هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
136 حَدَّثَنَا عَلِيٌّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ ، ح وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ ؟ فَقَالَ : لاَ يَنْفَتِلْ - أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عبد الله بن زيد الأنصاري ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ ؟ فَقَالَ : لاَ يَنْفَتِلْ - أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا .

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [137] قَوْله حَدثنَا عَليّ هُوَ بن عبد الله الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ عَبَّادٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَقَطَتِ الْوَاوُ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ غَلَطًا لِأَنَّ سَعِيدًا لَا رِوَايَةَ لَهُ عَنْ عَبَّادٍ أَصْلًا ثُمَّ إِنَّ شَيْخَ سَعِيدٍ فِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَمَّ عَبَّادٍ كَأَنَّهُ قَالَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمِّهِ أَيْ عَمِّ الثَّانِي وَهُوَ عَبَّادٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ محذوفا وَيكون من مَرَاسِيل بن الْمُسَيَّبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ جَرَى صَاحِبُ الْأَطْرَافِ وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن بن الْمسيب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه بن مَاجَهْ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّهُ مُنْكَرٌ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَمِّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ سَمَّاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَتِهِمْ لِهَذَا الحَدِيث من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ عَمُّ عَبَّادٍ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ شَكَا كَذَا فِي رِوَايَتِنَا شَكَا بِأَلِفٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرَّاوِيَ هُوَ الشاكي وَصرح بذلك بن خُزَيْمَةَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ سُفْيَانَ وَلَفْظُهُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ شُكِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَعَلَى هَذَا فَالْهَاءُ فِي أَنَّهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ شُكِيَ بِالضَّمِّ أَيْضًا كَمَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ.

     وَقَالَ  لَمْ يُسَمَّ الشَّاكِي قَالَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ الرَّاوِي قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ هَذَا أَنَّ شكى بِالْفَتْحِ أَيْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ .

     قَوْلُهُ  الرَّجُلُ بِالضَّمِّ عَلَى الْحِكَايَةِ وَهُوَ وَمَا بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ .

     قَوْلُهُ  يُخَيَّلُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْخَيَالِ وَالْمَعْنَى يَظُنُّ وَالظَّنُّ هُنَا أَعَمُّ مِنْ تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ أَوْ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الظَّنَّ خِلَافُ الْيَقِينِ .

     قَوْلُهُ  يَجِدُ الشَّيْءَ أَيْ الْحَدَثَ خَارِجًا مِنْهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَفْظُهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ وَفِيهِ الْعُدُولُ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْذَرِ بِخَاصِّ اسْمِهِ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ .

     قَوْلُهُ  فِي الصَّلَاةِ تَمَسَّكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِظَاهِرِهِ فَخَصُّوا الْحُكْمَبِمَنْ كَانَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَأَوْجَبُوا الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَهَا وَفَرَّقُوا بِالنَّهْيِ عَنْ إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ وَالنَّهْيُ عَنْ إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صِحَّتِهَا فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ بِذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا التَّخَيُّلَ إِنْ كَانَ نَاقِضًا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِيهَا كَبَقِيَّةِ النَّوَاقِضِ .

     قَوْلُهُ  لَا يَنْفَتِلْ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ على أَن لَا نافيه قَوْله اولا يَنْصَرِفُ هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَكَأَنَّهُ مِنْ عَلِيٍّ لِأَنَّ الرُّوَاةَ غَيْرَهُ رَوَوْهُ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظٍ لَا يَنْصَرِفُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ .

     قَوْلُهُ  صَوْتًا أَيْ مِنْ مَخْرَجِهِ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يَجِدُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَعَبَّرَ بِالْوِجْدَانِ دُونَ الشَّمِّ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ لَمَسَ الْمَحَلَّ ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَمْسَ الدُّبُرِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّ الصُّورَةَ تُحْمَلُ عَلَى لَمْسِ مَا قَارَبَهُ لَا عَيْنِهِ وَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنِ الْحَدَثَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَخْصِيصَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِالْيَقِينِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا كَانَ أَوْسَعَ مِنَ اللَّفْظِ كَانَ الْحُكْمُ لِلْمَعْنَى قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي حُكْمِ بَقَاءِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهَا وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ النَّقْضُ مُطْلَقًا وَرُوِيَ عَنْهُ النَّقْضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ دُونَ دَاخِلِهَا وَرُوِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَوَّلُ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ رِوَايَة بن الْقَاسِم عَنهُ وروى بن نَافِعٍ عَنْهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَقَوْلِ الْجُمْهُور وروى بن وَهْبٍ عَنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَرِوَايَةُ التَّفْصِيلِ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ لِأَصْحَابِهِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ كَانَ بِهِ وَسْوَاسٌ وَتَمَسَّكَ بِأَنَّ الشَّكْوَى لَا تَكُونُ إِلَّا من عِلَّةٍ وَأُجِيبَ بِمَا دَلَّ عَلَى التَّعْمِيمِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا وَقَولُهُ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ أَيْ مِنَ الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ.

     وَقَالَ  الْعِرَاقِيُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ رَاجِحٌ لِأَنَّهُ احْتَاطَ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ مَقْصِدٌ وَأَلْغَى الشَّكَّ فِي السَّبَبِ الْمُبْرِئِ وَغَيْرُهُ احْتَاطَ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ وَسِيلَةٌ وَأَلْغَى الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ النَّاقِضِ لَهَا وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمَقَاصِدِ أَوْلَى مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِلْوَسَائِلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ مُغَايِرٌ لِمَدْلُولِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِعَدَمِ الِانْصِرَافَ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ وِجْدَانَ الرِّيحِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةُ هُنَا قَائِمَةٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُتَحَقق( قَولُهُ بَابُ التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ) أَيْ جَوَازِ التَّخْفِيف

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [137] حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّىْءَ فِي الصَّلاَةِ.
فَقَالَ: «لاَ يَنْفَتِلْ -أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».
[الحديث طرفاه في: 177، 2056] .
وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عليّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عبد الله المديني ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم ( عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء ( وعن عباد بن تميم) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة ابن يزيد الأنصاري المدني عدّه الذهبي في الصحابة وغيره في التابعين، ووقع في رواية كريمة سقوط واو العطف من قوله وعن عباد وهو خطأ لأنه لا رواية لسعيد بن المسيب عن عباد أصلاً، وحينئذ فالعطف على قوله عن سعيد بن السيب هو الصحيح لأن الزهري يروي عن سعيد وعباد وكلاهما ( عن عمه) عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني قتل في ذي الحجة بالحرّة في آخر سنة ثلاث وستين، له في البخارى تسعة أحاديث.
( أنه شكا) بالألف أي عبد الله بن زيد كما صرّح به ابن خزيمة ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل) بالنصب على المفعولية، وفي رواية أنه شكي بضم أوّله مبنيًّا للمفعول موافقة لمسلم كما ضبطه النووي رحمه الله تعالى الرجل بالضم، قال في التنقيح: وعلى هذين الوجهين أي في شكا يجوز في الرجل الرفع والنصب، وتعقبه البدر الدماميني بأن الوجهين محتملان على الأوّل وحده، وذلك أن ضمير أنه يحتمل أن يكون ضمير الشأن، وشكا الرجل فعل وفاعل مفسر للشأن، ويحتمل أن يعود إلى الراوي وشكا مسند إلى ضمير يعود إليه أيضًا والرجل مفعول به ( الذي يخيل إليه) بضم المثناة التحتية وفتح المعجمة مبنيًّا لما لم يسمّ فاعله أي يشبه له ( أنّه يجد الشيء) أي الحدث خارجًا من دبره وهو ( في الصلاة، فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لا ينفتل أو لا ينصرف) بالجزم فيهما على النهي وبالرفع على النفي، والشك من الراوي وكأنه من شيخ المؤلف عليّ ( حتى) أي إلى أن ( يسمع صوتًا) من دبره ( أو يجد ريحًا) منه، والمراد تحقق وجودهما حتى أنه لو كان أخشم لا يشم أو أصم لا يسمع كان الحكم كذلك وذكرهما ليس لقصر الحكم عليهما، فكل حدث كذلك إلا أنه وقع جوابًا لسؤال، والمعنى إذا كان أوسع من الاسم أن الحكم للمعنى، وهذا كحديث إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه إذ لم يرد تخصيص الاستهلال دون غيره من أمارات الحياة كالحركة والنبض ونحوهما، وهذا الحديث فيه قاعدة لكثير من الأحكام وهي استصحاب اليقين وطرح الشك الطارئ، والعلماء متفقون على ذلك فمن تيقنالطهارة وشك في الحدث عمل بيقين الطهارة أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بيقين الحدث فلو تيقنهما وجهل السابق منهما كما لو تيقن بعد طلوع الشمس حدثًا وطهارة ولم يعلم السابق فأوجه، أصحها إسناد الوهم لما قبل الطلوع فإن كان قبله محدثًا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أن الحدث السابق ارتفع بالطهارة اللاحقة وشك هل ارتفع أم لا؟ والأصل بقاؤه وإن كان قبله متطهرًا نظر.
إن كان ممن يعتاد تجديد الوضوء فهو الآن محدث لأن الغالب أنه بنى وضوءه على الأوّل فيكون الحدث بعده، وإن لم يعتد فهو الآن متطهر لأن طهارته بعد الحدث وإن لم يتذكر ما قبلهما توضأ للتعارض، واختار في المجموع لزوم الوضوء بكل حال احتياطًا.
وذكر في شرح المهذب والوسيط أن الجمهور أطلقوا المسألة وأن المقيد لها المتولي والرافعيّ مع أنه نقله في أصل الروضة عن الأكثرين.
قال في المهمات: وعليه الفتوى وقد أخذ بهذه القاعدة وهي العمل بالأصل جمهور العلماء خلافًا لمالك حيث روي عنه النقض مطلقًا أو خارج الصلاة دون داخلها.
وروي هذا التفصيل عن الحسن البصري والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي وهو رواية ابن القاسم عنه، وروى ابن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقًا كقول الجمهور، وروى ابن وهب عنه أحبّ إليّ أن يتوضأ ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه.
وقال القرافيّ: ما ذهب إليه مالك أرجح لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد وألغى الشك في السبب المبرئ وغيره احتياط للطهارة وهي وسيلة وألغى الشك في الحدث الناقض لها والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل.
وجوابه: أن ذلك من حيث النظر أقوى لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلا أن يتحقق، والله سبحانه أعلم بالصواب.
5 - باب التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ هذا ( باب) جواز ( التخفيف في الوُضوء) .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  .

     قَوْلُهُ  بَابٌ بِالتَّنْوِينِ لَا يَتَوَضَّأُ
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الشَّكِّ أَيْ بِسَبَب الشَّك

[ قــ :136 ... غــ :137] قَوْله حَدثنَا عَليّ هُوَ بن عبد الله الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ عَبَّادٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَقَطَتِ الْوَاوُ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ غَلَطًا لِأَنَّ سَعِيدًا لَا رِوَايَةَ لَهُ عَنْ عَبَّادٍ أَصْلًا ثُمَّ إِنَّ شَيْخَ سَعِيدٍ فِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَمَّ عَبَّادٍ كَأَنَّهُ قَالَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمِّهِ أَيْ عَمِّ الثَّانِي وَهُوَ عَبَّادٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ محذوفا وَيكون من مَرَاسِيل بن الْمُسَيَّبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ جَرَى صَاحِبُ الْأَطْرَافِ وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن بن الْمسيب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه بن مَاجَهْ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّهُ مُنْكَرٌ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَمِّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ سَمَّاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَتِهِمْ لِهَذَا الحَدِيث من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ عَمُّ عَبَّادٍ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ شَكَا كَذَا فِي رِوَايَتِنَا شَكَا بِأَلِفٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرَّاوِيَ هُوَ الشاكي وَصرح بذلك بن خُزَيْمَةَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ سُفْيَانَ وَلَفْظُهُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ شُكِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَعَلَى هَذَا فَالْهَاءُ فِي أَنَّهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ شُكِيَ بِالضَّمِّ أَيْضًا كَمَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ.

     وَقَالَ  لَمْ يُسَمَّ الشَّاكِي قَالَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ الرَّاوِي قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ هَذَا أَنَّ شكى بِالْفَتْحِ أَيْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ .

     قَوْلُهُ  الرَّجُلُ بِالضَّمِّ عَلَى الْحِكَايَةِ وَهُوَ وَمَا بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ .

     قَوْلُهُ  يُخَيَّلُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْخَيَالِ وَالْمَعْنَى يَظُنُّ وَالظَّنُّ هُنَا أَعَمُّ مِنْ تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ أَوْ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الظَّنَّ خِلَافُ الْيَقِينِ .

     قَوْلُهُ  يَجِدُ الشَّيْءَ أَيْ الْحَدَثَ خَارِجًا مِنْهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَفْظُهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ وَفِيهِ الْعُدُولُ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْذَرِ بِخَاصِّ اسْمِهِ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ .

     قَوْلُهُ  فِي الصَّلَاةِ تَمَسَّكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِظَاهِرِهِ فَخَصُّوا الْحُكْمَ بِمَنْ كَانَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَأَوْجَبُوا الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَهَا وَفَرَّقُوا بِالنَّهْيِ عَنْ إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ وَالنَّهْيُ عَنْ إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صِحَّتِهَا فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ بِذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا التَّخَيُّلَ إِنْ كَانَ نَاقِضًا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِيهَا كَبَقِيَّةِ النَّوَاقِضِ .

     قَوْلُهُ  لَا يَنْفَتِلْ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ على أَن لَا نافيه قَوْله اولا يَنْصَرِفُ هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَكَأَنَّهُ مِنْ عَلِيٍّ لِأَنَّ الرُّوَاةَ غَيْرَهُ رَوَوْهُ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظٍ لَا يَنْصَرِفُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ .

     قَوْلُهُ  صَوْتًا أَيْ مِنْ مَخْرَجِهِ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يَجِدُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَعَبَّرَ بِالْوِجْدَانِ دُونَ الشَّمِّ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ لَمَسَ الْمَحَلَّ ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَمْسَ الدُّبُرِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّ الصُّورَةَ تُحْمَلُ عَلَى لَمْسِ مَا قَارَبَهُ لَا عَيْنِهِ وَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنِ الْحَدَثَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَخْصِيصَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِالْيَقِينِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا كَانَ أَوْسَعَ مِنَ اللَّفْظِ كَانَ الْحُكْمُ لِلْمَعْنَى قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي حُكْمِ بَقَاءِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهَا وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ النَّقْضُ مُطْلَقًا وَرُوِيَ عَنْهُ النَّقْضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ دُونَ دَاخِلِهَا وَرُوِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَوَّلُ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ رِوَايَة بن الْقَاسِم عَنهُ وروى بن نَافِعٍ عَنْهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَقَوْلِ الْجُمْهُور وروى بن وَهْبٍ عَنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَرِوَايَةُ التَّفْصِيلِ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ لِأَصْحَابِهِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ كَانَ بِهِ وَسْوَاسٌ وَتَمَسَّكَ بِأَنَّ الشَّكْوَى لَا تَكُونُ إِلَّا من عِلَّةٍ وَأُجِيبَ بِمَا دَلَّ عَلَى التَّعْمِيمِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا وَقَولُهُ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ أَيْ مِنَ الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ.

     وَقَالَ  الْعِرَاقِيُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ رَاجِحٌ لِأَنَّهُ احْتَاطَ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ مَقْصِدٌ وَأَلْغَى الشَّكَّ فِي السَّبَبِ الْمُبْرِئِ وَغَيْرُهُ احْتَاطَ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ وَسِيلَةٌ وَأَلْغَى الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ النَّاقِضِ لَهَا وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمَقَاصِدِ أَوْلَى مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِلْوَسَائِلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ مُغَايِرٌ لِمَدْلُولِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِعَدَمِ الِانْصِرَافَ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ وِجْدَانَ الرِّيحِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةُ هُنَا قَائِمَةٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُتَحَقق

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ)
أَيْ جَوَازِ التَّخْفِيف

[ قــ :136 ... غــ :138] قَوْله سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ الْمَكِّيُّ لَا الْبَصْرِيُّ وَكُرَيْبٌ بِالتَّصْغِيرِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْإِسْنَادُ مَكِّيُّونَ سِوَى عَلِيٍّ وَقَدْ أَقَامَ بِهَا مُدَّةً وَفِيهِ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ عَمْرٍو عَنْ كُرَيْبٍ .

     قَوْلُهُ  وَرُبَّمَا قَالَ اضْطَجَعَ أَيْ كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ تَارَةً نَامَ وَتَارَةً اضْطَجَعَ وَلَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ بَلْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِقَامَةَ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ بَلْ كَانَ إِذَا رَوَى الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا قَالَ اضْطَجَعَ فَنَامَ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا اخْتَصَرَهُ قَالَ نَامَ أَيْ مُضْطَجِعًا أَوِ اضْطَجَعَ أَيْ نَائِمًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ حَدَّثَنَا يَعْنِي أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ بِهِ مُخْتَصَرًا ثُمَّ صَارَ يُحَدِّثُهُمْ بِهِ مُطَوَّلًا .

     قَوْلُهُ  لَيْلَةً فَقَامَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِابْنِ السَّكَنِ فَنَامَ بِالنُّونِ بَدَلَ الْقَافِ وَصَوَّبَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ انْتَهَى وَلَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِخَطَئِهَا لِأَن توجيهها طَاهِر وَهُوَ أَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ فَلَمَّا تَفْصِيلِيَّةٌ فَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونُهَا مَضْمُونَ الْأُولَى لَكِنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا كَانَ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ بَدَلَ فِي فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَاهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَكَانَ تَامَّةٌ أَيْ فَلَمَّا حَصَلَ بَعْضُ اللَّيْلِ .

     قَوْلُهُ  شَنٍّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أِيِ الْقِرْبَةِ الْعَتِيقَةِ .

     قَوْلُهُ  مُعَلَّقٍ ذُكِّرَ عَلَى إِرَادَةِ الْجِلْدِ أَوِ الْوِعَاءِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ بِلَفْظِ مُعَلَّقَةٍ .

     قَوْلُهُ  يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو ويقلله أَي يصفه بِالتَّخْفِيفِ والتقليل.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ يُخَفِّفُهُ أَيْ لَا يُكْثِرُ الدَّلْكَ وَيُقَلِّلُهُ أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ مَرَّةٍ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِيجَابِ الدَّلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُمْكِنُ اخْتِصَارُهُ لَاخْتَصَرَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَخْتَصِرْهُ انْتَهَى وَهِيَ دَعْوَى مَرْدُودَةٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يَقْتَضِي ذَلِك بَلِ الِاقْتِصَارِ عَلَى سَيَلَانِ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ أَخَفُّ مِنْ قَلِيلِ الدَّلْكِ .

     قَوْلُهُ  نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَمْ يَقُلْ مِثْلًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ مُمَاثَلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ انْتَهَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمِثْلِيَّةِ الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَآذَنُهُ بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمُهُ وَلِلْمُسْتَمْلِي فَنَادَاهُ .

     قَوْلُهُ  فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا بَلْ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ فَلَوْ أَحْدَثَ لَعَلِمَ بِذَلِكَ وَلِهَذَا كَانَ رُبَّمَا تَوَضَّأَ إِذَا قَامَ مِنَ النَّوْمِ وَرُبَّمَا لَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا مُنِعَ قَلْبُهُ النَّوْمَ لِيَعِيَ الْوَحْيَ الَّذِي يَأْتِيهِ فِي مَنَامِهِ .

     قَوْلُهُ  قُلْنَا الْقَائِلُ سُفْيَانُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَلِأَبِيهِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ صُحْبَةٌ وَقَولُهُ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِمَا تَلَاهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرُّؤْيَا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَحْيًا لَمَا جَازَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ فَقَالَ قَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَذَا الْبَابِ وَهَذَا إِلْزَامٌ مِنْهُ لِلْبُخَارِيِّ بِأَنْ لَا يَذْكُرَ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرْجَمَةِ فَقَطْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ الْبَابِ أَصْلًا فَمَمْنُوعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْوِتْرِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب لاَ يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
هذا ( باب) بالتنوين ( لا يتوضأ) بفتح أوّله، وفي رواية ابن عساكر باب من لا يتوضأ ( من الشك) أي لأجله كقوله: وذلك من نبأ جاءني.
والشك عند الفقهاء هو التردّد على السواء ( حتى يستيقن) .


[ قــ :136 ... غــ : 137 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّىْءَ فِي الصَّلاَةِ.
فَقَالَ: «لاَ يَنْفَتِلْ -أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».
[الحديث 137 - طرفاه في: 177، 2056] .


وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عليّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عبد الله المديني ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة
( قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم ( عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء ( وعن عباد بن تميم) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة ابن يزيد الأنصاري المدني عدّه الذهبي في الصحابة وغيره في التابعين، ووقع في رواية كريمة سقوط واو العطف من قوله وعن عباد وهو خطأ لأنه لا رواية لسعيد بن المسيب عن عباد أصلاً، وحينئذ فالعطف على قوله عن سعيد بن السيب هو الصحيح لأن الزهري يروي عن سعيد وعباد وكلاهما ( عن عمه) عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني قتل في ذي الحجة بالحرّة في آخر سنة ثلاث وستين، له في البخارى تسعة أحاديث.

( أنه شكا) بالألف أي عبد الله بن زيد كما صرّح به ابن خزيمة ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل) بالنصب على المفعولية، وفي رواية أنه شكي بضم أوّله مبنيًّا للمفعول موافقة لمسلم كما ضبطه النووي رحمه الله تعالى الرجل بالضم، قال في التنقيح: وعلى هذين الوجهين أي في شكا يجوز في الرجل الرفع والنصب، وتعقبه البدر الدماميني بأن الوجهين محتملان على الأوّل وحده، وذلك أن ضمير أنه يحتمل أن يكون ضمير الشأن، وشكا الرجل فعل وفاعل مفسر للشأن، ويحتمل أن يعود إلى الراوي وشكا مسند إلى ضمير يعود إليه أيضًا والرجل مفعول به ( الذي يخيل إليه) بضم المثناة التحتية وفتح المعجمة مبنيًّا لما لم يسمّ فاعله أي يشبه له ( أنّه يجد الشيء) أي الحدث خارجًا من دبره وهو ( في الصلاة، فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لا ينفتل أو لا ينصرف) بالجزم فيهما على النهي وبالرفع على النفي، والشك من الراوي وكأنه من شيخ المؤلف عليّ ( حتى) أي إلى أن ( يسمع صوتًا) من دبره ( أو يجد ريحًا) منه، والمراد تحقق وجودهما حتى أنه لو كان أخشم لا يشم أو أصم لا يسمع كان الحكم كذلك وذكرهما ليس لقصر الحكم عليهما، فكل حدث كذلك إلا أنه وقع جوابًا لسؤال، والمعنى إذا كان أوسع من الاسم أن الحكم للمعنى، وهذا كحديث إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه إذ لم يرد تخصيص الاستهلال دون غيره من أمارات الحياة كالحركة والنبض ونحوهما، وهذا الحديث فيه قاعدة لكثير من الأحكام وهي استصحاب اليقين وطرح الشك الطارئ، والعلماء متفقون على ذلك فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث عمل بيقين الطهارة أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بيقين الحدث فلو تيقنهما وجهل السابق منهما كما لو تيقن بعد طلوع الشمس حدثًا وطهارة ولم يعلم السابق فأوجه، أصحها إسناد الوهم لما قبل الطلوع فإن كان قبله محدثًا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أن الحدث السابق ارتفع بالطهارة اللاحقة وشك هل ارتفع أم لا؟ والأصل بقاؤه وإن كان قبله متطهرًا نظر.
إن كان ممن يعتاد تجديد الوضوء فهو الآن محدث لأن الغالب أنه بنى وضوءه على الأوّل فيكون الحدث بعده، وإن لم يعتد فهو الآن متطهر لأن طهارته بعد الحدث وإن لم يتذكر ما قبلهما توضأ للتعارض، واختار في المجموع لزوم الوضوء بكل حال احتياطًا.

وذكر في شرح المهذب والوسيط أن الجمهور أطلقوا المسألة وأن المقيد لها المتولي والرافعيّ مع أنه نقله في أصل الروضة عن الأكثرين.
قال في المهمات: وعليه الفتوى وقد أخذ بهذه القاعدة وهي العمل بالأصل جمهور العلماء خلافًا لمالك حيث روي عنه النقض مطلقًا أو خارج الصلاة دون داخلها.
وروي هذا التفصيل عن الحسن البصري والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي وهو رواية ابن القاسم عنه، وروى ابن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقًا كقول الجمهور، وروى ابن وهب عنه أحبّ إليّ أن يتوضأ ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه.
وقال القرافيّ: ما ذهب إليه مالك أرجح لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد وألغى الشك في السبب المبرئ وغيره احتياط
للطهارة وهي وسيلة وألغى الشك في الحدث الناقض لها والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل.
وجوابه: أن ذلك من حيث النظر أقوى لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلا أن يتحقق، والله سبحانه أعلم بالصواب.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ
هذا ( باب) جواز ( التخفيف في الوُضوء) .



[ قــ :136 ... غــ : 138 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ صَلَّى -وَرُبَّمَا قَالَ اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى.
ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا - يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ- وَقَامَ يُصَلِّي، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ عَنْ شِمَالِهِ- فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ.
ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ.
قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) [الصافات: 102] .


وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا) بالجمع وفي رواية الكشميهني حدّثني ( علّي بن عبد الله) المديني ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) أي ابن دينار أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( كريب) بضم الكاف وفتح الراء وسكون المثناة التحتية آخره موحدة ابن أبي مسلم القرشي مولى عبد الله بن عباس المكنّى بأبي رشدين بكسر الراء وسكون المعجمة وكسر المهملة وسكون المثناة التحتية آخره نون، المتوفى بالمدينة سنة ثمان وتسعين ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما:
( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نام) مضطجعًا ( حتى) أي إلى أن ( نفخ ثم صلى) وفي رواية ابن عساكر بإسقاط ثم صلى ( وربما قال) سفيان ( اضطجع) عليه الصلاة والسلام ( حتى) أي إلى أن ( نفخ ثم قام فصلى) أي قالها بدون قوله نام وبزيادة قام قال علي بن المديني ( ثم حدّثنا به سفيان) بن عيينة تحديثًا ( مرة بعد مرة) أي كان يحدّثهم تارة مختصرًا وتارة مطوّلاً ( عن عمرو) أي ابن دينار ( عن كريب) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه ( قال بتّ) بكسر الموحدة ( عند خالتي) أم المؤمنين ( ميمونة) بنت الحرث الهلالية ( ليلة) بالنصب على الظرفية ( فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مبتدئًا ( من الليل) وفي رواية ابن السكن فنام من النوم، وصوّبها القاضي عياض لقوله: ( فلما كان في) وفي رواية الحموي والمستملي من ( بعض الليل قام النبي) وللأربعة رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتوضأ من شنّ) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون أي من قربة خلقة ( معلق) بالجر صفة لشنّ على تأويله بالجلد أو الوعاء وفي رواية معلقة بالتأنيث ( وضوءًا خفيفًا) بالنصب على المصدرية في الأولى والصفة في الأخرى ( يخففه عمرو) ابن دينار بالغسل الخفيف مع الإسباغ ( ويقلله) بالاقتصار على المرة الواحدة، فالتخفيف من باب الكيف والتقليل من باب الكمّ وذلك أدنى ما تجوز به الصلاة ( وقام) عليه الصلاة والسلام ( يصلي)
وفي رواية فصلى ( فتوضأت) وضوءًا خفيفًا ( نحوًا مما توضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية تأتي إن شاء الله تعالى فقمت فصنعت مثل ما صنع وهي تردّ على الكرماني حيث قال هنا لم يقل مثلاً لأن حقيقة مماثلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقدر عليها أحد غيره انتهى.
ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كل وجه.


( ثم جئت فقمت عن يساره وربما قال سفيان) بن عيينة ( عن شماله) وهو إدراج من ابن المديني ( فحوّلني) عليه الصلاة والسلام ( فجعلني عن يمينه ثم صلى) عليه الصلاة والسلام ( ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتاه المنادي فآذنه) بالمد أي أعلمه وفي رواية يؤذنه بلفظ المضارع من غير فاء وللمستملي فناداه ( بالصلاة فقام) المنادي ( معه) عليه السلام ( إلى الصلاة فصلى) عليه السلام ( ولم يتوضأ) من النوم.
قال سفيان بن عيينة: ( قلنا لعمرو) أي ابن دينار ( إن ناسًا يقولون: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنام عينه ولا ينام قلبه) ليعي الوحي إذا أُوحي إليه في المنام ( قال عمرو) المذكور ( سمعت عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما ابن قتادة الليثي الكي التابعي ( يقول: رؤيا الأنبياء وحي) رواه مسلم مرفوعًا، ( ثم قرأ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] واستدلاله بهذه الآية من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيًا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ لَا يتَوَضَّأ من الشَّك حَتَّى يستيقن)
أَي هَذَا بابُُ وَهُوَ منون غير مُضَاف قَوْله لَا يتَوَضَّأ بِفَتْح أَوله على الْبناء للْفَاعِل وَكلمَة من للتَّعْلِيل أَي لأجل الشَّك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { مِمَّا خطاياهم اغرقوا} وَقَول الشَّاعِر
( وَذَلِكَ من نبأ جَاءَنِي ... )
الشَّك فِي اللُّغَة خلاف الْيَقِين وَالْيَقِين الْعلم وَزَوَال الشَّك قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره وَفِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء الشَّك فِيهِ مَا يَسْتَوِي فِيهِ طرف الْعلم وَالْجهل وَهُوَ الْوُقُوف بَين الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يمِيل إِلَى أَحدهمَا فَإِذا قوي أَحدهمَا وترجح على الآخر وَلم يَأْخُذ بِمَا ترجح وَلم يطْرَح الآخر فَهُوَ ظن وَإِذا عقد الْقلب على أَحدهمَا وَترك الآخر فَهُوَ أكبر الظَّن وغالب الرَّأْي وَيُقَال الشَّك مَا اسْتَوَى فِيهِ طرفا الْعلم وَالْجهل فَإِذا ترجح أَحدهمَا على الآخر فالطرف الرَّاجِح ظن والطرف الْمَرْجُوح وهم قَوْله حَتَّى يستيقن أَي حَتَّى يتَيَقَّن يُقَال يقنت الْأَمر بِالْكَسْرِ يَقِينا وأيقنت واستيقنت وتيقنت كُله بِمَعْنى فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ قلت من حَيْثُ اشْتِمَال كل وَاحِد مِنْهُمَا على حكم من أَحْكَام الْوضُوء أما الأول فَلِأَنَّهُ فِي فضل الْوضُوء وَهُوَ حكم من أَحْكَامه وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ فِي حكم الْوضُوء الَّذِي يَقع فِيهِ الشَّك وَلَا يُؤثر فِيهِ مَا لم يحصل الْيَقِين فتناسبا من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا حكم من أَحْكَام الْوضُوء وَإِن كَانَت الْجِهَة مُخْتَلفَة

[ قــ :136 ... غــ :137 ]
- ( حَدثنَا عَليّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَعَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه أَنه شكا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل الَّذِي يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة فَقَالَ لَا يَنْفَتِل أَو لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لَا يَنْفَتِل إِلَى آخِره لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ ترك الْوضُوء من الشَّك حَتَّى يستيقن وَهُوَ معنى قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا.
( بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول عَليّ بن عبد الله الْمَشْهُور بِابْن الْمَدِينِيّ وَقد مر الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَقد مر غير مرّة الثَّالِث مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ كَذَلِك الرَّابِع سعيد بن الْمسيب بِفَتْح الْيَاء وَقد تقدم الْخَامِس عباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ الْمدنِي.

     وَقَالَ  أعي يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابْن خمس سِنِين فَيَنْبَغِي إِذا أَن يعد فِي الصَّحَابَة.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير وَغَيره أَنه تَابِعِيّ لَا صَحَابِيّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من يُسمى عباد بن تَمِيم سواهُ على قَول من يعده صحابيا وَمِمَّنْ عده من الصَّحَابَة الذَّهَبِيّ وَوَقع فِي بعض نسخ ابْن مَاجَه رِوَايَة عباد عَن أَبِيه عَن عَمه حَدِيث الاسْتِسْقَاء وَتَبعهُ ابْن عَسَاكِر وَالصَّوَاب عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ سَمِعت عباد بن تَمِيم يحدث عَن أَبِيه عَن عَمه وَعباد بالضبط الْمَذْكُور يشْتَبه بعباد بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء وَهُوَ وَالِد قيس وَغَيره وبعباد بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء وبعياذ بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف والذال الْمُعْجَمَة وبعناد بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف النُّون وبالدال الْمُهْملَة السَّادِس عَم عباد الْمَذْكُور وَهُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب بن عَمْرو بن عَوْف بن مبدول بن غنم بن مَازِن بن النجار الْأنْصَارِيّ الْمَازِني من بني مَازِن ابْن النجار الْمدنِي لَهُ ولأبويه صُحْبَة ولأخيه حبيب بن زيد الَّذِي قطعه مُسَيْلمَة عضوا عضوا فَقضى أَن عبد الله هُوَ الَّذِي شَارك وحشيا فِي قتل مُسَيْلمَة وَهُوَ رَاوِي هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث صَلَاة الاسْتِسْقَاء أَيْضا الْآتِي فِي بابُُه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَغَيرهمَا من الْأَحَادِيث وَوهم ابْن عُيَيْنَة فَزعم أَنه روى الْأَذَان أَيْضا وَهُوَ عَجِيب فَإِن ذَاك عبد بن زيد بن عبد ربه بن ثَعْلَبَة بن زيد الْأنْصَارِيّ فكلاهما اتفقَا فِي الِاسْم وَاسم الْأَب والقبيلة وافترقا فِي الْجد والبطن من الْقَبِيلَة فَالْأول مازني وَالثَّانِي حارثي وَكِلَاهُمَا أنصاريان خزرجيان فيدخلان فِي نوع الْمُتَّفق والمفترق وَبَين غلط ابْن عُيَيْنَة فِي ذَلِك البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي بابُُ الاسْتِسْقَاء كَمَا ستعلمه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وروى لعبد الله الْمَذْكُور فِي الحَدِيث ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا اتفقَا على ثَمَانِيَة مِنْهَا وَأما عبد الله بن زيد صَاحب الْأَذَان فَلم يشْتَهر لَهُ إِلَّا حَدِيث وَاحِد وَهُوَ حَدِيث الْأَذَان حَتَّى قَالَ البُخَارِيّ فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ لَا يعرف لَهُ غَيره لَكِن لَهُ حديثان آخرَانِ وَعبد الله رَاوِي هَذَا الحَدِيث قتل فِي ذِي الْحجَّة بِالْحرَّةِ عَن سبعين سنة وَكَانَت الْحرَّة فِي آخر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَهُوَ أحدي.

     وَقَالَ  ابْن مَنْدَه وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَأَبُو عبد الله صَاحب الْمُسْتَدْرك أَنه بَدْرِي وَهُوَ وهم وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه عبد الله بن زيد بن عَاصِم سوى هَذَا وَفِيهِمْ أَرْبَعَة أخر اسْم كل مِنْهُم عبد الله بن زيد مِنْهُم صَاحب الْأَذَان ( بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا ان رِجَاله كلهم من رجال الْكتب السِّتَّة إِلَّا عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ من رجال البُخَارِيّ وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَقَط وَمِنْهَا أَنهم كلهم مدنيون خلا ابْن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ بَصرِي وخلا سُفْيَان فَإِنَّهُ مكي وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ على قَول من يعد عبادا صحابيا قَوْله وَعَن عباد مَعْطُوف على قَوْله عَن سعيد بن الْمسيب لِأَن الزُّهْرِيّ رَحمَه الله يروي عَن سعيد وَعباد كليهمَا وَكِلَاهُمَا يرويان عَن عَم عباد الْمَذْكُور فَقَوله عَن عَمه يتَعَلَّق بهما فَإِن قلت وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عباد بِدُونِ وَاو الْعَطف قلت هُوَ غلط قطعا لِأَن سعيدا لَا رِوَايَة لَهُ عَن عباد أصلا فَتنبه لذَلِك.
( بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بابُُ من لم ير الْوضُوء إِلَّا من المخرجين الْقبل والدبر عَن أبي الْوَلِيد عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه فِي الْبيُوع عَن أبي نعيم عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَعَمْرو النَّاقِد عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي خلف عَن سُفْيَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن سُفْيَان.
( بَيَان اللُّغَات) قَوْله شكى من شَكَوْت فلَانا أشكوه شكوا وشكاية وشكية وشكاة إِذا أخْبرت عَنهُ بِسوء فعله فَهُوَ مشكو وشكى وَالِاسْم الشكوى وَالْيَاء فِي شكى منقلبة عَن وَاو وَأَصله شكو بِدَلِيل يشكو والشكوى وَيجوز أَن تكون أَصْلِيَّة غير منقلبة فِي لُغَة من قَالَ شكى يشكي قَوْله يخيل على صِيغَة الْمَجْهُول أَي يشبه ويخايل وَفُلَان يمْضِي على المخيل أَي على مَا خيلت أَي شبهت يَعْنِي على غرر من غير تعين وخيل إِلَيْهِ أَنه كَذَا على مَا لم يسم فَاعله من التخييل وَالوهم قَالَ الله تَعَالَى { يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} قَوْله لَا يَنْفَتِل بِالْفَاءِ وَاللَّام من الانفتال وَهُوَ الِانْصِرَاف يُقَال فتله فَانْفَتَلَ أَي صرفه فَانْصَرف وَهُوَ قلب لفت ( بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله شكى جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر أَن وَهُوَ صِيغَة الْمَعْلُوم وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى عبد الله بن زيد عَم عباد لِأَنَّهُ هُوَ الشاكي وَقَوله الرجل بِالنّصب مَفْعُوله وَضَبطه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم رِوَايَة مُسلم عَن عَمه شكى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ الحَدِيث فَقَالَ شكى بِضَم الشين وَكسر الْكَاف وَالرجل مَرْفُوع ثمَّ قَالَ وَلم يسم هُنَا الشاكي وَجَاء فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَنه عبد الله بن زيد الرَّاوِي قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم من هَذَا أَن شكى بِفَتْح الشين وَالْكَاف وَيجْعَل الشاكي عَمه الْمَذْكُور فَإِن هَذَا الْوَهم غلط قلت دَعْوَى الْغَلَط غلط بل يجوز الْوَجْهَانِ شكى بِصِيغَة الْمَعْلُوم والشاكي هُوَ عبد الله بن زيد وَالرجل حِينَئِذٍ بِالنّصب مَفْعُوله وشكى بِصِيغَة الْمَجْهُول والشاكي غير مَعْلُوم وَالرجل حِينَئِذٍ بِالرَّفْع على أَنه مفعول نَاب عَن الْفَاعِل.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي الرجل هُوَ فَاعل شكى وَهُوَ غلط لَا يخفى قَوْله الَّذِي يخيل إِلَيْهِ مَوْصُول مَعَ صلته صفة فِي مَحل الرّفْع أَو النصب على تَقْدِير الْوَجْهَيْنِ فِي الرجل وَفِي بعض النّسخ الرجل يخيل إِلَيْهِ بِدُونِ الَّذِي.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَيحْتَمل أَن يكون الَّذِي يخيل مفعول شكى قلت هَذَا الِاحْتِمَال بعيد قَوْله أَنه يجد الشَّيْء أَن مَعَ اسْمهَا وخبرها مفعول لقَوْله يخيل نَاب عَن الْفَاعِل وَقَوله يجد فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ خبر أَن وَقَوله الشَّيْء بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول يجد قَوْله فَقَالَ أَي رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله لَا يَنْفَتِل قَالَ الْكرْمَانِي روى مَرْفُوعا بِأَنَّهُ نفى ومجزوما بِأَنَّهُ نهى قَوْله حَتَّى للغاية بِمَعْنى إِلَى أَن يسمع وَيسمع بِالنّصب بِتَقْدِير أَن الناصبة قَوْله أَو يجد بِالنّصب أَيْضا لِأَنَّهُ عطف على مَا قبله من الْمَنْصُوب ( بَيَان الْمعَانِي) قَوْله يجد الشَّيْء أَي خَارِجا من الدبر قَوْله أَو لَا ينْصَرف كلمة أَو للشَّكّ من الرَّاوِي قَالَ الْكرْمَانِي وَالظَّاهِر أَنه من عبد الله بن زيد قلت يجوز أَن يكون مِمَّن دونه من الروَاة وَوَقع فِي كتاب الْخطابِيّ وَلَا ينْصَرف بِحَذْف الْهمزَة وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ لَا ينْصَرف من غير شكّ قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَي من الدبر قَوْله أَو يجد ريحًا أَي من الدبر أَيْضا وَكلمَة أَو للتنويع قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا من رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِيمَن شكّ فِي خُرُوج ريح مِنْهُ لَا نفي الْوضُوء إِلَّا من سَماع صَوت أَو وجدان ريح وَفِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان ومستدرك الْحَاكِم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا جَاءَ أحدكُم الشَّيْطَان فَقَالَ إِنَّك أحدثت فَلْيقل كذبت إِلَّا مَا وجد ريحًا بِأَنْفِهِ أَو سمع صَوتا بأذنه وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث أبي سعيد أَيْضا أَن الشَّيْطَان ليَأْتِي أحدكُم وَهُوَ فِي صلَاته فَيَأْخُذ شَعْرَة من دبره فيمدها فَيرى أَنه أحدث فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا وَفِي إِسْنَاده عَليّ بن زيد بن جدعَان.

     وَقَالَ  ابْن خُزَيْمَة قَوْله فَلْيقل كذبت أَرَادَ فَلْيقل كذبت بضميره لَا بنطق بِلِسَانِهِ إِذْ الْمُصَلِّي غير جَائِز لَهُ أَن يَقُول كذبت نطقا قلت وَيُؤَيّد مَا قَالَه مَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي سعيد أَيْضا مَرْفُوعا إِذا جَاءَ أحدكُم الشَّيْطَان فَقَالَ إِنَّك قد أحدثت فَلْيقل فِي نَفسه كذبت وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ أخرج مِنْهُ شَيْء أم لَا فَلَا يخْرجن من الْمَسْجِد وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ فَوجدَ ريحًا بَين النتنة وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم فَوجدَ ريحًا من نَفسه وَفِي كتاب الطّهُور لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام يجد الشَّيْء فِي مقعدته قَالَ لَا يتَوَضَّأ إِلَّا أَن يجد ريحًا يعرفهَا أَو صَوتا يسمعهُ وروى ابْن مَاجَه بِسَنَد فِيهِ ضعف عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء قَالَ رَأَيْت السَّائِب بن يزِيد يشم ثَوْبه فَقلت مِم ذَلِك قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا وضوء إِلَّا من ريح أَو سَماع وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَليّ بن طلق يرفعهُ إِذا نسي أحدكُم فَليَتَوَضَّأ قَالَ مهنى قَالَ أَبُو عبيد الله عَاصِم الْأَحول يخطىء فِي هَذَا الحَدِيث يَقُول عَليّ بن طلق وَإِنَّمَا هُوَ طلق بن عَليّ وأبى ذَلِك البُخَارِيّ فَقَالَ فِيمَا ذكره أَبُو عِيسَى عَنهُ فِي الْعِلَل وَذكر حَدِيث عَليّ بن طلق هَذَا بِلَفْظ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة والسلامفقال إِنَّا نَكُون بالبادية فَيكون من أَحَدنَا الرويحة فَقَالَ إِن الله تَعَالَى لَا يستحي من الْحق إِذْ فسى أحدكُم فَليَتَوَضَّأ فَقَالَ لَا أعرف لعَلي بن طلق عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير هَذَا الحَدِيث وَهُوَ عِنْدِي غير طلق بن عَليّ وَلَا يعرف هَذَا من حَدِيث طلق بن عَليّ وَلما ذكره التِّرْمِذِيّ فِي الْجَامِع من حَدِيث عَليّ بن طلق حسنه وَذكره ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ إِذا فسى أحدكُم فِي الصَّلَاة فلينصرف ثمَّ ليتوضأ وليعد صلَاته ثمَّ قَالَ لم يقل أحد وليعد صلَاته إِلَّا جرير بن عبد الحميد.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد فِي كتاب الطّهُور إِنَّمَا هُوَ عندنَا عَليّ بن طلق لِأَنَّهُ حَدِيثه الْمَعْرُوف وَكَانَ رجلا من بني حنيفَة وَأَحْسبهُ وَالِد طلق بن عَليّ الَّذِي سَأَلَ عَن مس الذّكر وَمِمَّنْ ذكره فِي مُسْند عَليّ بن طلق أَحْمد بن منيع فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ والكجي فِي سنَنَيْهِمَا وَأَبُو الْحُسَيْن بن قَانِع فِي آخَرين.
ثمَّ اعْلَم أَن حَقِيقَة الْمَعْنى فِي قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا حَتَّى يعلم وجود أَحدهمَا وَلَا يشْتَرط السماع والشم بِالْإِجْمَاع فَإِن الْأَصَم لَا يسمع صَوتا والأخشم الَّذِي راحت حاسة شمه لَا يشم أصلا.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ لم يرد بِذكر هذَيْن النَّوْعَيْنِ من الْحَدث تخصيصهما وَقصر الحكم عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يحدث بِغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ جَوَاب خرج على حرف الْمَسْأَلَة الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا السَّائِل وَقد دخل فِي مَعْنَاهُ كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ وَقد يخرج مِنْهُ الرّيح وَلَا يسمع لَهَا صَوت وَلَا يجد لَهَا ريحًا فَيكون عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف الْوضُوء إِذا تَيَقّن ذَلِك وَقد يكون بأذنه وقر فَلَا يسمع الصَّوْت أَو يكون أخشم فَلَا يجد الرّيح وَالْمعْنَى إِذا كَانَ أوسع من الِاسْم كَانَ الحكم للمعنى وَهَذَا كَمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ إِذا اسْتهلّ الصَّبِي ورث وَصلى عَلَيْهِ لم يرد تَخْصِيص الاستهلال الَّذِي هُوَ الصَّوْت دون غَيره من إمارات الْحَيَاة من حَرَكَة وَقبض وَبسط وَنَحْوهَا ( بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول أَن هَذَا الحَدِيث أصل من أصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة من قَوَاعِد الْفِقْه وَهِي أَن الْأَشْيَاء يحكم ببقائها على أُصُولهَا حَتَّى يتَيَقَّن خلاف ذَلِك وَلَا يضر الشَّك الطارىء عَلَيْهَا وَالْعُلَمَاء متفقون على هَذِه الْقَاعِدَة وَلَكنهُمْ مُخْتَلفُونَ فِي كَيْفيَّة اسْتِعْمَالهَا مِثَاله مَسْأَلَة الْبابُُ الَّتِي دلّ عَلَيْهَا الحَدِيث وَهِي أَن من تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث يحكم بِبَقَائِهِ على الطَّهَارَة سَوَاء حصل الشَّك فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا وَهَذَا بالاجماع بَين الْفُقَهَاء إِلَّا عَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه يلْزمه الْوضُوء إِن كَانَ شكه خَارج الصَّلَاة وَلَا يلْزمه إِن كَانَ فِي الصَّلَاة وَالْأُخْرَى يلْزمه بِكُل حَال وحكيت الأولى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَهُوَ وَجه شَاذ عِنْد الشَّافِعِيَّة ذكره الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وحكيت الثَّانِيَة أَيْضا وَجها للشَّافِعِيَّة وَهُوَ غَرِيب وَعَن مَالك رِوَايَة ثَالِثَة رَوَاهَا ابْن قَانِع عَنهُ أَنه لَا وضوء عَلَيْهِ كَمَا قَالَه الْجُمْهُور وحكاها ابْن بطال عَنهُ وَنقل القَاضِي ثمَّ الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن حبيب الْمَالِكِي أَن هَذَا الشَّك فِي الرّيح دون غَيره من الْأَحْدَاث وَكَأَنَّهُ تبع ظَاهر الحَدِيث وَاعْتذر عَنهُ بعض الْمَالِكِيَّة بِأَن الرّيح لَا يتَعَلَّق بِالْمحل مِنْهُ شَيْء بِخِلَاف الْبَوْل وَالْغَائِط وَعَن بعض أَصْحَاب مَالك أَنه إِن كَانَ الشَّك فِي سَبَب حَاضر كَمَا فِي الحَدِيث طرح الشَّك وَإِن كَانَ فِي سَبَب مُتَقَدم فَلَا وَأما إِذا تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي الطَّهَارَة فَإِنَّهُ يلْزمه الْوضُوء بِالْإِجْمَاع وعَلى هَذَا الأَصْل من شكّ فِي طَلَاق زَوجته أَو عتق عَبده أَو نَجَاسَة المَاء الطَّاهِر أَو طَهَارَة النَّجس أَو نَجَاسَة الثَّوْب أَو غَيره أَو أَنه صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَو أَنه ركع أَو سجد أم لَا أَو نوى الصَّوْم أَو الصَّلَاة أَو الِاعْتِكَاف وَهُوَ فِي أثْنَاء هَذِه الْعِبَادَات وَمَا أشبه هَذِه الْأَمْثِلَة فَكل هَذِه الشكوك لَا تَأْثِير لَهَا وَالْأَصْل عدم الْحَادِث..
     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة تستثنى من هَذِه الْقَاعِدَة بضع عشرَة مَسْأَلَة.
مِنْهَا من شكّ فِي خُرُوج وَقت الْجُمُعَة قبل الشُّرُوع فِيهَا قيل أَو فِيهَا وَمن شكّ فِي ترك بعض وضوء أَو صَلَاة بعد الْفَرَاغ لَا أثر لَهُ على الْأَصَح.
وَمِنْهَا عشر ذكرهن ابْن الْقَاص بتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة من الشَّافِعِيَّة فِي مُدَّة خف وَإِن إِمَامه مُسَافر أَو وصل وَطنه أَو نوى إِقَامَة وَمسح مُسْتَحَاضَة وثوب خفيت نَجَاسَته وَمَسْأَلَة الظبية وَبطلَان التَّيَمُّم بتوهم المَاء وَتَحْرِيم صيد جرحه فَغَاب فَوَجَدَهُ مَيتا قَالَ الْقفال لم يعْمل بِالشَّكِّ فِي شَيْء مِنْهَا لِأَن الأَصْل فِي الأولى الْغسْل وَفِي الثَّانِيَة الْإِتْمَام وَكَذَا فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة أَن أوجبناه وَالْخَامِسَة وَالسَّادِسَة اشْتِرَاط الطَّهَارَة وَلَو ظنا أَو استصحابا وَالسَّابِعَة بَقَاء النَّجَاسَة وَالثَّامِنَة لقُوَّة الظَّن والتاسعة للشَّكّ فِي شَرط التَّيَمُّم وَهُوَ عدم المَاء وَفِي الصَّيْد تَحْرِيمه إِن قُلْنَا بِهِ الثَّانِي من الْأَحْكَام مَا قالته الشَّافِعِيَّة لَا فرق فِي الشَّك بَين تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ فِي وجوب الْحَدث وَعَدَمه وَبَين تَرْجِيح أَحدهمَا وَغَلَبَة الظَّن فِي أَنه لَا وضوء عَلَيْهِ فالشك عِنْدهم خلاف الْيَقِين وَإِن كَانَ خلاف الِاصْطِلَاح الأصولي وَقَوْلهمْ مُوَافق لقَوْل أهل اللُّغَة الشَّك خلاف الْيَقِين نعم يسْتَحبّ الْوضُوء احْتِيَاطًا فَلَو بَان حَدثهُ أَولا فَوَجْهَانِ أصَحهمَا لَا يجْزِيه هَذَا الْوضُوء لتردده فِي نِيَّته بِخِلَاف مَا إِذا تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي الطَّهَارَة فَتَوَضَّأ ثمَّ بَان مُحدثا فَإِنَّهُ يجْزِيه قطعا لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحَدث فَلَا يضر التَّرَدُّد مَعَه وَلَو تَيَقّن الطَّهَارَة وَالْحَدَث مَعًا وَشك فِي السَّابِق مِنْهُمَا فأوجه أَصَحهَا أَنه يَأْخُذ بضد مَا قبلهمَا إِن عرفه فَإِن لم يعرفهُ لزمَه الْوضُوء مُطلقًا الثَّالِث قَالَ الْخطابِيّ فِيهِ حجَّة لمن أوجب الْحَد على من وجدت مِنْهُ رَائِحَة الْمُسكر وَإِن لم يُشَاهد شربه وَلَا شهد عَلَيْهِ الشُّهُود وَلَا اعْترف بِهِ قلت فِيهِ نظر لِأَن الْحُدُود تدرأ بِالشُّبْهَةِ والشبهة هُنَا قَائِمَة فَافْهَم الرَّابِع فِيهِ مَشْرُوعِيَّة سُؤال الْعلمَاء عَمَّا يحدث من الوقائع وَجَوَاب السَّائِل الْخَامِس فِيهِ ترك الاستحياء فِي الْعلم وَأَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يعلمهُمْ كل شَيْء وَأَنه يُصَلِّي بِوضُوء صلوَات مَا لم يحدث السَّادِس فِيهِ قبُول خبر الْوَاحِد السَّابِع فِيهِ أَن من كَانَ على حَال لَا ينْتَقل عَنهُ إِلَّا بِوُجُود خِلَافه الثَّامِن فِيهِ أَنهم كَانُوا يَشكونَ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام جَمِيع مَا ينزل بهم التَّاسِع اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن رُؤْيَة الْمُتَيَمم المَاء فِي صلَاته لَا ينْقض طَهَارَته قلت لَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من بابُُ مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْمَعْنى إِذا كَانَ أوسع من الِاسْم كَانَ الحكم للمعنى لِأَنَّهُ هُوَ فِيمَا يَقع تَحت الْجِنْس الْوَاحِد وَلَا شكّ أَن الْمَقْصُود بِهِ جنس الخارجات من الْبدن فالتعدي إِلَى غير الْجِنْس الْمَقْصُود بِهِ اغتصاب الْأَحْكَام

