هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1179 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَقُولُ النَّاسُ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَلَقِيتُ رَجُلًا ، فَقُلْتُ : بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البَارِحَةَ فِي العَتَمَةِ ؟ فَقَالَ : لاَ أَدْرِي ؟ فَقُلْتُ : لَمْ تَشْهَدْهَا ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : لَكِنْ أَنَا أَدْرِي قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1179 حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عثمان بن عمر ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، قال : قال أبو هريرة رضي الله عنه : يقول الناس : أكثر أبو هريرة ، فلقيت رجلا ، فقلت : بما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة ؟ فقال : لا أدري ؟ فقلت : لم تشهدها ؟ قال : بلى ، قلت : لكن أنا أدري قرأ سورة كذا وكذا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَقُولُ النَّاسُ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَلَقِيتُ رَجُلًا ، فَقُلْتُ : بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البَارِحَةَ فِي العَتَمَةِ ؟ فَقَالَ : لاَ أَدْرِي ؟ فَقُلْتُ : لَمْ تَشْهَدْهَا ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : لَكِنْ أَنَا أَدْرِي قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا .

Narrated Abu Huraira:

People say that I narrate too many narrations of the Prophet; once I met a man (during the lifetime of the Prophet) and asked him, Which Sura did Allah's Messenger (ﷺ) s recite yesterday in the `Isha' prayer? He said, I do not know. I said, Did you not attend the prayer? He said, Yes, (I did). I said, I know. He recited such and such Sura.

Abu Hurayra () dit: «Les gens disent qu'Abu Hurayra exagère. Eh bien! j'ai rencontré un fidèle et je lui ai demandé alors: Qu'avait récité hier le Messager d'Allah () dans la prière d’al'atama? — Je ne sais pas, atil répondu — N'étaistu pas présent? — Si, atil repris — Eh bien! moi, je sais, aije dit, il avait récité telle et telle sourates. » Au Nom d'Allah Le Clément Le Miséricordieux

":"ہم سے محمد بن مثنی نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے عثمان بن عمر نے کہا کہ مجھے ابن ابی ذئب نے خبر دی ، انہیں سعید مقبری نے کہابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے کہا لوگ کہتے ہیں کہ ابوہریرہ بہت زیادہ حدیثیں بیان کرتا ہے ( اور حال یہ ہے کہ ) میں ایک شخص سے ایک مرتبہ ملا اور اس سے میں نے ( بطور امتحان ) دریافت کیا کہ گزشتہ رات نبی کریم صلی اللہ علیہ و سلم نے عشاء میں کون کون سی سورتیں پڑھی تھیں ؟ اس نے کہا کہ مجھے نہیں معلوم ۔ میں نے پوچھا کہ تم نماز میں شریک تھے ؟ کہا کہ ہاں شریک تھا ۔ میں نے کہا لیکن مجھے تو یاد ہے کہ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فلاں فلاں سورتیں پڑھی تھیں ۔

Abu Hurayra () dit: «Les gens disent qu'Abu Hurayra exagère. Eh bien! j'ai rencontré un fidèle et je lui ai demandé alors: Qu'avait récité hier le Messager d'Allah () dans la prière d’al'atama? — Je ne sais pas, atil répondu — N'étaistu pas présent? — Si, atil repris — Eh bien! moi, je sais, aije dit, il avait récité telle et telle sourates. » Au Nom d'Allah Le Clément Le Miséricordieux

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1223] .

     قَوْلُهُ  قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار عَن بن أَبِي ذِئْبٍ بِلَفْظِ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا قَدْ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُهُ لِشِبَعِ بَطْنِي فَلَقِيتُ رَجُلًا فَقُلْتُ لَهُ بِأَيِّ سُورَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ انْتَهَى وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ تَبِعَ أَطْرَافَ خَلَفٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا وَقَدْ قَالَ بن عَسَاكِرَ لَمْ أَجِدْهَا وَلَا ذَكَرَهَا أَبُو مَسْعُودٍ انْتَهَى ثُمَّ وَجَدْتُ فِي مَنَاقِبِ جَعْفَرٍ صَدْرَ هَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لِشِبَعِ بَطْنِي حِينَ لَا آكُلُ الْخَمِيرَ وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ فَذَكَرَ قِصَّةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَعَلَّ الْبَيْهَقِيَّ أَرَادَ هَذَا وَكَأَنَّ الْمَقْبُرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ رُوَاتِهِ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَامًّا تَارَةً وَمُخْتَصَرًا أُخْرَى وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق بن أبي فديك عَن بن أَبِي ذِئْبٍ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُعَاءَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ وَقَولُهُ حَفِظْتُ إِلَخْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَكْثَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى سَبَبِ إِكْثَارِهِ وَأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ كَانُوا يَشْغَلُهُمُ الْمَعَاشُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَمَامَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إِكْثَارِهِ وَعَلَى السَّبَبِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى سَبَبِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى التَّحْدِيثِ .

     قَوْلُهُ  فَلَقِيَتُ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَلَا عَلَى تَسْمِيَةِ السُّورَةِ وَقَولُهُ بِمَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِغَيْرِ أَلِفٍ لِأَبِي ذَرٍّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَلِلْأَكْثَرِ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَهُوَ قَلِيلٌ أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  الْبَارِحَةَ أَيْ أَقْرَبُ لَيْلَةٍ مَضَتْ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى سَبَبِ إِكْثَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَشِدَّةِ إِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ ضَبْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَسِيَ السُّورَةَ الَّتِي قُرِئَتْ أَوْ دَلَالَتُهُ عَلَى ضَبْطِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَأَنَّهُ شُغِلَ فِكْرُهُ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ حَتَّى ضَبَطَهَا وَأَتْقَنَهَا كَذَا ذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ غَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَتْ أَبْوَابُ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْ ذَلِكَ سِتَّةٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهَا وَفِيمَا مَضَى ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا وَالْبَقِيَّةُ خَالِصَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ فِي قِصَّةِ انْفِلَاتِ دَابَّتِهِ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُعَلَّقِ فِي النَّفْخِ فِي السُّجُودِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّخَصُّرِ وَحَدِيثِهِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْعَتَمَةِ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ سِتَّةُ آثَار وَالله أعلمالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهالْمُخَفَّفَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وَهَمٌ وَالصَّوَابُ الْقَافُ وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( وَالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضا ( وَتِعْهِنَ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ قَالَ وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْقَاضِي وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.

.
وَأَمَّا ( غَيْقَةَ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍمَفْتُوحَةٍ وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ هَذَا قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى المدينةوَقِيلَ إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوَلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لا نعنيك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) .

     وَقَالَ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَكُلِّ سَبَبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَا تأكلوه)
ثم قال فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا يَضْحَكُ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ.

.

قُلْتُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا اشارة إلى الصيد فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حِمَارُ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا فَهَذِهِالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مجازا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ( فَقَالَ انما هي طعمة) هي الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

     قَوْلُهُ  ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وأسير شأوا) هو بالشين المعجمة مهموز والشأو الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ وَمَعْنَاهُ أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

     قَوْلُهُ  ( فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) أَمَّا غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ وَقَولُهُ قَائِلٌ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا قَائِلٌ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَمَعْنَاهُ تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى قَائِلٌ سَيَقِيلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ تِعْهِنُ مَوْضِعٌ مقابل لِلسُّقْيَا .

     قَوْلُهُ  (.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أصحابك يقرؤون عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

     قَوْلُهُ  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أَصَدْتُ وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِدْتُ وَفِي بَعْضِهَا اصْطَدْتُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا وَرُوِيَ صِدْتُمْ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي أَصَدْتُمْ وَمَعْنَاهُ أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ أَيْ أَثَرْتُهُ قَالَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ صِدْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا وَإِنَّمَا سألوهبِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ( قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّهْو إِذا قَامَ من رَكْعَتي الْفَرِيضَةِ) وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ رَكْعَتَيِ الْفَرْضِ وَسَقَطَ لَفْظُ بَابُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالسَّهْوُ الْغَفْلَةُ عَنِ الشَّيْءِ وَذَهَابُ الْقَلْبِ إِلَى غَيْرِهِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ مَسْنُونٌ كُلُّهُ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ السُّجُودُ لِلنَّقْصِ وَاجِبٌ دُونَ الزِّيَادَةِ وَعَنِ الْحَنَابِلَةِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ غَيْرِ الْأَرْكَانِ فَيَجِبُ لِتَرْكِهَا سَهْوًا وَبَيْنَ السُّنَنِ الْقَوْلِيَّةِ فَلَا يَجِبُ وَكَذَا يَجِبُ إِذَا سَهَا بِزِيَادَةِ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَاجِب كُله وحجتهم قَوْله فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْمَاضِي فِي أَبْوَابِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالُهُ فِي الصَّلَاةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْبَيَانِ وَبَيَانُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ كَذَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَلَمْ يُسَمَّ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1223] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ.
فَلَقِيتُ رَجُلاً فَقُلْتُ: بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي.
فَقُلْتُ: لَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِي، قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا".
وبه قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد المعروف بالزمن العنزي، بفتح النون والزاي، البصري، قال: ( حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي ( قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرنا ( ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن ( عن سعيد المقبري قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه) : ( يقول الناس: أكثر أبو هريرة) في الرواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فلقيت رجلاً) لم يسم ( فقلت: بما) بإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها، وهو قليل.
ولأبي ذر: بم ( قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، البارحة) نصب على الظرفية، أقرب ليلة مضت ( في العتمة) في صلاة العشاء ( فقال: لا أدري) ما قرأ.
( فقلت: لم) بغير همزة ( تشهدها) شهودًا تامًا وكأنه اشتغل بغير أمر الصلاة حتى نسي السورة التي قرئت.
( قال) الرجل: ( بلى) شهدتها.
قال أبو هريرة: ( قلت: لكن أنا أدري، قرأ سورة كذا وكذا) .
كأن أبا هريرة شغل فكره بأفعال الصلاة حتى ضبطها وأتقنها.
ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وهو من أفراده.
والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم 22 - كتاب السهو ( بسم الله الرحمن الرحيم) .
1 - باب مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ إِذَا قَامَ مِنْ رَكْعَتَىِ الْفَرِيضَةِ ( باب ما جاء في) حكم ( السهو) الواقع في الصلاة ( إذا قام) المصلي ( من ركعتي الفريضة) ولم يجلس عقبهما، وللكشميهني، والأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: من ركعتي الفرض ولفظ: باب، ساقط في رواية أبي ذر.
1224 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ.
فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ".
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، وسقط: ابن أنس، لأبي ذر ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عبد الرحمن) بن هرمز ( الأعرج) ولفظ عبد الرحمن ساقط في رواية الهروي، وأبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر.
وقال في الفتح: ثابتة في رواية كريمة، ساقطة في رواية الباقين.
( عن عبد الله ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة وألف قبل باء: ابن، لأنها اسم أمه أو أم أبيه ( رضي الله عنه أنه قال) : ( صلّى لنا) أي: بنا، أو: لأجلنا ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ركعتين من بعض الصلوات) في الرواية التالية: أنها الظهر ( ثم قام) إلى الركعة الثالثة ( فلم يجلس) أي: ترك التشهد مع قعوده المشروع له، المستلزم تركه ترك التشهد ( فقام الناس معه) إلى الثالثة.
زاد الضحاك بن عثمان، عن الأعرج، عند ابن خزيمة: فسبحوا به، فمضى في صلاته.
