853 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ |
853 حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم |
أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ
عن
Narrated Abu Sa`id Al-Khudri:
Allah's Messenger (ﷺ) (p.b.u.h) said, The taking of a bath on Friday is compulsory for every male (Muslim) who has attained the age of puberty.
Abu Sa'îd alKhudry (r): Le Messager d'Allah () dit: Les ablutions majeures pour le vendredi sont obligatoires pour tout pubère.
":"ہم سے عبداللہ بن یوسف نے حدیث بیان کی ، انہوں نے کہا کہ ہمیں مالک نے صفوان بن سلیم کے واسطہ سے خبر دی ، انہیں عطاء بن یسار نے ، انہیں حضرت ابو سعید خدری رضی اللہ عنہ نے کہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہجمعہ کے دن ہر بالغ کے لیے غسل ضروری ہے ۔
Abu Sa'îd alKhudry (r): Le Messager d'Allah () dit: Les ablutions majeures pour le vendredi sont obligatoires pour tout pubère.
شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر
[ قــ :853 ... غــ :879] .
قَوْلُهُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ اسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ الْغُسْلُ لِلْيَوْمِ لِلْإِضَافَةِ إِلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ غُسْلًا مَخْصُوصًا حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ صُورَةُ الْغُسْلِ فِيهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَدْ أَخَذَ بِذَلِكَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ لِابْنِهِ وَقَدْ رَآهُ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِنْ كَانَ غُسْلُكَ عَنْ جَنَابَةٍ فَأَعِدْ غُسْلًا آخَرَ لِلْجُمُعَةِ أخرجه الطَّحَاوِيّ وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكَذَا هُوَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغُسْلَ حَيْثُ وُجِدَ فِيهِ كَفَى لِكَوْنِ الْيَوْمِ جُعِلَ ظَرْفًا لِلْغُسْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ فَتَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ .
قَوْلُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ أَيْ بَالِغٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الِاحْتِلَامَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى دُخُولِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَاجِبٌ عَلَى فَرْضِيَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَحَكَاهُ بن حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ وَجَمْعٍ جَمٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ سَاقَ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ إِلَّا نَادِرًا وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَشْيَاءَ مُحْتَمَلَةٍ كَقَوْلِ سَعْدٍ مَا كُنْتُ أَظُنُّ مُسلما يدع غسل يَوْم الْجُمُعَة وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ لَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْرُوفٍ فِي مَذْهَبِهِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَدْ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى وُجُوبِهِ فَحَمَلَهُ مَنْ لَمْ يُمَارِسْ مَذْهَبَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَبَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ اه وَالرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَحَكَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنِ بن خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّهُ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَاحْتَجَّ لِكَوْنِهِ مَنْدُوبًا بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ فِي عِدَّةِ تَرَاجِمَ وَحَكَاهُ شَارِحُ الْغُنْيَةِ لِابْنِ سُرَيْجٍ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَاسْتُغْرِبَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَن أورد حَدِيثي بن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ احْتَمَلَ .
قَوْلُهُ وَاجِبٌ مَعْنَيَيْنِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا تَجْزِي الطَّهَارَةُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِلَّا بِالْغُسْلِ وَاحْتَمَلَ أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الِاخْتِيَارِ وَكَرَمِ الْأَخْلَاقِ وَالنَّظَافَةِ ثُمَّ اسْتُدِلَّ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي بِقِصَّةِ عُثْمَانَ مَعَ عُمَرَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ قَالَ فَلَمَّا لَمْ يَتْرُكْ عُثْمَانُ الصَّلَاةَ لِلْغُسْلِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ عُمَرُ بِالْخُرُوجِ لِلْغُسْلِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ عَلِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ لِلِاخْتِيَارِ اه وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ عَوَّلَ أَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَابْنِ خُزَيْمَةَ والطبري والطَّحَاوِي وبن حبَان وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَلُمَّ جَرًّا وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِيهِ أَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَافَقُوهُمَا عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ وَقَدْ نَقَلَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بِدُونِ الْغُسْلِ مُجْزِئَةٌ لَكِنْ حَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِهِ وَلَمْ يَقُولُوا إِنَّهُ شَرْطٌ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ كَأَنَّ أَصْلَهُ قَصْدُ التَّنْظِيفِ وَإِزَالَةُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ الَّتِي يَتَأَذَّى بِهَا الْحَاضِرُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يَحْرُمُ أَكْلُ الثُّومِ عَلَى مَنْ قَصَدَ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَأْثِيمُ عُثْمَانَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْذُورًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ ذَاهِلًا عَنِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ يَمْضِي عَلَيْهِ يَوْمٌ حَتَّى يُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَذِرْ بِذَلِكَ لِعُمَرَ كَمَا اعْتَذَرَ عَنِ التَّأَخُّرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ غُسْلَهُ بِذَهَابِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ ذِي النَّظَافَةِ وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ نَظَرًا إِلَى الْعِلَّةِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْهدى وَحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّ قِصَّةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ لَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ مِنْ جِهَةِ تَرْكِ عُمَرَ الْخُطْبَةَ وَاشْتِغَالِهِ بِمُعَاتَبَةِ عُثْمَانَ وَتَوْبِيخِ مِثْلِهِ عَلَى رُؤُوس النَّاسِ فَلَوْ كَانَ تَرْكُ الْغُسْلِ مُبَاحًا لَمَا فَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ عُثْمَانُ لِلْغُسْلِ لِضِيقِ الْوَقْتِ إِذْ لَوْ فَعَلَ لَفَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ اغْتَسَلَ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى اسْتِحْبَابِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ مُخَالَفَةِ هَذَا الظَّاهِرِ وَقَدْ أَوَّلُوا صِيغَةَ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَصِيغَةَ الْوُجُوبِ عَلَى التَّأْكِيدِ كَمَا يُقَالُ إِكْرَامُكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمُعَارِضُ رَاجِحًا عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ وَأَقْوَى مَا عَارَضُوا بِهِ هَذَا الظَّاهِرَ حَدِيثَ مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ وَلَا يُعَارِضُ سَنَدُهُ سَنَدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ وَرُبَّمَا تَأَوَّلُوهُ تَأْوِيلًا مُسْتَكْرَهًا كَمَنْ حَمَلَ لَفْظَ الْوُجُوبِ عَلَى السُّقُوطِ انْتَهَى فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَعَوَّلَ عَلَى الْمُعَارَضَةِ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ .
قَوْلُهُ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اشْتَرَاكَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ فَيَسْتَلْزِمُ إِجْزَاءَ الْوُضُوءِ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أَشْهَرُهَا وَأَقْوَاهَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَن سَمُرَة أخرجهَا أَصْحَاب السّنَن الثَّلَاثَة وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَلَهُ عِلَّتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ مِنْ عَنْعَنَةِ الْحَسَنِ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أبي سعيد وبن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَعَارَضُوا أَيْضًا بِأَحَادِيثَ مِنْهَا الْحَدِيثُ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّ فِيهِ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُهُ وُجُوبُ الِاسْتِنَانِ وَالطِّيبِ لِذِكْرِهِمَا بِالْعَاطِفِ فَالتَّقْدِيرُ الْغُسْلُ وَاجِبٌ وَالِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ كَذَلِكَ قَالَ وَلَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِذْ لَا يَصِحُّ تَشْرِيكُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَعَ الْوَاجِبِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ انْتَهَى وَقَدْ سَبَقَ إِلَى ذَلِكَ الطَّبَرِيّ والطَّحَاوِي وَتعقبه بن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَطْفُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْوَاجِبِ لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَقَعِ التَّصْرِيح بِحكم الْمَعْطُوف.
وَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ إِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ لَمْ يَنْفَعْ دَفْعُهُ بِعِطْفِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ أُخْرِجَ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَى أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي الطِّيبِ مَرْدُودَةٌ فَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الطِّيبَ يَوْم الْجُمُعَة وَإِسْنَاده صَحِيح وَكَذَا قَالَ بِوُجُوبِهِ بَعْض أَهْل الظَّاهِر وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ توضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ذَكَرَ الْوُضُوءَ وَمَا مَعَهُ مُرَتِّبًا عَلَيْهِ الثَّوَابَ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَافٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْغُسْلِ وَقَدْ وَرَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ مَنِ اغْتَسَلَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ الْوُضُوءَ لِمَنْ تَقَدَّمَ غُسْلُهُ عَلَى الذَّهَابِ فَاحْتَاجَ إِلَى إِعَادَة الْوضُوء وَمِنْهَا حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَاجِبٌ هُوَ فَقَالَ لَا وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ لِمَنِ اغْتَسَلَ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ بَدْءِ الْغُسْلِ كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا فَلَمَّا آذَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا كَانَ هَذَا الْيَوْم فاغتسلوا قَالَ بن عَبَّاسٍ ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوَسِعَ الْمَسْجِدُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنِ بن عَبَّاسٍ خِلَافُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَالْمَرْفُوعُ مِنْهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَأَمَّا نَفْيُ الْوُجُوبِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ لِأَنَّهُ من استنباط بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ السَّبَبِ زَوَالُ الْمُسَبَّبِ كَمَا فِي الرَّمَلِ وَالْجِمَارِ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَلِمَنْ قَصَرَ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ بِهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ وَمِنْهَا حَدِيثُ طَاوُسٍ.
قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمُ الا أَن تَكُونُوا جنبا الحَدِيث قَالَ بن حِبَّانَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ فِيهِ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُجْزِئُ عَنْهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ إِذْ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمْ يُجْزِ عَنْهُ غَيْرُهُ انْتَهَى وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الا أَن تَكُونُوا جنبا تفرد بهَا بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ رَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ وَأَنْ تَكُونُوا جُنُبًا وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْآتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ بِلَفْظِ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ فَفِيهِ عَرْضٌ وَتَنْبِيهٌ لَا حَتْمَ وَوُجُوبٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَبِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ وَالْإِعْلَامِ بِوُجُوبِهِ وَنَقَلَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بَعْدَ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ وَإِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةٍ ثُمَّ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فَذَهَبَ الْغُسْلُ وَهَذَا مِنَ الطَّحَاوِيِّ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْغُسْلِ أَصْلًا فَلَا يُعَدُّ فَرْضًا وَلَا مَنْدُوبًا لِقَوْلِهِ زَالَتِ الْعِلَّةُ إِلَخْ فَيَكُونُ مَذْهَبًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ الْعِلَّةِ سُقُوطُ النَّدْبِ تَعَبُّدًا وَلَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا لَوْ سَلِمَتْ لَمَا دَلَّتْ إِلَّا عَلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِ الْغُسْلِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ الْمُجَرَّدِ كَمَا تقدم وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوَّلَهُ بِتَأْوِيلٍ مستكره فقد نَقله بن دِحْيَةَ عَنِ الْقَدُورِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّهُ قَالَ .
قَوْلُهُ وَاجِبٌ أَيْ سَاقِطٌ وَقَولُهُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ.
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَصْلُ الْوُجُوبِ فِي اللُّغَةِ السُّقُوطُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْخِطَابِ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ كَانَ كُلُّ مَا أُكِّدَ طَلَبُهُ مِنْهُ يُسَمَّى وَاجِبًا كَأَنَّهُ سَقَطَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فَرْضًا أَوْ نَدْبًا وَهَذَا سَبَقَهُ بن بَزِيزَةَ إِلَيْهِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ اللَّفْظَ الشَّرْعِيَّ خَاصٌّ بِمُقْتَضَاهُ شَرْعًا لَا وَضْعًا وَكَأَنَّ الزَّيْنَ اسْتَشْعَرَ هَذَا الْجَوَابَ فَزَادَ أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَاجِبِ بِالْفَرْضِ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجَبَ فِي اللُّغَةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي السُّقُوطِ بَلْ وَرَدَ بِمَعْنَى مَاتَ وَبِمَعْنَى اضْطَرَبَ وَبِمَعْنَى لَزِمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْهَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا بِمَعْنَى لَزِمَ لَا سِيَّمَا إِذَا سِيقَتْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طرق حَدِيث بن عُمَرَ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَهُوَ بِمَعْنَى اللُّزُومِ قَطْعًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَاجِبٌ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ وَظَاهِرُهُ اللُّزُومُ وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِيَّةِ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْكَيْفِيَّةِ لَا فِي الحكم.
وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَفْظَةُ الْوُجُوبِ مُغَيَّرَةً مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوْ ثَابِتَةً وَنُسِخَ الْوُجُوبُ وَرُدَّ بِأَنَّ الطَّعْنَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ بِالظَّنِّ الَّذِي لَا مُسْتَنَدَ لَهُ لَا يُقْبَلُ وَالنَّسْخُ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَمَجْمُوعُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ حَيْثُ كَانُوا مجهودين وَأَبُو هُرَيْرَة وبن عَبَّاسٍ إِنَّمَا صَحِبَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ التَّوَسُّعُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ أَوَّلًا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سَمِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ وَالْحَثَّ عَلَيْهِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهِ فَكَيْفَ يُدَّعَى النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ فَائِدَةٌ حَكَى بن الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِمْ قَالُوا يُجْزِئُ عَنْ الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ التَّطَيُّبُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ بَلْ يُجْزِئُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ عَابَ بن الْعَرَبِيِّ ذَلِكَ.
وَقَالَ هَؤُلَاءِ وَقَفُوا مَعَ الْمَعْنَى وَأَغْفَلُوا الْمُحَافَظَةَ عَلَى التَّعَبُّدِ بِالْمُعَيَّنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ التَّعَبُّدِ وَالْمَعْنَى أَوْلَى انْتَهَى وَعَكْسُ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ تعبد دون نظر إِلَى الْمَعْنى وَأما الِاكْتِفَاءُ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لِثُبُوتِ التَّرْغِيبِ فِيهَا فَيَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ لِمَحْضِ النَّظَافَةِ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم