هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
809 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْنَا : السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ، فَلْيَقُلْ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
809 حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، قال : قال عبد الله : كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، قلنا : السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان وفلان ، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله هو السلام ، فإذا صلى أحدكم ، فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عَبْدِ اللَّهِ : كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْنَا : السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ، فَلْيَقُلْ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .

Narrated Shaqiq bin Salama:

`Abdullah said, Whenever we prayed behind the Prophet (ﷺ) we used to recite (in sitting) 'Peace be on Gabriel, Michael, peace be on so and so. Once Allah's Messenger (ﷺ) looked back at us and said, 'Allah Himself is As-Salam (Peace), and if anyone of you prays then he should say, at-Tahiyatu li l-lahi wa ssalawatu wa t-taiyibat. As-salamu `alalika aiyuha n-Nabiyu wa rahmatu l-lahi wa barakatuh. Assalamu `alaina wa `ala `ibadi l-lahi s-salihin. (All the compliments, prayers and good things are due to Allah; peace be on you, O Prophet, and Allah's mercy and blessings [be on you]. Peace be on us an on the pious subjects of Allah). (If you say that, it will reach all the subjects in the heaven and the earth). Ash-hadu al-la ilaha illa l-lah, wa ash-hadu anna Muhammadan `Abduhu wa Rasuluh. (I testify that there is no Deity [worthy of worship] but Allah, and I testify that Muhammad is His slave and His Apostle).

":"ہم سے ابونعیم فضل بن دکین نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے اعمش نے شقیق بن سلمہ سے بیان کیا کہ عبداللہ بن مسعود رضی اللہ عنہما نے فرمایا کہجب ہم نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے پیچھے نماز پڑھتے تو کہتے ( ترجمہ ) سلام ہو جبرائیل اور میکائیل پر سلام ہو فلاں اور فلاں پر ( اللہ پر سلام ) نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم ایک روز ہماری طرف متوجہ ہوئے اور فرمایا اللہ تو خود ” سلام “ ہے ۔ ( تم اللہ کو کیا سلام کرتے ہو ) اس لیے جب تم میں سے کوئی نماز پڑھے تو یہ کہے «التحيات لله ،‏‏‏‏ والصلوات والطيبات ،‏‏‏‏ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ،‏‏‏‏ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين‏» تمام آداب بندگی ، تمام عبادات اور تمام بہترین تعریفیں اللہ کے لیے ہیں ۔ آپ پر سلام ہو اے نبی اور اللہ کی رحمتیں اور اس کی برکتیں ہم پر سلام اور اللہ کے تمام صالح بندوں پر سلام ۔ جب تم یہ کہو گے تو تمہارا سلام آسمان و زمین میں جہاں کوئی اللہ کا نیک بندہ ہے اس کو پہنچ جائے گا ۔ میں گواہی دیتا ہوں کہ اللہ کے سوا کوئی معبود نہیں اور گواہی دیتا ہوں کہ محمد اس کے بندے اور رسول ہیں ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [831] قَوْلِهِ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ إِذَا صَلَّى أَيْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ لَكِنْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ لَا يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَمَّا تَعَيَّنَ الْمَجَازُ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ.

.

قُلْتُ وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ السَّلَامَ جُزْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ لَا أَنَّهُ لِلتَّحَلُّلِ مِنْهَا فَقَطْ وَالْأَشْبَهُ بِتَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ تَعْيِينِ مَحَلِّ الْقَوْلِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  عَنْ شَقِيقٍ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ عَنِ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ إِذَا جَلَسْنَا وَمِثْلُهُ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ يَحْيَى وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَلِابْنِ إِسْحَاقَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ نَحْوُهُ .

     قَوْلُهُ  قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِصَارٌ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ كَذَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِيهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ قَبْلَ عِبَادِهِ وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِوَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتَبَيَّنُ مَوْقِعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ الْأَعْمَش عِنْد بن مَاجَهْ يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ فَنَعُدُّ الْمَلَائِكَةَ وَمِثْلُهُ لِلسَّرَّاجِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ فَنَعُدُّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  فَالْتَفَتَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَلَّمَهُمْ بِذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَهُوَ شَقِيقٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُولُوا لَكِنْ بَيَّنَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ الْمَحَلَّ الَّذِي خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ فِيهِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ أَيْضًا فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ التَّسْلِيمَ عَلَى اللَّهِ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ عَكْسُ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فَإِنَّ كُلَّ سَلَامٍ وَرَحْمَةٍ لَهُ وَمِنْهُ وَهُوَ مَالِكُهَا وَمُعْطِيهَا.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ وَجْهُ النَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ بِالْمَسَائِلِ الْمُتَعَالِي عَنِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ فَكَيْفَ يُدْعَى لَهُ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ عَلَى الْحَالَاتِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ ذُو السَّلَامِ فَلَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ السَّلَامَ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَمَرْجِعُ الْأَمْرِ فِي إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ ذُو السَّلَامِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعَيْبٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُهَا إِلَى حَظِّ الْعَبْدِ فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنَ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْمَهَالِكِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي السَّالِمَ مِنَ النَّقَائِصِ وَيُقَالُ الْمُسلم أَوْلِيَاء وَقيل الْمُسلم عَلَيْهِم قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ إِلَى الْخَلْقِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى السَّلَامَةِ وَغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ بَيَّنَ حَفْصٌ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مَحَلَّ الْقَوْلِ وَلَفْظُهُ فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورَةِ إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ فَقَالَ إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقُولُوا فِي كُلِّ جَلْسَةٍ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا وَزَادَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي أَوَّلِهِ وَأَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنَنِيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ من طَرِيق أبي معمر عَن بن مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فَلْيَقُلْ عَلَى الْوُجُوبِ خِلَافًا لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَمَالِكٍ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَنْدُوبٌ وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ فسبح باسم رَبك الْعَظِيم اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ الْحَدِيثَ فَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَتُهُ الْوُجُوبُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى وَفِي دَعْوَى هَذَا الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَيَقُولُ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَرِوَايَةُ أَبِي الْأَحْوَصِ الْمُتَقَدِّمَةُ وَغَيْرُهَا تُقَوِّيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ قبل بِبَاب وَقد جَاءَ عَن بن مَسْعُودٍ التَّصْرِيحُ بِفَرْضِيَّةِ التَّشَهُّدِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ عَن بن مَسْعُودٍ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ .

     قَوْلُهُ  التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَمَعْنَاهَا السَّلَامُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالنَّقْصِ وَقِيلَ الْمَلِكُ.

     وَقَالَ  أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ لَيْسَتِ التَّحِيَّةُ الْمَلِكَ نَفْسَهُ لَكِنَّهَا الْكَلَامُ الَّذِي يُحَيَّا بِهِ الْمَلِكُ.

     وَقَالَ  بن قُتَيْبَةَ لَمْ يَكُنْ يُحَيَّا إِلَّا الْمَلِكُ خَاصَّةً وَكَانَ لِكُلِّ مَلِكٍ تَحِيَّةٌ تَخُصُّهُ فَلِهَذَا جُمِعَتْفَكَانَ الْمَعْنَى التَّحِيَّاتُ الَّتِي كَانُوا يُسَلِّمُونَ بِهَا عَلَى الْمُلُوكِ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْبَغَوِيُّ وَلَمْ يَكُنْ فِي تَحِيَّاتِهِمْ شَيْءٌ يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ فَلِهَذَا أُبْهِمَتْ أَلْفَاظُهَا وَاسْتُعْمِلَ مِنْهَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ فَقَالَ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ أَنْوَاعُ التَّعْظِيمِ لَهُ.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ التَّحِيَّةِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَعَانِي الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى السَّلَامِ أَنْسَبُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  وَالصَّلَوَاتُ قِيلَ الْمُرَادُ الْخَمْسُ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا وَقِيلَ الدَّعَوَاتُ وَقِيلَ الْمُرَادُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ والطيبات الصَّدقَات الْمَالِيَّة .

     قَوْلُهُ  وَالطَّيِّبَاتُ أَيْ مَا طَابَ مِنَ الْكَلَامِ وَحَسُنَ أَنْ يُثْنَى بِهِ عَلَى اللَّهِ دُونَ مَا لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ مِمَّا كَانَ الْمُلُوكُ يُحَيَّوْنَ بِهِ وَقِيلَ الطَّيِّبَاتُ ذِكْرُ اللَّهِ وَقِيلَ الْأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ كَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَهُوَ أَعم قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِذَا حُمِلَ التَّحِيَّةُ عَلَى السَّلَامِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ التَّحِيَّاتُ الَّتِي تُعَظَّمُ بِهَا الْمُلُوكُ مُسْتَمِرَّةٌ لِلَّهِ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْبَقَاءِ فَلَا شَكَّ فِي اخْتِصَاصِ اللَّهِ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمُلْكُ الْحَقِيقِيُّ وَالْعَظَمَةُ التَّامَّةُ وَإِذَا حُمِلَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْعَهْدِ أَوِ الْجِنْسِ كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّهَا لِلَّهِ وَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا غَيْرُهُ وَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى الرَّحْمَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ لِلَّهِ أَنَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا لِأَنَّ الرَّحْمَةَ التَّامَّةَ لِلَّهِ يُؤْتِيهَا مَنْ يَشَاءُ وَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى الدُّعَاءِ فَظَاهِرٌ.

.
وَأَمَّا الطَّيِّبَاتُ فَقَدْ فُسِّرَتْ بِالْأَقْوَالِ وَلَعَلَّ تَفْسِيرَهَا بِمَا هُوَ أَعَمُّ أَوْلَى فَتَشْمَلُ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالْأَوْصَافَ وَطِيبُهَا كَوْنُهَا كَامِلَةً خَالِصَةً عَنِ الشَّوَائِبِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ .

     قَوْلُهُ  لِلَّهِ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ إِلَّا لِلَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ مَلِكَ الْمُلُوكِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ كُلَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ عَطْفًا عَلَى التَّحِيَّاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالطَّيِّبَاتُ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا وَالْوَاوُ الْأُولَى لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالثَّانِيَةُ لعطف الْمُفْرد على الْجُمْلَة.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ إِنْ جُعِلَتِ التَّحِيَّاتُ مُبْتَدَأً وَلَمْ تَكُنْ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ كَانَ قَوْلُكَ وَالصَّلَوَاتُ مُبْتَدَأً لِئَلَّا يُعْطَفَ نَعْتٌ عَلَى مَنْعُوتِهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُمَلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَكُلُّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِفَائِدَتِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ عِنْدَ إِسْقَاطِ الْوَاوِ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ أَيِ السَّلَامُ حَذْفُ اللَّامِ وَإِثْبَاتُهَا وَالْإِثْبَاتُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ.

.

قُلْتُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ بِحَذْفِ اللَّامِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ قَالَ الطِّيبِيُّ أَصْلُ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ سَلَامًا عَلَيْكَ ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ وَأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مَقَامَهُ وَعُدِلَ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَعْنَى وَاسْتِقْرَارِهِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ إِمَّا لِلْعَهْدِ التَّقْدِيرِيِّ أَيْ ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الْأُمَمِ السَّالِفَةِ عَلَيْنَا وَعَلَى إِخْوَانِنَا وَإِمَّا لِلْجِنْسِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَقِيقَةَ السَّلَامِ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ وَعَمَّنْ يَصْدُرُ وَعَلَى مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْكَ وَعَلَيْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَلَامٌ على عباده الَّذين اصْطفى قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ التَّقَادِيرَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ النَّكِرَةِ انْتَهَى وَحَكَى صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ وَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ عَلَّمَهُمْ أَنْ يُفْرِدُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَمَزِيدِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَّمَهُمْ أَنْ يُخَصِّصُوا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا لِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِهَا أَهَمُّ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِتَعْمِيمِ السَّلَامِ عَلَى الصَّالِحِينَ إِعْلَامًا مِنْهُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لَهُمْ.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّالسَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ كَالْمَقَامِ وَالْمَقَامَةِ وَالسَّلَامُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وُضِعَ الْمَصْدَرُ مَوْضِعَ الِاسْمِ مُبَالَغَةً وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَالِمٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَآفَةٍ وَنَقْصٍ وَفَسَادٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا السَّلَامُ عَلَيْكَ الدُّعَاءُ أَيْ سَلِمْتَ مِنَ الْمَكَارِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكَ كَأَنَّهُ تَبَرَّكَ عَلَيْهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شُرِعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ خِطَابُ بَشَرٍ مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْغَيْبَةِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ فَيَنْتَقِلُ مِنْ تَحِيَّةِ اللَّهِ إِلَى تَحِيَّةِ النَّبِيِّ ثُمَّ إِلَى تَحِيَّةِ النَّفْسِ ثُمَّ إِلَى الصَّالِحِينَ أَجَابَ الطِّيبِيُّ بِمَا مُحَصَّلُهُ نَحْنُ نَتَّبِعُ لَفْظَ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ عَلَّمَهُ الصَّحَابَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَلَى طَرِيقِ أَهْلِ الْعِرْفَانِ إِنَّ الْمُصَلِّينَ لَمَّا اسْتَفْتَحُوا بَابَ الْمَلَكُوتِ بِالتَّحِيَّاتِ أُذِنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي حَرِيمِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ فَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمْ بِالْمُنَاجَاةِ فَنُبِّهُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ فَالْتَفَتُوا فَإِذَا الْحَبِيبُ فِي حَرَمِ الْحَبِيبِ حَاضِرٌ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ قَائِلِينَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ اه وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ هَذَا مَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ.

.
وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَهُوَ مِمَّا يُخْدَشُ فِي وَجْهِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ فَفِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ عَن بن مَسْعُودٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ قَالَ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ كَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالسَّرَّاجُ وَالْجَوْزَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ بِحَذْفِ لَفْظِ يَعْنِي وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَوَانَةَ وَحْدَهُ إِنْ صَحَّ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي السَّلَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيُقَالُ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ.

.

قُلْتُ قَدْ صَحَّ بِلَا رَيْبٍ وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مُتَابِعًا قَوِيًّا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمهمْ التَّشَهُّد فَذكره قَالَ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِي إِذْ كَانَ حَيا فَقَالَ بن مَسْعُودٍ هَكَذَا عَلَّمَنَا وَهَكَذَا نُعَلِّمُ فَظَاهِرٌ أَنَّ بن عَبَّاس قَالَه بحثا وَأَن بن مَسْعُودٍ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي مَعْمَرٍ أَصَحُّ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ عَدَلَ عَنِ الْوَصْفِ بِالرِّسَالَةِ إِلَى الْوَصْفِ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ الْوَصْفَ بِالرِّسَالَةِ أَعَمُّ فِي حَقِّ الْبَشَرِ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الْوَصْفَيْنِ لِكَوْنِهِ وَصَفَهُ بِالرِّسَالَةِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ الْبَشَرِيُّ يَسْتَلْزِمُ النُّبُوَّةَ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِهِمَا أَبْلَغُ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْوَصْفِ بِالنُّبُوَّةِ أَنَّهَا كَذَا وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ لِنُزُولِ قَوْله تَعَالَى اقْرَأ باسم رَبك قَبْلَ قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَيْ إِحْسَانُهُ وَبَرَكَاتُهُ أَيْ زِيَادَتُهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَيْنَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبَدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ مُصَحَّحًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ وَمِنْهُ قَوْلُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ .

     قَوْلُهُ  عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الصَّالِحِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلْقُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ عَبْدًا صَالِحًا وَإِلَّا حُرِمَ هَذَا الْفَضْلُ الْعَظِيمُ.

     وَقَالَ  الْفَاكِهَانِيُّ يَنْبَغِيلِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي لِيَتَوَافَقَ لَفْظُهُ مَعَ قَصْدِهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَيْ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَهُوَ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ الصَّالِحِينَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ إِلَخْ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَّ الْمَلَائِكَةِ وَاحِدًا وَاحِدًا وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُمْ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فَعَلَّمَهُمْ لَفْظًا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مَعَ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَغَيْرِهِمْ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَة بقول بن مَسْعُودٍ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ سِيَاقُ التَّشَهُّدِ مُتَوَالِيًا وَتَأْخِيرُ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ بَعْدُ وَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ وَالْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَعُمُّ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ثُمَّ قَالَ أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمْعَ التَّكْسِيرِ لِلْعُمُومِ وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَظَرٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ على أَن للْعُمُوم صِيغَة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَنَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَتَصَرُّفَاتِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادٍ لَا تُحْصَى لَا لِلِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالشَّكُّ فِيهِ مِنْ مُسَدَّدٍ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ مِنْ أهل السَّمَاء وَالْأَرْض أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله زَاد بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَوْقُوفِ فِي الْمُوَطَّأ وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إِلَّا أَنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيح عَن بن عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله قَالَ بن عُمَرَ زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْوَقْفُ .

     قَوْلُهُ  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدة وَرَسُوله لم تخْتَلف الطّرق عَن بن مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثِ أبي مُوسَى وبن عمر وَعَائِشَة الْمَذْكُور وَجَابِر وبن الزُّبَيْرِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ التَّشَهُّدَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَعَبْدُهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَقَدْ كُنْتُ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ أَكُونَ رَسُولًا قُلْ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَات إِلَّا أَنه مُرْسل وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَ وَأَشْهَدُ وَرَوَاهُ بن ماجة بِلَفْظ بن مَسْعُود قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث بن مَسْعُودٍ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي التَّشَهُّدِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بعدهمْ قَالَ وَذهب الشَّافِعِي إِلَى حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي التَّشَهُّدِ.

     وَقَالَ  الْبَزَّارُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ هُوَ عِنْدِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مِنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقًا ثُمَّ سَرَدَ أَكْثَرَهَا.

     وَقَالَ  لَا أَعْلَمُ فِي التَّشَهُّدِ أَثْبَتَ مِنْهُ وَلَا أَصَحَّ أَسَانِيدَ وَلَا أَشْهَرَ رِجَالًا اه وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَمِنْ رُجْحَانِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ مِنَ الثِّقَاتِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَلْفَاظِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْقِينًا فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ قَالَ أَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنَنِيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْهُ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَسَاقه بِلَفْظ بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ هَذَا الْأَخِيرُ ثَبَتَ مثله فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍوَرُجِّحَ أَيْضًا بِثُبُوتِ الْوَاوِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَتَكُونُ كُلُّ جُمْلَةٍ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِ مَا إِذَا حُذِفَتْ فَإِنَّهَا تَكُونُ صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا وَتَعَدُّدُ الثَّنَاءِ فِي الْأَوَّلِ صَرِيحٌ فَيَكُونُ أَوْلَى وَلَوْ قِيلَ إِنَّ الْوَاوَ مُقَدَّرَةٌ فِي الثَّانِي وَرُجِّحَ بِأَنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُجَرّد حِكَايَة وَلأَحْمَد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَزِيَّتِهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ رَوَيْتُ أَحَادِيثَ فِي التَّشَهُّدِ مُخْتَلِفَةً وَكَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيَّ لِأَنَّهُ أَكْمَلُهَا.

     وَقَالَ  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ اخْتِيَارِهِ تَشَهُّدَ بن عَبَّاس لما رَأَيْته وَاسِعًا وسمعته عَن بن عَبَّاسٍ صَحِيحًا كَانَ عِنْدِي أَجْمَعَ وَأَكْثَرَ لَفْظًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَخَذْتُ بِهِ غَيْرَ مُعَنِّفٍ لِمَنْ يَأْخُذُ بِغَيْرِهِ مِمَّا صَحَّ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهِ مُنَاسِبًا لِلَفْظِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَحِيَّةً من عِنْد الله مباركة طيبَة وَأما من رَجحه بِكَوْن بن عَبَّاسٍ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ أَضْبَطَ لِمَا رَوَى أَوْ بِأَنَّهُ أَفْقَهُ مَنْ رَوَاهُ أَوْ يكون إِسْنَاد حَدِيثه حجازيا وَإسْنَاد بن مَسْعُودٍ كُوفِيًّا وَهُوَ مِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ فَلَا طَائِلَ فِيهِ لِمَنْ أَنْصَفَ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَال إِن الزِّيَادَة الَّتِي فِي حَدِيث بن عَبَّاس وَهِي المباركات لَا تنافى رِوَايَة بن مَسْعُودٍ وَرُجِّحَ الْأَخْذُ بِهَا لِكَوْنِ أَخْذِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْأَخِيرِ وَقَدِ اخْتَارَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ تَشَهُّدَ عُمَرَ لِكَوْنِهِ عَلَّمَهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ ينكروه فَيكون إِجْمَاعًا وَلَفظه نَحْو حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ الزَّاكِيَاتُ بَدَلَ الْمُبَارَكَاتُ وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى الشَّافِعِيِّ زِيَادَةَ بِسم الله فِي أول التَّشَهُّد وَوَقع ذَاك فِي رِوَايَةِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ الَّتِي أَخْرَجَهَا مَالِكٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَثَبَتَ فِي الْمُوَطَّأ أَيْضا عَن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَوَقَعَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَرْفُوعِ تَفَرَّدَ بِهِ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ بِالنُّونِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَحَكَمَ الْحُفَّاظُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إِسْنَادِهِ وَأَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوس وَغَيره عَن بن عَبَّاسٍ وَفِي الْجُمْلَةِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَيْهَا مَنِ اسْتَحَبَّ أَوْ أَبَاحَ التَّسْمِيَةَ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَضُعِّفَ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا أَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَرْفُوعِ فِي التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الْحَدِيثَ كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ بِسَنَدِهِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ هَذِهِ وَقَدْ أنكر بن مَسْعُود وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَنْ زَادَهَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ لَكِنَّ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ كَابْنِ الْمُنْذِرِ إِلَى اخْتِيَارِ تَشَهُّدِ بن مَسْعُودٍ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ كَابْنِ خُزَيْمَةَ إِلَى عَدَمِ التَّرْجِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ التَّشَهُّدَ مُطْلَقًا غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ بِخِلَافِ مَا يُوجَدُ عَنْهُمْ فِي كُتُبِ مُخَالِفِيهِمْ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لَكِنْ قَالَ لَوْ لَمْ يَزِدْ رَجُلٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِلَخْ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةً هَذَا لَفْظُهُ فِي الْأُمِّ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ.

.
وَأَمَّا أَقَلُّ التَّشَهُّدِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إِلَى أَنَّهُ فَذَكَرَهُ لَكِنَّهُ قَالَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَنَقله بن كَجٍّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ فَقَالَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ أَسْقَطَا وَبَرَكَاتُهُ اه وَقَدِ اسْتُشْكِلَ جَوَازُ حَذْفِ الصَّلَوَاتِ مَعَ ثُبُوتِهَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَلِكَ الطَّيِّبَاتُ مَعَ جَزْمِ جَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْمُقْتَصَرَعَلَيْهِ هُوَ الثَّابِتُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ وَجَّهَ الْحَذْفَ بِكَوْنِهِمَا صِفَتَيْنِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر من سِيَاق بن عَبَّاسٍ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَحْثِ فِي ثُبُوتِ الْعَطْفِ فِيهِمَا فِي سِيَاقِ غَيْرِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَائِدَةٌ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ يَضُرُّ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَيَكُونُ مُقَصِّرًا بِخِدْمَةِ اللَّهِ وَفِي حَقِّ رَسُولِهِ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِذَلِكَ عُظِّمَتِ الْمَعْصِيَةُ بِتَرْكِهَا وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ حَقًّا لِلْعِبَادِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهَا أَخَلَّ بِحَقِّ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ مَضَى وَمَنْ يَجِيءُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِوُجُوبِ قَوْلِهِ فِيهَا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ خَلَفٌ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ الْبَابِ فِي التَّشَهُّدِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ وَحَمَّادٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سُلَيْمَانَ.

     وَقَالَ  أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِيمَا أَرَى اه وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا هُنَا لَا عَنْ قَبِيصَةَ وَلَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سَيْفٍ نَعَمْ هُوَ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَالله أعلم ( قَولُهُ بَابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ) أَيْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ هَذَا الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ تَرْتِيبِهِ لَكِنْ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ لَا تَقْيِيدَ فِيهِ بِمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ ذِكْرًا مَخْصُوصًا فَتَعَيَّنَ أَنْوَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتَبَيَّنُ مَوْقِعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ الْأَعْمَش عِنْد بن مَاجَهْ يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ فَنَعُدُّ الْمَلَائِكَةَ وَمِثْلُهُ لِلسَّرَّاجِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ فَنَعُدُّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  فَالْتَفَتَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَلَّمَهُمْ بِذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَهُوَ شَقِيقٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُولُوا لَكِنْ بَيَّنَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ الْمَحَلَّ الَّذِي خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ فِيهِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ أَيْضًا فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ التَّسْلِيمَ عَلَى اللَّهِ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ عَكْسُ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فَإِنَّ كُلَّ سَلَامٍ وَرَحْمَةٍ لَهُ وَمِنْهُ وَهُوَ مَالِكُهَا وَمُعْطِيهَا.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ وَجْهُ النَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ بِالْمَسَائِلِ الْمُتَعَالِي عَنِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ فَكَيْفَ يُدْعَى لَهُ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ عَلَى الْحَالَاتِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ ذُو السَّلَامِ فَلَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ السَّلَامَ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَمَرْجِعُ الْأَمْرِ فِي إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ ذُو السَّلَامِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعَيْبٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُهَا إِلَى حَظِّ الْعَبْدِ فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنَ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْمَهَالِكِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي السَّالِمَ مِنَ النَّقَائِصِ وَيُقَالُ الْمُسلم أَوْلِيَاء وَقيل الْمُسلم عَلَيْهِم قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ إِلَى الْخَلْقِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى السَّلَامَةِ وَغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ بَيَّنَ حَفْصٌ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مَحَلَّ الْقَوْلِ وَلَفْظُهُ فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورَةِ إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ فَقَالَ إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقُولُوا فِي كُلِّ جَلْسَةٍ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا وَزَادَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي أَوَّلِهِ وَأَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنَنِيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ من طَرِيق أبي معمر عَن بن مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فَلْيَقُلْ عَلَى الْوُجُوبِ خِلَافًا لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَمَالِكٍ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَنْدُوبٌ وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ فسبح باسم رَبك الْعَظِيم اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ الْحَدِيثَ فَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَتُهُ الْوُجُوبُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى وَفِي دَعْوَى هَذَا الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَيَقُولُ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَرِوَايَةُ أَبِي الْأَحْوَصِ الْمُتَقَدِّمَةُ وَغَيْرُهَا تُقَوِّيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ قبل بِبَاب وَقد جَاءَ عَن بن مَسْعُودٍ التَّصْرِيحُ بِفَرْضِيَّةِ التَّشَهُّدِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ عَن بن مَسْعُودٍ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ .

     قَوْلُهُ  التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَمَعْنَاهَا السَّلَامُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالنَّقْصِ وَقِيلَ الْمَلِكُ.

     وَقَالَ  أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ لَيْسَتِ التَّحِيَّةُ الْمَلِكَ نَفْسَهُ لَكِنَّهَا الْكَلَامُ الَّذِي يُحَيَّا بِهِ الْمَلِكُ.

     وَقَالَ  بن قُتَيْبَةَ لَمْ يَكُنْ يُحَيَّا إِلَّا الْمَلِكُ خَاصَّةً وَكَانَ لِكُلِّ مَلِكٍ تَحِيَّةٌ تَخُصُّهُ فَلِهَذَا جُمِعَتْفَكَانَ الْمَعْنَى التَّحِيَّاتُ الَّتِي كَانُوا يُسَلِّمُونَ بِهَا عَلَى الْمُلُوكِ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْبَغَوِيُّ وَلَمْ يَكُنْ فِي تَحِيَّاتِهِمْ شَيْءٌ يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ فَلِهَذَا أُبْهِمَتْ أَلْفَاظُهَا وَاسْتُعْمِلَ مِنْهَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ فَقَالَ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ أَنْوَاعُ التَّعْظِيمِ لَهُ.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ التَّحِيَّةِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَعَانِي الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى السَّلَامِ أَنْسَبُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  وَالصَّلَوَاتُ قِيلَ الْمُرَادُ الْخَمْسُ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا وَقِيلَ الدَّعَوَاتُ وَقِيلَ الْمُرَادُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ والطيبات الصَّدقَات الْمَالِيَّة .

     قَوْلُهُ  وَالطَّيِّبَاتُ أَيْ مَا طَابَ مِنَ الْكَلَامِ وَحَسُنَ أَنْ يُثْنَى بِهِ عَلَى اللَّهِ دُونَ مَا لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ مِمَّا كَانَ الْمُلُوكُ يُحَيَّوْنَ بِهِ وَقِيلَ الطَّيِّبَاتُ ذِكْرُ اللَّهِ وَقِيلَ الْأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ كَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَهُوَ أَعم قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِذَا حُمِلَ التَّحِيَّةُ عَلَى السَّلَامِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ التَّحِيَّاتُ الَّتِي تُعَظَّمُ بِهَا الْمُلُوكُ مُسْتَمِرَّةٌ لِلَّهِ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْبَقَاءِ فَلَا شَكَّ فِي اخْتِصَاصِ اللَّهِ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمُلْكُ الْحَقِيقِيُّ وَالْعَظَمَةُ التَّامَّةُ وَإِذَا حُمِلَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْعَهْدِ أَوِ الْجِنْسِ كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّهَا لِلَّهِ وَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا غَيْرُهُ وَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى الرَّحْمَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ لِلَّهِ أَنَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا لِأَنَّ الرَّحْمَةَ التَّامَّةَ لِلَّهِ يُؤْتِيهَا مَنْ يَشَاءُ وَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى الدُّعَاءِ فَظَاهِرٌ.

.
وَأَمَّا الطَّيِّبَاتُ فَقَدْ فُسِّرَتْ بِالْأَقْوَالِ وَلَعَلَّ تَفْسِيرَهَا بِمَا هُوَ أَعَمُّ أَوْلَى فَتَشْمَلُ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالْأَوْصَافَ وَطِيبُهَا كَوْنُهَا كَامِلَةً خَالِصَةً عَنِ الشَّوَائِبِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ .

     قَوْلُهُ  لِلَّهِ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ إِلَّا لِلَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ مَلِكَ الْمُلُوكِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ كُلَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ عَطْفًا عَلَى التَّحِيَّاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالطَّيِّبَاتُ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا وَالْوَاوُ الْأُولَى لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالثَّانِيَةُ لعطف الْمُفْرد على الْجُمْلَة.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ إِنْ جُعِلَتِ التَّحِيَّاتُ مُبْتَدَأً وَلَمْ تَكُنْ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ كَانَ قَوْلُكَ وَالصَّلَوَاتُ مُبْتَدَأً لِئَلَّا يُعْطَفَ نَعْتٌ عَلَى مَنْعُوتِهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُمَلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَكُلُّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِفَائِدَتِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ عِنْدَ إِسْقَاطِ الْوَاوِ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ أَيِ السَّلَامُ حَذْفُ اللَّامِ وَإِثْبَاتُهَا وَالْإِثْبَاتُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ.

.

قُلْتُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ بِحَذْفِ اللَّامِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ قَالَ الطِّيبِيُّ أَصْلُ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ سَلَامًا عَلَيْكَ ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ وَأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مَقَامَهُ وَعُدِلَ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَعْنَى وَاسْتِقْرَارِهِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ إِمَّا لِلْعَهْدِ التَّقْدِيرِيِّ أَيْ ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الْأُمَمِ السَّالِفَةِ عَلَيْنَا وَعَلَى إِخْوَانِنَا وَإِمَّا لِلْجِنْسِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَقِيقَةَ السَّلَامِ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ وَعَمَّنْ يَصْدُرُ وَعَلَى مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْكَ وَعَلَيْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَلَامٌ على عباده الَّذين اصْطفى قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ التَّقَادِيرَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ النَّكِرَةِ انْتَهَى وَحَكَى صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ وَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ عَلَّمَهُمْ أَنْ يُفْرِدُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَمَزِيدِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَّمَهُمْ أَنْ يُخَصِّصُوا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا لِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِهَا أَهَمُّ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِتَعْمِيمِ السَّلَامِ عَلَى الصَّالِحِينَ إِعْلَامًا مِنْهُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لَهُمْ.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّالسَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ كَالْمَقَامِ وَالْمَقَامَةِ وَالسَّلَامُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وُضِعَ الْمَصْدَرُ مَوْضِعَ الِاسْمِ مُبَالَغَةً وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَالِمٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَآفَةٍ وَنَقْصٍ وَفَسَادٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا السَّلَامُ عَلَيْكَ الدُّعَاءُ أَيْ سَلِمْتَ مِنَ الْمَكَارِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكَ كَأَنَّهُ تَبَرَّكَ عَلَيْهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شُرِعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ خِطَابُ بَشَرٍ مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْغَيْبَةِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ فَيَنْتَقِلُ مِنْ تَحِيَّةِ اللَّهِ إِلَى تَحِيَّةِ النَّبِيِّ ثُمَّ إِلَى تَحِيَّةِ النَّفْسِ ثُمَّ إِلَى الصَّالِحِينَ أَجَابَ الطِّيبِيُّ بِمَا مُحَصَّلُهُ نَحْنُ نَتَّبِعُ لَفْظَ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ عَلَّمَهُ الصَّحَابَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَلَى طَرِيقِ أَهْلِ الْعِرْفَانِ إِنَّ الْمُصَلِّينَ لَمَّا اسْتَفْتَحُوا بَابَ الْمَلَكُوتِ بِالتَّحِيَّاتِ أُذِنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي حَرِيمِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ فَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمْ بِالْمُنَاجَاةِ فَنُبِّهُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ فَالْتَفَتُوا فَإِذَا الْحَبِيبُ فِي حَرَمِ الْحَبِيبِ حَاضِرٌ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ قَائِلِينَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ اه وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ هَذَا مَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ.

.
وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَهُوَ مِمَّا يُخْدَشُ فِي وَجْهِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ فَفِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ عَن بن مَسْعُودٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ قَالَ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ كَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالسَّرَّاجُ وَالْجَوْزَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ بِحَذْفِ لَفْظِ يَعْنِي وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَوَانَةَ وَحْدَهُ إِنْ صَحَّ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي السَّلَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيُقَالُ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ.

.

قُلْتُ قَدْ صَحَّ بِلَا رَيْبٍ وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مُتَابِعًا قَوِيًّا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمهمْ التَّشَهُّد فَذكره قَالَ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِي إِذْ كَانَ حَيا فَقَالَ بن مَسْعُودٍ هَكَذَا عَلَّمَنَا وَهَكَذَا نُعَلِّمُ فَظَاهِرٌ أَنَّ بن عَبَّاس قَالَه بحثا وَأَن بن مَسْعُودٍ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي مَعْمَرٍ أَصَحُّ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ عَدَلَ عَنِ الْوَصْفِ بِالرِّسَالَةِ إِلَى الْوَصْفِ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ الْوَصْفَ بِالرِّسَالَةِ أَعَمُّ فِي حَقِّ الْبَشَرِ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الْوَصْفَيْنِ لِكَوْنِهِ وَصَفَهُ بِالرِّسَالَةِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ الْبَشَرِيُّ يَسْتَلْزِمُ النُّبُوَّةَ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِهِمَا أَبْلَغُ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْوَصْفِ بِالنُّبُوَّةِ أَنَّهَا كَذَا وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ لِنُزُولِ قَوْله تَعَالَى اقْرَأ باسم رَبك قَبْلَ قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَيْ إِحْسَانُهُ وَبَرَكَاتُهُ أَيْ زِيَادَتُهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَيْنَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبَدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ مُصَحَّحًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ وَمِنْهُ قَوْلُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ .

     قَوْلُهُ  عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الصَّالِحِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلْقُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ عَبْدًا صَالِحًا وَإِلَّا حُرِمَ هَذَا الْفَضْلُ الْعَظِيمُ.

     وَقَالَ  الْفَاكِهَانِيُّ يَنْبَغِيلِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي لِيَتَوَافَقَ لَفْظُهُ مَعَ قَصْدِهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَيْ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَهُوَ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ الصَّالِحِينَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ إِلَخْ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَّ الْمَلَائِكَةِ وَاحِدًا وَاحِدًا وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُمْ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فَعَلَّمَهُمْ لَفْظًا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مَعَ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَغَيْرِهِمْ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَة بقول بن مَسْعُودٍ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ سِيَاقُ التَّشَهُّدِ مُتَوَالِيًا وَتَأْخِيرُ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ بَعْدُ وَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ وَالْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَعُمُّ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ثُمَّ قَالَ أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمْعَ التَّكْسِيرِ لِلْعُمُومِ وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَظَرٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ على أَن للْعُمُوم صِيغَة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَنَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَتَصَرُّفَاتِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادٍ لَا تُحْصَى لَا لِلِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالشَّكُّ فِيهِ مِنْ مُسَدَّدٍ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ مِنْ أهل السَّمَاء وَالْأَرْض أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله زَاد بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَوْقُوفِ فِي الْمُوَطَّأ وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إِلَّا أَنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيح عَن بن عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله قَالَ بن عُمَرَ زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْوَقْفُ .

     قَوْلُهُ  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدة وَرَسُوله لم تخْتَلف الطّرق عَن بن مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثِ أبي مُوسَى وبن عمر وَعَائِشَة الْمَذْكُور وَجَابِر وبن الزُّبَيْرِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ التَّشَهُّدَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَعَبْدُهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَقَدْ كُنْتُ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ أَكُونَ رَسُولًا قُلْ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَات إِلَّا أَنه مُرْسل وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَ وَأَشْهَدُ وَرَوَاهُ بن ماجة بِلَفْظ بن مَسْعُود قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث بن مَسْعُودٍ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي التَّشَهُّدِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بعدهمْ قَالَ وَذهب الشَّافِعِي إِلَى حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي التَّشَهُّدِ.

     وَقَالَ  الْبَزَّارُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ هُوَ عِنْدِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مِنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقًا ثُمَّ سَرَدَ أَكْثَرَهَا.

     وَقَالَ  لَا أَعْلَمُ فِي التَّشَهُّدِ أَثْبَتَ مِنْهُ وَلَا أَصَحَّ أَسَانِيدَ وَلَا أَشْهَرَ رِجَالًا اه وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَمِنْ رُجْحَانِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ مِنَ الثِّقَاتِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَلْفَاظِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْقِينًا فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ قَالَ أَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنَنِيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْهُ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَسَاقه بِلَفْظ بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ هَذَا الْأَخِيرُ ثَبَتَ مثله فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍوَرُجِّحَ أَيْضًا بِثُبُوتِ الْوَاوِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَتَكُونُ كُلُّ جُمْلَةٍ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِ مَا إِذَا حُذِفَتْ فَإِنَّهَا تَكُونُ صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا وَتَعَدُّدُ الثَّنَاءِ فِي الْأَوَّلِ صَرِيحٌ فَيَكُونُ أَوْلَى وَلَوْ قِيلَ إِنَّ الْوَاوَ مُقَدَّرَةٌ فِي الثَّانِي وَرُجِّحَ بِأَنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُجَرّد حِكَايَة وَلأَحْمَد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَزِيَّتِهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ رَوَيْتُ أَحَادِيثَ فِي التَّشَهُّدِ مُخْتَلِفَةً وَكَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيَّ لِأَنَّهُ أَكْمَلُهَا.

     وَقَالَ  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ اخْتِيَارِهِ تَشَهُّدَ بن عَبَّاس لما رَأَيْته وَاسِعًا وسمعته عَن بن عَبَّاسٍ صَحِيحًا كَانَ عِنْدِي أَجْمَعَ وَأَكْثَرَ لَفْظًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَخَذْتُ بِهِ غَيْرَ مُعَنِّفٍ لِمَنْ يَأْخُذُ بِغَيْرِهِ مِمَّا صَحَّ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهِ مُنَاسِبًا لِلَفْظِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَحِيَّةً من عِنْد الله مباركة طيبَة وَأما من رَجحه بِكَوْن بن عَبَّاسٍ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ أَضْبَطَ لِمَا رَوَى أَوْ بِأَنَّهُ أَفْقَهُ مَنْ رَوَاهُ أَوْ يكون إِسْنَاد حَدِيثه حجازيا وَإسْنَاد بن مَسْعُودٍ كُوفِيًّا وَهُوَ مِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ فَلَا طَائِلَ فِيهِ لِمَنْ أَنْصَفَ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَال إِن الزِّيَادَة الَّتِي فِي حَدِيث بن عَبَّاس وَهِي المباركات لَا تنافى رِوَايَة بن مَسْعُودٍ وَرُجِّحَ الْأَخْذُ بِهَا لِكَوْنِ أَخْذِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْأَخِيرِ وَقَدِ اخْتَارَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ تَشَهُّدَ عُمَرَ لِكَوْنِهِ عَلَّمَهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ ينكروه فَيكون إِجْمَاعًا وَلَفظه نَحْو حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ الزَّاكِيَاتُ بَدَلَ الْمُبَارَكَاتُ وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى الشَّافِعِيِّ زِيَادَةَ بِسم الله فِي أول التَّشَهُّد وَوَقع ذَاك فِي رِوَايَةِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ الَّتِي أَخْرَجَهَا مَالِكٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَثَبَتَ فِي الْمُوَطَّأ أَيْضا عَن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَوَقَعَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَرْفُوعِ تَفَرَّدَ بِهِ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ بِالنُّونِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَحَكَمَ الْحُفَّاظُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إِسْنَادِهِ وَأَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوس وَغَيره عَن بن عَبَّاسٍ وَفِي الْجُمْلَةِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَيْهَا مَنِ اسْتَحَبَّ أَوْ أَبَاحَ التَّسْمِيَةَ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَضُعِّفَ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا أَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَرْفُوعِ فِي التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الْحَدِيثَ كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ بِسَنَدِهِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ هَذِهِ وَقَدْ أنكر بن مَسْعُود وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَنْ زَادَهَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ لَكِنَّ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ كَابْنِ الْمُنْذِرِ إِلَى اخْتِيَارِ تَشَهُّدِ بن مَسْعُودٍ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ كَابْنِ خُزَيْمَةَ إِلَى عَدَمِ التَّرْجِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ التَّشَهُّدَ مُطْلَقًا غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ بِخِلَافِ مَا يُوجَدُ عَنْهُمْ فِي كُتُبِ مُخَالِفِيهِمْ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لَكِنْ قَالَ لَوْ لَمْ يَزِدْ رَجُلٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِلَخْ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةً هَذَا لَفْظُهُ فِي الْأُمِّ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ.

.
وَأَمَّا أَقَلُّ التَّشَهُّدِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إِلَى أَنَّهُ فَذَكَرَهُ لَكِنَّهُ قَالَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَنَقله بن كَجٍّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ فَقَالَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ أَسْقَطَا وَبَرَكَاتُهُ اه وَقَدِ اسْتُشْكِلَ جَوَازُ حَذْفِ الصَّلَوَاتِ مَعَ ثُبُوتِهَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَلِكَ الطَّيِّبَاتُ مَعَ جَزْمِ جَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْمُقْتَصَرَعَلَيْهِ هُوَ الثَّابِتُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ وَجَّهَ الْحَذْفَ بِكَوْنِهِمَا صِفَتَيْنِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر من سِيَاق بن عَبَّاسٍ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَحْثِ فِي ثُبُوتِ الْعَطْفِ فِيهِمَا فِي سِيَاقِ غَيْرِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَائِدَةٌ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ يَضُرُّ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَيَكُونُ مُقَصِّرًا بِخِدْمَةِ اللَّهِ وَفِي حَقِّ رَسُولِهِ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِذَلِكَ عُظِّمَتِ الْمَعْصِيَةُ بِتَرْكِهَا وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ حَقًّا لِلْعِبَادِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهَا أَخَلَّ بِحَقِّ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ مَضَى وَمَنْ يَجِيءُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِوُجُوبِ قَوْلِهِ فِيهَا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ خَلَفٌ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ الْبَابِ فِي التَّشَهُّدِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ وَحَمَّادٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سُلَيْمَانَ.

     وَقَالَ  أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِيمَا أَرَى اه وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا هُنَا لَا عَنْ قَبِيصَةَ وَلَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سَيْفٍ نَعَمْ هُوَ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَالله أعلم ( قَولُهُ بَابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ) أَيْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ هَذَا الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ تَرْتِيبِهِ لَكِنْ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ لَا تَقْيِيدَ فِيهِ بِمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ ذِكْرًا مَخْصُوصًا فَتَعَيَّنَ أَنْ( قَولُهُ بَابُ التَّشَهُّدِ فِي الْأُولَى أَيِ الْجِلْسَةُ الْأُولَى مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ الْأُولَى لِبَيَانِ عَدَمِ وُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِيَةَ لِبَيَانِ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَيْ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ أَعَمُّ مِنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوب

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [831] حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ.
فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ -فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ".
[الحديث أطرافه في: 835، 1202، 6230، 6265، 6328، 7381] .
وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين ( قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( عن شقيق بن سلمة) هو أبو وائل ( قال: قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه ( كنّا إذا صلَّينا خلف النبيّ) ولأبي ذر والأصيلي: خلف رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في رواية أبي داود عن مسدد: إذا جلسنا، ( قلنا) : السلام على الله من عباده، ( السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان) زاد في رواية عبدِ الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجة: يعنون الملائكة.
والأظهر كما قاله أبو عبد الله الأبّي، أن هذا كان استحسانًا منهم، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يسمعه إلاّ حين أنكره عليهم.
قال: ووجه الإنكار عدم استقامة المعنى، لأنه عكس ما يجب أن يقال، كما يأتي قريبًا إن شاء الله.
وقوله: كنا، ليس من قبيل المرفوع، حتى يكون منسوخًا بقوله: إن الله هو السلام لأن النسخ إنما يكون فيما يصح معناه، وليس تكرر ذلك منهم مظنة سماعه له منهم، لأنه في التشهد، والتشهد سرّ.
( فالتفت إلينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) : ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام كلمهم في أثناء الصلاة، لكن في رواية حفص بن غياث، أنه بعد الفراغ من الصلاة ولفظه: فلما انصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلاة، قال: ( إن الله هو السلام) أي أنه اسم من أسمائه تعالى، ومعناه السالم من سمات الحدوث، أو المسلم عباده من المهالك، أو المسلم عباده في الجنة أو أن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكهما ومعطيهما، فكيف يدعى له بهما وهو المدعو؟ وقال ابن الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة، وغناه سبحانه عنها، ( فإذا صلّى أحدكم) قال ابن رشيد: أي أتمّ صلاته، لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام، فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه الأقرب إلى الحقيقة.
وقال العيني: أي إذا أتم صلاته بالجلوس في آخرها، فليقل وفي رواية حفص بن غياث فإذا جلس أحدكم في الصلاة ( فليقل) بصيغة الأمر المقتضية للوجوب، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني بإسناد صحيح: وكنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد ( التحيات لله) جمع تحية وهو السلام أو البقاء، أو الملك، أو السلامة من الآفات، أو العظمة أي أنواع التعظيم له، وجمع لأن الملوك كان كل واحد منهم يحييه أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل: جميعها لله وهو المستحق لها حقيقة، ( والصلوات) أي الخمس واجبة لله، لا يجوز أن يقصد بها غيره، أو هو إخبار عن قصد إخلاصنا له تعالى، أو العبادات كلها، أو الرحمة، لأنه المتفضل بها ( والطيبات) التي يصلح أن يثني على الله بها دون ما لا يليق به، أو ذكر الله أو الأقوال الصالحة.
أو التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: العبادات المالية.
وأتى بالصلوات والطيبات منسوقًا بالواو لعطفه على التحيات، أو أن الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوف عليها، فالأولى عطف الجملة على الجملة والثانية عطف المفرد على الجملة، قاله البيضاوي.
وقال ابن مالك: إذا جعلت التحيات مبتدأ، أو لم تكن صفة لموصوف محذوف، كان قولك: والصلوات، مبتدأ، لئلا يعطف نعت على منعوته، فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل جملة مستقلة بفائدتها.
وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو.
وقال العيني: كل واحد من الصلوات والطيبات مبتدأ حذف خبره، أي الصلوات لله، والطيبات لله، فالجملتان معطوفتان على الأولى وهي: التحيات لله .. ( السلام) أي: السلامة من المكاره، أو السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء، أو الذي سلمه الله عليك ليلة المعراج ( عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .
فأل للعهد التقريري، أو المراد حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد عمّن يصدر، وعلى من ينزل، فتكون أل للجنس أو هي للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: { وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] .
وأصل سلام عليك:سلمت سلامًا، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره.
وإنما قال: عليك، فعدل عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة يقتضيه السياق لأنه إتباع لفظ الرسول بعينه حين علم الحاضرين من أصحابه وأمرهم أن يفردوه بالسلام عليه لشرفه ومزيد حقه.
( السلام) الذي وجه إلى الأمم السالفة من الصلحاء ( علينا) يريد به المصلي نفسه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة ( وعلى عباد الله الصالحين) القائمين بما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وهو عموم بعد خصوص.
وجوّز النووي، رحمه الله، حذف اللام من السلام في الموضعين، قال: والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين.
اهـ.
وتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس، وهو من أفراد مسلم.
( فإنكم إذا قلتموها) أي قوله: وعلى عباد الله الصالحين ( أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض) جملة اعتراض بين قوله: الصالحين وتاليها الآتي، فائدة الإتيان بها الاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عدّ الملائكة واحدًا واحدًا، ولا يمكن استيفاؤهم.
وفيه أن الجمع المحلى بالألف واللام للعموم، وأن له صيغًا، وهذه منها.
قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب، وتصرفات ألفاظ الكتاب والسُّنّة.
اهـ وفيه خلاف عند أهل الأصول.
( أشهد أن لا إله إلاّ الله) زاد ابن أبي شيبة: وحده لا شريك له.
وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ ( وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) بالإضافة إلى الضمير.
وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السُّنن: وأشهد أن محمدًا رسول الله بالإضافة إلى الظاهر وهو الذي رجّحه الشيخان الرافعي والنووي، وأن الإضافة للضمير لا تكفي.
لكن المختار أنه يجوز: ورسوله.
لما ثبت في مسلم، رواه البخاري هنا.
وحديث التشهد روي عن جماعة من الصحابة منهم: ابن مسعود رضي الله عنه، رواه المؤلّف والباقون، ولفظ مسلم: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التشهد، كفى بين كفيه، كما يعلمنا السورة من القرآن، فقال: "إذا قعد أحدكم فليقل: إلخ.
وزاد في غير الترمذي وابن ماجة: "وليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به"، واختاره أبو حنيفة وأحمد والجمهور لأنه أصح ما في الباب، واتفق عليه الشيخان قال النووي: إنه أشدها صحة باتفاق المحدثين، وروي من نيف وعشرين طريقًا وثبتت فيه الواو بين الجملتين، وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتكون كل جملة ثناء مستقلاً بخلاف غيرها من الروايات، فإنها ساقطة وسقوطها يصيرها صفة لما قبلها، ولأن السلام فيه معرّف وفي غيره منكر، والمعرّف أعمّ.
ومنهم ابن عباس عند الجماعة إلا البخاري ولفظه: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: "التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله.
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله".
واختاره الإمام الشافعي، رحمه الله، لزيادة لفظ: المباركات فيه.
وهي موافقة لقوله تعالى: { تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] .
وأجيب: بأن الزيادة مختلف فيها، وحديث ابن مسعود متفق عليه.
ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رواه الطحاوي عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه سمع عمر بن الخطاب يعلم الناس التشهد على المنبر، وهو يقول: "التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
واختاره ابن مالك.
لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد، فدلّ على تفضيله وتعقب بأنه موقوف، فلا يلحق بالمرفوع.
وأجيب بأن ابن مردويه رواه في كتاب التشهد مرفوعًا.
ومنهم ابن عمر، عند أبي داود والطبراني في الكبير.
ومنهم عائشة عند البيهقي.
ومنهم جابر بن عبد الله عند النسائي، وابن ماجة، والترمذي في العلل، ولفظه كانرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: "بسم الله، وبالله، التحيات لله ...
إلخ".
وصححه الحاكم، لكن ضعفه البخاري والترمذي والنسائي والبيهقي، كما قاله النووي في الخلاصة.
ومنهم أبو سعيد الخدري عند الطحاوي.
ومنهم أبو موسى الأشعري عند مسلم، وأبي داود، والنسائي.
ومنهم سلمان الفارسي عند البزار.
ومذهب الشافعي أن التشهد الأول سنة، والثاني واجب، وقال أبو حنيفة ومالك: سنتان.
وقال أحمد: الأول واجب يجبر تركه بالسجود، والثاني ركن تبطل الصلاة بتركه.
ورواة حديث الباب ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
149 - باب الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلاَمِ ( باب الدعاء) بعد التشهد ( قبل السلام) وللأصيلي: قبل التسليم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ التَّشَهُّدِ فِي الْآخِرَةِ)
أَيِ الْجِلْسَةِ الْآخِرَة قَالَ بن رَشِيدٍ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَعْيِينُ مَحَلِّ الْقَوْلِ لَكِنْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ

[ قــ :809 ... غــ :831] قَوْلِهِ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ إِذَا صَلَّى أَيْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ لَكِنْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ لَا يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَمَّا تَعَيَّنَ الْمَجَازُ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ.

.

قُلْتُ وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ السَّلَامَ جُزْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ لَا أَنَّهُ لِلتَّحَلُّلِ مِنْهَا فَقَطْ وَالْأَشْبَهُ بِتَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ تَعْيِينِ مَحَلِّ الْقَوْلِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  عَنْ شَقِيقٍ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ عَنِ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ إِذَا جَلَسْنَا وَمِثْلُهُ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ يَحْيَى وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَلِابْنِ إِسْحَاقَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ نَحْوُهُ .

     قَوْلُهُ  قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِصَارٌ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ كَذَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِيهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ قَبْلَ عِبَادِهِ وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتَبَيَّنُ مَوْقِعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ الْأَعْمَش عِنْد بن مَاجَهْ يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ فَنَعُدُّ الْمَلَائِكَةَ وَمِثْلُهُ لِلسَّرَّاجِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ فَنَعُدُّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  فَالْتَفَتَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَلَّمَهُمْ بِذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَهُوَ شَقِيقٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُولُوا لَكِنْ بَيَّنَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ الْمَحَلَّ الَّذِي خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ فِيهِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ أَيْضًا فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ التَّسْلِيمَ عَلَى اللَّهِ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ عَكْسُ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فَإِنَّ كُلَّ سَلَامٍ وَرَحْمَةٍ لَهُ وَمِنْهُ وَهُوَ مَالِكُهَا وَمُعْطِيهَا.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ وَجْهُ النَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ بِالْمَسَائِلِ الْمُتَعَالِي عَنِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ فَكَيْفَ يُدْعَى لَهُ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ عَلَى الْحَالَاتِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ ذُو السَّلَامِ فَلَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ السَّلَامَ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَمَرْجِعُ الْأَمْرِ فِي إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ ذُو السَّلَامِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعَيْبٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُهَا إِلَى حَظِّ الْعَبْدِ فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنَ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْمَهَالِكِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي السَّالِمَ مِنَ النَّقَائِصِ وَيُقَالُ الْمُسلم أَوْلِيَاء وَقيل الْمُسلم عَلَيْهِم قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ إِلَى الْخَلْقِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى السَّلَامَةِ وَغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ بَيَّنَ حَفْصٌ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مَحَلَّ الْقَوْلِ وَلَفْظُهُ فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورَةِ إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ فَقَالَ إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقُولُوا فِي كُلِّ جَلْسَةٍ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا وَزَادَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي أَوَّلِهِ وَأَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنَنِيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ من طَرِيق أبي معمر عَن بن مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فَلْيَقُلْ عَلَى الْوُجُوبِ خِلَافًا لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَمَالِكٍ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَنْدُوبٌ وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ فسبح باسم رَبك الْعَظِيم اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ الْحَدِيثَ فَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَتُهُ الْوُجُوبُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى وَفِي دَعْوَى هَذَا الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَيَقُولُ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَرِوَايَةُ أَبِي الْأَحْوَصِ الْمُتَقَدِّمَةُ وَغَيْرُهَا تُقَوِّيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ قبل بِبَاب وَقد جَاءَ عَن بن مَسْعُودٍ التَّصْرِيحُ بِفَرْضِيَّةِ التَّشَهُّدِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ عَن بن مَسْعُودٍ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ .

     قَوْلُهُ  التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَمَعْنَاهَا السَّلَامُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالنَّقْصِ وَقِيلَ الْمَلِكُ.

     وَقَالَ  أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ لَيْسَتِ التَّحِيَّةُ الْمَلِكَ نَفْسَهُ لَكِنَّهَا الْكَلَامُ الَّذِي يُحَيَّا بِهِ الْمَلِكُ.

     وَقَالَ  بن قُتَيْبَةَ لَمْ يَكُنْ يُحَيَّا إِلَّا الْمَلِكُ خَاصَّةً وَكَانَ لِكُلِّ مَلِكٍ تَحِيَّةٌ تَخُصُّهُ فَلِهَذَا جُمِعَتْ فَكَانَ الْمَعْنَى التَّحِيَّاتُ الَّتِي كَانُوا يُسَلِّمُونَ بِهَا عَلَى الْمُلُوكِ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْبَغَوِيُّ وَلَمْ يَكُنْ فِي تَحِيَّاتِهِمْ شَيْءٌ يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ فَلِهَذَا أُبْهِمَتْ أَلْفَاظُهَا وَاسْتُعْمِلَ مِنْهَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ فَقَالَ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ أَنْوَاعُ التَّعْظِيمِ لَهُ.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ التَّحِيَّةِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَعَانِي الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى السَّلَامِ أَنْسَبُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  وَالصَّلَوَاتُ قِيلَ الْمُرَادُ الْخَمْسُ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا وَقِيلَ الدَّعَوَاتُ وَقِيلَ الْمُرَادُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ والطيبات الصَّدقَات الْمَالِيَّة .

     قَوْلُهُ  وَالطَّيِّبَاتُ أَيْ مَا طَابَ مِنَ الْكَلَامِ وَحَسُنَ أَنْ يُثْنَى بِهِ عَلَى اللَّهِ دُونَ مَا لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ مِمَّا كَانَ الْمُلُوكُ يُحَيَّوْنَ بِهِ وَقِيلَ الطَّيِّبَاتُ ذِكْرُ اللَّهِ وَقِيلَ الْأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ كَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَهُوَ أَعم قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِذَا حُمِلَ التَّحِيَّةُ عَلَى السَّلَامِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ التَّحِيَّاتُ الَّتِي تُعَظَّمُ بِهَا الْمُلُوكُ مُسْتَمِرَّةٌ لِلَّهِ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْبَقَاءِ فَلَا شَكَّ فِي اخْتِصَاصِ اللَّهِ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمُلْكُ الْحَقِيقِيُّ وَالْعَظَمَةُ التَّامَّةُ وَإِذَا حُمِلَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْعَهْدِ أَوِ الْجِنْسِ كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّهَا لِلَّهِ وَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا غَيْرُهُ وَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى الرَّحْمَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ لِلَّهِ أَنَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا لِأَنَّ الرَّحْمَةَ التَّامَّةَ لِلَّهِ يُؤْتِيهَا مَنْ يَشَاءُ وَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى الدُّعَاءِ فَظَاهِرٌ.

.
وَأَمَّا الطَّيِّبَاتُ فَقَدْ فُسِّرَتْ بِالْأَقْوَالِ وَلَعَلَّ تَفْسِيرَهَا بِمَا هُوَ أَعَمُّ أَوْلَى فَتَشْمَلُ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالْأَوْصَافَ وَطِيبُهَا كَوْنُهَا كَامِلَةً خَالِصَةً عَنِ الشَّوَائِبِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ .

     قَوْلُهُ  لِلَّهِ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ إِلَّا لِلَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ مَلِكَ الْمُلُوكِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ كُلَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ عَطْفًا عَلَى التَّحِيَّاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالطَّيِّبَاتُ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا وَالْوَاوُ الْأُولَى لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالثَّانِيَةُ لعطف الْمُفْرد على الْجُمْلَة.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ إِنْ جُعِلَتِ التَّحِيَّاتُ مُبْتَدَأً وَلَمْ تَكُنْ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ كَانَ قَوْلُكَ وَالصَّلَوَاتُ مُبْتَدَأً لِئَلَّا يُعْطَفَ نَعْتٌ عَلَى مَنْعُوتِهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُمَلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَكُلُّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِفَائِدَتِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ عِنْدَ إِسْقَاطِ الْوَاوِ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ أَيِ السَّلَامُ حَذْفُ اللَّامِ وَإِثْبَاتُهَا وَالْإِثْبَاتُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ.

.

قُلْتُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ بِحَذْفِ اللَّامِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ قَالَ الطِّيبِيُّ أَصْلُ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ سَلَامًا عَلَيْكَ ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ وَأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مَقَامَهُ وَعُدِلَ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَعْنَى وَاسْتِقْرَارِهِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ إِمَّا لِلْعَهْدِ التَّقْدِيرِيِّ أَيْ ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الْأُمَمِ السَّالِفَةِ عَلَيْنَا وَعَلَى إِخْوَانِنَا وَإِمَّا لِلْجِنْسِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَقِيقَةَ السَّلَامِ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ وَعَمَّنْ يَصْدُرُ وَعَلَى مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْكَ وَعَلَيْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَلَامٌ على عباده الَّذين اصْطفى قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ التَّقَادِيرَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ النَّكِرَةِ انْتَهَى وَحَكَى صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ وَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ عَلَّمَهُمْ أَنْ يُفْرِدُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَمَزِيدِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَّمَهُمْ أَنْ يُخَصِّصُوا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا لِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِهَا أَهَمُّ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِتَعْمِيمِ السَّلَامِ عَلَى الصَّالِحِينَ إِعْلَامًا مِنْهُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لَهُمْ.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ كَالْمَقَامِ وَالْمَقَامَةِ وَالسَّلَامُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وُضِعَ الْمَصْدَرُ مَوْضِعَ الِاسْمِ مُبَالَغَةً وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَالِمٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَآفَةٍ وَنَقْصٍ وَفَسَادٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا السَّلَامُ عَلَيْكَ الدُّعَاءُ أَيْ سَلِمْتَ مِنَ الْمَكَارِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكَ كَأَنَّهُ تَبَرَّكَ عَلَيْهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شُرِعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ خِطَابُ بَشَرٍ مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْغَيْبَةِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ فَيَنْتَقِلُ مِنْ تَحِيَّةِ اللَّهِ إِلَى تَحِيَّةِ النَّبِيِّ ثُمَّ إِلَى تَحِيَّةِ النَّفْسِ ثُمَّ إِلَى الصَّالِحِينَ أَجَابَ الطِّيبِيُّ بِمَا مُحَصَّلُهُ نَحْنُ نَتَّبِعُ لَفْظَ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ عَلَّمَهُ الصَّحَابَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَلَى طَرِيقِ أَهْلِ الْعِرْفَانِ إِنَّ الْمُصَلِّينَ لَمَّا اسْتَفْتَحُوا بَابَ الْمَلَكُوتِ بِالتَّحِيَّاتِ أُذِنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي حَرِيمِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ فَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمْ بِالْمُنَاجَاةِ فَنُبِّهُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ فَالْتَفَتُوا فَإِذَا الْحَبِيبُ فِي حَرَمِ الْحَبِيبِ حَاضِرٌ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ قَائِلِينَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ اه وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ هَذَا مَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ.

.
وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَهُوَ مِمَّا يُخْدَشُ فِي وَجْهِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ فَفِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ عَن بن مَسْعُودٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ قَالَ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ كَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالسَّرَّاجُ وَالْجَوْزَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ بِحَذْفِ لَفْظِ يَعْنِي وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَوَانَةَ وَحْدَهُ إِنْ صَحَّ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي السَّلَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيُقَالُ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ.

.

قُلْتُ قَدْ صَحَّ بِلَا رَيْبٍ وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مُتَابِعًا قَوِيًّا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمهمْ التَّشَهُّد فَذكره قَالَ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِي إِذْ كَانَ حَيا فَقَالَ بن مَسْعُودٍ هَكَذَا عَلَّمَنَا وَهَكَذَا نُعَلِّمُ فَظَاهِرٌ أَنَّ بن عَبَّاس قَالَه بحثا وَأَن بن مَسْعُودٍ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي مَعْمَرٍ أَصَحُّ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ عَدَلَ عَنِ الْوَصْفِ بِالرِّسَالَةِ إِلَى الْوَصْفِ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ الْوَصْفَ بِالرِّسَالَةِ أَعَمُّ فِي حَقِّ الْبَشَرِ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الْوَصْفَيْنِ لِكَوْنِهِ وَصَفَهُ بِالرِّسَالَةِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ الْبَشَرِيُّ يَسْتَلْزِمُ النُّبُوَّةَ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِهِمَا أَبْلَغُ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْوَصْفِ بِالنُّبُوَّةِ أَنَّهَا كَذَا وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ لِنُزُولِ قَوْله تَعَالَى اقْرَأ باسم رَبك قَبْلَ قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَيْ إِحْسَانُهُ وَبَرَكَاتُهُ أَيْ زِيَادَتُهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ .

     قَوْلُهُ  السَّلَامُ عَلَيْنَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبَدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ مُصَحَّحًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ وَمِنْهُ قَوْلُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ .

     قَوْلُهُ  عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الصَّالِحِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلْقُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ عَبْدًا صَالِحًا وَإِلَّا حُرِمَ هَذَا الْفَضْلُ الْعَظِيمُ.

     وَقَالَ  الْفَاكِهَانِيُّ يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي لِيَتَوَافَقَ لَفْظُهُ مَعَ قَصْدِهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَيْ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَهُوَ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ الصَّالِحِينَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ إِلَخْ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَّ الْمَلَائِكَةِ وَاحِدًا وَاحِدًا وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُمْ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فَعَلَّمَهُمْ لَفْظًا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مَعَ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَغَيْرِهِمْ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَة بقول بن مَسْعُودٍ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ سِيَاقُ التَّشَهُّدِ مُتَوَالِيًا وَتَأْخِيرُ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ بَعْدُ وَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ وَالْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَعُمُّ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ثُمَّ قَالَ أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمْعَ التَّكْسِيرِ لِلْعُمُومِ وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَظَرٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ على أَن للْعُمُوم صِيغَة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَنَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَتَصَرُّفَاتِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادٍ لَا تُحْصَى لَا لِلِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالشَّكُّ فِيهِ مِنْ مُسَدَّدٍ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ مِنْ أهل السَّمَاء وَالْأَرْض أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله زَاد بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَوْقُوفِ فِي الْمُوَطَّأ وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إِلَّا أَنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيح عَن بن عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله قَالَ بن عُمَرَ زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْوَقْفُ .

     قَوْلُهُ  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدة وَرَسُوله لم تخْتَلف الطّرق عَن بن مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثِ أبي مُوسَى وبن عمر وَعَائِشَة الْمَذْكُور وَجَابِر وبن الزُّبَيْرِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ التَّشَهُّدَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَعَبْدُهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَقَدْ كُنْتُ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ أَكُونَ رَسُولًا قُلْ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَات إِلَّا أَنه مُرْسل وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَ وَأَشْهَدُ وَرَوَاهُ بن ماجة بِلَفْظ بن مَسْعُود قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث بن مَسْعُودٍ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي التَّشَهُّدِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بعدهمْ قَالَ وَذهب الشَّافِعِي إِلَى حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي التَّشَهُّدِ.

     وَقَالَ  الْبَزَّارُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ هُوَ عِنْدِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مِنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقًا ثُمَّ سَرَدَ أَكْثَرَهَا.

     وَقَالَ  لَا أَعْلَمُ فِي التَّشَهُّدِ أَثْبَتَ مِنْهُ وَلَا أَصَحَّ أَسَانِيدَ وَلَا أَشْهَرَ رِجَالًا اه وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَمِنْ رُجْحَانِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ مِنَ الثِّقَاتِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَلْفَاظِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْقِينًا فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ قَالَ أَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنَنِيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْهُ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَسَاقه بِلَفْظ بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ هَذَا الْأَخِيرُ ثَبَتَ مثله فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَرُجِّحَ أَيْضًا بِثُبُوتِ الْوَاوِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَتَكُونُ كُلُّ جُمْلَةٍ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِ مَا إِذَا حُذِفَتْ فَإِنَّهَا تَكُونُ صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا وَتَعَدُّدُ الثَّنَاءِ فِي الْأَوَّلِ صَرِيحٌ فَيَكُونُ أَوْلَى وَلَوْ قِيلَ إِنَّ الْوَاوَ مُقَدَّرَةٌ فِي الثَّانِي وَرُجِّحَ بِأَنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُجَرّد حِكَايَة وَلأَحْمَد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَزِيَّتِهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ رَوَيْتُ أَحَادِيثَ فِي التَّشَهُّدِ مُخْتَلِفَةً وَكَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيَّ لِأَنَّهُ أَكْمَلُهَا.

     وَقَالَ  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ اخْتِيَارِهِ تَشَهُّدَ بن عَبَّاس لما رَأَيْته وَاسِعًا وسمعته عَن بن عَبَّاسٍ صَحِيحًا كَانَ عِنْدِي أَجْمَعَ وَأَكْثَرَ لَفْظًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَخَذْتُ بِهِ غَيْرَ مُعَنِّفٍ لِمَنْ يَأْخُذُ بِغَيْرِهِ مِمَّا صَحَّ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهِ مُنَاسِبًا لِلَفْظِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَحِيَّةً من عِنْد الله مباركة طيبَة وَأما من رَجحه بِكَوْن بن عَبَّاسٍ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ أَضْبَطَ لِمَا رَوَى أَوْ بِأَنَّهُ أَفْقَهُ مَنْ رَوَاهُ أَوْ يكون إِسْنَاد حَدِيثه حجازيا وَإسْنَاد بن مَسْعُودٍ كُوفِيًّا وَهُوَ مِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ فَلَا طَائِلَ فِيهِ لِمَنْ أَنْصَفَ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَال إِن الزِّيَادَة الَّتِي فِي حَدِيث بن عَبَّاس وَهِي المباركات لَا تنافى رِوَايَة بن مَسْعُودٍ وَرُجِّحَ الْأَخْذُ بِهَا لِكَوْنِ أَخْذِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْأَخِيرِ وَقَدِ اخْتَارَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ تَشَهُّدَ عُمَرَ لِكَوْنِهِ عَلَّمَهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ ينكروه فَيكون إِجْمَاعًا وَلَفظه نَحْو حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ الزَّاكِيَاتُ بَدَلَ الْمُبَارَكَاتُ وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى الشَّافِعِيِّ زِيَادَةَ بِسم الله فِي أول التَّشَهُّد وَوَقع ذَاك فِي رِوَايَةِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ الَّتِي أَخْرَجَهَا مَالِكٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَثَبَتَ فِي الْمُوَطَّأ أَيْضا عَن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَوَقَعَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَرْفُوعِ تَفَرَّدَ بِهِ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ بِالنُّونِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَحَكَمَ الْحُفَّاظُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إِسْنَادِهِ وَأَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوس وَغَيره عَن بن عَبَّاسٍ وَفِي الْجُمْلَةِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَيْهَا مَنِ اسْتَحَبَّ أَوْ أَبَاحَ التَّسْمِيَةَ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَضُعِّفَ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا أَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَرْفُوعِ فِي التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الْحَدِيثَ كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ بِسَنَدِهِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ هَذِهِ وَقَدْ أنكر بن مَسْعُود وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَنْ زَادَهَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ لَكِنَّ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ كَابْنِ الْمُنْذِرِ إِلَى اخْتِيَارِ تَشَهُّدِ بن مَسْعُودٍ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ كَابْنِ خُزَيْمَةَ إِلَى عَدَمِ التَّرْجِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ التَّشَهُّدَ مُطْلَقًا غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ بِخِلَافِ مَا يُوجَدُ عَنْهُمْ فِي كُتُبِ مُخَالِفِيهِمْ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لَكِنْ قَالَ لَوْ لَمْ يَزِدْ رَجُلٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِلَخْ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةً هَذَا لَفْظُهُ فِي الْأُمِّ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ.

.
وَأَمَّا أَقَلُّ التَّشَهُّدِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إِلَى أَنَّهُ فَذَكَرَهُ لَكِنَّهُ قَالَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَنَقله بن كَجٍّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ فَقَالَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ أَسْقَطَا وَبَرَكَاتُهُ اه وَقَدِ اسْتُشْكِلَ جَوَازُ حَذْفِ الصَّلَوَاتِ مَعَ ثُبُوتِهَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَلِكَ الطَّيِّبَاتُ مَعَ جَزْمِ جَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْمُقْتَصَرَ عَلَيْهِ هُوَ الثَّابِتُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ وَجَّهَ الْحَذْفَ بِكَوْنِهِمَا صِفَتَيْنِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر من سِيَاق بن عَبَّاسٍ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَحْثِ فِي ثُبُوتِ الْعَطْفِ فِيهِمَا فِي سِيَاقِ غَيْرِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَائِدَةٌ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ يَضُرُّ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَيَكُونُ مُقَصِّرًا بِخِدْمَةِ اللَّهِ وَفِي حَقِّ رَسُولِهِ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِذَلِكَ عُظِّمَتِ الْمَعْصِيَةُ بِتَرْكِهَا وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ حَقًّا لِلْعِبَادِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهَا أَخَلَّ بِحَقِّ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ مَضَى وَمَنْ يَجِيءُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِوُجُوبِ قَوْلِهِ فِيهَا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ خَلَفٌ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ الْبَابِ فِي التَّشَهُّدِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ وَحَمَّادٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سُلَيْمَانَ.

     وَقَالَ  أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِيمَا أَرَى اه وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا هُنَا لَا عَنْ قَبِيصَةَ وَلَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سَيْفٍ نَعَمْ هُوَ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
التشهد في الآخرة
يعني: في الجلسة الأخيرة في الصلاة
[ قــ :809 ... غــ :831 ]
- حدثنا أبو نعيم: ثنا الأعمش، عن شقيق بن سلمة، قال: قال عبد الله: كنا إذا صلينا خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلنا: السلام على جبريل ومكائيل، السلام على فلان السلام على فلان، فالتفت إلينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((إن الله هو السلام)) فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله عز وجل صالح في السماء وإلا رض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) .

وإنما خص البخاري هذا الحديث بالتشهد الأخير.
لأنه روي في آخره الأمر بالتخيير من الدعاء، كما سيأتي، والدعاء يختص بالأخير، ولكن المراد بالتشهد الأخير: كل تشهد يسلم منه، سواء كان تشهد آخر أم لا.

وخرج الإمام أحمد والنسائي حديث ابن مسعود بلفظ آخر وهو: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله)) - فذكره وقال في آخره:
((ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فليدع به ربه عز وجل)) .

وهذا اللفظ صريح في أنه يتشهد بهذا التشهد في كل ركعتين يسلم منهما.

وخرّجه الترمذي والنسائي - أيضاً بلفظ آخر وهو: علمنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قعدنا في الركعتين أن نقول: ((التحيات لله)) - فذكره، ولم يذكر بعده الدعاء.
وخرّجه الإمام أحمد بلفظ، وهو: علمني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها - وذكر الحديث، وقد سبق ذكر إسناده، وقال في آخره: ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها، دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم.

وهذه الرواية صريحة في أنه يتشهد به في التشهد الأول وإلاخر.
وخرّجه النسائي بلفظ آخر، وهو: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لهم: ((قولوا في كل جلسة: التحيات لله)) - فذكره.

وهذا يشمل الجلوس الأول والثاني.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أن الله هو السلام)) إنما قاله نهياً لهم على أن يقولوا: ((السلام على الله من عباده)) ، وكانوا يقولون ذلك، ثم يسلمون على جبريل وميكائيل وغيرهما.

وقد خرّج البخاري في رواية أخرى، يأتي ذكرهما - إن شاء الله تعالى ولم يأمرهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإعادة الصلوات التي قالوا فيها ذلك، واستدل بذلك على أن كلام الجاهل لا يبطل الصلاة؛ فإن هذا الكلام منهيٌ عنه في الصلاة وغيرها؛ فإن الله تعالى هو السلام؛ لأنه القدوس بالمبدأ من الآفات والنقائص كلها، وذلك واجب له لذاته، ومنه يطلب السلامة لعباده؛ فإنهم محتاجون إلى السلامة من عقابه وسخطه وعذابه.

وفي قولهم هذا الكلام قبل أن يعلموا التحيات: دليل على أنهم رأوا أن المنصرف من صلاته لا ينصرف حتى يحيي الله تعالى وخواص عباده بعده، ثم ينصرف، ثم يسلم؛ لأن المصلي يناجي ربه ما دام يصلي، فلا ينصرف حتى يختم مناجاته بتحية تليق به، ثم يحيي خواص خلقه، ثم يدعو لنفسه، ثم يسلم على الحاضرين معه، ثم ينصرف.
وقد أقرهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما قصدوه من ذلك، لكنه أمرهم أن يبدلوا قولهم:
((السلام على الله)) ، بقولهم: ((التحيات لله)) .
والتحيات: جمع تحية، وفسرت التحية بالملك، وفسرت بالبقاء والدوام وفسرت بالسلامة؛ والمعنى: أن السلامة من الآفات ثابت لله، واجب له لذاته.

وفسرت بالعظمة، وقيل: إنها تجمع ذلك كله، وما كان بمعناه، وهو أحسن.

قال ابن قتيبة: إنما قيل ((التحيات)) بالجمع؛ لأنه كان لكل واحد من ملوكهم تحية يحيا بها، فقيل لهم: ((قولوا: التحيات لله)) أي: أن ذلك يستحقه الله وحده.

وقوله: ((والصلوات)) فسرت بالعبادات جميعها، وقد روي عن طائفة من المتقدمين: أن جميع الطاعات صلاة، وفسرت الصلوات هاهنا بالدعاء، وفسرت بالرحمة، وفسرت بالصلوات الشرعية، فيكون ختام الصلاة بهده الكلمة كاستفتاحها بقول: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] وقوله: ((والطيبات)) ، فسرت بالكلمات الطيبات، كما في قوله تعالى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر 10] فالمعنى: إن ما كان من كلام فإنه لله، يثنى به عليه ويمجد به.

وفسرت ((الطيبات)) بالاعمال الصالحة كلها؛ فإنها توصف بالطيب، فتكون كلها لله بمعنى: أنه يعبد بها ويتقرب بها إليه.

فهذا جعله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدل قوله: ((السلام على الله)) وأما سلامهم على جبريل وميكائيل وفلان وفلان من خواص الخلق، فأقرهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذكر السلام؛ لأن الخلق كلهم يطلب السلام من الله.
وفي تفسير ((السلام على فلان)) قولان:
أحدهما: أن المراد بالسلام اسم الله - يعني: فكأنه يقول: اسم الله عليك.
أن المراد: سلّم الله عليك تسليماً وسلاماً، ومن سلّم عليه الله فقد سلم من الآفات كلها ثم أقرهم أن يسلموا على النبي بخصوصه ابتداءً؛ فإنه أشرف المخلوقين وأفضلهم، وحقه على الأمة أوجب من سائر الخلق؛ لأن هدايتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة كان بتعليمه وإرشاده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسليماً، وجزاه عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته.

والسلام على النبي بلفظ: ((السلام عليك أيها النبي)) ، وهكذا في سائر الروايات؛ ولذلك كان عمر يعلم الناس في التشهد على المنبر بمحضر من الصحابة.

وقد اختار بعضهم أن يقال بعد زمان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((السلام على النبي)) ، وقد ذكر البخاري في موضع آخر من ((كتابه)) أنهم كانوا يسلمون على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد موته في التشهد كذلك، وهو رواية عن ابن عمر وعائشة.

ثم عطف على ذكر السلام على النبي: ((ورحمة الله وبركاته)) ، وهذا مطابق لقول الملائكة لإبراهيم عليه سلام: { رَحْمةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ} [هود: 73] ويستدل بذلك على جواز الدعاء بالرحمة للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه اختلاف بين العلماء.

ثم أمرهم بعد ذلك بأن يقولوا: ((السلام علينا)) والضمير عائد على المصلي نفسه، وعلى من حضره من الملائكة والمصلين وغيرهم.

وفي هذا مستند لمن أستجب لمن يدعوه لغيره أن يبدأ بالدعاء لنفسه قبله، وهو قول علماء الكوفة، وخالفهم آخرون، وقد أطال الاستدلال لذلك في ((كتاب
الدعاء)) من ((صحيحه)) هذا، ويأتي - أن شاء الله تعالى - في موضعه بتوفيق الله وعونه.
وقوله: ((وعلى عباد الله الصالحين)) هو كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض)) .
فيعني ذلك عن تعيين أسمائهم؛ فإن حصرهم لا يمكن، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد خرّج النسائي حديث ابن مسعود في التشهد، ولفظه: قال عبد الله: كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا، فعلمنا نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوامع الكلم: ((التحيات لله)) – فذكره.
وفي رواية أخرى له: كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، غير أن نسبح ونكبر ونحمد ربنا، وأن محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم فواتح الكلم وخواتمه، فقال: ((إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات الله)) - فذكره.

ثم أمرهم أن يختموه بالشهادتين، فيشهدون لله بتفرده بإلالهية، ويشهدون لمحمد بالعبودية والرسالة؛ فإن مقام العبودية أشرف مقامات الخلق؛ ولهذا سمى الله محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أشرف مقاماته وأعلاها بالعبودية، كما قال تعالى في صفة ليلة الإسراء: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] ، وقال: { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:
10]
.
وقال في حقه في مقام الدعوة: { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:19] ،
وقال: { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] .

ولهذا المعنى لما سلّم على الصالحين في هذا التشهد سماهم: ((عبادا الله)) ، والصالحون هم القائمون بما لله عليهم من الحقوق له ولخلقه، وإنما سمي التشهد تشهداً لختمه بالشهادتين.

ولم يخرج البخاري في التشهد غير تشهد ابن مسعود، وقد أجمع العلماء على أنه أصح أحاديث التشهد، وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد من روايات أخر فيها بعض المخالفة لحديث ابن مسعود بزيادة ونقص، وقد خرج مسلم منها حديث ابن عباس وأبي موسى الأشعري، وقد نص على ذلك الشافعي وأحمد وإسحاق.

وحديث أبي موسى فيه: ((التحيات الطيبات الصلوات لله)) ، وباقيه كتشهد ابن مسعود.
وحديث ابن عباس فيه: ((التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله)) وباقيه كتشهد ابن مسعود، غير أن في آخره: ((وأشهد أن محمداً رسول الله)) .
وكل ما صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التشهدات، فإنه يصح الصلاة به، حكى طائفة الإجماع على ذلك، لكن اختلفوا في أفضل التشهدات:
فذهب إلاكثرون إلى ترجيح تشهد ابن مسعود، وتفضيله، والأخذ به وقد روى ابن عمر، أن أبا بكر الصديق كان يعلمهم على المنبر كما يُعلم الصبيان في الكتاب، ثم ذكره بمثل تشهد ابن مسعود.
خرّجه ابن أبي شيبة.

وروى - أيضاً - نحوه عن أبي سعيد الخدري وغيره، وهو قول علماء العراق من أهل الكوفة والبصرة، من التابعين ومن بعدهم.

قال أبو إسحاق، عن الأسود: رأيت علقمة يتعلم التشهد من عبد الله، كما يتعلم السورة من القرآن.
وقال إبراهيم، عن الأسود: كان عبد الله يعلمنا التشهد في الصلاة كما يعلمنا السورة من القران، يأخذ علينا الألف والواو.

وقال إبراهيم: كانوا يتحفظون هذا التشهد - تشهد عبد الله - ويتبعونه حرفاً حرفاً.

خرّجه ابن أبي شيبة وغيره وذكر الترمذي أن العمل على تشهد ابن مسعود عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وأنه قول الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور وأهل الرأي وكثير من أهل المشرق وحكاه ابن البر عن أكثر أهل الحديث.

وروي عن خصيف قال: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام فقلت: يا رسول الله، اختلف علينا في التشهد: فقال: ((عليك بتشهد ابن مسعود)) .
وقد نص أحمد على أنه لو تشهد بغيره بما روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يجزئه.

وذكر القاضي أبو يعلى: أن كلام أحمد في التشهد بما روي عن الصحابة، كعمر أو غيره: هل يجزئ، أو لا؟ - محتمل، والأظهر: أنه يجزئ.
وقد روي عن علي وابن عمر وعائشة تشهدت أخر.

وقد نص إسحاق على جواز التشهد بذلك كله -: نقله حرب ومن أصحابنا من قال: يجب التشهد بتشهد ابن مسعود، ولا يجزئ أن يسقط منه واواً ولا الفاً.
وهذا خلاف أحمد.

والمحققون من أصحابنا على أنه يجوز التشهد بجميع أنواع التشهدات المروية عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما نص عليه أحمد.

وقال طائفة، منهم: القاضي أبو يعلى في كتابه ((الجامع الكبير)) : إذا أسقط من التشهد ما هو ساقط في بعض الروايات دون بعض صحت صلاته، وإن أسقط ما هو ساقط في جميعها لم تصح.
وقيل لأحمد: لو قال في تشهده: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله)) :
هل يجزئه؟ قالَ: أرجو.

وقد ورد مثل ذَلِكَ في بعض روايات حديث أبي موسى، وهو في بعض نسخ
((صحيح مسلم)) ، وهي رواية لأبي دواد والنسائي.

والأفضل عند الشافعي: التشهد بتشهد ابن عباس، الذي نقله عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخرّجه مسلم، وهو قول الليث بن سعد.

والأفضل عن مالك تشهد عمر بن الخطاب، وقد ذكره في ((الموطأ)) موقوفاً على عمر، أنه كان يعلمه الناس على المنبر يقول: قولوا: ((التحيات لله، الزاكيات
لله، الصلوات لله)) وباقيه كتشهد ابن مسعود وإليه ذهب الزهري ومعمر.

وقد روى عن عمر مرفوعاً من وجوه لا تثبت، والله أعلم.

وطائفة مم علماء الأندلس اختاروا تشهد ابن مسعود، وكان يقال عنه: أنه لم يكن بالاندلس من اجتمع له علم الحديث والفقه أحد قبله مثله.
وقد روي من حديث سلمان الفارسي، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه التشهد حرفاً حرفاً - فذكر مثل حديث تشهد ابن مسعود سواء، قال: ثم قال: ((قلها يا سلمان في صلاتك، ولا تزد فيها حرفاً، ولا تنتقص منها حرفاً)) .

خرّجه البزار في ((مسنده)) وفي إسناده ضعف.
والله أعلم.

* * *

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب التَّشَهُّدِ فِي الآخِرَةِ
( باب) وجوب ( التشهد في) الجلسة ( الآخرة) .


[ قــ :809 ... غــ : 831 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ.
فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ -فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ".
[الحديث 831 - أطرافه في: 835، 1202، 6230، 6265، 6328، 7381] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين ( قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( عن شقيق بن سلمة) هو أبو وائل ( قال: قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه ( كنّا إذا صلَّينا خلف النبيّ) ولأبي ذر والأصيلي: خلف رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في رواية أبي داود عن مسدد: إذا جلسنا، ( قلنا) : السلام على الله من عباده، ( السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان) زاد في رواية عبدِ الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجة: يعنون الملائكة.

والأظهر كما قاله أبو عبد الله الأبّي، أن هذا كان استحسانًا منهم، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يسمعه إلاّ حين أنكره عليهم.

قال: ووجه الإنكار عدم استقامة المعنى، لأنه عكس ما يجب أن يقال، كما يأتي قريبًا إن شاء الله.

وقوله: كنا، ليس من قبيل المرفوع، حتى يكون منسوخًا بقوله: إن الله هو السلام لأن النسخ إنما يكون فيما يصح معناه، وليس تكرر ذلك منهم مظنة سماعه له منهم، لأنه في التشهد، والتشهد سرّ.

( فالتفت إلينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) : ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام كلمهم في أثناء الصلاة، لكن في رواية حفص بن غياث، أنه بعد الفراغ من الصلاة ولفظه: فلما انصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلاة، قال:
( إن الله هو السلام) أي أنه اسم من أسمائه تعالى، ومعناه السالم من سمات الحدوث، أو المسلم عباده من المهالك، أو المسلم عباده في الجنة أو أن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكهما ومعطيهما، فكيف يدعى له بهما وهو المدعو؟ وقال ابن الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق
لحاجتهم إلى السلامة، وغناه سبحانه عنها، ( فإذا صلّى أحدكم) قال ابن رشيد: أي أتمّ صلاته، لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام، فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه الأقرب إلى الحقيقة.
وقال العيني: أي إذا أتم صلاته بالجلوس في آخرها، فليقل وفي رواية حفص بن غياث فإذا جلس أحدكم في الصلاة ( فليقل) بصيغة الأمر المقتضية للوجوب، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني بإسناد صحيح: وكنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد ( التحيات لله) جمع تحية وهو السلام أو البقاء، أو الملك، أو السلامة من الآفات، أو العظمة أي أنواع التعظيم له، وجمع لأن الملوك كان كل واحد منهم يحييه أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل: جميعها لله وهو المستحق لها حقيقة، ( والصلوات) أي الخمس واجبة لله، لا يجوز أن يقصد بها غيره، أو هو إخبار عن قصد إخلاصنا له تعالى، أو العبادات كلها، أو الرحمة، لأنه المتفضل بها ( والطيبات) التي يصلح أن يثني على الله بها دون ما لا يليق به، أو ذكر الله أو الأقوال الصالحة.
أو التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: العبادات المالية.
وأتى بالصلوات والطيبات منسوقًا بالواو لعطفه على التحيات، أو أن الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوف عليها، فالأولى عطف الجملة على الجملة والثانية عطف المفرد على الجملة، قاله البيضاوي.

وقال ابن مالك: إذا جعلت التحيات مبتدأ، أو لم تكن صفة لموصوف محذوف، كان قولك: والصلوات، مبتدأ، لئلا يعطف نعت على منعوته، فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل جملة مستقلة بفائدتها.
وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو.

وقال العيني: كل واحد من الصلوات والطيبات مبتدأ حذف خبره، أي الصلوات لله، والطيبات لله، فالجملتان معطوفتان على الأولى وهي: التحيات لله ..
( السلام) أي: السلامة من المكاره، أو السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء، أو الذي سلمه الله عليك ليلة المعراج ( عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .
فأل للعهد التقريري، أو المراد حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد عمّن يصدر، وعلى من ينزل، فتكون أل للجنس أو هي للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: { وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] .
وأصل سلام عليك: سلمت سلامًا، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره.
وإنما قال: عليك، فعدل عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة يقتضيه السياق لأنه إتباع لفظ الرسول بعينه حين علم الحاضرين من أصحابه وأمرهم أن يفردوه بالسلام عليه لشرفه ومزيد حقه.
( السلام) الذي وجه إلى الأمم السالفة من الصلحاء ( علينا) يريد به المصلي نفسه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة ( وعلى عباد الله الصالحين) القائمين بما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وهو عموم بعد خصوص.


وجوّز النووي، رحمه الله، حذف اللام من السلام في الموضعين، قال: والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين.
اهـ.

وتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس، وهو من أفراد مسلم.

( فإنكم إذا قلتموها) أي قوله: وعلى عباد الله الصالحين ( أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض) جملة اعتراض بين قوله: الصالحين وتاليها الآتي، فائدة الإتيان بها الاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عدّ الملائكة واحدًا واحدًا، ولا يمكن استيفاؤهم.

وفيه أن الجمع المحلى بالألف واللام للعموم، وأن له صيغًا، وهذه منها.
قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب، وتصرفات ألفاظ الكتاب والسُّنّة.
اهـ
وفيه خلاف عند أهل الأصول.

( أشهد أن لا إله إلاّ الله) زاد ابن أبي شيبة: وحده لا شريك له.
وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ ( وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) بالإضافة إلى الضمير.

وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السُّنن: وأشهد أن محمدًا رسول الله بالإضافة إلى الظاهر وهو الذي رجّحه الشيخان الرافعي والنووي، وأن الإضافة للضمير لا تكفي.
لكن المختار أنه يجوز: ورسوله.
لما ثبت في مسلم، رواه البخاري هنا.

وحديث التشهد روي عن جماعة من الصحابة منهم:
ابن مسعود رضي الله عنه، رواه المؤلّف والباقون، ولفظ مسلم: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
التشهد، كفى بين كفيه، كما يعلمنا السورة من القرآن، فقال: "إذا قعد أحدكم فليقل: إلخ.
وزاد في غير الترمذي وابن ماجة: "وليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به"، واختاره أبو حنيفة وأحمد والجمهور لأنه أصح ما في الباب، واتفق عليه الشيخان قال النووي: إنه أشدها صحة باتفاق المحدثين، وروي من نيف وعشرين طريقًا وثبتت فيه الواو بين الجملتين، وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتكون كل جملة ثناء مستقلاً بخلاف غيرها من الروايات، فإنها ساقطة وسقوطها يصيرها صفة لما قبلها، ولأن السلام فيه معرّف وفي غيره منكر، والمعرّف أعمّ.

ومنهم ابن عباس عند الجماعة إلا البخاري ولفظه: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: "التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله.
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد

أن محمدًا رسول الله".
واختاره الإمام الشافعي، رحمه الله، لزيادة لفظ: المباركات فيه.
وهي موافقة
لقوله تعالى: { تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] .

وأجيب: بأن الزيادة مختلف فيها، وحديث ابن مسعود متفق عليه.

ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رواه الطحاوي عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه سمع عمر بن الخطاب يعلم الناس التشهد على المنبر، وهو يقول: "التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
واختاره ابن مالك.
لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد، فدلّ على تفضيله وتعقب بأنه موقوف، فلا يلحق بالمرفوع.

وأجيب بأن ابن مردويه رواه في كتاب التشهد مرفوعًا.

ومنهم ابن عمر، عند أبي داود والطبراني في الكبير.

ومنهم عائشة عند البيهقي.

ومنهم جابر بن عبد الله عند النسائي، وابن ماجة، والترمذي في العلل، ولفظه كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: "بسم الله، وبالله، التحيات لله ... إلخ".

وصححه الحاكم، لكن ضعفه البخاري والترمذي والنسائي والبيهقي، كما قاله النووي في الخلاصة.

ومنهم أبو سعيد الخدري عند الطحاوي.

ومنهم أبو موسى الأشعري عند مسلم، وأبي داود، والنسائي.

ومنهم سلمان الفارسي عند البزار.

ومذهب الشافعي أن التشهد الأول سنة، والثاني واجب، وقال أبو حنيفة ومالك: سنتان.

وقال أحمد: الأول واجب يجبر تركه بالسجود، والثاني ركن تبطل الصلاة بتركه.

ورواة حديث الباب ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ التَّشَهُّدِ فِي الآخِرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التَّشَهُّد فِي الجلسة الْأَخِيرَة.


[ قــ :809 ... غــ :831 ]
- ( حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ قَالَ عبد الله كُنَّا إِذا صلينَا خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُلْنَا السَّلَام على جِبْرِيل وَمِيكَائِيل السَّلَام على فلَان وَفُلَان فَالْتَفت إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ إِن الله هُوَ السَّلَام فَإِذا صلى أحدكُم فَلْيقل التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين فَإِنَّكُم إِذا قُلْتُمُوهَا أَصَابَت كل عبد لله صَالح بالسماء وَالْأَرْض أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله) مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تتأتى إِلَّا بِاعْتِبَار تَمام هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ أخرجه تَمَامه فِي بابُُ مَا يتَخَيَّر من الدُّعَاء بعد التَّشَهُّد وَهُوَ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي آخر الحَدِيث " ثمَّ ليتخير من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ فيدعو " وَمَعْلُوم أَن مَحل الدُّعَاء فِي آخر الصَّلَاة وَمَعْلُوم أَن الدُّعَاء لَا يكون إِلَّا بعد التَّشَهُّد وَيعلم من ذَلِك أَن المُرَاد من قَوْله " فَلْيقل التَّحِيَّات لله " إِلَى آخِره هُوَ التَّشَهُّد فِي آخر الصَّلَاة فَحِينَئِذٍ طابق الحَدِيث التَّرْجَمَة بِهَذَا الِاعْتِبَار لَا بِاعْتِبَار مَا قَالَه ابْن رشيد فَإِنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيث الْبابُُ تعْيين مَحل القَوْل لَكِن يُؤْخَذ ذَلِك من قَوْله " فَإِذا صلى أحدكُم فَلْيقل " فَإِن ظَاهر قَوْله " إِذا صلى " أَي أتم صلَاته لَكِن تعذر الْحمل على الْحَقِيقَة لِأَن التَّشَهُّد لَا يكون إِلَّا بعد السَّلَام فَلَمَّا تعين الْمجَاز كَانَ حمله على آخر جُزْء من الصَّلَاة أولى لِأَنَّهُ هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الْحَقِيقَة انْتهى ( قلت) لَا نسلم تعذر الْحمل على الْحَقِيقَة فَإِن حَقِيقَة تَمام الصَّلَاة بِالْجُلُوسِ فِي آخرهَا لَا بِالسَّلَامِ حَتَّى إِذا خرج بعد جُلُوسه مِقْدَار التَّشَهُّد من غير السَّلَام لَا تفْسد صلَاته لِأَن السَّلَام مُحَلل وَمَا دَامَ الْمُصَلِّي فِي الْجُلُوس فِي آخر الصَّلَاة فَهُوَ فِي حُرْمَة الصَّلَاة وَالسَّلَام يُخرجهُ عَن هَذِه الْحُرْمَة فَحِينَئِذٍ يكون معنى قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِذا صلى أحدكُم " أَي فَإِذا أتم صلَاته بِالْجُلُوسِ فِي آخر الثنائية أَو فِي آخر الثلاثية أَو فِي آخر الرّبَاعِيّة فَلْيقل التَّحِيَّات لله إِلَى آخِره فَدلَّ على أَن التَّشَهُّد فِي آخر الصَّلَاة وَاجِب لقَوْله " فَلْيقل " لِأَن مُقْتَضى الْأَمر الْوُجُوب ( ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة قد ذكرُوا غير مرّة وَأَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه عَن شَقِيق وَفِي رِوَايَة يحيى الَّتِي تَأتي بعد بابُُ عَن الْأَعْمَش حَدثنِي شَقِيق وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم كوفيون.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن قبيصَة عَن سُفْيَان وَعَن مُسَدّد عَن يحيى وَعَن عَمْرو بن حَفْص بن غياث عَن أَبِيه وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن يحيى بن يحيى عَن أبي مُعَاوِيَة وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد عَن يحيى وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَعَمْرو بن عَليّ وَعَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن وَعَن بشر بن خَالِد وَفِيه وَفِي النعوت عَن قُتَيْبَة وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة أَيْضا وَأخرجه ابْن ماجة فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن خَلاد وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن مُحَمَّد بن يحيى الزُّهْرِيّ ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " كُنَّا إِذا صلينَا " وَفِي رِوَايَة يحيى الْآتِيَة " كُنَّا إِذا كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن عبد الله قَالَ " كُنَّا إِذا جلسنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة " الحَدِيث وَمثله للإسماعيلي من رِوَايَة مُحَمَّد بن خَلاد عَن يحيى قَوْله " قُلْنَا السَّلَام على جِبْرِيل " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " قُلْنَا السَّلَام على الله قبل عباده " وَكَذَا وَقع للْبُخَارِيّ فِي الاسْتِئْذَان من طَرِيق حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش وَفِي جِبْرِيل سبع لُغَات.
الأولى على وزن تغشليل.
الثَّانِيَة جبرئل بِحَذْف الْيَاء.
الثَّالِثَة جِبْرِيل بِحَذْف الْهمزَة.
الرَّابِعَة بِوَزْن قنديل.
الْخَامِسَة جبرءل بلام مُشَدّدَة.
السَّادِسَة جِبْرَائِيل بِوَزْن جبراعيل.
السَّابِعَة جبرائل بِوَزْن جبراعل.
وَمَعْنَاهُ عبد الله وَمنع الصّرْف فِيهِ للتعريف والعجمة فِي مِيكَائِيل خمس لُغَات.
الأولى ميكال بِوَزْن قِنْطَار.
الثَّانِيَة مِيكَائِيل بِوَزْن ميكاعيل.
الثَّالِثَة ميكائل بِوَزْن ميكاعل.
الرَّابِعَة ميكئل بِوَزْن ميكعل.
الْخَامِسَة ميكئيل بِوَزْن ميكعيل.
قَالَ ابْن جني الْعَرَب إِذا نطقت بالأعجمي خلطت فِيهِ قَوْله " السَّلَام على فلَان وَفُلَان " وَفِي رِوَايَة ابْن ماجة عَن عبد الله بن نمير عَن الْأَعْمَش " يعنون الْمَلَائِكَة " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن عَليّ بن مسْهر " فنعد الْمَلَائِكَة " وَفِي رِوَايَة السراج عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش " فنعد من الْمَلَائِكَة مَا شَاءَ الله " قَوْله " فَالْتَفت إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ظَاهره أَنه كَلمهمْ بذلك فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة حُصَيْن عَن أبي وَائِل وَهُوَ شَقِيق عِنْد البُخَارِيّ فِي أَوَاخِر الصَّلَاة بِلَفْظ " فَسَمعهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ قُولُوا " وَلَكِن بَين حَفْص بن غياث فِي رِوَايَته الْمحل الَّذِي خاطبهم بذلك فِيهِ وَأَنه بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة وَلَفظه " فَلَمَّا انْصَرف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أقبل علينا بِوَجْهِهِ " وَفِي رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس أَيْضا " فَلَمَّا انْصَرف من الصَّلَاة قَالَ " قَوْله " إِن الله هُوَ السَّلَام " قَالَ الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) هَذَا إِنَّمَا يَصح ردا عَلَيْهِم لَو قَالَ السَّلَام على الله ( قلت) هَذَا الحَدِيث مُخْتَصر مِمَّا سَيَأْتِي فِي بابُُ مَا يتَخَيَّر من الدُّعَاء بعد التَّشَهُّد.

     وَقَالَ  فِيهِ " قُلْنَا السَّلَام على الله فَقَالَ لَا تَقولُوا السَّلَام على الله فَإِن الله هُوَ السَّلَام " وَحَاصِله أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنكر التَّسْلِيم على الله وعلمهم أَن مَا يَقُولُونَهُ عكس مَا يجب أَن يُقَال فَإِن كل سَلامَة وَرَحْمَة لَهُ وَمِنْه وَهُوَ مَالِكهَا ومعطيها.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ المُرَاد أَن الله هُوَ ذُو السَّلَام فَلَا تَقولُوا السَّلَام على الله فَإِن السَّلَام مِنْهُ بدىء وَإِلَيْهِ يعود ومرجع الْأَمر فِي إِضَافَة السَّلَام إِلَيْهِ أَنه ذُو السَّلَام من كل نقص وَآفَة وعيب وَيحْتَمل أَن يكون مرجعها إِلَى حَظّ العَبْد فِيمَا يَطْلُبهُ من السَّلامَة عَن الْآفَات والمهالك.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ أَن السَّلَام اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى يَعْنِي السَّالِم من النقائص وَقيل الْمُسلم أولياءه وَقيل الْمُسلم عَلَيْهِم.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي أَمرهم أَن يصرفوه إِلَى الْخلق لحاجتهم إِلَى السَّلامَة وغناه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا قَوْله " فَإِذا صلى أحدكُم فَلْيقل " بَين حَفْص بن غياث فِي رِوَايَته مَحل القَوْل وَلَفظه " فَإِذا جلس أحدكُم فِي الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة حُصَيْن عَن أبي وَائِل " إِذا قعد أحدكُم عَن الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله " كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نقُول فِي كل رَكْعَتَيْنِ وَأَن مُحَمَّدًا علم فواتح الْخَيْر وخواتمه فَقَالَ إِذا قعدتم فِي كل رَكْعَتَيْنِ فَقولُوا " وللنسائي من طَرِيق الْأسود عَن عبد الله " فَقولُوا فِي كل جلْسَة " وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة من وَجه آخر عَن الْأسود عَن عبد الله " عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي وسط الصَّلَاة وَفِي آخرهَا " وَزَاد الطَّحَاوِيّ من هَذَا الْوَجْه فِي أَوله " أخذت التَّشَهُّد من فِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولقنني كلمة كلمة " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ فِي الاسْتِئْذَان من طَرِيق أبي معمر عَن ابْن مَسْعُود " عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التَّشَهُّد وكفي بَين كفيه كَمَا يعلمني السُّورَة من الْقُرْآن " قَوْله " التَّحِيَّات " جمع تَحِيَّة وَمَعْنَاهُ السَّلَام.
وَقيل الْبَقَاء.
وَقيل العظمة.
وَقيل السَّلامَة من الْآفَات وَالنَّقْص.
وَقيل الْملك..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ التَّحِيَّات كَلِمَات مَخْصُوصَة كَانَت الْعَرَب تحيي بهَا الْمُلُوك نَحْو قَوْلهم أَبيت اللَّعْن وَقَوْلهمْ أنعم الله صباحا وَقَول الْعَجم وزى ده هزار سَأَلَ أَي عش عشرَة آلَاف سنة وَنَحْوهَا من عاداتهم فِي تَحِيَّة الْمُلُوك عِنْد الملاقاة وَهَذِه الْأَلْفَاظ لَا يصلح شَيْء مِنْهَا للثناء على الله تَعَالَى فَتركت أَعْيَان تِلْكَ الْأَلْفَاظ وَاسْتعْمل مِنْهَا معنى التَّعْظِيم فَقيل قُولُوا التَّحِيَّات لله أَي أَنْوَاع التَّعْظِيم لله كَمَا يسْتَحقّهُ وَرُوِيَ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي أَسمَاء الله تَعَالَى السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار الْأَحَد الصَّمد قَالَ التَّحِيَّات لله بِهَذِهِ الْأَسْمَاء وَهِي الطَّيِّبَات لَا يحيى بهَا غَيره وَاللَّام فِي لله لَام الْملك والتخصيص وَهِي للْأولِ أبلغ وَللثَّانِي أحسن قَوْله " والصلوات " هِيَ الصَّلَوَات الْمَعْرُوفَة وَهِي الْخَمْسَة وَغَيرهَا.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي الصَّلَوَات الْعِبَادَات.

     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يحْتَمل أَن يُرَاد بهَا الصَّلَوَات الْمَعْهُودَة وَيكون التَّقْدِير أَنَّهَا وَاجِبَة لله تَعَالَى وَلَا يجوز أَن يقْصد بهَا غَيره أَو يكون ذَلِك إِخْبَارًا عَن قصد إخلاصنا الصَّلَوَات لَهُ أَي صلواتنا مخلصة لَهُ لَا لغيره وَيجوز أَن يُرَاد بالصلوات الرَّحْمَة وَيكون معنى قَوْله " لله " أَي المتفضل بهَا والمعطي هُوَ الله لِأَن الرَّحْمَة التَّامَّة لله لَا لغيره قَوْله " والطيبات " أَي الْكَلِمَات الطَّيِّبَات مِمَّا طَابَ من الْكَلَام وَحسن أَن يثنى بِهِ على الله تَعَالَى دون مَا لَا يَلِيق بصفاته.

     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَأما الطَّيِّبَات فقد فسرت بالأقوال الطَّيِّبَات وَلَعَلَّ تَفْسِيرهَا بِمَا هُوَ أَعم أولى أَعنِي الطَّيِّبَات من الْأَفْعَال والأقوال والأوصاف وَطيب الْأَوْصَاف كَونهَا صفة الْكَمَال وخلوصها عَن شوب النَّقْص.

     وَقَالَ  الشَّيْخ حَافظ الدّين النَّسَفِيّ رَحمَه الله التَّحِيَّات الْعِبَادَات القولية والصلوات الْعِبَادَات الفعلية والطيبات الْعِبَادَات الْمَالِيَّة.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيّ والصلوات والطيبات بِحرف الْعَطف يحْتَمل أَن يَكُونَا معطوفين على التَّحِيَّات وَأَن تكون الصَّلَوَات مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ عَلَيْك والطيبات معطوفة عَلَيْهَا وَالْوَاو الأولى لعطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة وَالثَّانيَِة لعطف الْمُفْرد على الْمُفْرد وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس لم يذكر العاطف أصلا انْتهى ( قلت) كل وَاحِدَة من الصَّلَوَات والطيبات مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره والصلوات لله والطيبات لله فَتكون هَاتَانِ الجملتان معطوفتين على الْجُمْلَة الأولى وَهِي التَّحِيَّات لله قَوْله " السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي " قَالَ النَّوَوِيّ يجوز فِي السَّلَام فِي الْمَوْضِعَيْنِ حذف اللَّام وإثباتها وَالْإِثْبَات أفضل ( قلت) لم يَقع فِي شَيْء من طرق حَدِيث ابْن مَسْعُود بِحَذْف اللَّام فَإِن كَانَ مُرَاده من الْجَوَاز من جِهَة الْعَرَبيَّة فَلهُ وَجه وَإِن كَانَ من جِهَة مُرَاعَاة لفظ النَّبِي فَلَا وَجه لَهُ نعم اخْتلف فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ أصل سَلام عَلَيْك سلمت سَلاما عَلَيْك ثمَّ حذف الْفِعْل وأقيم الْمصدر مقَامه وَعدل عَن النصب إِلَى الرّفْع للابتداء للدلالة على ثُبُوت الْمَعْنى واستقراره.

     وَقَالَ  التوربشتي السَّلَام بِمَعْنى السَّلامَة كالمقام والمقامة وَالسَّلَام اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وضع الْمصدر مَوضِع الِاسْم مُبَالغَة وَالْمعْنَى أَنه سَلام من كل عيب وَآفَة وَنقص وَفَسَاد وَمعنى قَوْلنَا السَّلَام عَلَيْك الدُّعَاء أَي سلمت من المكاره وَقيل مَعْنَاهُ اسْم السَّلَام عَلَيْك كَأَنَّهُ يتبرك عَلَيْهِ باسم الله عز وَجل ( فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِي الْعُدُول عَن الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب فِي قَوْله " عَلَيْك أَيهَا النَّبِي " مَعَ أَن لفظ الْغَيْبَة هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاق كَأَن يَقُول السَّلَام على النَّبِي فَينْتَقل من تَحِيَّة الله إِلَى تَحِيَّة النَّبِي ثمَّ إِلَى تَحِيَّة النَّفس ثمَّ إِلَى تَحِيَّة الصَّالِحين ( قلت) أجَاب الطَّيِّبِيّ بِمَا محصله نَحن نتبع لفظ الرَّسُول بِعَيْنِه الَّذِي علمه للصحابة وَيحْتَمل أَن يُقَال على طَريقَة أهل الْعرْفَان أَن الْمُصَلِّين لما استفتحوا بابُُ الملكوت بالتحيات أذن لَهُم بِالدُّخُولِ فِي حَرِيم الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت فقرت أَعينهم بالمناجاة فنبهوا على أَن ذَلِك بِوَاسِطَة نَبِي الرَّحْمَة وبركة مُتَابَعَته فَإِذا التفتوا فَإِذا الحبيب فِي حرم الحبيب حَاضر فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ قائلين السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ( فَإِن قلت) مَا الْألف وَاللَّام فِي السَّلَام عَلَيْك ( قلت) قَالَ الطَّيِّبِيّ إِمَّا للْعهد التقديري أَي ذَلِك السَّلَام الَّذِي وَجه إِلَى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمُتَقَدّمَة موجه إِلَيْك أَيهَا النَّبِي وَالسَّلَام الَّذِي وَجه إِلَى الْأُمَم السالفة من الصلحاء علينا وعَلى إِخْوَاننَا وَإِمَّا للْجِنْس أَي حَقِيقَة السَّلَام الَّذِي يعرفهُ كل أحد أَنه مَا هُوَ وَعَمن يصدر وعَلى من ينزل عَلَيْك وعلينا وَإِمَّا للْعهد الْخَارِجِي إِشَارَة إِلَى قَول الله تَعَالَى { وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى} .

     وَقَالَ  الشَّيْخ حَافظ الدّين النَّسَفِيّ يَعْنِي السَّلَام الَّذِي سلم الله عَلَيْك لَيْلَة الْمِعْرَاج ( قلت) فعلى هَذَا تكون الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد ( فَإِن قلت) لم عدل عَن الْوَصْف بالرسالة إِلَى الْوَصْف بِالنُّبُوَّةِ مَعَ أَن الْوَصْف بالرسالة أَعم فِي حق الْبشر ( قلت) الْحِكْمَة فِي ذَلِك أَن يجمع لَهُ الوصفين لكَونه وَصفه بالرسالة فِي آخر التَّشَهُّد وَإِن كَانَ الرَّسُول البشري يسْتَلْزم النُّبُوَّة لَكِن التَّصْرِيح بهَا أبلغ وَقيل الْحِكْمَة فِي تَقْدِيم الْوَصْف بِالنُّبُوَّةِ أَنَّهَا كَذَلِك وجدت فِي الْخَارِج لنزول قَوْله تَعَالَى { اقْرَأ باسم رَبك} قبل قَوْله { يَا أَيهَا المدثر قُم فَأَنْذر} قَوْله " وَرَحْمَة الله " الرَّحْمَة عبارَة عَن إنعامه عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَعْنى الغائي لِأَن مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ الحنو والعطف فَلَا يجوز أَن يُوصف الله بِهِ قَوْله " وَبَرَكَاته " جمع بركَة وَهُوَ الْخَيْر الْكثير من كل شَيْء واشتقاقه من البرك وَهُوَ صدر الْبَعِير وبرك الْبَعِير ألْقى بركه وَاعْتبر مِنْهُ معنى اللُّزُوم وَسمي محبس المَاء بركَة للُزُوم المَاء فِيهَا.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ الْبركَة ثُبُوت الْخَيْر الإلهي فِي الشَّيْء سمي بذلك لثُبُوت الْخَيْر فِيهِ ثُبُوت المَاء فِي الْبركَة وَالْمبَارك مَا فِيهِ ذَلِك الْخَيْر.

     وَقَالَ  تَعَالَى { وَهَذَا ذكر مبارك} تَنْبِيها على مَا تفيض مِنْهُ الْخيرَات الإلهية وَلما كَانَ الْخَيْر الإلهي يصدر من حَيْثُ لَا يحس وعَلى وَجه لَا يُحْصى قيل لكل مَا يُشَاهد فِيهِ زِيَادَة غير محسوسة هُوَ مبارك أَو فِيهِ بركَة قَوْله " السَّلَام علينا " أَرَادَ بهَا الْحَاضِرين من الإِمَام والمأمومين وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله " وعَلى عباد الله الصَّالِحين " الصَّالح هُوَ الْقَائِم بِمَا عَلَيْهِ من حُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق الْعباد وَالصَّلَاح هُوَ استقامة الشَّيْء على حَالَة كَمَاله كَمَا أَن الْفساد ضِدّه وَلَا يحصل الصّلاح الْحَقِيقِيّ إِلَّا فِي الْآخِرَة لِأَن الْأَحْوَال العاجلة وَإِن وصفت بالصلاح فِي بعض الْأَوْقَات لَكِن لَا تَخْلُو من شَائِبَة فَسَاد وخلل وَلَا يصفو ذَلِك إِلَّا فِي الْآخِرَة خُصُوصا لزمرة الْأَنْبِيَاء لِأَن الاسْتقَامَة التَّامَّة لَا تكون إِلَّا لمن فَازَ بالقدح الْمُعَلَّى ونال الْمقَام الْأَسْنَى وَمن ثمَّ كَانَت هَذِه الْمرتبَة مَطْلُوبَة للأنبياء وَالْمُرْسلِينَ قَالَ الله تَعَالَى فِي حق الْخَلِيل { وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين} وَحكي عَن يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه دَعَا بقوله { توفني مُسلما وألحقني بالصالحين} قَوْله " فَإِنَّكُم إِذا قُلْتُمُوهَا " إِلَى قَوْله " وَالْأَرْض " جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله " وعَلى عباد الله الصَّالِحين " وَبَين قَوْله " أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي قُلْتُمُوهَا يرجع إِلَى قَوْله " وعَلى عباد الله الصَّالِحين " وَفَائِدَة هَذِه الْجُمْلَة المعترضة الاهتمام بهَا لكَونه أنكر عَلَيْهِم عد الْمَلَائِكَة وَاحِدًا وَاحِدًا وَلَا يُمكن استيعابهم لَهُم مَعَ ذَلِك فعلمهم لفظا يَشْمَل الْجَمِيع مَعَ غير الْمَلَائِكَة من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَالصديقين وَغَيرهم بِغَيْر مشقة وَهَذَا من جَوَامِع الْكَلم الَّتِي أوتيها النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد وَردت هَذِه الْجُمْلَة فِي بعض الطّرق فِي آخر الْكَلَام بعد سِيَاق التَّشَهُّد متواليا وَالظَّاهِر أَنه من تصرف الروَاة وَالله أعلم قَوْله " فِي السَّمَاء وَالْأَرْض " وَفِي رِوَايَة مُسَدّد عَن يحيى " أَو بَين السَّمَاء وَالْأَرْض " وَالشَّكّ فِيهِ من مُسَدّد وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ " من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض " قَوْله " أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " زَاد ابْن أبي شيبَة من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه " وَحده لَا شريك لَهُ " وَسَنَد ضَعِيف لَكِن ثبتَتْ هَذِه الزِّيَادَة فِي حَدِيث أبي مُوسَى عِنْد مُسلم وَفِي حَدِيث عَائِشَة الْمَوْقُوف فِي الْمُوَطَّأ وَفِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ إِلَّا أَن سَنَده ضَعِيف وَقد روى أَبُو دَاوُد من وَجه آخر صَحِيح عَن ابْن عمر فِي التَّشَهُّد " أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ ابْن عمر زِدْت فِيهَا وَحده لَا شريك لَهُ " وَهَذَا ظَاهره الْوَقْف قَوْله " وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عبد وَرَسُوله " قَالَ أهل اللُّغَة يُقَال رجل مُحَمَّد ومحمود إِذا كثرت خصاله المحمودة.