واستنبط منه: أن من سها عن التشهد الأول حتى قام إلى الركعة ثم ذكر لا يرجع.
فقد سبحوا به عليه الصلاة والسلام فلم يرجع لتلبسه بالفرض، فلم يبطله للسنة.
فلو عاد عامدًا عالمًا بتحريمه بطلت صلاته لزيادته قعودًا عمدًا أو ناسيًا أنه في الصلاة فلا تبطل.
ويلزمه القيام عند تذكره أو جاهلاً تحريمه، فكذا لا تبطل في الأصح.
وأنه لو تخلف المأموم عن انتصابه للتشهد بطلت صلاته إلا أن ينوي مفارقته، فيعذر.
ولو عاد الإمام قبل قيام المأموم، حرم قعوده معه لوجوب القيام عليه بانتصاب الإمام، ولو انتصب معه ثم عاد هو لم تجز متابعته في العودلأنه إما مخطئ به فلا يوافقه في الخطأ، أو عامد فصلاته باطلة.
بل يفارقه أو ينتظره حملاً على أنه عاد ناسيًا.
وقيل: لا ينتظر، فلو عاد معه عالمًا بالتحريم بطلت صلاته، أو ناسيًا أو جاهلاً لم تبطل.
( فلما قضى) عليه الصلاة والسلام ( صلاته) فرغ منها.
أي: ما عدا تسليم التحليل بدليل قوله: ( ونظرنا) أي: وانتظرنا ( تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين) للسهو ندبًا عند الجمهور، وفرضًا عند الحنفية ( وهو جالس) أي: أنشأ السجود جالسًا، فالجملة حالية ( ثم سلم) بعد ذلك وسلم الناس معه.
قال الزهري: وفعله قبل السلام هو آخر الأمرين من فعله عليه الصلاة والسلام، ولأنه لمصلحة الصلاة.
فكان قبل السلام، كما لو نسي سجدة منها.
وأجابوا، عن سجوده بعده في خبر اليدين الآتي إن شاء الله تعالى بحمله على أنه لم يكن عن قصد، وهو يرد على من ذهب إلى أن جميعه بعد السلام كالحنفية، وفيه: أن سجود السهو، وإن كثر السهو، سجدتان.
فلو اقتصر على واحدة ساهيًا لم يلزمه شيء أو عامدًا بطلت صلاته لتعمده الإتيان بسجدة زائدة ليست مشروعة.
لكن جزم القفال في فتاويه: بأنها لا تبطل، وأنه يكبر لهما كما يكبر في غيرهما من السجود، وأن المأموم يتابع الإمام ويلحقه سهو إمامه.
فإن سجد لزمه متابعته، فإن تركها عمدًا بطلت صلاته، وإن لم يسجد إمامه فيسجد هو على النص.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1223] نا محمد بن المثنى: حدثنا عثمان بن عمر: أنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، قال: قال أبو هريرة: يقول الناس: أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً فقلت: بم قرأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البارحة في العتمة؟ قالَ: لا أدري.
فقلت: لم تشهدها؟ قال: بلى.
فقلت:لكن أنا أدري، قرأ سورة كذا وكذا.
مراد أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن يبين للناس امتيازه عن غيره بضبط أمور النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واعنائه بها، وحفظه لها، وإذا كان كذا لم يستبعد أن يكون قد حفظ ما لم يحفظه غيره.
وهذه الواقعة كانت جرت له في حياة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فحفظ قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة العشاء، ولم يحفظها بعض من شهد العشاء معه، مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وظاهر السياق: يقضي أنه من حينئذ كان يقال: أكثر أبو هريرة، وهو بعيد.
والظاهر – والله اعلم -: أنه إنما قيل ذلك بعد وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حين أكثر أبو هريرة من الرواية عنه.
فاستدل أبو هريرة بحفظه ما لم يحفظه غيره بهذه القصة التي جرت له مع بعض الصحابة، حيث حفظ ما قرأ به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة العشاء، ولم يحفظ ذلك غيره ممن صلى معه.
واعلم؛ أن عدم حفظ المصلي لما قرأ به امامه لها حالتان: أحدهما: أن يكون ذَلِكَ عقب انصرافه من الصَّلاة، فهذا إنما يكون غالباً من عدم حضور القلب في الصَّلاة، وغلبه الفكر والوساوس فيها.
وقد ذكرنا في ( ( باب: القراءة في الصلاة) ) ، عن أحمد، أنه قال – فيمنصلى مع إمام، فلما خرج من الصلاة قيل له: ما قرأ الإمام؟ قالَ: لا أدري – قالَ: يعيد الصَّلاة.
وإن الأصحاب اختلفوا في وجهها على ثلاث طرق لهم فيها.
وقد ورد حديث مرفوع، يستدل به على أن لا اعادة على من لم يحفظ ذلك: فروى البزار ( ( مسنده) ) ، عن عمرو بن علي: سمعت يحيى بن كثير، قال: حدثنا الجريري، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً بأصحابه، فقال: ( ( كيف رأيتموني صليت؟) ) قالوا: ما أحسن ما صليت، قالَ: ( ( قد نسيت آية كيت وكيت، وإن من حسن صلاة المرء أن يحفظ قراءة الإمام) ) .
الحالة الثانية: أن يكون ذلك بعد مضي مدة من الصلاة، فهذا يكون غالباً من النسيان بعد الحفظ، لا من سهو القلب في الصلاة، وهذا هو الذي أراده أبو هريرة بحديثه هذا.
وحينئذ؛ ففي تخريجه في الباب نظر؛ لأن الباب معقود لحديثالنفس في الصلاة والوسوسة فيها، وهو ينقسم إلى المذموم - وهو حديث النفس بأمور [الدنيا] وتعلقاتها -، وإلى محمود - وهو حديث النفس بأمور الآخرة وتعلقاتها -، ومنه ما يرجع إلى ما فيه مصلحة المسلمين من أمور الدنيا، كما كان عمر يفعله.
وقد خرج البخاري في ( ( أبواب الوضوء) ) حديث عثمان، فيمن توضأ ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه، وسبق الكلام عليه في موضعه.
[كتاب السهو] بسم الله الرحمن الرحيم 1 - باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفرض

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :1179 ... غــ :1223] .

     قَوْلُهُ  قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار عَن بن أَبِي ذِئْبٍ بِلَفْظِ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا قَدْ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُهُ لِشِبَعِ بَطْنِي فَلَقِيتُ رَجُلًا فَقُلْتُ لَهُ بِأَيِّ سُورَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ انْتَهَى وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ تَبِعَ أَطْرَافَ خَلَفٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا وَقَدْ قَالَ بن عَسَاكِرَ لَمْ أَجِدْهَا وَلَا ذَكَرَهَا أَبُو مَسْعُودٍ انْتَهَى ثُمَّ وَجَدْتُ فِي مَنَاقِبِ جَعْفَرٍ صَدْرَ هَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لِشِبَعِ بَطْنِي حِينَ لَا آكُلُ الْخَمِيرَ وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ فَذَكَرَ قِصَّةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَعَلَّ الْبَيْهَقِيَّ أَرَادَ هَذَا وَكَأَنَّ الْمَقْبُرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ رُوَاتِهِ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَامًّا تَارَةً وَمُخْتَصَرًا أُخْرَى وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق بن أبي فديك عَن بن أَبِي ذِئْبٍ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُعَاءَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ وَقَولُهُ حَفِظْتُ إِلَخْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَكْثَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى سَبَبِ إِكْثَارِهِ وَأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ كَانُوا يَشْغَلُهُمُ الْمَعَاشُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَمَامَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إِكْثَارِهِ وَعَلَى السَّبَبِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى سَبَبِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى التَّحْدِيثِ .

     قَوْلُهُ  فَلَقِيَتُ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَلَا عَلَى تَسْمِيَةِ السُّورَةِ وَقَولُهُ بِمَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِغَيْرِ أَلِفٍ لِأَبِي ذَرٍّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَلِلْأَكْثَرِ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَهُوَ قَلِيلٌ أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  الْبَارِحَةَ أَيْ أَقْرَبُ لَيْلَةٍ مَضَتْ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى سَبَبِ إِكْثَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَشِدَّةِ إِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ ضَبْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَسِيَ السُّورَةَ الَّتِي قُرِئَتْ أَوْ دَلَالَتُهُ عَلَى ضَبْطِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَأَنَّهُ شُغِلَ فِكْرُهُ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ حَتَّى ضَبَطَهَا وَأَتْقَنَهَا كَذَا ذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ غَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَتْ أَبْوَابُ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْ ذَلِكَ سِتَّةٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهَا وَفِيمَا مَضَى ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا وَالْبَقِيَّةُ خَالِصَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ فِي قِصَّةِ انْفِلَاتِ دَابَّتِهِ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُعَلَّقِ فِي النَّفْخِ فِي السُّجُودِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّخَصُّرِ وَحَدِيثِهِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْعَتَمَةِ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ سِتَّةُ آثَار وَالله أعلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1179 ... غــ :1223 ]
- نا محمد بن المثنى: حدثنا عثمان بن عمر: أنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، قال: قال أبو هريرة: يقول الناس: أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً فقلت: بم قرأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البارحة في العتمة؟ قالَ: لا أدري.
فقلت: لم تشهدها؟ قال:
بلى.
فقلت: لكن أنا أدري، قرأ سورة كذا وكذا.

مراد أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن يبين للناس امتيازه عن غيره بضبط أمور النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واعنائه بها، وحفظه لها، وإذا كان كذا لم يستبعد أن يكون قد حفظ ما لم يحفظه غيره.

وهذه الواقعة كانت جرت له في حياة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فحفظ قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة العشاء، ولم يحفظها بعض من شهد العشاء معه، مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وظاهر السياق: يقضي أنه من حينئذ كان يقال: أكثر أبو هريرة، وهو بعيد.

والظاهر – والله اعلم -: أنه إنما قيل ذلك بعد وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حين أكثر أبو هريرة من الرواية عنه.

فاستدل أبو هريرة بحفظه ما لم يحفظه غيره بهذه القصة التي جرت له مع بعض الصحابة، حيث حفظ ما قرأ به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة العشاء، ولم يحفظ ذلك غيره ممن صلى معه.

واعلم؛ أن عدم حفظ المصلي لما قرأ به امامه لها حالتان:
أحدهما: أن يكون ذَلِكَ عقب انصرافه من الصَّلاة، فهذا إنما يكون غالباً من عدم حضور القلب في الصَّلاة، وغلبه الفكر والوساوس فيها.

وقد ذكرنا في ( ( باب: القراءة في الصلاة) ) ، عن أحمد، أنه قال – فيمن صلى مع إمام، فلما خرج من الصلاة قيل له: ما قرأ الإمام؟ قالَ: لا أدري – قالَ: يعيد الصَّلاة.

وإن الأصحاب اختلفوا في وجهها على ثلاث طرق لهم فيها.

وقد ورد حديث مرفوع، يستدل به على أن لا اعادة على من لم يحفظ ذلك:
فروى البزار ( ( مسنده) ) ، عن عمرو بن علي: سمعت يحيى بن كثير، قال: حدثنا الجريري، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً بأصحابه، فقال: ( ( كيف رأيتموني صليت؟) ) قالوا: ما أحسن ما صليت، قالَ: ( ( قد نسيت آية كيت وكيت، وإن من حسن صلاة المرء أن يحفظ قراءة الإمام) ) .


الحالة الثانية: أن يكون ذلك بعد مضي مدة من الصلاة، فهذا يكون غالباً من النسيان بعد الحفظ، لا من سهو القلب في الصلاة، وهذا هو الذي أراده أبو هريرة بحديثه هذا.

وحينئذ؛ ففي تخريجه في الباب نظر؛ لأن الباب معقود لحديث النفس في الصلاة والوسوسة فيها، وهو ينقسم إلى المذموم - وهو حديث النفس بأمور [الدنيا] وتعلقاتها -، وإلى محمود - وهو حديث النفس بأمور الآخرة وتعلقاتها -، ومنه ما يرجع إلى ما فيه مصلحة المسلمين من أمور الدنيا، كما كان عمر يفعله.

وقد خرج البخاري في ( ( أبواب الوضوء) ) حديث عثمان، فيمن توضأ ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه، وسبق الكلام عليه في موضعه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1179 ... غــ : 1223 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ.
فَلَقِيتُ رَجُلاً فَقُلْتُ: بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي.
فَقُلْتُ: لَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِي، قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد المعروف بالزمن العنزي، بفتح النون والزاي، البصري، قال: ( حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي ( قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرنا ( ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن ( عن سعيد المقبري قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه) :
( يقول الناس: أكثر أبو هريرة) في الرواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فلقيت رجلاً) لم يسم ( فقلت: بما) بإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها، وهو قليل.
ولأبي ذر: بم ( قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، البارحة) نصب على الظرفية، أقرب ليلة مضت ( في العتمة) في صلاة العشاء ( فقال: لا أدري) ما قرأ.
( فقلت: لم) بغير همزة ( تشهدها) شهودًا تامًا وكأنه اشتغل بغير أمر الصلاة حتى نسي السورة التي قرئت.
( قال) الرجل: ( بلى) شهدتها.
قال أبو هريرة: ( قلت: لكن أنا أدري، قرأ سورة كذا وكذا) .
كأن أبا هريرة شغل فكره بأفعال الصلاة حتى ضبطها وأتقنها.

ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وهو من أفراده.
والله أعلم.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1179 ... غــ :1223]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن عمر قَالَ أَخْبرنِي ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول النَّاس أَكثر أَبُو هُرَيْرَة فَلَقِيت رجلا فَقلت بِمَا قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - البارحة فِي الْعَتَمَة فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقلت ألم تشهدها قَالَ بلَى قلت لَكِن أَنا أَدْرِي قَرَأَ سُورَة كَذَا وَكَذَا) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن ذَلِك الرجل كَانَ متفكرا فِي الصَّلَاة بفكر دُنْيَوِيّ حَتَّى لم يضْبط مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهَا وَيجوز أَن يكون من حَيْثُ أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ متفكرا بِأَمْر الصَّلَاة حَتَّى ضبط مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد أَبُو مُوسَى الْمَعْرُوف بالزمن.
الثَّانِي عُثْمَان بن عمر بن فَارس الْعَبْدي.
الثَّالِث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أبي ذِئْب.
الرَّابِع سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري وَقد تكَرر ذكره.
الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَابْن أبي ذِئْب وَسَعِيد مدنيان وَفِيه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه أَن هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَقُول النَّاس أَكثر أَبُو هُرَيْرَة " أَي من الرِّوَايَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل من طَرِيق أبي مُصعب عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار عَن ابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ " أَن النَّاس قَالُوا قد أَكثر أَبُو هُرَيْرَة من الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنِّي كنت ألزمهُ لشبع بَطْني فَلَقِيت رجلا فَقلت لَهُ بِأَيّ سُورَة " فَذكر الحَدِيث وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب فِي أول هَذَا الحَدِيث " حفظت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعاءين " الحَدِيث " وَفِيه أَن النَّاس قَالُوا أَكثر أَبُو هُرَيْرَة " فَذكره وَتقدم فِي الْعلم من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّاس يَقُولُونَ أَكثر أَبُو هُرَيْرَة وَالله لَوْلَا آيتان فِي كتاب الله مَا حدثت " وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِل الْبيُوع من طَرِيق سعيد ابْن الْمسيب وَأبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ " إِنَّكُم تَقولُونَ أَن أَبَا هُرَيْرَة أَكثر " الحَدِيث قَوْله " بِمَ " بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة بِغَيْر ألف لأبي ذَر وَهُوَ الْمَعْرُوف وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين " بِمَا " بِإِثْبَات الْألف وَهُوَ قَلِيل قَوْله " البارحة " نصب على الظّرْف وَهِي اللَّيْلَة الْمَاضِيَة قَوْله " فِي الْعَتَمَة " وَهِي الْعشَاء الْآخِرَة قَوْله " ألم تشهد " بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام ويروى " لم تشهد " بِدُونِ الْهمزَة ( وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) إتقان أبي هُرَيْرَة وَشدَّة ضَبطه وَفِيه إكثار أبي هُرَيْرَة وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْب إِذا لم يخْش مِنْهُ قلَّة الضَّبْط وَمن النَّاس من لَا يكثر وَلَا يضْبط مثل هَذَا الرجل لم يحفظ مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْعَتَمَة وَفِيه مَا يدل على أَنه قد يجوز أَن يَنْفِي الشَّيْء عَمَّن لم يحكمه لِأَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ للرجل ألم تشهدها يُرِيد شُهُودًا تَاما فَقَالَ الرجل بلَى شهدتها كَمَا يُقَال للصانع إِذا لم يحسن صَنعته مَا صنعت شَيْئا يُرِيدُونَ الإتقان وللمتكلم مَا قلت شَيْئا إِذا لم يعلم مَا يَقُول

( بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)