هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
785 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، أَخْبَرَهُمَا : أَنَّ النَّاسَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ قَالَ : هَلْ تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ القَمَرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا ، فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، أَمَرَ اللَّهُ المَلاَئِكَةَ : أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، قَدْ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا ، فَيَقُولُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الجَنَّةِ ، رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُودَ وَالمِيثَاقَ ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ : فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا ، فَرَأَى زَهْرَتَهَا ، وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَغْدَرَكَ ، أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُودَ وَالمِيثَاقَ ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مِنْ كَذَا وَكَذَا ، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ : لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَوْلَهُ : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ : ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
785 حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، وعطاء بن يزيد الليثي ، أن أبا هريرة ، أخبرهما : أن الناس قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا : لا ، قال : فإنكم ترونه كذلك ، يحشر الناس يوم القيامة ، فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبع ، فمنهم من يتبع الشمس ، ومنهم من يتبع القمر ، ومنهم من يتبع الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله فيقول : أنا ربكم ، فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل ، وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ، هل رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا : نعم ، قال : فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعمله ، ومنهم من يخردل ثم ينجو ، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار ، أمر الله الملائكة : أن يخرجوا من كان يعبد الله ، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود ، فيخرجون من النار ، قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار ، فيقول : يا رب اصرف وجهي عن النار ، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها ، فيقول : هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك ؟ فيقول : لا وعزتك ، فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق ، فيصرف الله وجهه عن النار ، فإذا أقبل به على الجنة ، رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم قال : يا رب قدمني عند باب الجنة ، فيقول الله له : أليس قد أعطيت العهود والميثاق ، أن لا تسأل غير الذي كنت سألت ؟ فيقول : يا رب لا أكون أشقى خلقك ، فيقول : فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره ؟ فيقول : لا وعزتك ، لا أسأل غير ذلك ، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق ، فيقدمه إلى باب الجنة ، فإذا بلغ بابها ، فرأى زهرتها ، وما فيها من النضرة والسرور ، فيسكت ما شاء الله أن يسكت ، فيقول : يا رب أدخلني الجنة ، فيقول الله : ويحك يا ابن آدم ، ما أغدرك ، أليس قد أعطيت العهود والميثاق ، أن لا تسأل غير الذي أعطيت ؟ فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فيضحك الله عز وجل منه ، ثم يأذن له في دخول الجنة ، فيقول : تمن ، فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته ، قال الله عز وجل : من كذا وكذا ، أقبل يذكره ربه ، حتى إذا انتهت به الأماني ، قال الله تعالى : لك ذلك ومثله معه قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله : لك ذلك وعشرة أمثاله ، قال أبو هريرة : لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله : لك ذلك ومثله معه قال أبو سعيد : إني سمعته يقول : ذلك لك وعشرة أمثاله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أبي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّاسَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ قَالَ : هَلْ تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ القَمَرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا ، فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، أَمَرَ اللَّهُ المَلاَئِكَةَ : أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، قَدْ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا ، فَيَقُولُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الجَنَّةِ ، رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُودَ وَالمِيثَاقَ ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ : فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا ، فَرَأَى زَهْرَتَهَا ، وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَغْدَرَكَ ، أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُودَ وَالمِيثَاقَ ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مِنْ كَذَا وَكَذَا ، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ : لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَوْلَهُ : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ : ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ .

Narrated Abu Huraira:

The people said, O Allah's Messenger (ﷺ)! Shall we see our Lord on the Day of Resurrection? He replied, Do you have any doubt in seeing the full moon on a clear (not cloudy) night? They replied, No, O Allah's Messenger (ﷺ)! He said, Do you have any doubt in seeing the sun when there are no clouds? They replied in the negative. He said, You will see Allah (your Lord) in the same way. On the Day of Resurrection, people will be gathered and He will order the people to follow what they used to worship. So some of them will follow the sun, some will follow the moon, and some will follow other deities; and only this nation (Muslims) will be left with its hypocrites. Allah will come to them and say, 'I am Your Lord.' They will say, 'We shall stay in this place till our Lord comes to us and when our Lord will come, we will recognize Him. Then Allah will come to them again and say, 'I am your Lord.' They will say, 'You are our Lord.' Allah will call them, and As-Sirat (a bridge) will be laid across Hell and I (Muhammad) shall be the first amongst the Apostles to cross it with my followers. Nobody except the Apostles will then be able to speak and they will be saying then, 'O Allah! Save us. O Allah Save us.' There will be hooks like the thorns of Sa'dan [??] in Hell. Have you seen the thorns of Sa'dan [??]? The people said, Yes. He said, These hooks will be like the thorns of Sa'dan [??] but nobody except Allah knows their greatness in size and these will entangle the people according to their deeds; some of them will fall and stay in Hell forever; others will receive punishment (torn into small pieces) and will get out of Hell, till when Allah intends mercy on whomever He likes amongst the people of Hell, He will order the angels to take out of Hell those who worshipped none but Him alone. The angels will take them out by recognizing them from the traces of prostrations, for Allah has forbidden the (Hell) fire to eat away those traces. So they will come out of the Fire, it will eat away from the whole of the human body except the marks of the prostrations. At that time they will come out of the Fire as mere skeletons. The Water of Life will be poured on them and as a result they will grow like the seeds growing on the bank of flowing water. Then when Allah had finished from the Judgments amongst his creations, one man will be left between Hell and Paradise and he will be the last man from the people of Hell to enter paradise. He will be facing Hell, and will say, 'O Allah! Turn my face from the fire as its wind has dried me and its steam has burnt me.' Allah will ask him, Will you ask for anything more in case this favor is granted to you?' He will say, No by Your (Honor) Power! And he will give to his Lord (Allah) what he will of the pledges and the covenants. Allah will then turn his face from the Fire. When he will face Paradise and will see its charm, he will remain quiet as long as Allah will. He then will say, 'O my Lord! Let me go to the gate of Paradise.' Allah will ask him, 'Didn't you give pledges and make covenants (to the effect) that you would not ask for anything more than what you requested at first?' He will say, 'O my Lord! Do not make me the most wretched, amongst Your creatures.' Allah will say, 'If this request is granted, will you then ask for anything else?' He will say, 'No! By Your Power! I shall not ask for anything else.' Then he will give to his Lord what He will of the pledges and the covenants. Allah will then let him go to the gate of Paradise. On reaching then and seeing its life, charm, and pleasure, he will remain quiet as long as Allah wills and then will say, 'O my Lord ! Let me enter Paradise.' Allah will say, May Allah be merciful unto you, O son of Adam! How treacherous you are! Haven't you made covenants and given pledges that you will not ask for anything more that what you have been given?' He will say, 'O my Lord! Do not make me the most wretched amongst Your creatures.' So Allah will laugh and allow him to enter Paradise and will ask him to request as much as he likes. He will do so till all his desires have been fulfilled . Then Allah will say, 'Request more of such and such things.' Allah will remind him and when all his desires and wishes; have been fulfilled, Allah will say All this is granted to you and a similar amount besides. Abu Sa`id Al-Khudri, said to Abu Huraira, 'Allah's Messenger (ﷺ) said, Allah said, 'That is for you and ten times more like it.' Abu Huraira said, I do not remember from Allah's Messenger (ﷺ) except (his saying), 'All this is granted to you and a similar amount besides. Abu Sa`id said, I heard him saying, 'That is for you and ten times more the like of it.

":"ہم سے ابوالیمان نے بیان کیا ، کہا کہ ہمیں شعیب نے زہری سے خبر دی ، انہوں نے بیان کیا کہ مجھے سعید بن مسیب اور عطاء بن یزید لیثی نے خبر دی کہ ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے انہیں خبر دی کہلوگوں نے پوچھا یا رسول اللہ ! کیا ہم اپنے رب کو قیامت میں دیکھ سکیں گے ؟ آپ نے ( جواب کے لیے ) پوچھا ، کیا تمہیں چودھویں رات کے چاند کے دیکھنے میں جب کہ اس کے قریب کہیں بادل بھی نہ ہو شبہ ہوتا ہے ؟ لوگ بولے ہرگز نہیں یا رسول اللہ ! پھر آپ نے پوچھا اور کیا تمہیں سورج کے دیکھنے میں جب کہ اس کے قریب کہیں بادل بھی نہ ہو شبہ ہوتا ہے ۔ لوگوں نے کہا کہ نہیں یا رسول اللہ ! پھر آپ نے فرمایا کہ رب العزت کو تم اسی طرح دیکھو گے ۔ لوگ قیامت کے دن جمع کئے جائیں گے ۔ پھر اللہ تعالیٰ فرمائے گا کہ جو جسے پوجتا تھا وہ اس کے ساتھ ہو جائے ۔ چنانچہ بہت سے لوگ سورج کے پیچھے ہو لیں گے ، بہت سے چاند کے اور بہت سے بتوں کے ساتھ ہو لیں گے ۔ یہ امت باقی رہ جائے گی ۔ اس میں منافقین بھی ہوں گے ۔ پھر اللہ تعالیٰ ایک نئی صورت میں آئے گا اور ان سے کہے گا کہ میں تمہارا رب ہوں ۔ وہ منافقین کہیں گے کہ ہم یہیں اپنے رب کے آنے تک کھڑے رہیں گے ۔ جب ہمارا رب آئے گا تو ہم اسے پہچان لیں گے ۔ پھر اللہ عزوجل ان کے پاس ( ایسی صورت میں جسے وہ پہچان لیں ) آئے گا اور فرمائے گا کہ میں تمہارا رب ہوں ۔ وہ بھی کہیں گے کہ بیشک تو ہمارا رب ہے ۔ پھر اللہ تعالیٰ بلائے گا ۔ پل صراط جہنم کے بیچوں بیچ رکھا جائے گا اور آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم فرماتے ہیں کہ میں اپنی امت کے ساتھ اس سے گزرنے والا سب سے پہلا رسول ہوں گا ۔ اس روز سوا انبیاء کے کوئی بھی بات نہ کر سکے گا اور انبیاء بھی صرف یہ کہیں گے ۔ اے اللہ ! مجھے محفوظ رکھیو ! اے اللہ ! مجھے محفوظ رکھیو ! اور جہنم میں سعدان کے کانٹوں کی طرح آنکس ہوں گے ۔ سعدان کے کانٹے تو تم نے دیکھے ہوں گے ؟ صحابہ رضی اللہ عنہم نے عرض کیا کہا ہاں ! ( آپ نے فرمایا ) تو وہ سعدان کے کانٹوں کی طرح ہوں گے ۔ البتہ ان کے طول و عرض کو سوا اللہ تعالیٰ کے اور کوئی نہیں جانتا ۔ یہ آنکس لوگوں کو ان کے اعمال کے مطابق کھینچ لیں گے ۔ بہت سے لوگ اپنے عمل کی وجہ سے ہلاک ہوں گے ۔ بہت سے ٹکڑے ٹکڑے ہو جائیں گے ۔ پھر ان کی نجات ہو گی ۔ جہنمیوں میں سے اللہ تعالیٰ جس پر رحم فرمانا چاہے گا تو ملائکہ کو حکم دے گا کہ جو خالص اللہ تعالیٰ ہی کی عبادت کرتے تھے انہیں باہر نکال لو ۔ چنانچہ ان کو وہ باہر نکالیں گے اور موحدوں کو سجدے کے آثار سے پہچانیں گے ۔ اللہ تعالیٰ نے جہنم پر سجدہ کے آثار کا جلانا حرام کر دیا ہے ۔ چنانچہ یہ جب جہنم سے نکالے جائیں گے تو اثر سجدہ کے سوا ان کے جسم کے تمام ہی حصوں کو آگ جلا چکی ہو گی ۔ جب جہنم سے باہر ہوں گے تو بالکل جل چکے ہوں گے ۔ اس لیے ان پر آب حیات ڈالا جائے گا ۔ جس سے وہ اس طرح ابھر آئیں گے ۔ جیسے سیلاب کے کوڑے کرکٹ پر سیلاب کے تھمنے کے بعد سبزہ ابھر آتا ہے ۔ پھر اللہ تعالیٰ بندوں کے حساب سے فارغ ہو جائے گا ۔ لیکن ایک شخص جنت اور دوزخ کے درمیان اب بھی باقی رہ جائے گا ۔ یہ جنت میں داخل ہونے والا آخری دوزخی شخص ہو گا ۔ اس کا منہ دوزخ کی طرف ہو گا ۔ اس لیے کہے گا کہ اے میرے رب ! میرے منہ کو دوزخ کی طرف سے پھیر دے ۔ کیونکہ اس کی بدبو مجھ کو مارے ڈالتی ہے اور اس کی چمک مجھے جلائے دیتی ہے ۔ اللہ تعالیٰ پوچھے گا کیا اگر تیری یہ تمنا پوری کر دوں تو تو دوبارہ کوئی نیا سوال تو نہیں کرے گا ؟ بندہ کہے گا نہیں تیری بزرگی کی قسم ! اور جیسے جیسے اللہ چاہے گا وہ قول و قرار کرے گا ۔ آخر اللہ تعالیٰ جہنم کی طرف سے اس کا منہ پھیر دے گا ۔ جب وہ جنت کی طرف منہ کرے گا اور اس کی شادابی نظروں کے سامنے آئی تو اللہ نے جتنی دیر چاہا وہ چپ رہے گا ۔ لیکن پھر بول پڑے گا اے اللہ ! مجھے جنت کے دروازے کے قریب پہنچا دے ۔ اللہ تعالیٰ پوچھے گا کیا تو نے عہد و پیمان نہیں باندھا تھا کہ اس ایک سوال کے سوا اور کوئی سوال تو نہیں کرے گا ۔ بندہ کہے گا اے میرے رب ! مجھے تیری مخلوق میں سب سے زیادہ بدنصیب نہ ہونا چاہئے ۔ اللہ رب العزت فرمائے گا کہ پھر کیا ضمانت ہے کہ اگر تیری یہ تمنا پوری کر دی گئی تو دوسرا کوئی سوال تو نہیں کرے گا ۔ بندہ کہے گا نہیں تیری عزت کی قسم اب دوسرا سوال کوئی تجھ سے نہیں کروں گا ۔ چنانچہ اپنے رب سے ہر طرح عہد و پیمان باندھے گا اور جنت کے دروازے تک پہنچا دیا جائے گا ۔ دروازہ پر پہنچ کر جب جنت کی پنہائی ، تازگی اور مسرتوں کو دیکھے گا تو جب تک اللہ تعالیٰ چاہے گا وہ بندہ چپ رہے گا ۔ لیکن آخر بول پڑے گا کہ اے اللہ ! مجھے جنت کے اندر پہنچا دے ۔ اللہ تعالیٰ فرمائے گا ۔ افسوس اے ابن آدم ! تو ایسا دغاباز کیوں بن گیا ؟ کیا ( ابھی ) تو نے عہد و پیمان نہیں باندھا تھا کہ جو کچھ مجھے دیا گیا ، اس سے زیادہ اور کچھ نہ مانگوں گا ۔ بندہ کہے گا اے رب ! مجھے اپنی سب سے زیادہ بدنصیب مخلوق نہ بنا ۔ اللہ پاک ہنس دے گا اور اسے جنت میں بھی داخلہ کی اجازت عطا فرما دے گا اور پھر فرمائے گا مانگ کیا ہے تیری تمنا ۔ چنانچہ وہ اپنی تمنائیں ( اللہ تعالیٰ کے سامنے ) رکھے گا اور جب تمام تمنائیں ختم ہو جائیں گی تو اللہ تعالیٰ فرمائے گا کہ فلاں چیز اور مانگو ، فلاں چیز کا مزید سوال کرو ۔ خود اللہ پاک ہی یاددہانی کرائے گا ۔ اور جب وہ تمام تمنائیں پوری ہو جائیں گی تو فرمائے گا کہ تمہیں یہ سب اور اتنی ہی اور دی گئیں ۔ حضرت ابو سعید خدری رضی اللہ عنہ نے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے کہا کہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ یہ اور اس سے دس گنا اور زیادہ تمہیں دی گئیں ۔ اس پر حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے فرمایا کہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کی یہی بات صرف مجھے یاد ہے کہ تمہیں یہ تمنائیں اور اتنی ہی اور دی گئیں ۔ لیکن حضرت ابوسعید رضی اللہ عنہ نے فرمایا کہ میں نے آپ کو یہ کہتے سنا تھا کہ یہ اور اس کی دس گنا تمنائیں تجھ کو دی گئیں ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [806] .

     قَوْلُهُ  وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ آثَار السُّجُود وَقد ورده بِتَمَامِهِ أَيْضًا فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذِكْرِ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ رُوَاتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ آثَارَ السُّجُودِ فَقِيلَ هِيَ الْأَعْضَاءُ السَّبْعَةُ الْآتِي ذكرهَا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَرِيبًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ الْمُرَادُ الْجَبْهَةُ خَاصَّةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَخُصُّ الْعُمُومَ الَّذِي فِي الأولىوَاغْتَرَّتْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا هَذَا هُوَ الِاسْتِسْقَاءُ الْمَشْرُوعُ لَا غَيْرَ وَجَعَلُوا الِاسْتِسْقَاءَ بِالْبُرُوزِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَالصَّلَاةِ بِدْعَةً وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْوَاعٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ نَوْعٍ إِبْطَالُ نَوْعٍ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ ثَلَاثًا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكَرُّرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ وَجَمَاعَتُهَا قَزَعٌ كَقَصَبَةٍ وَقَصَبٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَرِيفِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ جَبَلٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْإِخْبَارُ عَنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ متصلا بسؤاله من غير تقديم سَحَابٍ وَلَا قَزَعٍ وَلَا سَبَبٍ آخَرَ لَا ظَاهِرٍ وَلَا بَاطِنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ أَيْ نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِلسَّمَاءِ وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ لِلْمَطَرِ أَصْلًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وأمطرنا عليهم حجارة وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ به .

     قَوْلُهُ  مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ قِطْعَةً مِنَ الزَّمَانِ وَأَصْلُالسَّبْتِ الْقَطْعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شُكِيَ إِلَيْهِ كَثْرَةُ الْمَطَرِ وَانْقِطَاعُ السُّبُلِ وَهَلَاكُ الْأَمْوَالِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ اللَّهُمَّ حَوْلَنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَوَالَيْنَا وَهُمَا صَحِيحَانِ وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي هَذَا الْفَصْلِ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْسِ وَفِيهِ أَدَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَفْعَ الْمَطَرِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ سَأَلَ رَفْعَ ضَرَرِهِ وَكَشْفَهُ عَنِ الْبُيُوتِ وَالْمَرَافِقِ وَالطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ساكن ولا بن سَبِيلٍ وَسَأَلَ بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعُهُ وَخِصْبُهُ وَهِيَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَذْكُورِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِكَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا آكَامٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَيُقَالُ أَكَمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَأُكُمٌ بِضَمِّهِمَا وَهِيَ دُونَ الْجَبَلِ وَأَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ وَقِيلَ دُونَ الرَّابِيَةِ.

.
وَأَمَّا الظِّرَابُ فَبِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُهَا ظَرِبٌ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَارُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ عَلَى الْمَنَازِلِ وَالْمَرَافِقِ إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ وَلَكِنْ لَا تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا اجْتِمَاعٌ فِي الصَّحْرَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي أَكْثَرِهَا فَانْقَلَعَتْ وَهُمَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ أَيْ قَحْطٌ.

     قَوْلُهُ  فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَجَّرَتْ أَيْ تَقَطَّعَ السَّحَابُ وَزَالَ عَنْهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ هِيَ بفتح الجيم واسكان الواو وبالباء الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْفَجْوَةُ وَمَعْنَاهُ تَقَطَّعَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَصَارَ مُسْتَدِيرًا حَوْلَهَا وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَسَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَنَاةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ زُرُوعٌ لَهُمْ فَأَضَافَهُ هُنَا إِلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَ بِجَوْدٍ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ .

     قَوْلُهُ  قَحَطَ الْمَطَرُ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَمْسَكَ .

     قَوْلُهُ  وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ كِنَايَةٌ عَنْ يُبْسِ وَرَقِهَا وَظُهُورِ عُودِهَا .

     قَوْلُهُ  فَتَقَشَّعَتْ أَيْ زَالَتْ .

     قَوْلُهُ  وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُمْطِرُ وَبِنَصْبِ قَطْرَةٍ .

     قَوْلُهُ  مِثْلِ الْإِكْلِيلِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ الْعِصَابَةُ وَتُطْلَقُ عَلَىوَاغْتَرَّتْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا هَذَا هُوَ الِاسْتِسْقَاءُ الْمَشْرُوعُ لَا غَيْرَ وَجَعَلُوا الِاسْتِسْقَاءَ بِالْبُرُوزِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَالصَّلَاةِ بِدْعَةً وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْوَاعٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ نَوْعٍ إِبْطَالُ نَوْعٍ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ ثَلَاثًا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكَرُّرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ وَجَمَاعَتُهَا قَزَعٌ كَقَصَبَةٍ وَقَصَبٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَرِيفِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ جَبَلٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْإِخْبَارُ عَنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ متصلا بسؤاله من غير تقديم سَحَابٍ وَلَا قَزَعٍ وَلَا سَبَبٍ آخَرَ لَا ظَاهِرٍ وَلَا بَاطِنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ أَيْ نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِلسَّمَاءِ وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ لِلْمَطَرِ أَصْلًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وأمطرنا عليهم حجارة وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ به .

     قَوْلُهُ  مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ قِطْعَةً مِنَ الزَّمَانِ وَأَصْلُالسَّبْتِ الْقَطْعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شُكِيَ إِلَيْهِ كَثْرَةُ الْمَطَرِ وَانْقِطَاعُ السُّبُلِ وَهَلَاكُ الْأَمْوَالِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ اللَّهُمَّ حَوْلَنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَوَالَيْنَا وَهُمَا صَحِيحَانِ وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي هَذَا الْفَصْلِ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْسِ وَفِيهِ أَدَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَفْعَ الْمَطَرِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ سَأَلَ رَفْعَ ضَرَرِهِ وَكَشْفَهُ عَنِ الْبُيُوتِ وَالْمَرَافِقِ وَالطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ساكن ولا بن سَبِيلٍ وَسَأَلَ بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعُهُ وَخِصْبُهُ وَهِيَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَذْكُورِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِكَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا آكَامٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَيُقَالُ أَكَمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَأُكُمٌ بِضَمِّهِمَا وَهِيَ دُونَ الْجَبَلِ وَأَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ وَقِيلَ دُونَ الرَّابِيَةِ.

.
وَأَمَّا الظِّرَابُ فَبِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُهَا ظَرِبٌ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَارُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ عَلَى الْمَنَازِلِ وَالْمَرَافِقِ إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ وَلَكِنْ لَا تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا اجْتِمَاعٌ فِي الصَّحْرَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي أَكْثَرِهَا فَانْقَلَعَتْ وَهُمَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ أَيْ قَحْطٌ.

     قَوْلُهُ  فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَجَّرَتْ أَيْ تَقَطَّعَ السَّحَابُ وَزَالَ عَنْهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ هِيَ بفتح الجيم واسكان الواو وبالباء الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْفَجْوَةُ وَمَعْنَاهُ تَقَطَّعَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَصَارَ مُسْتَدِيرًا حَوْلَهَا وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَسَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَنَاةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ زُرُوعٌ لَهُمْ فَأَضَافَهُ هُنَا إِلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَ بِجَوْدٍ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ .

     قَوْلُهُ  قَحَطَ الْمَطَرُ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَمْسَكَ .

     قَوْلُهُ  وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ كِنَايَةٌ عَنْ يُبْسِ وَرَقِهَا وَظُهُورِ عُودِهَا .

     قَوْلُهُ  فَتَقَشَّعَتْ أَيْ زَالَتْ .

     قَوْلُهُ  وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُمْطِرُ وَبِنَصْبِ قَطْرَةٍ .

     قَوْلُهُ  مِثْلِ الْإِكْلِيلِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ الْعِصَابَةُ وَتُطْلَقُ عَلَىوَاغْتَرَّتْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا هَذَا هُوَ الِاسْتِسْقَاءُ الْمَشْرُوعُ لَا غَيْرَ وَجَعَلُوا الِاسْتِسْقَاءَ بِالْبُرُوزِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَالصَّلَاةِ بِدْعَةً وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْوَاعٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ نَوْعٍ إِبْطَالُ نَوْعٍ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ ثَلَاثًا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكَرُّرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ وَجَمَاعَتُهَا قَزَعٌ كَقَصَبَةٍ وَقَصَبٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَرِيفِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ جَبَلٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْإِخْبَارُ عَنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ متصلا بسؤاله من غير تقديم سَحَابٍ وَلَا قَزَعٍ وَلَا سَبَبٍ آخَرَ لَا ظَاهِرٍ وَلَا بَاطِنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ أَيْ نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِلسَّمَاءِ وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ لِلْمَطَرِ أَصْلًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وأمطرنا عليهم حجارة وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ به .

     قَوْلُهُ  مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ قِطْعَةً مِنَ الزَّمَانِ وَأَصْلُالسَّبْتِ الْقَطْعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شُكِيَ إِلَيْهِ كَثْرَةُ الْمَطَرِ وَانْقِطَاعُ السُّبُلِ وَهَلَاكُ الْأَمْوَالِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ اللَّهُمَّ حَوْلَنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَوَالَيْنَا وَهُمَا صَحِيحَانِ وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي هَذَا الْفَصْلِ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْسِ وَفِيهِ أَدَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَفْعَ الْمَطَرِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ سَأَلَ رَفْعَ ضَرَرِهِ وَكَشْفَهُ عَنِ الْبُيُوتِ وَالْمَرَافِقِ وَالطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ساكن ولا بن سَبِيلٍ وَسَأَلَ بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعُهُ وَخِصْبُهُ وَهِيَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَذْكُورِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِكَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا آكَامٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَيُقَالُ أَكَمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَأُكُمٌ بِضَمِّهِمَا وَهِيَ دُونَ الْجَبَلِ وَأَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ وَقِيلَ دُونَ الرَّابِيَةِ.

.
وَأَمَّا الظِّرَابُ فَبِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُهَا ظَرِبٌ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَارُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ عَلَى الْمَنَازِلِ وَالْمَرَافِقِ إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ وَلَكِنْ لَا تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا اجْتِمَاعٌ فِي الصَّحْرَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي أَكْثَرِهَا فَانْقَلَعَتْ وَهُمَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ أَيْ قَحْطٌ.

     قَوْلُهُ  فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَجَّرَتْ أَيْ تَقَطَّعَ السَّحَابُ وَزَالَ عَنْهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ هِيَ بفتح الجيم واسكان الواو وبالباء الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْفَجْوَةُ وَمَعْنَاهُ تَقَطَّعَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَصَارَ مُسْتَدِيرًا حَوْلَهَا وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَسَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَنَاةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ زُرُوعٌ لَهُمْ فَأَضَافَهُ هُنَا إِلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَ بِجَوْدٍ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ .

     قَوْلُهُ  قَحَطَ الْمَطَرُ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَمْسَكَ .

     قَوْلُهُ  وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ كِنَايَةٌ عَنْ يُبْسِ وَرَقِهَا وَظُهُورِ عُودِهَا .

     قَوْلُهُ  فَتَقَشَّعَتْ أَيْ زَالَتْ .

     قَوْلُهُ  وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُمْطِرُ وَبِنَصْبِ قَطْرَةٍ .

     قَوْلُهُ  مِثْلِ الْإِكْلِيلِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ الْعِصَابَةُ وَتُطْلَقُ عَلَىوَاغْتَرَّتْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا هَذَا هُوَ الِاسْتِسْقَاءُ الْمَشْرُوعُ لَا غَيْرَ وَجَعَلُوا الِاسْتِسْقَاءَ بِالْبُرُوزِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَالصَّلَاةِ بِدْعَةً وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْوَاعٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ نَوْعٍ إِبْطَالُ نَوْعٍ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ ثَلَاثًا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكَرُّرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ وَجَمَاعَتُهَا قَزَعٌ كَقَصَبَةٍ وَقَصَبٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَرِيفِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ جَبَلٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْإِخْبَارُ عَنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ متصلا بسؤاله من غير تقديم سَحَابٍ وَلَا قَزَعٍ وَلَا سَبَبٍ آخَرَ لَا ظَاهِرٍ وَلَا بَاطِنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ أَيْ نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِلسَّمَاءِ وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ لِلْمَطَرِ أَصْلًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وأمطرنا عليهم حجارة وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ به .

     قَوْلُهُ  مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ قِطْعَةً مِنَ الزَّمَانِ وَأَصْلُالسَّبْتِ الْقَطْعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شُكِيَ إِلَيْهِ كَثْرَةُ الْمَطَرِ وَانْقِطَاعُ السُّبُلِ وَهَلَاكُ الْأَمْوَالِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ اللَّهُمَّ حَوْلَنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَوَالَيْنَا وَهُمَا صَحِيحَانِ وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي هَذَا الْفَصْلِ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْسِ وَفِيهِ أَدَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَفْعَ الْمَطَرِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ سَأَلَ رَفْعَ ضَرَرِهِ وَكَشْفَهُ عَنِ الْبُيُوتِ وَالْمَرَافِقِ وَالطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ساكن ولا بن سَبِيلٍ وَسَأَلَ بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعُهُ وَخِصْبُهُ وَهِيَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَذْكُورِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِكَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا آكَامٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَيُقَالُ أَكَمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَأُكُمٌ بِضَمِّهِمَا وَهِيَ دُونَ الْجَبَلِ وَأَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ وَقِيلَ دُونَ الرَّابِيَةِ.

.
وَأَمَّا الظِّرَابُ فَبِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُهَا ظَرِبٌ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَارُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ عَلَى الْمَنَازِلِ وَالْمَرَافِقِ إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ وَلَكِنْ لَا تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا اجْتِمَاعٌ فِي الصَّحْرَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي أَكْثَرِهَا فَانْقَلَعَتْ وَهُمَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ أَيْ قَحْطٌ.

     قَوْلُهُ  فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَجَّرَتْ أَيْ تَقَطَّعَ السَّحَابُ وَزَالَ عَنْهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ هِيَ بفتح الجيم واسكان الواو وبالباء الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْفَجْوَةُ وَمَعْنَاهُ تَقَطَّعَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَصَارَ مُسْتَدِيرًا حَوْلَهَا وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَسَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَنَاةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ زُرُوعٌ لَهُمْ فَأَضَافَهُ هُنَا إِلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَ بِجَوْدٍ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ .

     قَوْلُهُ  قَحَطَ الْمَطَرُ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَمْسَكَ .

     قَوْلُهُ  وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ كِنَايَةٌ عَنْ يُبْسِ وَرَقِهَا وَظُهُورِ عُودِهَا .

     قَوْلُهُ  فَتَقَشَّعَتْ أَيْ زَالَتْ .

     قَوْلُهُ  وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُمْطِرُ وَبِنَصْبِ قَطْرَةٍ .

     قَوْلُهُ  مِثْلِ الْإِكْلِيلِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ الْعِصَابَةُ وَتُطْلَقُ عَلَىوَاغْتَرَّتْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا هَذَا هُوَ الِاسْتِسْقَاءُ الْمَشْرُوعُ لَا غَيْرَ وَجَعَلُوا الِاسْتِسْقَاءَ بِالْبُرُوزِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَالصَّلَاةِ بِدْعَةً وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْوَاعٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ نَوْعٍ إِبْطَالُ نَوْعٍ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ ثَلَاثًا فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكَرُّرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ وَجَمَاعَتُهَا قَزَعٌ كَقَصَبَةٍ وَقَصَبٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَرِيفِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ جَبَلٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْإِخْبَارُ عَنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ متصلا بسؤاله من غير تقديم سَحَابٍ وَلَا قَزَعٍ وَلَا سَبَبٍ آخَرَ لَا ظَاهِرٍ وَلَا بَاطِنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ أَيْ نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِلسَّمَاءِ وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ لِلْمَطَرِ أَصْلًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وأمطرنا عليهم حجارة وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ به .

     قَوْلُهُ  مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا هُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ قِطْعَةً مِنَ الزَّمَانِ وَأَصْلُالسَّبْتِ الْقَطْعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شُكِيَ إِلَيْهِ كَثْرَةُ الْمَطَرِ وَانْقِطَاعُ السُّبُلِ وَهَلَاكُ الْأَمْوَالِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ اللَّهُمَّ حَوْلَنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَوَالَيْنَا وَهُمَا صَحِيحَانِ وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي هَذَا الْفَصْلِ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْسِ وَفِيهِ أَدَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَفْعَ الْمَطَرِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ سَأَلَ رَفْعَ ضَرَرِهِ وَكَشْفَهُ عَنِ الْبُيُوتِ وَالْمَرَافِقِ وَالطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ساكن ولا بن سَبِيلٍ وَسَأَلَ بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعُهُ وَخِصْبُهُ وَهِيَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَذْكُورِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِكَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا آكَامٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَيُقَالُ أَكَمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَأُكُمٌ بِضَمِّهِمَا وَهِيَ دُونَ الْجَبَلِ وَأَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ وَقِيلَ دُونَ الرَّابِيَةِ.

.
وَأَمَّا الظِّرَابُ فَبِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُهَا ظَرِبٌ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَارُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ عَلَى الْمَنَازِلِ وَالْمَرَافِقِ إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ وَلَكِنْ لَا تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا اجْتِمَاعٌ فِي الصَّحْرَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي أَكْثَرِهَا فَانْقَلَعَتْ وَهُمَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ أَيْ قَحْطٌ.

     قَوْلُهُ  فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَجَّرَتْ أَيْ تَقَطَّعَ السَّحَابُ وَزَالَ عَنْهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ هِيَ بفتح الجيم واسكان الواو وبالباء الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْفَجْوَةُ وَمَعْنَاهُ تَقَطَّعَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَصَارَ مُسْتَدِيرًا حَوْلَهَا وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَسَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَنَاةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ زُرُوعٌ لَهُمْ فَأَضَافَهُ هُنَا إِلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَسَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَ بِجَوْدٍ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ .

     قَوْلُهُ  قَحَطَ الْمَطَرُ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَمْسَكَ .

     قَوْلُهُ  وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ كِنَايَةٌ عَنْ يُبْسِ وَرَقِهَا وَظُهُورِ عُودِهَا .

     قَوْلُهُ  فَتَقَشَّعَتْ أَيْ زَالَتْ .

     قَوْلُهُ  وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُمْطِرُ وَبِنَصْبِ قَطْرَةٍ .

     قَوْلُهُ  مِثْلِ الْإِكْلِيلِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ الْعِصَابَةُ وَتُطْلَقُ عَلَى( قَولُهُ بَابُ يُبْدِي ضَبْعَيْهِ بِفَتْحِ) الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ تَثْنِيَةُ ضَبْعٍ وَهُوَ وَسَطُ الْعَضُدِ مِنْ دَاخِلٍ وَقِيلَ هُوَ لَحْمَةٌ تَحْتَ الْإِبِطِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [806] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا "أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ.
فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ، وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ.
ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ -وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ- مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا.
فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ.
فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ.
فَيَقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لاَ، وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ.
فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ.
فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى.
حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِن كَذَا وَكَذَا -أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ- حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما-: - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ قَوْلَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» ".
[الحديث طرفاه في: 6573، 7437] .
( باب فضل السجود) .
وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال: أخبرني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة) رضي الله عنه ( أخبرهما أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى) أي نبصر ( ربنا يوم القيامة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: ( هل تمارون) بضم التاء والراء، من المماراة، وهي: المجادلة وللأصيلي: تمارون، بفتح التاء والراء، وأصله.
تتمارون حذفت إحدى التاءين.
أي هل تشكون ( في) رؤية ( القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب) ؟ ( قالوا: لا يا رسول الله.
قال)
: ( فهل تمارون) بضم التاء والراء أو بفتحهما ( في الشمس) ولأبي ذر والأصيلي: في رؤية الشمس ( ليس دونها سحاب) ( قالوا: لا.
قال)
: وللأصيلي: قالوا: لا يا رسول الله.
قال.
( فإنكم ترونه) تعالى ( كذلك) بلا مرية ظاهرًا جليًّا ينكشف تعالى لعباده بحيث تكون نسبة ذلك الانكشاف إلى ذاته المخصوصة، كنسبة الإبصار إلى هذه المبصرات المادّية، لكنه يكون مجرّدًا عن ارتسام صورة المرئي، وعن اتصال الشعاع بالمرئي، وعن المحاذاة، والجهة، والمكان لأنها وإن كانت أمورًا رزمة للرؤية عادة، فالعقل يجوّز ذلك بدونها، ( ويحشر الناس يوم القيامة فيقول) : الله تعالى، أو: فيقول القائل ( من كان يعبد شيئًا فليتبع) بتشديد المثناة الفوقية وكسر الموحدة، ولأبوي ذر والوقت: فليتبعه، بضمير المفعول مع التشديد والكسر، أو التخفيف مع الفتح، وهو الذي في اليونينية لا غير ( فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت) جمع طاغوت، الشيطان أو الصنم، أو كل رأس في الضلال أو كل ما عبد من دون الله، وصدّ عن عبادة الله، أو الساحر، أو الكاهن، أو مردة أهل الكتاب، فعلوت من الطغيان، قلب عينه ولامه ( وتبقى هذه الأمة) المحمدية ( فيها منافقوها) يستترون بها كما كانوا في الدنيا، واتبعوهم لما انكشفت لهما الحقيقة لعلهم ينتفعون بذلك، حتى { ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} ( فيأتيهم الله عز وجل) أي يظهر لهم في غير صورته، أي: في غير صفته التي يعرفونها من الصفات التي تبعدهم بها عن الدنيا امتحانًا منه، ليقع التمييز بينهم وبين غيرهم ممن يعبد غيره تعالى، ( فيقول: أنا ربكم) فيستعيذون بالله منه لم يظهر لهم بالصفات التي يعرفونها بل بما استأثر بعلمه تعالى، لأن معهم منافقين لا يستحقون الرؤية، وهم من ربهم محجوبون، ( فيقولون: هذا مكاننا) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو اسم الإشارة ( حتى يأتينا) يظهر لنا ( ربنا، فإذا جاء) ظهر ( ربنا عرفناه، فيأتيهم الله) عز وجل، أي: يظهر متجليًّا بصفاته المعروفة عندهم، وقد تميز المؤمن من المنافق ( فيقول: أنا ربكم) فإذا رأوا ذلك عرفوه به تعالى ( فيقولون: أنت ربنا) .
ويحتمل أن يكون الأوّل قول المنافقين، والثاني قول المؤمنين.
وقيل: الآتي في الأوّل ملك، ورجحه عياض أي: يأتيهم ملك الله، حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وعورض بأن الملك معصوم، فكيف يقول: أنا ربكم.
وأجيب: بأنّا لا نسلم عصمته من هذه الصغيرة، وردّ بأنه يلزم منه أن يكون قول فرعون: أنا ربكم من الصغائر، فالصواب ما سبق.
( فيدعوهم) ربهم، ( فيضرب) بالفاء وضم الياء وفتح الراء مبنيًّا للمفعول، ولأبوي ذر والوقت وذر والأصيلي وابن عساكر: ويضرب ( الصراط بين ظهراني جهنم) بفتح الظاء وسكون الهاء وفتح النون، أي ظهري، فزيدت الألف والنون للمبالغة، أي على وسط جهنم ( فأكون أوّل من يجوز) بالواو، وفي بعض النسخ: يجيز، بالياء مع ضم أوّله، وهي لغة في: جاز.
يقال: جاز بمعنى، أي: يقطع مسافة الصراط.
( من الرسل) عليهم الصلاة والسلام( بأمته، ولا يتكلم) لشدّة الهول ( يومئذ) أي حال الإجازة على الصراط ( أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ) على الصراط: ( اللهم سلّم سلّم) شفقة منهم على الخلق ورحمة ( وفي جهنم كلاليب) جمع كلوب، بفتح الكاف وضم اللام ( مثل شوك السعدان) بفتح أوّله، نبت له شوك من جيد مراعي الإبل، يضرب به المثل فيقال: مرعى ولا كالسعدان.
( هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم) رأيناه ( قال: فإنها) أي الكلاليب ( مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله) تعالى، ( تخطف) بفتح الطاء في الأفصح، وقد تكسر، وللكشميهني: فتختطف بالفاء في أوّله وفوقية بعد الخاء وكسر الطاء، أي تأخذ ( الناس) بسرعة ( بأعمالهم) أي بسبب أعمالهم السيئة، أو على حسب أعمالهم، أو بقدرها ( فمنهم من يوبق) بموحدة، مبنيًّا للمفعول، أي: يهلك ( بعمله) وقال الطبري: يوثق بالمثلثة، من الوثاق، ( ومنهم من يخردل) بخاء معجمة ودال مهمة، وعن عبيد بالذال المعجمة، أي يقطع صغارًا كالخردل، والمعنى: أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي إلى النار، وللأصيلي: بالجيم، من الجردلة، بمعنى: الإشراف على الهلاك ( ثم ينجو، حتى إذا أراد الله) عز وجل ( رحمة من أراد من أهل النار) أي الداخلين فيها وهم المؤمنون الخلص، إذ الكافر لا ينجو منها أبدًا، ( أمر الله الملائكة أن يخرجوا) منها ( من كان يعبد الله) وحده، ( فيخرجونهم) منها، ( ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله) عز وجل ( على النار أن تأكل أثر السجود) أي موضع أثره، وهي الأعضاء السبعة، أو الجهة خاصة لحديث، إن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم، رواه مسلم: وهذا موضع الترجمة.
واستشهد له ابن بطال بحديث: أقرب ما يكون العبد إذا سجد، وهو واضح.
وقال الله تعالى { واسجد واقترب} [العلق: 19] .
وقال بعضهم: إن الله تعالى يباهي بالساجدين من عبيده ملائكته المقرّبين.
يقول لهم: يا ملائكتي أنا قربتكم ابتداءً، وجعلتكم من خواص ملائكتي، وهذا عبدي جعلت بينه وبين القربة حجبًا كثيرة، وموانع عظيمة مِن أغراض نفسية، وشهوات حسيّة، وتدبير أهل ومال وأهوال، فقطع كل ذلك وجاهد حتى سجد واقترب، فكان من المقربين.
قال: ولعن الله إبليس لإبائه عن السجود لعنة أبلسه بها وآيسه من رحمته إلى يوم القيامة.
اهـ.
وعورض بأن السجود الذي أمر به إبليس لا تعلم هيئته ولا تقتضي اللعنة اختصاص السجود بالهيئة العرفية، وأيضًا فإبليس إنما استوجب اللعنة بكفره حيث جحد ما نص الله عليه من فضل آدم، فجنح إلى قياس فاسد يعارض به النص، ويكذبه، ولعنه الله.
قاله ابن المنير: ( فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار) أي: فكل أعضاء ابن آدم تأكلها النار ( إلا أثر السجود) أي: مواضع أثره ( فيخرجون من النار قد امتحشوا) بالمثناة الفوقية والمهملة المفتوحتين والشين المعجمة، بالبناء للفاعل، وفي بعض النسخ: امتحشوا، بضم المثناة وكسر الحاء، بالبناء للمفعول.
أي: احترقوا واسودّوا.
( فيصب عليهم) بضم المثناة مبنيًّا للمفعول، والنائب عن الفاعل قوله: ( ماء الحياة) الذي من شرب منه أو صب عليه لم يمت أبدًا، ( فينبتون كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة.
بزور الصحراء مما ليس بقوت ( في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم، ما جاء به من طين ونحوه.
شبه به لأنه أسرع في الإنبات ( ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد) ، الإسناد فيه مجازي، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، فالمراد إتمام الحكم بين العباد بالثواب والعقاب، ( ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة) حال كونه ( مقبلاً بوجهه قبل النار) بكسر القاف وفتح الموحدة: أي: جهتها.
ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر: مقبل بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: هو مقبل ( فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار) وللحموي والمستملي: من النار ( قد) ولأبي ذر: فقد ( قشبني) بقاف فشين معجمة مخففة فموحدة مفتوحات، والذي في اللغة بتشديدة الشين، أي سمني وأهلكني ( ريحها) ، وكل مسموم قشيب، أي: صارريحها كالسم في أنفي ( وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال المعجمة والمد، وهو الذي في فرع اليونينية.
قال النووي، وهو الذي وقع في جميع الروايات، أي: أحرقني لهبها واشتعالها وشدة وهجها، ولأبي ذر، مما في هامش الفرع، وصحح عليه: ذكاها بالفتح والقصر.
قال النووي: وهو الأشهر في اللغة، وذكر جماعة أنهما لغتان.
اهـ.
وعورض بأن ذكا النار مقصور يكتب بالألف، لأنه من الواو من قولهم: ذكت النار تذكو ذكوًا، فأما ذكاء بالمدّ فلم يأت عنهم في النار، وإنما جاء في الفهم.
( فيقول) الله تعالى: ( هل عسيت) بفتح السين وكسرها، وهي لغة مع تاء الفاعل مطلقًا، ومع نا، ومع نون الإناث، نحو: عسينا وعسين، وهي لغة الحجاز، لكن قول الفراء: لست أستحبها لأنها شاذة يأبى كونها حجازية.
وأجيب بأن المراد بكونها شاذة أي: قليلة بالنسبة إلى الفتح، وإن ثبتت فعند أقلهم جمعًا بين القولين.
( إن فعل ذلك) الصرف الذي يدل عليه قوله الآتي، إن شاء الله تعالى: الصرف وجهي عن النار.
والهمزة من أن مكسورة حرف شرط، وفعل بضم الفاء وكسر العين، مبنيًّا للمفعول، ( بك أن تسأل) بفتح همزة أن الخفيفة، وتاليها نصب بها ( غير ذلك) بالنصب بتسأل.
( فيقول) الرجل: ( لا، و) حق ( عزتك) لا أسأل غيره، ( فيعطي الله) أي الرجل ( ما يشاء) بياء المضارعة، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ما شاء، ( من عهد) يمين ( وميثاق، فيصرف الله) تعالى ( وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها) أي: حسنها ونضارتها، وهذه الجملة بدل من جملة: أقبل على الجنة ( سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب قدّمني عند باب الجنة.
فيقول الله)
عز وجل.
( له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق) اسم ليس ضمير الشأن، ولأبي ذر والأصيلي: والمواثيق ( أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب) أعطيت العهود، لكن كرمك يطمعني ( لا أكون أشقى خلقك) .
قال الكرماني: أي لا أكون كافرًا، وللكشميهني: لا أكونن.
وقال السفاقسي: المعنى: إن أنت أبقيتني على هذه الحالة ولا تدخلني الجنة، لأكونن أشقى خلقك الذين دخلوها.
والألف زائدة في: لا أكون.
( فيقول) الله: ( فما عسيت) بكسر السين وفتحها.
( إن أعطيت ذلك) : التقديم إلى باب الجنة ( أن لا تسأل غيره) .
بكسر همزة إن الأولى: شرطية، وفتح الثانية: مصدرية وضم همزة أعطيت، ولا زائدة كهي في { لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 129] أو أصلية.
وما في قوله: فما عسيت نافية، ونفي النفي إثبات، أي: عسيت أن تسأل غيره.
وأن لا تسأل خبر عسى وذلك: مفعول ثان لأعطيت، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أن تسأل، بإسقاط لا.
فما استفهامية، وإنما قال الله تعالى ذلك، وهو عالم كان وما يكون، إظهارًا لا عهد من بني آدم من نقض العهد، وأنهم أحق بأن لهم ذلك، فمعنى عسى راجع للمخاطب لا إلى الله تعالى.
( فيقول) الرجل ( لا و) حق ( عزتك لا أسأل) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: لا أسالك، ( غير ذلك فيعطي) الرجل ( ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه) الله ( إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها) بفاء العطف على بلغ، كقوله ( وما فيها من النضرة) بالضاد المعجمة الساكنة، أي البهجة ( والسرور) تحير، ( فيسكت ما شاء الله أن يسكت) ، بالفاء التفسيرية، وأن مصدرية أي: ما شاء الله سكوته حياءً من ربه، وهو تعالى يحب سؤاله لأنه يحب صوته، فيباسطه بقوله: لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره؟ وهذه حالة المقصر، فكيف حالة المطيع.
وليس نقض هذا العبد عهده جهلاً منه، ولا قلة مبالاة، بل علمًا منه أن نقض هذا العهد أولى من الوفاء، لأن سؤاله ربه أولى من إبرار قسمه.
قال عليه الصلاة والسلام: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير.
وجواب إذا محذوف وتقديره نحو: تحير كما مر.
( فيقول: يا رب أدخلني الجنة.
فيقول الله)
عز وجل: ( ويحك) نصب بفعل محذوف، وهي كلمة رحمة، كما أن ويلك كلمة عذاب ( يا ابن آدم ما أغدرك!) صيغة تعجب من الغدر، وهو ترك الوفاء ( أليس قد أعطيت العهد والميثاق) بفتحالهمزة والطاء مبنيًّا للفاعل وللكشميهني العهود والمواثيق ( أن لا تسأل غير الذي أعطيت) ؟ بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك.
فيضحك الله عز وجل منه)
أي من فعل هذا الرجل، وليس في رواية الأصيلي لفظ: منه.
والمراد من الضحك هنا لازمه، وهو كتاب الرضا وإرادة الخير كسائر الإسنادات في مثله مما يستحيل على الباري تعالى، فإن المراد لوازمها ( ثم يأذن له) الله تعالى ( في دخول الجنة.
فليقول له: تمنّ، فيتمنى.
حتى إذا انقطع)
وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: انقطعت ( أمنيته قال الله عز وجل) له: ( زاد من كذا وكذا) أي: من أمانيك التي كانت لك قبل أن أذكرك بها، ولابن عساكر: تمنّ، بدل: زد ( أقبل يذكره ربه عز وجل) الأماني بدل من قوله: قال الله عز وجل زد ( حتى إذا انتهت به الأماني) بتشديد الياء، جمع أمنية ( قال الله تعالى) له: ( لك ذلك) الذي سألته من الأماني ( ومثله معه) جملة حالية من المبتدأ والخبر.
( قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( قال الله) عز وجل ( لك ذلك وعشرة أمثاله) أي: أمثال ما سألت.
( قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلاّ قوله) : ( لك ذلك ومثله معه) وللحموي والمستملي: لم أحفظه بضمير المفعول.
( قال أبو سعيد الخدري: إني سمعته يقول) : ( ذلك لك) وللكشميهني لك ذلك ( وعشرة أمثاله) .
ولا تنافي بين الروايتين، فإن الظاهر أن هذا كان أوّلاً، ثم تكرم الله فأخبر به عليه الصلاة والسلام ولم يسمعه أبو هريرة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني، وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة الجنة ومسلم في الإيمان.
130 - باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ هذا ( باب) بالتنوين ( يبدي) بضم المثناة التحتية وسكون الموحدة، أي يظهر الرجل المصلي ( ضبعيه) بفتح الضاد المعجمة وسكون الموحدة، تثنية ضبع، أي وسط عضديه أو اللحمتين تحت إبطيه ( ويجافي) أي: يباعد بطنه عن فخذيه ( في السجود) وخرج بالرجل المرأة والخنثى فلا يجافيان بل يضمان بعضهما إلى بعض، لأنه أستر لها وأحوط له.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [806] حدثنا أبو اليمان: نا شعيب، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي، أن أبا هريرة أخبرهما، أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: ( ( هل تمارون في القمر ليلة البدر، ليس دونه سحاب؟) ) قالوا: لا يا رسول الله.
قال: ( ( هل تمارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟) ) قالوا: لا، قال: ( ( فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فياتيهم الله، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فاذا جاء ربنا عرفناه، فياتيهم الله عز وجل فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيدعوهم، ويضربالصراط بين ظهرأني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بامته، ولا يتكلم يومئذٍ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رايتم شوك السعدان؟) ) قالوا، نعم.
قالَ: ( ( فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل، ثُمَّ ينجو، حتَّى إذا أراد الله رحمة من اراد من أهل النار، أمر الله عز وجل الملائكة أن يخرجوا من النار من كانَ يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله عز وجل على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا اثر السجود، فيخرجون من النار قد امنحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل) ) .
وذكر بقية الحديث في آخر من يدخل الجنة، وقد خرَّجه بتمامه – أيضاً - في ( ( كتاب التوحيد) ) ، ويأتي في موضعه - أن شاء الله سبحانه وتعالى -، فإن هذا القدر من الحديث فيهها هنا كفاية.
فأما ما يتعلق برؤية الله عز وجل يوم القيامة من اول الحديث، فقد سبق الكلام على ألفاظه ومعانيه في ( ( مواقيت الصلاة) ) في ( ( باب: فضل صلاة العصر) ) ، وفي ( ( باب: فضل صلاة الفجر) ) ، فلا حاجة إلى أعادتها هاهنا.
وفي الحديث: دليل على أن المشركين الذين كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله ألهة يتبعون ألهتهم التي كانوا يعبدون يوم القيامة، فيردنهم النار، كما قال تعإلى في حق فرعون: { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ?} [هود:98] .
ويبقى من كان يعبد الله وحده ظاهراً، مؤمناً كان أو منافقاً، فهؤلاء ينظرون من كانوا يعبدونه في الدنيا، وهو الله وحده لا شريك له.
ففي هذا الحديث: أن الله يأتيهم أول مرة فلا يعرفونه، ثم يأتيهم في المرة الثانية فيعرفونه.
وفي الحديث السابق اختصار، وقد ساقه في مواضع أخر بتمامه.
وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع، كقوله: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ?} [البقرة:210] .
وقال: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] ،وقال: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ} [الفجر:22] .
ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك، ولا أخرجوه عن مدلوله، بل روي عنهم؛ يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء.
؟وقد روي عن الإمام أحمد، أنه قال في مجيئه: هو مجيء أمره.
وهذا مما تفرد به حنبل عنه.
فمن أصحابنا من قال: وهم حنبل فيما روى، وهو خلاف مذهبه المعروف المتواتر عنه.
وكان أبو بكر الخلال وصاحبه لا يثبتان بما تفرد به حنبل، عن أحمد رواية.
ومن متأخريهم من قال: هو رواية عنه، بتأويل كل ما كان من جنس المجيء والإتيان ونحوهما.
ومنهم من قال: إنما قال ذلك إلزاماً لمن ناظره في القرآن، فأنهم استدلوا على خلقه بمجيء القرآن، فقال: إنما يجيء ثوابه، كقوله: { وجاء ربك} ، أي: كما تقولون أنتم في مجيء الله، أنه مجيء أمره.
وهذا أصح المسالك في هذا المروي.
وأصحابنا في هذا على ثلاث فرق: فمنهم من يثبت المجيء والإتيان، ويصرح بلوازم ذلك في المخلوقات، وربما ذكروه عن أحمد من وجوه لا تصح أسانيدها عنه.
ومنهم من يتأول ذلك على مجيء أمره.
ومنهم من يقر ذلك، ويمره كما جاء، ولا يفسره، ويقول: هومجيء وإتيان يليق بجلال الله وعظمته سبحانه.
وهذا هو الصحيح عن أحمد، ومن قبله من السلف، وهو قول إسحاق وغيره من الأئمة.
وكان السلف ينسبون تأويل هذه الآيات والأحاديث الصحيحة إلى الجهمية؛ لأن جهماً وأصحابه أول من أشتهر عنهم أن الله تعالى منزه عما دلت عليه هذه النصوص بأدلة العقول التي سموها أدلة قطعية هي المحكمات، وجعلوا ألفاظ الكتاب والسنة هي المتشابهات فعرضوا ما فيها على تلك الخيالات، فقبلوا ما دلت على ثبوته بزعمهم، وردوا مادلت على نفيه بزعمهم، ووافقهم على ذلك سائر طوائف أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم.
وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي افتراء على الله، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله.
وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك – مع كثرته وأنتشاره – من باب التوسع والتجوز، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك،وهذا كله مروق عن دين الإسلام.
ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات، هذا من أبطل الباطل.
قال أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن جابر السلمي يقول: سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر الفقيه يقول: جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام، فقال: أني أكره هذا، بل أنهي عنه، كما نهى عنه الشافعي؛ فإني سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقالَ مالك: محال أن يظن بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه علم أمته الإستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، فالتوحيد ما قاله النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم) ) ، فما عصم الدم والمال فهو حقيقة التوحيد.
أنتهى.
وقد استوفينا الكلام على ذلك في أوائل ( ( كتاب العلم) ) في الكلام على أول الواجبات.
وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه: فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه) ) عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة: ( ( تحاجت الجنة والنار) ) ، وفيه: ( ( فلا تمتلي حتى يضع رجله) ) –أو قال: ( ( قدمه – فيها) ) .
قال: فقام رجل فانتفض، فقال ابن عباس: ما فرق هؤلاء، يجدون رقة عند محكمة، ويهلكون عند متشابهه.
وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ( ( مسنده) ) عن عبد الرزاق.
ولو كان لذلك عنده تأويل لذكره للناس ولم يسعه كتمانه.
وقد قابل هؤلاء المتكلمين طوائف آخرون، فتكلموا في تقرير هذه النصوص بأدلة عقلية، وردوا على النفاة، ووسعوا القول في ذلك،وبينوا أن لازم النفي التعطيل المحض.
وأما طريقة أئمة أهل الحديث وسلف الامة: فهي الكف عن الكلام في ذلك من الطرفين، وإقرار النصوص وإمرارها كما جاءت، ونفي الكيفية عنها والتمثيل.
وقد قال الخطابي في ( ( الأعلام) ) : مذهب السلف في أحاديث الصفات: الإيمان، وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها.
ومن قال: الظاهر منها غير مراد، قيل له: الظاهر ظاهران: ظاهر يليق ببالمخلوقين ويختص بهم، فهو غير مراد، وظاهر يليق بذي الجلال والإكرام، فهو مراد، ونفيه تعطيل.
ولقد قال بعض أئمة الكلام والفلسفة من شيوخ الصوفية، الذي يحسن به الظن المتكلمون: إن المتكلمين بالغوا في تنزيه الله عن مشابهة الأجسام، فوقعوا في تشبيهه بالمعاني، والمعاني محدثة كالأجسام، فلم يخرجوا عن تشبيهه بالمخلوقات.
وهذا كله إنما أتى من ظن أن تفاصيل معرفة الجائز على الله والمستحيل عليه يؤخذ من أدلة العقول، ولا يؤخذ مما جاء به الرسول.
وأما أهل العلم والايمأن، فيعلمون أن ذلك كله متلقى مماجاء به الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن ما جاء به من ذلك عن ربه فهو الحق الذي لا مزيد عليه، ولا عدول عنه، وأنه لا سبيل لتلقي الهدى إلا منه، وأنه ليس فيكتاب الله ولا سنة رسوله الصحيحة ما ظاهرة كفر أو تشبيه، أو مستحيل، بل كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله، فإنه حق وصدقٍ، يجب اعتقاد ثبوته مع نفي التمثيل عنه، فكما أن الله ليس كمثله شيء في ذاته، فكذلك في صفاته.
وما أشكل فهمه من ذلك، فإنه يقال فيه ما مدح الله الراسخين من أهل العلم، أنهم يقولون عند المتشابهات: { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا?} [آل عمران:7] .
وما أمر به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في متشابه الكتاب، أنه يرد إلى عالمه، والله يقول الحق ويهدي السبيل.
وكلمة السلف وأئمة أهل الحديث متفقة على أن آيات الصفات وأحاديثها الصحيحة كلها تمر كما جاءت، من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطيل.
قال أبو هلال: سأل رجل الحسن عن شيء من صفة الرب عز وجل، فقال: أمروها بلا مثال.
وقال وكيع: أدركت إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعراً يحدثون بهذه الأحاديث، ولا يفسرون شيئاً.
وقال الأوزاعي: سُئل مكحول والزهري عن تفسير هذه الأحاديث، فقالا: أمرها على ما جاءت.
وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي ومالكاً وسفيان وليثاًعن هذه الأحاديث التي فيها الصفة والقرآن، فقالوا: أمروها بلا كيف.
وقال ابن عيينة: ما وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره، ليس لأحد أن يفسره إلا الله عز وجل.
وكلام السلف في مثل هذا كثير جداً.
وقال أشهب: سمعت مالكاً يقول: إياكم وأهل البدع، فقيل: يا أبا عبد الله: وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.
خرّجه أبو عبد الرحمن السُلمي الصوفي في كتاب ( ( ذم الكلام) ) .
وروى – أيضاً - بأسانيده ذم الكلام وأهله عن مالك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وابن مهدي، وأبي عبيد، والشافعي، والمزني، وابن خزيمة.
وذكر ابن خزيمة النهي عنه عن مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد وإسحاق وابن المبارك ويحيى بن يحيى ومحمد بن يحيى الذهلي.
وروى –أيضاً – السلمي النهي عن الكلام وذمه عن الجنيد وإبراهيم الخواص.
فتبين بذلك أن النهي عن الكلام إجماع من جميع أئمة الدين من المتقدمين من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية، وأنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم من أئمة المسلمين.
ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها، وتمر كما جاءت عندهم: قوله تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ?والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ} [الفجر:22] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة.
وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما.
وعندهما: أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره.
وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة.
وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان، سمى منهم: أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور.
وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى بـ – الإبانة -، وهو من أجل كتبه، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم.
وقد شرحه القاضي أبو بكر ابن الباقلاني.
وقد ذكر الأشعري في بعض كتبه أن طريقة المتكلمين في الاستدلال على قدم الصانع وحدوث العالم بالجواهر والأجسام والأعراض محرمة عند علماء المسلمين.
وقد روي ذم ذلك وإنكاره ونسبته إلى الفلاسفة عن أبي حنيفة.
وقال ابن سريج: توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: الشهادتان،وتوحيد أهل الباطن من المسلمين: الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإنكار ذلك.
خرّجه أبو عبد الرحمن السلمي.
وكذلك ذكره الخطابي في رسالته في - الغنية عن الكلام وأهله -.
وهذا يدل على أن ما يؤخذ من كلامه في كثير من كتبه مما يخالف ذلك ويوافق طريقة المتكلمين فقد رجع عنه، فإن نفي كثير من الصفات إنما هو مبني على ثبوت هذه الطريقة.
قال الخطابي في هذه الرسالة في هذه الطريقة في إثبات الصانع: إنما هو شيء أخذه المتكلمون عن الفلاسفة، وإنما سلكت الفلاسفة هذه الطريقة لأنهم لا يثبتون النبوات ولا يرون لها حقيقة، فكان أقوى شيء عندهم في الدلالة على إثبات هذه الأمور ما تعلقوا به من الاستدلال بهذه الأشياء، فأما مثبتوا النبوات، فقد أغناهم الله عن ذلك، وكفاهم كلفة المؤنة في ركوب هذه الطريقة المتعرجة التي لا يؤمن العنت على من ركبها، والإبداع والانقطاع على سالكها.
ثم ذكر أن الطريق الصحيحة في ذلك: الاستدلال بالصنعة على صانعها، كما تضمنه القرآن، وندب إلى الاستدلال به في مواضع، وبه تشهد الفطر السليمة المستقيمة.
ثم ذكر طريقتهم التي استدلوا بها، وما فيها من الاضطراب والفساد والتناقض والاختلاف.
ثم قال: فلا تشغل –رحمك الله - بكلامهم، ولا تغتر بكثرة مقالاتهم؛ فأنها سريعة التهافت، كثيرة التناقض، وما من كلام تسمعه لفرقة منهم إلا ولخصومهم عليه كلام يوازيه ويفارقه، فكل بكل معارض، وبعضهم ببعض مقابل.
قال: وإنما يكون تقدم الواحد منهم وفلجه على خصمه بقدر حظه من الثبات والحذق في صنعة الجدل والكلام، وأكثر ما يظهر به بعضهم على بعض إنما هو إلزام من طريق الجدل على أصول مؤصلة لهم، ومناقضات على مقالات حفظوها عليهم [ ... ] تقودها وطردها، فمن تقاعد عن شيء منها سموه من طريق [ ... ] وه مبطلاً، وحكموا بالفلج لخصمه عليه، والجدل لا يقوم به حق [ ... ] به حجة.
وقد يكون الخصمان على مقالتين مختلفتين، كلاهما باطل، ويكون الحق في ثالث غيرهما، فمناقضة أحدهما صاحبة غير مصحح مذهبه، وإن كان مفسداً به قول خصمه؛ لأنهما مجتمعان معاً في الخطأ، مشتركان فيهِ، كقول الشاعر: حجج تهافتت كالزجاج تخالها ... حقاً، وكلٌ واهن مكسورومتى كان الأمر كذلك، فإن أحد من الفريقين لا يعتمد في مقالته التي نصرها أصلاً صحيحاً، وإنما هو أوضاع وأراء تتكافأ وتتقابل، فيكثر المقال، ويدوم الاختلاف، ويقل الصواب، كما قال تعالى: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ، فأخبر تعالى أن ما كثر فيه الاختلاف فليس من عنده، وهو من أدل الدليل على أن مذاهب المتكلمين مذاهب فاسدة؛ لكثرة ما يوجد فيها من الاختلاف المفضي بهم إلى التكفير والتضليل.
وذكر بقية الرسالة، وهي حسنة متضمنة لفوائد جليلة، وإنما ذكرنا هذا القدر منها ليتبين به أن القواعد العقلية التي يدعي أهلها أنها قطعيات لا تقبل الاحتمال، فترد لأجلها –بزعمهم –نصوص الكتاب والسنة، وتصرف عن مدلولاتها، إنما هي عند الراسخين شبهات جهليات، لا تساوي سماعها، ولا قراءتها، فضلا عن أن يرد لأجلها ما جاء عن الله ورسوله، أو يحرف شيء من ذلك عن مواضعه.
وإنما القطعيات ما جاء عن الله ورسوله من الآيات المحكمات البينات، والنصوص الواضحات، فترد إليها المتشبهات، وجميع كتب الله المنزلة متفقة على معنى واحد، وإن ما فيها محكمات ومتشابهات، فالراسخون في العلم يؤمنون بذلك كله، ويردون المتشابهة إلى المحكم،ويكلون ما أشكل عليهم فهمه إلى عالمه، والذين في قلوبهم ريع يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فيضربون كتاب الله بعضه ببعض، ويردون المحكم، ويتمسكون بالمتشابه ابتغاء الفتنة، ويحرفون المحكم عن مواضعه، ويعتمدون على شبهات وخيالات لا حقيقة لها، بل هي من وسواس الشيطان وخيالاته، يقذفها في القلوب.
فأهل العلم وإلايمان يمتثلون في هذه الشبهات ما أمروا به من الاستعاذة بالله، والانتهاء عما ألقاه الشيطان، وقد جعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك من علامات الأيمان، وغيرهم فيصغون إلى تلك الشبهات، ويعبرون عنها بألفاظ مشتبهات، لا حرمة لها في نفسها، وليس لها معنىً يصح، فيجعلون تلك الألفاظ محكمة لا تقبل التأويل، فيردون كلام الله ورسوله إليها، ويعرضونه عليها، ويحرفونه عن مواضعه لأجلها.
هذه طريقة طوائف أهل البدع المحضة من الجهمية والخوارج والروافض والمعتزلة ومن أشبههم، وقد وقع في شيء من ذلك كثير من المتأخرين المنتسبين إلى السنة من أهل الحديث والفقه والتصوف من أصحابنا وغيرهم في بعض الأشياء دون بعض.
وأما السلف وأئمة أهل الحديث، فعلى الطريقة الأولى، وهي الأيمان بجميع ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو صح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أثبته له، مع نفي التمثيل والكيفية عنه، كما قاله ربيعة ومالك وغيرهما منأئمة الهدى في الاستواء، وروي عن أم سلمة أم المؤمنين، وقال مثل ذلك غيرهم من العلماء في النزول، وكذلك القول في سائر الصفات، والله سبحانه وتعالى الموفق.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( فأكون أول من يجوز بأمته) ) حتى يقطع الجسر بأمته، وروي: ( ( يجيز) ) ، وهما لغتان، يقال: جزت الوادي وأجزته، وهما بمعنى.
وعن الأصمعي، قال: أجزته: قطعته، وجزته: مشيت عليه.
وقوله: ( ( منهم الموبق بعمله) ) –أي: الهالك.
وقوله: ( ( ومنهم المخردل) ) ، هو بالدال المهملة والمعجمة -: لغتان مشهورتان، والمعنى: المقطع، والمراد –والله أعلم -: أن منهم من يهلك فيقع في النار، ومنهم من تقطعه الكلاليب التي على جسر جهنم، ثم لا ينجو ولا يقع في النار.
وقيل: معناه أنه ينقطع عن النجاة واللحاق بالناجين.
والمقصود من تخريج الحديث بطوله في هذا الباب: أن أهل التوحيد لا تأكل النار منهم مواضع سجودهم، وذلك دليل على فضل السجود عند الله وعظمته، حيث حرّم على النار أن تأكل مواضع سجود أهل التوحيد.
واستدل بذلك بعض من يقول: إن تارك الصلاة كافر؛ فإنه تأكله النار كله، فلا يبقى حاله حال عصاة الموحدين.
وهذا فيمن لم يصلِ لله صلاة قط ظاهر.
وقوله: ( ( امتحشوا) ) أي: احترقوا، وضبطت هذه الكلمة بفتح التاء والحاء.
وفي بعض النسخ بضم التاء وكسر الحاء.
و ( ( الحبة) ) –بكسر الحاء – قال الأصمعي: كل نبت له حب فاسم جميع ذلك الحب: الحبة.
وقال الفراء: الحبة: بذور البقل.
وقال أبو عمرو: الحبة نبت ينبت في الحشيش صغار.
وقال الكسائي: الحبة بذر الرياحين، وأحدها حبة، وأما الحنطة فهو الحب لا غير –يعني: بالفتح.
و ( ( الحميل) ) : ما حمله السيل من كل شيء، فهو حميل بمعنى محمول، كقتيل بمعنى مقتول.
ويأتي الكلام على باقي الحديث في موضع آخر – أن شاء الله تعالى.
*** 30 -باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ السُّجُودِ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي صِفَةِ الْبَعْثِ وَالشَّفَاعَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا

[ قــ :785 ... غــ :806] .

     قَوْلُهُ  وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ آثَار السُّجُود وَقد ورده بِتَمَامِهِ أَيْضًا فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذِكْرِ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ رُوَاتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ آثَارَ السُّجُودِ فَقِيلَ هِيَ الْأَعْضَاءُ السَّبْعَةُ الْآتِي ذكرهَا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَرِيبًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ الْمُرَادُ الْجَبْهَةُ خَاصَّةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَخُصُّ الْعُمُومَ الَّذِي فِي الأولى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
فضل السجود
[ قــ :785 ... غــ :806 ]
- حدثنا أبو اليمان: نا شعيب، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي، أن أبا هريرة أخبرهما، أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: ( ( هل تمارون في القمر ليلة البدر، ليس دونه سحاب؟) ) قالوا: لا يا رسول الله.
قال: ( ( هل تمارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟) ) قالوا: لا، قال: ( ( فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فياتيهم الله، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فاذا جاء ربنا عرفناه، فياتيهم الله عز وجل فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيدعوهم، ويضرب الصراط بين ظهرأني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بامته، ولا يتكلم يومئذٍ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رايتم شوك السعدان؟) ) قالوا، نعم.
قالَ: ( ( فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل، ثُمَّ ينجو، حتَّى إذا أراد الله رحمة من اراد من أهل النار، أمر الله عز وجل الملائكة أن يخرجوا من النار من كانَ يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله عز وجل على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا اثر السجود، فيخرجون من النار قد امنحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل
السيل)
)
.

وذكر بقية الحديث في آخر من يدخل الجنة، وقد خرَّجه بتمامه – أيضاً - في
( ( كتاب التوحيد) ) ، ويأتي في موضعه - أن شاء الله سبحانه وتعالى -، فإن هذا القدر من الحديث فيه ها هنا كفاية.

فأما ما يتعلق برؤية الله عز وجل يوم القيامة من اول الحديث، فقد سبق الكلام على ألفاظه ومعانيه في ( ( مواقيت الصلاة) ) في ( ( باب: فضل صلاة العصر) ) ، وفي
( ( باب: فضل صلاة الفجر) ) ، فلا حاجة إلى أعادتها هاهنا.

وفي الحديث: دليل على أن المشركين الذين كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله ألهة يتبعون ألهتهم التي كانوا يعبدون يوم القيامة، فيردنهم النار، كما قال تعإلى في حق فرعون: { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ?} [هود:98] .

ويبقى من كان يعبد الله وحده ظاهراً، مؤمناً كان أو منافقاً، فهؤلاء ينظرون من كانوا يعبدونه في الدنيا، وهو الله وحده لا شريك له.

ففي هذا الحديث: أن الله يأتيهم أول مرة فلا يعرفونه، ثم يأتيهم في المرة الثانية فيعرفونه.

وفي الحديث السابق اختصار، وقد ساقه في مواضع أخر بتمامه.

وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع، كقوله: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ?} [البقرة:210] .
وقال: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:
158]
، وقال: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ} [الفجر:22] .

ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك، ولا أخرجوه عن مدلوله، بل روي عنهم؛ يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء.
؟ وقد روي عن الإمام أحمد، أنه قال في مجيئه: هو مجيء أمره.

وهذا مما تفرد به حنبل عنه.

فمن أصحابنا من قال: وهم حنبل فيما روى، وهو خلاف مذهبه المعروف المتواتر عنه.

وكان أبو بكر الخلال وصاحبه لا يثبتان بما تفرد به حنبل، عن أحمد رواية.

ومن متأخريهم من قال: هو رواية عنه، بتأويل كل ما كان من جنس المجيء والإتيان ونحوهما.

ومنهم من قال: إنما قال ذلك إلزاماً لمن ناظره في القرآن، فأنهم استدلوا على خلقه بمجيء القرآن، فقال: إنما يجيء ثوابه، كقوله: { وجاء ربك} ، أي: كما تقولون أنتم في مجيء الله، أنه مجيء أمره.

وهذا أصح المسالك في هذا المروي.

وأصحابنا في هذا على ثلاث فرق:
فمنهم من يثبت المجيء والإتيان، ويصرح بلوازم ذلك في المخلوقات، وربما ذكروه عن أحمد من وجوه لا تصح أسانيدها عنه.

ومنهم من يتأول ذلك على مجيء أمره.
ومنهم من يقر ذلك، ويمره كما جاء، ولا يفسره، ويقول: هومجيء وإتيان يليق بجلال الله وعظمته سبحانه.

وهذا هو الصحيح عن أحمد، ومن قبله من السلف، وهو قول إسحاق وغيره من الأئمة.

وكان السلف ينسبون تأويل هذه الآيات والأحاديث الصحيحة إلى الجهمية؛ لأن جهماً وأصحابه أول من أشتهر عنهم أن الله تعالى منزه عما دلت عليه هذه النصوص بأدلة العقول التي سموها أدلة قطعية هي المحكمات، وجعلوا ألفاظ الكتاب والسنة هي المتشابهات فعرضوا ما فيها على تلك الخيالات، فقبلوا ما دلت على ثبوته بزعمهم، وردوا مادلت على نفيه بزعمهم، ووافقهم على ذلك سائر طوائف أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم.

وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي افتراء على الله، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله.

وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك – مع كثرته وأنتشاره – من باب التوسع والتجوز، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك، وهذا كله مروق عن دين الإسلام.

ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات، هذا من أبطل الباطل.

قال أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن جابر السلمي يقول: سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر الفقيه يقول: جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام، فقال: أني أكره هذا، بل أنهي عنه، كما نهى عنه الشافعي؛ فإني سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقالَ مالك: محال أن يظن بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه علم أمته الإستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، فالتوحيد ما قاله النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
( ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم) ) ، فما عصم الدم والمال فهو حقيقة التوحيد.
أنتهى.

وقد استوفينا الكلام على ذلك في أوائل ( ( كتاب العلم) ) في الكلام على أول الواجبات.

وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه:
فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه) ) عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة: ( ( تحاجت الجنة والنار) ) ، وفيه:
( ( فلا تمتلي حتى يضع رجله) ) –أو قال: ( ( قدمه – فيها) ) .

قال: فقام رجل فانتفض، فقال ابن عباس: ما فرق هؤلاء، يجدون رقة عند محكمة، ويهلكون عند متشابهه.

وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ( ( مسنده) ) عن عبد الرزاق.

ولو كان لذلك عنده تأويل لذكره للناس ولم يسعه كتمانه.

وقد قابل هؤلاء المتكلمين طوائف آخرون، فتكلموا في تقرير هذه النصوص بأدلة عقلية، وردوا على النفاة، ووسعوا القول في ذلك، وبينوا أن لازم النفي التعطيل
المحض.

وأما طريقة أئمة أهل الحديث وسلف الامة: فهي الكف عن الكلام في ذلك من الطرفين، وإقرار النصوص وإمرارها كما جاءت، ونفي الكيفية عنها والتمثيل.

وقد قال الخطابي في ( ( الأعلام) ) : مذهب السلف في أحاديث الصفات:
الإيمان، وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها.

ومن قال: الظاهر منها غير مراد، قيل له: الظاهر ظاهران: ظاهر يليق ببالمخلوقين ويختص بهم، فهو غير مراد، وظاهر يليق بذي الجلال والإكرام، فهو مراد، ونفيه تعطيل.

ولقد قال بعض أئمة الكلام والفلسفة من شيوخ الصوفية، الذي يحسن به الظن المتكلمون: إن المتكلمين بالغوا في تنزيه الله عن مشابهة الأجسام، فوقعوا في تشبيهه بالمعاني، والمعاني محدثة كالأجسام، فلم يخرجوا عن تشبيهه بالمخلوقات.

وهذا كله إنما أتى من ظن أن تفاصيل معرفة الجائز على الله والمستحيل عليه يؤخذ من أدلة العقول، ولا يؤخذ مما جاء به الرسول.

وأما أهل العلم والايمأن، فيعلمون أن ذلك كله متلقى مماجاء به الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن ما جاء به من ذلك عن ربه فهو الحق الذي لا مزيد عليه، ولا عدول عنه، وأنه لا سبيل لتلقي الهدى إلا منه، وأنه ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله الصحيحة ما ظاهرة كفر أو تشبيه، أو مستحيل، بل كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله، فإنه حق وصدقٍ، يجب اعتقاد ثبوته مع نفي التمثيل عنه، فكما أن الله ليس كمثله شيء في ذاته، فكذلك في صفاته.

وما أشكل فهمه من ذلك، فإنه يقال فيه ما مدح الله الراسخين من أهل العلم، أنهم يقولون عند المتشابهات: { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا?} [آل عمران:7] .

وما أمر به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في متشابه الكتاب، أنه يرد إلى عالمه، والله يقول الحق ويهدي السبيل.

وكلمة السلف وأئمة أهل الحديث متفقة على أن آيات الصفات وأحاديثها الصحيحة كلها تمر كما جاءت، من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطيل.

قال أبو هلال: سأل رجل الحسن عن شيء من صفة الرب عز وجل، فقال: أمروها بلا مثال.

وقال وكيع: أدركت إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعراً يحدثون بهذه الأحاديث، ولا يفسرون شيئاً.

وقال الأوزاعي: سُئل مكحول والزهري عن تفسير هذه الأحاديث، فقالا: أمرها على ما جاءت.

وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي ومالكاً وسفيان وليثاً عن هذه الأحاديث التي فيها الصفة والقرآن، فقالوا: أمروها بلا كيف.

وقال ابن عيينة: ما وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره، ليس لأحد أن يفسره إلا الله عز وجل.

وكلام السلف في مثل هذا كثير جداً.

وقال أشهب: سمعت مالكاً يقول: إياكم وأهل البدع، فقيل: يا أبا عبد الله: وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.

خرّجه أبو عبد الرحمن السُلمي الصوفي في كتاب ( ( ذم الكلام) ) .

وروى – أيضاً - بأسانيده ذم الكلام وأهله عن مالك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وابن مهدي، وأبي عبيد، والشافعي، والمزني، وابن خزيمة.

وذكر ابن خزيمة النهي عنه عن مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد وإسحاق وابن المبارك ويحيى بن يحيى ومحمد بن يحيى الذهلي.

وروى –أيضاً – السلمي النهي عن الكلام وذمه عن الجنيد وإبراهيم الخواص.

فتبين بذلك أن النهي عن الكلام إجماع من جميع أئمة الدين من المتقدمين من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية، وأنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم من أئمة المسلمين.
ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها، وتمر كما جاءت عندهم: قوله تعالى:
{ وَجَاءَ رَبُّكَ?والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ} [الفجر:22] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة.

وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما.

وعندهما: أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره.

وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة.

وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان، سمى منهم: أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور.

وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى بـ – الإبانة -، وهو من أجل كتبه، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم.

وقد شرحه القاضي أبو بكر ابن الباقلاني.

وقد ذكر الأشعري في بعض كتبه أن طريقة المتكلمين في الاستدلال على قدم الصانع وحدوث العالم بالجواهر والأجسام والأعراض محرمة عند علماء المسلمين.

وقد روي ذم ذلك وإنكاره ونسبته إلى الفلاسفة عن أبي حنيفة.

وقال ابن سريج: توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: الشهادتان، وتوحيد أهل الباطن من المسلمين: الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإنكار ذلك.

خرّجه أبو عبد الرحمن السلمي.

وكذلك ذكره الخطابي في رسالته في - الغنية عن الكلام وأهله -.

وهذا يدل على أن ما يؤخذ من كلامه في كثير من كتبه مما يخالف ذلك ويوافق طريقة المتكلمين فقد رجع عنه، فإن نفي كثير من الصفات إنما هو مبني على ثبوت هذه الطريقة.

قال الخطابي في هذه الرسالة في هذه الطريقة في إثبات الصانع: إنما هو شيء أخذه المتكلمون عن الفلاسفة، وإنما سلكت الفلاسفة هذه الطريقة لأنهم لا يثبتون النبوات ولا يرون لها حقيقة، فكان أقوى شيء عندهم في الدلالة على إثبات هذه الأمور ما تعلقوا به من الاستدلال بهذه الأشياء، فأما مثبتوا النبوات، فقد أغناهم الله عن ذلك، وكفاهم كلفة المؤنة في ركوب هذه الطريقة المتعرجة التي لا يؤمن العنت على من ركبها، والإبداع والانقطاع على سالكها.

ثم ذكر أن الطريق الصحيحة في ذلك: الاستدلال بالصنعة على صانعها، كما تضمنه القرآن، وندب إلى الاستدلال به في مواضع، وبه تشهد الفطر السليمة
المستقيمة.
ثم ذكر طريقتهم التي استدلوا بها، وما فيها من الاضطراب والفساد والتناقض والاختلاف.

ثم قال: فلا تشغل –رحمك الله - بكلامهم، ولا تغتر بكثرة مقالاتهم؛ فأنها سريعة التهافت، كثيرة التناقض، وما من كلام تسمعه لفرقة منهم إلا ولخصومهم عليه كلام يوازيه ويفارقه، فكل بكل معارض، وبعضهم ببعض مقابل.

قال: وإنما يكون تقدم الواحد منهم وفلجه على خصمه بقدر حظه من الثبات والحذق في صنعة الجدل والكلام، وأكثر ما يظهر به بعضهم على بعض إنما هو إلزام من طريق الجدل على أصول مؤصلة لهم، ومناقضات على مقالات حفظوها عليهم [ ... ] تقودها وطردها، فمن تقاعد عن شيء منها سموه من طريق [ ... ] وه مبطلاً، وحكموا بالفلج لخصمه عليه، والجدل لا يقوم به حق [ ... ] به حجة.

وقد يكون الخصمان على مقالتين مختلفتين، كلاهما باطل، ويكون الحق في ثالث غيرهما، فمناقضة أحدهما صاحبة غير مصحح مذهبه، وإن كان مفسداً به قول خصمه؛ لأنهما مجتمعان معاً في الخطأ، مشتركان فيهِ، كقول الشاعر:
حجج تهافتت كالزجاج تخالها ... حقاً، وكلٌ واهن مكسور ومتى كان الأمر كذلك، فإن أحد من الفريقين لا يعتمد في مقالته التي نصرها أصلاً صحيحاً، وإنما هو أوضاع وأراء تتكافأ وتتقابل، فيكثر المقال، ويدوم
الاختلاف، ويقل الصواب، كما قال تعالى: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ، فأخبر تعالى أن ما كثر فيه الاختلاف فليس من عنده، وهو من أدل الدليل على أن مذاهب المتكلمين مذاهب فاسدة؛ لكثرة ما يوجد فيها من الاختلاف المفضي بهم إلى التكفير والتضليل.

وذكر بقية الرسالة، وهي حسنة متضمنة لفوائد جليلة، وإنما ذكرنا هذا القدر منها ليتبين به أن القواعد العقلية التي يدعي أهلها أنها قطعيات لا تقبل الاحتمال، فترد لأجلها –بزعمهم –نصوص الكتاب والسنة، وتصرف عن مدلولاتها، إنما هي عند الراسخين شبهات جهليات، لا تساوي سماعها، ولا قراءتها، فضلا عن أن يرد لأجلها ما جاء عن الله ورسوله، أو يحرف شيء من ذلك عن مواضعه.

وإنما القطعيات ما جاء عن الله ورسوله من الآيات المحكمات البينات، والنصوص الواضحات، فترد إليها المتشبهات، وجميع كتب الله المنزلة متفقة على معنى واحد، وإن ما فيها محكمات ومتشابهات، فالراسخون في العلم يؤمنون بذلك كله، ويردون المتشابهة إلى المحكم، ويكلون ما أشكل عليهم فهمه إلى عالمه، والذين في قلوبهم ريع يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فيضربون كتاب الله بعضه ببعض، ويردون
المحكم، ويتمسكون بالمتشابه ابتغاء الفتنة، ويحرفون المحكم عن مواضعه، ويعتمدون على شبهات وخيالات لا حقيقة لها، بل هي من وسواس الشيطان وخيالاته، يقذفها في القلوب.

فأهل العلم وإلايمان يمتثلون في هذه الشبهات ما أمروا به من الاستعاذة بالله، والانتهاء عما ألقاه الشيطان، وقد جعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك من علامات الأيمان، وغيرهم فيصغون إلى تلك الشبهات، ويعبرون عنها بألفاظ مشتبهات، لا حرمة لها في نفسها، وليس لها معنىً يصح، فيجعلون تلك الألفاظ محكمة لا تقبل التأويل، فيردون كلام الله ورسوله إليها، ويعرضونه عليها، ويحرفونه عن مواضعه لأجلها.

هذه طريقة طوائف أهل البدع المحضة من الجهمية والخوارج والروافض والمعتزلة ومن أشبههم، وقد وقع في شيء من ذلك كثير من المتأخرين المنتسبين إلى السنة من أهل الحديث والفقه والتصوف من أصحابنا وغيرهم في بعض الأشياء دون بعض.

وأما السلف وأئمة أهل الحديث، فعلى الطريقة الأولى، وهي الأيمان بجميع ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو صح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أثبته له، مع نفي التمثيل والكيفية عنه، كما قاله ربيعة ومالك وغيرهما من أئمة الهدى في الاستواء، وروي عن أم سلمة أم المؤمنين، وقال مثل ذلك غيرهم من العلماء في النزول، وكذلك القول في سائر الصفات، والله سبحانه وتعالى الموفق.

وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( فأكون أول من يجوز بأمته) ) حتى يقطع الجسر بأمته، وروي: ( ( يجيز) ) ، وهما لغتان، يقال: جزت الوادي وأجزته، وهما بمعنى.

وعن الأصمعي، قال: أجزته: قطعته، وجزته: مشيت عليه.

وقوله: ( ( منهم الموبق بعمله) ) –أي: الهالك.

وقوله: ( ( ومنهم المخردل) ) ، هو بالدال المهملة والمعجمة -: لغتان مشهورتان، والمعنى: المقطع، والمراد –والله أعلم -: أن منهم من يهلك فيقع في النار، ومنهم من تقطعه الكلاليب التي على جسر جهنم، ثم لا ينجو ولا يقع في النار.

وقيل: معناه أنه ينقطع عن النجاة واللحاق بالناجين.

والمقصود من تخريج الحديث بطوله في هذا الباب: أن أهل التوحيد لا تأكل النار منهم مواضع سجودهم، وذلك دليل على فضل السجود عند الله وعظمته، حيث حرّم على النار أن تأكل مواضع سجود أهل التوحيد.

واستدل بذلك بعض من يقول: إن تارك الصلاة كافر؛ فإنه تأكله النار كله، فلا يبقى حاله حال عصاة الموحدين.
وهذا فيمن لم يصلِ لله صلاة قط ظاهر.

وقوله: ( ( امتحشوا) ) أي: احترقوا، وضبطت هذه الكلمة بفتح التاء والحاء.
وفي بعض النسخ بضم التاء وكسر الحاء.

و ( ( الحبة) ) –بكسر الحاء – قال الأصمعي: كل نبت له حب فاسم جميع ذلك الحب: الحبة.

وقال الفراء: الحبة: بذور البقل.

وقال أبو عمرو: الحبة نبت ينبت في الحشيش صغار.

وقال الكسائي: الحبة بذر الرياحين، وأحدها حبة، وأما الحنطة فهو الحب لا غير –يعني: بالفتح.

و ( ( الحميل) ) : ما حمله السيل من كل شيء، فهو حميل بمعنى محمول، كقتيل بمعنى مقتول.

ويأتي الكلام على باقي الحديث في موضع آخر – أن شاء الله تعالى.

***

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب فَضْلِ السُّجُودِ

[ قــ :785 ... غــ : 806 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا "أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ.
فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ، وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا،

فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ.
ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ -وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ- مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا.
فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ.
فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ.
فَيَقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لاَ، وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ.
فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ.
فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى.
حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِن كَذَا وَكَذَا -أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ- حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما-: - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ قَوْلَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» ".
[الحديث 806 - طرفاه في: 6573، 7437] .

( باب فضل السجود) .
وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال: أخبرني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة) رضي الله عنه ( أخبرهما أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى) أي نبصر ( ربنا يوم القيامة؟ قال) عليه الصلاة والسلام:
( هل تمارون) بضم التاء والراء، من المماراة، وهي: المجادلة وللأصيلي: تمارون، بفتح التاء والراء، وأصله.
تتمارون حذفت إحدى التاءين.
أي هل تشكون ( في) رؤية ( القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب) ؟ ( قالوا: لا يا رسول الله.
قال)
: ( فهل تمارون) بضم التاء والراء أو بفتحهما ( في الشمس) ولأبي ذر والأصيلي: في رؤية الشمس ( ليس دونها سحاب) ( قالوا: لا.
قال)
: وللأصيلي: قالوا: لا يا رسول الله.
قال.
( فإنكم ترونه) تعالى ( كذلك) بلا مرية ظاهرًا جليًّا ينكشف تعالى لعباده بحيث تكون نسبة ذلك الانكشاف إلى ذاته المخصوصة، كنسبة الإبصار إلى هذه المبصرات المادّية،

لكنه يكون مجرّدًا عن ارتسام صورة المرئي، وعن اتصال الشعاع بالمرئي، وعن المحاذاة، والجهة، والمكان لأنها وإن كانت أمورًا رزمة للرؤية عادة، فالعقل يجوّز ذلك بدونها، ( ويحشر الناس يوم القيامة فيقول) : الله تعالى، أو: فيقول القائل ( من كان يعبد شيئًا فليتبع) بتشديد المثناة الفوقية وكسر الموحدة، ولأبوي ذر والوقت: فليتبعه، بضمير المفعول مع التشديد والكسر، أو التخفيف مع الفتح، وهو الذي في اليونينية لا غير ( فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت) جمع طاغوت، الشيطان أو الصنم، أو كل رأس في الضلال أو كل ما عبد من دون الله، وصدّ عن عبادة الله، أو الساحر، أو الكاهن، أو مردة أهل الكتاب، فعلوت من الطغيان، قلب عينه ولامه ( وتبقى هذه الأمة) المحمدية ( فيها منافقوها) يستترون بها كما كانوا في الدنيا، واتبعوهم لما انكشفت لهما الحقيقة لعلهم ينتفعون بذلك، حتى { ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} ( فيأتيهم الله عز وجل) أي يظهر لهم في غير صورته، أي: في غير صفته التي يعرفونها من الصفات التي تبعدهم بها عن الدنيا امتحانًا منه، ليقع التمييز بينهم وبين غيرهم ممن يعبد غيره تعالى، ( فيقول: أنا ربكم) فيستعيذون بالله منه لم يظهر لهم بالصفات التي يعرفونها بل بما استأثر بعلمه تعالى، لأن معهم منافقين لا يستحقون الرؤية، وهم من ربهم محجوبون، ( فيقولون: هذا مكاننا) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو اسم الإشارة ( حتى يأتينا) يظهر لنا ( ربنا، فإذا جاء) ظهر ( ربنا عرفناه، فيأتيهم الله) عز وجل، أي: يظهر متجليًّا بصفاته المعروفة عندهم، وقد تميز المؤمن من المنافق ( فيقول: أنا ربكم) فإذا رأوا ذلك عرفوه به تعالى ( فيقولون: أنت ربنا) .
ويحتمل أن يكون الأوّل قول المنافقين، والثاني قول المؤمنين.

وقيل: الآتي في الأوّل ملك، ورجحه عياض أي: يأتيهم ملك الله، حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وعورض بأن الملك معصوم، فكيف يقول: أنا ربكم.

وأجيب: بأنّا لا نسلم عصمته من هذه الصغيرة، وردّ بأنه يلزم منه أن يكون قول فرعون: أنا ربكم من الصغائر، فالصواب ما سبق.

( فيدعوهم) ربهم، ( فيضرب) بالفاء وضم الياء وفتح الراء مبنيًّا للمفعول، ولأبوي ذر والوقت وذر والأصيلي وابن عساكر: ويضرب ( الصراط بين ظهراني جهنم) بفتح الظاء وسكون الهاء وفتح النون، أي ظهري، فزيدت الألف والنون للمبالغة، أي على وسط جهنم ( فأكون أوّل من يجوز) بالواو، وفي بعض النسخ: يجيز، بالياء مع ضم أوّله، وهي لغة في: جاز.
يقال: جاز بمعنى، أي: يقطع مسافة الصراط.
( من الرسل) عليهم الصلاة والسلام ( بأمته، ولا يتكلم) لشدّة الهول ( يومئذ) أي حال الإجازة على الصراط ( أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ) على الصراط: ( اللهم سلّم سلّم) شفقة منهم على الخلق ورحمة ( وفي جهنم كلاليب) جمع كلوب، بفتح الكاف وضم اللام ( مثل شوك السعدان) بفتح أوّله، نبت له شوك من جيد مراعي الإبل، يضرب به المثل فيقال: مرعى ولا كالسعدان.
( هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم) رأيناه ( قال: فإنها) أي الكلاليب ( مثل شوك

السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله)
تعالى، ( تخطف) بفتح الطاء في الأفصح، وقد تكسر، وللكشميهني: فتختطف بالفاء في أوّله وفوقية بعد الخاء وكسر الطاء، أي تأخذ ( الناس) بسرعة ( بأعمالهم) أي بسبب أعمالهم السيئة، أو على حسب أعمالهم، أو بقدرها ( فمنهم من يوبق) بموحدة، مبنيًّا للمفعول، أي: يهلك ( بعمله) وقال الطبري: يوثق بالمثلثة، من الوثاق، ( ومنهم من يخردل) بخاء معجمة ودال مهمة، وعن عبيد بالذال المعجمة، أي يقطع صغارًا كالخردل، والمعنى: أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي إلى النار، وللأصيلي: بالجيم، من الجردلة، بمعنى: الإشراف على الهلاك ( ثم ينجو، حتى إذا أراد الله) عز وجل ( رحمة من أراد من أهل النار) أي الداخلين فيها وهم المؤمنون الخلص، إذ الكافر لا ينجو منها أبدًا، ( أمر الله الملائكة أن يخرجوا) منها ( من كان يعبد الله) وحده، ( فيخرجونهم) منها، ( ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله) عز وجل ( على النار أن تأكل أثر السجود) أي موضع أثره، وهي الأعضاء السبعة، أو الجهة خاصة لحديث، إن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم، رواه مسلم: وهذا موضع الترجمة.

واستشهد له ابن بطال بحديث: أقرب ما يكون العبد إذا سجد، وهو واضح.
وقال الله تعالى { واسجد واقترب} [العلق: 19] .

وقال بعضهم: إن الله تعالى يباهي بالساجدين من عبيده ملائكته المقرّبين.
يقول لهم: يا ملائكتي أنا قربتكم ابتداءً، وجعلتكم من خواص ملائكتي، وهذا عبدي جعلت بينه وبين القربة حجبًا كثيرة، وموانع عظيمة مِن أغراض نفسية، وشهوات حسيّة، وتدبير أهل ومال وأهوال، فقطع كل ذلك وجاهد حتى سجد واقترب، فكان من المقربين.
قال: ولعن الله إبليس لإبائه عن السجود لعنة أبلسه بها وآيسه من رحمته إلى يوم القيامة.
اهـ.

وعورض بأن السجود الذي أمر به إبليس لا تعلم هيئته ولا تقتضي اللعنة اختصاص السجود بالهيئة العرفية، وأيضًا فإبليس إنما استوجب اللعنة بكفره حيث جحد ما نص الله عليه من فضل آدم، فجنح إلى قياس فاسد يعارض به النص، ويكذبه، ولعنه الله.

قاله ابن المنير:
( فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار) أي: فكل أعضاء ابن آدم تأكلها النار ( إلا أثر السجود) أي: مواضع أثره ( فيخرجون من النار قد امتحشوا) بالمثناة الفوقية والمهملة المفتوحتين والشين المعجمة، بالبناء للفاعل، وفي بعض النسخ: امتحشوا، بضم المثناة وكسر الحاء، بالبناء للمفعول.
أي: احترقوا واسودّوا.
( فيصب عليهم) بضم المثناة مبنيًّا للمفعول، والنائب عن الفاعل قوله: ( ماء الحياة) الذي من شرب منه أو صب عليه لم يمت أبدًا، ( فينبتون كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة.
بزور الصحراء مما ليس بقوت ( في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم، ما جاء به من طين ونحوه.
شبه به لأنه أسرع في الإنبات ( ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد) ، الإسناد فيه

مجازي، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، فالمراد إتمام الحكم بين العباد بالثواب والعقاب، ( ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة) حال كونه ( مقبلاً بوجهه قبل النار) بكسر القاف وفتح الموحدة: أي: جهتها.
ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر: مقبل بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: هو مقبل ( فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار) وللحموي والمستملي: من النار ( قد) ولأبي ذر: فقد ( قشبني) بقاف فشين معجمة مخففة فموحدة مفتوحات، والذي في اللغة بتشديدة الشين، أي سمني وأهلكني ( ريحها) ، وكل مسموم قشيب، أي: صار ريحها كالسم في أنفي ( وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال المعجمة والمد، وهو الذي في فرع اليونينية.

قال النووي، وهو الذي وقع في جميع الروايات، أي: أحرقني لهبها واشتعالها وشدة وهجها، ولأبي ذر، مما في هامش الفرع، وصحح عليه: ذكاها بالفتح والقصر.
قال النووي: وهو الأشهر في اللغة، وذكر جماعة أنهما لغتان.
اهـ.

وعورض بأن ذكا النار مقصور يكتب بالألف، لأنه من الواو من قولهم: ذكت النار تذكو ذكوًا، فأما ذكاء بالمدّ فلم يأت عنهم في النار، وإنما جاء في الفهم.

( فيقول) الله تعالى: ( هل عسيت) بفتح السين وكسرها، وهي لغة مع تاء الفاعل مطلقًا، ومع نا، ومع نون الإناث، نحو: عسينا وعسين، وهي لغة الحجاز، لكن قول الفراء: لست أستحبها لأنها شاذة يأبى كونها حجازية.

وأجيب بأن المراد بكونها شاذة أي: قليلة بالنسبة إلى الفتح، وإن ثبتت فعند أقلهم جمعًا بين القولين.

( إن فعل ذلك) الصرف الذي يدل عليه قوله الآتي، إن شاء الله تعالى: الصرف وجهي عن النار.
والهمزة من أن مكسورة حرف شرط، وفعل بضم الفاء وكسر العين، مبنيًّا للمفعول، ( بك أن تسأل) بفتح همزة أن الخفيفة، وتاليها نصب بها ( غير ذلك) بالنصب بتسأل.
( فيقول) الرجل: ( لا، و) حق ( عزتك) لا أسأل غيره، ( فيعطي الله) أي الرجل ( ما يشاء) بياء المضارعة، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ما شاء، ( من عهد) يمين ( وميثاق، فيصرف الله) تعالى ( وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها) أي: حسنها ونضارتها، وهذه الجملة بدل من جملة: أقبل على الجنة ( سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب قدّمني عند باب الجنة.
فيقول الله)
عز وجل.
( له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق) اسم ليس ضمير الشأن، ولأبي ذر والأصيلي: والمواثيق ( أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب) أعطيت العهود، لكن كرمك يطمعني ( لا أكون أشقى خلقك) .
قال الكرماني: أي لا أكون كافرًا، وللكشميهني: لا أكونن.


وقال السفاقسي: المعنى: إن أنت أبقيتني على هذه الحالة ولا تدخلني الجنة، لأكونن أشقى خلقك الذين دخلوها.
والألف زائدة في: لا أكون.

( فيقول) الله: ( فما عسيت) بكسر السين وفتحها.
( إن أعطيت ذلك) : التقديم إلى باب الجنة ( أن لا تسأل غيره) .
بكسر همزة إن الأولى: شرطية، وفتح الثانية: مصدرية وضم همزة أعطيت، ولا زائدة كهي في { لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 129] أو أصلية.

وما في قوله: فما عسيت نافية، ونفي النفي إثبات، أي: عسيت أن تسأل غيره.
وأن لا تسأل خبر عسى وذلك: مفعول ثان لأعطيت، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أن تسأل، بإسقاط لا.
فما استفهامية، وإنما قال الله تعالى ذلك، وهو عالم كان وما يكون، إظهارًا لا عهد من بني آدم من نقض العهد، وأنهم أحق بأن لهم ذلك، فمعنى عسى راجع للمخاطب لا إلى الله تعالى.

( فيقول) الرجل ( لا و) حق ( عزتك لا أسأل) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: لا أسالك، ( غير ذلك فيعطي) الرجل ( ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه) الله ( إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها) بفاء العطف على بلغ، كقوله ( وما فيها من النضرة) بالضاد المعجمة الساكنة، أي البهجة ( والسرور) تحير، ( فيسكت ما شاء الله أن يسكت) ، بالفاء التفسيرية، وأن مصدرية أي: ما شاء الله سكوته حياءً من ربه، وهو تعالى يحب سؤاله لأنه يحب صوته، فيباسطه بقوله: لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره؟ وهذه حالة المقصر، فكيف حالة المطيع.

وليس نقض هذا العبد عهده جهلاً منه، ولا قلة مبالاة، بل علمًا منه أن نقض هذا العهد أولى من الوفاء، لأن سؤاله ربه أولى من إبرار قسمه.

قال عليه الصلاة والسلام: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير.
وجواب إذا محذوف وتقديره نحو: تحير كما مر.

( فيقول: يا رب أدخلني الجنة.
فيقول الله)
عز وجل: ( ويحك) نصب بفعل محذوف، وهي كلمة رحمة، كما أن ويلك كلمة عذاب ( يا ابن آدم ما أغدرك!) صيغة تعجب من الغدر، وهو ترك الوفاء ( أليس قد أعطيت العهد والميثاق) بفتح الهمزة والطاء مبنيًّا للفاعل وللكشميهني العهود والمواثيق ( أن لا تسأل غير الذي أعطيت) ؟ بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك.
فيضحك الله عز وجل منه)
أي من فعل هذا الرجل، وليس في رواية الأصيلي لفظ: منه.
والمراد من الضحك هنا لازمه، وهو كتاب الرضا وإرادة الخير كسائر الإسنادات في مثله مما يستحيل على الباري تعالى، فإن المراد لوازمها ( ثم يأذن له) الله تعالى ( في دخول الجنة.
فليقول له: تمنّ، فيتمنى.
حتى إذا انقطع)
وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: انقطعت ( أمنيته قال الله عز وجل)

له: ( زاد من كذا وكذا) أي: من أمانيك التي كانت لك قبل أن أذكرك بها، ولابن عساكر: تمنّ، بدل: زد ( أقبل يذكره ربه عز وجل) الأماني بدل من قوله: قال الله عز وجل زد ( حتى إذا انتهت به الأماني) بتشديد الياء، جمع أمنية ( قال الله تعالى) له: ( لك ذلك) الذي سألته من الأماني ( ومثله معه) جملة حالية من المبتدأ والخبر.

( قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( قال الله) عز
وجل ( لك ذلك وعشرة أمثاله) أي: أمثال ما سألت.
( قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلاّ قوله) : ( لك ذلك ومثله معه) وللحموي والمستملي: لم أحفظه بضمير المفعول.
( قال أبو سعيد الخدري: إني سمعته يقول) : ( ذلك لك) وللكشميهني لك ذلك ( وعشرة أمثاله) .

ولا تنافي بين الروايتين، فإن الظاهر أن هذا كان أوّلاً، ثم تكرم الله فأخبر به عليه الصلاة والسلام ولم يسمعه أبو هريرة.

ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني، وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة الجنة ومسلم في الإيمان.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ فَضْلِ السُّجُودِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل السُّجُود.



[ قــ :785 ... غــ :806 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنُ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سَعيدُ بنُ المُسيَّبِ وعَطَاءُ بنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُمَا أنَّ النَّاسَ قالُوا يَا رسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنا يَوْمَ القِيَامَةِ قَالَ هَل تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قالُوا لَا يَا رَسولَ الله قَالَ فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ ليْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لاَ قَالَ فَإنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئا فَلِيَتَّبِعْ فَمِنْهُمْ منْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ ومِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ القَمَرَ ومِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ وتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ أنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِينَا رَبُّنَا فإذَا جاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأتِيهِمُ الله فَيَقُولُ أنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أنْتَ رَبُّنا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فأكُونُ أوَّلَ مَنْ يَجُوزُ منَ الرُّسُلِ بِأمَّتِهِ وَلا يتَكَلَّمُ يَوْمَئذٍ أحَدٌ إلاّ الرُّسُلُ وكَلامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبَ مِثْلَ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأيْتُمْ شَوكَ السَّعْدَانِ قالُوا نَعَمْ قالَ فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلاّ الله تَخْطُفُ النَّاسَ بِأعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ منْ يُوبَقُ بعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إذَا أرَادَ الله رَحْمَةَ مَنْ أرَادَ منْ أهْلِ النَّارِ أمَرَ الله المَلاَئِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله فَيُخْرِجُونهُمْ ويَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ وحَرَّمَ الله عَلَى النَّارِ أنْ تَأكُلَ أثَرع السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ فَكُلُّ ابنِ آدَمَ تَأكُلُهُ النَّارُ إلاَّ أثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ ماءُ الحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَما تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ الله مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ ويَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ وَهْوَ آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولاً الجَنَّةَ مقْبِلاً بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَن النَّارِ قَد قَشَبَنِي رِيحُهَا وأحْرَقَنِي ذَكاؤها فَيَقُولُ هَلْ عسَيْتَ إنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أنْ تَسْألَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي الله مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ ومِيثَاقٍ فَيَصْرِفُ الله وَجْهَهُ عنِ النَّارِ فإذَا أقْبَلَ بِهِ عَلَى الجَنَّةِ رَأي بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بابُُِ الجَنَّةِ فَيَقُولُ الله لَهُ ألَيْسَ قَدْ أعْطَيْتَ العُهُودَ والمِيثَاقَ أنْ لَا تَسْألَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَألْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ أكُونُ أشْقَى خَلْقِكَ فَيَقُولُ فَمَا عَسِيتَ إنْ اعْطِيتَ ذَلِكَ أنْ لاَ تَسْألَ غَيْرُهُ فَيَقُولِ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أسْألُ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إلَى بابُُِ الجَنَّةِ فَإذَا بَلَغَ بابَُهَا فَرَأى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ والسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ فَيقُولُ يَا رَبِّ أدْخِلْنِي الجَنَّةَ فَيَقُولُ الله تَعَالَى ويْحَكَ يَا ابنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ ألَيْسَ قَدْ أعْطَيْتَ العُهُودَ والمِيثَاقَ أنْ لاَ تَسْألَ غَيْرَ الَّذي أُعْطِيتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أشْقَى خَلْقِكَ فَيَضْحَكُ الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يَأذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ فَيَقُولُ لَهُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ الله عزَّ وجلَّ زِدْ مِن كذَا وكَذا أقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ عزَّ وجلَّ حَتَّى إِذا انْتهَتْ بهِ الأمَانِيُّ قَالَ الله تعالَى لكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ معَهُ.
قالَ أبُو سَعِيدٍ الخُدَرِيُّ لأِبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله عزَّ وجلَّ لَك ذَلِكَ وعَشرَةَ أمْثالِهِ قالَ أبُو هُرَيْرةَ لَمْ أحفَظْ مِنْ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ قَولَهُ لكَ ذَلِكَ وَمِثلُهُ مَعهُ.
قَالَ أبُو سعِيدٍ الخُدْرِيُّ إنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَحرم الله على النَّار أَن تَأْكُل أثر السُّجُود) إِلَى قَوْله: فَيخْرجُونَ) .

الصَّلَاة جُزْء 6 حَتَّى ص 83
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة كلهم قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان: الحكم بن نَافِع، وَالزهْرِيّ: مُحَمَّد بن مُسلم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين حمصيين ومدنيين.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين، وهم: الزُّهْرِيّ وَسَعِيد وَعَطَاء.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صفة الْجنَّة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (هَل نرى) ، أَي: هَل نبصر، إِذْ لَو كَانَ بِمَعْنى الْعلم لاحتاج إِلَى مفعول آخر، وَلما كَانَ للتَّقْيِيد بِيَوْم الْقِيَامَة فَائِدَة.
قَوْله: (هَل تمارون) ، بِضَم التَّاء وَالرَّاء، من المماراة من بابُُ المفاعلة، وَهِي: المجادلة على مَذْهَب الشَّك والريبة.
وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، بِفَتْح التَّاء وَالرَّاء، وَأَصله: تتمارون من التماري من بابُُ التفاعل، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ كَمَا فِي: { نَارا تلظى} (اللَّيْل: 14) .
أَصله: تتلظى، وَمعنى التماري: الشَّك، من المرية بِكَسْر الْمِيم وَضمّهَا، وقرىء بهما فِي قَوْله تَعَالَى: { فَلَا تَكُ فِي مرية مِنْهُ} (هود: 17) .
قَالَ ثَعْلَب: هما لُغَتَانِ، وثلاثي هَذَا اللَّفْظ: مرىء معتل اللَّام اليائي،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: واشتقاقه من: مرى النَّاقة،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: مريت النَّاقة مريا إِذا مسحت ضرْعهَا لندر، وَأمرت النَّاقة إِذا أدر لَبَنًا.
قَوْله: (فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ) أَي: ترَوْنَ الله كَذَلِك، أَي: بِلَا مرية ظَاهرا جليا، وَلَا يلْزم مِنْهُ المشابهة فِي الْجِهَة والمقابلة وَخُرُوج الشعاع ونحوهه.
لِأَنَّهَا أُمُور لَازِمَة للرؤية عَادَة لَا عقلا.
قَوْله: (يحْشر النَّاس) ، ابْتِدَاء كَلَام مُسْتَقل بِذَاتِهِ.
قَوْله: (فَيَقُول) ، أَي: فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى، أَو: فَيَقُول الْقَائِل.
قَوْله: (فليتبعه) ، ويروى: (فَليتبعْ) ، بِلَا ضمير الْمَفْعُول.
قَوْله: (الطواغيت) ، جمع طاغوت، قَالَ ابْن سَيّده: الطاغوت مَا عبد من دون الله عز وَجل، فَيَقَع على الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث، ووزنه: فعلوت، وَإِنَّمَا هُوَ: طغيوت، قدمت الْيَاء قبل الْغَيْن وَهِي مَفْتُوحَة وَقبلهَا فَتْحة فقلبت ألفا.
انْتهى.
قلت: يُعَكر عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَمنهمْ من يتبع الشَّمْس وَمِنْهُم من يتبع الْقَمَر) ، وَوجه ذَلِك أَنه يلْزم التّكْرَار،.

     وَقَالَ  الْقَزاز: هُوَ فاعول من: طغوت، وَأَصله: طاغوه، فحذفوا وَجعلُوا التَّاء كَأَنَّهَا عوض عَن الْمَحْذُوف، فَقَالُوا: طاغوت، وَإِنَّمَا جَازَ فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث لِأَن الْعَرَب تسمي الكاهن والكاهنة طوغوتا، وَسُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيمَا رَوَاهُ جَابر بن عبد الله عَن الطاغوت الَّتِي كَانُوا يتحاكمون إِلَيْهَا، فَقَالَ: كَانَت فِي جُهَيْنَة وَاحِدَة، وَفِي أسلم وَاحِدَة، وَفِي كل حَيّ وَاحِدَة.
وَقيل: الطاغوت الشَّيْطَان.
وَقيل: كل معبود من حجر أَو غَيره فَهُوَ جبت وطاغوت.
وَفِي (الغريبين) : الطاغوت الصَّنَم.
وَفِي (الصِّحَاح) : هُوَ كل رَأس فِي الضلال.
وَفِي (المغيث) : هُوَ الشَّيْطَان أَو مَا زين الشَّيْطَان لَهُم أَن يعبدوه، وَفِي (تَفْسِير الطَّبَرِيّ) : الطاغوت السَّاحر، قَالَه أَبُو الْعَالِيَة وَمُحَمّد بن سِيرِين، وَعَن سعيد بن جُبَير وَابْن جريج: هُوَ الكاهن.
وَفِي (الْمعَانِي) للزجاج: الطاغوت مَرَدَة أهل الْكتاب.
وَفِي (ديوَان الْأَدَب) : تاؤه غير أَصْلِيَّة.
قَوْله: (وَتبقى هَذِه الْأمة فِيهَا منافقوها) أَي: تبقى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْحَال أَن فيهم منافقيها، فَهَذَا يدل على أَن الْمُنَافِقين يتبعُون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما انْكَشَفَ لَهُم من الْحَقِيقَة رَجَاء مِنْهُم أَن ينتفعوا بذلك، لأَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا متسترين بهم فتستروا أَيْضا فِي الْآخِرَة، واتبعوهم زاعمين الِانْتِفَاع بهم حَتَّى ضرب بَينهم بسور لَهُ بابُُ، بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: ظن المُنَافِقُونَ أَن تسترهم بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَة يَنْفَعهُمْ كَمَا نفعهم فِي الدُّنْيَا جهلا مِنْهُم، فاختلطوا مَعَهم فِي ذَلِك الْيَوْم، وَيحْتَمل أَن يَكُونُوا حشروا مَعَهم لما كَانُوا يظهرون من الْإِسْلَام، فحفظ ذَلِك عَلَيْهِم حَتَّى ميز الله الْخَبيث من الطّيب، وَيحْتَمل أَنه لما قيل: ليتبع كل أمة لما كَانَت تعبد، والمنافقون لم يعبدوا شَيْئا، فبقوا هُنَالك حيارى حَتَّى ميزوا.
وَقيل: هم المطرودون عَن الْحَوْض الْمَقُول فيهم: سحقا سحقا.
قَوْله: (فيأتيهم الله عز وَجل) .
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (فيأتيهم فِي غير الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه مِنْك) .
الْإِتْيَان هُنَا إِنَّمَا هُوَ كشف الْحجب الَّتِي بَين أبصارنا وَبَين رُؤْيَة الله عز وَجل، لِأَن الْحَرَكَة والانتقال لَا تجوز على الله تَعَالَى، لِأَنَّهَا صِفَات الْأَجْسَام المتناهية، وَالله تَعَالَى لَا يُوصف بِشَيْء من ذَلِك، فَلم يكن معنى الْإِتْيَان إلاّ ظُهُوره عز وَجل إِلَى أبصار لم تكن ترَاهُ وَلَا تُدْرِكهُ، وَالْعَادَة أَن من غَابَ عَن غَيره لَا يُمكنهُ رُؤْيَته إلاّ بالإتيان، فَعبر بِهِ عَن الرُّؤْيَة مجازآ، لِأَن الْإِتْيَان مُسْتَلْزم للظهور على المأتي إِلَيْهِ..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: التَّسْلِيم الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السّلف أسلم..
     وَقَالَ  عِيَاض: إِن الْإِتْيَان فعل من أَفعَال الله تَعَالَى، سَمَّاهُ إتيانا، وَقيل: يَأْتِيهم بعض مَلَائكَته.
قَالَ القَاضِي: وَهَذَا الْوَجْه عِنْدِي أشبه بِالْحَدِيثِ، قَالَ: وَيكون هَذَا الْملك الَّذِي جَاءَهُم فِي الصُّورَة الَّتِي أنكروها من سمات الْحُدُوث الظَّاهِرَة عَلَيْهِ، أَو يكون مَعْنَاهُ: يَأْتِيهم فِي صُورَة لَا تشبه صِفَات الإل هية ليختبرهم، وَهُوَ آخر امتحان الْمُؤمنِينَ، فَإِذا قَالَ لَهُم، هَذَا الْملك أَو هَذِه الصُّورَة: أَنا ربكُم، وَرَأَوا عَلَيْهِ من عَلَامَات الْمَخْلُوق مَا ينكرونه ويعلمون أَنه لَيْسَ رَبهم، فيستعيذون بِاللَّه تَعَالَى مِنْهُ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الرُّؤْيَة هِيَ ثَوَاب الْأَوْلِيَاء وكرامات لَهُم فِي الْجنَّة غير هَذِه الرُّؤْيَة، وَإِنَّمَا تعريضهم هَذِه الرُّؤْيَة امتحان من الله تَعَالَى ليَقَع التَّمْيِيز بَين من عبد الله وَبَين من عبد الشَّمْس وَنَحْوهَا، فَيتبع كل من الْفَرِيقَيْنِ معبوده، وَلَيْسَ يُنكر أَن يكون الامتحان إِذْ ذَاك بعد قَائِما، وَحكمه على الْخلق جَارِيا حَتَّى يفرغ من الْحساب، وَيَقَع الْجَزَاء بالثواب وَالْعِقَاب، ثمَّ يَنْقَطِع إِذا حققت الْحَقَائِق.
واستقرت أُمُور الْمعَاد، وَأما ذكر الصُّورَة فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْكَيْفِيَّة وَالله منزه عَن ذَلِك، فيأول إِمَّا بِأَن تكون الصُّورَة بِمَعْنى الصّفة، كَقَوْلِك: صُورَة هَذَا الْأَمر كَذَا، تُرِيدُ صفته.
وَإِمَّا بِأَنَّهُ خرج على نوع من الْمُطَابقَة، لِأَن سَائِر المعبودات الْمَذْكُورَة لَهَا صُورَة: كَالشَّمْسِ وَغَيرهَا.
قَوْله: (هَذَا مَكَاننَا) جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، إِنَّمَا قَالُوا: هَذَا مَكَاننَا من أجل أَن مَعَهم من الْمُنَافِقين الَّذين لَا يسْتَحقُّونَ الرُّؤْيَة وهم عَن رَبهم محجوبون، فَلَمَّا تميزوا عَنْهُم ارْتَفع الْحجاب، فَقَالُوا عِنْدَمَا رَأَوْهُ: أَنْت رَبنَا، وَإِنَّمَا عرفُوا أَنه رَبهم حَتَّى قَالُوا: أَنْت رَبنَا، إِمَّا بِخلق الله تَعَالَى فيهم علما بِهِ، وَإِمَّا بِمَا عرفُوا من وصف الْأَنْبِيَاء لَهُم فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا بِأَن جَمِيع الْعُلُوم يَوْم الْقِيَامَة تصير ضَرُورِيَّة.
قَوْله: (فيأتيهم الله، عز وَجل، فَيَقُول: أَنا ربكُم) ، إِنَّمَا كرر هَذَا اللَّفْظ لِأَن الأول: ظُهُور غير وَاضح لبَقَاء بعض الْحجب مثلا، وَالثَّانِي: ظُهُور وَاضح فِي الْغَايَة، أبهم أَولا ثمَّ فسره ثَانِيًا بِزِيَادَة بَيَان قَوْلهم، وَذكر الْمَكَان ودعوتهم إِلَى دَار السَّلَام..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَو يُرَاد من الأول إتْيَان الْملك فَفِيهِ إِضْمَار..
     وَقَالَ : فَإِن قلت: الْملك مَعْصُوم، فَكيف يَقُول: أَنا ربكُم، وَهُوَ كذب؟ قلت: قيل: لَا نسلم عصمته من مثل هَذِه الصَّغِيرَة، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَجَاز لامتحان الْمُؤمنِينَ..
     وَقَالَ : فَإِن قلت: المُنَافِقُونَ لَا يرَوْنَ الله، فَمَا تَوْجِيه الحَدِيث؟ قلت: لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح برؤيتهم، وَإِنَّمَا فِيهِ أَن الْأمة ترَاهُ، وَهَذَا لَا يقتي أَن يرَاهُ جَمِيعهَا، كَمَا يُقَال: قَتله بَنو تَمِيم، وَالْقَاتِل وَاحِد مِنْهُم، ثمَّ لَو ثَبت التَّصْرِيح بِهِ عُمُوما فَهُوَ مُخَصص بِالْإِجْمَاع، وَسَائِر الْأَدِلَّة، أَو خُصُوصا فَهُوَ معَارض بِمِثْلِهَا، وَهَذَا من المتشابهات فِي أَمْثَالهَا.
وَالْأمة طَائِفَتَانِ: مفوضة يفوضون الْأَمر فِيهَا إِلَى الله تَعَالَى جازمين بِأَنَّهُ منزه عَن النقائص، ومأولة يأولونها على مَا يَلِيق بِهِ.
قَوْله: (فيدعوهم) أَي: فيدعوهم الله تَعَالَى.
قَوْله: (فَيضْرب الصِّرَاط) ، ويروى: (وَيضْرب الصِّرَاط) بِالْوَاو، وَفِي بعض النّسخ: (ثمَّ يضْرب الصِّرَاط) ، والصراط: جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم أدق من الشّعْر وأحدّ من السَّيْف، عَلَيْهِ مَلَائِكَة يحبسون الْعباد فِي سبع مَوَاطِن ويسألونهم عَن سبع خِصَال: فِي الأول عَن الْإِيمَان، وَفِي الثَّانِي عَن الصَّلَاة، وَفِي الثَّالِث عَن الزَّكَاة، وَفِي الرَّابِع عَن شهر رَمَضَان، وَفِي الْخَامِس عَن الْحَج وَالْعمْرَة، وَفِي السَّادِس عَن الْوضُوء، وَفِي السَّابِع عَن الْغسْل من الْجَنَابَة.
قَوْله: (بَين ظهراني جَهَنَّم) ، كَذَا فِي رِوَايَة العذري، وَفِي رِوَايَة غَيره: (بَين ظَهْري جَهَنَّم) ..
     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: أَي على وَسطهَا، يُقَال: نزلت بَين ظهريهم وظهرانيهم، بِفَتْح النُّون أَي: فِي وَسطهمْ متمسكا بَينهم لَا فِي أَطْرَافهم، وَالْألف وَالنُّون زيدتا للْمُبَالَغَة.
وَقيل: لفظ الظّهْر مقحم وَمَعْنَاهُ: يمد الصِّرَاط عَلَيْهَا.
قَوْله: (فَأَكُون أول من يُجِيز من الرُّسُل بأمته) ، بِضَم الْيَاء وَكسر الْجِيم، ثمَّ زَاي بِمَعْنى: أول من يمْضِي عَلَيْهِ ويقطعه، يُقَال: أجزت الْوَادي وجزته: لُغَتَانِ بِمَعْنى،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: أجزته قطعته، وجزته مشيت عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: إِذا كَانَ رباعيا مَعْنَاهُ: لَا يجوز أحد على الصِّرَاط حَتَّى يجوز صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمته، فَكَأَنَّهُ يُجِيز النَّاس.
وَفِي (الْمُحكم) : جَازَ الْموضع جوزا وجوزا وجوازا ومجازا، وجاوزه وَأَجَازَ جَوَازًا وَأَجَازَهُ وَأَجَازَ غَيره، وَقيل: جازه سَار فِيهِ، وَأَجَازَهُ خَلفه وقطعه، وَأَجَازَهُ: أنفذه.
قَوْله: (وَلَا يتَكَلَّم يَوْمئِذٍ أحد) أَي: لشدَّة الْأَهْوَال، وَالْمرَاد: لَا يتَكَلَّم فِي حَال الْإِجَازَة وإلاّ فَفِي يَوْم الْقِيَامَة مَوَاطِن يتَكَلَّم النَّاس فِيهَا.
وتجادل كل نفس عَن نَفسهَا.
قَوْله: (سلم سلم) ، هَذَا من الرُّسُل لكَمَال شفقتهم ورحمتهم لِلْخلقِ.
قَوْله: (كلاليب) ، جمع كَلوب، بِفَتْح الْكَاف وَضم اللَّام الْمُشَدّدَة.
وَفِي (الْمُحكم) : الْكلاب والكلوب: السفود، لِأَنَّهُ يعلق الشواء، ويتحلله هَذِه عَن اللحياني، وَالْكلاب والكلوب: حَدِيدَة مقطوفة كالخطاف.
وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمَعَالِي: الكلوب: المنشال.
والخطاف، وَكَذَلِكَ الْكلاب.
قَوْله: (مثل شوك السعدان) ، قَالَ أَبُو حنيفَة فِي (كتاب النَّبَات) : واحده سعدانة،.

     وَقَالَ  أَبُو زِيَاد فِي (الْأَحْرَار) : السعدان ضرب الْمثل بِهِ: مرعى وَلَا كالسعدان.
وَهِي غبراء اللَّوْن حلوة يأكلها كل شَيْء، وَلَيْسَت كَبِيرَة، وَلها إِذا يَبِسَتْ شَوْكَة مفلطحة كَأَنَّهَا دِرْهَم، وَهِي شَوْكَة ضَعِيفَة.
ومنابت السعدان السهول، وَقيل: للسعدان شوك كحسك القطب مفلطح كالفلكة،.

     وَقَالَ  الْمبرد: هُوَ نبت كثير الحسك،.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: لَا سَاق لَهُ.
وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: شوك وحسك عريض..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هُوَ نبت لَهُ شوك عَظِيم من كل الجوانب مثل الحسك، وَهُوَ أفضل مرَاعِي الْإِبِل وَيُقَال: مرعى وَلَا كالسعدان.
قَوْله: (لَا يعلم قدر عظمها إلاّ الله) وَفِي بعض النّسخ: (لَا يعلم مَا قدر عظمها إلاّ الله) .
وتوجيهه على هَذَا مَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ،.
وَهُوَ: أَن يكون لفظ: قدر، مَرْفُوعا على أَنه مُبْتَدأ، وَلَفظ: مَا، استفهاما مقدما خَبره: قَالَ: وَيجوز أَن تكون: مَا، زَائِدَة وَيكون: قدر، مَنْصُوبًا على أَنه مفعول: لَا يعلم.
قَوْله: (تخطف النَّاس) ، قَالَ ثَعْلَب فِي (الفصيح) : خطف بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي، وَفتحهَا فِي الْمُسْتَقْبل وَحكى غُلَامه والقزاز عَنهُ: خطف، بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي وَكسرهَا فِي الْمُسْتَقْبل، وحكاها الْجَوْهَرِي عَن الْأَخْفَش..
     وَقَالَ : هِيَ قَليلَة رَدِيئَة لَا تكَاد تعرف.
قَالَ: وَقد قَرَأَ بهما يُونُس فِي قَوْله تَعَالَى: { يخطف أبصاركم} (الْبَقَرَة: 20) .
وَفِي (الواعي) : الخطف الْأَخْذ بِسُرْعَة على قدر ذنوبهم.
قَوْله: (من يوبق) ، قَالَ ابْن قرقول: بباء مُوَحدَة عِنْد العذري، وَمَعْنَاهُ: يهْلك، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من: وبق الرجل إِذا هلك، وأوبقه الله إِذا أهلكه، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ: بثاء مُثَلّثَة من الوثاق، قَوْله: (من يخردل) أَي: يقطع، يُقَال: خردات اللَّحْم بِالدَّال والذال: أَي قطعته قطعا صغَارًا..
     وَقَالَ  ابْن قرقول: يخردل، كَذَا هُوَ لكافة الروَاة، وَهُوَ الصَّوَاب إلاّ الْأصيلِيّ فَإِنَّهُ ذكره بِالْجِيم، وَمَعْنَاهُ: الإشراف على السُّقُوط والهلكة.
وَفِي (الْمُحكم) : خَرْدَل اللَّحْم قطع أعضاءه وأفراه.
وَقيل: خَرْدَل اللَّحْم وقطعه وفرقه، والذال فِيهِ لُغَة، وَلحم خراديل، والمخردل المصروع.
وَفِي (الصِّحَاح) : خَرْدَل اللَّحْم أَي: قطعه صغَارًا، وَعند أبي عبيد الْهَرَوِيّ: المخردل المرمى المصروع، وَالْمعْنَى أَنه تقطعه كلاليب الصلاط حَتَّى يهوي إِلَى النَّار..
     وَقَالَ  اللَّيْث وَأَبُو عبيد: خردلت اللَّحْم إِذا فصلت أعضاءه، وَزَاد أَبُو عبيد: وخردلته بِالدَّال والذال: قطعته وفرقته.
قَوْله: (مَن أَرَادَ) كلمة: من، مَوْصُولَة: أَي: إِذا أَرَادَ الله تَعَالَى رَحْمَة الَّذِي أَرَادَهُم من أهل النَّار وهم الْمُؤْمِنُونَ الخلص، إِذْ الْكَافِر لَا ينجو أبدا من النَّار وَيبقى خَالِدا فِيهَا.
قَوْله: (بآثار السُّجُود) ، اخْتلف فِي المُرَاد بهَا، فَقيل: هِيَ الْأَعْضَاء السَّبْعَة، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر،.

     وَقَالَ  عِيَاض: المُرَاد الْجَبْهَة خَاصَّة، وَيُؤَيّد هَذَا مَا فِي رِوَايَة مُسلم: أَن قوما يخرجُون من النَّار يحترقون فِيهَا ألاّ دارات وُجُوههم.
قَوْله: (فَكل ابْن آدم) أَي: فَكل أَعْضَاء ابْن آدم.
قَوْله: (إلاّ أثر السُّجُود) أَي: مَوَاضِع أَثَره.
قَوْله: (قد امتحشوا) ، بتاء مثناة من فَوق مَفْتُوحَة وحاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة، وَمَعْنَاهُ: احترقوا ويروى بِضَم التَّاء وَكسر الْحَاء، وَفِي بعض الرِّوَايَات صَارُوا حمما.
وَفِي (الْمُحكم) : المحش: تنَاول من لَهب يحرق الْجلد ويبدي الْعظم.
وَفِي (الْجَامِع) : محشته النَّار تمحشه محشا: إِذا أحرقته.
وَحكى: أمحشته..
     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: امتحشوا: انقبضوا واسودوا.
قَوْله: (مَاء الْحَيَاة) هُوَ الَّذِي من شربه أَو صب عَلَيْهِ لم يمت أبدا.
قَوْله: (كَمَا تنْبت الْحبَّة) ، بِكَسْر الْحَاء هُوَ: بزور الصَّحرَاء مِمَّا لَيْسَ بقوت، وَوجه الشّبَه فِي سرعَة النَّبَات، وَيُقَال: شبه نَبَاته بنبات الْحبَّة لبياضها ولسرعة نباتها لِأَنَّهَا تنْبت فِي يَوْم وَلَيْلَة، لِأَنَّهَا رويت من المياء وترددت فِي غثاء السَّيْل.
قَوْله: (فِي حميل السَّيْل) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم، وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ السَّيْل من طين وَنَحْوه.
قَوْله: (ثمَّ يفرغ الله من الْقَضَاء) ، اسناد الْفَرَاغ إِلَى الله لَيْسَ على سَبِيل الْحَقِيقَة، إِذْ الْفَرَاغ هُوَ الْخَلَاص عَن المهام، وَالله تَعَالَى لَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن، وَالْمرَاد مِنْهُ إتْمَام الحكم بَين الْعباد بالثواب وَالْعِقَاب..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ كمل خُرُوج الْمُوَحِّدين من النَّار.
قَوْله: (دُخُولا) نصب على التَّمْيِيز، وَيجوز أَن يكون حَالا، على أَن يكون: دُخُولا، بِمَعْنى: دَاخِلا.
قَوْله: (الْجنَّة) ، بِالنّصب على أَنه مفعول: دُخُولا.
قَوْله: (مُقبلا) نصب على أَنه حَال من الْأَحْوَال المترادفة أَو المتداخلة، ويروى: (مقبل) ، بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ مقبل بِوَجْهِهِ إِلَى جِهَة النَّار.
قَوْله: (قد قشبني) ، بِفَتْح الْقَاف والشين الْمُعْجَمَة المخففة الْمَفْتُوحَة وبالباء الْمُوَحدَة،.

     وَقَالَ  السفاقسي: كَذَا هُوَ عِنْد الْمُحدثين، وَكَذَا ضَبطه بَعضهم، وَالَّذِي فِي اللُّغَة الشين وَمَعْنَاهُ سمني،.

     وَقَالَ  الفارابي فِي بابُُ: فعل، بِفَتْح الْعين من الْمَاضِي وَكسرهَا من الْمُسْتَقْبل، قشبه، أَي: سقَاهُ السم، وقشب طَعَامه أَي: سمه.
وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمَعَالِي: القشب أخلاط تخلط للنسر فيأكلها فَيَمُوت، فَيُؤْخَذ ريشه.
يُقَال لَهُ: ريش قشيب ومقشوب، وكل مَسْمُوم قشيب،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: القشب هُوَ السم، وقشبه سقَاهُ السم، وَفِي (النَّوَادِر) للهجري: وَمعنى القشب هُوَ السم لغير النَّاس، يقشب بِهِ السبَاع وَالطير فيقتلها.
وَفِي (الْمُحكم) : القشب والقشيب: السم، وَالْجمع أقشاب، وقشب لَهُ: سقَاهُ السم، وقشب الطَّعَام يقشبه قشبا: إِذا لطخ بالسم.
وَفِي (كتاب ابْن طريف) : أقشب الشَّيْء إِذا خالطه بِمَا يُفْسِدهُ من سم أَو غَيره، وَعند أبي حنيفَة القشب: نَبَات يقتل الطير..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يُقَال قشبه الدُّخان إِذا مَلأ خياشيمه، وَأخذ بكظمه وَهُوَ انْقِطَاع نَفسه، وَأَصله: خلط السم.
يُقَال: قشبه إِذا سمه، وَمِنْه حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَنه كَانَ بِمَكَّة فَوجدَ ريح طيب، فَقَالَ: من قشبنا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دخلت على أم حَبِيبَة فطيبتني) .
قَوْله: (وأحرقني ذكاؤها) قَالَ النَّوَوِيّ: كَذَا وَقع فِي جَمِيع الرِّوَايَات فِي هَذَا الحَدِيث: (ذكاؤها) بِالْمدِّ وبفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ: لهبها واشتعالها وَشدَّة وهجها، وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة: ذكاها، مَقْصُورا، وَذكر جماعات أَن الْمَدّ وَالْقصر لُغَتَانِ.
انْتهى.
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَفِيه نظر.
قلت: ذكر وَجه النّظر وَهُوَ أَنه عد كتبا عديدة فِي اللُّغَة وشروح دواوين الشُّعَرَاء، ثمَّ قَالَ: وَكلهمْ نصوا على قصره لَا يذكرُونَ الْمَدّ فِي ورد وَلَا صدر، حاشا مَا وَقع فِي (كتاب النَّبَات) لأبي حنيفَة الدينَوَرِي، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوضِع السعار: حر النَّار وذكااؤها، وَفِي آخر: ولهبها ذكاء لهبها، وَفِي مَوضِع آخر: مَعَ ذكاء وقودها، وَفِي آخر: وَقد ضربت الْعَرَب الْمثل بجمر الغضا لذكائه، ورد عَلَيْهِ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فَقَالَ: كل هَذَا غلط، لِأَن ذكاء النَّار مَقْصُور يكْتب بِالْألف.
لِأَنَّهُ من الواوي من قَوْلهم: ذكت النَّار تذكو وذكو النَّار وذكاكها بِمَعْنى، وَهُوَ التهابها.
وَيُقَال أَيْضا: ذكت النَّار تذكو ذكوا وذكوا، فَأَما ذكاء بِالْمدِّ فَلم يَأْتِ عَنْهُم بِالْمدِّ فِي النَّار، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْفَهم.
قَوْله: (هَل عَسَيْت) ، بِفَتْح السِّين ذكره صَاحب (الفصيح) ، وَفِي (الموعب) : لم يعرف الْأَصْمَعِي: عَسَيْت، بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَقد ذكره بعض الْقُرَّاء وَهُوَ خطأ، وَعَن الْفراء: لَعَلَّهَا لُغَة نادرة.
وَفِي (شرح المطرزي) عَن الْفراء: كَلَام الْعَرَب العالي: عَسَيْت، بِفَتْح السِّين، وَمِنْهُم من يَقُول: عَسَيْت،.

     وَقَالَ  ابْن درسْتوَيْه فِي كِتَابه: (تَصْحِيح الفصيل) : الْعَامَّة تَقول: عَسَيْت، بِكَسْر السِّين وَهِي لُغَة شَاذَّة،.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت فِي كِتَابه: (فعلت وأفعلت) : عَسَيْت، بِالْكَسْرِ لُغَة رَدِيئَة..
     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: وَيَقُولُونَ: مَا عَسَيْت، وإلأجود الْفَتْح، كَذَا قَالَه ثَابت (فِيمَا يلحن فِيهِ) ..
     وَقَالَ  أَبُو عبيد بن سَلام فِي كِتَابه (فِي الْقرَاءَات) : كَانَ نَافِع يقْرَأ عسيتم، بِالْكَسْرِ، وَالْقِرَاءَة عندنَا بِالْفَتْح، لِأَنَّهَا أعرب اللغتين، وَلَو كَانَت: عسيتم، بِالْكَسْرِ لقرىء: عَسى رَبنَا، أَيْضا، وَهَذَا الْحَرْف لَا نعلمهُمْ اخْتلفُوا فِي فَتحه، وَكَذَلِكَ سَائِر الْقُرْآن، ثمَّ إعلم أَن: عَسى، من الْآدَمِيّين يكون للترجي وَالشَّكّ، وَمن الله للْإِيجَاب وَالْيَقِين.
قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى الصّرْف الَّذِي يدل عَلَيْهِ.
قَوْله: (إصرف وَجْهي عَن النَّار) .
قَوْله: (فيعطي الله) مَفْعُوله مَحْذُوف أَي: فيعطي الرجل الْمَذْكُور.
قَوْله: (مَا شَاءَ) ويروى (مَا يَشَاء) ، بياء المضارعة.
قَوْله: (الْعَهْد والميثاق) ، الْعَهْد: يَأْتِي لمعان، بِمَعْنى: الْحفاظ، ورعاية الْحُرْمَة والذمة والأمان وَالْيَمِين وَالْوَصِيَّة، والميثاق، الْعَهْد أَيْضا، وَهُوَ على وزن مفعال، من الوثاق، وَهُوَ فِي الأَصْل حَبل أَو قيد يشد بِهِ الْأَسير أَو الدَّابَّة.
قَوْله: (بهجتها) أَي: حسنها ونضارتها.
قَوْله: (لَا أكون أَشْقَى خلقك) قَالَ السفاقسي: كَذَا هُنَا
(لأَكُون) وَفِي رِوَايَة أبي الْحسن: (لاأكونن) ، وَالْمعْنَى: إِن أَنْت أبقيتني على هَذِه الْحَالة وَلَا تدخلني الْجنَّة لأكونن أَشْقَى خلقك الَّذين دخلوها، وَالْألف زَائِدَة يَعْنِي فِي قَوْله: (لَا أكون أَشْقَى خلقك).

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: (لَا أكون أَشْقَى خلقك) أَي: كَافِرًا، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: كَيفَ طابق هَذَا الْجَواب لفظ: (أَلَيْسَ قد أَعْطَيْت العهود) ؟ قلت: كَأَنَّهُ قَالَ: يَا رب أَعْطَيْت، لَكِن كرمك يطمعني إِذْ لَا ييأس من روح الله إلاّ الْقَوْم الْكَافِرُونَ.
قَوْله: (فَمَا عَسَيْت إِن أَعْطَيْت ذَلِك) كلمة: مَا استفهامية، وَاسم: عَسى، هُوَ الضَّمِير، وَخَبره هُوَ قَوْله: (أَن تسْأَل) وَقَوله: (إِن أَعْطَيْت) جملَة مُعْتَرضَة، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَوله: (ذَلِك) مفعول ثَان: لأعطيت، أَي: إِن أَعْطَيْت الْقَدِيم إِلَى بابُُ الْجنَّة.
وَقَوله: (غَيره) مفعول (أَن تسْأَل) أَي: غير التَّقْدِيم إِلَى بابُُ الْجنَّة.
وَكلمَة: (إِن) فِي: (إِن أَعْطَيْت) مَكْسُورَة، وَهِي شَرْطِيَّة وَالَّتِي فِي: (أَن تسْأَل) مَفْتُوحَة مَصْدَرِيَّة ويروى: (أَن لَا تسْأَل) ، بِزِيَادَة لَفْظَة: لَا، ووجهها، إِمَّا أَن تكون زَائِدَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} (الْحَدِيد: 29) .
وَإِمَّا أَن تكون على أَصْلهَا، وَتَكون كلمة: (مَا) فِي قَوْله: (فَمَا عَسَيْت) نَافِيَة، وَنفي النَّفْي إِثْبَات..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي هُنَا فَإِن قلت: كَيفَ يَصح هَذَا من الله تَعَالَى وَهُوَ عَالم بِمَا كَانَ وَمَا يكون؟ قلت: مَعْنَاهُ أَنكُمْ يَا بني آدم لما عهد عَنْكُم نقض الْعَهْد أحقاء بِأَن يُقَال لكم ذَلِك، وَحَاصِله أَن معنى: عَسى، رَاجع إِلَى الْمُخَاطب لَا إِلَى الله تعالي.
قَوْله: (فَيَقُول: لَا) أَي: فَيَقُول الرجل: لَا يَا رب لَا أسأَل غَيره وَحقّ عزتك.
قَوْله: (فيعطي ربه) أَي: فيعطي الرجل ربه مَا شَاءَ من الْعَهْد والميثاق.
قَوْله: (فَإِذا بلغ بابُُهَا) أَي: بابُُ الْجنَّة.
قَوْله: (فَرَأى زهرتها) عطف على: بلغ، وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: فَإِذا بلغ إِلَى آخِره سكت، ثمَّ بَين سُكُوته بقوله: (فيسكت) ، بِالْفَاءِ التفسيرية، ثمَّ إِن سُكُوته بِمِقْدَار مَشِيئَة الله تَعَالَى إِيَّاه، وَهُوَ معنى قَوْله: (فيسكت مَا شَاءَ الله أَن يسكت) وَكلمَة: أَن، هَذِه مَصْدَرِيَّة أَي: مَا شَاءَ الله سُكُوته..
     وَقَالَ  الكلاباذي: إمْسَاك العَبْد عَن السُّؤَال حَيَاء من ربه، عز وَجل، وَالله تَعَالَى يحب سُؤَاله لِأَنَّهُ يحب صَوته، فيباسطه بقوله: لَعَلَّك إِن أَعْطَيْت هَذَا تسْأَل غَيره؟ وَهَذِه حَال المقصر، فَكيف حَال الْمُطِيع، وَلَيْسَ نقض هَذَا العَبْد عَهده وَتَركه أقسامه جهلا مِنْهُ، وَلَا قلَّة مبالاة، بل علما مِنْهُ بِأَن نقض هَذَا الْعَهْد أولى من الْوَفَاء، لِأَن سُؤَاله ربه أولى من إبرار قسمه، لِأَنَّهُ علم قَول نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير) .
قَوْله: (وَيحك) كلمة رَحْمَة، كَمَا أَن: وَيلك كلمة عَذَاب، وَقيل: هما بِمَعْنى وَاحِد.
قَوْله: (ابْن آدم) أَي: يَا ابْن آدم.
قَوْله: (مَا أغدرك) ، فعل التَّعَجُّب، والغدر ترك الْوَفَاء.
قَوْله: (أَلَيْسَ قد أَعْطَيْت) على صِيغَة الْمَعْلُوم.
قَوْله: (غير الَّذِي أَعْطَيْت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (فيضحك الله مِنْهُ) ، أَي: من فعل هَذَا الرجل، وَالْمرَاد من الضحك لَازمه، وَهُوَ الرضى مِنْهُ وَإِرَادَة الْخَيْر لَهُ، لِأَن إِطْلَاق حَقِيقَة الضحك على الله تَعَالَى لَا يتَصَوَّر، وأمثال هَذِه الأطلاقات كلهَا يُرَاد بهَا لوازمها.
قَوْله: (تمن) أَمر من التَّمَنِّي، ويروى: (تمن كَذَا وَكَذَا) .
قَوْله: (حَتَّى إِذا انْقَطع) ويروى: (إِذا انْقَطَعت) ، وَقد علم أَن إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى مثل هَذَا الْفَاعِل يجوز فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث.
قَوْله: (زد من كَذَا وَكَذَا) أَي: من أمانيك الَّتِي كَانَت لَك قبل أَن أذكرك بهَا.
قَوْله: (أقبل) ، فعل مَاض من الإقبال، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الله تَعَالَى، وَكَذَا الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي قَوْله: (يذكرهُ) ، وَقد تنَازع هَذَانِ الفعلان فِي قَوْله: (ربه) .
فَإِن قلت: مَا موقع هَاتين الجملتين؟ أَعنِي: (أقبل يذكرهُ؟) قلت: بدل من قَوْله: قَالَ الله عز وَجل: زد قَوْله: (الْأَمَانِي) جمع أُمْنِية.
قَوْله: (لَك ذَلِك) أَي: مَا سَأَلته من الْأَمَانِي.
قَوْله: (وَمثله مَعَه) جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَقعت حَالا.
قَوْله: (لَك ذَلِك وَعشرَة أَمْثَاله) ، أَي: وَعشرَة أَمْثَال مَا سَأَلته، وَهَذَا فِي خبر أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَوجه الْجمع بَين خَبره وَخبر أبي هُرَيْرَة لِأَن فِي خبر أبي هُرَيْرَة: وَمثله، وَفِي خبر أبي سعيد: وَعشرَة أَمْثَاله، هُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر أَولا بِالْمثلِ، ثمَّ اطلع على الزِّيَادَة تكرما، وَلَا يحْتَمل الْعَكْس، لِأَن الْفَضَائِل لَا تنسخ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أعلم أَولا بِمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ثمَّ تكرم الله فزادها فَأخْبر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمعهُ أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: إِثْبَات الرُّؤْيَة للرب عز وَجل نصا من كَلَام الشَّارِع، وَهُوَ تَفْسِير قَوْله جلّ جَلَاله: { وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} (الْقِيَامَة: 22، 23) .
يَعْنِي: مبصرة، وَلَو لم يكن هَذَا القَوْل من الشَّارِع بِالرُّؤْيَةِ نصا لَكَانَ مَا فِي الْآيَة كِفَايَة لمن انصف، وَذَلِكَ أَن النّظر إِذا قرن بِذكر الْوَجْه لم يكن إلاّ نظر الْبَصَر، وَإِذا قرن بِذكر الْقُلُوب كَانَ بِمَعْنى الْيَقِين، فَلَا يجوز أَن ينْقل حكم الْوُجُوه إِلَى حكم الْقُلُوب.

وَاعْلَم أَن أهل السّنة اتَّفقُوا على أَن الله تَعَالَى يَصح أَن يُرى بِمَعْنى: أَنه ينْكَشف لِعِبَادِهِ وَيظْهر لَهُم بِحَيْثُ تكون نِسْبَة ذَلِك الانكشاف إِلَى ذَاته الْمَخْصُوصَة كنسبة الإبصار إِلَى هَذِه المبصرات المادية، لكنه يكون مُجَردا عَن ارتسام صُورَة المرئي، وَعَن اتِّصَال الشعاع بالمرئي، وَعَن الْمُحَاذَاة والجهة وَالْمَكَان، خلافًا للمعتزلة فِي الرُّؤْيَة مُطلقًا، وللمشبهة والكرامية فِي خلوها عَن المواجهة وَالْمَكَان.

احتجت الْمُعْتَزلَة فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِوُجُوه: الأول: بقوله تَعَالَى: { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} (الْأَنْعَام: 103) .
وَالْجَوَاب عَنهُ: إِن معنى الْإِدْرَاك هَهُنَا الْإِحَاطَة، وَنحن نقُول أَيْضا: إِن الْإِحَاطَة ممتنعة..
     وَقَالَ  ابْن بطال: الْآيَة مَخْصُوصَة بِالسنةِ.
قلت: فِيهِ نظر، وَالْأولَى مَا قُلْنَا.
الثَّانِي: بقوله تَعَالَى: { لن تراني} (الْأَعْرَاف: 143) .
فَإِن: لن، نفي للتأييد بِدَلِيل قَوْله: { قل لن تتبعونا} (الْفَتْح: 15) .
فَإِذا ثَبت عدم الرُّؤْيَة فِي حق مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثَبت فِي حق غَيره أَيْضا لانعقاد الْإِجْمَاع على عدم الْفرق، وَالْجَوَاب عَنهُ: إِنَّا لَا نسلم أَن: لن، تدل على التأييد بِدَلِيل قَوْله: { لن يَتَمَنَّوْهُ أبدا} (الْبَقَرَة: 95) .
مَعَ أَنهم يتمنونه فِي الْآخِرَة.
الثَّالِث: بقوله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إلاّ وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا} (الشورى: 51) .
الْآيَة، فَإِن الْآيَة دلّت على أَن كل من يتَكَلَّم الله تَعَالَى مَعَه، فَإِنَّهُ لَا يرَاهُ، فَإِذن ثَبت عدم الرُّؤْيَة فِي غير وَقت الْكَلَام ضَرُورَة أَنه لَا قَائِل بِالْفَصْلِ، وَالْجَوَاب: أَن الْوَحْي كَلَام يسمع بالسرعة وَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة تدل على كَون الْمُتَكَلّم محجوبا عَن نظر السَّامع.

وَفِيه: أَن الصَّلَاة أفضل الْأَعْمَال لما فِيهَا من السُّجُود، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أقرب مَا يكون العَبْد من ربه إِذا سجد) ، وَفِيه: فَضِيلَة السُّجُود، وَالْبابُُ مترجم بذلك.
وَفِيه: بَيَان كرم أكْرم الأكرمين ولطفه وفضله الْوَاسِع.
وَفِيه: أَن الصِّرَاط حق، وَالْجنَّة حق، وَالنَّار حق، والحشر حق، والنشر حق، وَالسُّؤَال حق.