     وَقَالَ  ابْن الْفَارِس وَبِذَلِك سمي نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُحَمَّدًا يَعْنِي لعلم الله تَعَالَى بِكَثْرَة خصاله المحمودة ( قلت) الْفرق بَين مُحَمَّد وَأحمد أَن مُحَمَّدًا مفعل للتكثير وَأحمد أفعل التَّفْضِيل وَالْمعْنَى إِذا حمدني أحد فَأَنت أَحْمد مِنْهُم وَإِذا حمدت أحدا فَأَنت مُحَمَّد وَالْعَبْد الْإِنْسَان حرا كَانَ أَو رَقِيقا يذهب فِيهِ إِلَى أَنه مربوب لباريه عز وَجل وَجمعه أعبد وَعبيد وَعباد وَعبد وعبدان وعبدان وأعابد جمع أعبد والعبدى والعبدي والعبوداء والعبدة أَسمَاء الْجمع وَجعل بَعضهم الْعباد لله وَغَيره من الْجمع لله وللمخلوقين وَخص بهم بالعبدى العبيد الَّذين ولدُوا فِي الْملك وَالْأُنْثَى عَبدة والعبدل العَبْد ولامه زَائِدَة ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) وَهُوَ على وُجُوه.
الأول فِيمَا ورد من الِاخْتِلَاف فِي أَلْفَاظ التَّشَهُّد رُوِيَ فِي هَذَا الْبابُُ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعمر بن الْخطاب وَعبد الله بن عمر وَعَائِشَة وَعبد الله بن الزبير وَجَابِر بن عبد الله وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمُعَاوِيَة وسلمان وَسمرَة وَأبي حميد.
أما حَدِيث ابْن مَسْعُود فقد رَوَاهُ السِّتَّة عَنهُ وَلَفظ مُسلم قَالَ " عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التَّشَهُّد كفي بَين كفيه كَمَا يعلمني السُّورَة من الْقُرْآن فَقَالَ إِذا قعد أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلْيقل التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين فَإِذا قَالَهَا أَصَابَت كل عبد صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله " انْتهى زادوا فِي رِوَايَة إِلَّا التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه " ليتخير أحدكُم من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ فيدعو بِهِ " وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَأخْرجهُ الْجَمَاعَة إِلَّا البُخَارِيّ عَن سعيد بن جُبَير وَطَاوُس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن وَكَانَ يَقُول التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله " وَأما حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قَالَ حَدثنَا عبد الله بن وهب قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث وَمَالك بن أنس أَن ابْن شهَاب حَدثهمَا عَن عُرْوَة بن الزبير " عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد القارىء أَنه سمع عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يعلم النَّاس التَّشَهُّد على الْمِنْبَر وَهُوَ يَقُول قُولُوا التَّحِيَّات لله الزاكيات لله والصلوات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عبد وَرَسُوله " وَأخرجه أَيْضا ابْن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق فِي مصنفيهما ( قلت) هَذَا مَوْقُوف وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه فِي كتاب التَّشَهُّد لَهُ مَرْفُوعا وَأما حَدِيث عبد الله بن عمر فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد حَدثنَا نصر بن عَليّ حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي بشر " سَمِعت مُجَاهدًا يحدث عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قَالَ ابْن عمر زِدْت فِيهَا وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله " وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن أبي دَاوُد عَن نصر بن عَليّ.

     وَقَالَ  إِسْنَاده صَحِيح وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير حَدثنَا أَبُو مُسلم الْكشِّي حَدثنَا سهل بن بكار حَدثنَا أبان بن يزِيد عَن قَتَادَة عَن عبد الله بن بابُُي " عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله " وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَلَفظه " التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله " إِلَّا أَن يحيى زَاد فِي حَدِيثه " قَالَ ابْن عمر زِدْت فِيهَا وَبَرَكَاته وزدت فِيهَا وَحده لَا شريك لَهُ " وَيحيى بن إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ أحد مَشَايِخ الطَّحَاوِيّ وَأخرجه الْبَزَّار مَرْفُوعا أَيْضا وَأما حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْقَاسِم عَنْهَا " قَالَت هَذَا تشهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التَّحِيَّات لله " إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة عَنْهَا " أَنَّهَا كَانَت تَقول فِي التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة فِي وَسطهَا وَفِي آخرهَا قولا وَاحِدًا بِسم الله التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات لله الزاكيات لله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وَبعده لنا بيدَيْهِ عد الْعَرَب " وَأما حَدِيث عبد الله بن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن الْحَارِث بن يزِيد سَمِعت أَبَا الْورْد سَمِعت عبد الله بن الزبير يَقُول إِن تشهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِسم الله وَبِاللَّهِ خير الْأَسْمَاء التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين اللَّهُمَّ اغْفِر لي واهدني هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين " قَالَ الطَّبَرَانِيّ تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة ( قلت) فِيهِ مقَال وَأما حَدِيث جَابر بن عبد الله فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل وَالْحَاكِم من حَدِيث أَيمن بن نائل حَدثنَا أَبُو الزبير عَن جَابر قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن بِسم الله وَبِاللَّهِ التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أسأَل الله الْجنَّة وَأَعُوذ بِاللَّه من النَّار " وَصَححهُ الْحَاكِم.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة وَهُوَ مَرْدُود فقد ضعفه جمَاعَة من الْحفاظ هم أجل من الْحَاكِم وأتقن وَمِمَّنْ ضعفه البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ التِّرْمِذِيّ سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ هُوَ خطأ وَأما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أبي المتَوَكل عَنهُ قَالَ " كُنَّا نتعلم التَّشَهُّد كَمَا نتعلم السُّورَة من الْقُرْآن " ثمَّ ذكر مثل تشهد ابْن مَسْعُود وَأما حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ مطولا وَفِيه " فَإِذا كَانَ عِنْد الْقعدَة فَلْيَكُن من أول قَول أحدكُم أَن يَقُول التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله " وَأخرجه أَحْمد وَلم يقل وَبَرَكَاته وَلَا قَالَ وَأشْهد قَالَ وَأَن مُحَمَّدًا وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ عَنهُ " أَنه كَانَ يعلم النَّاس التَّشَهُّد وَهُوَ على الْمِنْبَر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات " إِلَى آخِره مثل حَدِيث ابْن مَسْعُود.
وَأما حَدِيث سلمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه أَخْرجَاهُ عَن سَلمَة بن الصَّلْت عَن عَمْرو بن يزِيد الْأَزْدِيّ عَن أبي رَاشد قَالَ " سَأَلت سلمَان الْفَارِسِي عَن التَّشَهُّد فَقَالَ أعلمكُم كَمَا علمنيهن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات " إِلَى آخِره مثل حَدِيث ابْن مَسْعُود لَكِن زَاد لله بعد الطَّيِّبَات.

     وَقَالَ  فِي آخِره " قلها فِي صَلَاتك وَلَا تزد فِيهَا حرفا وَلَا تنقص مِنْهَا حرفا " وَإِسْنَاده ضَعِيف وَأما حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد وَلَفظه " قُولُوا التَّحِيَّات لله الطَّيِّبَات والصلوات وَالْملك لله ثمَّ سلمُوا على النَّبِي وسلموا على أقاربكم وعَلى أَنفسكُم " وَإِسْنَاده ضَعِيف قَالَه بَعضهم وَلَيْسَ كَذَلِك بل صَحِيح على شَرط ابْن حبَان وَأما حَدِيث أبي حميد فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ مثل حَدِيث ابْن مَسْعُود وَلَكِن زَاد " الزاكيات لله " بعد " الطَّيِّبَات " وَأسْقط وَاو الطَّيِّبَات وَإِسْنَاده ضَعِيف وَفِي الْبابُُ عَن الْحُسَيْن بن عَليّ وَطَلْحَة بن عبيد الله وَأنس وَأبي هُرَيْرَة وَالْفضل بن عَبَّاس وَأم سَلمَة وَحُذَيْفَة وَالْمطلب بن ربيعَة وَابْن أبي أوفى رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالُوا جملَة من روى فِي التَّشَهُّد من الصَّحَابَة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ صحابيا ( الْوَجْه الثَّانِي) فِي تَرْجِيح تشهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على جَمِيع رِوَايَات غَيره قَالَ التِّرْمِذِيّ أصح حَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد حَدِيث ابْن مَسْعُود وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ثمَّ أخرج عَن معمر عَن خصيف قَالَ " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ إِن النَّاس قد اخْتلفُوا فِي التَّشَهُّد فَقَالَ عَلَيْك بتشهد ابْن مَسْعُود " وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عَن بشير بن المُهَاجر عَن أبي بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ " مَا سَمِعت فِي التَّشَهُّد أحسن من حَدِيث ابْن مَسْعُود وَذَلِكَ أَنه رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".

     وَقَالَ  الْخطابِيّ أصح الرِّوَايَات وأشهرها رجَالًا تشهد ابْن مَسْعُود.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر وَأَبُو عَليّ الطوسي قد روى حَدِيث ابْن مَسْعُود من غير وَجه وَهُوَ أصح حَدِيث رُوِيَ فِي التَّشَهُّد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

     وَقَالَ  أَبُو عمر بتشهد ابْن مَسْعُود أَخذ أَكثر أهل الْعلم لثُبُوت فعله عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

     وَقَالَ  عَليّ بن الْمَدِينِيّ لم يَصح فِي التَّشَهُّد إِلَّا مَا نَقله أهل الْكُوفَة عَن ابْن مَسْعُود وَأهل الْبَصْرَة عَن أبي مُوسَى وبنحوه قَالَه ابْن طَاهِر.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ أَشدّهَا صِحَة بِاتِّفَاق الْمُحدثين حَدِيث ابْن مَسْعُود ثمَّ حَدِيث ابْن عَبَّاس.

     وَقَالَ  الْبَزَّار أصح حَدِيث فِي التَّشَهُّد حَدِيث ابْن مَسْعُود وروى عَنهُ عَن نَيف وَعشْرين طَرِيقا ثمَّ سرد أَكْثَرهَا قَالَ وَلَا أعلم فِي التَّشَهُّد أثبت مِنْهُ وَلَا أصح أَسَانِيد وَلَا أشهر رجَالًا ( قلت) هَذَا الطَّحَاوِيّ الجهبذ أخرج حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي كِتَابه شرح مَعَاني آثَار من اثنى عشر طَرِيقا وسرد الْجَمِيع ثمَّ قَالَ فِي آخر الْبابُُ فَلهَذَا الَّذِي ذكرنَا استحسنا مَا رُوِيَ عَن عبد الله بتشديده فِي ذَلِك ولإجماعهم عَلَيْهِ إِذْ كَانُوا قد اتَّفقُوا على أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يتَشَهَّد إِلَّا بخاص من التَّشَهُّد يَعْنِي كلهم اتَّفقُوا على أَن التَّشَهُّد لَا يكون إِلَّا بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة وَلَا يكون بِأَيّ لفظ كَانَ فَإِذا كَانَ كَذَلِك فالمتفق عَلَيْهِ أولى من الْمُخْتَلف فِيهِ فَصَارَ كَونه مُتَّفقا عَلَيْهِ دون غَيره من مرجحاته لِأَن الروَاة عَنهُ من الثِّقَات لم يَخْتَلِفُوا فِي أَلْفَاظه بِخِلَاف غَيره وَأَن ابْن مَسْعُود تَلقاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تلقيا فروى الطَّحَاوِيّ من طَرِيق الْأسود بن يزِيد عَنهُ قَالَ " أخذت التَّشَهُّد من فِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولقننيه كلمة كلمة " وَفِي رِوَايَة أبي معمر عَنهُ " عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التَّشَهُّد وكفي بَين كفيه " وَمن المرجحات ثُبُوت الْوَاو فِي الصَّلَوَات والطيبات وَهِي تَقْتَضِي الْمُغَايرَة بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ فَتكون كل جملَة ثَنَاء مُسْتقِلّا بِخِلَاف مَا إِذا حذفت فَإِنَّهَا تكون صفة لما قبلهَا وتعدد الثَّنَاء فِي الأول صَرِيح فَيكون أولى وَلَو قيل أَن الْوَاو مقدرَة فِي الثَّانِي.
وَمِنْهَا أَنه ورد بِصِيغَة الْأَمر بِخِلَاف غَيره فَإِنَّهُ مُجَرّد حِكَايَة وَمِنْهَا أَن فِي رِوَايَة أَحْمد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - علمه التَّشَهُّد وَأمره أَن يُعلمهُ النَّاس وَلم ينْقل ذَلِك لغيره فَفِيهِ دَلِيل على مزيته.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي ذهب الشَّافِعِي إِلَى أَن تشهد ابْن عَبَّاس أفضل لزِيَادَة لَفْظَة المباركات فِيهِ وَهِي مُوَافقَة لقَوْل الله تَعَالَى { تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة} ..
     وَقَالَ  مَالك تشهد عمر بن الْخطاب أفضل لِأَنَّهُ علمه النَّاس على الْمِنْبَر وَلم ينازعه أحد فَدلَّ على تفضيله ( قلت) وَذهب بَعضهم إِلَى عدم التَّرْجِيح مِنْهُم ابْن خُزَيْمَة وَالْجَوَاب عَن تَرْجِيح الشَّافِعِي حَدِيث ابْن عَبَّاس بِالزِّيَادَةِ أَنَّهَا مُخْتَلف فِيهَا وَحَدِيث ابْن مَسْعُود مُتَّفق عَلَيْهِ كَمَا ذكرنَا وَحَدِيث ابْن عَبَّاس مَذْكُور مَعْدُود فِي أَفْرَاد مُسلم وَأَعْلَى دَرَجَة الصَّحِيح عِنْد الْحفاظ مَا اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَلَو فِي أَصله فَكيف إِذا اتفقَا على لَفظه فَلم يكن مَا ذكره سَببا للترجيح على أَن ابْن مَسْعُود قد أنكر على من زَاد على مَا رَوَاهُ من لفظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَونه مُوَافقا لما فِي الْقُرْآن وَجه من التَّرْجِيح فَلَا يفضل بذلك على الَّذِي لَهُ وُجُوه من التَّرْجِيح وَالْجَوَاب عَن تَرْجِيح مَالك تشهد عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه مَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَا يلْحق الْمَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

     وَقَالَ  برهَان الدّين صَاحب الْهِدَايَة الْأَخْذ بتشهد ابْن مَسْعُود أولى لِأَن فِيهِ الْأَمر وَأقله الِاسْتِحْبابُُ وَالْألف وَاللَّام وهما للاستغراق وَزِيَادَة الْوَاو لتجديد الْكَلَام كَمَا فِي الْقسم وتأكيد التَّعْلِيم وَمِمَّا رُوِيَ فِي إِنْكَار الزِّيَادَة مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث الْعَلَاء بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ كَانَ ابْن مَسْعُود يعلم رجلا التَّشَهُّد فَقَالَ عبد الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ الرجل وَحده لَا شريك لَهُ فَقَالَ عبد الله هُوَ كَذَلِك وَلَكِن يَنْتَهِي إِلَى مَا علمنَا وَفِي رِوَايَة الْبَزَّار فَقَالَ عبد الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَ الرجل وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ عبد الله مرَارًا كل ذَلِك يَقُول وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَالرجل يَقُول وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَ عبد الله كَذَا علمنَا.

     وَقَالَ  ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا وَكِيع عَن إِسْحَاق بن يحيى عَن الْمسيب بن رَافع سمع ابْن مَسْعُود رجلا يَقُول فِي التَّشَهُّد بِسم الله فَقَالَ إِنَّمَا يُقَال هَذَا على الطَّعَام ( الْوَجْه الثَّالِث) فِي التَّشَهُّد هَل هُوَ وَاجِب أم سنة فَقَالَ الشَّافِعِي وَطَائِفَة التَّشَهُّد الأول سنة وَالْآخر وَاجِب.

     وَقَالَ  جُمْهُور الْمُحدثين هما واجبان.

     وَقَالَ  أَحْمد الأول وَاجِب وَالثَّانِي فرض وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ فِي بابُُ من لم ير التَّشَهُّد الأول وَاجِبا.
( الْوَجْه الرَّابِع) فِي أَن السّنة فِي التَّشَهُّد الْإخْفَاء لما روى التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الله بن مَسْعُود من السّنة أَن يخفي التَّشَهُّد.

     وَقَالَ  حسن غَرِيب وَعند الْحَاكِم عَن عبد الله من السّنة أَن يخفي التَّشَهُّد.

     وَقَالَ  صَحِيح على شَرط مُسلم وَأخرج ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن عَائِشَة قَالَت نزلت هَذِه الْآيَة فِي التَّشَهُّد { وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} .

     وَقَالَ  الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم -