هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
161 حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، قَالَ مِنْجَابٌ : أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
161 حدثنا منجاب بن الحارث التميمي ، وسويد بن سعيد ، كلاهما عن علي بن مسهر ، قال منجاب : أخبرنا ابن مسهر ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.
ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء.


المعنى العام

رغم ما كان عليه الصحابة في أول الإسلام من الفقر، ورغم ما كان عليه أوائل الصحابة من الانكسار والتواضع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخشى القلة من زعماء القبائل حين يؤمنون، كان يخشى أن يصطحبوا معهم ما كانوا عليه من زهو على أفراد قبيلتهم وكبرياء على ضعفائهم، ومبدأ الإسلام الذي نادى به لأول وهلة: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.

{ { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } } [الحجرات: 13] .

من أجل هذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الكبر، وخوف المتكبرين، وأوعدهم أنهم لا يدخلون الجنة، بل لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويتوهم بعض السامعين من الصحابة أن من الكبر حب الثوب الحسن والنعل الحسنة، فيقول أحدهم: يا رسول الله إن بعضنا يحب أن يكون ثوبه حسنا جميلا، ويحب أن يكون نعله غالية متينة، فهل هذا من الكبر فنتحاشاه؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: ذلك ليس بكبر، إن الكبر هو إنكار الحق، والترفع على الناس، أما حب الجمال فهو مشروع لأن الله جميل، خلق الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، بشرط ألا يحقر الآخرين، فإن ترفع عن الناس بما أعطاه الله حرمه الله نعمته وجعل مأواه جهنم وبئس المصير.

المباحث العربية

( مثقال ذرة من كبر) قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: { { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } } [الزلزلة: 7] قال: إذا وضعت يدك على الأرض ثم رفعتها فكل واحدة مما لزق من التراب ذرة.

وقيل: هي واحدة الهباء الذي يرى طائرا في شعاع الشمس الداخل من ثقب.

( قال رجل) قيل: هو مالك بن مرارة الرهاوي، وقيل: هو عبد الله بن عمرو بن العاص.

( إن الله جميل) الجميل من البشر هو الحسن الصورة، وحسنها يستلزم السلامة من النقص.
فإطلاقة على الله من باب هذا اللازم، وقيل: معناه جميل الفعال، وقيل: إن معناه أن أمره سبحانه وتعالى حسن جميل، وقيل: معناه أن له صفات الجمال والكمال، وقيل: جميل بمعنى مجمل، أي جمل صوركم وأحسن خلقكم.

( يحب الجمال) أي يحب منكم التجمل في الهيئة.

( الكبر بطر الحق) قيل: الكبر العظمة، يقال تكبر بمعنى تعاظم، وقيل: الكبر غير العظمة إذ الكبر يقتضي متكبرا عليه، والعظمة لا تقتضي متعاظما عليه، فقد يتعاظم الإنسان في نفسه.
والبطر الإبطال، فمعنى بطر الحق إبطال الحق والبعد عنه، قال الزجاج: هو التكبر عن الحق فلا يقبله، وقال الأصمعي: هو الحيدة عن الحق فلا يراه حقا، والأنسب في الحديث تفسير الزجاج، وأن المراد إنكار الحق ترفعا وتجبرا.

( غمط الناس) بفتح الغين وإسكان الميم، ورواه الترمذي غمص بالصاد بدل الطاء وهما بمعنى واحد، ومعناه احتقارهم، يقال في الفعل منه غمطه بفتح الميم يغمطه بكسرها، وغمطه بكسر الميم يغمطه بفتحها.

( مثقال حبة خردل) الخردل: نبات له حب أسود مقرح صغير جدا يضرب به المثل في الصغر بين الحبوب، والواحدة خردلة.
وليس المقصود من الذرة حجمها على سبيل الحقيقة، وليس المقصود من الخردلة وزنها على سبيل الحقيقة، بل المراد منهما المبالغة في الصغر.

فقه الحديث

تنحصر نقاط الحديث في خمس:

1 - الكبر ومظاهره.

2 - التجمل في الهيئة واللباس ومدى موافقته للشرع.

3 - إطلاق لفظ الجميل على الله .

4 - توجيه نفي دخول المتكبر الجنة وتوجيه نفي دخول المؤمن النار.

5 - ما يؤخذ من الحديث.

1 - أما الكبر فقد نهى الله تعالى عنه بقوله: { { ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } } [الإسراء: 37] وبقوله: { { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } } [لقمان: 18 - 19] .

وذكر جل شأنه عاقبة المستكبرين بقوله: { { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } } [فصلت: 15 - 16] .

كما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الكبر في هذا الحديث وفيما رواه مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر وفيما رواه أيضا في موضع آخر من قوله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل يتبختر، يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

وواجبنا في هذا المقام تحديد مفهوم الكبر المذموم حتى لا تلتبس به العزة والمحافظة على الكرامة.

إن الكبر - كما يوضحه الحديث- بطر الحق وغمط الناس، والبطر: الطغيان عند النعمة، بمعنى عدم التوجه إلى المنعم بالشكر، والاعتداد بالنفس والترفع عن الناس كما قال عاد: ( من أشد منا قوة) والاعتقاد بأنها من صنعه كما قال قارون: { { إنما أوتيته على علم عندي } } [القصص: 78] والاغترار بأنها ستدوم.
وأنه ما أوتيها إلا لأنه الأحق بهما كما قال صاحب الجنتين حين دخل جنته وهو ظالم لنفسه: { { ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا } } [الكهف: 35 - 36] إن الكبر هو الترفع عن الناس، سواء كان متمتعا فعلا بمظاهر الرفعة، أو كانت أكفه في التراب، ورأسه في السماء، لكنه من العائل الفقير أشد قبحا منه من الغني صاحب السلطان، بل إن الكبر الإحساس - ولو في أعماق النفس- بالزهو والخيلاء والترفع عمن حوله من الناس وإن لم تظهر آثار ذلك في معاملته لهم، لكنه مع التعالي في المعاملة أشد قبحا.
فهو في هذه الحالة يكسب الإثم من الله والمقت من الناس.

فالتواضع المطلوب هو لين الجانب لمن يساويك أو لمن هو دونك.
أما الاستكانة لمن هو فوقك فكثيرا ما تكون ضعفا وجبنا وذلة وصغارا.

وأما العزة فهي وضع النفس الموضع اللائق بها، والمحافظة عليها من الضعة وصيانة الكرامة عن مواطن الذل والهوان: وفيها يقول الله تعالى: { { ولا تصعر خدك للناس } } ومن العزة الترفع على أهل الكبر، والاعتزاز بالإسلام على أعداء الإسلام.

2 - وليس من قبيل الكبر لبس الجميل من الثياب، وتحسين الهيئة والصورة، ما لم يصحبه عجب في النفس، وخيلاء في الإحساس والشعور، وفي ذلك يقول الله تعالى: { { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } } [الأعراف: 32] .
{ { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } } [الأعراف: 31] .
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة ويقول ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة .

نعم وردت أحاديث تنهى عن جر الثياب، لكنها مقيدة بالجر على سبيل الخيلاء، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء وقال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه.
فقال صلى الله عليه وسلم: لست ممن يصنعه خيلاء .

فالتقييد بجر الثياب خرج مخرج الغالب، والذم موجه إلى البطر والتبختر ولو لمن شمر ثوبه، إذ الحديث الذي معنا يمتدح أن يحب الرجل ثوبه الحسن ونعله الحسنة.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضرا لها شاكرا عليها، غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات، ولو كان في غاية النفاسة، فقد أخرج الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده .

أما من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه فهو المذموم، لما أخرجه الطبري من حديث علي إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه فيدخل في قوله تعالى: { { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا } } [القصص: 83] .

فمدار الذم الكبر والعجب والخيلاء لا جمال الثوب أو نفاسته، بل إن التجمل والتطيب ولبس أحسن ما عند المرء من الثياب من مقاصد الشرع الحنيف عند المجتمعات، كالجمع والأعياد ولقاء الوفود والكبراء، ففي الموطأ ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته إذ بذلك تقبل النفوس، وتجتمع القلوب، وتتآلف الناس، ويترابط المجتمع، وليست مجالسة نافخ الكير كمجالسة حامل المسك، فقد أخرج النسائي وأبو داود عن عوف بن مالك عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له - ورآه رث الثياب-: إذا آتاك الله مالا فلير أثره عليك فالسنة أن يلبس المرء ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه مع مراعاة القصد وترك الإسراف، اللهم إلا إذا أثار هذا اللباس في الناس مظنة الكبر والخيلاء عند صاحبه فيحسن التخلي عنه لرفع الاتهام، وليست مظاهر الكبر وبواعثه محصورة في الثياب وحسن الهيئة، فقد يغتر ويزهو العالم بعلمه، والغني بماله، وذو الجاه بجاهه، والقوي بسواعده وعضلاته، وإنما أفضنا في اللباس لأنه الذي يظهر به الخيلاء غالبا.

3 - ولفظ جميل كما ورد في هذا الحديث الصحيح ورد أيضا في حديث الأسماء الحسنى، وفي تسمية الله به خلاف، باعتباره ورد بخبر الآحاد، والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى، ومن العلماء من منعه.
قال إمام الحرمين: ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله تعالى وصفاته أطلقناه، وما منع الشرع من إطلاقه منعناه، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم، فإن الأحكام الشرعية تتلقى من موارد الشرع، ولو قضينا بتحليل أو تحريم لكنا مثبتين حكما بغير الشرع.
وقال: ثم لا يشترط في جواز الإطلاق ورود ما يقطع به الشرع ( أي الخبر المتواتر) ولكن ما يقتضي العمل وإن لم يوجب العلم فإنه كاف.
اهـ.

وقال الإمام النووي: اختلف أهل السنة في تسمية الله تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به ولا يمنعه الشرع، فأجازه طائفة، ومنعه آخرون إلا أن يرد به شرع مقطوع به، من نص كتاب الله أو سنة متواترة، أو إجماع على إطلاقه، فإن ورد خبر واحد فقد اختلفوا فيه، فأجازه طائفة، وقالوا: الدعاء به والثناء من باب العمل، وذلك جائز بخبر الواحد، ومنعه آخرون لكونه راجعا إلى اعتقاد ما يجوز أو يستحيل على الله تعالى، وطريق هذا القطع.

وقال القاضي عياض: والصواب جوازه لاشتماله على العمل ولقول الله تعالى: { { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } } [الأعراف: 180] .

4 - وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقد اختلف في توجيهه، فذكر الخطابي فيه وجهين.
أحدهما: أن المراد التكبر عن الإيمان، فصاحبه لا يدخل الجنة أصلا إذا مات عليه.
والثاني: أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة، كما قال الله تعالى: { { ونزعنا ما في صدورهم من غل } } [الأعراف: 43، الحجر: 47] .
قال النووي: وهذان التأويلان فيهما بعد، فإن الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف، وهو الارتفاع عن الناس واحتقارهم ودفع الحق، فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب، بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه.
وقيل: معناه أن هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة، إما أولا وإما ثانيا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها، وقيل: لا يدخلها مع المتقين الداخلين أول وهلة.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فالمراد به أنه لا يدخل النار دخول خلود فيها كدخول الكفار، وسيأتي مزيد بحث لهذه النقطة في الحديث اللاحق إن شاء الله.

ويؤخذ من الحديث

1 - تحريم الكبر وأنه من الكبائر.

2 - ما كان عليه الصحابة من حرص على النظافة والتجمل حتى في النعل.

3 - أن حب الثوب الحسن والنعل الحسنة وتجمل الهيئة والصورة ليس من الكبر، ما لم يصحبه ترفع عن الحق وعن الناس.

4 - جواز إطلاق لفظ الجميل على الله تعالى.

5 - يستدل بقوله: مثقال حبة خردل من ايمان على أن الإيمان يزيد وينقص.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :161 ... بـ :91]
حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ قَالَ مِنْجَابٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ
قَالَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( حَدَّثَنَا مِنْجَابٌ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ( أَبَانًا ) يَجُوزُ صَرْفُهُ ، وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَأَنَّ الصَّرْفَ أَفْصَحُ .

وَ ( تَغْلِبَ ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ .

وَأَمَّا الْفُقَيْمِيُّ فَبِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ .

و ( مِنْجَابٌ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِالْجِيمِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ .

وَ ( مُسْهِرٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ .

وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةً تَابِعِيِّينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمُ الْأَعْمَشُ ، وَإِبْرَاهِيمُ وَعَلْقَمَةُ .
وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إِسْنَادٌ كُوفِيٌّ كُلُّهُ فَمِنْجَابٌ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَمَنْ بَيْنَهُمَا ، كُوفِيُّونَ إِلَّا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ رَفِيقُ مِنْجَابٍ فَيُغْنِي عَنْهُ مِنْجَابٌ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَغَمْطُ النَّاسِ ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ .
هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَمْ نَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِنَا هُنَا ، وَفِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا بِالطَّاءِ .
قَالَ : وَبِالطَّاءِ أَبُو دَاوُدَ فِي مُصَنَّفِهِ ، وَذَكَرَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ، وَغَيْرُهُ ( غَمْصُ ) بِالصَّادِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ .
وَمَعْنَاهُ احْتِقَارُهُمْ .
يُقَالُ فِي الْفِعْلِ مِنْهُ ( غَمَطَهُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ( يَغْمِطُهُ ) بِكَسْرِهَا وَ ( غَمِطَهُ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ( يَغْمَطُهُ ) بِفَتْحِهَا ..
وَأَمَّا ( بَطْرُ الْحَقِّ ) فَهُوَ دَفْعُهُ وَإِنْكَارُهُ تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( مِنْ كِبْرِيَاءَ ) هِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ ، فَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ أَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ ، وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ، وَصِفَاتُ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ .
وَقِيلَ : جَمِيلٌ بِمَعْنَى مُجَمِّلٌ كَكَرِيمٍ وَسَمِيعٍ بِمَعْنَى مُكَرِّمٌ وَمُسَمِّعٍ ..
     وَقَالَ  الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : مَعْنَاهُ جَلِيلٌ .
وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ بِمَعْنَى ذِي النُّورِ وَالْبَهْجَةِ أَيْ مَالِكِهَمَا .
جَمِيلُ الْأَفْعَالِ بِكُمْ ، بِاللُّطْفِ وَالنَّظَرِ إِلَيْكُمْ ، يُكَلِّفُكُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَمَلِ ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ ، وَيُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ ، وَيَشْكُرُ عَلَيْهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلَكِنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ .
وَوَرَدَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ .
وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ إِطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى : وَمِنِ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَهُ .
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى : مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ أَطْلَقْنَاهُ ، وَمَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ إِطْلَاقِهِ مَنَعْنَاهُ ، وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ إِذْنٌ وَلَا مَنْعٌ لَمْ نَقْضِ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ ; فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُتَلَقَّى مِنْ مَوَارِدِ الشَّرْعِ ، وَلَوْ قَضَيْنَا بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ لَكُنَّا مُثْبِتِينَ حُكْمًا بِغَيْرِ الشَّرْعِ .
قَالَ : ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْإِطْلَاقِ وُرُودِ مَا يُقْطَعُ بِهِ فِي الشَّرْعِ ، وَلَكِنْ مَا يَقْتَضِي الْعَمَلَ وَإِنْ لَمْ يُوجِبِ الْعِلْمَ فَإِنَّهُ كَافٍ ، إِلَّا أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَمَلِ ، وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِنَّ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَوَصْفِهِ .
هَذَا كَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَحَلُّهُ مِنَ الْإِتْقَانِ وَالتَّحْقِيقِ بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا الْفَنِّ خُصُوصًا مَعْرُوفٌ بِالْغَايَةِ الْعُلْيَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : لَمْ نَقْضِ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالشَّرْعِ : فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي حُكْمِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيهَا لَا بِتَحْلِيلٍ ، وَلَا تَحْرِيمٍ ، وَلَا إِبَاحَةٍ ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالشَّرْعِ ..
     وَقَالَ  بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إِنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ : عَلَى التَّحْرِيمِ ،.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ : عَلَى الْوَقْفِ .
لَا يُعْلَمُ مَا يُقَالُ فِيهَا .
وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَصْفِهِ مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْمَدْحِ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا مَنَعَهُ فَأَجَازَهُ طَائِفَةٌ ، وَمَنَعَهُ آخَرُونَ إِلَّا أَنْ يَرِدَ بِهِ شَرْعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ نَصِّ كِتَابِ اللَّهِ ، أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ ، أَوْ إِجْمَاعٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ .
فَإِنْ وَرَدَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَأَجَازَهُ طَائِفَةٌ ، وَقَالُوا : الدُّعَاءُ بِهِ وَالثَّنَاءُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ .
وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إِلَى اعْتِقَادِ مَا يَجُوزُ أَوْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَطَرِيقِ هَذَا الْقَطْعِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعَمَلِ ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .