came and he stood wrapped in a mantle. Whenever he placed it on his shoulders its ends fell due to its shortness. He led us in prayer while his mantle was placed on a rack by his side. I said “tell me about the Hajj of the Apostle of Allaah(ﷺ).”He signed with his hand and folded his fingers indicating nine. He then said Apostle of Allaah(ﷺ) remained nine years (at Madeenah ) during which he did not perform Hajj, then made a public announcement in the tenth year to the effect that the Apostle of Allaah(ﷺ) was about to (go to) perform Hajj. A large number of people came to Madeenah everyone desiring to follow him and act like him. The Apostle of Allaah(ﷺ) went out and we too went out with him till we reached Dhu Al Hulaifah. Asma’ daughter of ‘Umais gave birth to Muhammad bin Abi Bakr. She sent message to Apostle of Allaah(ﷺ) asking him What should I do?He replied “take a bath, bandage your private parts with a cloth and put on ihram.” The Apostle of Allaah(ﷺ) then prayed (in the masjid) and mounted Al Qaswa’ and his she Camel stood erect with him on its back. Jabir said “I saw (a large number of) people on mounts and on foot in front of him and a similar number on his right side and a similar number on his left side and a similar number behind him. The Apostle of Allaah(ﷺ) was among us, the Qur’an was being revealed to him and he knew its interpretation. Whatever he did, we did it. The Apostle of Allaah(ﷺ) then raised his voice declaring Allaah’s unity and saying “Labbaik ( I am at thy service), O Allaah, labbaik, labbaik, Thou hast no partner praise and grace are Thine and the Dominion. Thou hast no partner. The people too raised their voices in talbiyah which they used to utter. But the Apostle of Allaah(ﷺ) did not forbid them anything. The Apostle of Allaah(ﷺ) continued his talbiyah. Jabir said “We did not express our intention of performing anything but Hajj, being unaware of ‘Umrah (at that season), but when we came with him to the House (the Ka’bah), he touched the corner (and made seven circuits) walking quickly with pride in three of them and walking ordinarily in four. Then going forward to the station of Abraham he recited “And take the station of Abraham as a place of prayer.” (While praying two rak’ahs) he kept the station between him and the House. The narrator said My father said that Ibn Nufail and ‘Uthman said I do not know that he (Jabir) narrated it from anyone except the Prophet (ﷺ). The narrator Sulaiman said I do not know but he (Jabir) said “The Apostle of Allaah(ﷺ) used to recite in the two rak’ahs “Say, He is Allaah, one” and “Say O infidels”. He then returned to the House (the ka’bah) and touched the corner after which he went out by the gate to Al Safa’. When he reached near Al Safa’ he recited “Al Safa’ and Al Marwah are among the indications of Allaah” and he added “We begin with what Allaah began with”. He then began with Al Safa’ and mounting it till he could see the House (the Ka’bah) he declared the greatness of Allaah and proclaimed his Unity. He then said “there is no god but Allaah alone, Who alone has fulfilled His promise, helped His servant and routed the confederates. He then made supplication in the course of that saying such words three times. He then descended and walked towards Al Marwah and when his feet came down into the bottom of the valley, he ran, and when he began to ascend he walked till he reached Al Marwah. He did at al Marwah as he had done at Al Safa’ and when he came to Al Marwah for the last time, he said “If I had known before what I have come to know afterwards regarding this matter of mine, I would not have brought sacrificial animals but made it an ‘Umrah, so if any of you has no sacrificial animals, he may take off ihram and treat it as an ‘Umrah. All the people then took off ihram and clipped their hair except the Prophet (ﷺ) and those who had brought sacrificial animals. Suraqah (bin Malik) bin Ju’sham then got up and asked Apostle of Allaah(ﷺ)does this apply to the present year or does it apply for ever? The Apostle of Allaah(ﷺ) interwined his fingers and said “The ‘Umarh has been incorporated in Hajj. Adding ‘No’, but forever and ever. ‘Ali came from Yemen with the sacrificial animals of the Apostle of Allaah(ﷺ) and found Fathima among one of those who had taken off their ihram. She said put on colored clothes and stained her eyes with collyrium. ‘Ali disliked (this action of her) and asked Who commanded you for this? She said “My father”. Jabir said ‘Ali said at Iraq I went to Apostle of Allaah(ﷺ) to complain against Fathima for what she had done and to ask the opinion of Apostle of Allaah(ﷺ) about which she mentioned to me. I informed him that I disliked her action and that thereupon she said to me “My father commanded me to do this.” He said “She spoke the truth, she spoke the truth.” What did you say when you put on ihram for Hajj? I said O Allaah, I put on ihram for the same purpose for which Apostle of Allaah(ﷺ) has put it on. He said I have sacrificial animals with me, so do not take off ihram. He (Jabir) said “The total of those sacrificial animals brought by ‘Ali from Yemen and of those brought by the Prophet (ﷺ) from Madeenah was one hundred.” Then all the people except the Prophet (ﷺ) and those who had with them the sacrificial animals took off ihram and clipped their hair. When the 8th of Dhu Al Hijjah (Yaum Al Tarwiyah) came, they went towards Mina having pit on ihram for Hajj and the Apostle of Allaah(ﷺ) rode and prayed at Mina the noon, afternoon, sunset, night and dawn prayers. After that he waited a little till the sun rose and gave orders for a tent of hair to be set up at Namrah. The Apostle of Allaah(ﷺ) then sent out and the Quraish did not doubt that he would halt at Al Mash ‘ar Al Haram at Al Muzdalifah, as the Quraish used to do in the pre Islamic period but he passed on till he came to ‘Arafah and found that the tent had been setup at Namrah. There he dismounted and when the sun had passed the meridian he ordered Al Qaswa’ to be brought and when it was saddled for him, he went down to the bottom of the valley and addressed the people saying “Your lives and your property must be respected by one another like the sacredness of this day of yours in the month of yours in this town of yours. Lo! Everything pertaining to the pre Islamic period has been put under my feet and claims for blood vengeance belonging to the pre Islamic period have been abolished. The first of those murdered among us whose blood vengeance I permit is the blood vengeance of ours (according to the version of the narrator ‘Uthman, the blood vengeance of the son of Rabi’ah and according to the version of the narrator Sulaiman the blood vengeance of the son of Rabi’ah bin Al Harith bin ‘Abd Al Muttalib). Some (scholars) said “he was suckled among Banu Sa’d(i.e., he was brought up among Bani Sa’d) and then killed by Hudhail. The usury of the pre Islamic period is abolished and the first of usury I abolish is our usury, the usury of ‘Abbas bin ‘Abd Al Muttalib for it is all abolished. Fear Allaah regarding women for you have got them under Allah’s security and have the right to intercourse with them by Allaah’s word. It is a duty from you on them not to allow anyone whom you dislike to lie on your beds but if they do beat them, but not severely. You are responsible for providing them with food and clothing in a fitting manner. I have left among you something by which if you hold to it you will never again go astray, that is Allaah’s Book. You will be asked about me, so what will you say? They replied “We testify that you have conveyed and fulfilled the message and given counsel. Then raising his forefinger towards the sky and pointing it at the people, he said “O Allaah! Be witness, O Allaah! Be witness, O Allaah! Be witness! Bilal then uttered the call to prayer and the iqamah and he prayed the noon prayer, he then uttered the iqamah and he prayed the afternoon prayer, engaging in no prayer between the two. He then mounted (his she Camel) al Qaswa’ and came to the place of standing , making his she Camel Al Qaswa‘ turn its back to the rocks and having the path taken by those who went on foot in front of him and he faced the qiblah. He remained standing till sunset when the yellow light had somewhat gone and the disc of the sun had disappeared. He took Usamah up behind him and picked the reins of Al Qaswa’ severely so much so that its head was touching the front part of the saddle. Pointing with is right hand he was saying “Calmness, O People! Calmness, O people. Whenever he came over a mound (of sand) he let loose its reins a little so that it could ascend. He then came to Al Muzdalifah where he combined the sunset and night prayers, with one adhan and two iqamahs. The narrator ‘Uthamn said He did not offer supererogatory prayers between them. The narrators are then agreed upon the version He then lay down till dawn and prayed the dawn prayer when the morning light was clear. The narrator Sulaiman said with one adhan and one iqamah. The narrators are then agreed upon the version He then mounted Al Qaswa’ and came to Al Mash’ar Al Haram and ascended it. The narrators ‘Uthaman and Sulaiman said He faced the qiblah praised Allaah, declared His greatness, His uniqueness. ‘Uthamn added in his version and His Unity and kept standing till the day was very clear. The Apostle of Allaah(ﷺ) then went quickly before the sun rose , taking Al Fadl bin ‘Abbas behind him. He was a man having beautiful hair, white and handsome color. When the Apostle of Allaah(ﷺ) went quickly, the women in the howdas also began to pass him quickly. Al Fadl began to look at them. The Apostle of Allaah(ﷺ) placed his hand on the face of Al Fadl , but Al fadl turned his face towards the other side. The Apostle of Allaah(ﷺ) also turned away his hand to the other side. Al Fadl also turned his face to the other side looking at them till he came to (the Valley of) Muhassir. He urged the Camel a little and following a middle road which comes out at the greatest jamrah, he came to the jamrah which is beside the tree and he threw seven small pebbles at this (jamrah) saying “Allah is most great” each time he threw a pebble like bean seeds. He threw them from the bottom of the valley. The Apostle of Allaah(ﷺ) then went to the place of the sacrifice and sacrificed sixty three Camels with his own hand. He then commanded ‘Ali who sacrificed the remainder and he shared him and his sacrificial animals. After that he ordered that a piece of flesh from each Camel should be put in a pot and when it was cooked the two of them ate some of it and drank some of its broth. The narrator Sulaiman said the he mounted afterwards the Apostle of Allaah(ﷺ) went quickly to the House (the Ka’bah) and prayed the noon prayer at Makkah. He came to Banu ‘Abd Al Muttalib who were supplying water at Zamzam and said draw water Banu ‘Abd Al Muttalib were it not that people would take from you the right to draw water, I would draw it along with you. So they handed him a bucket and he drank from it.

شرح الحديث من عون المعبود لابى داود

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    [1905] ( دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمَلٍ مِنَ الْفَوَائِدِ وَنَفَائِسَ مِنْ مُهِمَّاتِ الْقَوَاعِدِ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ كَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ وَأَكْثَرُوا
وَصَنَّفَ فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ جُزْءًا كَثِيرًا
وَخَرَّجَ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ مِائَةً وَنَيِّفًا وَخَمْسِينَ نَوْعًا وَلَوْ تُقُصِّيَ لَزِيدَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ قَرِيبٌ مِنْهُ
وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ زَائِرُونَ أَوْ ضِيفَانٌ وَنَحْوُهُمْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ لِيُنْزِلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَمَرَنَا رسول الله أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ وَفِيهِ إِكْرَامُ أَهْلِ بيت رسول الله كَمَا فَعَلَ جَابِرٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ قَوْلِهِ لِلزَّائِرِ وَالضَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا مَرْحَبًا
وَمِنْهَا مُلَاطَفَةُ الزَّائِرِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَتَأْنِيسُهُ وَهَذَا سَبَبُ حِلِّ جَابِرٍ زِرَّيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَوَضْعِ يَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ
وَقَوْلُهُ وَأَنَا يَوْمئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ فِعْلِ جَابِرٍ ذَلِكَ التَّأْنِيسَ لِكَوْنِهِ صَغِيرًا أَمَّا الرَّجُلُ الْكَبِيرُ فَلَا يَحُسُّ إِدْخَالَ الْيَدِ فِي جَيْبِهِ وَالْمَسْحَ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ
وَمِنْهَا جَوَازُ إِمَامَةِ الْأَعْمَى وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ
وَمِنْهَا أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِ
وَمِنْهَا جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ
( فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ) وَهِيَ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَرِوَايَاتِنَا لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي سَاجَةٍ بِحَذْفِ النُّونِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ قَالَ هُوَ الصَّوَابُ
قَالَ وَالسَّاجَةُ وَالسَّاجُ جَمِيعًا ثَوْبٌ كَالطَّيْلَسَانِ وَشِبْهِهِ قَالَ رِوَايَةُ النُّونِ وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ الْفَارِسِيِّ قَالَ وَمَعْنَاهُ ثَوْبٌ مُلَفَّقٌ قَالَ قَالَ بَعْضُهُمْ النُّونُ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ
قُلْتُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَيَكُونُ ثَوْبًا مُلَفَّقًا عَلَى هَيْئَةِ الطَّيْلَسَانِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ السَّاجُ وَالسَّاجَةُ الطَّيْلَسَانُ وَجَمْعُهُ سِيجَانٌ
انْتَهَى
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ نَسَاجَةٌ كَسَحَابَةٍ ضَرْبٌ مِنْ مَلَاحِفَ مَنْسُوجَةٍ كَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ
انْتَهَى ( يَعْنِي) تَفْسِيرٌ لِلنِّسَاجَةِ ( ثَوْبًا مُلَفَّقًا) أَيْ ضُمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ لَفَقْتُ الثَّوْبَ لَفْقًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ ضَمَمْتُ إِحْدَى الشُّقَّتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَاسْمُ الشُّقَّةِ لِفْقٌ عَلَى وَزْنِ حِمْلٌ وَالْمُلَاءَةُ لِفْقَانِ ( عَلَى الْمِشْجَبِ) بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ جِيمٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ اسْمٌ لِأَعْوَادٍ يُوضَعُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ وَمَتَاعُ الْبَيْتِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ مِشْجَبٌ كَمِنْبَرٍ عيدان تضم رؤوسها وتفرج قوائمها فَيُوضَعُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ ( عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْمُرَادُ حَجَّةُ الْوَدَاعِ ( فَقَالَ) أَيْ أَشَارَ ( فَعَقَدَ) أَيْ بِأَنَامِلِهِ عَدَدَ تِسْعَةٍ ( مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا أَيْ لَبِثَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لَكِنَّهُ اعْتَمَرَ
وَقَدْ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمَرَّ بَيَانُهُ
( ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ) بِلَفْظِ الْمَعْرُوفِ أَيْ أَمَرَ بِأَنْ يُنَادَى بَيْنَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ الْمَجْهُولِ أَيْ نَادَى مُنَادٍ بإذنه ( في العاشرة) مَعْنَاهُ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَأَشَاعَهُ بَيْنَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا لِلْحَجِّ مَعَهُ وَيَتَعَلَّمُوا الْمَنَاسِكَ وَالْأَحْكَامَ وَيُشَاهِدُوا أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وَيُوصِيهِمْ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَتَشِيعَ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَتَبْلُغَ الرِّسَالَةُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ
وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إِيذَانُ النَّاسِ بِالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ لِيَتَأَهَّبُوا بِهَا ( كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ) أَيْ يَطْلُبُ وَيَقْصِدُ ( أَنْ يَأْتَمَّ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ يَقْتَدِيَ ( وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ
قَالَ الْقَاضِي هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَهُ وَلِهَذَا قَالَ جَابِرٌ وَمَا عَمِلَ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ وَمِثْلُهُ تَوَقُّفُهُمْ عَنِ التَّحَلُّلِ بِالْعُمْرَةِ مَا لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى أَغْضَبُوهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ وَتَعْلِيقُ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى إِحْرَامَهُمَا عَلَى إحرام النبي انْتَهَى
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ بَلَغَ جُمْلَةُ من معه مِنْ أَصْحَابِهِ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ تِسْعِينَ أَلْفًا وَقِيلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا انْتَهَى
( وَخَرَجْنَا مَعَهُ) أَيْ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ( حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ) فَنَزَلَ بِهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ وَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَكَانَ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ مَعَهُ فَطَافَ عَلَيْهِنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اغْتَسَلَ غُسْلًا ثَانِيًا لِإِحْرَامِهِ غَيْرَ غُسْلِ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمِرْقَاةِ ( اغْتَسِلِي) فِيهِ اسْتِحْبَابُ غُسْلِ الْإِحْرَامِ لِلنُّفَسَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ ( وَاسْتَذْفِرِي) وَالِاسْتِذْفَارُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَنْ تَشُدَّ فَرْجَهَا بِخِرْقَةٍ لِتَمْنَعَ سَيَلَانَ الدَّمِ أَيْ شُدِّي فَرْجَكِ
وَفِيهِ صِحَّةُ إِحْرَامِ النُّفَسَاءِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ( فِي الْمَسْجِدِ) الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ ( ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ) هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِالْمَدِّ
قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْعَذَرِيِّ الْقُصْوَى بِضَمِّ الْقَافِ والقصر
قال وهو خطأ قال بن قتيبة كانت للنبي نُوقٌ الْقَصْوَاءُ وَالْجَدْعَاءُ وَالْعَضْبَاءُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ التَّابِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِنَّ الْعَضْبَاءَ وَالْقَصْوَاءَ وَالْجَدْعَاءَ اسْمٌ لِنَاقَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ( نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مَدِّ بَصَرِي وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ مُنْتَهَى بَصَرِي وَأَنْكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ مَدَّ بَصَرِي وَقَالَ الصَّوَابُ مَدَى بَصَرِي وَلَيْسَ هُوَ بِمُنْكَرٍ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ وَالْمَدُّ أَشْهَرُ ( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ) فِيهِ جَوَازُ الْحَجِّ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وعلى كل ضامر وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا فَقَالَ مَالِكٌ والشافعي وجمهور العلماء الركوب أفضل اقتداء بالنبي وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى وَظَائِفِ مَنَاسِكِهِ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ نَفَقَةً
وَقَالَ دَاوُدُ مَاشِيًا أَفْضَلُ لِمَشَقَّتِهِ ( يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) مَعْنَاهُ الْحَثُّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِمَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ فِعْلِهِ فِي حجته تلك ( فأهل رسول الله) أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ ( بِالتَّوْحِيدِ) أَيْ إِفْرَادِ التَّلْبِيَةِ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مُخَالَفَتِهَا ( فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ) هَكَذَا فِي نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ وَبَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ لَفْظُ يَرُدُّ بِالرَّاءِ بَعْدَ الْيَاءِ مِنْ رَدَّ يَرُدُّ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ بِالزَّايِ بَعْدَ الْيَاءِ مِنَ الزِّيَادَةِ أَيْ فَلَمْ يزد رسول الله شَيْئًا مِنْهُ وَأَخَذَ هَذِهِ النُّسْخَةَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا روي من زيادة الناس في التلبية مِنَ الثَّنَاءِ وَالذِّكْرِ كَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ مرهوبا منك ومرغوبا إليك
وعن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَبَّيْكَ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى تلبية رسول الله وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ( وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ تَلْبِيَتَهُ) أَيْ يُرَدِّدُهَا فِي مَوَاضِعَ ( قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ ( لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ) أَيْ مَعَ الْحَجِّ أَيْ لَا نَرَى الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ كَوْنِ الْعُمْرَةِ مَحْظُورَةً فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ
وَقِيلَ مَا قَصَدْنَاهَا وَلَمْ تَكُنْ فِي ذِكْرِنَا
وَالْمَعْنَى لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ مَقْرُونَةً بِالْحَجَّةِ أَوِ الْعُمْرَةَ الْمُفْرَدَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الصَّحَابَةَ خَرَجُوا مَعَهُ لا يعرفون إلا الحج فبين لَهُمْ وُجُوهَ الْإِحْرَامِ وَجَوَّزَ لَهُمُ الِاعْتِمَارَ فِي أشهر الحج فقال من أحب يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ ( فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) فِيهِ أَنَّ الطَّوَافَ سَبْعُ طَوَافَاتٍ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمُلَ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ وَيَمْشِيَ عَلَى عَادَتِهِ فِي الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ وَالرَّمَلُ هُوَ أَسْرَعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَهُوَ الْخَبَبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ الرَّمَلُ إِلَّا فِي طَوَافٍ وَاحِدٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ
أَمَّا إِذَا طَافَ فِي غَيْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا رَمَلَ وَلَا يُسْرِعُ أَيْضًا فِي كُلِّ طَوَافِ حَجٍّ وَإِنَّمَا يُسْرِعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا طَوَافٌ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَيُتَصَوَّرُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ وَيُسَنُّ الِاضْطِبَاعُ فِي طَوَافِ يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ( اسْتَلَمَ الرُّكْنَ) أَيْ مَسَحَهُ بِيَدِهِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ طَوَافٍ وَأَرَادَ بِهِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَأَطْلَقَ الرُّكْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ غَلَبَ عَلَى الْيَمَانِيِّ ( فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ طَائِفٍ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُمَا وَاجِبَتَانِ أَمْ سُنَّتَانِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي الْحِجْرِ وَإِلَّا فَفِي الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَفِي مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَلَوْ صَلَّاهَا فِي وَطَنِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ جَازَ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ وَلَا يُفَوِّتُ هَذِهِ الصَّلَاةَ مَا دَامَ حَيًّا
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ أَطْوِفَةً اسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِيبَ كُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ أَطْوِفَةً بِلَا صَلَاةٍ ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَ الْأَطْوِفَةِ لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ
قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وعائشة وطاووس وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يوسف وكرهه بن عُمَرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأبو ثور ومحمد بن الحسن وبن الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ( قَالَ) أَيْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ( فَكَانَ أَبِي) مُحَمَّدُ بن علي يقول في روايته ( قال بن نُفَيْلٍ وَعُثْمَانُ) أَيْ فِي حَدِيثَيْهِمَا ( وَلَا أَعْلَمُهُ) أَيْ لَا أَعْلَمُ جَابِرًا ( ذَكَرَهُ) هَذَا الْأَمْرَ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ بِالسُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ ( إلا عن النبي) وَمِنْ قَوْلِهِ وَلَا أَعْلَمُهُ مَقُولَةً يَقُولُ أَيْ كَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُ جَابِرًا ذَكَرَ هذه القراءة إلا عن النبي ( قَالَ سُلَيْمَانُ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي حَدِيثِهِ ( وَلَا أَعْلَمُهُ) أَيْ جَابِرًا ( إِلَّا قَالَ) جَابِرٌ في قراءة السورتين ( قال رسول الله كذا)
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذكره إلا عن النبي كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد وقل ياأيها الكافرون
( قَالَ النَّوَوِيُّ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ أَبِي يَعْنِي مُحَمَّدًا يَقُولُ إِنَّهُ قَرَأَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ
قَالَ جَعْفَرٌ وَلَا أَعْلَمُ أَبِي ذَكَرَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ عَنْ قِرَاءَةِ جَابِرٍ فِي صَلَاةِ جَابِرٍ بَلْ عَنْ جابر عن قراءة النبي فِي صَلَاتِهِ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الفاتحة قل ياأيها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قُلْ هُوَ الله أحد وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النبي فَلَيْسَ هُوَ شَكًّا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْعِلْمِ تُنَافِي الشَّكَّ بَلْ جَزَمَ بِرَفْعِهِ إِلَى النبي وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جابر أن النبي طَافَ بِالْبَيْتِ فَرَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثًا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما قل ياأيها الكافرون وقل هو الله أحد ( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفِ طَوَافُ الْقُدُومِ إِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ وَصَلَاتِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِيَسْعَى وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِلَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَمْ دَمٌ ( ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ) أَيِ الصَّفَا ( إِلَى الصَّفَا) أَيْ جَبَلِ الصَّفَا
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّ السَّعْيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَبْدَأَ مِنَ الصَّفَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ
وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ النبي قال ابدأوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ هَكَذَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي هَذَا الرُّقِيِّ خِلَافٌ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ سَعْيُهُ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ
وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ إِنْ أَمْكَنَهُ فِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الصَّفَا مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِهَذَا الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ وَيَدْعُوَ وَيُكَرِّرَ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( أَنْجَزَ وَعْدَهُ) أَيْ وَفَى وَعْدَهُ بِإِظْهَارِهِ تَعَالَى للدين ( ونصر عبده) يريد به نَفْسَهُ ( وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ) فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ ( وَحْدَهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قِتَالِ الْآدَمِيِّينَ وَلَا سَبَبَ لانهزامهم كما أشار إليه قوله تعالى وأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها أَوِ الْمُرَادُ كُلُّ مَنْ تَحَزَّبَ لِحَرْبِ رَسُولِ الله فَإِنَّهُ هَزَمَهُمْ وَكَانَ الْخَنْدَقُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ ( ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ بَيْنَ مَرَّاتِ هَذَا الذِّكْرِ بِمَا شَاءَ وَقَالَ الذِّكْرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قاله السندي
وقال القارىء إِنَّهُ دَعَا بَعْدَ فَرَاغِ الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنَ الذِّكْرِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ ( حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ) أَيِ انْحَدَرَتْ فِي السَّعْيِ مَجَازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ صَبَّ الْمَاءَ فَانْصَبَّ ( رَمَلَ) وَفِي الْمُوَطَّأِ سَعَى وَهُوَ بِمَعْنَى رَمَلَ ( فِي بَطْنِ الْوَادِي) أَيِ الْمَسْعَى وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَفْرَجٌ بَيْنَ جِبَالٍ أَوْ تِلَالٍ أَوْ آكَامٍ يَعْنِي انْحَدَرَتْ قَدَمَاهُ بِالسُّهُولَةِ فِي صَيِّبٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُنْحَدِرُ الْمُنْخَفِضُ مِنْهَا أَيْ حَتَّى بَلَغَتَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ إِلَى أَرْضٍ مُنْخَفِضَةٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السَّعْيِ الشَّدِيدِ فِي بطن الوادي حَتَّى يَصْعَدَ ثُمَّ يَمْشِي بَاقِيَ الْمَسَافَةِ إِلَى الْمَرْوَةِ عَلَى عَادَةِ مَشْيِهِ وَهَذَا السَّعْيُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنَ الْمَرَاتِبِ السَّبْعِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَالْمَشْيُ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا قَبْلَ الْوَادِي وَبَعْدَهُ وَلَوْ مَشَى فِي الْجَمِيعِ أَوْ سَعَى فِي الْجَمِيعِ أَجْزَأَهُ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ
هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ
وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَرَكَهُ السَّعْيُ الشَّدِيدُ فِي مَوْضِعِهِ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِيَةُ تَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ ( فَصَنَعَ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا) مِنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالرُّقِيِّ كَمَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الذَّهَابَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ يُحْسَبُ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مِنَ الْمَرْوَةِ إِلَى الصَّفَا ثَانِيَةً وَالرُّجُوعُ إِلَى الْمَرْوَةِ ثَالِثَةً وَهَكَذَا فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ السَّبْعِ مِنَ الصَّفَا وَآخِرُهَا بِالْمَرْوَةِ ( قَالَ) النبي وَهُوَ جَوَابُ إِذَا ( إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ) أَيْ لَوْ عَلِمْتُ فِي قَبْلِ ( مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ) أَيْ مَا عَلِمْتُهُ فِي دُبُرٍ مِنْهُ
وَالْمَعْنَى لَوْ ظَهَرَ لِيَ هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي رَأَيْتُهُ الْآنَ لَأَمَرْتُكُمْ بِهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِي وَابْتِدَاءِ خُرُوجِي ( لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ) بِضَمِّ السِّينِ يَعْنِي لَمَا جَعَلْتُ عَلَيَّ هَدْيًا وَأَشْعَرْتُهُ وَقَلَّدْتُهُ وَسُقْتُهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَإِنَّهُ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ وَلَا يَنْحَرُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسُقْ إِذْ يَجُوزُ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ إِنَّمَا قَالَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وليعلموا أن الْأَفْضَلَ لَهُمْ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ إِذْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَرْكُ الِاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ
وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَجْعَلُ التَّمَتُّعَ أَفْضَلَ وَهَذَا صريح في أنه لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ( وَلَجَعَلْتُهَا) أَيِ الْحَجَّةَ ( عُمْرَةً) أَيْ جَعَلْتُ إِحْرَامِي بِالْحَجِّ مَصْرُوفًا إِلَى الْعُمْرَةِ كَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مُوَافَقَةً ( لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ) الْهَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَعَ الْكِسْرَةِ ( فَلْيَحْلِلْ) بِسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ لِيَصِرْ حَلَالًا وَلْيَخْرُجْ مِنْ إِحْرَامِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ( وَلْيَجْعَلْهَا) أَيِ الْحَجَّةَ ( عُمْرَةً) إِذْ قَدْ أُبِيحَ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ حتى يستأنف الإحرام للحج قاله القارىء
( فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ) هُوَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا ذَكَرَهُمَا الْجَوْهَرِيُّ ( أَلِعَامِنَا هَذَا) أَيْ جَوَازُ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَوِ الْإِتْيَانُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ مَعَ الْحَجِّ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ السَّنَةِ ( أَمْ لِلْأَبَدِ) أَيْ مِنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ ( هَكَذَا) أَيْ كَالتَّشْبِيكِ ( مَرَّتَيْنِ) أَيْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ ( لَا) أَيْ لَيْسَ لِعَامِنَا هَذَا فَقَطْ ( بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ) بِإِضَافَةِ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي أَيْ آخِرِ الدَّهْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ وَكَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فقال يارسول اللَّهِ أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ أَيْ مَخْصُوصَةٌ بِهِ لَا تَجُوزُ فِي غَيْرِهِ أَمْ لِجَمِيعِ الْأَعْصَارِ فَقَالَ هِيَ لِلْأَبَدِ أَيْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ لِجَمِيعِهَا إِلَى أَبَدِ الْآبَادِ
وَهَذَا أَصْرَحُ دَلِيلٍ عَلَى فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ
فَمَعْنَى قَوْلِ سُرَاقَةَ أَلِعَامِنَا هَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالظَّاهِرِيَّةِ أَهَلِ الْفَسْخُ لِعَامِنَا هَذَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَهَلِ التَّمَتُّعُ لِعَامِنَا هَذَا فعلى الأولى معنى قوله دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ أَيْ دَخَلَتْ نِيَّةُ الْعُمْرَةِ فِي نِيَّةِ الْحَجِّ بِحَيْثُ إِنَّ مَنْ نَوَى الْحَجَّ صَحَّ الْفَرَاغُ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ وَعَلَى الثَّانِي حَلَّتِ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَصَحَّتْ قَالُوا وَالْمَقْصُودُ إِبْطَالُ مَا زَعَمَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجُوزُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ جَوَازُ الْقِرَانِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ دَخَلَتْ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالُوا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْفَسْخِ هَلْ هُوَ خَاصٌّ لِلصَّحَابَةِ أَمْ لِتِلْكَ السَّنَةِ أَمْ بَاقٍ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَيْسَ خَاصًّا بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَقْلِبَ إِحْرَامَهُ عُمْرَةً وَيَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِهَا
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ انْتَهَى
قَالَ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ البراء وغضبه لَمَّا لَمْ يَفْعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْفَسْخِ وَنَحْنُ نُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْنَا أَنَّا لَوْ أَحْرَمْنَا بِحَجٍّ لَرَأَيْنَا فَرْضًا عَلَيْنَا فَسْخَهُ إِلَى عمرة تفاديا من غضب رسول الله وَاتِّبَاعًا لِأَمْرِهِ
فَوَاللَّهِ مَا نُسِخَ هَذَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا صَحَّ حَرْفٌ وَاحِدٌ يُعَارِضُهُ وَلَا خُصَّ بِهِ أَصْحَابُهُ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ بَلْ أَجْرَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ سُرَاقَةَ أَنْ سَأَلَهُ هَلْ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ أَمْ لَا فَأَجَابَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لِأَبَدِ الْأَبَدِ فَمَا نَدْرِي مَا يُقَدَّمُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا الْأَمْرُ الْمُؤَكَّدُ الَّذِي غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْبَيَانِ فِي بَابِ إِفْرَادِ الْحَجِّ
( بِبُدْنٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ جَمْعُ بَدَنَةٍ ( صَبِيغًا) أَيْ مَصْبُوغًا ( فَأَنْكَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ عَلَيْهَا) فِيهِ إِنْكَارُ الرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ مَا رَآهُ مِنْهَا مِنْ نَقْصٍ فِي دِينِهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَأَنْكَرَ ( قَالَ) أَيْ جَابِرٌ ( يَقُولُ بِالْعِرَاقِ) أَيْ حِينَ كَانَ فِيهِ ( محرشا على فاطمة) التحريش الإغراء والمراد ها هنا أَنْ يَذْكُرَ لَهُ مَا يَقْتَضِي عِتَابَهَا ( قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ) فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ فُلَانٍ ( فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ) وَفِيهِ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخُصُوصِ لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَحِلَّ وَلَمْ تَكُنْ مِمَّنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَيْ معظمهم ( وَقَصَّرُوا) وَلَمْ يَحْلِقُوا مَعَ أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَبْقَى شَعْرٌ يُحْلَقُ فِي الْحَجِّ فَلَوْ حَلَقُوا لَمْ يَبْقَ شَعْرٌ فَكَانَ التقصير ها هنا أَحْسَنَ لِيَحْصُلَ فِي النُّسُكَيْنِ إِزَالَةُ شَعْرٍ ( فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ) هُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَرْتَوُونَ وَيَشْرَبُونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ وَيَسْقُونَ الدَّوَابَّ لِمَا بَعْدَهُ
وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ أحدا إِلَى مِنًى قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ
وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ ( فَرَكِبَ رَسُولُ الله إِلَخْ) فِيهِ بَيَانُ سُنَنٍ إِحْدَاهَا أَنَّ الرُّكُوبَ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ كَمَا أَنَّهُ فِي جُمْلَةِ الطَّرِيقِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْأَفْضَلُ فِي جُمْلَةِ الْحَجِّ الرُّكُوبُ إِلَّا فِي مَوَاطِنِ الْمَنَاسِكِ وَهِيَ مَكَّةُ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةُ وَعَرَفَاتٌ وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَهَا
وَالسُّنَّةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُصَلِّيَ بِمِنًى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ
وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَبِيتَ بِمِنًى هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهَذَا الْمَبِيتُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ ( حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ مِنًى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ عَرَفَاتٍ وَهِيَ مُنْتَهَى أَرْضِ الْحَرَمِ وَكَانَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ النُّزُولِ بِنَمِرَةٍ إِذَا ذَهَبُوا مِنْ مِنًى لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَدْخُلُوا عَرَفَاتٍ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا
فَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْزِلُوا بِنَمِرَةٍ فَمَنْ كَانَ لَهُ قُبَّةٌ ضَرَبَهَا وَيَغْتَسِلُونَ لِلْوُقُوفِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ سَارَ بِهِمُ الْإِمَامُ إِلَى مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخَطَبَ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَخُفِّفَتِ الثَّانِيَةُ جِدًّا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُمَا صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جامعا بينهما فإذا فرغ من الصلاة سارا إِلَى الْمَوْقِفِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الِاسْتِظْلَالِ لِلْمُحْرِمِ بِقُبَّةٍ وَغَيْرِهَا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِلنَّازِلِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ لِلرَّاكِبِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ كَثِيرُونَ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْقِبَابِ وَجَوَازُهَا مِنْ شَعْرٍ ( وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَخْ) أَيْ إِنَّهُمْ لَمْ يشكوا في المخالفة بل تحققوا أنه يَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ مِنْ مَوَاقِفِ الحمس أَهْلِ حَرَمِ اللَّهِ ( فَأَجَازَ) أَيْ تَجَاوَزَ عَنِ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى عَرَفَاتٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى هَذَا أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقِفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ جَبَلٌ فِي الْمُزْدَلِفَةِ يُقَالُ لَهُ قُزَحُ وَقِيلَ إِنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ كُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَتَجَاوَزُونَ الْمُزْدَلِفَةَ وَيَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ فَظَنَّتْ قُرَيْشٌ أَنَّ النبي يَقِفُ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَلَا يتجاوز فتجاوزه النبي إِلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاض الناس أَيْ سَائِرُ الْعَرَبِ غَيْرَ قُرَيْشٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقِفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَنَّهَا مِنَ الْحَرَمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ حَرَمِ اللَّهِ فَلَا نَخْرُجُ مِنْهُ ( حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ) مَجَازٌ وَالْمُرَادُ قَارَبَ عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ وَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ بِنَمِرَةٍ فَنَزَلَ بِهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ نَمِرَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَاتٍ وَأَنَّ دُخُولَ عَرَفَاتٍ قَبْلَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْقُبَّةُ هِيَ خَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ ( حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ) أَيْ مَالَتْ وَزَالَتْ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْغَرْبِ ( أَمَرَ بالقصواء) لقب ناقة رسول الله وَلَمْ تَكُنْ قَصْوَاءَ أَيْ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ أَيْ بِإِحْضَارِهَا ( فَرُحِلَتْ) هُوَ بِتَخْفِيفِ الْحَاءِ أَيْ جُعِلَ عَلَيْهَا الرَّحْلُ ( بَطْنَ الْوَادِي) هُوَ وَادِي عُرَنَةَ بضم العين وفتح الراي وَبَعْدَهَا نُونٌ وَلَيْسَتْ عُرَنَةُ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَالِكًا فَقَالَ هِيَ مِنْ عَرَفَاتٍ ( فَخَطَبَ النَّاسَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَخَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّةُ
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ فِي الْحَجِّ أَرْبَعُ خُطَبٍ مَسْنُونَةٍ إِحْدَاهَا يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَخْطُبُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالثَّانِيَةُ هَذِهِ الَّتِي بِبَطْنِ عرنة يوم عرفات والثالثة يوم النحر وَالرَّابِعَةُ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي من أيام التشريق
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكُلُّ هَذِهِ الْخُطَبُ أَفْرَادٌ وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَّا الَّتِي يَوْمَ عَرَفَاتٍ فَإِنَّهَا خُطْبَتَانِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُعَلِّمُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ مِنْ هَذِهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى ( فَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ) أَيْ تَعَرُّضُهَا ( عَلَيْكُمْ حَرَامٌ) أَيْ لَيْسَ لِبَعْضِكُمْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِبَعْضٍ فَيُرِيقَ دَمَهُ أَوْ يَسْلُبَ مَالَهُ ( كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا) يَعْنِي تَعَرُّضُ بَعْضِكُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ وَأَمْوَالَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ كَحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لَهُمَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ ( فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) أَيْ ذِي الْحِجَّةِ ( فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) أَيْ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمَ الْمُحْتَرَمَ
وَفِيهِ تَأْكِيدٌ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ حُرْمَةِ الزَّمَانِ وَاحْتِرَامِ الْمَكَانِ فِي تَشْبِيهِ حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَبَدَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ مُتَأَكِّدَةُ التَّحْرِيمِ شَدِيدَتُهُ
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَإِلْحَاقِ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ قِيَاسًا ( أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ ( إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ) أَيْ فَعَلَهُ أَحَدُكُمْ ( مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ( تَحْتَ قَدَمَيَّ) بِالتَّثْنِيَةِ ( مَوْضُوعٌ) أَيْ كَالشَّيْءِ الْمَوْضُوعِ تَحْتَ الْقَدَمِ وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ إِبْطَالِهِ وَالْمَعْنَى عَفَوْتُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَعَلَهُ رَجُلٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ حَتَّى صَارَ كَالشَّيْءِ الْمَوْضُوعِ تَحْتَ الْقَدَمِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِبْطَالُ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَبُيُوعِهَا الَّتِي لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا قَبْضٌ وَأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِهَا وَأَنَّ الْإِمَامَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَإِلَى طِيبِ نَفْسِ مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ ( وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ) أَيْ مَتْرُوكَةٌ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ أَعَادَهَا لِلِاهْتِمَامِ أَوْ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ ( وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ) أَيْ أَضَعُهُ وَأَتْرُكُهُ ( دِمَاؤُنَا) أَيِ الْمُسْتَحَقَّةُ لَنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ دِمَاءُ أَقَارِبِنَا وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ ابْتَدَأَ فِي وَضْعِ الْقَتْلِ وَالدِّمَاءِ بِأَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ لِيَكُونَ أَمْكَنَ فِي قُلُوبِ السَّامِعِينَ وأسد لباب الطمع بترخص فيه ( دم بن ربيعة) اسمه إياس هو بن عم النبي
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَالْجُمْهُورُ اسْمُ هَذَا الِابْنِ إِيَاسُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
وَقَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ
قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قِيلَ هُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ بن ربيعة لأن ربيعة عاش بعد النبي إِلَى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَتَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَقَالَ دَمُ رَبِيعَةَ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الدَّمِ فَنَسَبَهُ إِلَيْهِ انْتَهَى
( كَانَ مُسْتَرْضَعًا) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ كَانَ لِابْنِهِ ظِئْرٌ تُرْضِعُهُ ( فَقَتَلَتْهُ) أي بن رَبِيعَةَ ( هُذَيْلٌ) وَكَانَ طِفْلًا صَغِيرًا يَحْبُو بَيْنَ الْبُيُوتِ فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فِي حَرْبِ بَنِي سَعْدٍ مَعَ قَبِيلَةِ هُذَيْلٍ فَقَتَلَهُ ( وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) يُرِيدُ أَمْوَالَهُمُ الْمَغْصُوبَةَ وَالْمَنْهُوبَةَ
وَإِنَّمَا خَصَّ الرِّبَا تَأْكِيدًا لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ مَعْقُولٌ فِي صُورَةِ مَشْرُوعٍ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ( وَأَوَّلُ رِبًا) أَيْ زَائِدٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ( أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) قِيلَ إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ رِبَانَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ خَبَرٌ وَقَوْلُهُ ( فَإِنَّهُ) أَيِ الرِّبَا أَوْ رِبَا عَبَّاسٍ ( مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ وَالْمُرَادُ الزَّائِدُ عَلَى رَأْسِ المال
قال تعالى وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الزَّائِدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كما قال تعالى وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم وَأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ فَإِذَا وُضِعَ الرِّبَا فَمَعْنَاهُ وَضْعُ الزِّيَادَةِ وَالْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الرَّدُّ وَالْإِبْطَالُ ( فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ) أَيْ فِي حَقِّهِنَّ والفاء فصيحة وهو معطوف على ماسبق مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيِ اتَّقُوا اللَّهَ فِي اسْتَبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَنَهَبِ الْأَمْوَالِ وَفِي النِّسَاءِ ( فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ) أَيْ بِعَهْدِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ ( وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ) أَيْ بِشَرْعِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَانْكِحُوا وَقِيلَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَيْ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا ( وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ) أَيْ مِنَ الْحُقُوقِ ( أَنْ لَا يُوطِئْنَ) بِهَمْزَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا بِالتَّخْفِيفِ صِيغَةُ جَمْعِ الْإِنَاثِ مِنَ الْإِيطَاءِ أَيِ الْإِفْعَالِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ ( فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ) أَيْ لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ مَنَازِلَ الْأَزْوَاجِ وَالنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ( فَإِنْ فَعَلْنَ) أَيِ الإيطاء المذكور ( فاضربوهن) قال بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ
الْمَعْنَى لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ فَيَتَحَدَّثُ إِلَيْهِنَّ وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ نَهَى عَنْ مُحَادَثَتِهِنَّ وَالْقُعُودِ إِلَيْهِنَّ وَلَيْسَ هَذَا كِنَايَةٌ عن الزنى وَإِلَّا كَانَ عُقُوبَتُهُنَّ الرَّجْمَ دُونَ الضَّرْبِ ( ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مُجَرِّحٍ أَوْ شَدِيدٍ شَاقٍّ ( وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ) مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَفِي مَعْنَاهُ سُكْنَاهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ بِاعْتِبَارِ حَالِكُمْ فَقْرًا وَغِنًى أَوْ بِالْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ مِنَ التَّوَسُّطِ الْمَمْدُوحِ ( وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ) أَيْ فِيمَا بَيْنَكُمْ ( مَا) مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ ( لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَرْكِي إِيَّاهُ فِيكُمْ أَوْ بَعْدَ التَّمَسُّكِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ ( إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ) أَيْ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ ( كِتَابَ اللَّهِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِمَا فِي التَّفْسِيرِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ تَفْخِيمٌ لِشَأْنِ الْقُرْآنِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِأَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ لقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وَقَوْلِهِ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا فَيَلْزَمُ مِنَ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ الْعَمَلُ بِالسُّنَّةِ ( وَأَنْتُمْ مسؤولون عَنِّي) أَيْ عَنْ تَبْلِيغِي وَعَدَمِهِ ( فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ) أَيْ فِي حَقِّي ( قَدْ بَلَّغْتَ) أَيِ الرِّسَالَةَ ( وَأَدَّيْتَ) أَيِ الْأَمَانَةَ ( وَنَصَحْتَ) أَيِ الْأُمَّةَ ( ثُمَّ قَالَ) أَيْ أَشَارَ ( يَرْفَعُهَا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ قَالَ أَيْ رَافِعًا إِيَّاهَا أَوْ مِنَ السَّبَّابَةِ أَيْ مَرْفُوعَةً ( وَيَنْكُتُهَا) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْمُثَنَّاةِ الفوقانية أي يُشِيرُ بِهَا إِلَى النَّاسِ كَالَّذِي يَضْرِبُ بِهَا الْأَرْضَ
وَالنَّكْتُ ضَرْبُ الْأَنَامِلِ إِلَى الْأَرْضِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْمُوَحَّدَةِ
وَفِي النِّهَايَةِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يُمِيلُهَا إِلَيْهِمْ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُشْهِدَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ
قَالَ الْقَاضِي هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَهُوَ بَعِيدُ الْمَعْنَى
قَالَ قِيلَ صَوَابُهُ يَنْكُبُهَا بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ
قَالَ وَرُوِّينَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي داود وبالتاء المثناة من طريق بن الْأَعْرَابِيِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ التَّمَّارِ وَمَعْنَاهُ يُقْلِبُهَا وَيُرَدِّدُهَا إِلَى النَّاسِ مُشِيرًا إِلَيْهِمْ وَمِنْهُ نَكَبَ كِنَانَتَهُ إِذَا قَلَبَهَا انْتَهَى
( اللَّهُمَّ اشْهَدْ) عَلَى عِبَادِكَ بِأَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِأَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ أَوِ الْمَعْنَى اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنْتَ إِذْ كَفَى بِكَ شَهِيدًا ( ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ) أَيْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَهَذَا الْجَمْعُ كَجَمْعِ الْمُزْدَلِفَةِ جَمْعُ نُسُكٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجَمْعُ سَفَرٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَمَنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ كَأَهْلِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ عِنْدَهُ ( وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) أَيْ مِنَ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ ( حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ) أَيْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ مَوْقِفُهُ الْخَاصُّ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ ( فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ) بِالْحِجْرِ ( إِلَى الصَّخَرَاتِ) بِفَتْحَتَيْنِ الْأَحْجَارُ الْكِبَارُ
قَالَ النَّوَوِيُّ هُنَّ حَجَرَاتٌ مُفْتَرَشَاتٌ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ فَهَذَا هُوَ الْمَوْقِفُ الْمُسْتَحَبُّ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلْيَتَقَرَّبْ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَأَمَّا مَا اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الْجَبَلِ وَتَوَهُّمُهُمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ إِلَّا فِيهِ فَغَلَطٌ وَالصَّوَابُ جَوَازُ الْوُقُوفِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ
وَأَمَّا وَقْتُ الْوُقُوفِ فَهُوَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ
وَقَالَ أَحْمَدُ يَدْخُلُ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ ( وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ رُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَرُوِيَ بِالْجِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْحَدِيثِ وَحَبْلُ الْمُشَاةِ مُجْتَمَعُهُمْ وَحَبْلُ الرَّمَلِ مَا طَالَ مِنْهُ وَضَخُمَ وَأَمَّا بِالْجِيمِ فَمَعْنَاهُ طَرِيقُهُمْ وَحَيْثُ تَسْلُكُ الرَّجَّالَةُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ بِالْحَاءِ أَيْ طَرِيقُهُمُ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ فِي الرَّمَلِ وَقِيلَ الْحَبْلُ الرَّمْلُ الْمُسْتَطِيلُ وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إِلَى الْمُشَاةِ لِأَنَّهَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهَا إِلَّا الْمَاشِي وَدُونَ حَبْلِ الْمُشَاةِ وَدُونَ الصَّخَرَاتِ اللَّاصِقَةِ بِسَفْحِ الْجَبَلِ مَوْقِفُ الْإِمَامِ وَبِهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَتَحَرَّى الْوُقُوفَ ( فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا) أَيْ قَائِمًا بِرُكْنِ الْوُقُوفِ رَاكِبًا عَلَى النَّاقَةِ ( حَتَّى غَرَبَتِ الشمس) أي أَكْثَرُهَا أَوْ كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ ( وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا) أَيْ ذَهَابًا قَلِيلًا ( حِينَ غَابَ الْقُرْصُ) أَيْ جَمِيعُهُ ( فَدَفَعَ) أَيِ ارْتَحَلَ وَمَضَى
وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيِ ابْتَدَأَ السَّيْرَ وَدَفَعَ نَفْسَهُ وَنَحَّاهَا انْتَهَى
قَالَ السِّنْدِيُّ أَيِ انْصَرَفَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ ( وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ ضَمَّ وَضَيَّقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ ( مَوْرِكَ رَحْلِهِ) الْمَوْرِكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مُقَدَّمُ الرَّحْلِ
قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُثْنِي الرَّاكِبُ رِجْلَهُ عَلَيْهِ قُدَّامَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ إِذَا مَلَّ مِنَ الرُّكُوبِ
وَضَبَطَهُ الْقَاضِي بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ وَهُوَ قِطْعَةُ أُدُمٍ يَتَوَرَّكُ عَلَيْهَا الرَّاكِبُ تُجْعَلُ فِي مُقَدَّمِ الرَّحْلِ شِبْهُ الْمِخَدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالرَّحْلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعْرُوفٌ ( السَّكِينَةَ) بِالنَّصْبِ أَيِ الْزَمُوهَا ( كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَيِ التَّلَّ اللَّطِيفَ مِنَ الرَّمْلِ الْحِبَالُ فِي الرِّمَالِ كَالْجِبَالِ فِي الْحَجَرِ ( أَرْخَى لَهَا) أَيْ لِلنَّاقَةِ ( قَلِيلًا) أَيْ إِرْخَاءً قَلِيلًا أَوْ زَمَانًا قَلِيلًا ( حَتَّى تَصْعَدَ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقِ وَضَمِّهَا يُقَالُ صَعِدَ فِي الْجَبَلِ وَأَصْعَدَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إذ تصعدون ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
( ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ) مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ قِيلَ سُمِّيَتْ بِهِ لِمَجِيءِ النَّاسِ إِلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ أَيْ سَاعَاتٍ قَرِيبَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ أَيْ قُرِّبَتْ ( فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) أَيْ وَقْتَ الْعِشَاءِ ( بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ) قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ السُّنَّةَ لِلدَّافِعِ مِنْ عَرَفَاتٍ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إِلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيَكُونُ هَذَا التَّأْخِيرُ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ أَنَّهُ يَجْمَعُ بِسَبَبِ النُّسُكِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَمِنًى وَغَيْرِهِمْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَمَعَ بِسَبَبِ السَّفَرِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَلَمْ يُسَبِّحْ) أَيْ يُصَلِّ ( بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ( شَيْئًا) أَيْ مِنَ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ ( ثُمَّ اضْطَجَعَ) أَيْ لِلنَّوْمِ ( حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ) وَالْمَبِيتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَقِيلَ وَاجِبٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِ كَالْوُقُوفِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَجِلَّةِ
وَقَالَ مَالِكٌ النُّزُولُ وَاجِبٌ وَالْمَبِيتُ سنة وكذا الوقوف بعده قال القارىء ثُمَّ الْمَبِيتُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِحُضُورِ لَحْظَةٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ ( حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ) أَيْ طلع الفجر فصلى بغلس ( بِنِدَاءٍ) أَيْ أَذَانٍ ( حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ)
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَشْعَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ ها هنا قُزَحُ وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ فِي الْمُزْدَلِفَةِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ أَنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ قُزَحُ
وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ انْتَهَى كلامه
قال القارىء وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَشْعَرِ الحرام ما في البخاري كان بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ
( فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ) أَيْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ( وَهَلَّلَهُ) أَيْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ( وَحْدَهُ) أَيْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَخْ ( حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا) أَيْ أَضَاءَ الْفَجْرُ إِضَاءَةً تَامَّةً ( ثُمَّ دَفَعَ) أَيِ انْصَرَفَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى ( وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ) أَيْ بَدَلَ أُسَامَةَ ( وَكَانَ رَجِلًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ لَمْ يَكُنْ شَدِيدَ الْجُعُودَةِ وَلَا شَدِيدَ السُّبُوطَةِ بَلْ بَيْنَهُمَا ( وَسِيمًا) أَيْ حَسَنًا ( مَرَّ الظعن) بضم الظاء المعجمة والعين المهملة جميع ظَعِينَةٍ كَالسُّفُنِ جَمْعُ سَفِينَةٍ وَهِيَ الْمَرْأَةُ فِي الْهَوْدَجِ ( حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا) مُحَسِّرٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ الْمُهْمَلَتَيْنِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِرَ فِيهِ أي أعيى وَكَلَّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسئا وهو حسير ( فَحَرَّكَ قَلِيلًا) أَيْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ زَمَانًا قَلِيلًا أَوْ مَكَانًا قَلِيلًا فَهِيَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ السَّيْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْرِعُ الْمَاشِي وَيُحَرِّكُ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَدْرَ رَمْيَةِ حجر ( ثم سلك الطريق الوسطى) فَفِيهِ أَنَّ سُلُوكَ هَذَا الطَّرِيقِ فِي الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَاتٍ سُنَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ إِلَى عَرَفَاتٍ لِيُخَالِفَ الطَّرِيقَ تَفَاؤُلًا بتغير الحال كما فعل رسول الله فِي دُخُولِ مَكَّةَ حِينَ دَخَلَهَا مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى ( الَّذِي يُخْرِجُكَ) مِنَ الْإِخْرَاجِ ( إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى) هِيَ الْجَمْرَةُ الْأُولَى الَّتِي قَرِيبُ مَسْجِدِ الْخَيْفِ ( حَتَّى أَتَى) عَطْفٌ عَلَى سَلَكَ أَيْ حَتَّى وَصَلَ ( الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ) وَلَعَلَّ الشَّجَرَةَ إِذْ ذَاكَ كَانَتْ مَوْجُودَةً هُنَاكَ وَأَمَّا الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى فَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَهِيَ الْجَمْرَةُ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ
وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْحَاجِّ إِذَا دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَوَصَلَ مِنًى أَنْ يَبْدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا قَبْلَ رَمْيِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ ( فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ) بِالْخَاءِ والذال المعجمتين الرمي برؤوس الْأَصَابِعِ
قَالَ الطِّيبِيُّ بَدَلٌ مِنَ الْحَصَيَاتِ وَهُوَ بِقَدْرِ حَبَّةِ الْبَاقِلَّا
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّ الرَّمْيَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَأَنَّ قَدْرَهُنَّ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ وَهُوَ نَحْوُ حَبَّةِ الْبَاقِلَّا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَكْبَرَ وَلَا أَصْغَرَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ أَجْزَأَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ حَجَرًا وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْحَصَيَاتِ فَيَرْمِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً ( فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) بَيَانٌ لِمَحَلِّ الرَّمْيِ
وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقِفَ لِلرَّمْيِ فِي بَطْنِ الْوَادِي بِحَيْثُ يَكُونُ مِنًى وَعَرَفَاتٌ وَالْمُزْدَلِفَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ( وَأَمَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَيْ بَقِيَّةَ الْبُدْنِ ( فَنَحَرَ) أَيْ عَلِيٌّ ( مَا غَبَرَ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنَ الْمِائَةِ ( وَأَشْرَكَهُ) أي النبي عَلِيًّا فِي هَدْيِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِي نَفْسِ الْهَدْيِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعِنْدِي لَمْ يَكُنْ تَشْرِيكًا حَقِيقَةً بَلْ أَعْطَاهُ قَدْرًا يَذْبَحُهُ
قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النبي نَحَرَ الْبُدْنَ الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَأَعْطَى عَلِيًّا الْبُدْنَ الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنَ الْيَمَنِ وَهِيَ تَمَامُ الْمِائَةِ انْتَهَى
قَالَ القارىء وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَشْرَكَ عَلِيًّا فِي ثَوَابِ هَدْيِهِ لِأَنَّ الْهَدْيَ يُعْطَى حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ
ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ ذَبْحِ الْهَدَايَا وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا يُؤَخِّرُ بَعْضَهَا إِلَى أَيَّامِ التشريق ( بِبَضْعَةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ اللَّحْمِ ( فَجُعِلَتْ) أَيِ الْقِطَعُ ( فِي قِدْرٍ) الْقِدْرُ بالكسر معلوم يؤنث ( فأكلا) أي النبي وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( مِنْ لَحْمِهَا) الضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى الْقِدْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْهَدَايَا ( وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا) أَيْ مِنْ مَرَقِ الْقِدْرِ أَوْ مَرَقِ لُحُومِ الْهَدَايَا
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَقِيلَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَكُلُوا مِنْهَا ( ثُمَّ أَفَاضَ) أَيْ أَسْرَعَ ( إِلَى الْبَيْتِ) أَيْ بَيْتِ اللَّهِ لِطَوَافِ الْفَرْضِ وَيُسَمَّى طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالرُّكْنِ
وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ الْإِفَاضَةَ بِنِيَّةِ غَيْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ لَوْ نَوَى غَيْرَهُ كَنَذْرٍ أَوْ وَدَاعٍ وَقَعَ عَنِ الْإِفَاضَةِ ( فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ فَحُذِفَ ذِكْرُ الطَّوَافِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ فقد ذكر مسلم من حديث بن عمر أن النبي أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى
وَوَجْهُ الجمع بينهما أنه طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ بِأَصْحَابِهِ حِينَ سَأَلُوهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِالظُّهْرِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بِمِنًى انتهى
قال القارىء أَوْ يُقَالُ الرِّوَايَتَانِ حَيْثُ تَعَارَضَتَا فَتَتَرَجَّحُ صَلَاتُهُ بِمَكَّةَ لِكَوْنِهَا أَفْضَلُ وَيُؤَيِّدُهُ ضِيقُ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجَعَ قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَشْعَرِ وَرَمَى بِمِنًى وَنَحَرَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَطَبَخَ لَحْمَهَا وَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ بِمَكَّةَ وَمَا كَانَ يُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِ الْمُخْتَارِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
( بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) وَهُمْ أَوْلَادُ الْعَبَّاسِ وَجَمَاعَتُهُ لِأَنَّ سِقَايَةَ الْحَاجِّ كَانَتْ وَظِيفَتَهُ ( يَسْقُونَ) أَيْ مَرَّ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَنْزِعُونَ الْمَاءَ مِنْ زَمْزَمَ وَيَسْقُونَ النَّاسَ ( عَلَى زَمْزَمَ)
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ يَغْرِفُونَ بِالدِّلَاءِ وَيَصُبُّونَهُ فِي الْحِيَاضِ وَنَحْوِهَا فَيُسَبِّلُونَهُ ( فَقَالَ انْزِعُوا) أَيِ الْمَاءَ وَالدِّلَاءَ ( بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) يَعْنِي الْعَبَّاسَ وَمُتَعَلِّقِيهِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ دَعَا لَهُمْ بِالْقُوَّةِ عَلَى النَّزْعِ وَالِاسْتِقَاءِ أَيْ إِنَّ هَذَا الْعَمَلَ عَمَلٌ صَالِحٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ لَهُمْ ( فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ) أَيْ لَوْلَا مَخَافَةُ كَثْرَةِ الِازْدِحَامِ عَلَيْكُمْ بِحَيْثُ تُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجِكُمْ عَنْهُ رَغْبَةً فِي النزع قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ لَوْلَا خَوْفِي أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ فَيَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَغْلِبُونَكُمْ وَيَدْفَعُونَكُمْ عَنِ الِاسْتِقَاءِ لَاسْتَقَيْتُ مَعَكُمْ لِكَثْرَةِ فَضِيلَةِ هَذَا الِاسْتِقَاءِ ( فَنَاوَلُوهُ) أَيْ أَعْطَوْهُ ( دَلْوًا) رِعَايَةً لِلْأَفْضَلِ ( فَشَرِبَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الدَّلْوِ أَوْ مِنَ الْمَاءِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ مُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا
وَفِي رِوَايَةٍ أَدْرَجَ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَاتَّخِذُوا من مقام إبراهيم مصلى قال فقرأ فيها بالتوحيد وقل ياأيها الكافرون
وَفِي رِوَايَةٍ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