هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
820 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ سُمَيٍّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا ، وَيَعْتَمِرُونَ ، وَيُجَاهِدُونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ، قَالَ : أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا ، فَقَالَ بَعْضُنَا : نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : تَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
820 حدثنا محمد بن أبي بكر ، قال : حدثنا معتمر ، عن عبيد الله ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا ، والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضل من أموال يحجون بها ، ويعتمرون ، ويجاهدون ، ويتصدقون ، قال : ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم ، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، فاختلفنا بيننا ، فقال بعضنا : نسبح ثلاثا وثلاثين ، ونحمد ثلاثا وثلاثين ، ونكبر أربعا وثلاثين ، فرجعت إليه ، فقال : تقول : سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا ، وَيَعْتَمِرُونَ ، وَيُجَاهِدُونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ، قَالَ : أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا ، فَقَالَ بَعْضُنَا : نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : تَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ .

Narrated Abu Huraira:

Some poor people came to the Prophet (ﷺ) and said, The wealthy people will get higher grades and will have permanent enjoyment and they pray like us and fast as we do. They have more money by which they perform the Hajj, and `Umra; fight and struggle in Allah's Cause and give in charity. The Prophet said, Shall I not tell you a thing upon which if you acted you would catch up with those who have surpassed you? Nobody would overtake you and you would be better than the people amongst whom you live except those who would do the same. Say Subhana l-lah, Al hamdu li l-lah and Allahu Akbar thirty three times each after every (compulsory) prayer. We differed and some of us said that we should say, Subhan-al-lah thirty three times and Al hamdu li l-lah thirty three times and Allahu Akbar thirty four times. I went to the Prophet (ﷺ) who said, Say, Subhan-al-lah and Al hamdu li l-lah and Allahu Akbar all together [??], thirty three times.

":"ہم سے محمد بن ابی بکر نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہم سے معتمر بن سلیمان نے بیان کیا ، ان سے عبیداللہ عمری نے بیان کیا ، ان سے سمی نے بیان کیا ، ان سے ابوصالح ذکوان نے بیان کیا ان سے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے فرمایا کہنادار لوگ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کی خدمت میں حاضر ہوئے اور کہا کہ امیر و رئیس لوگ بلند درجات اور ہمیشہ رہنے والی جنت حاصل کر چکے حالانکہ جس طرح ہم نماز پڑھتے ہیں وہ بھی پڑھتے ہیں اور جیسے ہم روزے رکھتے ہیں وہ بھی رکھتے ہیں لیکن مال و دولت کی وجہ سے انہیں ہم پر فوقیت حاصل ہے کہ اس کی وجہ سے وہ حج کرتے ہیں ۔ عمرہ کرتے ہیں ۔ جہاد کرتے ہیں اور صدقے دیتے ہیں ( اور ہم محتاجی کی وجہ سے ان کاموں کو نہیں کر پاتے ) اس پر آپ نے فرمایا کہ لو میں تمہیں ایک ایسا عمل بتاتا ہوں کہ اگر تم اس کی پابندی کرو گے تو جو لوگ تم سے آگے بڑھ چکے ہیں انہیں تم پالو گے اور تمہارے مرتبہ تک پھر کوئی نہیں پہنچ سکتا اور تم سب سے اچھے ہو جاؤ گے سوا ان کے جو یہی عمل شروع کر دیں ہر نماز کے بعد تینتیس تینتیس مرتبہ تسبیح «سبحان الله» ، تحمید «الحمد لله» ، تکبیر «الله أكبر» کہا کرو ۔ پھر ہم میں اختلاف ہو گیا کسی نے کہا کہ ہم تسبیح «سبحان الله» تینتیس مرتبہ ، تحمید «الحمد لله» تینتیس مرتبہ اور تکبیر «الله أكبر» چونتیس مرتبہ کہیں گے ۔ میں نے اس پر آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے دوبارہ معلوم کیا تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ «سبحان الله» ، «الحمد لله» اور «الله أكبر» کہو تاآنکہ ہر ایک ان میں سے تینتیس مرتبہ ہو جائے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [843] العضاه بإهمال الْعين وإعجام الضَّاد إِن رجلا أَتَانِي اسْمه غورث بن الْحَارِث بِمُعْجَمَة أَوله مَفْتُوحَة وَقيل مَضْمُومَة وَقيل دعثور صَلتا بِفَتْح الصَّاد وَضمّهَا أَي مسلولا فَشَام السَّيْف بِالْمُعْجَمَةِ أَي غمده

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [843] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: "ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ مَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ.
قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا: فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ".
[الحديث طرفه في: 6329] .
وبالسند إلى المؤلّف قال: ( حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن عليّ بن عطاء بن مقدّم المقدّمي البصري ( قال: حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان البصري، ولابن عساكر: المعتمر ( عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني، ( عن سميّ) بضم السين المهملة وفتح الميم، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ( عن أبي صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: جاء الفقراء) فيهم أبو ذر كما عند أبي داود، وأبو الدرداء كما عند النسائي ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: ذهب أهل الدثور) بضم الدال المهملة والمثلثة، جمع: دثر، بفتح الدال وسكون المثلثة ( من الأموال) بيان للدثور وتأكيد له، لأن الدثور يجيء بمعنى المال الكثير، وبمعنى الكثير من كل شيء ( بالدرجات العلا) في الجنة، أو المراد: علوّ القدر عنده تعالى ( وبالنعيم المقيم) الدائم المستحق بالصدقة، ( يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم) ، زاد في حديث أبي الدرداء، عند النسائي في: اليوم والليلة: ويذكرون كما نذكر وللبزار من حديث ابن عمر: وصدّقوا تصديقنا، وآمنوا إيماننا ( ولهم فضل الأموال) بالإضافة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولهم فضل من أموال، وللأصيلي: فضل الأموال ( يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون) في رواية ابن عجلان عن سميّ عند مسلم: ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق.
( قال) عليه الصلاة والسلام، وللأصيلي وأبي ذر: فقال: ( ألا أحدّثكم بما) أي بشيء ( إن أخذتم أدركتم) بذلك الشيء، وضبب في اليونينية على قوله: أحدثكم، ولأبي ذر في نسخة، والأصيلي: ألا أحدثكم بأمرٍِ إن أخذتم به أدركتم ( من سبقكم) من أهل الأموال في الدرجات العلا، والجملة في موضع نصب مفعول أدركتم، وسقط قوله: بماء في أكثر الرويات.
وكذا قوله: به، وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى، وسقطأيضًا قوله: من سبقكم، في رواية الأصيلي.
والسبقية المذكورة رجح ابن دقيق العيد أن تكون معنوية، وجوّز غيره أن تكون حسية، قال الحافظ: والأوّل أولى.
اهـ.
( ولم يدرككم أحد بعدكم) لا من أصحاب الأموال ولا من غيرهم، ( وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه) بفتح النون مع الإفراد، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: بين ظهرانيهم، أي: من أنتم بينهم ( إلا مَن عمل) من الأغنياء ( مثله) فلستم خيرًا.
لأن هذا هو نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه، وانتقاء خيرية المخاطبين بالنسبة إلى من عمر مثل عملهم صادق بمساواتهم لهم في الخيرية، وبها يجُاب عن استشكال ثبوت الأفضلية في خير مع التساوي في العمل الفهوم من قوله: أدركتم، وهو أحسن من التأويل: بإلا مَن عمل مثله.
وزاد: بغيره من فعل البر، أشار إليه البدر الدماميني، لكن لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقّة الصعبة من الجهاد، ونحوه، وإن ورد: أفضل العبادات أحمزها، لأن في الإخلاص في الذكر من المشقّة، ولا سيما الحمد في حال الفقر، ما يصير به أعظم الأعمال.
وأيضًا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقّة، في كل حال، فإن ثواب كلمة الشهادتين مع سهولتها، أكثر من العبادات الشاقة.
وإذا قلنا إن الاستثناء يعود على كل من السابق والمدرك، كما هو قاعدة الشافعي، رحمه الله، في أن الاستثناء المتعقب للجمل عائد على كلها، يلزم قطعًا أن يكون الأغنياء أفضل: إذ معناه: إن أخذتم أدركتم إلا مَن عمل مثله فإنكم لا تدركون.
( تسبّحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة) أي مكتوبة.
وعند المصنف في الدعوات: دبر كل صلاة، ورواية: خلف، مفسرة لرواية: دبر، وللفريابي من حديث أبي ذر: إثر كل صلاة، أي: تقولون كل واحد من الثلاثة ( ثلاثًا وثلاثين) فالمجموع لكل فرد فرد، والأفعال الثلاثة تنازعت في الظرف، وهو: خلف، و: في ثلاثًا وثلاثين، وهو مفعول مطلق، وقيل المراد المجموع للجميع.
فإذا وزع كان لكل واحد من الثلاثة أحد عشر، ويبدأ بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عنه تعالى، ثم ثنى بالتحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم ثلث بالكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص.
وإثبات الكمال نفي أن يكون هناك كبير آخر.
وقد وقع في رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد، ومثله لأبي داود من حديث أم حكيم، وله في حديث أبي هريرة: يكبر ويحمد ويسبح، وهذا الاختلاف يدل على أن لا ترتيب فيه، ويستأنس له بقوله في حديث: "الباقيات الصالحات لا يضرك بأيّهنّ بدأت".
لكن ترتيب حديث الباب الموافق لأكثر الأحاديث أولى لما مر.
قال سميّ: ( فاختلفنا بيننا) أي: أنا وبعض أهلي، هل كل واحد ثلاثًا وثلاثين أو المجموع ( فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين) ، قال سميّ: ( فرجعت إليه) أي، أبي صالح.
والقائل أربعًا وثلاثين بعض أهل سميّ، أو القائل، فاختلفنا، أبو هريرة.
والضمير في: فرجعت له، وفي إليه، للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخلاف بين الصحابة وهم القائلون: أربعًا وثلاثين، كما هو ظاهر الحديث، لكن الأول أقرب لوروده في مسلم، ولفظه: قال سميّ: فحدثت بعض أهلي هذا الحديث.
فقال: وهمت.
فذكر كلامه، قال: فرجعت إلى أبي صالح، إلا أن مسلمًا لم يوصل هذه الزيادة.
( فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو أبو صالح ( تقول) : ( سبحان الله والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون) العدد ( منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين) .
وهل العدد للجميع أو المجموع؟.
ورواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع، ورجحه بعضهم للإتيان فيه بواو العطف.
والمختار أن الإفراد أولى لتميزه باحتياجه إلى العدد، وله على كل حركة لذلك، سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث، ثم إن الأفضل الإتيان بهذا الذكر متتابعًا في الوقت الذي عين فيه، وهل إذا زيد على العدد المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المترتب عليه أم لا؟ قال بعضهم: لا يحصل، لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية، وإن خفيت علينا، لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكم، فربما يفوت بمجاوزة ذلك العددوالمعتمد الحصول لأنه قد أتى بالمقدار الذي رتب على الإتيان به ذلك الثواب، فلا تكون الزيادة مزيلة له بعد حصوله بذلك العدد، أشار إليه الحافظ زين الدين العراقي.
وقد اختلفت الروايات في عدد هذه الأذكار الثلاثة.
ففي حديث أبي هريرة، ثلاثًا وثلاثين، كما مرّ.
وعند النسائي من حديث زيد بن ثابت خمسًا وعشرين، ويزيدون فيها: لا إله إلاّ الله خمسًا وعشرين وعند البزار من حديث ابن عمر: إحدى عشرة، وعند الترمذي والنسائي من حديث أن: عشرًا، وفي حديث أن في بعض طرقه: ستًا، وفي بعض طرقه أيضًا مرة واحدة.
وعند الطبراني، في الكبير، من حديث زميل الجهني، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى الصبح قال: وهو ثان رجليه: "سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله إنه كان توّابًا" سبعين مرة، ثم يقول: "سبعين بسبعمائة".
الحديث.
وعند النسائي، في اليوم والليلة، من حديث أبى هريرة مرفوعًا: "من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة، وكبّر مائة وحمد مائة، غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر".
وهذا الاختلاف يحتمل أن يكون صدر في أوقات متعددة، أو هو وارد على سبيل التخيير، أو بختلف باختلاف الأحوال.
وقد زاد مسلم في رواية ابن عجلان عن سميّ، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، فقالوا مثله.
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54] .
قال المهلب: في حديث أبي هريرة: "فضل الغني" نصًّا لا تأويلاً إذا استوت أعمالهم المفروضة، فللغني حينئذ من فضل عمل البر ما لا سبيل للفقير إليه، وتعقبه ابن المنير بأن الفضل المذكور فيه خارج عن محل الخلاف، إذ لا يختلفون في أن الفقير لم يبلغ فضل الصدقة، وكيف يختلفون فيه وهو لم يفعل الصدقة، وإنما الخلاف إذا قابلنا مزية الفقير بثواب الصبر على مصيبة شظف العيش، ورضاه بذلك، بمزية الغني بثواب الصدقات، أيهما أكثر ثوابًا اهـ.
ويأتي إن شاء الله تعالى مباحث هذه المسألة في: كتاب الأطعمة.
ورواة حديث الباب ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم أيضًا: في الصلاة، والنسائي: في اليوم والليلة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [843] ونكبر أربعاً وثلاثين.
فرجعت إليه، فقال: تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله اكبر، حتى يكون منهنكلهن ثلاثٌ وثلاثون.
ذكر الخطابي: أن لفظ هذه الرواية: ( ( ذهب أهل الدور) ) ، وقال: والصواب ( ( الدثور) ) .
وذكر غيره: أن هذه رواية المرزوي، وأنها تصحيفٌ، والرواية المشهورة: ( ( أهل الدثور) ) على الصواب.
و ( ( الدثور) ) : جمع دثرٍ، بفتح الدال، وهو: المال الكثير.
وفي الحديث: دليل على قوة رغبة الصحابة –رضي الله عنهم - في الأعمال الصالحة الموجبة للدرجات العلى والنعيم المقيم، فكانوا يحزنون على العجز عن شيءٍ مما يقدر عليه غيرهم من ذلك.
وقد وصفهم الله في كتابه بذلك، بقوله: { وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} [التوبة:92] .
ولهذا قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا حسد إلا في اثنين) ) ، فذكر منهما: ( ( رجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه في وجهه، فيقول رجل: لو أن لي مالاً، لفعلت فيه كما فعل ذلك) ) .
فلذلك كان الفقراء إذا رأوا أصحاب الأمواليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون وينفقون حزنوا على عجزهم عن ذلك، وتأسفوا على امتناعهم من مشاركتهم فيه، وشكوا ذلك إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدلهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمل، إن أخذوا به أدركوا من سبقهم، ولميدركهم أحدٌ بعدهم، وكانوا خير من هم بين ظهرانيهم، إلا من عمل مثله، وهو التسبيح والتحميد والتكبير خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين.
وهذا يدل على أن الذكر أفضل ألاعمال، وأنه أفضل من الجهاد والصدقة والعتق وغير ذلك.
وقد روي هذا المعنى صريحاً عن جماعةٍ كثيرةٍ من الصحابة، منهم: أبو الدرداء ومعاذ وغيرهما.
وروي مرفوعاً من وجوهٍ متعددةٍ –أيضاً.
ولا يعارض هذا حديث الذي سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عما يعدل الجهاد، فقال: ( ( هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر، وتقوم فلا تفتر) ) –الحديث المشهور، لأن هذا السائل سأل عن عمل يعمله في مدة جهاد المجاهد من حين خروجه من بيته إلى قدومه.
فليس يعدل ذلك شيء غير ما ذكره، والفقراءُ دلهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمل يستصحبونه في مدة عمرهم،وهو ذكر الله الكثير في أدبار الصلوات، وهذا أفضل من جهاد يقع في بعض الأحيان، ينفق صاحبه فيه ماله.
فالناس منقسمون ثلاثة أقسامٍ، أهل ذكر يدومون عليه إلى أنقضاء أجلهم، وأهل جهادٍ يجاهدون وليس لهم مثل ذلك الذكر.
فالأولون أفضل من هؤلاء.
وقومٌ يجمعون بين الذكر والجهاد، فهؤلاء أفضل الناس.
ولهذا لما سمع الأغنياء الذين كانوا يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون بما علم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفقراء من ذلك عملوا به، فصاروا أفضل من الفقراء حينئذ؛ ولهذا لما يألوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، قال: ( ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) ) .
ومن زعم من الصوفية أنه أراد أن الفقر فضل الله، فقد اخطأ، وقال ما لا يعلم.
وقد دَّل الحديث على فضل التسبيح والتحميد والتكبير خلف كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين.
وخرّجه مسلمٌ من طريق بن عجلان، عن سميٍ، وذكر فيه: أن المختلفين هم سميٌ وبعض أهله، وان القائل له هو أبوه أبو صالحٍالسمان، وأن ابن عجلان قال: حدثت بهذا الحديث رجاء بن حيوة، فحدثني بمثله عن أبي صالحٍ.
وخرّجه البخاري في أواخر كتابه ( ( الصحيح) ) –أيضاً - من طريق ورقاء، عن سمي بهذا الإسناد، بنحوه، ولكن قال فيه: ( ( تسحبون في دبر كل صلاةٍ عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً) ) .
وقال: تابعه عبيد الله بن عمر، عن سمي.
قال: ورواه ابن عجلان عن سميَ ورجاء بنحيوة.
ورواه جريرٌ، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي الدرداء.
ورواه سهيلٌ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
انتهى.
ومراده: المتابعة على إسناده.
ورواية عبيد الله بن عمر، هي التي خرجها في هذا الباب.
ورواية ابن عجلان، هي التي خرجها مسلمٌ، كما ذكرناه.
ورواية سهيلٍ، خرجها مسلمٌ –أيضاً - بمثل حديث ابن عجلانٍ، عن سمي، وزاد في الحديث: يقول سهيلٌ: إحدى عشرة إحدى عشرة، فجميع ذلك كله ثلاثةٌ وثلاثون.
وأما رواية جريرٍ التي أشار إليها البخاري، قوله: عن أبي صالحٍ، عن أبي الدرداء، فقد تابعه عليها – أيضاً – أبو الأحوص سلام بنسليمٍ، عن عبد العزيز.
والظاهر: أنه وهمٌ، فإن أبا صالحٍ إنما يرويه عن أبي هريرة، لا عن أبي الدرداء، كما رواه عنه سمي وسهيلٌ ورجاء ابن حيوة.
وإنما رواه عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي عمر الصيني، عن أبي الدرداء، كذلك رواه الثوري، عن عبد العزيز، وهو أصح -: قاله أبو زرعة، والدارقطني.
وأما ألفاظ الحديث، فهي مختلفةٌ: ففي رواية عبيد الله بن عمر التي خرجها البخاري هاهنا: ( ( تسبحون وتحمدون وتكبرون ثلاثاً وثلاثين) ) ، وفسره بأنه يقول: ( ( سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر) ) حتى يكون منهن كلهن ثلاثاً وثلاثين.
وقد تبين أن المفسر لذلك هو أبو صالح، وهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنه يجمع بين هذه الكلمات الثلاث، فيقولها ثلاثاً وثلاثين مرةً، فيكون مجموع ذلك تسعاً وتسعين.
والثاني: أنه يقولها إحدى عشرة مرةً، فيكون مجموع ذلك ثلاثاً وثلاثين.
وهذا هو الذي فهمه سهيلٌ، وفسر الحديث به، وهو ظاهر رواية سمي، عن أبي صالحٍ – أيضاً.
ولكن؛ قد روي حديث أبي هريرة من غير هذا الوجه صريحاً بالمعنى الأول: فخرج مسلمٌ من حديث سهيل، عن أبي عبيد المذحجي –وهو: مولى سليمان بن عبد الملك وحاجبه -، وعن عطاء بن يزيد، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( من سبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر) ) .
وقد روي عن سهيل بهذا الإسناد –موقوفاً على أبي هريرة.
وكذا رواه مالك في ( ( الموطإ) ) عن أبي عبيدٍ –موقوفاً.
وخرّجه ابن حبان في ( ( صحيحه) ) من طريق مالكٍ –مرفوعاً.
والموقوف عن مالكٍ أصح.
وخرّجه النسائي في ( ( اليوم والليلية) ) بنحو هذا اللفظ، من رواية ابن عجلان، عن سهيلٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة –مرفوعاً.
وخرّج الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان في ( ( صحيحه) ) من طريق الأوزاعي: حدثني حسان بن عطية: حدثني محمد بن أبي عائشة: حدثني أبو هريرة، قال: قال أبو ذر: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور –فذكر الحديث، بمعناه، وقال فيه: ( ( تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتسبحه ثلاثاً وثلاثين، تختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له ذنوبه، ولوكانت مثل زبد البحر) ) .
فهذا ما في حديث أبي هريرة من الاختلاف.
وقدروي عنه نوعٌ آخر، وهو: التسبيح مائة مرةٍ، والتكبير مائة مرةٍ والتهليل مائة مرةٍ، والتحميد مائة مرةٍ.
وخرّجه النسائي في ( ( كتاب اليوم والليلة) ) بإسنادٍ فيه ضعفٌ.
وروي موقوفاً على أبي هريرة.
وخرّجه النسائي في ( ( السنن) ) بإسنادٍ آخر عن أبي هريرة - مرفوعاً -: ( ( من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحةٍ، وهلل مائة تهليلةٍ، غفر له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر) ) .
وروي عن أبي هريرة –موقوفاً عليه -: التسبيح عشرٌ، والتحميد عشرٌ، والتكبير عشرٌ.
وقد تقدم أن البخاري خَّرجه في آر ( ( كتابه) ) عنه – مرفوعاً.
وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير حديث أبي هريرة في هذا البابأنواعٌ أخر من الذكر: فمنها: التسبيح والتحميد والتكبير مائة، فالتسبيح والتحميد كلٌ منهما ثلاثٌ وثلاثون، والتكبير وحده أربعٌ وثلاثون.
خرّجه مسلمٌ من حديث كعب بن عجرة.
وخرّجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث زيد بن ثابتٍ.
وخرّجه الإمام أحمد من حديث أبي ذر، لكن عنده: أن التحميد هو الأربع.
وخرّجه ابن ماجه، وعنده: أن ابن عيينة قال: لا أدري أيتهن أربع.
ومنها: التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل مائة مرةٍ، من كل واحدٍ خمسٌ وعشرون.
وخرّجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي من حديث زيد بن ثابتٍ.
وخرّجه النسائي من حديث ابن عمر.
ومنها: التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد مثله، والتكبير أربعاً وثلاثين،فذلك مائةٌ، ويزيد عليهن التهليل عشراً.
خرّجه النسائي والترمذي من حديث ابن عباسٍ.
ومنها: التسبيح عشرٌ مراتٍ، والتحميد مثله، والتكبير مثله، فذلك ثلاثون.
خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
وخرّجه النسائي في ( ( اليوم والليلة) ) من حديث سعدٍ.
ومنها: التكبير إحدى عشرٌ مرةً، والتحميد مثله، والتهليل مثله والتسبيح مثله، فذلك أربعٌ وأربعون.
خرّجه البزار من حديث ابن عمر.
وإسناده ضعيفٌ، فيه موسى بن عبيدة.
ويجوز الأخذ بجميع ما ورد من أنواع الذكر عقب الصلوات، والأفضل أن لا ينقص عن مائةٍ، لأن أحاديثها أصح أحاديث الباب.
واختلف في تفضيل بعضها على بعض: فقال أحمد – في رواية الفضل بن زيادٍ -، وسئل عن التسبيح بعد الصلاة ثلاثةً وثلاثين أحب إليك، أم خمسةً وعشرين؟ قال: كيف شئت.
قال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا: التخيير بينهما من غير ترجيح.
وقال – في رواية علي بن سعيدٍ -: أذهب إلى حديث ثلاثٍ وثلاثين.
وظاهر هذا: تفضيل هذا النوع على غيره.
وكذلك قال إسحاق: الافضل أن تسبح ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبر ثلاثاً وثلاثين، وتختم المائة يالتهليل.
قال: وهو في دبر صلاة الفجر آكد من سائر الصلوات؛ لما ورد من فضيلة الذكر بعد الفجر إلى طلوع الشمس.
نقل ذلك عنه حربٌ الكرماني.
وهل الأفضل أن يجمع بين التسبيح والتحميد والتكبير في كل مرةٍ، فيقولهن ثلاثاً وثلاثين مرةٍ، ثم يختم بالتهليل، أم الأفضل أن يفرد التسبيح والتحميد والتكبير على حدةٍ؟ قال أحمد –في رواية محمد بن ماهان، وسأله: هل يجمع بينهما، أو يفرد؟ قال: لا يضيق.
قال أبو يعلى: وظاهر هذا: أنه مخيرٌ بين الافراد والجمع.
وقال أحمد –في رواية أبي داود -: يقول هكذا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله اكبر، ولا يقطعه.
وهذا ترجيحٌ منه للجمع، كما قاله أبو صالحٍ، لكن ذكر التهليل فيه غرابةٌ.
وقد روى عبد الرزاق، عن معمرٍ، عن قتادة - مرسلاً -، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم أن يقولوا دبر كل صلاةٍ: ( ( لا إله إلا الله، والله اكبر، وسبحان الله، والحمد لله عشرٌ مراتٍ) ) .
وقال إسحاق: الأفضل أن يفرد كل واحدٍ منها.
وهو اختيار القاضي أبي يعلى من أصحابنا، قال: وهو ظاهر الأحاديث؛ لوجهين: أحدهما: أنه قال: ( ( تسبحون وتحمدون وتكبرون) ) ، والواو قد قيل: إنها للترتيب، فإن لم تقتض وجوبه أفادت استحبابه.
والثاني: أن هذا مثل نقل الصحابة –رضي الله عنهم – لوضوء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ولا خلاف في المراد: أنه غسل كل عضوٍ من ذلك بانفراده ثلاثاً ثلاثاً، قبل شروعه في الذي بعده، ولم يغسل المجموع مرةً، ثم اعاده مرةًثانيةً، وثالثةً.
قلت: هذا على رواية من روي التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين ظاهرٌ، وأما رواية من روى ( ( تسبحون وتحمدون وتكبرون ثلاثاً وثلاثين) ) فمحتملةٌ، ولذلك وقع الاختلاف في فهم المواد منها.
الحديث الثالث:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :820 ... غــ :843] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُبَيْدِ الله هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَسُمَيٌّ هُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُمَا مَدَنِيَّانِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَلَمْ أَقِفْ لِسُمَيٍّ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْكَبِيرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَهُمَا مَدَنِيَّانِ وَكَذَا أَبُو صَالِحٍ .

     قَوْلُهُ  جَاءَ الْفُقَرَاءُ سُمِّيَ مِنْهُمْ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الذِّكْرِ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ نَفْسِهِ وَسُمِّيَ مِنْهُمْ أَبُو الدَّرْدَاءِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنْهُمْ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أُمِرْنَا أَنْ نُسَبِّحَ الْحَدِيثَ كَمَا سَيَأْتِي لَفْظُهُ وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ مِنْهُمْ وَلَا يُعَارِضُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ بن عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ جَاءَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ لِكَوْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لِاحْتِمَالِ التَّغْلِيبِ .

     قَوْلُهُ  الدُّثُورِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ دَثْرٍ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ هُوَ الْمَالُ الْكثير وَمن فِي قَوْلِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ لِلْبَيَانِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّورِ مِنَ الْأَمْوَالِ.

     وَقَالَ  كَذَا وَقَعَ الدُّورُ جَمْعُ دَارٍ وَالصَّوَابُ الدُّثُورُ انْتَهَى وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَيْضًا الدُّورَ .

     قَوْلُهُ  بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ الْعَلْيَاءِ وَهِيَ تَأْنِيثُ الْأَعْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حِسِّيَّةً وَالْمُرَادُ دَرَجَاتُ الْجَنَّاتِ أَوْ مَعْنَوِيَّةً وَالْمُرَادُ عُلُوُّ الْقَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَصَفَهُ بِالْإِقَامَةِ إِشَارَةً إِلَى ضِدِّهِ وَهُوَ النَّعِيمُ الْعَاجِلُ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يَصْفُو وَإِنْ صَفَا فَهُوَ بِصَدَدِ الزَّوَالِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ الْمَذْكُورَةِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ عَنْ سُمَيٍّ قَالَ كَيْفَ ذَلِكَ وَنَحْوه لمُسلم من رِوَايَة بن عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ .

     قَوْلُهُ  وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ الْمَذْكُورِ وَيَذْكُرُونَ كَمَا نذْكر وللبزار من حَدِيث بن عُمَرَ صَدَّقُوا تَصْدِيقَنَا وَآمَنُوا إِيمَانَنَا .

     قَوْلُهُ  وَلَهُمْ فَضْلُ أَمْوَالٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْإِضَافَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فَضْلُ الْأَمْوَالِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ .

     قَوْلُهُ  يَحُجُّونَ بِهَا أَيْ وَلَا نَحُجُّ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَيَحُجُّونَ كَمَا نَحُجُّ وَنَظِيرُهُ مَا وَقَعَ هُنَا وَيُجَاهِدُونَ وَوَقَعَ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ عَنْ سُمَيٍّ وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا الثَّانِي ظَاهِرٌ وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْجِهَادِ الْمَاضِي فَهُوَ الَّذِي اشْتَرَكُوا فِيهِ وَبَيْنَ الْجِهَادِ الْمُتَوَقَّعِ فَهُوَ الَّذِي تَقْدِرُ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ غَالِبًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْرَأَ يُحِجُّونَ بِهَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ أَيْ يُعِينُونَ غَيْرَهُمْ عَلَى الْحَجِّ بِالْمَالِ .

     قَوْلُهُ  وَيَتَصَدَّقُونَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة بن عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ وَسَقَطَ .

     قَوْلُهُ  بِمَا مِنْ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  بِهِ وَقَدْ فُسِّرَ السَّاقِطُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ .

     قَوْلُهُ  أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ الَّذِينَ امْتَازُوا عَلَيْكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَالسَّبْقِيَّةُ هُنَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَعْنَوِيَّةً وَأَنْ تَكُونَ حِسِّيَّةً قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَسَقَطَ .

     قَوْلُهُ  مَنْ سَبَقَكُمْ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَأَبِي الْوَقْتِ ظَهْرَانَيْهِ بِالْإِفْرَادِ وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ بن عَجْلَانَ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ قِيلَ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ ظَاهِرُهُ الْمُسَاوَاةُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْأَفْضَلِيَّةُ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْإِدْرَاكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُسَاوَاةُ فَقَدْ يُدْرِكُ ثُمَّ يَفُوقُ وَعَلَى هَذَا فَالتَّقَرُّبُ بِهَذَا الذِّكْرِ رَاجِحٌ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالْمَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الضَّمِيُرُ فِي كُنْتُمْ لِلْمَجْمُوعِ مِنَ السَّابِقِ وَالْمُدْرِكِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ أَيْ مِنَ الْفُقَرَاءِ فَقَالَ الذِّكْرُ أَوْ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ فَتَصَدَّقَ أَوْ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْفُقَرَاءِ خَاصَّةً لَكِنْ يُشَارِكُهُمُ الْأَغْنِيَاءُ فِي الْخَيْرِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ خَيْرًا مِمَّنْ لَا يَتَقَرَّبُ بِذِكْرٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَيَشْهَدُ لَهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ أَدْرَكْتُمْ مِثْلَ فَضْلِهِمْ وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيث أبي ذَر أَو لَيْسَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَا تَتَصَدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَبِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً الْحَدِيثُ وَاسْتُشْكِلَ تَسَاوِي فَضْلِ هَذَا الذِّكْرِ بِفَضْلِ التَّقَرُّبِ بِالْمَالِ مَعَ شِدَّةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ فِي كُلِّ حَالَةٍ وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِفَضْلِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ مَعَ سُهُولَتِهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَات الشاقة قَوْله تسبحون وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ تَقْدِيمُ التَّسْبِيحِ عَلَى التَّحْمِيدِ وَتَأْخِيرُ التَّكْبِيرِ وَفِي رِوَايَة بن عَجْلَانَ تَقْدِيمُ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّحْمِيدِ خَاصَّةً وَفِيهِ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْحَكَمِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تُكَبِّرُ وَتَحْمَدُ وَتُسَبِّحُ وَكَذَا فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ دَالٌّ عَلَى أَنْ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأَوْلَى الْبَدَاءَةُ بِالتَّسْبِيحِ لِأَنَّهُ يتَضَمَّن نفى النقائص عَنِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ التَّحْمِيدُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ الْكَمَالِ لَهُ إِذْ لَا يَلْزَمُ من نفى النقائص إِثْبَاتُ الْكَمَالِ ثُمَّ التَّكْبِيرُ إِذْ لَا يَلْزَمُ من نفى النقائص وَإِثْبَات الْكَمَال أَن يكون هُنَاكَ كَبِيرٌ آخَرُ ثُمَّ يَخْتِمُ بِالتَّهْلِيلِ الدَّالِّ عَلَى انْفِرَادِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّعَوَاتِ وَهِيَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :820 ... غــ :843] .

     قَوْلُهُ  فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا ظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ الْقَائِلُ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ وَأَنَّ الَّذِي رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَيْهِ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَكِنْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَة بن عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ أَنَّ الْقَائِلَ فَاخْتَلَفْنَا هُوَ سُمَيٌّ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَجَعَ إِلَى أَبِي صَالِحٍ وَأَنَّ الَّذِي خَالَفَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ وَلَفْظُهُ قَالَ سُمَيٌّ فَحَدَّثْتُ بَعْضَ أَهْلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَهِمْتُ فَذَكَرَ كَلَامَهُ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي صَالِحٍ وَعَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْعُمْدَةٍ لَكِنْ لَمْ يُوصِلْ مُسْلِمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ عَن بن عَجْلَانَ ثُمَّ قَالَ زَادَ غَيْرُ قُتَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ اللَّيْثِ فَذَكَرَهَا وَالْغَيْرُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شُعَيْبَ بْنَ اللَّيْثِ أَوْ سَعِيدَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعَيْبٍ وَأَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ سُمَيٍّ فِي حَدِيثِ الْبَاب إدراجا وَقد روى بن حِبَّانَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ فَاخْتَلَفْنَا الخ قَوْله وتكبر أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ سُمَيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَكَذَا عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ لَكِنْ شَكَّ بَعْضُ رُوَاتِهِ فِي أَنَّهُنَّ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ وَيُخَالِفُ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَفِيهِ وَيَخْتِمُ الْمِائَةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَخْ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْحَكَمِ وَلِجَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَقُولَ مَعَهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ إِلَخْ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بَلْ يُجْمَعُ بِأَنْ يَخْتِمَ مَرَّةً بِزِيَادَةِ تَكْبِيرَةٍ وَمَرَّةً بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَلَى وَفْقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ بِكَسْرِ اللَّامِ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ .

     قَوْلُهُ  ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ بِالرَّفْعِ وَهُوَ اسْمُ كَانَ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَوَجَّهَ بِأَنَّ اسْمَ كَانَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ حَتَّى يَكُونَ الْعَدَدُ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَفِي قَوْلِهِ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ الِاحْتِمَالُ الْمُتَقَدِّمُ هَلِ الْعَدَدُ لِلْجَمِيعِ أَو الْمَجْمُوع وَفِي رِوَايَة بن عَجْلَانَ ظَاهِرُهَا أَنَّ الْعَدَدَ لِلْجَمِيعِ لَكِنْ يَقُولُ ذَلِكَ مَجْمُوعًا وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي صَالِحٍ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْ غَيْرِهِ الْإِفْرَادُ قَالَ عِيَاضٌ وَهُوَ أَوْلَى وَرَجَّحَ بَعْضُهُمُ الْجَمْعَ لِلْإِتْيَانِ فِيهِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ الْإِفْرَادَ يَتَمَيَّزُ بِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الذَّاكِرَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَدَدِ وَلَهُ عَلَى كُلِّ حَرَكَةٍ لِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ بِأَصَابِعِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا ثَوَابٌ لَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْجَمْعِ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثُ تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَرْقَاءَ عَنْ سُمَيٍّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّعَوَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تُسَبِّحُونَ عَشْرًا وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى مَنْ تَابَعَ وَرْقَاءَ عَلَى ذَلِكَ لَا عَنْ سُمَيٍّ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأَوَّلَ مَا تَأَوَّلَ سُهَيْلٌ مِنَ التَّوْزِيعِ ثُمَّ أَلْغَى الْكَسْرَ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ السِّيَاقَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِهِ كَلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَجَدْتُ لِرِوَايَةِ الْعَشْرِ شَوَاهِدَ مِنْهَا عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرو عِنْده وَعند أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَعَنْ أُمِّ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّةِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَجَمَعَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَدَرَ فِي أَوْقَات مُتعَدِّدَة أَو لَهَا عَشْرًا عَشْرًا ثُمَّ إِحْدَى عَشْرَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ ثُمَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ أَوْ يَفْتَرِقَ بِافْتِرَاقِ الْأَحْوَالِ وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بن ثَابت وبن عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا كُلَّ ذِكْرٍ مِنْهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَيَزِيدُوا فِيهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَلَفْظُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أُمِرْنَا أَنْ نُسَبِّحَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَأُتِيَ رَجُلٌ فِي مَنَامِهِ فَقِيلَ لَهُ أَمَرَكُمْ مُحَمَّدٌ أَنْ تُسَبِّحُوا فَذَكَرَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ اجْعَلُوهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَاجْعَلُوا فِيهَا التَّهْلِيلَ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهُ فَقَالَ فافعلوه أخرجه النَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَة وبن حبَان وَلَفظ بن عُمَرَ رَأَى رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِيمَا يُرَى النَّائِمُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَقِيلَ لَهُ سَبِّحْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَاحْمَدْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَكَبِّرْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَهَلِّلْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَتِلْكَ مِائَةٌ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلُوا كَمَا قَالَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ وَاسْتُنْبِطَ مِنْ هَذَا أَنَّ مُرَاعَاةَ الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ فِي الْأَذْكَارِ مُعْتَبَرَةٌ وَإِلَّا لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَضِيفُوا لَهَا التَّهْلِيلَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ إِنَّ الْأَعْدَادَ الْوَارِدَةَ كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ إِذَا رُتِّبَ عَلَيْهَا ثَوَابٌ مَخْصُوصٌ فَزَادَ الْآتِي بِهَا عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الْأَعْدَادِ حِكْمَةٌ وَخَاصِّيَّةٌ تَفُوتُ بِمُجَاوَزَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمِقْدَارِ الَّذِي رُتِّبَ الثَّوَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ كَيْفَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُزِيلَةً لِذَلِكَ الثَّوَابِ بَعْدَ حُصُولِهِ اه وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ ثُمَّ أَتَى بِالزِّيَادَةِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَا مَحَالَةَ وَإِنْ زَادَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ رُتِّبَ عَلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا فَرَتَّبَهُ هُوَ عَلَى مِائَةٍ فَيَتَّجِهُ الْقَوْلُ الْمَاضِي وَقَدْ بَالَغَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فَقَالَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَةِ شَرْعًا لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إِذَا حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ وَيُعَدَّ الْخَارِجُ عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ اه وَقَدْ مَثَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالدَّوَاءِ يَكُونُ مَثَلًا فِيهِ أُوقِيَّةُ سُكَّرٍ فَلَوْ زِيدَ فِيهِ أُوقِيَّةٌ أُخْرَى لَتَخَلَّفَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُوقِيَّةِ فِي الدَّوَاءِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ مِنَ السُّكَّرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ لَمْ يَتَخَلَّفْ الِانْتِفَاعُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمُتَغَايِرَةَ إِذَا وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مَعَ طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهَا مُتَوَالِيَةً لَمْ تَحْسُنِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الْمُوَالَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَالَاةِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ خَاصَّةٌ تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ التَّنْبِيهُ الثَّانِي زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَة بن عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَاهُ فَفَعَلُوا مِثْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ثُمَّ سَاقَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ طَرَفًا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ بِمِثْلِ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ قَالَ إِلَّا أَنَّهُ أَدْرَجَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَ أَبِي صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ.

.

قُلْتُ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ سُهَيْلٍ مُدْرَجًا أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ مُرْسَلَةٌ وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ وَفِيهِ فَرَجَعَ الْفُقَرَاءُ فَذَكَرَهُ مَوْصُولًا لَكِنْ قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ بِحَاءٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ قَدْ قَالُوا مِثْلَ مَا نَقُولُ فَقَالَ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَنَقَلَ الْخَطِيبُ أَنَّ حَرَامَ بْنَ حَكِيمٍ يُرْسِلُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَصِحَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِسْنَادٌ إِلَّا أَنَّ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ يُقَوي بهما مُرْسل أبي صَالح قَالَ بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ الْغَنِيِّ نَصًّا لَا تَأْوِيلًا إِذَا اسْتَوَتْ أَعْمَالُ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا فَلِلْغَنِيِّ حِينَئِذٍ فَضْلُ عَمَلِ الْبِرِّ مِنَ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا سَبِيلَ لِلْفَقِيرِ إِلَيْهِ قَالَ وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَكَلِّمِينَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ يَخُصُّ الْفُقَرَاءَ دُونَ غَيْرِهِمْ أَيِ الْفَضْلُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِهِ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ فَجَعَلَ الْفَضْلَ لِقَائِلِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْله ذَلِك فضل الله يؤتيه بِأَنْ قَالَ الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّفْضِيلُ عِنْدَ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَاكَ الثَّوَابُ الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدٌ بِحَسَبِ الذِّكْرِ وَلَا بِحَسَبِ الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِفَضْلِ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ فِيهِ بُعْدٌ وَلَكِنِ اضْطَرَّهُ إِلَيْهِ مَا يُعَارِضُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُعَارِضُهُ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى التعسف.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْقَرِيبُ مِنَ النَّصِّ أَنَّهُ فَضَّلَ الْغَنِيَّ وَبَعْضُ النَّاسِ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلٍ مُسْتَكْرَهٍ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهُمَا إِنْ تَسَاوَيَا وَفُضِّلَتِ الْعِبَادَةُ الْمَالِيَّةُ أَنَّهُ يَكُونُ الْغَنِيُّ أَفْضَلَ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ إِذَا تَسَاوَيَا وَانْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَصْلَحَةِ مَا هُوَ فِيهِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ إِنْ فُسِّرَ الْفَضْلُ بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَصَالِحَ الْمُتَعَدِّيَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَاصِرَةِ فَيَتَرَجَّحُ الْغَنِيُّ وَإِنْ فُسِّرَ بِالْأَشْرَفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَاتِ النَّفْسِ فَالَّذِي يَحْصُلُ لَهَا مِنَ التَّطْهِيرِ بِسَبَبِ الْفَقْرِ أَشْرَفُ فَيَتَرَجَّحُ الْفَقْرُ وَمِنْ ثَمَّ ذَهَبَ جُمْهُورُ الصُّوفِيَّةِ إِلَى تَرْجِيحِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا الْأَفْضَلُ الْكَفَافُ رَابِعُهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ خَامِسُهَا التَّوَقُّفُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ قَضِيَّةُ الْحَدِيثِ أَنَّ شَكْوَى الْفَقْرِ تَبْقَى بِحَالِهَا وَأَجَابَ بِأَنَّ مَقْصُودَهُمْ كَانَ تَحْصِيلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ لَهُمْ أَيْضًا لَا نَفْيَ الزِّيَادَةِ عَنْ أَهْلِ الدُّثُورِ مُطْلَقًا اه وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ إِنَّمَا كَانَ طَلَبَ الْمُسَاوَاةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُتَمَنِّيَ الشَّيْءِ يَكُونُ شَرِيكًا لِفَاعِلِهِ فِي الْأَجْرِ كَمَا سَبَقَ فِي كتاب الْعلم فِي الْكَلَام على حَدِيث بن مَسْعُودٍ الَّذِي أَوَّلُهُ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ فِي رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ الْمُنْفِقَ وَالْمُتَمَنِّيَ إِذَا كَانَ صَادِقَ النِّيَّةِ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ فَإِنَّ الْفُقَرَاءَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ كَانُوا السَّبَبَ فِي تَعَلُّمِ الْأَغْنِيَاءِ الذِّكْرَ الْمَذْكُورَ فَإِذَا اسْتَوَوْا مَعَهُمْ فِي قَوْلِهِ امْتَازَ الْفُقَرَاءُ بِأَجْرِ السَّبَبِ مُضَافًا إِلَى التَّمَنِّي فَلَعَلَّ ذَلِكَ يُقَاوِمُ التَّقَرُّبَ بِالْمَالِ وَتَبْقَى الْمُقَايَسَةُ بَيْنَ صَبْرِ الْفَقِيرِ عَلَى شَظَفِ الْعَيْشِ وَشُكْرِ الْغَنِيِّ عَلَى التَّنَعُّمِ بِالْمَالِ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي تَفْضِيلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَسَيَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إِلَى ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِرِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَقَعُ فِيهَا الْخِلَافُ أَنْ يُجِيبَ بِمَا يَلْحَقُ بِهِ الْمَفْضُولُ دَرَجَةَ الْفَاضِلِ وَلَا يُجِيبُ بِنَفْسِ الْفَاضِلِ لِئَلَّا يَقَعَ الْخِلَافُ كَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ تُسَاوُونَهُمْ فِيهِ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ نَعَمْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْكُمْ بِذَلِكَ وَفِيهِ التَّوْسِعَةُ فِي الْغِبْطَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَسَدِ الْمَذْمُومِ وَفِيهِ الْمُسَابَقَةُ إِلَى الْأَعْمَالِ الْمُحَصِّلَةِ لِلدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ لِمُبَادَرَةِ الْأَغْنِيَاءِ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا بَلَغَهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ إِلَّا مَنْ عَمِلَ عَامٌّ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ خِلَافًا لِمَنْ أَوَّلَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ السَّهْلَ قَدْ يُدْرِكُ بِهِ صَاحِبُهُ فَضْلَ الْعَمَلِ الشَّاقِّ وَفِيهِ فَضْلُ الذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى فَضْلِ الدُّعَاءِ عُقَيْبَ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَوَاتِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا وَلِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ فَاضِلَةٌ يُرْتَجَى فِيهَا إِجَابَةُ الدُّعَاءِ وَفِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَاصِرَ قَدْ يُسَاوِي الْمُتَعَدِّيَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْمُتَعَدِّيَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :820 ... غــ :843 ]
- حدثنا محمد بن أبي بكر: ثنا المعتمر، عن عبيد الله، عن سمىً، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: جاء الفقراء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضلٌ من أموال يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون، قال: ( ( ألا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدركم أحدٌ بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم، إلا من عمل مثله، تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) ) .

فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبح ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين، ونكبر أربعاً وثلاثين.
فرجعت إليه، فقال: تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله اكبر، حتى يكون منهنكلهن ثلاثٌ وثلاثون.

ذكر الخطابي: أن لفظ هذه الرواية: ( ( ذهب أهل الدور) ) ، وقال: والصواب ( ( الدثور) ) .

وذكر غيره: أن هذه رواية المرزوي، وأنها تصحيفٌ، والرواية المشهورة: ( ( أهل الدثور) ) على الصواب.

و ( ( الدثور) ) : جمع دثرٍ، بفتح الدال، وهو: المال الكثير.

وفي الحديث: دليل على قوة رغبة الصحابة –رضي الله عنهم - في الأعمال الصالحة الموجبة للدرجات العلى والنعيم المقيم، فكانوا يحزنون على العجز عن شيءٍ مما يقدر عليه غيرهم من ذلك.

وقد وصفهم الله في كتابه بذلك، بقوله: { وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا
يُنفِقُونَ}
[التوبة:92] .

ولهذا قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا حسد إلا في اثنين) ) ، فذكر منهما: ( ( رجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه في وجهه، فيقول رجل: لو أن لي مالاً، لفعلت فيه كما فعل ذلك) ) .

فلذلك كان الفقراء إذا رأوا أصحاب الأموال يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون وينفقون حزنوا على عجزهم عن ذلك، وتأسفوا على امتناعهم من مشاركتهم فيه، وشكوا ذلك إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدلهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمل، إن أخذوا به أدركوا من سبقهم، ولميدركهم أحدٌ بعدهم، وكانوا خير من هم بين ظهرانيهم، إلا من عمل مثله، وهو التسبيح والتحميد والتكبير خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين.

وهذا يدل على أن الذكر أفضل ألاعمال، وأنه أفضل من الجهاد والصدقة والعتق وغير ذلك.

وقد روي هذا المعنى صريحاً عن جماعةٍ كثيرةٍ من الصحابة، منهم: أبو الدرداء ومعاذ وغيرهما.

وروي مرفوعاً من وجوهٍ متعددةٍ –أيضاً.

ولا يعارض هذا حديث الذي سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عما يعدل الجهاد، فقال: ( ( هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر، وتقوم فلا تفتر) ) –الحديث المشهور، لأن هذا السائل سأل عن عمل يعمله في مدة جهاد المجاهد من حين خروجه من بيته إلى
قدومه.
فليس يعدل ذلك شيء غير ما ذكره، والفقراءُ دلهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمل يستصحبونه في مدة عمرهم، وهو ذكر الله الكثير في أدبار الصلوات، وهذا أفضل من جهاد يقع في بعض الأحيان، ينفق صاحبه فيه ماله.

فالناس منقسمون ثلاثة أقسامٍ، أهل ذكر يدومون عليه إلى أنقضاء أجلهم، وأهل جهادٍ يجاهدون وليس لهم مثل ذلك الذكر.
فالأولون أفضل من هؤلاء.

وقومٌ يجمعون بين الذكر والجهاد، فهؤلاء أفضل الناس.

ولهذا لما سمع الأغنياء الذين كانوا يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون بما علم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفقراء من ذلك عملوا به، فصاروا أفضل من الفقراء حينئذ؛ ولهذا لما يألوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، قال: ( ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) ) .

ومن زعم من الصوفية أنه أراد أن الفقر فضل الله، فقد اخطأ، وقال ما لا يعلم.

وقد دَّل الحديث على فضل التسبيح والتحميد والتكبير خلف كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين.

وخرّجه مسلمٌ من طريق بن عجلان، عن سميٍ، وذكر فيه: أن المختلفين هم سميٌ وبعض أهله، وان القائل له هو أبوه أبو صالحٍ السمان، وأن ابن عجلان قال: حدثت بهذا الحديث رجاء بن حيوة، فحدثني بمثله عن أبي صالحٍ.

وخرّجه البخاري في أواخر كتابه ( ( الصحيح) ) –أيضاً - من طريق ورقاء، عن سمي بهذا الإسناد، بنحوه، ولكن قال فيه: ( ( تسحبون في دبر كل صلاةٍ عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً) ) .

وقال: تابعه عبيد الله بن عمر، عن سمي.
قال: ورواه ابن عجلان عن سميَ ورجاء بنحيوة.
ورواه جريرٌ، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي الدرداء.
ورواه سهيلٌ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
انتهى.

ومراده: المتابعة على إسناده.

ورواية عبيد الله بن عمر، هي التي خرجها في هذا الباب.

ورواية ابن عجلان، هي التي خرجها مسلمٌ، كما ذكرناه.

ورواية سهيلٍ، خرجها مسلمٌ –أيضاً - بمثل حديث ابن عجلانٍ، عن سمي، وزاد في الحديث: يقول سهيلٌ: إحدى عشرة إحدى عشرة، فجميع ذلك كله ثلاثةٌ وثلاثون.

وأما رواية جريرٍ التي أشار إليها البخاري، قوله: عن أبي صالحٍ، عن أبي
الدرداء، فقد تابعه عليها – أيضاً – أبو الأحوص سلام بن سليمٍ، عن عبد العزيز.

والظاهر: أنه وهمٌ، فإن أبا صالحٍ إنما يرويه عن أبي هريرة، لا عن أبي الدرداء، كما رواه عنه سمي وسهيلٌ ورجاء ابن حيوة.

وإنما رواه عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي عمر الصيني، عن أبي الدرداء، كذلك رواه الثوري، عن عبد العزيز، وهو أصح -: قاله أبو زرعة، والدارقطني.

وأما ألفاظ الحديث، فهي مختلفةٌ:
ففي رواية عبيد الله بن عمر التي خرجها البخاري هاهنا: ( ( تسبحون وتحمدون وتكبرون ثلاثاً وثلاثين) ) ، وفسره بأنه يقول: ( ( سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر) ) حتى يكون منهن كلهن ثلاثاً وثلاثين.

وقد تبين أن المفسر لذلك هو أبو صالح، وهذا يحتمل أمرين:
أحدهما: أنه يجمع بين هذه الكلمات الثلاث، فيقولها ثلاثاً وثلاثين مرةً، فيكون مجموع ذلك تسعاً وتسعين.
أنه يقولها إحدى عشرة مرةً، فيكون مجموع ذلك ثلاثاً وثلاثين.

وهذا هو الذي فهمه سهيلٌ، وفسر الحديث به، وهو ظاهر رواية سمي، عن أبي صالحٍ – أيضاً.
ولكن؛ قد روي حديث أبي هريرة من غير هذا الوجه صريحاً بالمعنى الأول:
فخرج مسلمٌ من حديث سهيل، عن أبي عبيد المذحجي –وهو: مولى سليمان بن عبد الملك وحاجبه -، وعن عطاء بن يزيد، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( من سبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر) ) .

وقد روي عن سهيل بهذا الإسناد –موقوفاً على أبي هريرة.

وكذا رواه مالك في ( ( الموطإ) ) عن أبي عبيدٍ –موقوفاً.

وخرّجه ابن حبان في ( ( صحيحه) ) من طريق مالكٍ –مرفوعاً.

والموقوف عن مالكٍ أصح.

وخرّجه النسائي في ( ( اليوم والليلية) ) بنحو هذا اللفظ، من رواية ابن عجلان، عن سهيلٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة –مرفوعاً.

وخرّج الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان في ( ( صحيحه) ) من طريق الأوزاعي: حدثني حسان بن عطية: حدثني محمد بن أبي عائشة: حدثني أبو هريرة، قال: قال أبو ذر: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور – فذكر الحديث، بمعناه، وقال فيه: ( ( تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتسبحه ثلاثاً وثلاثين، تختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له ذنوبه، ولوكانت مثل زبد البحر) ) .

فهذا ما في حديث أبي هريرة من الاختلاف.

وقدروي عنه نوعٌ آخر، وهو: التسبيح مائة مرةٍ، والتكبير مائة مرةٍ والتهليل مائة مرةٍ، والتحميد مائة مرةٍ.

وخرّجه النسائي في ( ( كتاب اليوم والليلة) ) بإسنادٍ فيه ضعفٌ.

وروي موقوفاً على أبي هريرة.

وخرّجه النسائي في ( ( السنن) ) بإسنادٍ آخر عن أبي هريرة - مرفوعاً -: ( ( من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحةٍ، وهلل مائة تهليلةٍ، غفر له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر) ) .

وروي عن أبي هريرة –موقوفاً عليه -: التسبيح عشرٌ، والتحميد عشرٌ، والتكبير عشرٌ.

وقد تقدم أن البخاري خَّرجه في آر ( ( كتابه) ) عنه – مرفوعاً.

وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير حديث أبي هريرة في هذا الباب أنواعٌ أخر من الذكر:
فمنها: التسبيح والتحميد والتكبير مائة، فالتسبيح والتحميد كلٌ منهما ثلاثٌ وثلاثون، والتكبير وحده أربعٌ وثلاثون.

خرّجه مسلمٌ من حديث كعب بن عجرة.

وخرّجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث زيد بن ثابتٍ.

وخرّجه الإمام أحمد من حديث أبي ذر، لكن عنده: أن التحميد هو الأربع.

وخرّجه ابن ماجه، وعنده: أن ابن عيينة قال: لا أدري أيتهن أربع.

ومنها: التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل مائة مرةٍ، من كل واحدٍ خمسٌ وعشرون.

وخرّجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي من حديث زيد بن ثابتٍ.

وخرّجه النسائي من حديث ابن عمر.

ومنها: التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد مثله، والتكبير أربعاً وثلاثين، فذلك مائةٌ، ويزيد عليهن التهليل عشراً.

خرّجه النسائي والترمذي من حديث ابن عباسٍ.

ومنها: التسبيح عشرٌ مراتٍ، والتحميد مثله، والتكبير مثله، فذلك ثلاثون.

خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.

وخرّجه النسائي في ( ( اليوم والليلة) ) من حديث سعدٍ.

ومنها: التكبير إحدى عشرٌ مرةً، والتحميد مثله، والتهليل مثله والتسبيح مثله، فذلك أربعٌ وأربعون.

خرّجه البزار من حديث ابن عمر.

وإسناده ضعيفٌ، فيه موسى بن عبيدة.

ويجوز الأخذ بجميع ما ورد من أنواع الذكر عقب الصلوات، والأفضل أن لا ينقص عن مائةٍ، لأن أحاديثها أصح أحاديث الباب.

واختلف في تفضيل بعضها على بعض:
فقال أحمد – في رواية الفضل بن زيادٍ -، وسئل عن التسبيح بعد الصلاة ثلاثةً وثلاثين أحب إليك، أم خمسةً وعشرين؟ قال: كيف شئت.
قال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا: التخيير بينهما من غير ترجيح.

وقال – في رواية علي بن سعيدٍ -: أذهب إلى حديث ثلاثٍ وثلاثين.

وظاهر هذا: تفضيل هذا النوع على غيره.

وكذلك قال إسحاق: الافضل أن تسبح ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبر ثلاثاً وثلاثين، وتختم المائة يالتهليل.
قال: وهو في دبر صلاة الفجر آكد من سائر الصلوات؛ لما ورد من فضيلة الذكر بعد الفجر إلى طلوع الشمس.

نقل ذلك عنه حربٌ الكرماني.

وهل الأفضل أن يجمع بين التسبيح والتحميد والتكبير في كل مرةٍ، فيقولهن ثلاثاً وثلاثين مرةٍ، ثم يختم بالتهليل، أم الأفضل أن يفرد التسبيح والتحميد والتكبير على
حدةٍ؟
قال أحمد –في رواية محمد بن ماهان، وسأله: هل يجمع بينهما، أو يفرد؟ قال: لا يضيق.

قال أبو يعلى: وظاهر هذا: أنه مخيرٌ بين الافراد والجمع.

وقال أحمد –في رواية أبي داود -: يقول هكذا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله اكبر، ولا يقطعه.
وهذا ترجيحٌ منه للجمع، كما قاله أبو صالحٍ، لكن ذكر التهليل فيه غرابةٌ.

وقد روى عبد الرزاق، عن معمرٍ، عن قتادة - مرسلاً -، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم أن يقولوا دبر كل صلاةٍ: ( ( لا إله إلا الله، والله اكبر، وسبحان الله، والحمد لله عشرٌ مراتٍ) ) .

وقال إسحاق: الأفضل أن يفرد كل واحدٍ منها.

وهو اختيار القاضي أبي يعلى من أصحابنا، قال: وهو ظاهر الأحاديث؛ لوجهين:
أحدهما: أنه قال: ( ( تسبحون وتحمدون وتكبرون) ) ، والواو قد قيل: إنها للترتيب، فإن لم تقتض وجوبه أفادت استحبابه.
أن هذا مثل نقل الصحابة –رضي الله عنهم – لوضوء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ولا خلاف في المراد: أنه غسل كل عضوٍ من ذلك بانفراده ثلاثاً ثلاثاً، قبل شروعه في الذي بعده، ولم يغسل المجموع مرةً، ثم اعاده مرةًثانيةً، وثالثةً.
قلت: هذا على رواية من روي التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين ظاهرٌ، وأما رواية من روى ( ( تسبحون وتحمدون وتكبرون ثلاثاً وثلاثين) ) فمحتملةٌ، ولذلك وقع الاختلاف في فهم المواد منها.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :820 ... غــ : 843 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: "ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ مَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ.
قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ
أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا: فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ".
[الحديث 843 - طرفه في: 6329] .

وبالسند إلى المؤلّف قال: ( حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن عليّ بن عطاء بن مقدّم المقدّمي البصري ( قال: حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان البصري، ولابن عساكر: المعتمر ( عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني، ( عن سميّ) بضم السين المهملة وفتح الميم، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ( عن أبي صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: جاء الفقراء) فيهم أبو ذر كما عند أبي داود، وأبو الدرداء كما عند النسائي ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: ذهب أهل الدثور) بضم الدال المهملة والمثلثة، جمع: دثر، بفتح الدال وسكون المثلثة ( من الأموال) بيان للدثور وتأكيد له، لأن الدثور يجيء بمعنى المال الكثير،
وبمعنى الكثير من كل شيء ( بالدرجات العلا) في الجنة، أو المراد: علوّ القدر عنده تعالى ( وبالنعيم المقيم) الدائم المستحق بالصدقة، ( يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم) ، زاد في حديث أبي الدرداء، عند النسائي في: اليوم والليلة: ويذكرون كما نذكر وللبزار من حديث ابن عمر: وصدّقوا تصديقنا، وآمنوا إيماننا ( ولهم فضل الأموال) بالإضافة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولهم فضل من أموال، وللأصيلي: فضل الأموال ( يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون) في رواية ابن عجلان عن سميّ عند مسلم: ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق.

( قال) عليه الصلاة والسلام، وللأصيلي وأبي ذر: فقال:
( ألا أحدّثكم بما) أي بشيء ( إن أخذتم أدركتم) بذلك الشيء، وضبب في اليونينية على قوله: أحدثكم، ولأبي ذر في نسخة، والأصيلي: ألا أحدثكم بأمرٍِ إن أخذتم به أدركتم ( من سبقكم) من أهل الأموال في الدرجات العلا، والجملة في موضع نصب مفعول أدركتم، وسقط قوله: بماء في أكثر الرويات.
وكذا قوله: به، وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى، وسقط أيضًا قوله: من سبقكم، في رواية الأصيلي.

والسبقية المذكورة رجح ابن دقيق العيد أن تكون معنوية، وجوّز غيره أن تكون حسية، قال الحافظ: والأوّل أولى.
اهـ.

( ولم يدرككم أحد بعدكم) لا من أصحاب الأموال ولا من غيرهم، ( وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه) بفتح النون مع الإفراد، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: بين ظهرانيهم، أي: من أنتم بينهم ( إلا مَن عمل) من الأغنياء ( مثله) فلستم خيرًا.


لأن هذا هو نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه، وانتقاء خيرية المخاطبين بالنسبة إلى من عمر مثل عملهم صادق بمساواتهم لهم في الخيرية، وبها يجُاب عن استشكال ثبوت الأفضلية في خير مع التساوي في العمل الفهوم من قوله: أدركتم، وهو أحسن من التأويل: بإلا مَن عمل مثله.
وزاد: بغيره من فعل البر، أشار إليه البدر الدماميني، لكن لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقّة الصعبة من الجهاد، ونحوه، وإن ورد: أفضل العبادات أحمزها، لأن في الإخلاص في الذكر من المشقّة، ولا سيما الحمد في حال الفقر، ما يصير به أعظم الأعمال.
وأيضًا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقّة، في كل حال، فإن ثواب كلمة الشهادتين مع سهولتها، أكثر من العبادات الشاقة.

وإذا قلنا إن الاستثناء يعود على كل من السابق والمدرك، كما هو قاعدة الشافعي، رحمه الله، في أن الاستثناء المتعقب للجمل عائد على كلها، يلزم قطعًا أن يكون الأغنياء أفضل: إذ معناه: إن أخذتم أدركتم إلا مَن عمل مثله فإنكم لا تدركون.

( تسبّحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة) أي مكتوبة.
وعند المصنف في الدعوات: دبر كل صلاة، ورواية: خلف، مفسرة لرواية: دبر، وللفريابي من حديث أبي ذر: إثر كل صلاة، أي: تقولون كل واحد من الثلاثة ( ثلاثًا وثلاثين) فالمجموع لكل فرد فرد، والأفعال الثلاثة تنازعت في الظرف، وهو: خلف، و: في ثلاثًا وثلاثين، وهو مفعول مطلق، وقيل المراد المجموع للجميع.

فإذا وزع كان لكل واحد من الثلاثة أحد عشر، ويبدأ بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عنه تعالى، ثم ثنى بالتحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم ثلث بالكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص.
وإثبات الكمال نفي أن يكون هناك كبير آخر.

وقد وقع في رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد، ومثله لأبي داود من حديث أم حكيم، وله في حديث أبي هريرة: يكبر ويحمد ويسبح، وهذا الاختلاف يدل على أن لا ترتيب فيه، ويستأنس له بقوله في حديث: "الباقيات الصالحات لا يضرك بأيّهنّ بدأت".
لكن ترتيب حديث الباب الموافق لأكثر الأحاديث أولى لما مر.

قال سميّ: ( فاختلفنا بيننا) أي: أنا وبعض أهلي، هل كل واحد ثلاثًا وثلاثين أو المجموع ( فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين) ، قال سميّ: ( فرجعت إليه) أي، أبي صالح.

والقائل أربعًا وثلاثين بعض أهل سميّ، أو القائل، فاختلفنا، أبو هريرة.

والضمير في: فرجعت له، وفي إليه، للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخلاف بين الصحابة وهم القائلون: أربعًا وثلاثين، كما هو ظاهر الحديث، لكن الأول أقرب لوروده في مسلم، ولفظه: قال سميّ:

فحدثت بعض أهلي هذا الحديث.
فقال: وهمت.
فذكر كلامه، قال: فرجعت إلى أبي صالح، إلا أن مسلمًا لم يوصل هذه الزيادة.

( فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو أبو صالح ( تقول) :
( سبحان الله والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون) العدد ( منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين) .
وهل العدد للجميع أو المجموع؟.

ورواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع، ورجحه بعضهم للإتيان فيه بواو العطف.

والمختار أن الإفراد أولى لتميزه باحتياجه إلى العدد، وله على كل حركة لذلك، سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث، ثم إن الأفضل الإتيان بهذا الذكر متتابعًا في الوقت الذي عين فيه، وهل إذا زيد على العدد المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المترتب عليه أم لا؟
قال بعضهم: لا يحصل، لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية، وإن خفيت علينا، لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكم، فربما يفوت بمجاوزة ذلك العدد والمعتمد الحصول لأنه قد أتى بالمقدار الذي رتب على الإتيان به ذلك الثواب، فلا تكون الزيادة مزيلة له بعد حصوله بذلك العدد، أشار إليه الحافظ زين الدين العراقي.

وقد اختلفت الروايات في عدد هذه الأذكار الثلاثة.

ففي حديث أبي هريرة، ثلاثًا وثلاثين، كما مرّ.
وعند النسائي من حديث زيد بن ثابت خمسًا وعشرين، ويزيدون فيها: لا إله إلاّ الله خمسًا وعشرين وعند البزار من حديث ابن عمر: إحدى عشرة، وعند الترمذي والنسائي من حديث أن: عشرًا، وفي حديث أن في بعض طرقه: ستًا، وفي بعض طرقه أيضًا مرة واحدة.

وعند الطبراني، في الكبير، من حديث زميل الجهني، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى الصبح قال: وهو ثان رجليه: "سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله إنه كان توّابًا" سبعين مرة، ثم يقول: "سبعين بسبعمائة".
الحديث.

وعند النسائي، في اليوم والليلة، من حديث أبى هريرة مرفوعًا: "من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة، وكبّر مائة وحمد مائة، غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر".

وهذا الاختلاف يحتمل أن يكون صدر في أوقات متعددة، أو هو وارد على سبيل التخيير، أو بختلف باختلاف الأحوال.

وقد زاد مسلم في رواية ابن عجلان عن سميّ، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، فقالوا مثله.


فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54] .

قال المهلب: في حديث أبي هريرة: "فضل الغني" نصًّا لا تأويلاً إذا استوت أعمالهم المفروضة، فللغني حينئذ من فضل عمل البر ما لا سبيل للفقير إليه، وتعقبه ابن المنير بأن الفضل المذكور فيه خارج عن محل الخلاف، إذ لا يختلفون في أن الفقير لم يبلغ فضل الصدقة، وكيف يختلفون فيه وهو لم يفعل الصدقة، وإنما الخلاف إذا قابلنا مزية الفقير بثواب الصبر على مصيبة شظف العيش، ورضاه بذلك، بمزية الغني بثواب الصدقات، أيهما أكثر ثوابًا اهـ.

ويأتي إن شاء الله تعالى مباحث هذه المسألة في: كتاب الأطعمة.

ورواة حديث الباب ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم أيضًا: في الصلاة، والنسائي: في اليوم والليلة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :820 ... غــ :843 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ قَالَ حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ سُمَيٍّ عَن أبي صالحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ جاءَ الفُقَراءُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالُوا ذهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأمْوَالِ بالدَّرَجَاتِ العُلاَ والنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي ويَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ولَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا ويَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ ويتَصَدَّقُونَ قَالَ ألاَ أُحَدِّثُكُمْ بِمَا إنُ أخَذْتُمْ بهِ أدْرَكْتُمْ منْ سَبَقَكُمْ ولَمْ يُدْرِكُكُمْ أحَدٌ بَعْدَكُمْ وكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وتَحْمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كلِّ صَلاَةٍ ثَلاثا وثَلاَثِينَ فاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فقالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاثا وثَلاثِينَ ونَحْمَدُ ثَلاثا وثلاَثِينَ ونُكَبِّرُ أرْبَعا وثَلاثِينَ فرَجعْتُ إليهِ فَقَالَ تَقُولُ سُبْحَانَ الله وَالحَمْدُ لله وَالله أكبرُ حَتَّى يَكُونَ كُلِّهنَّ ثَلاثا وثَلاثِينَ.
(الحَدِيث 843 طرفه فِي: 6329) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي فِي قَوْله: (تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) .

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد ابْن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم، أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالمقدمي الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: مُعْتَمر بن سُلَيْمَان بن طرخان الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: عبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْمدنِي.
الرَّابِع: سمي، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: مولى ابي بكر بن عبد الرَّحْمَن.
الْخَامِس: أَبُو صَالح ذكْوَان الزيات الْمدنِي.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: الْأَوَّلَانِ من رِجَاله بصريان والبقية مدنيون.
وَفِيه: عبيد الله تَابِعِيّ صَغِير وَلَا يعرف لسمي رِوَايَة عَن أحد من الصَّحَابَة، فَهُوَ من رِوَايَة الْكَبِير عَن الصَّغِير.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَاصِم ابْن النَّضر، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَنهُ بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَاءَ الْفُقَرَاء) ، وَهُوَ جمع فَقير، وَلم يعلم عَددهمْ هُنَا، وَجَاء فِي رِوَايَة أبي دَاوُد من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن أبي عَائِشَة: عَن أبي هُرَيْرَة أَن أَبَا ذَر مِنْهُم، وَأخرجه الْفرْيَابِيّ فِي (كتاب الذّكر) لَهُ من حَدِيث أبي ذَر نَفسه، وَجَاء فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَغَيره: أَن أَبَا الدَّرْدَاء مِنْهُم، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُجَاهِد وَعِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (جَاءَ الْفُقَرَاء إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِن الْأَغْنِيَاء يصلونَ كَمَا نصلي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُوم، وَلَهُم أَمْوَال يعتقون وَيَتَصَدَّقُونَ.
قَالَ: فَإِذا صليتم فَقولُوا: سُبْحَانَ الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مرّة، وَالْحَمْد لله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مرّة، وَالله أكبر أَرْبعا وَثَلَاثِينَ مرّة، وَلَا إِلَه إلاّ الله عشر مَرَّات، فَإِنَّكُم تدركون بِهِ من سبقكم، وَلَا يسبقكم من بعدكم) .
قَوْله: (ذهب أهل الدُّثُور) ، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة جمع: دثر، بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة: وَهُوَ المَال الْكثير.
قَالَ ابْن سَيّده: لَا يثنى وَلَا يجمع.
وَقيل: هُوَ الْكثير من كل شَيْء..
     وَقَالَ  أَبُو عمر الْمُطَرز: إِنَّه يثني وَيجمع، وَوَقع عِنْد الْخطابِيّ: أهل الدّور، جمع: دَار..
     وَقَالَ  ابْن قرقول: وَقع فِي رِوَايَة الْمروزِي: أهل الدّور، يَعْنِي: مثل مَا وَقع فِي رِوَايَة الْخطابِيّ.
قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيف، وَكلمَة: من، فِي: من الْأَمْوَال، بَيَانِيَّة تبين الدُّثُور، وَيجوز أَن تكون: من الْأَمْوَال، تَأْكِيدًا، وَيجوز أَن تكون وَصفا.
قَوْله: (العُلى) بِضَم الْعين جمع: العلياء، وَهِي تَأْنِيث: الْأَعْلَى.
قَوْله: (وَالنَّعِيم الْمُقِيم) النَّعيم: مَا يتنعم بِهِ، والمقيم: الدَّائِم، وَذكر الْمُقِيم تَعْرِيض بالنعيم العاجل، فَإِنَّهُ قَلما يصفو، وَإِن صفا فَهُوَ فِي صدد الزَّوَال وَسُرْعَة الِانْتِقَال.
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي عَائِشَة عَن أبي هُرَيْرَة: (ذهب أَصْحَاب الدُّثُور بِالْأُجُورِ) .
وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من رِوَايَة بشر بن عَاصِم عَن أَبِيه: (عَن أبي ذَر قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله، وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان: قلت: يَا رَسُول الله ذهب أهل الْأَمْوَال والدثور بِالْأُجُورِ، يَقُولُونَ كَمَا نقُول، وينفقون وَلَا ننفق.
قَالَ لي: أَلا أخْبركُم بِأَمْر إِذا فعلتموه أدركتم من قبلكُمْ وفتم من بعدكم؟ تحمدون الله فِي دبر كل صَلَاة، وتسبحون وتكبرون ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وأربعا وَثَلَاثِينَ.
قَالَ سُفْيَان: لَا أَدْرِي أيتهن أَربع!) وروى الْبَزَّار من رِوَايَة مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر، قَالَ: (اشْتَكَى فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فضل بِهِ أغنياؤهم، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِخْوَاننَا صدقُوا تصديقنا، وآمنوا إيمَاننَا، وصاموا صيامنا، وَلَهُم أَمْوَال يتصدقون مِنْهَا وَيصلونَ مِنْهَا الرَّحِم وينفقونها فِي سَبِيل الله، وَنحن مَسَاكِين لَا نقدر على ذَلِك.
فَقَالَ: أَلا أخْبركُم بِشَيْء إِذا فعلتموه أدركتم مثل فَضلهمْ؟ قُولُوا: الله أكبر فِي دبر كل صَلَاة إِحْدَى عشرَة مرّة، وَالْحَمْد لله مثل ذَلِك، وَلَا إِلَه إلاّ الله مثل ذَلِك، تدركون مثل فَضلهمْ.
فَفَعَلُوا ذَلِك، فَذكرُوا للأغنياء، فَفَعَلُوا مثل ذَلِك، فَرجع الْفُقَرَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا ذَلِك، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ إِخْوَاننَا فعلوا مثل مَا نقُول، فَقَالَ: { ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء} (الْمَائِدَة: 54، الْحَدِيد: 21، وَالْجُمُعَة: 4) .
يَا معشر الْفُقَرَاء، أَلا يسركم أَن فُقَرَاء الْمُسلمين يدْخلُونَ الْجنَّة قبل أغنيائهم بِنصْف يَوْم، خَمْسمِائَة عَام؟ وتلا مُوسَى بن عُبَيْدَة: { وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} (الْحَج: 47) .
وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن أبي عَائِشَة عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (قَالَ أَبُو ذَر: يَا رَسُول الله ذهب أَصْحَاب الدُّثُور بِالْأُجُورِ.
.
) الحَدِيث، وَذكر التَّكْبِير والتحميد وَالتَّسْبِيح ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَزَاد: (ويختمها بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على شَيْء قدير، غفرت لَهُ ذنُوبه وَلَو كَانَت مثل زبد الْبَحْر) .
وروى النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أبي صَالح: (عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله ذهب أهل الْأَمْوَال بالدنيا وَالْآخِرَة، يصلونَ كَمَا نصلي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُوم، ويذكرون كَمَا نذْكر، ويجاهدون كَمَا نجاهد، وَلَا نجد مَا نتصدق بِهِ.
قَالَ: أَلا أخْبرك بِشَيْء إِذا أَنْت فعلته أدْركْت من كَانَ قبلك وَلم يلحقك من كَانَ بعْدك إلاّ من قَالَ مثل مَا قلت؟ تسبح الله دبر كل صَلَاة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وتكبر أَرْبعا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة) .
قَوْله: (يحجون بهَا) ، فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة جَعْفَر الْفرْيَابِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء: (ويحجون كَمَا نحج) .
قلت: اشتراكهم فِي الْحَج كَانَ فِي الْمَاضِي، وَأما المتوقع فَلَا يقدر عَلَيْهِ إلاَّ أَصْحَاب الْأَمْوَال غَالِبا، فَإِن جَاءَت رِوَايَة: ويحجون بهَا، بِضَم الْيَاء من الإحجاج أَي: يعينون غَيرهم على الْحَج بِالْمَالِ، فَلَا إِشْكَال، وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي قَوْله: (ويجاهدون) ، هَهُنَا فِي الدَّعْوَات من رِوَايَة وَرْقَاء عَن سمي: (وَجَاهدُوا كَمَا جاهدنا) .
قَوْله: (وَيَتَصَدَّقُونَ) ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة ابْن عجلَان عَن سمي: (وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نتصدق، ويعتقون وَلَا نعتق) .
قَوْله: (أَلاَ) كلمة تَنْبِيه وتحضيض.
قَوْله: (بِمَا إِن أَخَذْتُم بِهِ؟) أَي: بِشَيْء إِن أخذتموه أدركتم من سبقكم من أهل الْأَمْوَال فِي الدَّرَجَات العلى؟ وَلَيْسَت كلمة: (بِمَا) ، فِي أَكثر الرِّوَايَات، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِدُونِ: بِمَا، وَلَفظه: (أَلا أحدثكُم بِأَمْر إِن أَخَذْتُم.
.
) وَكَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ.
قَوْله: (بِهِ) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى قَوْله: (بِمَا) ، لِأَن: مَا، بِمَعْنى: شَيْء كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَسَقَطت أَيْضا هَذِه اللَّفْظَة فِي أَكثر الرِّوَايَات.
قَوْله: (أدركتم) ، جَوَاب: إِن، وَقَوله: (من سبقكم) فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول: أدركتم، وَالْمعْنَى: أدركتم من سبقكم من أهل الْأَمْوَال الَّذين امتازوا عَلَيْكُم بِالصَّدَقَةِ والسبقية..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: كَيفَ يُسَاوِي قَول هَذِه الْكَلِمَات مَعَ سهولتها وَعدم مشقتها الْأُمُور الشاقة الصعبة من الْجِهَاد وَنَحْوه، وَأفضل الْعِبَادَات أحمزهما؟ قلت: أَدَاء هَذِه الْكَلِمَات حَقّهَا الْإِخْلَاص، سِيمَا الْحَمد فِي حَال الْفقر من أفضل الْأَعْمَال وأشقها، ثمَّ إِن الثَّوَاب لَيْسَ بِلَازِم أَن يكون على قدر الْمَشَقَّة، أَلاَ ترى فِي التَّلَفُّظ بِكَلِمَة الشَّهَادَة من الثَّوَاب مَا لَيْسَ فِي كثير من الْعِبَادَات الشاقة؟ وَكَذَا الْكَلِمَة المتضمنة لتمهيد قَاعِدَة خير عَام، وَنَحْوهَا؟ قَالَ الْعلمَاء: إِن إِدْرَاك صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَحْظَة خير وفضيلة لَا يوازيها عمل، وَلَا تنَال درجتها بِشَيْء، ثمَّ إِن كَانَت نيتهم، لَو كَانُوا أَغْنِيَاء لعملوا مثل عَمَلهم وَزِيَادَة، (وَنِيَّة الْمُؤمن خير من عمله) ، فَلهم ثَوَاب هَذِه النِّيَّة وَهَذِه الْأَذْكَار.
قَوْله: (لم يدرككم) ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لِمَ لَا يحصل لمن بعدهمْ ثَوَاب ذَلِك؟ قلت: إلاّ من عمل اسْتثِْنَاء مِنْهُ أَيْضا، كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي فِي أَن الِاسْتِثْنَاء المتعقب للجمل عَائِد إِلَى كلهَا.
قَوْله: (بَين ظهرانيهم) ، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت: (بَين ظهرانيه) ، بِالْإِفْرَادِ، وَمَعْنَاهُ: أَنهم اقاموا بَينهم على سَبِيل الِاسْتِظْهَار والاستناد إِلَيْهِم، وزيدت فِيهِ الْألف وَالنُّون الْمَفْتُوحَة تَأْكِيدًا، وَمَعْنَاهُ: إِن ظهرا مِنْهُم قدامه، وظهرا وَرَاءه، فَهُوَ مَكْنُون من جانبيه، وَمن جوانبه إِذا قيل: بَين أظهرههم، ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل فِي الْإِقَامَة بَين الْقَوْم.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَالَ أَولا: (أدركتم من سبقكم) يَعْنِي: تساوونهم، وَثَانِيا: كُنْتُم خير من أَنْتُم بَينهم) ، يَعْنِي تَكُونُونَ أفضل مِنْهُم، فتلزم الْمُسَاوَاة وَعدم الْمُسَاوَاة على تَقْدِير عدم عَمَلهم مثله؟ قلت: لَا نسلم أَن الْإِدْرَاك يسْتَلْزم الْمُسَاوَاة، فَرُبمَا يدركهم ويتجاوز عَنْهُم.
قَوْله: (إلاّ من عمل مثله) أَي: إلاّ الْغَنِيّ الَّذِي يسبح، فَإِنَّكُم لم تَكُونُوا خيرا مِنْهُم، بل هُوَ خير مِنْكُم أَو مثلكُمْ نعم، إِذا قُلْنَا الِاسْتِثْنَاء يرجع إِلَى الْجُمْلَة الأولى أَيْضا، يلْزم قطعا كَون الْأَغْنِيَاء أفضل، إِذْ مَعْنَاهُ: إِن أَخَذْتُم أدركتم إلاّ من عمل مثله، فَإِنَّكُم لَا تدركونه.
فَإِن قلت: فالأغنياء إِذا سبحوا يترجحون فَيبقى بِحَالهِ مَا شكا الْفُقَرَاء مِنْهُ، وَهُوَ رجحانهم من جِهَة الْجِهَاد وإخواته.
قلت: مَقْصُود الْفُقَرَاء مِنْهُ تَحْصِيل الدَّرَجَات العلى وَالنَّعِيم الْمُقِيم لَهُم أَيْضا، لَا نفي زيادتهم مُطلقًا، قَوْله: (تسبحون وتحمدون وتكبرون) كَذَا وَقع فِي أَكثر الْأَحَادِيث تَقْدِيم التَّسْبِيح على التَّحْمِيد وَتَأْخِير التَّكْبِير، وَفِي رِوَايَة ابْن عجلَان: تَقْدِيم التَّكْبِير على التَّحْمِيد خَاصَّة، وَفِي حَدِيث ابْن مَاجَه: تَقْدِيم التَّحْمِيد على التَّسْبِيح، فَدلَّ هَذَا الِاخْتِلَاف على أَن لَا تَرْتِيب فِيهَا، وَيدل عَلَيْهِ الحَدِيث الَّذِي فِيهِ الْبَاقِيَات الصَّالِحَات: (لَا يَضرك بأيهن بدأت) ، وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال: الأولى الْبدَاءَة بالتسبيح لِأَنَّهُ يتَضَمَّن نفي النقائص عَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثمَّ التَّحْمِيد لِأَنَّهُ يتَضَمَّن إِثْبَات الْكَمَال لله تَعَالَى، لِأَن جَمِيع المحامد لَهُ، ثمَّ التَّكْبِير لِأَنَّهُ تَعْظِيم، وَمن كَانَ منزها عَن النقائص، ومستحقا لجَمِيع المحامد يجب تَعْظِيمه، وَذَلِكَ بِالتَّكْبِيرِ، ثمَّ يخْتم ذَلِك كُله بالتهليل الدَّال على وحدانيته وانفراده تَعَالَى وتقدس، وَقَوله: (تسبحون وتحمدون وتكبرون) ثَلَاثَة أَفعَال تنازعت فِي ظرف، أَعنِي، قَوْله: (خلف كل صَلَاة) قَوْله: (خلف كل صَلَاة) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات: (دبر كل صَلَاة) ، وَفِي حَدِيث أبي ذَر: (إِثْر كل صَلَاة) ، وَيُمكن أَن يكون لفظ: (دبر) ، تَفْسِيرا للفظ: (خلف) ، قَوْله: (صَلَاة) يَشْمَل الْفَرْض وَالنَّفْل، وَلَكِن حمله أَكثر الْعلمَاء على الْفَرْض، لِأَنَّهُ وَقع فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة عِنْد مُسلم التَّقْيِيد بالمكتوبة، فكأنهم حملُوا الْمُطلق على الْمُقَيد.
قَوْله: (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) ، هَذَا اللَّفْظ يحْتَمل أَن يكون لمجموع هَذَا الْمِقْدَار بِحَيْثُ إِنَّه يكون كل وَاحِد مِنْهَا أحد عشر، وَأَن يكون كل وَاحِد يبلغ هَذَا الْعدَد فَهُوَ مُجمل، وَتَمام هَذَا الحَدِيث مُبين أَن الْمَقْصُود هُوَ الثَّانِي.
قَوْله: (فاختلفنا بَيْننَا) أَي: فِي كل وَاحِد ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ؟ أَو الْمَجْمُوع؟ أَو أَن تَمام الْمِائَة بِالتَّكْبِيرِ؟ أَو بِغَيْرِهِ؟ فَإِن قلت: هَذَا الِاخْتِلَاف وَقع بَين من وَمن؟ قلت: ظَاهر العباراة أَنه وَقع بَين الصَّحَابَة، وَأَن الْقَائِل: (فاختلفنا) هُوَ أَبُو هُرَيْرَة، وَكَذَا الضَّمِير فِي: (رجعت) يرجع إِلَى أبي هُرَيْرَة، وَالضَّمِير فِي (إِلَى) يرجع إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن بيّن مُسلم فِي رِوَايَته عَن ابْن عجلَان عَن سمي أَن الْقَائِل: (فاختلفنا) هُوَ: سمي، وَأَن الضَّمِير فِي (رجعت) يرجع إِلَيْهِ، وَالضَّمِير فِي (إِلَيْهِ) يرجع إِلَى أبي صَالح، وَأَن الْمُخَالف لَهُ بعض أَهله، وَلَفظه: (قَالَ سمي: فَحدثت بعض أَهلِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: وهمت) .
فَذكر كَلَامه.
قَالَ: (فَرَجَعت إِلَى أبي صَالح) ، وَالَّذِي ذكره مُسلم أقرب، لِأَن الْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، فَلذَلِك اقْتصر صَاحب (الْعُمْدَة) على هَذَا، لَكِن مُسلما لم يُوصل هَذِه الزِّيَادَة، فَإِنَّهُ أخرج الحَدِيث: عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث ابْن عجلَان، ثمَّ قَالَ: زَاد غير قُتَيْبَة فِي هَذَا الحَدِيث عَن اللَّيْث، فَذكرهَا.
قيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْغَيْر شُعَيْب بن اللَّيْث، فَإِن أَبَا عوَانَة أخرجه فِي (مستخرجه) : عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن شُعَيْب، وَيحْتَمل أَن يكون سعيد بن أبي مَرْيَم، فَإِن الْبَيْهَقِيّ أخرجه من طَرِيق سعيد؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون غَيرهمَا، وَقد روى ابْن حبَان هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور فَلم يذكر.
قَوْله: (واختلفنا) إِلَى آخِره.
قَوْله: (أَرْبعا) ، ويروى: (أَرْبَعَة) ، وَإِذا كَانَ الْمُمَيز غير مَذْكُور يجوز فِي الْعدَد التَّذْكِير والتأنيث.
قَوْله: (مِنْهُنَّ كُلهنَّ) ، بِكَسْر اللَّام، لِأَنَّهُ تَأْكِيد للضمير الْمَجْرُور.
قَوْله: (ثَلَاث وَثَلَاثُونَ) ، بِالْوَاو عَلامَة الرّفْع، وَهُوَ اسْم: كَانَ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي وَأبي الْوَقْت: (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) ، على أَنه خبر: كَانَ، واسْمه مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: حَتَّى يكون الْعدَد مِنْهُنَّ كُلهنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تعْيين هَذَا الْعدَد؟ أَعنِي: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ؟ قلت: هُنَا قد تعين هَذَا الْعدَد، وَقد اخْتلفت الْأَعْدَاد فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبابُُ على وُجُوه مُخْتَلفَة، فورد فِيهِ كَونه ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، كَمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الْبابُُ، وَكَونه خمْسا وَعشْرين، كَمَا فِي حَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة كثير بن أَفْلح عَن زيد بن ثَابت، قَالَ: (أمروا أَن يسبحوا دبر كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، ويحمدوا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، ويكبروا أَرْبعا وَثَلَاثِينَ، فَأتي رجل من الْأَنْصَار فِي مَنَامه، قيل: أَمركُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تسبحوا دبر كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وتحمدوا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وتكبروا أَرْبعا وَثَلَاثِينَ؟ قَالَ: نعم، فاجعلوها خمْسا وَعشْرين، فاجعلوا فِيهَا التهليل، فَلَمَّا أصبح أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: إجعلوها كَذَلِك) .
وَكَونه إِحْدَى عشرَة، كَمَا فِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن الْبَزَّار، وَكَونه عشرا كَمَا فِي حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عِكْرِمَة بن عمار عَن إِسْحَاق بن عبد الله ابْن أبي طَلْحَة: (عَن أنس بن مَالك، قَالَ: جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله! عَلمنِي كَلِمَات أَدْعُو بِهن فِي صَلَاتي.
فَقَالَ: سبحي الله عشرا.
واحمديه عشرا، وكبريه عشرا، ثمَّ سَلِي حَاجَتك، يَقُول: نعم نعم) .
رَوَاهُ الْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي (مسنديهما) وَفِيه: نعم نعم نعم، ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث عبد الله بن عمر، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خصلتان لَا يحصيهما رجل مُسلم إلاّ دخل الْجنَّة) الحَدِيث.
وَفِيه: (يسبح الله أحدكُم فِي دبر كل صَلَاة عشرا، ويحمد عشرا، وَيكبر عشرا) .
الحَدِيث فَهِيَ خَمْسُونَ وَمِائَة بِاللِّسَانِ، وَألف وَخَمْسمِائة فِي الْمِيزَان، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص، أخرجه النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة، من رِوَايَة مُوسَى الْجُهَنِيّ: عَن مُصعب بن سعد عَن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يمْنَع أحدكُم أَن يسبح دبر كل صَلَاة عشرا، وَيكبر عشرا ويحمد عشرا؟) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه أَحْمد فِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه (عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما زوجه فَاطِمَة) الحَدِيث، وَفِيه: (تسبحان لله فِي دبر كل صَلَاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا) ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أم مَالك الْأَنْصَارِيَّة، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: عَن يحيى بن جعدة عَن رجل حَدثهُ، (عَن أم مَالك الْأَنْصَارِيَّة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَنِيئًا لَك يَا أم مَالك بركَة عجل الله ثَوَابهَا، ثمَّ علمهَا فِي دبر كل صَلَاة: سُبْحَانَ الله عشرا، وَالْحَمْد لله عشرا، وَالله أكبر عشرا) .
وَكَونه سِتا، كَمَا فِي حَدِيث أنس فِي بعض طرقه، وَمرَّة وَاحِدَة، كَمَا فِي بعض طرق حَدِيثه، أَيْضا، وَكَونه سبعين مرّة كَمَا فِي حَدِيث زميل الْجُهَنِيّ أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة أبي مشجعَة بن ربعي الْجُهَنِيّ: (عَن زميل الْجُهَنِيّ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا صلى الصُّبْح قَالَ، وَهُوَ ثَان رجله: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، واستغفر الله، إِنَّه كَانَ تَوَّابًا، سبعين مرّة، ثمَّ يَقُول: سبعين بسبعمائة.
.
) الحَدِيث.
وَكَونه مائَة مرّة كَمَا فِي بعض طرق حَدِيث أبي هُرَيْرَة، أخرجه النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة، من رِوَايَة يَعْقُوب بن عَطاء: عَن عَطاء ابْن أبي عَلْقَمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من سبح فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة مائَة، وَكبر مائَة وَحمد مائَة غفرت لَهُ ذنُوبه، وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر) .

ثمَّ الْجَواب عَن وَجه الْحِكْمَة فِي تعْيين هَذِه الْأَعْدَاد أَنه: يجب علينا أَولا: أَن نتمثل فِي ذَلِك وَإِن خَفِي علينا وَجهه، لِأَن كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَخْلُو عَن حكم.
وَثَانِيا: نقُول بِمَا أوقع الله تَعَالَى فِي قُلُوبنَا من أنواره الَّتِي يتجلى بهَا فِي الغوامض، وَهُوَ أَن الِاخْتِلَاف فِي هَذِه الْأَعْدَاد الظَّاهِر أَنه بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال والأزمان والأشخاص، فَيمكن أَن يُقَال: فِي الذّكر مرّة، إِنَّهَا أدنى مَا يُقَال، لِأَنَّهَا مَا تحتهَا شَيْء.
وَفِي السِّت: إِن الْأَيَّام سِتَّة، فَمن ذكر سِتّ مَرَّات فَكَأَنَّهُ ذكر فِي كل يَوْم مِنْهَا مرّة، فتستغرق أَيَّامه ببركة الذّكر.
وَفِي الْعشْر: كل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا بِالنَّصِّ.
وَفِي إِحْدَى عشرَة كَذَلِك، وَلَكِن زِيَادَة الْوَاحِدَة عَلَيْهَا للجزم بتحقق الْعشْرَة.
وَفِي خمس وَعشْرين إِن سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة، فَمن ذكر خمْسا وَعشْرين فَكَأَنَّمَا ذكر فِي كل سَاعَة من سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار، وَالْوَاحد الزَّائِد للجزم بتحققها.
وَفِي ثَلَاث وَثَلَاثِينَ إِنَّهَا إِذا ضوعفت ثَلَاث مَرَّات تكون تسعا وَتِسْعين، فَمن ذكر بِثَلَاث وَثَلَاثِينَ فَكَأَنَّمَا ذكر الله بأسمائه التِّسْعَة وَالتسْعين الَّتِي ورد بهَا الحَدِيث.
وَفِي سبعين إِنَّه إِذا ذكر الله بِهَذَا الْعدَد يحصل لَهُ سَبْعمِائة ثَوَاب، لكل وَاحِد مِنْهَا عشرَة، وَقد صرح بذلك فِي حَدِيث زميل الْجُهَنِيّ، وَقد ذَكرْنَاهُ.
وَفِي مائَة: الْقَصْد فِيهَا الْمُبَالغَة فِي التكثير، لِأَنَّهَا الدرجَة الثَّالِثَة للأعداد.

فَإِن قلت: إِذا نقص من هَذِه الْأَعْدَاد الْمعينَة أَو زَاد، هَل يحصل لَهُ الْوَعْد الَّذِي وعد لَهُ فِيهِ؟ قلت: ذكر شَيخنَا زين الدّين فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) قَالَ: كَانَ بعض مَشَايِخنَا يَقُول: إِن هَذِه الْأَعْدَاد الْوَارِدَة عقيب الصَّلَوَات أَو غَيرهَا من الْأَذْكَار الْوَارِدَة فِي الصَّباح والمساء وَغير ذَلِك، إِذا كَانَ ورد لَهَا عدد مَخْصُوص مَعَ ثَوَاب مَخْصُوص، فَزَاد الْآتِي بهَا فِي أعدادها عمدا لَا يحصل لَهُ ذَلِك الثَّوَاب الْوَارِد على الْإِتْيَان بِالْعدَدِ النَّاقِص، فَلَعَلَّ لتِلْك الْأَعْدَاد حِكْمَة، وخاصة تفوت بمجاوزة تِلْكَ الْأَعْدَاد وتعديها، وَلذَلِك نهى عَن الاعتداء فِي الدُّعَاء.
انْتهى.
قَالَ الشَّيْخ: فِيمَا قَالَه نظر، لِأَنَّهُ قد أَتَى بالمقدار الَّذِي رتب على الْإِتْيَان بِهِ ذَلِك الثَّوَاب، فَلَا تكون الزِّيَادَة مزيلة لذَلِك الثَّوَاب بعد حُصُوله عِنْد الْإِتْيَان بذلك الْعدَد.
انْتهى.
قلت: الصَّوَاب هُوَ الَّذِي قَالَه الشَّيْخ، لِأَن هَذَا لَيْسَ من الْحُدُود الَّتِي نهى عَن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من قَالَ حِين يصبح وَحين يُمْسِي: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مائَة مرّة، لم يَأْتِ أحد يَوْم الْقِيَامَة بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ، إلاّ أحد قَالَ مثل مَا قَالَ أَو زَاد عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: الشَّرْط فِي هَذَا أَن يَقُول: الذّكر الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِالْعدَدِ مُتَتَابِعًا أم لَا؟ وَالشّرط أَن يكون فِي مجْلِس وَاحِد أم لَا؟ قلت: كل مِنْهُمَا لَيْسَ بِشَرْط، وَلَكِن الْأَفْضَل أَن يَأْتِي بِهِ مُتَتَابِعًا، وَأَن يُرَاعِي الْوَقْت الَّذِي عين فِيهِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: من ذَلِك يتَعَلَّق بِهَذَا الحَدِيث الْمَسْأَلَة المشهودة فِي التَّفْضِيل بَين الْغَنِيّ الشاكر وَالْفَقِير الصابر، فَذهب الْجُمْهُور من الصُّوفِيَّة إِلَى تَرْجِيح الْفَقِير الصابر، لِأَن مدَار الطَّرِيق على تَهْذِيب النَّفس ورياضتها، وَذَلِكَ مَعَ الْفقر أَكثر مِنْهُ مَعَ الْغنى، فَكَانَ أفضل بِمَعْنى أشرف.
وَذكر الْقُرْطُبِيّ: أَن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة خَمْسَة أَقْوَال: فَمن قَائِل بتفضيل الْغَنِيّ، من قَائِل بتفضيل الْفَقِير.
وَمن قَائِل بتفضيل الكفاف.
وَمن قَائِل برد هَذَا إِلَى اعْتِبَار أَحْوَال النَّاس فِي ذَلِك.
وَمن قَائِل بِالْوَقْفِ لِأَنَّهَا مَسْأَلَة لَهَا غور، وفيهَا أَحَادِيث متعارضة.
قَالَ: وَالَّذِي يظْهر لي أَن الْأَفْضَل مَا اخْتَارَهُ الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولجمهور صحابته، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ الْفقر غير المدقع، وَيَكْفِيك من هَذَا أَن فُقَرَاء الْمُسلمين يدْخلُونَ الْجنَّة قبل أغنيائهم بِخَمْسِمِائَة عَام، وَأَصْحَاب الْأَمْوَال محبوسون على قنطرة بَين الْجنَّة وَالنَّار يسْأَلُون عَن فضول أَمْوَالهم..
     وَقَالَ  ابْن بطال عَن الْمُهلب فِي هَذَا الحَدِيث: فضل الْغَنِيّ نصا لَا تَأْوِيلا إِذا اسْتَوَت أَعمال الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِيمَا افْترض الله تَعَالَى عَلَيْهِمَا، فللغني حِينَئِذٍ فضل عمل الْبر من الصَّدَقَة وَنَحْوهَا، مِمَّا لَا سَبِيل للْفَقِير إِلَيْهِ.
قَالَ: وَرَأَيْت بعض الْمُتَكَلِّمين ذهب إِلَى أَن الْفضل الْمُرَتّب على الذّكر يخص الْفُقَرَاء دون غَيرهم، قَالَ: وغفل عَن قَوْله: (إلاّ من عمل مثله) ، فَخص الْفضل لقائله كَائِنا من كَانَ،.

     وَقَالَ  ابْن دَقِيق الْعِيد: ظَاهر الحَدِيث الْقَرِيب من النَّص أَنه فضل الْغَنِيّ وَبَعض النَّاس، تَأَوَّلَه بِتَأْوِيل مستكره، قَالَ: وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر أَنَّهُمَا إِن تَسَاويا وفضلت الْعِبَادَة الْمَالِيَّة أَن يكون الْغَنِيّ أفضل، وَهَذَا لَا شكّ فِيهِ، وَإِنَّمَا النّظر إِذا تَسَاويا وَانْفَرَدَ كل مِنْهُمَا بمصلحة مَا هُوَ فِيهِ، أَيهمَا أفضل؟ إِن فسر الْفضل بِزِيَادَة الثَّوَاب فَالْقِيَاس يَقْتَضِي أَن الْمصَالح المتعدية أفضل من القاصرة، فيترجح الْغَنِيّ، وَإِن فسر بالأشرف بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَات النَّفس، فَالَّذِي يحصل لَهَا من التَّطْهِير بِحَسب الْفقر أشرف، فيترجح الْفقر، وَمن ثمَّة ذهب جُمْهُور الصُّوفِيَّة إِلَى تَرْجِيح الْفَقِير الصابر.

وَمن فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور: أَن الْعَالم إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة يَقع فِيهَا الْخلاف أَن يُجيب بِمَا يلْحق بِهِ الْمَفْضُول دَرَجَة الْفَاضِل، وَلَا يُجيب بِنَفس الْفَاضِل، لِئَلَّا يَقع الْخلاف.
أَلاَ ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجَاب بقوله: (أَلا أدلكم على أَمر تساوونهم فِيهِ) وَعدل عَن قَوْله: نعم هُوَ أفضل مِنْكُم بذلك.
وَمِنْهَا: الْمُسَابقَة إِلَى الْأَعْمَال المحصلة للدرجات الْعَالِيَة لمبادرة الْأَغْنِيَاء إِلَى الْعَمَل بِمَا بَلغهُمْ، وَلم يُنكر عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فيستنبط مِنْهُ أَن قَوْله: (إلاّ من عمل) ، عَام للْفُقَرَاء والأغنياء، والتأويل بِغَيْر ذَلِك يرد.
وَمِنْهَا: فضل الذّكر عقيب الصَّلَوَات لِأَنَّهَا أَوْقَات فاضلة ترتجي فِيهَا إِجَابَة الدُّعَاء.
وَمِنْهَا: أَن الْعَمَل الْقَاصِر قد يُسَاوِي الْمُتَعَدِّي، خلافًا لمن قَالَ: إِن الْمُتَعَدِّي أفضل مُطلقًا قلت: وَمِمَّا يُؤَيّدهُ أَن الثَّوَاب الَّذِي يُعْطِيهِ الله تَعَالَى لَا يسْتَحقّهُ الْإِنْسَان بِحَسب الْأَذْكَار، وَلَا بِحَسب إِعْطَاء الْأَمْوَال، إِنَّمَا هُوَ { فضل الله يؤتيه من يَشَاء} (الْمَائِدَة: 54، الْحَدِيد: 21، وَالْجُمُعَة: 4) .
أَلا ترى إِلَى مَا رُوِيَ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : عَن أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: (أَن فُقَرَاء الْمُهَاجِرين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.
) الحَدِيث.
وَفِيه: (قَالَ أَبُو صَالح: فَرجع فُقَرَاء الْمُهَاجِرين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالُوا: سمع إِخْوَاننَا إهل الْأَمْوَال مَا فعلنَا فَفَعَلُوا مثله، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم { ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء} (الْمَائِدَة: 54، الْحَدِيد: 21، وَالْجُمُعَة: 4) .
وَمِنْهَا: يفهم مِنْهُ أَنه لَا بَأْس أَن يغبط الرجل الرجل على مَا يَفْعَله من أَعمال الْبر، وَأَنه يتَمَنَّى أَن لَو فعل مثل مَا فعله، ويتسبب فِي تَحْصِيله لذَلِك أَو لما يقوم مقَامه من أَعمال الْبر، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (لَا حسد إلاّ فِي اثْنَتَيْنِ.
.
) الحَدِيث.
وَأطلق هُنَا الْحَسَد وَأَرَادَ بِهِ الْغِبْطَة، فَأَما حَقِيقَة الْحَسَد فمذموم، وَهُوَ: تمني زَوَال نعْمَة الْمَحْسُود، كحسد إِبْلِيس لآدَم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على تَفْضِيل الله لَهُ عَلَيْهِ، وَأما قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فضل الله بَعْضكُم على بعض} (الْمَائِدَة: 54) .
فَهُوَ تمني مَا لَا يُمكن حُصُوله مِمَّا خص الله غَيره بِهِ، كتمني النِّسَاء مَا خص الله بِهِ الرِّجَال من الْإِمَامَة وَالْأَذَان، وَجعل الطَّلَاق إلَيْهِنَّ، وكتمني أحد من هَذِه الْأمة أَن يكون نَبيا بَعْدَمَا أخبر الله تَعَالَى أَن نَبينَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَاتم الْأَنْبِيَاء.