هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
895 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، وَأَبُو أُسَامَةَ ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ ، ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ، إِلَّا الضَّحَّاكُ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ : نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
895 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، قال : قرأت على مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ، ثم أقبل على الناس فقال : إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه ، فإن الله قبل وجهه إذا صلى حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، وأبو أسامة ، ح وحدثنا ابن نمير ، حدثنا أبي ، جميعا عن عبيد الله ، ح وحدثنا قتيبة ، ومحمد بن رمح ، عن الليث بن سعد ، ح وحدثني زهير بن حرب ، حدثنا إسماعيل يعني ابن علية ، عن أيوب ، ح وحدثنا ابن رافع ، حدثنا ابن أبي فديك ، أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان ، ح وحدثني هارون بن عبد الله ، حدثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج : أخبرني موسى بن عقبة ، كلهم عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى نخامة في قبلة المسجد ، إلا الضحاك فإن في حديثه : نخامة في القبلة ، بمعنى حديث مالك
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abdullah b. Umar reported:

The Messenger of Allah (ﷺ) saw spittle on the wall towards Qibla, and scratched it away and then turning to the people said: When any one of you prays, he must not spit in front of him, for Allah is in front of him when he is engaged in prayer.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [547] يُقَالُ بُصَاقٌ وَبُزَاقٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ بُسَاقٌ بِالسِّينِ وَعَدَّهَا جَمَاعَةٌ غَلَطًا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ أَيِ الْجِهَةِ الَّتِي عَظَّمَهَا وَقِيلَ فَإِنَّ قِبْلَةَ اللَّهِ وَقِيلَ ثَوَابُهُ وَنَحْوُ هَذَا فَلَا يُقَابِلُ هَذِهِ الْجِهَةَ بِالْبُصَاقِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِخْفَافُ بِمَنْ يَبْزُقُ إِلَيْهِ وَإِهَانَتُهُ وَتَحْقِيرُهُ .

     قَوْلُهُ  رَأَى بُصَاقًا وفي رواية نخامة وَفِي رِوَايَةٍ مُخَاطًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُخَاطُ مِنَ الْأَنْفِ وَالْبُصَاقُ وَالْبُزَاقُ مِنَ الْفَمِ وَالنُّخَامَةُ وهيالنُّخَاعَةُ مِنَ الرَّأْسِ أَيْضًا وَمِنَ الصَّدْرِ وَيُقَالُ تَنَخَّمَ وَتَنَخَّعَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [547] فَإِن الله قبل وَجهه أَي الْجِهَة الَّتِي عظمها وَقيل فَإِن قبله الله وثوابه نَحوه وَلَا تقَابل هَذِه الْجِهَة بالبصاق الَّذِي هُوَ الاستخفاف بِمن يبزق إِلَيْهِ وإهانته وتحقيره

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقًا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى.

المعنى العام

يضرب الإسلام المثل الأعلى في المحافظة على النظافة، والمثل الأعلى في مراعاة شعور الآخرين، والمثل الأعلى في التواضع.

أما الأول فيتمثل في صيانة المساجد ووقايتها من الأوساخ مهما كانت دوافع هذه الأوساخ.

إن العرب في بداوتهم لم تكن لديهم مناديل، وكانت أطعمتهم وحياتهم وبيئتهم يكثر معها التنخم والبصاق وكانت عادتهم - وأرضهم رملية وشاسعة يغوص فيها البصاق ولا يظهر له أثر - كانت عادتهم إذا رغبوا في البصق أو النخامة قذفوها على أي جهة وقعت، يمينًا أو شمالاً أو أمامًا.
فلما بنيت المساجد وأقيم حائط القبلة كان بعض منهم في الصف الأول يبصقون على الجدار المواجه لهم أحيانًا.
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة على جدار القبلة - ومن حكمته كمعلم للإنسانية أن ينتهز الفرص، ويختار الظرف المناسب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - رأى نخامة، فقام في الناس فقال: إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة ناجى ربه، ومن شأن المناجي والمناجى أن يواجه كل منهما الآخر، إن ربكم في مواجهتكم، فلا يبصق أحد في وجهه؟ إذا تنخع أحدكم واحتاج إلى دفع البصاق فليدفعه عن يساره وتحت قدمه، فإن لم يستطع فليأخذ بطرف ثوبه وليبصق فيه وليطبق طياته بعضها على بعض يمسح بها بصاقه ويزيل جرمه.

بقي أن يظنوا أن النهي خاص بحائط القبلة، وأنه لا نهي عن البصاق على أرض المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم البصاق في المسجد في أي مكان فيه خطيئة وذنب لا يمحوها إلا إزالة البصاق، وإزالته بدفنه في التراب، وعلى المسلم أن يجتنب الخطيئة أصلاً ويبتعد عنها فلا يبصق، فإن وقع في الخطيئة وبصق فليسرع بالتكفير عن خطيئته ويدفن نخامته في التراب.

إن البصاق قبيح المنظر تشمئز منه النفس، ويجب على كل مسلم أن يراعي شعور أخيه المسلم ولا يؤذيه.
إن الإسلام حريص على التجاوب والتقارب بين أبنائه، ويحارب كل ما يورث الكراهية أو تأذي المسلم من المسلم، فنهى عن البصق وأمر بإزالته إذا وقع.

الأمر الواضح في هذه الأحاديث أن يتنازل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الإمام والقائد، ويضرب المثل لكل فرد من أفراد أمته أن يقتدوا به، فيتقدم بنفسه ويأخذ حصاة من الأرض ويتجه إلى البصاقة في جدار المسجد فيحكها حكًا مستمرًا حتى يزيل جرمها وأثرها.
فما أعظم التشريع السماوي في نظافته وحرصه على شعور الآخرين.
وعلى كل ما يحبب المسلم للمسلم ويباعد بينه وبين ما يورث الكراهية والبغضاء.

وما أعظمك وأجلك يا صفوة خلق الله، وما أحلمك وما أشد تواضعك حين تضرب لنا المثل الأعلى لما ينبغي أن يكون عليه الحاكم والقائد.

فصلى الله وسلم عليك وعلى آلك وأصحابك أجمعين.

المباحث العربية

( رأى بصاقًا) وفي ملحق الرواية الأولى رأى نخامة وهي كذلك في الرواية الثانية والرابعة والثامنة نخامة وفي الرواية الثالثة، رأى بصاقًا أو مخاطًا أو نخامة وفي الرواية الرابعة والتاسعة والعاشرة فيتنخع أي النخاعة، وفي الرواية الخامسة فلا يبزقن أي البزاق، وهو في الرواية السادسة، وفي الرواية السابعة التفل ويمكن التفرقة بينها بأن ما يتجمع في الفم من اللعاب العادي إن أخرج رذاذًا لا يكاد يرى يسمى بالنفث.
ولم يرد في الحديث لأنه خفيف لا يتجمع ولا يرى له جرم على سطح خارجي اللهم إلا الزجاج وأمثاله، وإن أخرج قليلاً متجمعًا فوق الرذاذ يسمى بالتفل: ولما كان التفل عادة لا يبقى أثره كثيرًا على السطح الخارجي أريد منه في الرواية السابعة البصق، لأن الذي يحتاج إلى الدفن البصق لا التفل، وإن كان التفل في المسجد في حد ذاته مكروهًا وجد أثره خارجًا أو لم يوجد، وإن أخرج كثيرًا متجمعًا سمي بالبصاق ويقال له: البزاق بالزاي كما ورد في الرواية الخامسة، قال النووي: ولغة قليلة بالسين بساق وعدها جماعة غلطًا اهـ فالنفث ثم التفل ثم البصاق كلها من السائل الرقيق العادي في الفم الذي هو اللعاب.
أما الغليظ اللزج الذي ينزل من الرأس فيخرج عن طريق الأنف فهو مخاط وإن أخرج عن طريق الفم فهو النخامة.
والذي يصعد من الصدر مع الكحة غالبًا هو النخاعة بالعين وبعضهم يطلق النخامة والنخاعة على شيء واحد وكثيرًا ما يطلق واحد من المذكورات على الآخر إذا وجد خارجًا من غير أن يرى الفعل لاشتباه أوصافها أحيانًا، وقد يشك الراوي في حقيقة المرئي خصوصًا اللزج منه فيطلق عليه إطلاقات مختلفة كما في الرواية الثالثة.

( في جدار القبلة) وهو كذلك في الرواية الثالثة، وفي الرواية الثانية في قبلة المسجد وهو كذلك في الرواية الرابعة، وفي ملحق الرواية الأولى في القبلة وفي رواية للبخاري في جدار المسجد والمراد واحد في الجميع وهو جدار قبلة المسجد.

( فحكه) وفي الرواية الثانية فحكها بحصاة وفي رواية للبخاري فحكه بيده قال الشراي: أي تولى ذلك بنفسه، لا أنه باشر النخامة بيده الشريفة والوارد أنه قلعها مرة بحصاة، ومرة بعرجون، رواه أبو داود.
والعرجون بضم العين هو العود الأصفر الذي فيه الشماريخ إذا يبس واعوج.

( فلا يبصق قبل وجهه) قبل بكسر القاف وفتح الباء، أي جهة ما يواجهه، أي جهة القبلة، وفي رواية للبخاري قبل قبلته أي جهة قبلته.

( فإن اللَّه قبل وجهه إذا صلى) وفي الرواية الرابعة يقوم مستقبل ربه وفي رواية للبخاري أو أن ربه بينه وبين القبلة قال النووي، قيل معناه: إن قبلة الله قبل وجهه، وقيل: ثواب الله قبل وجهه، أو عظمة الله قبل وجهه، وقال الخطابي في شرح رواية إن ربه بينه وبين القبلة معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه، فصار في التقدير: فإن مقصوده بينه وبين قبلته.
اهـ وقد نفهم معنى آخر، وهو أن المصلي يناجي ربه في صلاته كما هو صريح الرواية الخامسة، والمناجي والمناجى لا فاصل بينهما في الشأن والعادة فكأن الله أمامه وبين القبلة، فإن الله بينه وبين القبلة تقديرًا واعتبارًا وتصورًا.
والله أعلم.

( فإن لم يجد فليقل هكذا) أي فإن لم يجد صلاحية عن يساره تحت قدمه كأن كان على يساره رجل أو كان تحت قدمه ثياب تتلوث، ولفظ القول مستعمل هنا في الفعل، أي فإن لم يجد متسعًا فليفعل هكذا [أي الهيئة التي وصفها الراوي] .

( ووصف القاسم) أصل السند: حدثنا ابن علية عن القاسم بن مهران عن أبي رافع عن أبي هريرة، فالقائل: ووصف القاسم هو ابن علية، والقاسم نقل هذا الوصف عن أبي رافع، وأبو رافع نقل الوصف نفسه عن أبي هريرة فالمعنى: ووصف القاسم الهيئة المطلوبة.

( فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض) في رواية البخاري يصف أنس فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض.

( فإنه يناجي ربه) قال العيني: المناجاة والنجوى هو السر بين الاثنين ومناجاة الرب مجاز، لأن القرينة صارفة عن إرادة الحقيقة، إذ لا كلام محسوس إلا من طرف واحد هو العبد، فيكون المراد لازم المناجاة، وهو إرادة الخير.

( ولكن عن شماله تحت قدمه) أي اليسرى، وفي الرواية الثانية ولكن يبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى، بأو وهي تبيح له أن يبزق عن يساره بعيدًا عن قدمه إذا كان في خلاء مثلاً.
وسيأتي توضيح الحكم الشرعي.

فقه الحديث

يمكن ضبط نقاط الحديث وآداب البصاق وحكمه في ست نقاط.

الأولى: آداب البصاق وحكمه خارج المسجد وخارج الصلاة.

الثانية: آداب وحكم البصاق داخل المسجد في غير صلاة وبعيدًا عن حائط القبلة.

الثالثة: آداب وحكم البصاق داخل المسجد في صلاة وبعيدًا عن حائط القبلة.

الرابعة: آداب وحكم البصاق داخل المسجد في صلاة وفي حائط القبلة.

الخامسة: واجب من رأى بصاقًا في المسجد.

السادسة: ما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام والحكم.

أولاً: أما عن النقطة الأولى فإن الإسلام - ولا ريب - دين النظافة، ودين منع الأذى ودين مراعاة شعور المسلمين، ودين تكريم اليمين، ودين التقديس لأماكن العبادة، ولا شك أن ما يخرج من الفم بأنواعه، ابتداء من النفث وانتهاء بالنخاعة أمر مستقذر، لكنه قد يضطر إليه المسلم، أو يحتاجه، أو يعتاده عادة تغلب عليه، وحينئذ يجب عليه أن يستخدم وسائل تحقق أهداف الإسلام ومقاصده التي ذكرناها.

ففي خارج المسجد وخارج الصلاة ونعني بالمسجد أماكن الصلاة المعتادة ولو مصلى، كما لو كان في البيت أو في المكتب أو في الطريق أو في صحراء فإن كان معه أحد، أو يحتمل أن يراه أحد فليحذر من إيذائه بذلك ولو بالرؤية، وإن لم يكن معه أحد ولا يحتمل أن يراه أحد فليحذر القذف إلى الأمام أو إلى اليمين، وليحذر الإساءة إلى المكان بالقذر، ولو كان المكان بيت الخلاء.

وإذا كانت أحاديث الباب قد تعرضت للتفل والنخامة في حائط المسجد أو في الصلاة فإن أحاديث أخرى جاءت مطلقة، ففي البخاري، إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى وفيه لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت رجله.

ولسنا مع الذين يحملون المطلق على المقيد فيخصون النهي بالمسجد وبالصلاة مراعاة لخصوص السبب، ولا مع الذين يحصرون العلة في تقديس المسجد وحمايته من القاذورات، فإن عمل الصحابة بعد صدور النهي يوحي بأنهم اعتمدوا التعميم والإطلاق، فعن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في الصلاة، وعن معاذ بن جبل قال: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقًا، وهذه كلها تشهد المنع المطلق ويعجبنا في هذا المقام ما جزم به النووي من المنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها وسواء أكان في المسجد أم في غيره.

إن الأذى بالنخامة لا يقتصر على المسجد، كما هو معروف ومشاهد، بل إن بعض النخامات تحمل ميكروبًا وجراثيم تعدي السليم إذا لاقاها، بل قد تنتقل منها الجراثيم محمولة على الهواء القريب، أضف إلى ذلك التقزز والاشمئزاز الذي يصيب الرائي فيؤثر على غدده وأمعائه.

وإذا كانت الأحاديث قد عالجت النخامة بدلكها بالقدم اليسرى أو بتغييبها في الأرض، فإنما كان ذلك اقتصارًا على الوسيلة المقدورة آنذاك، مع وضعها في بعض أجزاء الثوب إن خيف من تلك الوسيلة أو لم تتيسر.
وفي هذه الأزمان.
وقد أصبحت الأرض في أكثر أماكن إقامتنا مفروشة أو صلبة مبلطة ونظيفة لا يغيب معها أثر النخامة، بل قد تزيدها القدم سوءًا وقذرًا.
وجب أن لا يستخدم المسلم قدمه اليسرى، ووجب أن يتخذ لنفسه منديلاً أو قطعة من القماش أو الورق، فإن لم يجد فجزء ثوبه، وبحيث لا يراه أحد ولا يتأذى به ما أمكن، ولو أدى ذلك إلى كتمان نفسه بعض الشيء ومغالبة النازل.

وإذا كان بعض العلماء قد ذهب إلى أن النهي لكراهة التنزيه، فإننا نرى أن الأمر ليس على إطلاقه، فليس التفل في درجة النخاعة، وليس الأثر هنا كالأثر هناك، فالأولى أن يختلف الحكم باختلاف آثاره، أحيانًا للتنزيه وأحيانًا للحرمة.
والله أعلم.

ثانيًا: وما قيل في البصاق خارج المسجد وخارج الصلاة يقال في البصاق داخل المسجد في غير صلاة، وفي غير جدار القبلة، ويزيد الإثم بحرمة المسجد والرواية السادسة والسابعة والثامنة ظاهرة في إنكار هذا الفعل واعتباره خطيئة وسيئة، وإذا كانت الروايتان السادسة والسابعة حكمتا بذلك على التفل والبصاق فإن الخطيئة في المخاط والنخامة والنخاعة أشد وأعظم.
وقد أثار العلماء جدلاً حول هاتين الروايتين، وهل التفل في المسجد في حد ذاته خطيئة؟ أو هو خطيئة إذا لم تدفن؟ على معنى: هل تكتب سيئة ثم تمحى هذه السيئة بالدفن، مصداقًا لقوله تعالى: { { إن الحسنات يذهبن السيئات } } [هود: 114] ؟ أو إذا دفنت فلا كتابة ولا محو، وإذا لم تدفن كتبت سيئة؟ المآل واحد وهو أنه لا إثم إذا دفنت، والإثم ثابت إذا لم تدفن، ولكن الجدل حول الكتابة وعدمها في حالة الدفن، وللفائدة نسوق ما قيل في ذلك.
قال الحافظ ابن حجر في الفتى: قال القاضي عياض: إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فلا.
ورد النووي فقال: هو خلاف صريح الحديث.
قال الحافظ قلت: وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضًا، وهما قوله البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عامًا، ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد: والقاضي بخلافه، يجعل الثاني عامًا، ويخص الأول بما لم يرد دفنها، وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما، ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا قال من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه، وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضًا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعًا قال من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن، ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعًا قال وجدت في مساوئ أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن.
قال القرطبي: فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد، بل به وبتركها غير مدفونه.
اهـ وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار، ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة.
فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها، وعلة النهي ترشد إليه، وهي تأذي المؤمن بها، ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف.
اهـ

وليس غريبًا على القاضي عياض والقرطبي هذا الاتجاه المالكي، فقد نقل عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه قال: لا بأس بالبصق خارج الصلاة، ولكن ميل الحافظ ابن حجر لهذا الرأي يحتاج إلى وقيفة.
وما ذكره من أنه يشهد لهم ما روي عن سعد بن أبي وقاص لا يشهد لهم، فإنه أمر بتغييب النخامة، وهو يصلح أن يكون لرفع ما كتب من سيئة، وأن يكون لعدم كتابتها، وحديث أبي أمامة فإن المراد منه أنه إذا لم يدفنها بقيت سيئة فلم تمح.
نعم كان يصلح دليلاً لو أنه قال: من تنخع في المسجد فليس بسيئة إلا إذا لم يدفنها، ثم إن في حديث أبي أمامة إشكالاً في قوله وإن دفنه فحسنة إذ لو حملت هذه الحسنة على ما يمحو سيئة النخع لتنخع الناس عمدًا ودفنوا ليحصلوا حسنات.
فهو دليل عليهم لا لهم.
كذلك حديث مساوئ أعمال الأمة النخاعة التي لا تدفن أي فيبقى حكم السيئة ويثبت مادامت لم تدفن.
أما أبو عبيدة فمراده أنه يحمد الله أن لم تبق عليه سيئة لا أنها لم تكتب أصلاً.
وإلا لو فرضنا أن مسلمًا أوذي بهذه النخامة في الفترة التي وصل فيها بيته ألا يكون قد أساء وكتبت عليه سيئة؟ الحق مع الإمام النووي في أن الفعل نفسه خطيئة يكفر بالدفن.
والله أعلم.

ثالثًا: وما قيل في البصاق خارج المسجد وخارج الصلاة، وما قيل في البصاق داخل المسجد في غير صلاة يقال هو وأشد منه في البصاق في المسجد في الصلاة، بل الدفن صعب في الصلاة، ويزيد الحكم حرمة كون المصلي مستقبل ربه يناجيه، ومن ألفاظ التقبيح والوعيد قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الرابعة وما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أحدكم أن يُسَتْقبل فَيتُنخَعَ في وَجْهِهِ؟.

رابعًا: أما البصاق في حائط القبلة ممن كان في صلاة أو ممن لم يكن في صلاة فهو أشد الأنواع سوءًا، إذ العلل السابقة متوفرة فيه بالإضافة إلى وجوب احترام القبلة، ثم التأذي به أشد من التأذي بالحالات الأخرى.
قال الحافظ ابن حجر: والتعليل بأن ربه بينه وبين القبلة يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا ولا سيما من المصلي.

خامسًا: ويؤخذ من حك الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه البصاق من حائط القبلة كما جاء في الرواية الأولى وجوب الإزالة على كل من رآه وأن يتخذ لذلك الوسائل سواء احتاج إلى آلة أو لم يحتج، فإن كان يابسًا أزالته الحصاة والعرجون ونحوها وإن كان رطبًا لم تفد الحصاة، بل قد تنشره وتزيد التلوث، وقد روي عن ابن عباس إن كان رطبًا فاغسله ذكره البخاري.

سادسًا: ويؤخذ من الأحاديث الواردة في الباب

1- طلب إزالة الأقذار من المسجد وتنزيهه عنها.

2- ومن الرواية التاسعة والعاشرة جواز الفعل في الصلاة، وأن المصلي قد يبصق في الصلاة ولا تفسد صلاته.

3- وأن البزاق والمخاط والنخاع.
طاهرات.
قال النووي: وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين إلا ما حكاه الخطابي عن إبراهيم النخعي أنه قال: البزاق نجس.
قال النووي: ولا أظنه يصح عنه.

4- قال النووي: ويؤخذ من قوله ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن في الرواية الثامنة أن هذا القبح والذم لا يختص بصاحب النخاعة، بل يدخل فيه هو وكل من رآها ولا يزيلها بدفن أو حك أو نحوه.

5- يؤخذ من الرواية الرابعة البيان بالفعل بعد القول، وهو أوقع في نفس السامع.

6- وفي الحديث تفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها.

7- وأن المصلي إذا نفخ أو تنحنح جاز لأن النخامة لا بد أن يقع معها شيء من نفخ أو تنحنح.
كما قالوا.
ولكن هذا إذا كان التنحنح بغير اختياره أما إذا كان باختياره فإن ظهر منه حرفان فأكثر فسدت صلاته، وعن أبي حنيفة أن النفخ.
إذا كان يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة.

8- وأن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع لكون اليمين مفضلة على اليسار، واليد مفضلة على القدم.

9- والحث على الاستكثار من الحسنات وإن كان صاحبها مليًا، لكونه صلى الله عليه وسلم باشر الحك بنفسه وهو دال على عظم تواضعه.
زاده الله تشريفًا وتعظيمًا صلى الله عليه وسلم.

واللَّه أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب النَّهْيِ عَنْ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا
[ سـ :895 ... بـ :547]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ إِلَّا الضَّحَّاكَ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ
بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا " وَالنَّهْيِ عَنْ بُصَاقِ الْمُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ "
يُقَالُ : بُصَاقٌ وَبُزَاقٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ .
وَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ بُسَاقٌ بِالسِّينِ ، وَعَدَّهَا جَمَاعَةٌ غَلَطًا .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ ) أَيِ الْجِهَةِ الَّتِي عَظَّمَهَا .
وَقِيلَ : فَإِنَّ قِبْلَةَ اللَّهِ .
وَقِيلَ : ثَوَابُهُ ، وَنَحْوُ هَذَا ، فَلَا يُقَابِلُ هَذِهِ الْجِهَةَ بِالْبُصَاقِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِخْفَافُ بِمَنْ يَبْزُقُ إِلَيْهِ وَإِهَانَتُهُ وَتَحْقِيرُهُ .

قَوْلُهُ : ( رَأَى بُصَاقًا ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مُخَاطًا ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْمُخَاطُ مِنَ الْأَنْفِ ، وَالْبُصَاقُ وَالْبُزَاقُ مِنَ الْفَمِ ، وَالنُّخَامَةُ وَهِيَ النُّخَاعَةُ مِنَ الرَّأْسِ أَيْضًا وَمِنَ الصَّدْرِ ، وَيُقَالُ : تَنَخَّمَ وَتَنَخَّعَ .