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ التَّخْفِيف فِي الْوضُوء)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز التَّخْفِيف فِي الْوضُوء والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على حكم من أَحْكَام الْوضُوء

[ قــ :136 ... غــ :137 ]
- (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو قَالَ أَخْبرنِي كريب عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَام حَتَّى نفخ ثمَّ صلى وَرُبمَا قَالَ اضْطجع حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى ثمَّ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان مرّة بعد مرّة عَن عَمْرو عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة لَيْلَة فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ من شن مُعَلّق وضوء خَفِيفا يخففه عَمْرو ويقلله وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ ثمَّ جِئْت فَقُمْت عَن يسَاره وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان عَن شِمَاله فحولني فجعلني عَن يَمِينه ثمَّ صلى مَا شَاءَ الله ثمَّ اضْطجع فَنَامَ حَتَّى نفخ ثمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فآذنه بِالصَّلَاةِ فَقَامَ مَعَه إِلَى الصَّلَاة فصلى وَلم يتَوَضَّأ قُلْنَا لعَمْرو إِن نَاسا يَقُولُونَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه قَالَ عَمْرو سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي ثمَّ قَرَأَ { إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وضوأ خَفِيفا.
(بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة قد ذكر مِنْهُم عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَمْرو بن دِينَار وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم وكريب بِضَم الْكَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره يَاء مُوَحدَة ابْن أبي مُسلم القريشي الْهَاشِمِي مولى عبد الله بن عَبَّاس ويكنى أَبَا رشدين بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون روى عَن مَوْلَاهُ ابْن عَبَّاس وَغَيره وروى عَنهُ ابناه مُحَمَّد وَرشْدِين ومُوسَى بن عقبَة وَخلق مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَهُوَ من أَفْرَاد الْكتب السِّتَّة (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة.
وَمِنْهَا أَن رِجَاله كلهم من فرسَان الْكتب السِّتَّة إِلَّا عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَإِن مُسلما وَابْن مَاجَه لم يخرجَا لَهُ.
وَمِنْهَا أَن كلهم مكيون مَا خلا عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَابْن عَبَّاس مكي أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ أَيْضا.
وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ عَمْرو عَن كريب.
(بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن عقبَة عَن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن ابْن أبي عمر وَمُحَمّد بن حَاتِم كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ.

     وَقَالَ  حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بِبَعْضِه وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْعلم عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ وَمن أخرجه أَيْضا بِهَذَا الطَّرِيق وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي مَوَاضِع من الصَّحِيح عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَأبي جَمْرَة وَطَاوُس وَغَيرهم عَن ابْن عَبَّاس (بَيَان اللُّغَات) قَوْله نفخ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي من خيشومه وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالغطيط قَوْله بت بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة من بَات يبيت ويبات بيتوتة قَوْله من شن بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون وَهُوَ الْقرْبَة الْخلق وَكَذَلِكَ الشنة وَكَأَنَّهَا صَغِيرَة وَالْجمع أشنان وَيُقَال الشن الْقرْبَة الَّتِي قربت للبلى قَوْله فآذنه بِالْمدِّ أَي أعلمهُ من الإيذان وَهُوَ الْإِعْلَام.
(بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله نَام جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر أَن قَوْله حَتَّى نفخ بِمَعْنى إِلَى أَن نفخ قَوْله وَرُبمَا أَصله للتقليل وَقد تسْتَعْمل للتكثير وَهَهُنَا يحْتَمل الْأَمريْنِ قَوْله ثمَّ حَدثنَا بِفَتْح الثَّاء جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَقَوله سُفْيَان بِالرَّفْع فَاعله قَوْله مرّة نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي تحديثا مرّة وَقَوله بعد مرّة كَلَام إضافي صفة لقَوْله مرّة قَوْله مَيْمُونَة لَا ينْصَرف للعلمية والتأنيث وَهُوَ فِي مَوضِع الْجَرّ لِأَنَّهُ عطف بَيَان عَن قَوْله خَالَتِي وَهُوَ مجرور بِالْإِضَافَة قَوْله لَيْلَة نصب على الظّرْف قَوْله فَقَامَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من اللَّيْل كلمة من هُنَا للابتداء وَالْمعْنَى قَامَ مبتدئا من اللَّيْل أَو التَّقْدِير قَامَ من مضى زمن من اللَّيْل هَذَا على رِوَايَة الْأَكْثَرين قَوْله فَقَامَ بِالْقَافِ من الْقيام وَأما على رِوَايَة ابْن السكن فَنَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل بالنُّون من النّوم فَكَذَلِك للابتداء وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى فِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} أَي فِي يَوْم الْجُمُعَة وَالْمعْنَى فَنَامَ فِي بعض اللَّيْل كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَنَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض وَآخَرُونَ أَن رِوَايَة ابْن السكن هِيَ الصَّوَاب لِأَن بعده فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل قَامَ فَتَوَضَّأ.

     وَقَالَ  بَعضهم لَا يَنْبَغِي الْجَزْم بخطئها لِأَن توجيهها ظَاهر وَهُوَ أَن الْفَاء فِي قَوْله فَلَمَّا تفصيلية فالجملة الثَّانِيَة وَإِن كَانَ مضمونها مَضْمُون الأولى لَكِن الْمُغَايرَة بَينهمَا بالإجمال وَالتَّفْصِيل قلت الصَّوَاب مَا استصوبه القَاضِي وتوجيه هَذَا الْقَائِل غير موجه لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَضْمُون الْجُمْلَة الأولى إِجْمَال وَلَا فِي مَضْمُون الثَّانِيَة تَفْصِيل بل مَضْمُون الْجُمْلَة الأولى إِخْبَار عَن نوم النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم فِي بعض اللَّيْل ومضمون الْجُمْلَة الثَّانِيَة إِخْبَار عَن قِيَامه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم فِي بعض اللَّيْل فَإِن أَرَادَ هَذَا الْقَائِل إِجْمَال مَا فِي قَوْله من اللَّيْل فَكَذَلِك الْإِجْمَال مَوْجُود فِي قَوْله فِي بعض اللَّيْل فَكيف تكون الثَّانِيَة تَفْصِيلًا للأولى فَإِذا تحقق هَذَا يلْزم من رِوَايَة فَقَامَ بِالْقَافِ التّكْرَار فِي الْكَلَام من غير فَائِدَة وعَلى رِوَايَة فَنَامَ بالنُّون يسلم التَّرْكِيب من هَذَا على مَا لَا يخفى فعلى هَذَا تكون الْفَاء فِي قَوْله فَلَمَّا كَانَ للْعَطْف الْمَحْض لَا كَمَا قَالَه هَذَا الْقَائِل أَنَّهَا تفصيلية.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَوْله فَلَمَّا كَانَ أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَبعهُ بَعضهم فِي شَرحه على هَذَا التَّفْسِير قلت التَّرْكِيب يسمح بِهَذَا التَّفْسِير لَا يخفى ذَلِك على من لَهُ ذوق وَالْأَحْسَن أَن يُقَال التَّقْدِير فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيْل قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت فعلى هَذَا تكون كلمة فِي زَائِدَة وَهل جَاءَ زيادتها فِي الْكَلَام قلت نعم أجَاز ذَلِك بَعضهم حَتَّى قَالَ التَّقْدِير فِي قَوْله تَعَالَى {.

     وَقَالَ  اركبوا فِيهَا}
.

     وَقَالَ  اركبوها وَيُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ مَا رَوَاهُ الْكشميهني فَلَمَّا كَانَ من بعض اللَّيْل بِكَلِمَة من عوض كلمة فِي وَلَا شكّ أَن من على هَذِه الرِّوَايَة زَائِدَة وكل مِنْهُمَا يَأْتِي بِمَعْنى الآخر كَمَا ثَبت فِي مَوْضِعه ثمَّ اعْلَم أَن كَانَ هَهُنَا تَامَّة بِمَعْنى وجد وَقَوله قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاب لما وَقَوله فَتَوَضَّأ عطف عَلَيْهِ قَوْله مُعَلّق بِالْجَرِّ صفة لقَوْله شن على تَأْوِيل الشن بِالْجلدِ وَفِي رِوَايَة معلقَة بالتأنيث على مَا يَأْتِي بعد أَبْوَاب على تَأْوِيل الشن بالقربة قَوْله وضوأ نصب على المصدرية وَقَوله خَفِيفا صفته قَوْله يخففه عَمْرو جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَالْفَاعِل ويقلله جملَة مثلهَا عطف عَلَيْهَا فَإِن قلت مَا محلهَا من الْإِعْرَاب قلت النصب على أَنَّهُمَا صفتان لقَوْله خَفِيفا قَوْله وَقَامَ عطف على قَوْله فَتَوَضَّأ قَوْله يُصَلِّي جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي قَامَ قَوْله فَتَوَضَّأت عطف على قَوْله فَتَوَضَّأ قَوْله نَحوا نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي تَوَضَّأ نَحوا وَكلمَة مَا فِي قَوْله مِمَّا تَوَضَّأ يجوز أَن تكون مَوْصُولَة وَأَن تكون مَصْدَرِيَّة وَبَقِيَّة الْإِعْرَاب ظَاهِرَة (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله وَرُبمَا قَالَ اضْطجع أَي وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة اضْطجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نفخ بدل قَوْله نَام حَتَّى نفخ.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة بدل نَام اضْطجع وَزَاد لَفْظَة قَامَ قلت لَفْظَة قَامَ لَا بُد مِنْهَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يُقَال زَاد لَفْظَة قَامَ لِأَن تَقْدِير الرِّوَايَة الأولى نَام حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى وَتَقْدِير الثَّانِيَة اضْطجع حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى.

     وَقَالَ  بَعضهم أَي كَانَ سُفْيَان يَقُول تَارَة نَام وَتارَة اضْطجع وليسا مترادفين بل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه لكنه لم يرد إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر بل كَانَ إِذا روى الحَدِيث مطولا قَالَ اضْطجع فَنَامَ وَإِذا اخْتَصَرَهُ قَالَ نَام أَي مُضْطَجعا واضطجع أَي نَائِما قلت الِاضْطِجَاع فِي اللُّغَة وضع الْجنب بِالْأَرْضِ وَلَكِن المُرَاد بِهِ هَهُنَا النّوم فَحِينَئِذٍ يكون بَين قَوْله نَام حَتَّى نفخ وَبَين قَوْله اضْطجع حَتَّى نفخ مُسَاوَاة فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل وليسا مترادفين بل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه وَقَوله لم يرد إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر غير صَحِيح لِأَنَّهُ أطلق قَوْله اضْطجع على نَام فِي قَوْله فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اضْطجع حَتَّى نفخ لِأَن مَعْنَاهُ نَام حَتَّى نفخ قَوْله ثمَّ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان يَعْنِي قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ ثمَّ حَدثنَا بِالْحَدِيثِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه كَانَ يُحَدِّثهُمْ بِهِ تَارَة مُخْتَصرا وَتارَة مطولا قَوْله مَيْمُونَة هِيَ أم الْمُؤمنِينَ بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَأُخْتهَا لبابَُُة بِضَم اللَّام وبالموحدتين زَوْجَة الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم عبد الله وَالْفضل وَغَيرهمَا قَوْله يخففه عَمْرو ويقلله أَي عَمْرو بن دِينَار الْمَذْكُور فِي السَّنَد وَهَذَا إدراج من سُفْيَان بن عُيَيْنَة بَين أَلْفَاظ ابْن الْعَبَّاس وَالْفرق بَين التَّخْفِيف والتقليل أَن التَّخْفِيف يُقَابل التثقيل وَهُوَ من بابُُ الكيف والتقليل يُقَابله التكثير وَهُوَ من بابُُ الْكمّ.

     وَقَالَ  ابْن بطال يُرِيد بِالتَّخْفِيفِ تَمام غسل الْأَعْضَاء دون التكثير من إمرار الْيَد عَلَيْهَا وَذَلِكَ أدنى مَا تجوز الصَّلَاة بِهِ وَإِنَّمَا خففه الْمُحدث لعلمه بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا للفضل والمرة الْوَاحِدَة بِالْإِضَافَة إِلَى الثَّلَاث تَخْفيف.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير يخففه أَي لَا يكثر الدَّلْك ويقلله أَي لَا يزِيد على مرّة مرّة ثمَّ قَالَ وَفِيه دَلِيل إِيجَاب الدَّلْك لِأَنَّهُ لَو كَانَ يُمكن اختصاره لاختصره قلت فِيهِ نظر لِأَن قَوْله يخففه يُنَافِي وجود الدَّلْك فَكيف يكون فِيهِ دَلِيل على وُجُوبه وَالْمرَاد بِالْوضُوءِ الْخَفِيف أَن يكون بَين الوضوءين وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ ترك الإسباغ بل الِاكْتِفَاء بالمرة الْوَاحِدَة مَعَ الإسباغ وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الْوتر فَتَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء قَوْله فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ أَرَادَ أَنه تَوَضَّأ وضُوءًا خَفِيفا مثل وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَالَ نَحوا وَلم يقل مثلا لِأَن حَقِيقَة مِمَّا ثلته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره قلت يرد على مَا ذكره مَا ثَبت فِي هَذَا الحَدِيث على مَا يَأْتِي بعد أَبْوَاب فَقُمْت فصنعت مثل مَا صنع فَعلم من ذَلِك أَن المُرَاد من قَوْله نَحوا مثلا لِأَن الحَدِيث وَاحِد والقضية وَاحِدَة وَبَعض أَلْفَاظه يُفَسر بَعْضهَا قَوْله فَقُمْت عَن يسَاره كلمة عَن هَهُنَا على مَعْنَاهَا الْمَوْضُوع لَهَا وَهِي الْمُجَاوزَة وَالْمعْنَى قُمْت مجاوزا عَن يسَاره وَلم يذكر البصريون لَهَا معنى سوى معنى الْمُجَاوزَة وَمَعَ هَذَا يحْتَمل أَن تكون هَهُنَا لِمَعْنى الظَّرْفِيَّة كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(وَأسر سراة الْحَيّ حَيْثُ لقيتهم ... وَلَا تَكُ عَن حمل الرباعة وانيا)
والرباعة نُجُوم الجمالة قَوْله وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان عَن شِمَاله هَذَا إدراج من عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالشمَال بِكَسْر الشين هِيَ الْجَارِحَة وَهِي خلاف الْيَمين وبفتح الشين الرّيح الَّتِي تهب من نَاحيَة القطب وَهِي خلاف الْجنُوب قَوْله فآذنه أَي أعلمهُ كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي بعض النّسخ يُؤذنهُ بِلَفْظ الْمُضَارع بِدُونِ الْفَاء وَفِي بَعْضهَا فناداه بِالصَّلَاةِ قَوْله فَقَامَ مَعَه أَي قَامَ الْمُنَادِي مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الصَّلَاة وَيجوز أَن يُقَال فَقَامَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ الْمُنَادِي إِلَى الصَّلَاة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي مَعَه أَي مَعَ الْمُنَادِي أَو مَعَ الإيذان قلت قَوْله مَعَ الْمُنَادِي تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَقَوله أَو مَعَ الإيذان بعيد وَإِن كَانَ لَهُ وَجه قَوْله قُلْنَا لعَمْرو أَي قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة قُلْنَا لعَمْرو بن دِينَار قَوْله أَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تنام عينه وَلَا ينَام قلبه حَدِيث صَحِيح وَسَيَأْتِي من وَجه آخر قَوْله عبيد بن عُمَيْر كِلَاهُمَا بِصِيغَة التصغير ابْن قَتَادَة اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ وَعبيد هَذَا من كبار التَّابِعين وَقيل إِنَّه رأى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ قاص أهل مَكَّة مَاتَ قبل ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا روى لَهُ الْجَمَاعَة وَأَبوهُ عُمَيْر بن قَتَادَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَوْله رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا الرُّؤْيَا مصدر كالرجعى تخْتَص برؤيا الْمَنَام كَمَا اخْتصَّ الرَّأْي بِالْقَلْبِ والرؤية بِالْعينِ وَالِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَيْهِ من جِهَة أَن الرُّؤْيَا لَو لم تكن وَحيا لما جَازَ لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْإِقْدَام على ذبح وَلَده لِأَنَّهُ محرم فلولا أَنه أُبِيح لَهُ فِي الرُّؤْيَا بِالْوَحْي لما ارْتكب الْحَرَام.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ فِي شَرحه قَول عبيد بن عُمَيْر لَا تعلق لَهُ بِهَذَا الْبابُُ قلت يُرِيد بذلك أَن التَّبْوِيب على تَخْفيف الْوضُوء فَقَط وَلَكِن ذكر هَذَا لأجل أَن مُرَاده فِيهِ هُوَ نوم الْعين دون نوم الْقلب وَلم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن لَا يذكر من الحَدِيث إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالترجمة فَقَط وَهَذَا لم يَشْتَرِطه أحد بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول فِيهِ أَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه قَالَ عَمْرو سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول رَضِي الله عَنْهُم قَوْله رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا الرُّؤْيَا مصدر كالرجعى تخْتَص برؤيا الْمَنَام كَمَا اخْتصَّ الرَّأْي بِالْقَلْبِ والرؤية بِالْعينِ وَالِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَيْهِ من جِهَة أَن الرُّؤْيَا لَو لم تكن وَحيا لما جَازَ لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْإِقْدَام على ذبح وَلَده لِأَنَّهُ محرم فلولا أَنه أُبِيح لَهُ فِي الرُّؤْيَا بِالْوَحْي لما ارْتكب الْحَرَام.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ فِي شَرحه قَول عبيد بن عُمَيْر لَا تعلق لَهُ بِهَذَا الْبابُُ قلت يُرِيد بذلك أَن التَّبْوِيب على تَخْفيف الْوضُوء فَقَط وَلَكِن ذكر هَذَا لأجل أَن مُرَاده فِيهِ هُوَ نوم الْعين دون نوم الْقلب وَلم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن لَا يذكر من الحَدِيث إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالترجمة فَقَط وَهَذَا لم يَشْتَرِطه أحد (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ أَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجعا لَا ينْقض الْوضُوء وَكَذَا سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فيقظة قلبهم تمنعهم من الْحَدث وَلِهَذَا قَالَ عبيد بن عُمَيْر رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ إِنَّمَا منع النّوم من قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليعي الْوَحْي إِذا أوحى إِلَيْهِ فِي الْمَنَام فَإِن قلت روى أَنه تَوَضَّأ بعد النّوم قلت ذَاك على اخْتِلَاف حَاله فِي النّوم فَرُبمَا كَانَ يعلم أَنه استثقل نوما فَاحْتَاجَ مِنْهُ إِلَى الْوضُوء الثَّانِي فِيهِ جَوَاز مبيت من لم يَحْتَلِم عِنْد محرمه الثَّالِث فِيهِ مبيته عِنْد الرجل مَعَ أَهله وَقد روى أَنَّهَا كَانَت حَائِضًا الرَّابِع فِيهِ تواضعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الْخَامِس فِيهِ صلَة الْقَرَابَة السَّادِس فِيهِ فضل ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا السَّابِع فِيهِ الِاقْتِدَاء بأفعاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّامِن فِيهِ جَوَاز الْإِمَامَة فِي النَّافِلَة وَصِحَّة الْجَمَاعَة فِيهَا التَّاسِع فِيهِ جَوَاز ائتمام وَاحِد بِوَاحِد الْعَاشِر فِيهِ جَوَاز ائتمام صبي ببالغ وَعَلِيهِ ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه الْحَادِي عشر فِيهِ أَن موقف الْمَأْمُوم الْوَاحِد عَن يَمِين الإِمَام وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن موقف الْوَاحِد مَعَ الإِمَام عَن يسَاره وَعَن أَحْمد إِن وقف عَن يسَاره بطلت صلَاته.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَهُوَ رد على أبي حنيفَة فِي قَوْله أَن الإِمَام إِذا صلى مَعَ رجل وَاحِد أَنه يقوم خَلفه لَا عَن يَمِينه وَهُوَ مُخَالف لفعل الشَّارِع قلت هَذَا بَاطِل وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَابْن بطال جازف فِي كَلَامه وَقد قَالَ صَاحب الْهِدَايَة وَمن صلى مَعَ وَاحِد أَقَامَهُ عَن يَمِينه لحَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِهِ وأقامه عَن يَمِينه وَلَا يتَأَخَّر عَن الإِمَام وَإِن صلى خَلفه أَو فِي يسَاره جَازَ وَهُوَ مسيء لِأَنَّهُ خلاف السّنة هَذَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة فَكيف شنع عَلَيْهِ ابْن بطال مَعَ إساءة الْأَدَب على الإِمَام الثَّانِي عشر فِيهِ أَن أقل الْوضُوء يجزىء إِذا أَسْبغ وَهُوَ مرّة مرّة الثَّالِث عشر فِيهِ تَعْلِيم الإِمَام الْمَأْمُوم الرَّابِع عشر فِيهِ التَّعْلِيم فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ من أمرهَا الْخَامِس عشر فِيهِ إيذان الإِمَام بِالصَّلَاةِ السَّادِس عشر فِيهِ قيام الإِمَام مَعَ الْمُؤَذّن إِذا آذنه السَّابِع عشر فِيهِ الْجمع بَين النَّوَافِل وَالْفَرْض بِوضُوء وَاحِد وَلَا شكّ فِي جَوَازه الثَّامِن عشر فِيهِ أَن النّوم الْخَفِيف لَا يجب فِيهِ الْوضُوء قَالَه الدَّاودِيّ فِي شَرحه وَفِيه نظر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطجع فَنَامَ حَتَّى نفخ وَهَذَا لَا يكون فِي الْغَالِب خَفِيفا التَّاسِع عشر فِيهِ الِاضْطِجَاع على الْجنب بعد التَّهَجُّد الْعشْرُونَ مَا قيل إِن تقدم الْمَأْمُوم على إِمَامه مُبْطل لِأَن الْمَنْقُول أَن الإدارة كَانَت من خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا من قدامه كَمَا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَن تَفْسِير مُحَمَّد بن حَاتِم كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ.

     وَقَالَ  حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بِبَعْضِه وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْعلم عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ وَمن أخرجه أَيْضا بِهَذَا الطَّرِيق وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي مَوَاضِع من الصَّحِيح عَن عَطاء بن أبي حَاتِم وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يجوز أَن تكون إدارته من خَلفه لِئَلَّا يمر بَين يَدَيْهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوه الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ قيام اللَّيْل وَكَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نسخ على الْأَصَح الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ الْمبيت عِنْد الْعَالم ليراقب أَفعاله فيقتدي بهَا الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِيهِ طلب الْعُلُوّ فِي السَّنَد فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتَفِي بِإِخْبَار خَالَته أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ أَن النَّافِلَة كالفريضة فِي تَحْرِيم الْكَلَام لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَكَلَّم الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ أَن من الْأَدَب أَن يمشي الصَّغِير عَن يَمِين الْكَبِير والمفضول عَن يَمِين الْفَاضِل ذكره الْخطابِيّ السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز فتل أذن الصَّغِير للتّنْبِيه على التَّعْلِيم والإرشاد وَلم يذكر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي هَذِه الرِّوَايَة كَيْفيَّة التَّحْوِيل وَقد اخْتلف فِيهِ رِوَايَات الصَّحِيح فَفِي بَعْضهَا أَخذ بِرَأْسِهِ فَجعله عَن يَمِينه وَفِي بَعْضهَا فَوضع يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي فَأخذ بأذني الْيُمْنَى ففتلها وَفِي بَعْضهَا فَوضع يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي فَأخذ بأذني الْيُمْنَى ففتلها فِي بَعْضهَا فَأخذ برأسي من ورائي وَفِي بَعْضهَا بيَدي أَو عضدي وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة جَامِعَة لهَذِهِ الرِّوَايَات