هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1019 قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي رَأَيْتُ الجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَأُرِيتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ العَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1019 قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك كعكعت ؟ قال صلى الله عليه وسلم : إني رأيت الجنة ، فتناولت عنقودا ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، وأريت النار ، فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ، ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : بكفرهن قيل : يكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منك شيئا ، قالت : ما رأيت منك خيرا قط
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

1019 قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي رَأَيْتُ الجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَأُرِيتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ العَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ *

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً)
أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَؤُمُّ لَهُمْ بَعْضُهُمْ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنِ الثَّوْرِيُّ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامُ صَلَّوْا فُرَادَى .

     قَوْلُهُ  وَصَلَّى لَهُمُ بن عَبَّاسٍ فِي صُفَّةِ زَمْزَمٍ وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدُ بن مَنْصُور جَمِيعًا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ سَمِعْتُ طَاوُسًا يَقُولُ كسفت الشَّمْس فصلى بِنَا بن عَبَّاسٍ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَهَذَا مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ بن عُيَيْنَة خُولِفَ فِيهِ رَوَاهُ بن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ فَقَالَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ وَكَذَا أخرجه بن أبي شيبَة عَن غنْدر عَن بن جُرَيْجٍ لَكِنْ قَالَ سَجَدَاتٍ بَدَلَ رَكَعَاتٍ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ غُنْدَرٍ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عبد الله بن صَفْوَان قَالَ رَأَيْت بن عَبَّاسٍ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ زَمْزَمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ الصُّفَّةُ مَوْضِعُ بَهْوٍ مُظَلَّلٍ وَفِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَهِيَ جَانِبُ النَّهْرِ وَلَا مَعْنَى لَهَا هُنَا إِلَّا بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ .

     قَوْلُهُ  وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَثَرِهِ هَذَا مَوْصُولًا قَوْله وَصلى بن عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَّةَ أَثَرٍ عَلَى الْمَذْكُور وَقد أخرج بن أبي شيبَة مَعْنَاهُ عَن بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ وَفِي جَمِيعِ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة بدل بن عَبَّاسٍ وَهُوَ غَلَطٌ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ سَجَدَ أَيْ سَجْدَتَيْنِ

[ قــ :1019 ... غــ :1052] .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ فِيهِ أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ أَقْصَرُ مِنَ الْأُولَى وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ شَيْئًا صَنَعْتُهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ فَذكر نَحْو حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى وَلَعَلَّهَا الْقِصَّةُ الَّتِي حَكَاهَا أَنَسٌ وَذَكَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ سِيَاقُهُ فِي بَابِ وَقْتِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ مِنْ كِتَابِ الْمَوَاقِيتِ لَكِنْ فِيهِ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ حَسْبُ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَهُوَ شَبِيهٌ بسياق بن عَبَّاسٍ فِي ذِكْرِ الْعُنْقُودِ وَذِكْرِ النِّسَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تَنَاوَلُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ بِضَمِّ اللَّامِ وَبِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَأَصْلُهُ تَتَنَاوَلُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ فِي رِوَايَةَ الْكُشْمِيهَنِيِّ تَكَعْكَعْتَ بِزِيَادَةِ تَاءٍ فِي أَوَّلِهِ وَمَعْنَاهُ تَأَخَّرْتَ يُقَالُ كَعَّ الرَّجُلُ إِذَا نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ تَكَعَّعْتَ فَاسْتَثْقَلُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثِ عَيْنَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنْ إِحْدَاهَا حَرْفًا مُكَرَّرًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ بِفَاءَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا ظَاهِرُهُ أَنَّهَا رُؤْيَةُ عَيْنٍ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْحُجُبَ كُشِفَتْ لَهُ دُونَهَا فَرَآهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَطُوِيَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنِهِمَا حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ الْمَاضِي فِي أَوَائِلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ دَنَتْ مِنِّيَ الْجَنَّةُ حَتَّى لَو اجترأت عَلَيْهَا لجئتكم بقطف مِنْ قِطَافِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهَا مُثِّلَتْ لَهُ فِي الْحَائِطِ كَمَا تَنْطَبِعُ الصُّورَةُ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى جَمِيعَ مَا فِيهَا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي وَفِي رِوَايَةٍ لَقَدْ مُثِّلَتْ وَلِمُسْلِمٍ لَقَدْ صُوِّرَتْ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ الِانْطِبَاعَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَجْسَامِ الثَّقِيلَةِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ شَرْطٌ عَادِيٌّ فَيَجُوزُ أَنْ تَنْخَرِقَ الْعَادَةُ خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَرَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَرَّتَيْنِ بَلْ مِرَارًا عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ رُؤْيَةُ الْعِلْمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا إِحَالَةَ فِي إِبْقَاءِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَدْ خُلِقَتَا وَوُجِدَتَا فَيَرْجِعُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْرَاكًا خَاصًّا بِهِ أَدْرَكَ بِهِ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا .

     قَوْلُهُ  وَلَوْ أَصَبْتُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَوْ أَخَذْتُهُ وَاسْتُشْكِلَ مَعَ قَوْلِهِ تَنَاوَلْتُ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ التَّنَاوُلِ عَلَى تَكَلُّفِ الْأَخْذِ لَا حَقِيقَةِ الْأَخْذِ وَقِيلَ الْمُرَادُ تَنَاوَلْتُ لِنَفْسِي وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَكُمْ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَنَاوَلْتُ أَيْ وَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ بِحَيْثُ كُنْتُ قَادِرًا عَلَى تَحْوِيلِهِ لَكِنْ لَمْ يُقَدَّرْ لِي قَطْفُهُ وَلَوْ أَصَبْتُهُ أَيْ لَوْ تَمَكَّنْتُ مِنْ قَطْفِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر عِنْد بن خُزَيْمَةَ أَهْوَى بِيَدِهِ لِيَتَنَاوَلَ شَيْئًا وَلِلْمُصَنِّفِ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا وَكَأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَجْتَرِئْ عَلَيْهِ وَقِيلَ الْإِرَادَةُ مُقَدَّرَةٌ أَيْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَنَاوَلَ ثُمَّ لَمْ أَفْعَلْ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لتنظروا إِلَيْهِ ثمَّ بدا لي أَن لَا أَفْعَلَ وَمِثْلُهُ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقٍ مُرْسَلَةٍ أَرَدْتُ أَنْ آخُذَ مِنْهَا قِطْفًا لِأُرِيَكُمُوهُ فَلَمْ يُقَدَّرْ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابر فحيل بيني وَبَينه قَالَ بن بَطَّالٍ لَمْ يَأْخُذِ الْعُنْقُودَ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَهُوَ لَا يَفْنَى وَالدُّنْيَا فَانِيَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ فِيهَا مَا لَا يَفْنَى وَقِيلَ لِأَنَّهُ لَوْ رَآهُ النَّاسُ لَكَانَ مِنْ إِيمَانِهِمْ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالْغَيْبِ فَيُخْشَى أَنْ يَقَعَ رَفْعُ التَّوْبَةِ فَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا وَقِيلَ لِأَنَّ الْجَنَّةَ جَزَاءُ الْأَعْمَالِ وَالْجَزَاءُ بِهَا لَا يَقع إِلَّا فِي الْآخِرَة وَحكى بن الْعَرَبِيِّ فِي قَانُونِ التَّأْوِيلِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ إِلَخْ أَنْ يَخْلُقَ فِي نَفْسِ الْآكِلِ مِثْلَ الَّذِي أَكَلَ دَائِمًا بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ عَنْ ذَوْقِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ رَأْيٌ فَلْسَفِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دَارَ الْآخِرَةِ لَا حَقَائِقَ لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ أَمْثَالٌ وَالْحَقُّ أَنَّ ثِمَارَ الْجَنَّةِ لَا مَقْطُوعَةٌ وَلَا مَمْنُوعَةٌ وَإِذَا قُطِعَتْ خُلِقَتْ فِي الْحَالِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا إِذَا شَاءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ فِي وُجُوبِ الدَّوَامِ وَجَوَازِهِ فَائِدَةٌ بَيَّنَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ التَّنَاوُلَ الْمَذْكُورَ كَانَ حِينَ قِيَامِهِ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ .

     قَوْلُهُ  وَأُرِيتُ النَّارَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَرَأَيْتُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ النَّارَ كَانَتْ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ الْجَنَّةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّارَ فَتَأَخَّرَ عَنْ مُصَلَّاهُ حَتَّى أَنَّ النَّاسَ لَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَإِذَا رَجَعَ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ فَذَهَبَ يَمْشِي حَتَّى وَقَفَ فِي مُصَلَّاهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا وَفِيهِ ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ وَذَلِكَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي وَزَادَ فِيهِ مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْد بن خُزَيْمَةَ لَقَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ قُمْتُ أُصَلِّي مَا أَنْتُمْ لَاقُونَ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَيْ لَمْ أَرَ مَنْظَرًا مِثْلَ مَنْظَرِ رَأَيْتِهِ الْيَوْمَ فَحَذَفَ الْمَرْئِيَّ وَأَدْخَلَ التَّشْبِيهَ عَلَى الْيَوْمِ لِبَشَاعَةِ مَا رَأَى فِيهِ وَبُعْدَهُ عَنِ الْمَنْظَرِ الْمَأْلُوفِ وَقِيلَ الْكَافُ اسْمٌ وَالتَّقْدِيرُ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ هَذَا الْيَوْمِ مَنْظَرًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ فَلَمْ أَنْظُرْ كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ .

     قَوْلُهُ  وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ هَذَا يُفَسِّرُ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ لَهُنَّ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِيدِ الْإِلْمَامُ بِتَسْمِيَةِ الْقَائِلِ أَيَكْفُرْنَ .

     قَوْلُهُ  يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ كَذَا لِلْجُمْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَوَقَعَ فِي مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ قَالَ وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْوَاوِ غَلَطٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ تَغْلِيطِهِ كَوْنَهُ خَالف غَيره من الروَاة فَهُوَ كَذَلِك وَأطلق عَلَى الشُّذُوذِ غَلَطًا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ تَغْلِيطِهِ فَسَادَ الْمَعْنَى فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَوَابَ طَابَقَ السُّؤَالَ وَزَادَ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ النِّسَاءِ فَعَمَّ الْمُؤْمِنَةَ مِنْهُنَّ وَالْكَافِرَةَ فَلَمَّا قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ فَأَجَابَ وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ إِلَخْ وَكَأَنَّهُ قَالَ نَعَمْ يَقَعُ مِنْهُنَّ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ مِنْهُنَّ مَنْ يَكْفُرُ بِاللَّهِ وَمِنْهُنَّ مَنْ يكفر الْإِحْسَان.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ وَجْهُ رِوَايَةِ يَحْيَى أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَفْقِ سُؤَالِ السَّائِلِ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِأَنَّ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَكْفُرُ بِاللَّهِ فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى جَوَابِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْحَدِيثِ خِلَافُهُ .

     قَوْلُهُ  يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَمْ يُعَدَّ كُفْرُ الْعَشِيرِ بِالْبَاءِ كَمَا عُدِّيَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ لِأَنَّ كُفْرَ الْعَشِيرِ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاعْتِرَافِ .

     قَوْلُهُ  وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ كَأَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كُفْرُ إِحْسَانِ الْعَشِيرِ لَا كُفْرُ ذَاتِهِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْعَشِيرِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالْمُرَادُ بِكُفْرِ الْإِحْسَانِ تَغْطِيَتُهُ أَوْ جَحْدُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ بَيَان للتغطية الْمَذْكُورَة وَلَو هُنَا شَرْطِيَّةٌ لَا امْتِنَاعِيَّةٌ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ امْتِنَاعِيَّةً بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا عَلَى النَّقِيضَيْنِ وَالطَّرَفُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى مِنَ الْمَذْكُورِ وَالدَّهْرُ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مُدَّةُ عُمْرِ الرَّجُلِ أَوِ الزَّمَانُ كُلُّهُ مُبَالَغَةً فِي كُفْرَانِهِنَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَحْسَنْتَ مُخَاطَبَةَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا فَهُوَ خَاصٌّ لَفْظًا عَامٌّ مَعْنًى .

     قَوْلُهُ  شَيْئًا التَّنْوِينُ فِيهِ لِلتَّقْلِيلِ أَيْ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يُوَافِقُ غَرَضَهَا مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي النَّارِ مِنَ النِّسَاءِ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَاتٍ ذَمِيمَةٍ ذُكِرَتْ وَلَفْظُهُ وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي إِن ائْتمن أَفْشَيْنَ وَإِنْ سُئِلْنَ بَخِلْنَ وَإِنْ سَأَلْنَ أَلْحَفْنَ وَإِنْ أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الطَّاعَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُحْذَرُ مِنْهُ وَاسْتِدْفَاعُ الْبَلَاءِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَأَنْوَاعِ طَاعَتِهِ وَمُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نُصْحِ أُمَّتِهِ وَتَعْلِيمِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَتَحْذِيرُهُمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ وَمُرَاجَعَةُ الْمُتَعَلِّمِ لِلْعَالِمِ فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ فَهْمُهُ وَجَوَازُ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ عِلَّةِ الْحُكْمِ وَبَيَانُ الْعَالِمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ تِلْمِيذُهُ وَتَحْرِيمُ كُفْرَانِ الْحُقُوقِ وَوُجُوبُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَفِيهِ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الْيَوْمَ وَجَوَازُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى مَا لَا يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ وَتَعْذِيبُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ عَلَى الْمَعَاصِي وَجَوَازُ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا لم يكثر

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً
وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ.
وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ.

( باب) مشروعية ( صلاة الكسوف جماعة) .

( وصلّى ابن عباس) رضي الله عنهما ( بهم) بالقوم، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: وصلّى لهم ابن عباس ( في صفة زمزم) وصله الإمام الأعظم الشافعي، وسعيد بن منصور، بلفظ: كسفت الشمس، فصلّى ابن عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات.

( وجمع) بتشديد الميم، وفي اليونينية؛ بالتخفيف ( علي بن عبد الله بن عباس) التابعي، المدعوّ بالسجاد، لأنه كان يسجد كل يوم ألف سجدة، وهو جد الخلفاء العباسيين.
ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب، فسمي باسمه، أي: جمع الناس لصلاة الكسوف.

( وصلى ابن عمر) بن الخطاب صلاة الكسوف بالناس، وهذا وصله ابن أبي شيبة بمعناه، ومراد المؤلّف بذلك كله الاستشهاد على مشروعية الجماعة في صلاة الكسوف.


[ قــ :1019 ... غــ : 1052 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ.
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ.
قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا.
وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ.
وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ.
قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ.
قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإمام ( عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) بمثناة تحتية، وسين مهملة مخففة ( عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما ( قال انخسفت الشمس) بنون بعد ألف الوصل ثم خاء، ( على عهد رسول الله) أي: زمنه، ولأبي ذر، في نسخة، والأصيلي، وأبي الوقت: على عهد النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: بل الجماعة ليدل على الترجمة ( فقام قيامًا طويلاً نحوًا من قراءة سورة البقرة) وهو يدل على أن القراءة كانت سرًا، ولذا قالت عائشة، كما في بعض الطرق عنها: فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة.

وأما قول بعضهم: إن ابن عباس كان صغيرًا، فمقامه آخر الصفوف، فلم يسمع القراءة، فحزر المدة.
فمعارض بأن في بعض طرقه: قمت إلى جانب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فما سمعت منه حرفًا.

ذكره أبو عمر.

( ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من مائة آية ( ثم رفع) من الركوع ( فقام قيامًا طويلاً) نحوًا من قراءة آل عمران ( وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من ثمانين آية ( وهو دون الركوع الأول، ثم سجد) أي: سجدتين ( ثم قام قيامًا طويلاً) نحوًا من النساء ( وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من سبعين آية ( وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، فقام قيامًا طويلاً) نحوًا من المائدة ( وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من خمسين آية ( وهو دون الركوع الأول، ثم سجد) سجدتين ( ثم انصرف) من الصلاة ( وقد تجلت الشمس) أي: بين جلوسه في التشهد والسلام.
كما دل عليه قوله في الباب السابق: ثم جلس، ثم جلي عن الشمس.


( قال) بالفاء، وللأصيلي: وقال: "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"
( إن الشمس والقمر) كسوفهما ( آيتان من آيات الله لا يخسفان) بفتح الياء وسكون الخاء وكسر السين ( لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا الله قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئًا في مقامك) كذا للأكثر: تناولت بصيغة الماضي، وللكشميهني: تناول، بحذف إحدى التاءين تخفيفًا، وضم اللام بالخطاب، وللمستملي: تتناول، بإثباتها ( ثم رأيناك كعكعت) بالكافين المفتوحتين والممهملتين الساكنتين، وللكشميهني: تكعكعت، بزيادة مثناة فوقية أوّله، أي: تأخرت، أو تقهقرت.

وقال أبو عبيدة: كعكعته فتكعكع، وهو يدل على: أن كعكع متعد، وتكعكع لازم.
وكعكع يقتضي مفعولاً، أي: رأيناك كعكعت نفسك.
ولمسلم رأيناك كففت نفسك من الكف وهو المنع.

( قال) ولأبي ذر في نسخة: ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إني رأيت الجنة) أي: رؤيا عين كشف له عنها، فرآها على حقيقتها، وطويت المسافة بينهما كبيت المقدس حين وصفه لقريش.

وفي حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة ما يشهد له، حيث قال فيه: دانت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، أو مثلت له في الحائط كانطباع الصور في المرآة، فرأى جميع ما فيها.

وفي حديث أنس الآتي، إن شاء الله تعالى، في التوحيد، ما يشهد له حيث قال فيه: عرضت عليّ الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط، وأنا أصلي.

وفي رواية: لقد مثلت، ولمسلم: صوّرت، ولا يقال الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة لأن ذلك شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( فتناولت) أي: في حال قيامه الثاني من الركعة الثانية، كما رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن زيد بن أسلم ( عنقودًا) منها أي: من الجنة: أي: وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على تحويله، لكن لم يقدّر لي قطفه ( ولو أصبته) أي: لو تمكنت من قطفه.
في حديث عقبة بن عامر، عند ابن خزيمة، ما يشهد لهذا التأويل، حيث قال فيه: أهوى بيده ليتناول شيئًا ( لأكلتم منه) أي: من العنقود ( ما بقيت الدنيا) .

وجه ذلك أنه يخلق الله تعالى مكان حبة تنقطف حبة أخرى، كما هو المروي في خواص ثمر الجنة، والخطاب عام في كل جماعة يتأتى مهم السماع، والأكل إلى يوم القيامة لقوله: ما بقيت الدنيا.
وسبب تركه، عليه الصلاة والسلام، تناول العنقود، قال ابن بطال: لأنه من طعام الجنة، وهو لا يفنى والدنيا فانية ولا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى.


وقال صاحب المظهر: لأنه لو تناوله ورآه الناس لكان إيمانهم بالشهادة لا بالغيب، فيخشى أن يقع رفع التوبة، قال تعالى: { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ} [الأنعام: 158] وقال غيره: لأن الجنة جزاء الأعمال، والجزاء لا يقع إلا في الآخرة.

( ورأيت النار) بضم الهمزة وكسر الراء، مبنيًا للمفعول، وأقيم المفعول الذي هو الرائي في الحقيقة مقام الفاعل، والنار نصب مفعول ثانٍ لأن أريت من الإراءة، وهو يقتضي مفعولين، ولغير أبي ذر كما في الفتح: ورأيت بتقديم الراء على الهمزة مفتوحتين.

وكانت رؤيته النار قبل رؤيته للجنة، كما يدل له رواية عبد الرزاق حيث قال فيها: عرضت على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النار، فتأخر عن مصلاه حتى إن الناس ليركب بعضهم بعضًا، وإذ رجع عرضت عليه الجنة، فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه.

ويؤيده حديث مسلم، حيث قال فيه: قد جيء بالنار، وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها.
وفيه: ثم جيء بالجنة، حين رأيتموني تقدّمت حتى قمت مقامي ... الحديث.

واللام في النار للعهد، أي: رأيت نار جهنم.

( فلم أر منظرًا كاليوم قط) منظرًا نصب بـ "أَرَ" وقط بتشديد الطاء وتخفيفها، ظرف للماضي، وقوله: ( أفظع) أقبح وأشنع وأسوأ صفة للمنصوب، وكاليوم قط اعتراض بين الصفة والموصوف، وأدخل كاف التشبيه عليه لبشاعة ما رأى فيه.

وجوّز الخطابي في: أفظع وجهين: أن يكون بمعنى فظيع، كأكبر بمعنى كبير، وأن يكون أفعل تفضيل على بابه على تقدير منه.
فصفة أفعل التفضيل محذوفة.

قال ابن السيد:
العرب تقول: ما رأيت كاليوم رجلاً، وما رأيت كاليوم منظرًا.
والرجل والمنظر لا يصح أن يشبها باليوم.

والنحاة تقول: معناه ما رأيت كرجل أراه اليوم رجلاً: وما رأيت كمنظر رأيته اليوم منظرًا، وتلخيصه: ما رأيت كرجل اليوم رجلاً، وكمنظر اليوم منظرًا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجازت إضافة الرجل والمنظر إلى اليوم لتعلقهما به، وملابستهما له، باعتبار رؤيتهما فيه.

وقال غيره: الكاف هنا اسم، وتقديره: ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرًا.
ومنظرًا تمييز.

ومراده باليوم: الوقت الذي هو فيه، ذكره الدماميني والبرماوي؛ لكن تعقب الدماميني الأخير، وهو قوله: وقال غيره ... الخ، بأن اعتباره في الحديث يلزم منه تقدم التمييز على عامله، والصحيح منعه، فالظاهر في إعرابه أن منظرًا: مفعول أر، وكاليوم: ظرف مستقر، صفة له وهو

بتقدير مضاف محذوف، كما تقدم أي: كمنظر اليوم، وقط: ظرف لأر، وأفظع: حال من اليوم على ذلك التقدير، والمفضل عليه وجاره محذوفان، أي كمنظر اليوم حال كونه أفظع من غيره.
انتهى.

وللحموي والمستملي: فلم أنظر كاليوم قط أفظع.

( ورأيت أكثر أهلها النساء) استشكل مع حديث أبي هريرة: إن أدنى أهل الجنة منزلة من له زوجتان من الدنيا، ومقتضاه أن النساء ثلثا أهل الجنة.

وأجيب: بحمل حديث أبي هريرة على ما بعد خروجهن من النار، وأنه خرج مخرج التغليظ والتخويف، وعورض بإخباره عليه الصلاة والسلام بالرؤية الحاصلة.

وفي حديث جابر: "وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي، إن ائتمنّ أفشين، وإن سئلن بخلن، وإن سألن ألحفن، وإن أعطين لم يشكرن.
فدلّ على أن المرئي في النار منهن من اتصف بصفات ذميمة.

( قالوا: بم يا رسول الله؟) أصله: بما، بالألف، وحذفت تخفيفًا ( بكفرهن قيل: يكفرن بالله) وللأربعة: أيكفرن بالله؟ بإثبات همزة الاستفهام ( قال) عليه الصلاة والسلام ( يكفرن العشير) الزوج أي: إحسانه لا ذاته، وعدي الكفر بالله بالباء ولم يعد كفر العشير بها، لأن كفر العشير لا يتضمن معنى الاعتراف.
ثم فسر كفر العشير بقوله: ( ويكفرن الإحسان) فالجملة مع الواو مبينة للجملة الأولى، على طريق: أعجبني زيد وكرمه، وكفر الإحسان تغطيته وعدم الاعتراف به، أو جحده وإنكاره، كما يدل عليه قوله: ( لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله) عمر الرجل، أو الزمان جميعه، لقصد المبالغة، نصب على الظرفية ( ثم رأت منك شيئًا) قليلاً لا يوافق غرضها في أي شيء كان ( قالت: ما رأيت منك خيرًا قط) .
وليس المراد من قوله: أحسنت، خطاب رجل بعينه، بل كل من يتأتى منه الرؤية، فهو خطاب خاص لفظًا، عام معنى.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ صَلاَةِ الكُسُوفِ جَمَاعَةً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صَلَاة الْكُسُوف بِالْجَمَاعَة، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن صَلَاة الْكُسُوف بِالْجَمَاعَة سنة..
     وَقَالَ  صَاحب (الذَّخِيرَة: من أَصْحَابنَا: الْجَمَاعَة فِيهَا سنة، وَيُصلي بهم الإِمَام الَّذِي يُصَلِّي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ، وَفِي (المرغيناني) : يؤمهم فِيهَا إِمَام حيهم بِإِذن السُّلْطَان، لِأَن اجْتِمَاع النَّاس رُبمَا أوجب فتْنَة وخللاً، وَلَا يصلونَ فِي مَسَاجِدهمْ بل يصلونَ جمَاعَة وَاحِدَة، وَلَو لم يقمها الإِمَام صلى النَّاس فُرَادَى.
وَفِي (مَبْسُوط) بكر، عَن أبي حنيفَة فِي غير رِوَايَة الْأُصُول: لكل إِمَام مَسْجِد أَن يُصَلِّي بِجَمَاعَة فِي مَسْجده، وَكَذَا فِي (الْمُحِيط) ..
     وَقَالَ  الْإِسْبِيجَابِيّ: لَكِن بِإِذن الإِمَام الْأَعْظَم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: بابُُ صَلَاة الْكُسُوف جمَاعَة، أَي: وَإِن لم يحضر الإِمَام.
قلت: إِذا لم يكن الإِمَام حَاضرا كَيفَ يصلونَ جمَاعَة؟ وَلَا تكون الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة إلاّ إِذا كَانَ فيهم إِمَام؟ فَإِن لم يكن إِمَام وصلوا فُرَادَى لَا يُقَال صلوا بِجَمَاعَة، وَإِن كَانُوا جماعات؟ فَإِن قلت: بِمَ انتصب جمَاعَة؟ قلت: يجوز أَن يكون بِنَزْع الْخَافِض، كَمَا قدرناه، فَإِن قلت: هَل يجوز أَن يكون حَالا؟ قلت: يجوز إِذا قدر هَكَذَا: بابُُ صَلَاة الْقَوْم الْكُسُوف حَال كَونهم جمَاعَة، فطوى ذكر الْفَاعِل للْعلم بِهِ.

وصَلَّى ابنُ عَبَّاس لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ
أَي: صلى للْقَوْم عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي صفة زَمْزَم، وَالصّفة، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء، قَالَ ابْن التِّين: صفة زَمْزَم، قيل: كَانَت أبنية يُصَلِّي فِيهَا ابْن عَبَّاس، وَالصّفة مَوضِع مظلل يَجْعَل فِي دَار أَو فِي حوش..
     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير، فِي ذكر أهل الصّفة: هم فُقَرَاء الْمُهَاجِرين، وَلم يكن لوَاحِد مِنْهُم منزل يسكنهُ، فَكَانُوا يأوون إِلَى مَوضِع مظلل فِي مَسْجِد الْمَدِينَة يسكنونة..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: صفة، بِضَم الْمُهْملَة وَفِي بَعْضهَا بِالْمُعْجَمَةِ وَهِي بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح: جَانب الْوَادي، وصفتاه جانباه، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن غنْدر: حَدثنَا ابْن جريج عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن طَاوُوس: أَن الشَّمْس انكسفت على عهد ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَصلى على صفة زَمْزَم رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة أَرْبَعَة سَجدَات، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي وَسَعِيد بن مَنْصُور جَمِيعًا: عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن سُلَيْمَان الْأَحول (سَمِعت طاووسا يَقُول: كسفت الشَّمْس فصلى بِنَا ابْن عَبَّاس فِي صفة زَمْزَم سِتّ ركوعات فِي أَربع سَجدَات، وَبَين الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالفَة..
     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: روى عبد الله بن أبي بكر عَن صَفْوَان بن عبد الله بن صَفْوَان قَالَ: رَأَيْت ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، صلى على ظهر زَمْزَم فِي كسوف الشَّمْس رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة ركوعان..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِذا كَانَ عَطاء وَعَمْرو وَصَفوَان وَالْحسن يروون عَن ابْن عَبَّاس خلاف سُلَيْمَان الْأَحول كَانَت رِوَايَة ثَلَاثَة أولى أَن تقبل، وَلَو ثَبت عَن ابْن عَبَّاس أشبه أَن يكون ابْن عَبَّاس فرق بَين خُسُوف الشَّمْس وَالْقَمَر وَبَين الزلزلة، فقد رُوِيَ أَنه صلى فِي زَلْزَلَة ثَلَاث ركوعات فِي رَكْعَة، فَقَالَ: مَا أَدْرِي أزلزلت الأَرْض أم بِي أَرض، أَي: رعدة؟ قَالَ الْجَوْهَرِي: الأَرْض: النفضة والرعدة ثمَّ نقل قَول ابْن عَبَّاس، هَذَا، قَالَ أَبُو عمر: لم يَأْتِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجه صَحِيح: أَن الزلزلة كَانَت فِي عصره وَلَا صحت عَنهُ فِيهَا سنة، وَأول مَا جَاءَت فِي الْإِسْلَام على عهد عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي (الْمعرفَة) للبيهقي: صلى عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي زَلْزَلَة سِتّ ركوعات فِي أَربع سَجدَات وَخمْس رَكْعَات وسجدتين فِي رَكْعَة وركعة، وسجدتين فِي رَكْعَة،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَو ثَبت هَذَا الْخَبَر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لقلنا بِهِ، وهم يثبتونه وَلَا يَقُولُونَ بِهِ.

وجَمَّعَ عَلِيُّ بنُ عَبْد، الله بنِ عَبَّاسٍ وصَلَّى ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

أَي: جمع النَّاس عَليّ بن عبد الله لصَلَاة الْكُسُوف، وَعلي بن عبد الله تَابِعِيّ ثِقَة، روى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، وروى لَهُ البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب) وَكَانَ أَصْغَر ولد أَبِيه سنا، وَكَانَ يدعى: السَّجَّاد، وَكَانَ يسْجد كل يَوْم ألف سَجْدَة، ولدليلة قتل عَليّ بن أبي طَالب فِي شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ، فَسُمي باسمه وكني بكنيته: أَبَا الْحسن، وَفِي وَلَده الْخلَافَة، مَاتَ سنة أَربع عشرَة وَمِائَة، وَعَن يحيى بن معِين: مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة بالحميمة من أَرض البلقاء فِي أَرض الشَّام وَهُوَ ابْن ثَمَان أَو تسع وَسبعين سنة، قَوْله: (وَصلى ابْن عمر) يَعْنِي: صَلَاة الْكُسُوف بِالنَّاسِ، وَأخرج ابْن أبي شيبَة قَرِيبا من مَعْنَاهُ: حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عَاصِم بن عبيد الله، قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر يُهَرْوِل إِلَى الْمَسْجِد فِي كسوف وَمَعَهُ نعلاه، يَعْنِي لأجل الْجَمَاعَة، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَيْنِ الأثرين إِلَى أَن صَلَاة الْكُسُوف بِالْجَمَاعَة، وَهَذَا هُوَ الْمُطَابقَة بَينهمَا وَبَين التَّرْجَمَة.



[ قــ :1019 ... غــ :1052 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصلَّى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ قِيَاما نَحْوا منْ قِرَاءَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا طَوِيلا ثُمَّ رَفَعَ فقَامَ قِيَاما طَوِيلا وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا طَوِيلا وهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قامَ قِيَاما طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِياما طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ القِيامِ الأوَّلِ ثُمَّ ركعَ رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فقالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإذَا رَأيْتُمْ ذالِكَ فاذْكُرُوا الله قالُوا يَا رسولَ الله رَأيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئا فِي مَقامِكَ ثُمَّ رَأيْنَاكَ كَعْكَعْتَ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنِّي رَأيْتُ الجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودا وَلَوْ أصَبْتهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا وأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أرَ مَنْظَرا كاليَوْمِ قَطُّ أفْظَعَ وَرَأيْتُ أكثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا بِمَ يَا رسولَ الله قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِالله قَالَ يَكْفُرْنَ العَشِيرَ ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ لوْ أحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأتْ مِنْكَ شَيْئا قالَتْ مَا رأيْتُ مِنْكَ خَيْرا قَط..
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بِمَحْذُوف مُقَدّر فِي قَوْله: (فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: صلى بِالْجَمَاعَة، وَهَذَا لَا يشك فِيهِ، وَلَكِن الرَّاوِي طوى ذكره إِمَّا اختصارا وَإِمَّا اعْتِمَادًا على الْقَرِينَة الحالية، لِأَنَّهُ لم ينْقل عَنهُ أَنه صلى صَلَاة الْكُسُوف وَحده.

وَرِجَاله تكَرر ذكرهم.
قَوْله: (عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس) كَذَا فِي (الْمُوَطَّأ) وَجَمِيع من أخرجه من طَرِيق مَالك، وَوَقع فِي رِوَايَة اللؤْلُؤِي فِي (سنَن أبي دَاوُد) : عَن أبي هُرَيْرَة بدل ابْن عَبَّاس قيل: هُوَ غلط نبه عَلَيْهِ ابْن عَسَاكِر،.

     وَقَالَ  الْمزي: هُوَ وهم.

وَأخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي صَلَاة الخسوف وَفِي الْإِيمَان عَن القعْنبِي وَفِي النِّكَاح عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي بَدْء الْخلق عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن سُوَيْد بن سعيد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نَحوا من قِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة) وَفِي لفظ: (نَحوا من قيام سُورَة الْبَقَرَة) ، وَعند مُسلم: (قدر سُورَة الْبَقَرَة) ، وَهَذَا يدل على أَن الْقِرَاءَة كَانَت سرا، وَكَذَا فِي بعض طرق حَدِيث عَائِشَة.
(فحزرت قِرَاءَته فَرَأَيْت أَنه قَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة) .
وَقيل: إِن ابْن عَبَّاس كَانَ صَغِيرا فمقامه آخر الصُّفُوف فَلم يسمع الْقِرَاءَة فحزر الْمدَّة، ورد على هَذَا بِأَن فِي بعض طرقه: (قُمْت إِلَى جَانب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا سَمِعت مِنْهُ حرفا) ، ذكره أَبُو عمر.
قَوْله: (رَأَيْنَاك تناولت شَيْئا) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: (تناولت) ، بِصِيغَة الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (تنَاول شَيْئا) ، بِالْخِطَابِ من الْمُضَارع، وَأَصله: تتَنَاوَل، بتاءين لِأَنَّهُ من بابُُ التفاعل فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، ويروى: (تتَنَاوَل) على الأَصْل.
قَوْله: (كعكعت) قد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بابُُ رفع الْبَصَر إِلَى الْأَمَام، لِأَنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث فِيهِ مُخْتَصرا.
وَفِيه: تكعكعت) ، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني بِزِيَادَة التَّاء فِي أَوله، وَفِي رِوَايَة غَيره: كعكعت، ومعناهما: تَأَخَّرت..
     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: مَعْنَاهُ تقهقرت، وَهُوَ الرُّجُوع إِلَى وَرَائه..
     وَقَالَ  أَبُو عبيد: كعكعته فتكعكع.
قلت: هَذَا يدل على أَن: كعكع، مُتَعَدٍّ: وتكعكع لَازم، فَإِن قلت: فعلى هَذَا قَوْله: (كعكعت) يَقْتَضِي مَفْعُولا فَمَا هُوَ؟ قلت: على هَذَا مَعْنَاهُ: رَأَيْنَاك كعكعت نَفسك، وَأما رِوَايَة: تكعكعت فظاهرة.
فَإِن قلت: هَذَا من الرباعي الأَصْل أَو من الْمَزِيد؟ قلت: نقل أهل اللُّغَة هَذِه الْمَادَّة يدل على أَنه جَاءَ من الْبابَُُيْنِ، فَقَوْل أبي عبيد يدل على أَنه رباعي مُجَرّد، وَقَول الْجَوْهَرِي وَغَيره يدل على أَنه ثلاثي مزِيد فِيهِ، لِأَنَّهُ نقل عَن يُونُس: كع يكع، بِالضَّمِّ..
     وَقَالَ  سِيبَوَيْهٍ: يكع، بِالْكَسْرِ أَجود، وَأَصله: كعع، فأسكنت الْعين الأولى وأدرجت فِي الثَّانِيَة: كمد وفر، وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني، كععت وكععت بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح أكع وأكع بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح كعا وكعاعةً بِالْفَتْح،.

     وَقَالَ  صَاحب (الْعين) : كع كعوعا وَهُوَ الَّذِي لَا يمْضِي فِي عزم، وَفِي (الْمُحكم) : كع كعوعا وكعاعة وكيعوعة وكعكعه عَن الْورْد: نحاه.
وَيُقَال: أكعه الْفرق إكعاعا إِذا حَبسه عَن وَجهه، وَيُقَال: أصل كعكعت كععت، فَفرق بَينهمَا بِحرف مُكَرر للاستثقال.
قلت: هَذَا تصرف من غير التصريف، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: (رَأَيْنَاك كَفَفْت) ، من الْكَفّ، وَهُوَ الْمَنْع.
قَوْله: (إِنِّي رَأَيْت الْجنَّة) ، ظَاهره من رُؤْيَة الْعين: كشف الله تَعَالَى الْحجب الَّتِي بَينه وَبَين الْجنَّة وطوى الْمسَافَة الَّتِي بَينهمَا حَتَّى أمكنه أَن يتَنَاوَل مِنْهَا عنقودا، وَالَّذِي يُؤَيّد هَذَا حَدِيث أَسمَاء الَّذِي مضى فِي أَوَائِل صفة الصَّلَاة بِلَفْظ: (دنت مني الْجنَّة حَتَّى لَو اجترأت عَلَيْهَا لجئتكم بقطاف من قطافها) ، وَمن الْعلمَاء من حمل هَذَا على أَن الْجنَّة مثلت لَهُ فِي الْحَائِط كَمَا ترى الصُّورَة فِي الْمرْآة.
فَرَأى جَمِيع مَا فِيهَا.
وَاسْتَدَلُّوا على هَذَا بِحَدِيث أنس على مَا سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد: (لقد عرضت عَليّ الْجنَّة وَالنَّار آنِفا فِي عرض هَذَا الْحَائِط وَأَنا أُصَلِّي) ، وَفِي رِوَايَة: (لقد مثلت، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (لقد صورت) فَإِن قلت: انطباع الصُّورَة إِنَّمَا يكون فِي الْأَجْسَام الصقيلة؟ قلت: هَذَا من حَيْثُ الْعَادة فَلَا يمْتَنع خرق الْعَادة لَا سِيمَا فِي حق هَذَا النَّبِي الْعَظِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَ هَذَا هَذِه قصَّة أُخْرَى وَقعت فِي صَلَاة الظّهْر، وَتلك فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَلَا مَانع أَن ترى الْجنَّة وَالنَّار مرَّتَيْنِ وَأكْثر على صور مُخْتَلفَة،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: لَيْسَ من الْمحَال إبْقَاء هَذِه الْأُمُور على ظواهره، لَا سِيمَا على مَذْهَب أهل السّنة فِي أَن الْجنَّة وَالنَّار وَقد خلقتا وهما موجودتان الْآن، فَيرجع إِلَى أَن الله تَعَالَى خلق لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إدراكا خَاصّا بِهِ أدْرك بِهِ الْجنَّة وَالنَّار على حقيقتهما، وَمِنْهُم من تَأَول الرُّؤْيَة هُنَا بِالْعلمِ، وَقد أبعد لعدم الْمَانِع من الْأَخْذ بِالْحَقِيقَةِ والعدول عَن الأَصْل من غير ضَرُورَة.
قَوْله: (عنقودا) بِضَم الْعين.
قَوْله: (وَلَو أصبته) فِي رِوَايَة مُسلم: (وَلَو أَخَذته) .
قَوْله: (مَا بقيت الدُّنْيَا) أَي: مُدَّة بَقَاء الدُّنْيَا، لِأَن طَعَام الْجنَّة لَا ينفذ وثمار الْجنَّة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة، وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض شُيُوخه: إِن معنى قَوْله: (لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدُّنْيَا) ، أَن يخلق فِي نفس الْآكِل مثل الَّذِي أكل: دَائِما بِحَيْثُ لَا يغيب عَن ذوقه، وَقد رد عَلَيْهِ بِأَن هَذَا رَأْي فلسفي مَبْنِيّ على أَن دَار الْآخِرَة لَا حقائق لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ أَمْثَال، وَالْحق أَن ثمار الْجنَّة لَا تقطع وَلَا تمنع، فَإِذا قطعت خلقت فِي الْحَال فَلَا مَانع أَن يخلق الله مثل ذَلِك فِي الدُّنْيَا إِذا شَاءَ، وَفِيه بحث، لِأَن كَلَام هَذَا الْقَائِل لَا يسْتَلْزم نفي حَقِيقَة دَار الْآخِرَة، لِأَن مَا قَالَه فِي حَال الدُّنْيَا وَالْفرق بَين حَال الدُّنْيَا وَحَال الْآخِرَة ظَاهر.
فَإِن قلت: بَين قَوْله: (وَلَو أصبته) ، أَو: (لَو أَخَذته) .
وَبَين قَوْله: (رَأَيْنَاك تناولت شَيْئا) ، مُنَافَاة ظَاهرا؟ قلت: يحمل التَّنَاوُل على تكلّف الْأَخْذ لَا حَقِيقَة الْأَخْذ.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّأْوِيل بالتكلف لعدم وُرُود السُّؤَال الْمَذْكُور، لِأَن قَوْله: (تناولت) خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم، وَقَوله: (وَلَو أصبته) إِخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نَفسه، وَلَا مُنَافَاة بَين الإخبارين، فكأنهم تخيلوا التَّنَاوُل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن فِي نفس الْأَمر حَقِيقَة التَّنَاوُل مَوْجُودَة يدل عَلَيْهِ معنى.
قَوْله: (وتناولت عنقودا) د، يَعْنِي تناولته حَقِيقَة فِي الْجنَّة، وَلَكِن لم يُؤذن لي بقطفه وَهُوَ معنى قَوْله: (وَلَو أصبته) ، يَعْنِي: لَو أذن لي بقطفه لأصبته، وأخرجته مِنْهَا إِلَيْكُم، وَلَكِن لم يقدر لي لِأَنَّهُ من طَعَام الْجنَّة، وَهُوَ لَا يفنى وَالدُّنْيَا فانية، فَلَا يجوز أَن يُؤْكَل فِيهَا مَا لَا يفنى، لِأَنَّهُ يلْزم من أكل مَا لَا يفنى أَن لَا يفنى آكله، وَهُوَ محَال فِي الدُّنْيَا.

فَإِن قلت: كَيفَ يَقُول: مَعْنَاهُ تناولته حَقِيقَة فِي الْجنَّة وَلَكِن لم يُؤذن لي بقطفه؟ وَقد وَقع فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن ابْن خُزَيْمَة: (أَهْوى بِيَدِهِ ليتناول شَيْئا) ، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي حَدِيث أَسمَاء فِي أَوَائِل صفة الصَّلَاة: (حَتَّى لَو اجترأت عَلَيْهَا؟) وَكَأن لم يُؤذن لَهُ فِي ذَلِك، فَلم يجترىء عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد مُسلم: (وَلَقَد مددت يَدي وَأَنا أُرِيد أَن أتناول من ثمارها لتنظروا إِلَيْهِ، ثمَّ بدا لي أَن لَا أفعل) ؟ وَفِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عِنْد البُخَارِيّ: (لقد رَأَيْت أَن آخذ قطفا من الْجنَّة حِين رَأَيْتُمُونِي، جعلت أتقدم) ، وَوَقع لعبد الرَّزَّاق من طَرِيق مُرْسلَة: (أردْت أَن آخذ مِنْهَا قطفا لأريكموه فَلم يقدر) ؟ قلت: كل هَذِه الرِّوَايَات لَا تنَافِي مَا قُلْنَا.
أما فِي حَدِيث عقبَة فَلَا يلْزم من قَوْله: (أَهْوى بِيَدِهِ ليتناول شَيْئا) عدم تنَاوله حَقِيقَة، لرؤيتهم صُورَة التَّنَاوُل وَعدم رُؤْيَتهمْ حَقِيقَته.
وَأما فِي حَدِيث أَسمَاء فَلِأَن عدم اجترائه على إِخْرَاجه من الْجنَّة لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ بذلك، فَلَا يمْنَع ذَلِك حَقِيقَة التَّنَاوُل.
وَأما فِي حَدِيث جَابر فَلِأَن صُورَة التَّنَاوُل لأجل إِخْرَاجه إِلَيْهِم لم يكن، لِأَن نظرهم إِلَيْهِ وَهُوَ يتَنَاوَل فِي الْجنَّة لَا يتَصَوَّر فِي حَقهم لعدم قدرتهم على ذَلِك، فَهَذَا لَا يُنَافِي حَقِيقَة التَّنَاوُل فِي الْجنَّة، وَلَكِن لم يُؤذن لَهُ بِالْإِخْرَاجِ لما قُلْنَا.
وَأما فِي حَدِيث عَائِشَة فلأنهم لَو رَأَوْهُ أَخذ مِنْهَا قطفا حَقِيقَة لَكَانَ إِيمَانهم بِالشَّهَادَةِ وَلم يكن بِالْغَيْبِ، وَالْإِيمَان بِالْغَيْبِ هُوَ الْمُعْتَبر، وَهُوَ أَيْضا لَا يُنَافِي حَقِيقَة التَّنَاوُل فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

قَوْله: (وأريت النَّار) أريت، بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول، وأقيم الْمَفْعُول الَّذِي هُوَ الرَّائِي فِي الْحَقِيقَة مقَام الْفَاعِل، وانتصاب النَّار على أَنه مفعول ثَان، لِأَن: أريت، من الإراءة، وَهُوَ يَقْتَضِي مفعولين، وَهَذِه رِوَايَة أبي ذَر.
وَفِي رِوَايَة غَيره: (رَأَيْت النَّار) ، وَكَانَت رُؤْيَة النَّار قبل رُؤْيَة الْجنَّة لما وَقع فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق: (عرضت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّار فَتَأَخر عَن مُصَلَّاهُ حَتَّى أَن النَّاس ليركب بَعضهم بَعْضًا، وَإِذ رَجَعَ عرضت عَلَيْهِ الْجنَّة، فَذهب يمشي حَتَّى وقف فِي مُصَلَّاهُ) .
وروى مُسلم من حَدِيث جَابر، قَالَ: (انكسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.
) الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: (مَا من شَيْء توعدونه إلاّ قد رَأَيْته فِي صَلَاتي هَذِه لقد جِيءَ بالنَّار وذلكم حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت مَخَافَة أَن يُصِيبنِي من لفحها) ، وَفِيه: (ثمَّ جِيءَ بِالْجنَّةِ، وذلكم حِين رَأَيْتُمُونِي تقدّمت حَتَّى قُمْت فِي مقَامي.
.
) الحَدِيث وَجَاء من حَدِيث سَمُرَة، أخرجه ابْن خُزَيْمَة: (لقد رَأَيْت مُنْذُ قُمْت أُصَلِّي مَا أَنْتُم لاقون فِي دنياكم وآخرتكم) .
فَإِن قلت: رُؤْيَاهُ النَّار من أَي بابُُ كَانَ من أَبْوَاب النيرَان؟ فَإِن قلت: قيل: من الْبابُُ الَّذِي يدْخل مِنْهُ العصاة من الْمُسلمين.
قلت: يحْتَاج هَذَا إِلَى دَلِيل مَعَ أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَلَقَد رَأَيْت جَهَنَّم يحطم بَعْضهَا بَعْضًا حَتَّى رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت، وَرَأَيْت فِيهَا ابْن لحي وَهُوَ الَّذِي سَبَب السائبة) .
رَوَاهُ مُسلم، فَدلَّ على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى النيرَان كلهَا، وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رِوَايَة مُسلم: (وَعرضت عَليّ النَّار فَرَأَيْت فِيهَا إمرأة من بني إِسْرَائِيل تعذب فِي هرة لَهَا ربطتها فَلم تطعمها، وَلم تدعها تَأْكُل من حشائش الأَرْض، وَرَأَيْت أَبَا ثُمَامَة عمر بن مَالك يجر قَصَبَة فِي النَّار) .
قَوْله: (فَلم أر منْظرًا كَالْيَوْمِ قطّ أفظع) .
وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: (فَلم أنظر كَالْيَوْمِ أفظع) .
قَوْله: (منْظرًا) مَنْصُوب بقوله: (لم أر) .
و (أفظع) ، أفعل التَّفْضِيل مَنْصُوب لِأَنَّهُ صفة المنظر.
وَقَوله: (كَالْيَوْمِ قطّ) معترض بَين الصّفة والموصوف، وَالْكَاف فِيهِ بِمَعْنى الْمثل، وَالْمرَاد من الْيَوْم الْوَقْت الَّذِي فِيهِ وَتَقْدِير الْكَلَام: لم أر منْظرًا أفظع مثل الْيَوْم، وَأدْخل كَاف التَّشْبِيه عَلَيْهِ لبشاعة مَا رأى فِيهِ، وَمعنى أفظع: أبشع وأقبح..
     وَقَالَ  ابْن سَيّده: فظع الْأَمر فظاعة وَهُوَ فظيع وأفظع وَأَشد وأفظع افظاعا وَهُوَ مفظع، والإسم الفظاعة وأفظعني هَذَا الْأَمر وأفظعته وأفظع هُوَ، وَفِي (الصِّحَاح) أفظع الرجل، على مَا لم يسم فَاعله: إِذا نزل بِهِ أَمر عَظِيم.
قَوْله: (وَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا) أَي: أهل النَّار النِّسَاء.
فَإِن قلت: كَيفَ يلتئم هَذَا مَعَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة: (إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة من لَهُ زوجتان من الدُّنْيَا) ، وَمُقْتَضَاهُ أَن النِّسَاء ثلثا أهل الْجنَّة؟ قلت: يحمل حَدِيث أبي هُرَيْرَة على مَا بعد خروجهن من النَّار، وَقيل: خرج هَذَا مخرج التَّغْلِيظ والتخويف، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ أخبر بِالرُّؤْيَةِ الْحَاصِلَة.
وَقيل: لَعَلَّه مَخْصُوص بِبَعْض النِّسَاء دون بعض.
قَوْله: (بِمَ يَا رَسُول الله؟) أَصله: بِمَا، لِأَنَّهَا كلمة الِاسْتِفْهَام، فحذفت الْألف تَخْفِيفًا.
قَوْله: (أيكفرن بِاللَّه؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام.
قَوْله: (قَالَ: يكفرن العشير) ، كَذَا وَقع لِلْجُمْهُورِ عَن مَالك بِدُونِ الْوَاو، وَقيل: ويكفرن، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم.
قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن ميسرَة، قَالَ: حَدثنِي زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: (انكسفت الشَّمْس.
.
) الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: (وَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بكفرهن، قيل: يكفرن بِاللَّه؟ قَالَ: يكفرن العشير) الحَدِيث، وروى يحيى بن يحيى عَن مَالك فِي (موطئِهِ) قَالَ: ويكفرن العشير، بِزِيَادَة الْوَاو، قيل: زِيَادَة الْوَاو غلط.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لَا فَسَاد فِيهِ من جِهَة الْمَعْنى لِأَنَّهُ أجَاب مطابقا للسؤال،.
وَزَاد،.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِن كَانَ المُرَاد من تغليطه كَونه خَالف غَيره من الروَاة فَهُوَ كَذَلِك.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن الْمُخَالفَة للرواة إِنَّمَا تعد غَلطا إِذا فسد الْمَعْنى، وَلَا فَسَاد.
كَمَا ذكرنَا.
فَإِن قلت: كفر يتَعَدَّى بِالْبَاء، وَقَوله: (أيكفرن بِاللَّه؟) على الأَصْل، وَقَوله: (يكفرن العشير) بِلَا بَاء؟ قلت: لِأَن الَّذِي تعدى بِالْبَاء يتَضَمَّن معنى الِاعْتِرَاف، وَكفر العشير لَا يتَضَمَّن ذَلِك.
قَوْله: (ويكفرن الْإِحْسَان) يحْتَمل أَن يكون تَفْسِيرا لقَوْله: (يكفرن العشير) ، لِأَن الْمَقْصُود كفر إِحْسَان العشير لَا كفر ذَاته، والعشير هُوَ الزَّوْج، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِي كتاب الْإِيمَان، وَالْمرَاد من كفر الْإِحْسَان تغطيته وَعدم الِاعْتِرَاف بِهِ أَو جَحده وإنكاره كَمَا يدل عَلَيْهِ آخر الحَدِيث.
قَوْله: (لَو أَحْسَنت إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْر كُله) ، بَيَان لِمَعْنى: كفر الْإِحْسَان وَكلمَة: لَو، شَرْطِيَّة وَيحْتَمل أَن تكون امتناعية بِأَن يكون الحكم ثَابتا على النقيضين، وَيكون الطّرف الْمَسْكُوت عَنهُ أولى من الْمَذْكُور، و: الدَّهْر، مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة، وَيجوز أَن يكون المُرَاد مِنْهُ: مُدَّة عمر الرجل، وَأَن يكون الزَّمَان كُله مُبَالغَة، وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْله: (أَحْسَنت) ، خطاب رجل بِعَيْنِه، بل كل من يَتَأَتَّى مِنْهُ أَن يكون مُخَاطبا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَو ترى إِذْ المجرمون} (السَّجْدَة: 21) .
لِأَن المُرَاد مِنْهُ كل من تتأتى مِنْهُ الرُّؤْيَة، فَهُوَ خطاب خَاص لفظا وعام معنى.
قَوْله: (شَيْئا) التَّنْوِين فِيهِ للتقليل: أَي: شَيْئا قَلِيلا لَا يُوَافق غرضها من أَي نوع كَانَ.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ غير مَا ذكر فِيمَا مضى: الْمُبَادرَة إِلَى طَاعَة الله، عز وَجل، عِنْد حُصُول مَا يخَاف مِنْهُ وَمَا يحذر عَنهُ، وَطلب دفع الْبلَاء بِذكر الله تَعَالَى وتمجيده وأنواع طَاعَته.
وَفِيه: معْجزَة ظَاهِرَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من نصح أمته وتعليمهم مَا يَنْفَعهُمْ وتحذيرهم عَمَّا يضرهم.
وَفِيه: مُرَاجعَة المتعلم للْعَالم فِيمَا لَا يُدْرِكهُ فهمه.
وَفِيه: جَوَاز الِاسْتِفْهَام عَن عِلّة الحكم وَبَيَان الْعَالم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ تِلْمِيذه.
وَفِيه: تَحْرِيم كفران الْإِحْسَان.
وَفِيه: وجوب شكر الْمُنعم.
وَفِيه: إِطْلَاق الْكفْر على جحود النِّعْمَة.
وَفِيه: بَيَان تَعْذِيب أهل التَّوْحِيد لأجل الْمعاصِي.
وَفِيه: جَوَاز الْعَمَل الْيَسِير فِي الصَّلَاة.