هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1099 حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيَّ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْأَنْصَارِ - أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي ، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي ، وَإِذَا كَانَتِ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنَّ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ ، وَدِدْتُ أَنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي مُصَلًّى ، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ عِتْبَانُ : فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَذِنْتُ لَهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ : أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّي مِنْ بَيْتِكَ ؟ قَالَ : فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَبَّرَ ، فَقُمْنَا وَرَاءَهُ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، قَالَ : وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ لَهُ ، قَالَ : فَثَابَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ حَوْلَنَا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ ذَوُو عَدَدٍ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : ذَلِكَ مُنَافِقٌ ، لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ ، أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ؟ قَالَ : قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّمَا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ لِلْمُنَافِقِينَ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ، ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ ، وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ ، عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ رَبِيعٍ ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ أَوِ الدُّخَيْشِنِ ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ مَحْمُودٌ : فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَفَرًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا قُلْتَ ، قَالَ : فَحَلَفْتُ إِنْ رَجَعْتُ إِلَى عِتْبَانَ أَنْ أَسْأَلَهُ ، قَالَ : فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ وَهُوَ إِمَامُ قَوْمِهِ ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَائِضُ وَأُمُورٌ نَرَى أَنَّ الْأَمْرَ انْتَهَى إِلَيْهَا فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَغْتَرَّ فَلَا يَغْتَرَّ ، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ ، قَالَ : إِنِّي أَعْقِلُ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دَلْوٍ فِي دَارِنَا ، قَالَ مَحْمُودٌ : فَحَدَّثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَصَرِي قَدْ سَاءَ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ، وَحَبَسْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَشِيشَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَةِ يُونُسَ ، وَمَعْمَرٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني قد أنكرت بصري ، وأنا أصلي لقومي ، وإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم ، وددت أنك يا رسول الله تأتي فتصلي في مصلى ، فأتخذه مصلى ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سأفعل إن شاء الله ، قال عتبان : فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر الصديق حين ارتفع النهار ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذنت له ، فلم يجلس حتى دخل البيت ، ثم قال : أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ قال : فأشرت إلى ناحية من البيت ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكبر ، فقمنا وراءه ، فصلى ركعتين ، ثم سلم ، قال : وحبسناه على خزير صنعناه له ، قال : فثاب رجال من أهل الدار حولنا حتى اجتمع في البيت رجال ذوو عدد ، فقال قائل منهم : أين مالك بن الدخشن ؟ فقال بعضهم : ذلك منافق ، لا يحب الله ورسوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقل له ذلك ، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله ؟ قال : قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنما نرى وجهه ونصيحته للمنافقين ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله قال ابن شهاب ، ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري ، وهو أحد بني سالم ، وهو من سراتهم ، عن حديث محمود بن الربيع ، فصدقه بذلك ، وحدثنا محمد بن رافع ، وعبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : حدثني محمود بن ربيع ، عن عتبان بن مالك ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الحديث بمعنى حديث يونس ، غير أنه قال : فقال رجل أين مالك بن الدخشن أو الدخيشن ، وزاد في الحديث قال محمود : فحدثت بهذا الحديث نفرا فيهم أبو أيوب الأنصاري ، فقال : ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت ، قال : فحلفت إن رجعت إلى عتبان أن أسأله ، قال : فرجعت إليه فوجدته شيخا كبيرا قد ذهب بصره وهو إمام قومه ، فجلست إلى جنبه ، فسألته عن هذا الحديث ، فحدثنيه كما حدثنيه أول مرة ، قال الزهري : ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى أن الأمر انتهى إليها فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر ، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، قال : حدثني الزهري ، عن محمود بن الربيع ، قال : إني أعقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من دلو في دارنا ، قال محمود : فحدثني عتبان بن مالك ، قال : قلت : يا رسول الله إن بصري قد ساء ، وساق الحديث إلى قوله ، فصلى بنا ركعتين ، وحبسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جشيشة صنعناها له ، ولم يذكر ما بعده من زيادة يونس ، ومعمر
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حدثني محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك، قال: قدمت المدينة.
فلقيت عتبان.
فقلت: حديث بلغني عنك.
قال: أصابني في بصري بعض الشيء.
فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي.
فأتخذه مصلى.
قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه.
فدخل وهو يصلي في منزلي.

وأصحابه يتحدثون بينهم.
ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم.
قالوا: ودوا أنه دعا عليه فهلك.
وودوا أنه أصابه شر.
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة.
وقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: إنه يقول ذلك.
وما هو في قلبه.
قال لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار، أو تطعمه
قال أنس: فأعجبني هذا الحديث.
فقلت لابني: اكتبه.
فكتبه.



المعنى العام

حديث عتبان بن مالك الصحابي الجليل الأنصاري الخزرجي الذي شهد بدرا، حدث بقوله صلى الله عليه وسلم لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه وسمع هذا الحديث محمود بن الربيع وهو يسكن ضاحية المدينة، فأعجبه، وبعث الرجاء الواسع في نفسه، فجاء المدينة، فالتقى بعتبان فقال له: بلغني عنك حديث وأحب أن أسمعه منك.

فأخذ عتبان يسوق ظروف الحديث ومناسبته وقصته، ليتمكن في النفس فضل تمكن وليعين بذلك على فهم الهدف والغاية منه فهما صحيحا، وليثق السامع في ضبطه وكمال تذكره وذكر الملابسات المحيطة به، فقال:

كنت إمام قومي، أنتقل عند كل فريضة إلى مسجد محلتهم فأصلي بهم، فرأيت أن بصري جعل يكل، ويسوء شيئا فشيئا، حتى أصبحت أتعثر في طريق المسجد، وحتى أصبح من العسير علي أن أجتاز الوادي الذي بيني وبينه إذا جاء المطر وسال الوادي، ولم يكن مفر من أن أصلي في بيتي بعض الأوقات، فأردت أن أعوض ما يفوتني من الصلاة في المسجد بالصلاة في مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وباركه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله: قد أنكرت بصري، إذ أصابني فيه ضعف شديد، وأنا إمام قومي، فإذا كانت الأمطار وسال الوادي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني، فتخط لي مكانا في بيتي فتصلي فيه، فأتخذه مصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأفعل إن شاء الله.

ولشدة لهفة عتبان ترقب قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس اليوم، فلما لم يأت أصبح فأعد طعاما له صلى الله عليه وسلم ولمن عساه أن يأتي معه، وبعث إليه رسولا يقول له: يا رسول الله إن عتبان يحب أن تأتيه فتصلي في منزله فيتخذه مصلى.

فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، وانضم إليهما في الطريق عمر، فلما وصلوا المنزل استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن عتبان بالدخول فدخلوا فلم يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل البيت، ولكنه قال: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فقال عتبان: هنا، وأشار إلى ناحية منه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام من حضر من الصحابة فصفوا، فكبر فصلى بهم ركعتين، ثم جلسوا يتحدثون وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فتناولوا بحديثهم مالك بن دخشم وهو من قوم عتبان.
قال قائل منهم: أين مالك بن الدخشم؟ لماذا لم يحضر الصلاة هنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال الآخر: إنه منافق لا يحب الله ورسوله، وقال آخر، إنه يجالس المنافقين ويصغي إليهم، وقال الرابع: ليت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عليه فيهلك، وقال الخامس: ليته يصاب بمكروه يحول بينه وبين المنافقين.

كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فلما قضى الصلاة قال: لا تقولوا هذا القول في شأن مالك بن الدخشم.
أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: إنه يشهد بلسانه دون قلبه، فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين.
قال: ألا ترونه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال صلى الله عليه وسلم: لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه النار.

وحدث محمود بن الربيع أنس بن مالك بهذا الحديث فسر به واستبشر، وقال لابنه: اكتبه، فكتبه، فأخذ أنس يحدث به.

رضي الله عنهم ومن اهتدى بهم إلى يوم الدين.

المباحث العربية

( عن أنس بن مالك قال: حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال: قدمت المدينة) تقدير السند في الأصل: قال أنس: حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بحديث قال فيه محمود: قدمت المدينة... إلخ.

وفي الرواية الثانية عن أنس قال: حدثني عتبان بن مالك وجمع بين الروايتين باحتمال أن أنسا سمع الحديث مرة من محمود بن الربيع، ومرة أخرى من عتبان.

( حديث بلغني عنك) أي جاء بي إليك حديث بلغني عنك، يبشر الموحد بالجنة، فأخبرني به.

( قال: أصابني في بصري بعض الشيء) وفي رواية جعل بصري يكل وفي رواية لما ساء بصري فهذه الروايات تدل على أنه لم يكن قد عمي كلية، لكن جاء في الرواية الثانية حدثني عتبان أنه عمي وفي رواية للبخاري في باب الرخصة في المطر قال محمود: إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى ففي هاتين الروايتين تصريح بأنه عمي بالفعل.

وجمع الحافظ ابن حجر بينهما بأن قول محمود: إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث لا حين سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا أن عتبان حين طلب الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن قد تم عماه، ويعكر على هذا الجمع رواية البخاري، وفيها أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر .

وجمع بينهما بعضهم باحتمال أنه أراد ببعض الشيء، وسوء البصر، أراد العمى، وهو ذهاب البصر جميعه مجازا، أو باحتمال أنه أراد بالعمى ضعف البصر، وذهاب معظمه، وسماه عمى لقربه منه، ومشاركته إياه في فوت بعض ما كان حالا في حال السلامة، وهذا الاحتمال حري بالقبول .

( ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم) عظم الشيء بضم العين وإسكان الظاء معظمه، وكبره بضم الكاف وكسرها لغتان فصيحتان مشهورتان، والإشارة إلى ما تحدثوا عنه، أي تحدثوا وذكروا شأن المنافقين وأفعالهم القبيحة، وما يلقون منهم، ونسبوا معظم ذلك إلى مالك بن دخشم.
بضم الدال وإسكان الخاء وضم الشين، وفي رواية بالنون بدل الميم.

( ودوا أنه دعا عليه فهلك) ضمير اسم أن يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

( وودوا أنه أصابه شر) وفي بعض الروايات أصابه بشر بزيادة الباء الجارة، وفي بعضها أصابه بشيء قال النووي : وكله صحيح.

( وما هو في قلبه) الضمير يعود على المشار إليه، وهو الشهادة، والجملة في محل النصب حال.

( فخط لي مسجدا) أي علم لي على موضع لأجعل صلاتي فيه متبركا بآثارك.

( وجاء قومه) أي قوم عتبان لاستقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم في محلتهم والتشرف بلقائه في ديارهم والحفاوة به.

( ونعت رجل منهم) أي وصف بأوصاف وتحدث فيه.

فقه الحديث

تدل روايات مسلم للحديث على أن عتبان أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذهب إليه بنفسه، وتدل روايات البخاري له على أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا إليه ما أصابه وطلب منه حضوره إلى بيته، وقد جمع بين الروايات باحتمال أنه أسند إتيان رسوله إلى نفسه مجازا، وقال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أنه أتاه مرة وبعث إليه أخرى، كما جاء في رواية مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى ومن شاء من أصحابه، وجاء في رواية أنه أتى ومعه أبو بكر وعمر، وفي رواية في نفر من أصحابه وإذا لم يكن بين رواية مسلم وبين هذه الروايات تعارض كان بين بعضها والبعض الآخر تعارض من حيث الظاهر، فرواية ومعه أبو بكر ورواية ومعه أبو بكر وعمر لا تتفق مع رواية في نفر من أصحابه فالنفر يطلق على الثلاثة فما فوقها إلى العشرة، وللجمع بينهما يمكن أن يقال: ليس في رواية معية أبي بكر أو معية أبي بكر وعمر قصر يمنع من دخول الغير، ويكون ذكرهما أو ذكر أحدهما اقتصارا من الراوي.

وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل الجمع بأن أبا بكر صحبه في ابتداء التوجه، ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة فدخلوا معه، اهـ.
.

وهذا الجمع بعيد، لأن لفظ المعية من الكل مقيدا به الإتيان يجعل التوزيع صعبا، والأولى الجمع الأول.

وظاهر رواية مسلم أن تحدث الصحابة في مالك بن دخشم كان أثناء صلاته صلى الله عليه وسلم، وبه استدل بعضهم على جواز الكلام والتحدث بحضرة المصلين ما لم يشغلهم ويدخل عليهم الفساد في صلاتهم، ثم قال: وهذا في غير المسجد، وما لم يكن أحد المتحدثين عن يمين المصلي والآخر عن شماله.

لكن رواية البخاري تدل على أن التحدث كان بعد الصلاة إذ جاء فيها فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر، فقمنا فصففنا، فصلى ركعتين ثم سلم، قال: وحبسناه على خريزة - لحم ودقيق مطبوخ في ماء - صنعناها له، قال: فثاب في البيت رجال من أهل الدار، ذوو عدد، فاجتمعوا فقال قائل منهم: أين مالك؟ إلخ.

ويمكن الجمع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم ركعتين، ثم قام يصلي وحده وهم جلوس فتكلموا أثناء صلاته صلى الله عليه وسلم، فلما قضى صلاته رد عليهم.

وقد يرى المرء أن تمادي الصحابة في تناول مالك لم يكن ينبغي بعد كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ورده عليهم، ولكن لعلهم فهموا من كلامه صلى الله عليه وسلم ( خصوصا وقد ورد بأسلوب الاستفهام) أنه لا يجزم بذلك، فقالوا على جهة التنبيه والنصيحة: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه.

ومستندهم في ذلك تخلفه عن هذا المجلس، وهذا المشهد الكثير البركة، وعدم ظهور فرحه بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ديارهم، وعدم المبادرة إلى لقائه، بالإضافة إلى ما لاحظوه عنه من تردده على المنافقين وإصغائه إلى حديثهم.

ولم يوافقهم صلى الله عليه وسلم، فقد يكون له عذر فيما رأوا خصوصا وهو من أهل بدر، وقد علمت شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل بدر عامة بأن الله قد غفر لهم.

قال النووي : وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمانه باطنا، وبراءته من النفاق في رواية البخاري بقوله: ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله؟ .

وقد ظهر في حسن إسلام مالك بن دخشم ما يمنع من اتهامه بالنفاق، ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعن بن عدي فجرفا مسجد الضرار، وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختاره لهذه المهمة وهو من المنافقين.

ويؤخذ من الحديث

1 - مدى حرص الصحابة على تتبع الأحاديث والانتقال إلى راويها الأول لسماعها منه.

2 - إخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة، ولا يكون ذلك من الشكوى.

3 - التبرك بآثار الصالحين، ويمكن أن تكون خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

4 - جواز استدعاء المفضول للفاضل لمصلحة تعرض.

5 - إجابة الفاضل دعوة المفضول.

6 - زيارة العلماء والفضلاء والكبراء أتباعهم، وأنه من دعي منهم أجاب إذا أمن من الفتنة.

7 - استصحاب الزائر بعض أصحابه إذا علم أن المستدعي لا يكره ذلك.

8 - اجتماع أهل الجهة لملاقاة الإمام أو العالم إذا ورد منزل بعضهم ليستفيدوا منه ويتبركوا به.

9 - افتقاد من غاب عن الجماعة.

10 - ذكر من يتهم بريبة أو نحوها للأئمة وغيرهم للتحرز منه، ولا يعد ذلك غيبة.

11 - أن على الإمام أن يتثبت من ذلك، ويحمل الأمر فيه على الوجه الجميل.

12 - أن من نسب من يظهر الإسلام إلى النفاق ونحوه بقرينة تقوم عنده لا يكفر بذلك ولا يفسق، بل يعذر بالتأويل.

13 - الذب عن ذكره بسوء وهو بريء منه.

14 - جواز اتخاذ موضع معين للصلاة، وأما النهي عن إيطان موضع معين من المسجد فمحمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه.

15 - فيه الصلاة في الدور، وأنه لا بأس أن يجعل الرجل محرابا في بيته، وهل له حرمة المسجد أو لا؟ خلاف.

16 - أن المسجد المتخذ في البيوت لا يخرج عن ملك صاحبه بخلاف المسجد المتخذ في المحلة.

17 - جواز تمني هلاك أهل النفاق والشقاق ووقوع المكروه بهم.

18 - حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه مع جلالة قدره وعلو منزلته.

19 - البدء بالأهم، فقد بدأ صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بالصلاة، لأنها أصل الدعوة، وبدأ بالطعام في قصة مليكة لأنه كان أصل الدعوة.

20 - أنه لا يدخل النار من شهد أن لا إله إلا الله.
وقد سبق تفصيله وبيان الآراء والتوجيهات الخاصة به في أول حديث بالباب.

21 - جواز كتابة الحديث وغيره من العلوم الشرعية، وأجيب عن النهي عن كتابة الحديث بأنه كان خوفا من اختلاطه بالقرآن، ولئلا يتكل الصحابة على الكتابة، ويفرطوا في الحفظ مع التمكن منه.

وكان بين الصحابة والتابعين خلاف في جواز كتابة الحديث، وكرهها كثير منهم، ثم استقر الإجماع وانعقد على جواز كتابته، بل على استحبابها، بل لا يبعد وجوبها على من خشي النسيان ممن يتعين عليه التبليغ.

22 - ويؤخذ من رواية البخاري من قوله: قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي جواز إمامة الأعمى.

23 - وأنه كان في المدينة مساجد للجماعة سوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

24 - وأن التخلف عن الجماعة جائز للعذر.

25 - ويؤخذ من قوله في رواية البخاري أيضا فقام صلى الله عليه وسلم فكبر، فقمنا فصففنا، فصلى ركعتين ثم سلم يؤخذ من هذه الفقرة صلاة النافلة في جماعة.

26 - وصلاة الجماعة في البيوت.

27 - وأن السنة في نوافل النهار ركعتان كالليل.

28 - وأن الإمام إذا زار قوما أمهم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم من زار قوما فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم فإنه مقيد بما إذا لم يكن الزائر هو الإمام الأعظم، وكذا من أذن له صاحب المنزل، وقال إسحق: لا يصلي أحد لصاحب المنزل وإن أذن له صاحب المنزل، وكأنه يجعل صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم وإمامته لصاحب المنزل من باب خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وقال مالك: يستحب لصاحب المنزل إذا حضر فيه من هو أفضل منه أن يقدمه للصلاة.

29 - يؤخذ من رواية البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله الرد على غلاة المرجئة القائلين بأنه يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد.

30 - ومن قول عتبان في رواية البخاري: وحبسناه على خريزة صنعناها له إكرام العلماء والفضلاء إذا دعوا.

والله أعلم