هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
752 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ ، فَقَالُوا : مَا لَكُمْ ؟ فَقَالُوا : حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ ، قَالُوا : مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ ، فَقَالُوا : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ، وَقَالُوا : يَا قَوْمَنَا : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ، فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ } وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
752 حدثنا مسدد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم ، وقالوا : يا قومنا : { إنا سمعنا قرآنا عجبا ، يهدي إلى الرشد ، فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا } ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن } وإنما أوحي إليه قول الجن
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ ، فَقَالُوا : مَا لَكُمْ ؟ فَقَالُوا : حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ ، قَالُوا : مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ ، فَقَالُوا : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ، وَقَالُوا : يَا قَوْمَنَا : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ، فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ } وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ .

Narrated Ibn `Abbas:

The Prophet (ﷺ) set out with the intention of going to Suq `Ukaz (market of `Ukaz) along with some of his companions. At the same time, a barrier was put between the devils and the news of heaven. Fire commenced to be thrown at them. The Devils went to their people, who asked them, What is wrong with you? They said, A barrier has been placed between us and the news of heaven. And fire has been thrown at us. They said, The thing which has put a barrier between you and the news of heaven must be something which has happened recently. Go eastward and westward and see what has put a barrier between you and the news of heaven. Those who went towards Tuhama came across the Prophet at a place called Nakhla and it was on the way to Suq `Ukaz and the Prophet (ﷺ) was offering the Fajr prayer with his companions. When they heard the Qur'an they listened to it and said, By Allah, this is the thing which has put a barrier between us and the news of heaven. They went to their people and said, O our people; verily we have heard a wonderful recital (Qur'an) which shows the true path; we believed in it and would not ascribe partners to our Lord. Allah revealed the following verses to his Prophet (Sura 'Jinn') (72): Say: It has been revealed to me. And what was revealed to him was the conversation of the Jinns.

":"ہم سے مسدد بن مسرہد نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہم سے ابوعوانہ وضاح یشکری نے ابوبشر سے بیان کیا ، انہوں نے سعید بن جبیر سے ، انہوں نے حضرت عبداللہ بن عباس رضی اللہ عنہما سے ، انہوں نے کہا کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم ایک مرتبہ چند صحابہ رضی اللہ عنہم کے ساتھ عکاظ کے بازار کی طرف گئے ۔ ان دنوں شیاطین کو آسمان کی خبریں لینے سے روک دیا گیا تھا اور ان پر انگارے ( شہاب ثاقب ) پھینکے جانے لگے تھے ۔ تو وہ شیاطین اپنی قوم کے پاس آئے اور پوچھا کہ بات کیا ہوئی ۔ انھوں نے کہا کہ ہمیں آسمان کی خبریں لینے سے روک دیا گیا ہے اور ( جب ہم آسمان کی طرف جاتے ہیں تو ) ہم پر شہاب ثاقب پھینکے جاتے ہیں ۔ شیاطین نے کہا کہ آسمان کی خبریں لینے سے روکنے کی کوئی نئی وجہ ہوئی ہے ۔ اس لیے تم مشرق و مغرب میں ہر طرف پھیل جاؤ اور اس سبب کو معلوم کرو جو تمہیں آسمان کی خبریں لینے سے روکنے کا سبب ہوا ہے ۔ وجہ معلوم کرنے کے لیے نکلے ہوئے شیاطین تہامہ کی طرف گئے جہاں نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم عکاظ کے بازار کو جاتے ہوئے مقام نخلہ میں اپنے اصحاب کے ساتھ نماز فجر پڑھ رہے تھے ۔ جب قرآن مجید انہوں نے سنا تو غور سے اس کی طرف کان لگا دئیے ۔ پھر کہا ۔ خدا کی قسم یہی ہے جو آسمان کی خبریں سننے سے روکنے کا باعث بنا ہے ۔ پھر وہ اپنی قوم کی طرف لوٹے اور کہا قوم کے لوگو ! ہم نے حیرت انگیز قرآن سنا جو سیدھے راستے کی طرف ہدایت کرتا ہے ۔ اس لیے ہم اس پر ایمان لاتے ہیں اور اپنے رب کے ساتھ کسی کو شریک نہیں ٹھہراتے ۔ اس پر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم پر یہ آیت نازل ہوئی «قل أوحي إلى‏» ( آپ کہیئے کہ مجھے وحی کے ذریعہ بتایا گیا ہے ) اور آپ پر جنوں کی گفتگو وحی کی گئی تھی ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [773] .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَهْرِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُمِرَ وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ وَمَا كَانَ رَبك نسيا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِطْلَاقِ قَرَأَ عَلَى جَهَرَ لَكِنْ كَانَ يَبْقَى خُصُوصُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا الْإِجْمَالُ هُنَا مُفَسَّرٌ بِالْبَيَانِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ بهما وَاحِد أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن رَشِيدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا خَتْمَ تَرَاجِمِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ هُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَهُ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ إِيرَاد حَدِيث بن عَبَّاسٍ هُنَا يُغَايِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِثْبَاتِ الْقِرَاءَة فِي الصَّلَوَات لِأَن مَذْهَب بن عَبَّاسٍ كَانَ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ فِيهِ دلَالَة على التّرْك وَأما بن عَبَّاسٍ فَكَانَ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ تَارَةً وَيَنْفِي الْقِرَاءَةَ أُخْرَى وَرُبَّمَا أَثْبَتَهَا أَمَّا نَفْيُهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقْرَأ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ لَا قِيلَ لَعَلَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ قَالَ هَذِهِ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا بَلَّغَ مَا أُمِرَ بِهِ.

.
وَأَمَّا شَكُّهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَا أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَمْ لَا انْتَهَى وَقَدْ أَثْبَتَ قِرَاءَتَهُ فِيهِمَا خَبَّابٌ وَأَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَرِوَايَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَنْ نَفَى فَضْلًا عَلَى مَنْ شَكَّ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِإِيرَادِ هَذَا إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَرَأَ فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَقْرَأَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ جَاءَ عَنِ بن عَبَّاسٍ إِثْبَاتُ ذَلِكَ أَيْضًا رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ أبي الْعَالِيَة الْبَراء قَالَ سَأَلت بن عَبَّاسٍ أَقَرَأَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ هُوَ أَمَامَكَ اقْرَأْ مِنْهُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ .

     قَوْلُهُ  وَمَا كَانَ رَبك نسيا وَلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُنَزِّلَ بَيَانَ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَكُونَ قُرْآنًا يُتْلَى لَفَعَلَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ عَنْ نِسْيَانٍ وَلَكِنَّهُ وَكَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى بَيَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ شَرَعَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ أَفْعَالِهِ الَّتِي هِيَ لِبَيَانِ مُجْمَلِ الْكِتَابِ وَقَولُهُ أُسْوَة بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا أَي قدوة( قَولُهُ بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِمِ وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ) اشْتَمَل هَذَا الْبَابُ عَلَى أَرْبَعِ مَسَائِلَ فَأَمَّا الْجَمْعُ بَين سورتين فَظَاهر من حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا.

.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْخَوَاتِمِ فَيُؤْخَذُ بِالْإِلْحَاقِ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِالْأَوَائِلِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَعْضُ سُورَةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ قَوْلِهِ قَرَأَ عُمَرُ بِمِائَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِ قَتَادَةَ كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ.

.
وَأَمَّا تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى السُّورَةِ عَلَى مَا فِي تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ فَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا وَمِنْ فِعْلِ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ الْأَحْنَفِ عَنْهُ.

.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِأَوَّلِ سُورَةٍ فَمِنْ حَدِيثِ عبد الله بن السَّائِب وَمن حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن السَّائِب أَي بن أبي السَّائِب بن صَيْفِي بن عَابِد بموحدة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ وَحَدِيثُهُ هَذَا وَصله مُسلم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُمُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْعَابِدِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ بِسُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى شَكَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ وَفِي رِوَايَةٍ بِحَذْف فَرَكَعَ وَقَوله بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ بن جُرَيْجٍ وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْقَارِئُ وَهُوَ الصَّوَاب وَاخْتلف فِي إِسْنَاده على بن جريج فَقَالَ بن عُيَيْنَة عَنهُ عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أخرجه بن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  أَبُو عَاصِمٍ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ سُفْيَانَ أَوْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ عَلَّقَهُ بِصِيغَةِ وَيُذْكَرُ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ مَعَ أَنَّ إِسْنَادَهُ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْله بن الْعَاصِ غَلَطٌ عِنْدَ الْحُفَّاظِ فَلَيْسَ هَذَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الصَّحَابِيَّ الْمَعْرُوفَ بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ حِجَازِيٌّ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ وَجَوَازُ الْقِرَاءَةِ بِبَعْضِ السُّورَةِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي كَرِهَهُ مَالِكٌ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ السُّورَةِ مُخْتَارًا وَالْمُسْتَدَلُّ بِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَكَذَا يُرَدُّ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِ الْآيَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ يَقَعُ فِي وَسَطِ آيَةٍ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ نَعَمْ الْكَرَاهَةُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَأَدِلَّةُ الْجَوَازِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْأَعْرَافَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ ضَرُورَةً فَفِيهِ الْقِرَاءَةُ بِالْأَوَّلِ وَبِالْأَخِيرِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ أَمَّ الصَّحَابَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَرَأَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَفْتُوحَةٌ خَفِيفَةٌ ثُمَّ نُونٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ غَزَوْنَا خُرَاسَانَ وَمَعَنَا ثَلَاثُمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ الْآيَاتِ مِنَ السُّورَة ثمَّ يرْكَع أخرجه بن حَزْمٍ مُحْتَجًّا بِهِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَآيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ فِي كل رَكْعَة .

     قَوْلُهُ  أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ السُّعَالِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَلِابْنِ مَاجَهْ شَرْقَةٌ بِمُعْجَمَةٍ وَقَافٍ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَحَذَفَ أَيْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِرَمْيِ النُّخَامَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ السَّعْلَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ فَرَكَعَ وَلَوْ كَانَ أَزَالَ مَا عَاقَهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ لَتَمَادَى فِيهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السُّعَالَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا إِذَا غَلَبَهُ.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ مَكِّيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ قَالَ وَلِمَنْ خَالَفَ أَنْ يَقُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  بِمَكَّةَ أَيْ فِي الْفَتْحِ أَوْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

.

قُلْتُ قَدْ صَرَّحَ بِقَضِيَّةِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ لِعَارِضِ السُّعَالِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى مِنَ التَّمَادِي فِي الْقِرَاءَةِ مَعَ السُّعَالِ وَالتَّنَحْنُحِ وَلَوِ اسْتَلْزَمَ تَخْفِيفَ الْقِرَاءَةِ فِيمَا اسْتُحِبَّ فِيهِ تَطْوِيلُهَا .

     قَوْلُهُ  وَقَرَأَ عُمَرُ إِلَخْ وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِمِائَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ وَيُتْبِعُهَا بِسُورَةٍ مِنَ الْمَثَانِي انْتَهَى وَالْمَثَانِي قِيلَ مَا لَمْ يَبْلُغْ مِائَةَ آيَةٍ أَوْ بلغَهَاوَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ خَالَفَ عُبَيْدَ اللَّهِ فِي إِسْنَادِهِ فَرَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سُبَيْعَةَ مُرْسَلًا قَالَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَإِنَّمَا رَجَّحَهُ لِأَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ مُقَدَّمٌ فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ لَكِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَافِظٌ حُجَّةٌ وَقَدْ وَافَقَهُ مُبَارَكٌ فِي إِسْنَادِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِثَابِتٍ فِيهِ شَيْخَانِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ هُوَ كُلْثُوم بن الْهدم رَوَاهُ بن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالح عَن بن عَبَّاسٍ كَذَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ وَالْهِدْمُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ سُكَّانِ قُبَاءٍ وَعَلَيْهِ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى قُبَاءٍ قِيلَ وَفِي تَعْيِينِ الْمُبْهَمِ بِهِ هُنَا نَظَرٌ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ سَرِيَّةٍ وَكُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ مَاتَ فِي أَوَائِلِ مَا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ السَّرَايَا ثُمَّ رَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى رِجَالِ الْعُمْدَةِ كُلْثُومَ بْنَ زَهْدَمٍ وَعَزَاهُ لِابْنِ مَنْدَهْ لَكِنْ رَأَيْتُ أَنَا بِخَطِّ الْحَافِظِ رَشِيدِ الدِّينِ الْعَطَّارِ فِي حَوَاشِي مُبْهَمَاتِ الْخَطِيبِ نَقْلًا عَنْ صِفَةِ التَّصَوُّفِ لِابْنِ طَاهِرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ عَنْ أَبِيهِ فَسَمَّاهُ كُرْزَ بْنَ زَهْدَمٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا فَالَّذِي كَانَ يَؤُمُّ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ غَيْرُ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأَمِيرُ السَّرِيَّةِ كَانَ يَخْتِمُ بِهَا وَفِي هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي قِصَّةِ الْآخَرِ وَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ وَأَمِيرَ السَّرِيَّةِ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ وَفِي هَذَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ يُحِبُّهَا فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ وَأَمِيرُ السَّرِيَّةِ قَالَ إِنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ فَبَشَّرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا التَّغَايُرِ كُلِّهِ مُمْكِنٌ لَوْلَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ مَاتَ قَبْلَ الْبُعُوثِ وَالسَّرَايَا.

.
وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فَأَبْعَدَ جِدًّا فَإِنَّ فِي قِصَّةِ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي اللَّيْلِ يُرَدِّدُهَا لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَّ بِهَا لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ وَلَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا بُشِّرَ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَاضِحًا فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ أَيْ مِنَ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ .

     قَوْلُهُ  افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يُشْتَرَطُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَذْكُرِ الْفَاتِحَةَ اعْتِنَاءً بِالْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ افْتَتَحَ بِسُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْفَاتِحَةِ .

     قَوْلُهُ  فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ صَنِيعَهُ ذَلِكَ خِلَافُ مَا أَلِفُوهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ إِمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ أَفْضَلِهِمْ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَإِمَّا لِكَوْنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ .

     قَوْلُهُ  مَا يَأْمُرُكُ بِهِ أَصْحَابُكُ أَيْ يَقُولُونَ لَكَ وَلَمْ يُرِدِ الْأَمْرَ بِالصِّيغَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَكِنَّهُ لَازِمٌ مِنَ التَّخْيِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ كَأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  مَا يَمْنَعُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ سَأَلَهُ عَنْ أَمْرَيْنِ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ إِنِّي أُحِبُّهَا وَهُوَ جَوَابٌ عَنِ الثَّانِي مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَوَّلِ بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ إِقَامَةُ السُّنَّةِ الْمَعْهُودَةِ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَانِعُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْأَمْرِ الْمَعْهُودِ وَالْحَامِلُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَحَبَّةُ وَحْدَهَا وَدَلَّ تَبْشِيرُهُ لَهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى الرِّضَا بِفِعْلِهِ وَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ أَدْخَلَكَ وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مُسْتَقْبَلًا تَحْقِيقًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ قَالَ نَاصِر الدّين بن الْمُنِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَقَاصِدَ تُغَيِّرُ أَحْكَامَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ إِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى إِعَادَتِهَا أَنَّهُ لَا يَحْفَظُ غَيْرَهَا لَأَمْكَنَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِحِفْظِ غَيْرِهَا لَكِنَّهُ اعْتَلَّ بِحُبِّهَا فَظَهَرَتْ صِحَّةُ قَصْدِهِ فَصَوَّبَهُ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْقُرْآنِ بِمَيْلِ النَّفْسِ إِلَيْهِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ هِجْرَانًا لِغَيْرِهِ وَفِيهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ مَكِّيَّةٌ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [773] حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ.
قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ شَىْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا: { يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { قُلْ أُوحِيَ إِلَىَّ} وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ".
[الحديث طرفه في: 4921] .
وبه قال ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح ( عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة، ولأبي ذر والأصيلي: هو جعفر بن أبي وحشية، كذا في الفرع، واسم أبي وحشية إياس ( عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) وللأصيلي، عن عبد الله بن عباس ( رضي الله عنهما، قال: انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل الهجرة بثلاث سنين ( في طائفة) ما فوق الواحد ( من أصحابه) حال كونهم ( عامدين) أي قاصدين ( إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف آخره معجمة، بالصرف وعدمه كما في الفرع وأصله، قال السفاقسي: هو من إضافة الشيء إلى نفسه، لأن عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة، قال في المصابيح: لعل العلم هو مجموع قولنا: سوق عكاظ، كما قالوا في شهر رمضان، وإن قالوا: عكاظ فعلى الحذف، كقولهم: رمضان ( وقد حيل) أي حجز ( بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب) بضم الهاء جمع شهب، وهو شعلة نار ساطعة ككوكب ينقض ( فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟، فقالوا) بالفاء، ولغير أبي ذر: قالوا: ( حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب قالوا) أي الشياطين: ( ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا) أي سيروا ( مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما، فالنصب على الظرفية ( فانظروا) وللأصيلي وابن عساكر: وانظروا ( ما هذا الذي) بإثبات اسم الإشارة، ولابن عساكر: ما الذي ( حال بينكم وبين خبر السماء) ولغير ابن عساكر: حيل، لكنه في اليونينية ضبب عليها وشطب ( فانصرف أولئك) الشياطين ( الذين توجهوا نحو تهامة) بكسر التاء، مكة.
وكانوا من جنّ نصيبين ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة، غير منصرف للعلمية، والتأنيث موضع على ليلة من مكة، حال كونهم ( عامدين إلى سوق عكاظ، وهو) عليه الصلاة والسلام ( يصلّي صلاة الفجر) الصبح ( فلما سمعوا القرآن استمعوا له) أي قصدوه وأصغوا إليه، وهو ظاهر في الجهر المترجم له ( فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، وقالوا) بالواو، وفي رواية قالوا: وهو العامل في ظرف المكان ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فقالوا: بالفاء، وحينئذٍ فالعامل في الظرف: رجعوا، مقدّرًا يفسره المذكور ( { يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا} ) بديعًا مباينًا لسائر الكتب من حسن نظمه، وصحة معانيه، وهو مصدر وصف به للمبالغة ( { يهدي إلى الرشد} ) يدعو إلى الصواب ( { فآمنا به} ) أي بالقرآن ( { ولن نشرك بربنا أحدا} ) [الجن: 201] فأنزل الله تعالى على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( { قل أوحي إليّ} ) زاد الأصيلي: { أنه استمع نفر من الجن} ( وإنما أوحي إليه قول الجن) .
وأراد بقول الجن الذي قصه ومفهومه: أنّ الحيلولة بين الشياطين وخبر السماء حدثت بعد نبوّة نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولذلك أنكرته الشياطين، وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب، حتى قطع بينهم وبين خبر السماء، فكان رميها من دلائل النبوّة.
لكن في مسلم ما يعارض ذلك، فمن ثمة وقع الاختلاف، فقيل: لم تزل الشهب منذ كانت الدنيا، وقيل: كانت قليلة فغلظ أمرها وكثرت بعد البعث.
وذكر المفسرون أن حراسة السماء والرمي بالشهب كان موجودًا، لكن عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الأرض، أو إرسال رسول إليهم، وقيل كانت الشهب مرئية معلومة، ولكن رمي الشياطين بها وإحراقهم لم يكن إلا بعد النبوّة.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وواسطي وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير، ومسلم في الصلاة، والترمذي والنسائي في التفسير، وهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس لم يرفعه ولا هو مدرك للقصة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [773] حدثنا مسدد: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر - هوَ: جعفر بن أبي وحشية -، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالَ: انطلق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب.
قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب.
قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما الذي حال بينكم وبين خبر السماء.
فانصرف الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بنخلة - عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القران [استمعوا لهُ، فـ] قالوا: هذا - والله - الذي حال بينكموبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرانا عجبا، يهدي إلى الرشد فامنا به، ولن نشرك بربنا أحداً، فأنزل الله على نبيه: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيّ} ، وإنما أوحي إليه قول الجن.
هذه القصة كانت في أول البعثة.
وهذا الحديث مما أرسله ابن عباس، ولم يسم من حدثه به من الصحابة، ويحتمل أنه سمعه من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحكي عن نفسه.
والله أعلم.
وسوق عكاظ نحو نخلة، كانَ يجتمع فيهِ العرب، ولهم فيهِ سوق، فكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج إليهم، فيدعوهم إلى الله عز وجل، وقد كانت الشهب يرمى بها في الجاهلية، وإنما كثرت عندما بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد قالَ السدي وغيره: إن السماء لم تحرس إلا حيث كانَ في الأرض نبي أو دين لله ظاهر.
والمقصود من هذا الحديث هاهنا: أن الشياطين لما مروا بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي بأصحابه صلاة الصبح، وقفوا واستمعوا القرآن.
وهذا يدل على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يجهر بالقراءة في صلاة الصبح، فلما سمعوا عرفوا أنه هوَ الذي حال بينهم وبين خبر السماء.
وظاهر هذا السياق: يقتضي أن الشياطين آمنوا بالقرآن، وكذا قالَالسدي وغيره.
وقد اختلف في الجن والشياطين: هل هم جنس واحد، أو لا؟ فقالت طائفة: الجن كلهم ولد إبليس، كما أن الإنس كلهم ولد آدم.
روي هذا عن ابن عباس من وجه فيهِ نظر.
وأنهم لا يدخلون الجنة.
وروي - أيضاً - عن الحسن، وأنه قالَ: مؤمنهم ولي لله لهُ الثواب، ومشركهم شيطان لهُ العقاب.
وقالت طائفة: بل الشياطين ولد إبليس، وهم كفار ولا يموتون إلا مع إبليس، والجن [ولد] الجان وليسوا الشياطين، وهم يموتون، وفيهم المؤمن والكافر.
روي هذا عن ابن عباس بإسناد فيهِ نظر - أيضاً.
وقوله: ( ( وإنما أوحي إليه قول الجن) ) .
يشير ابن عباس إلى أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ير الجن، ولا قرأ عليهم، وإنما أوحي إليه استماعهم القرآن منه وإيمانهم به.
وقد روي ذَلِكَ صريحاً عنه، أنه قالَ في أول هذا الحديث: ما قرأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجن ولا رآهم - ثم ذكر هذا الحديث.
الحديث الثاني:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ)
وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلتَّرْجَمَةِ الْمَاضِيَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا تُسَمَّى بِالْأَمْرَيْنِ .

     قَوْلُهُ  .

     .

     وَقَالَتْ  
أُمُّ سَلَمَةَ إِلَخْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ طَوَافِ النِّسَاءِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ شَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَشْتَكِي أَيْ أَنَّ بِهَا مَرَضًا فَقَالَ طُوفِي وَرَاءَ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ قَالَتْ فَطُفْتُ حِينَئِذٍ وَالنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْحَدِيثَ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ كَانَتِ الصُّبْحَ وَلَكِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَوْرَدَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا الْغَسَّانِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَفْظُهُ فَقَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَطُوفِي وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَسَّانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ وَأما مَا أخرجه بن خُزَيْمَة من طَرِيق بن وهب عَن مَالك وبن لَهِيعَةَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ قَالَتْ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْعشَاء الْآخِرَة فشاذ وأظن سِيَاقه لفظ بن لَهِيعَة لِأَن بن وَهْبٍ رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فَلَمْ يُعَيِّنِ الصَّلَاةَ كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ لَهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَة عَن مَالك مِنْهَا رِوَايَة بن وَهْبٍ الْمَذْكُورَةُ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَابْنُ لَهِيعَةَ لَا يَحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ وَعُرِفَ بِهَذَا انْدِفَاعُ الِاعْتِرَاضِ الَّذِي حَكَاهُ بن التِّينِ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُهَا وَالْأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ عَلَى النَّافِلَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ يَمْتَنِعُ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ انْتَهَى وَهُوَ رَدٌّ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ مَا مَنَعَهُ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ التَّفْصِيلُ فَنَقُولُ إِنْ كَانَ الطَّائِفُ بِحَيْثُ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّينَ فَيَمْتَنِعُ كَمَا قَالَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ وَحَالُ أُمِّ سَلَمَةَ هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهَا طَافَتْ مِنْ وَرَاءِ الصُّفُوفِ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرِيضَةِ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ حِينَئِذٍ شَاكِيَةً فَهِيَ مَعْذُورَةٌ أَوِ الْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ نَصٌّ عَلَى مَا تُرْجِمَ لَهُ مِنَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ إِلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالِاسْتِنْبَاطِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ قَوْلَهَا طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ يَسْتَلْزِمُ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سَمَاعُهَا لِلطَّائِفِ مِنْ وَرَائِهِمْ إِلَّا إِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ إِطْلَاقِ قَرَأَ وَإِرَادَةُ جَهَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثمَّ ذكر البُخَارِيّ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ سَمَاعِ الْجِنِّ الْقُرْآنَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَيَأْتِي بَيَانُ عُكَاظٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي شَرْحِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَيْضًا كَانَتْ عُكَاظٌ مِنْ أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ الْحَدِيثَ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا

[ قــ :752 ... غــ :773] .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَهْرِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُمِرَ وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ وَمَا كَانَ رَبك نسيا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِطْلَاقِ قَرَأَ عَلَى جَهَرَ لَكِنْ كَانَ يَبْقَى خُصُوصُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا الْإِجْمَالُ هُنَا مُفَسَّرٌ بِالْبَيَانِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ بهما وَاحِد أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن رَشِيدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا خَتْمَ تَرَاجِمِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ هُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَهُ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ إِيرَاد حَدِيث بن عَبَّاسٍ هُنَا يُغَايِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِثْبَاتِ الْقِرَاءَة فِي الصَّلَوَات لِأَن مَذْهَب بن عَبَّاسٍ كَانَ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ فِيهِ دلَالَة على التّرْك وَأما بن عَبَّاسٍ فَكَانَ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ تَارَةً وَيَنْفِي الْقِرَاءَةَ أُخْرَى وَرُبَّمَا أَثْبَتَهَا أَمَّا نَفْيُهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقْرَأ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ لَا قِيلَ لَعَلَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ قَالَ هَذِهِ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا بَلَّغَ مَا أُمِرَ بِهِ.

.
وَأَمَّا شَكُّهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَا أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَمْ لَا انْتَهَى وَقَدْ أَثْبَتَ قِرَاءَتَهُ فِيهِمَا خَبَّابٌ وَأَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَرِوَايَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَنْ نَفَى فَضْلًا عَلَى مَنْ شَكَّ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِإِيرَادِ هَذَا إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَرَأَ فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَقْرَأَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ جَاءَ عَنِ بن عَبَّاسٍ إِثْبَاتُ ذَلِكَ أَيْضًا رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ أبي الْعَالِيَة الْبَراء قَالَ سَأَلت بن عَبَّاسٍ أَقَرَأَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ هُوَ أَمَامَكَ اقْرَأْ مِنْهُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ .

     قَوْلُهُ  وَمَا كَانَ رَبك نسيا وَلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُنَزِّلَ بَيَانَ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَكُونَ قُرْآنًا يُتْلَى لَفَعَلَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ عَنْ نِسْيَانٍ وَلَكِنَّهُ وَكَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى بَيَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ شَرَعَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ أَفْعَالِهِ الَّتِي هِيَ لِبَيَانِ مُجْمَلِ الْكِتَابِ وَقَولُهُ أُسْوَة بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا أَي قدوة

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
الجهر بقراءة الفجر
وقالت أم سلمة: طفت وراء الناس والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي يقرأ بالطور.

حديث أم سلمة، قد ذكرنا في الباب الماضي.

فيهِ حديثان:
الأول:
[ قــ :752 ... غــ :773 ]
- حدثنا مسدد: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر - هوَ: جعفر بن أبي
وحشية -، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالَ: انطلق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب.
قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب.
قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما الذي حال بينكم وبين خبر السماء.
فانصرف الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بنخلة - عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القران [استمعوا لهُ، فـ] قالوا: هذا - والله - الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرانا عجبا، يهدي إلى الرشد فامنا به، ولن نشرك بربنا أحداً، فأنزل الله على نبيه: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيّ} ، وإنما أوحي إليه قول الجن.

هذه القصة كانت في أول البعثة.

وهذا الحديث مما أرسله ابن عباس، ولم يسم من حدثه به من الصحابة، ويحتمل أنه سمعه من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحكي عن نفسه.
والله أعلم.

وسوق عكاظ نحو نخلة، كانَ يجتمع فيهِ العرب، ولهم فيهِ سوق، فكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج إليهم، فيدعوهم إلى الله عز وجل، وقد كانت الشهب يرمى بها في الجاهلية، وإنما كثرت عندما بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد قالَ السدي وغيره: إن السماء لم تحرس إلا حيث كانَ في الأرض نبي أو دين لله ظاهر.

والمقصود من هذا الحديث هاهنا: أن الشياطين لما مروا بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي بأصحابه صلاة الصبح، وقفوا واستمعوا القرآن.
وهذا يدل على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يجهر بالقراءة في صلاة الصبح، فلما سمعوا عرفوا أنه هوَ الذي حال بينهم وبين خبر السماء.

وظاهر هذا السياق: يقتضي أن الشياطين آمنوا بالقرآن، وكذا قالَ السدي وغيره.

وقد اختلف في الجن والشياطين: هل هم جنس واحد، أو لا؟
فقالت طائفة: الجن كلهم ولد إبليس، كما أن الإنس كلهم ولد آدم.

روي هذا عن ابن عباس من وجه فيهِ نظر.
وأنهم لا يدخلون الجنة.

وروي - أيضاً - عن الحسن، وأنه قالَ: مؤمنهم ولي لله لهُ الثواب، ومشركهم شيطان لهُ العقاب.

وقالت طائفة: بل الشياطين ولد إبليس، وهم كفار ولا يموتون إلا مع إبليس، والجن [ولد] الجان وليسوا الشياطين، وهم يموتون، وفيهم المؤمن والكافر.

روي هذا عن ابن عباس بإسناد فيهِ نظر - أيضاً.

وقوله: ( ( وإنما أوحي إليه قول الجن) ) .
يشير ابن عباس إلى أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ير الجن، ولا قرأ عليهم، وإنما أوحي إليه استماعهم القرآن منه وإيمانهم به.

وقد روي ذَلِكَ صريحاً عنه، أنه قالَ في أول هذا الحديث: ما قرأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجن ولا رآهم - ثم ذكر هذا الحديث.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ
.

     .

     وَقَالَتْ  
أُمُّ سَلَمَةَ: طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ.

( باب الجهر بقراءة صلاة الفجر) ولأبي ذر: صلاة الصبح.

( وقالت أم سلمة) مما وصله المؤلّف في الحج: ( طفت) بالكعبة ( وراء الناس، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) أي الصبح ( ويقرأ بالطور) وللأصيلي وابن عساكر: يقرأ، بغير واو.


[ قــ :752 ... غــ : 773 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ.
قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ شَىْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا: { يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { قُلْ أُوحِيَ إِلَىَّ} وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ".
[الحديث 773 - طرفه في: 4921] .

وبه قال ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح ( عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة، ولأبي ذر والأصيلي: هو جعفر بن أبي وحشية، كذا في الفرع، واسم أبي وحشية إياس ( عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) وللأصيلي، عن عبد الله بن عباس ( رضي الله عنهما، قال: انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل الهجرة بثلاث سنين ( في طائفة) ما فوق الواحد ( من أصحابه) حال كونهم ( عامدين) أي قاصدين ( إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف آخره

معجمة، بالصرف وعدمه كما في الفرع وأصله، قال السفاقسي: هو من إضافة الشيء إلى نفسه، لأن عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة، قال في المصابيح: لعل العلم هو مجموع قولنا: سوق عكاظ، كما قالوا في شهر رمضان، وإن قالوا: عكاظ فعلى الحذف، كقولهم: رمضان ( وقد حيل) أي حجز ( بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب) بضم الهاء جمع شهب، وهو شعلة نار ساطعة ككوكب ينقض ( فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟، فقالوا) بالفاء، ولغير أبي ذر: قالوا: ( حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب قالوا) أي الشياطين: ( ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا) أي سيروا ( مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما، فالنصب على الظرفية ( فانظروا) وللأصيلي وابن عساكر: وانظروا ( ما هذا الذي) بإثبات اسم الإشارة، ولابن عساكر: ما الذي ( حال بينكم وبين خبر السماء) ولغير ابن عساكر: حيل، لكنه في اليونينية ضبب عليها وشطب ( فانصرف أولئك) الشياطين ( الذين توجهوا نحو تهامة) بكسر التاء، مكة.
وكانوا من جنّ نصيبين ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة، غير منصرف للعلمية، والتأنيث موضع على ليلة من مكة، حال كونهم ( عامدين إلى سوق عكاظ، وهو) عليه الصلاة والسلام ( يصلّي صلاة الفجر) الصبح ( فلما سمعوا القرآن استمعوا له) أي قصدوه وأصغوا إليه، وهو ظاهر في الجهر المترجم له ( فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، وقالوا) بالواو، وفي رواية قالوا: وهو العامل في ظرف المكان ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فقالوا: بالفاء، وحينئذٍ فالعامل في الظرف: رجعوا، مقدّرًا يفسره المذكور ( { يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا} ) بديعًا مباينًا لسائر الكتب من حسن نظمه، وصحة معانيه، وهو مصدر وصف به للمبالغة ( { يهدي إلى الرشد} ) يدعو إلى الصواب ( { فآمنا به} ) أي بالقرآن ( { ولن نشرك بربنا أحدا} ) [الجن: 201] فأنزل الله تعالى على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( { قل أوحي إليّ} ) زاد الأصيلي: { أنه استمع نفر من الجن} ( وإنما أوحي إليه قول الجن) .

وأراد بقول الجن الذي قصه ومفهومه: أنّ الحيلولة بين الشياطين وخبر السماء حدثت بعد نبوّة نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولذلك أنكرته الشياطين، وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب، حتى قطع بينهم وبين خبر السماء، فكان رميها من دلائل النبوّة.

لكن في مسلم ما يعارض ذلك، فمن ثمة وقع الاختلاف، فقيل: لم تزل الشهب منذ كانت الدنيا، وقيل: كانت قليلة فغلظ أمرها وكثرت بعد البعث.

وذكر المفسرون أن حراسة السماء والرمي بالشهب كان موجودًا، لكن عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الأرض، أو إرسال رسول إليهم، وقيل كانت الشهب مرئية معلومة، ولكن رمي الشياطين بها وإحراقهم لم يكن إلا بعد النبوّة.


ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وواسطي وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير، ومسلم في الصلاة، والترمذي والنسائي في التفسير، وهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس لم يرفعه ولا هو مدرك للقصة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ الجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الصُّبْحِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْجَهْر بِقِرَاءَة صَلَاة الصُّبْح، وَهُوَ رِوَايَة أبي ذَر، وَلغيره: لصَلَاة الْفجْر، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ الْجَهْر بِقِرَاءَة الصُّبْح.

وقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي ويَقْرأُ بِالطُّورِ
قد ذكرنَا فِي أول الْبابُُ الَّذِي قبله أَن هَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْحَج، وَسَيَجِيءُ بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: ( وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَا فِي قَوْله: ( وَيقْرَأ بِالطورِ) ، أَي: بِسُورَة الطّور..
     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: يحْتَمل أَن تكون الْبَاء بِمَعْنى: من، كَقَوْلِه تَعَالَى: { عينا يشرب بهَا عباد الله} ( الْإِنْسَان: 6) .
أَي: يشرب مِنْهَا.
قلت: فعلى هَذَا يحْتَمل أَن تكون قِرَاءَته من بعد الطّور لَا الطّور كلهَا، وَلَكِن الَّذِي قصد بِهِ البُخَارِيّ هَهُنَا إِثْبَات جهر الْقِرَاءَة فِي صَلَاة الصُّبْح، لِأَن أم سَلمَة سَمِعت قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي وَرَاء النَّاس، وَأما كَون هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الصُّبْح فقد بَينا وَجهه فِي أول الْبابُُ الَّذِي قبله.



[ قــ :752 ... غــ :773 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوانَةَ عنْ أبي بِشْرٍ عنْ سَعيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ انْطَلَقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أصْحابِهِ عامِدِينَ إلَى سُوقِ عُكَاظٍ وقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فقالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قالُوا مَا حالَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ خعبرِ السَّماءِ إلاّ شيءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأرْضِ ومَغَارِبِهَا فَانْظُرُوا مَا هذَا الَّذِي حالَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ خَبَرِ السَّماءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ ألَى سُوقِ عُكاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي بِأصْحابِهِ صَلاةَ الفجْرِ فلمَّا سَمِعوا القُرآنَ اسْتمعُوا لهُ فقَالُوا هَذَا وَالله الَّذِي حالَ بَيْنكُمْ وبَيْنَ خبَرِ السَّماءِ فهُنالِكَ حينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهمْ وقالُوا يَا قَوْمَنا إنَّا سَمِعْنا قُرآنا عَجَبا يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ فآمنَّا بِهِ ولَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أحدا فَأنْزلَ الله تَعَالَى علَ نبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُل أوحِيَ إلَيَّ وإنَّما أُوحِيَ إلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ.
( الحَدِيث 773 طرفه فِي: 4921) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر، فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن اسْتَمعُوا لَهُ) .

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُسَدّد.
الثَّانِي: أَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي.
الثَّالِث: جَعْفَر بن أبي وحشية، وكنيته: أَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: وَاسم أبي وحشية إِيَاس.
الرَّابِع: سعيد بن جُبَير.
الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وواسطي وكوفي.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن شَيبَان بن فروخ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد الله بن حميد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي عَن أبي الْوَلِيد مقطعا، وَعَن عَمْرو بن مَنْصُور.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فِي طَائِفَة) ، ذكره الْجَوْهَرِي فِي بابُُ: طَوَفَ،.

     وَقَالَ : الطَّائِفَة من الشَّيْء قِطْعَة مِنْهُ، وَقَوله تَعَالَى: { وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} ( النُّور: 2) .
قَالَ ابْن عَبَّاس: الْوَاحِد فَمَا فَوْقه،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: الطَّائِفَة الرجل الْوَاحِد إِلَى الْألف..
     وَقَالَ  عَطاء: أقلهَا رجلَانِ.
قَوْله: ( عَامِدين) أَي: قَاصِدين، مَنْصُوب على الْحَال، فِي ( الفصيح) فِي بابُُ: فعلت، بِفَتْح الْعين: عَمَدت للشَّيْء أعمد إِذا قصدت إِلَيْهِ.
وَفِي ( شَرحه) للزاهد: عَن ثَعْلَب: أعمد عمدا: إِذا قصدت لَهُ خيرا كَانَ أَو شرا.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: عمدتَ أعمد عمدا وعمادا وعمدة، بِمَعْنَاهُ وَفِي ( الموعب) : لِابْنِ التياني: عَن الْأَصْمَعِي لَا يُقَال: عَمَدت، بِكَسْر الْمِيم.
وَفِي ( شرح الزَّاهِد) وَغَيره: عمده وَعمد إِلَيْهِ وَعمد لَهُ عمودا، وَزعم ابْن دستويه أَنه لَا يتَعَدَّى إلاّ بِحرف جر.
قَوْله: ( فِي سوق عكاظ) قَالَ ابْن السّكيت: السُّوق أُنْثَى، وَرُبمَا ذكرت، والتأنيث أغلب لأَنهم يحقرونها: سويقة.
وَفِي ( الْمُحكم) : وَالْجمع أسواق، والسوقة لُغَة فِيهِ، وَفِي ( الْجَامِع) : اشتقاقها من سوق النَّاس إِلَيْهَا بضائعهم..
     وَقَالَ  السفاقسي: سميت بذلك لقِيَام النَّاس فِيهَا على سوقهم.
قَوْله: ( وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر) .
فَإِن قلت: هَذِه الْقَضِيَّة كَانَت قبل الْإِسْرَاء، وَصَلَاة الْفجْر فرضت مَعَ بَقِيَّة الصَّلَوَات لَيْلَة الْإِسْرَاء؟ قلت: الرَّاجِح أَن الْإِسْرَاء كَانَ قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث، فَتكون الْقَضِيَّة بعد الْإِسْرَاء.
أَو نقُول: إِنَّه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُصَلِّي قبل الْإِسْرَاء قطعا، وَكَذَلِكَ أَصْحَابه، وَلَكِن اخْتلف هَل افْترض قبل الصَّلَوَات الْخمس شَيْء من الصَّلَوَات أم لَا؟ فَيصح على قَول من قَالَ: إِن الْفَرْض أَولا كَانَ قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا، فَيكون إِطْلَاق صَلَاة الْفجْر بِهَذَا الِاعْتِبَار، لَا لكَونهَا إِحْدَى الْخمس الْمَفْرُوضَة لَيْلَة الْإِسْرَاء.
قَوْله: ( عكاظ) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْكَاف وَفِي آخِره طاء مُعْجمَة.
قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ اسْم سوق من أسواق الْعَرَب وموسم من مواسم الْجَاهِلِيَّة كَانَت الْعَرَب تَجْتَمِع بِهِ كل سنة يتفاخرون بهَا، ويحضرها الشُّعَرَاء فيتناشدون مَا أَحْدَثُوا من الشّعْر.
وَعَن اللَّيْث: سمي عكاظ عكاظا لِأَن الْعَرَب كَانَت تَجْتَمِع فِيهَا فيعكظ بَعضهم بَعْضًا بالمفاخرة أَي: يدعك..
     وَقَالَ  غَيره: عكظ الرجل دَابَّته يعكظها عكظا إِذا حَبسهَا، وتعكظ الْقَوْم تعكظا إِذا تحبسوا ينظرُونَ فِي أَمرهم، وَبِه سميت عكاظ.
وَفِي ( الموعب) : كَانُوا يَجْتَمعُونَ بهَا فِي كل سنة فيقيمون بهَا الْأَشْهر الْحرم، وَكَانَ فِيهَا وقائع مرّة بعد أُخْرَى.
وَفِي ( الْمُحكم) : قَالَ اللحياني: أهل الْحجاز يجرونها وَتَمِيم لَا يجرونَ بهَا.
وَفِي ( الصِّحَاح) : هِيَ نَاحيَة مَكَّة، كَانُوا يَجْتَمعُونَ بهَا فِي كل سنة فيقيمون شهرا..
     وَقَالَ  ابْن حبيب: هِيَ صحراء مستوية لَا علم فِيهَا وَلَا جبل إِلَّا مَا كَانَ من النصب الَّتِي كَانَت بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَبهَا من دِمَاء الْبدن كالأرخام الْعِظَام، وَقيل: هِيَ مَاء على نجد قريبَة من عَرَفَات.
وَقيل: وَرَاء قرن الْمنَازل بمرحلة من طَرِيق صنعاء، وَهِي من عمل الطَّائِف على بريد مِنْهَا وأرضها لبني نضر، واتخذت سوقا بعد الْفِيل بِخمْس عشرَة سنة، وَتركت عَام الحرورية بِمَكَّة مَعَ الْمُخْتَار بن عَوْف سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة إِلَى هَلُمَّ جرا..
     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: عكاظ فِيمَا بَين نَخْلَة والطائف إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ الفتق، بِهِ أَمْوَال ونخيل لثقيف، بَينه وَبَين الطَّائِف عشرَة أَمْيَال، فَكَانَ سوق عكاظ يقوم صبيح هِلَال ذِي الْقعدَة عشْرين يَوْمًا، وسوق مجنة يقوم بعده عشرَة أَيَّام.
وسوق ذِي الْمجَاز يقوم هِلَال ذِي الْحجَّة.
وَزعم الرشاطي أَنَّهَا كَانَت تُقَام نصف ذِي الْقعدَة إِلَى آخر الشَّهْر، فَإِذا أهل ذُو الْحجَّة أَتَوا إِذا الْمجَاز وَهِي قريب من عكاظ فَيقوم سوقها إِلَى يَوْم التَّرويَة، فيسيرون إِلَى منى،.

     وَقَالَ  ابْن الْكَلْبِيّ: لم يكن بعكاظ عشور وَلَا خفارة.
قَوْله: ( وَقد حيل) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف.
يُقَال: حَال الشَّيْء بيني وَبَيْنك.
.
أَي حجز، وأصل مصدره واوي، يَعْنِي من: الْحول، وأصل: حيل حول، نقلت كسرة الْوَاو إِلَى مَا قبلهَا بعد حذف الضمة مِنْهَا فَصَارَ: حيل.
قَوْله: ( بَين الشَّيَاطِين) جمع: شَيْطَان.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَقد جعل سِيبَوَيْهٍ نون: الشَّيْطَان، فِي مَوضِع من كِتَابه أَصْلِيَّة، وَفِي آخر زَائِدَة، وَالدَّلِيل على أصالتها قَوْلهم: شَيْطَان، واشتقاقه من: شطن، إِذا بعد لبعده عَن الصّلاح وَالْخَيْر، أَو من: شاط، إِذا بَطل إِذا جعلت نونه زَائِدَة، وَمن أَسْمَائِهِ: الْبَاطِل.
وَالشَّيَاطِين: العصاة من الْجِنّ، وهم من ولد إِبْلِيس.
وَالْمرَاد أعتاهم وأغواهم، وهم أعوان إِبْلِيس ينفذون بَين يَدَيْهِ فِي الإغواء..
     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: كل عَاتٍ متمرد من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالدَّوَاب شَيْطَان..
     وَقَالَ  القَاضِي أَبُو يعلى: الشَّيَاطِين مَرَدَة الْجِنّ وأشرارهم، وَلذَلِك يُقَال للشرير: مارد وَشَيْطَان،.

     وَقَالَ  تَعَالَى: { شَيْطَان مُرِيد} ( الصافات: 7) ..
     وَقَالَ  أَبُو عمر بن عبد الْبر: الْجِنّ منزلون على مَرَاتِب، فَإِذا ذكر الْجِنّ خَالِصا يُقَال: جني، وَإِن أُرِيد بِهِ أَنه مِمَّن يسكن مَعَ النَّاس: يُقَال: عَامر، وَالْجمع: عمار، وَإِن كَانَ مِمَّا يعرض للصبيان يُقَال: أَرْوَاح، فَإِن خبث فَهُوَ شَيْطَان، فَإِن زَاد على ذَلِك فَهُوَ مارد، فَإِن زَاد على ذَلِك وَقَوي أمره فَهُوَ عفريت، وَالْجمع: عفاريت.
انْتهى.
وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور ذكر وجود الْجِنّ وَوُجُود الشَّيَاطِين، ولكنهما نوع وَاحِد، غير أَنَّهُمَا صَارا صنفين بِاعْتِبَار أَمر عرض لَهما، وَهُوَ الْكفْر وَالْإِيمَان، فالكافر مِنْهُم يُسمى بالشيطان، وَالْمُؤمن بالجن.
قَوْله: ( وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب) ، بِضَم الْهَاء: جمع الشهَاب، وَهُوَ شعلة نَار ساطعة كَأَنَّهَا كَوْكَب منقضٍ، وَاخْتلف فِي الشهب: هَل كَانَت يرْمى بهَا قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا؟ لقَوْله تَعَالَى: { وَإِنَّا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا} إِلَى قَوْله: { رصدا} ( الْجِنّ: 8 9) .
فَذكر ابْن اسحاق أَن الْعَرَب أنْكرت وُقُوع الشهب، وأشدهم إنكارا ثَقِيف،، وَأَنَّهُمْ جاؤوا إِلَى رئيسهم عَمْرو بن أُميَّة بَعْدَمَا عمي فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِن كَانَت هِيَ الَّتِي يهتدى بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر فَهُوَ خراب الدُّنْيَا وزوالها، وَإِن كَانَ غَيرهَا فَهُوَ لأمر حدث، وَإِن الشَّيَاطِين استنكرت ذَلِك وضربوا فِي الْآفَاق لينظروا مَا مُوجبه، وَنَفس الْآيَة الْكَرِيمَة تدل على وجود حراسها بِمَا شَاءَ الله تَعَالَى، إلاّ أَنه قَلِيل، وَإِنَّمَا كثر عِنْد أبان مبعث سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالُوا: ملئت حرسا شَدِيدا لأَنهم عهدوا حرسا، وَلكنه غير شَدِيد، وَلِأَن جمَاعَة من الْعلمَاء، مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَالزهْرِيّ، قَالُوا: مَا زَالَت الشهب مذ كَانَت الدُّنْيَا، يُؤَيّدهُ مَا فِي ( صَحِيح مُسلم) من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( وَرمى بِنَجْم مَا كُنْتُم تَقولُونَ أَن كَانَ مثل هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة؟ قَالُوا: يَمُوت عَظِيم أَو يُولد عَظِيم.
.
)
الحَدِيث.
وَذكر بَعضهم أَن السَّمَاء كَانَت محروسة قبل النُّبُوَّة، وَلَكِن إِنَّمَا كَانَت تقع الشهب عِنْد حُدُوث أَمر عَظِيم من عَذَاب ينزل أَو إرْسَال رَسُول إِلَيْهِم، وَعَلِيهِ تأولوا قَوْله تَعَالَى: { وَإِنَّا لَا نَدْرِي أشر أُرِيد بِمن فِي الأَرْض أم أَرَادَ بهم رَبهم رشدا} ( الْجِنّ: 10) .
وَقيل: كَانَت الشهب مرئية مَعْلُومَة، لَكِن رجم الشَّيَاطِين وإحراقهم لم يكن إلاّ بعد نبوة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَإِن قيل: كَيفَ تتعرض الْجِنّ لإتلاف نَفسهَا بِسَبَب سَماع خبر بعد أَن صَار ذَلِك مَعْلُوما لَهُم؟ أُجِيب: قد ينسيهم الله تَعَالَى ذَلِك لينفذ فيهم قَضَاؤُهُ، كَمَا قيل فِي الهدهد: إِنَّه يرى المَاء فِي تخوم الأَرْض وَلَا يرى الفخ على ظهر الأَرْض، على أَن السُّهيْلي وَغَيره زَعَمُوا أَن الشهَاب تَارَة يصيبهم فيحرقهم، وَتارَة لَا يصيبهم، فَإِن صَحَّ هَذَا فَيَنْبَغِي كَأَنَّهُمْ غير متيقنين بِالْهَلَاكِ وَلَا جازمين بِهِ..
     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: كَانَت الشَّيَاطِين لَا تحجب عَن السَّمَوَات، فَلَمَّا ولد عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، منعت من ثَلَاث سموات، فَلَمَّا ولد سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعت مِنْهَا كلهَا..
     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ، رَحمَه الله، الَّذِي أميل إِلَيْهِ أَن الشهب لم تَرَ إلاّ قبل مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ اسْتمرّ ذَلِك وَكثر حِين بعث، وَعَن الزُّهْرِيّ: كَانَت الشهب قَليلَة فغلظ أمرهَا وَكَثُرت حِين الْبعْثَة..
     وَقَالَ  أَبُو الْفرج فَإِن قيل: أيزول الْكَوْكَب إِذا رجم بِهِ؟ قُلْنَا: قد يُحَرك الْإِنْسَان يَده أَو حَاجِبه فتضاف تِلْكَ الْحَرَكَة إِلَى جَمِيعه، وَرُبمَا فصل شُعَاع من الْكَوْكَب فَأحرق، وَيجوز أَن يكون ذَلِك الْكَوْكَب يفنى ويتلاشى.
قَوْله: ( فاضربوا) أَي: سِيرُوا فِي الأَرْض كلهَا، يُقَال: فلَان ضرب فِي الأَرْض إِذا سَار فِيهَا،.

     وَقَالَ  الله تَعَالَى: { وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} ( النِّسَاء 101) .
أَي: سِرْتُمْ.
قَوْله: ( مَشَارِق) ، مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي مَشَارِق الأَرْض وَفِي مغاربها.
قَوْله: ( فَانْصَرف أُولَئِكَ) ، أَي: الشَّيَاطِين الَّذين توجهوا نَاحيَة تهَامَة، وَهِي بِكَسْر التَّاء.
وَفِي ( الموعب) : تهَامَة اسْم مَكَّة، وطرف تهَامَة من قبل الْحجاز مدارج العرج، وأولها من قبل نجد مدارج عرق، فَإِذا نسب إِلَيْهَا يُقَال: تهامي، بِفَتْح التَّاء، قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَعَن سِيبَوَيْهٍ، بِكَسْرِهَا.
وَفِي ( أمالي الهجري) : آخر تهَامَة أَعْلَام الْحرم الشَّامي.
وَفِي كتاب الرشاطي: تهَامَة مَا ساير الْبَحْر من نجد، ونجد مَا بَين الْحجاز إِلَى الشَّام إِلَى العذيب، وَالصَّحِيح أَن مَكَّة من تهَامَة..
     وَقَالَ  الْمَدَائِنِي: جَزِيرَة الْعَرَب خَمْسَة أَقسَام: تهَامَة ونجد وحجاز وعروض ويمن، أما تهَامَة فَهِيَ النَّاحِيَة الجنوبية من الْحجاز، وَأما نجد فَهِيَ النَّاحِيَة الَّتِي من الْحجاز وَالْعراق، وَأما الْحجاز فَهُوَ جبل يقبل من الْيمن حَتَّى يتَّصل بِالشَّام، وَفِيه الْمَدِينَة وعمان.
وَأما الْعرُوض فَهِيَ الْيَمَامَة إِلَى الْبَحْرين.
قَالَ: وَإِنَّمَا سمي الْحجاز حجازا لِأَنَّهُ يحجز بَين نجد وتهامة.
وَمن الْمَدِينَة إِلَى طَرِيق مَكَّة إِلَى أَن يبلغ مهبط العرج حجازا أَيْضا، وَمَا وَرَاء ذَلِك إِلَى مَكَّة وَجدّة فَهُوَ تهَامَة..
     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: الْحجاز من الْمَدِينَة إِلَى تَبُوك، وَمن الْمَدِينَة إِلَى طَرِيق الْكُوفَة.
وَمن وَرَاء ذَلِك إِلَى أَن يشارف أَرض الْبَصْرَة فَهُوَ نجد، وَمَا بَين الْعرَاق وَبَين وجرة وَعمرَة الطَّائِف نجد، وَمَا كَانَ من وَرَاء وجرة إِلَى الْبَحْر فَهُوَ تهَامَة، وَمَا كَانَ بَين تهَامَة ونجد فَهُوَ حجاز،.

     وَقَالَ  قطرب: تهَامَة من قَوْلهم: تهم الْبَعِير تهما، دخله حر، وتهم الْبَعِير إِذا استنكر المرعى وَلم يسْتَمر بِهِ، وَلحم تهم: خنز.
وَيُقَال: تهَامَة وتهومة.
وَقيل: سميت تهَامَة لِأَنَّهَا انخفضت عَن نجد فتهم رِيحهَا أَي تغير، وَعَن ابْن دُرَيْد: التهم شدَّة الْحر وركود الرّيح، وَسميت بهَا تهَامَة.
قَوْله: ( وَهُوَ بنخلة) ، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف ثمَّة، وبطن نَخْلَة مَوضِع بَين مَكَّة والطائف..
     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: نَخْلَة، على لفظ الْوَاحِدَة من النّخل: مَوضِع على لَيْلَة من مَكَّة، وَهِي الَّتِي نسب إِلَيْهَا بطن نَخْلَة، وَهِي الَّتِي ورد الحَدِيث فِيهَا لَيْلَة الْجِنّ، وَهُوَ غير منصرف للعلمية والتأنيث.
قَوْله: ( عَامِدين) ، حَال، وَإِنَّمَا جمع، وَإِن كَانَ ذُو الْحَال وَاحِدًا، بِاعْتِبَار أَن أَصْحَابه مَعَه، كَمَا يُقَال: جَاءَ السُّلْطَان، وَالْمرَاد: هُوَ واتباعه، أَو جمع تَعْظِيمًا لَهُ.
قَوْله: ( اسْتَمعُوا لَهُ) أَي: أَنْصتُوا، وَالْفرق بَين السماع وَالِاسْتِمَاع أَن بابُُ الافتعال لَا بُد فِيهِ من التَّصَرُّف، فالاستماع تصرف بِالْقَصْدِ والإصغاء إِلَيْهِ، وَالسَّمَاع أَعم مِنْهُ.
قَوْله: ( فهناك) ، ظرف مَكَان، وَالْعَامِل فِيهِ: قَالُوا.
ويروى: ( فَقَالُوا) ، بِالْفَاءِ فالعامل: رجعُوا، مُقَدرا يفسره الْمَذْكُور.
قَوْله: ( أُوحِي إِلَيّ) وَقَرَأَ حَيْوَة الْأَسدي: { قل أُوحِي إِلَيّ} ( الْجِنّ: 1) ..
     وَقَالَ  الزّجاج فِي ( الْمعَانِي) : الْأَكْثَر أوحيت، وَيُقَال: وحيت، فَالْأَصْل: وحى.
إِلَى قَوْله: { نفر من الْجِنّ} ( الْجِنّ: 1) .
قَالَ الزّجاج: هَؤُلَاءِ النَّفر من الْجِنّ كَانُوا من نَصِيبين، وَقيل: أَنهم كَانُوا من الْيمن، وَقيل: إِنَّهُم كَانُوا يهودا.
وَقيل: إِنَّهُم كَانُوا مُشْرِكين.
وَذكر ابْن دُرَيْد أَن أَسْمَاءَهُم: شاصر وماصر والأحقب ومنشىء وناشىء، لم يزدْ شَيْئا.
وَفِي ( تَفْسِير الضَّحَّاك) : كَانُوا تِسْعَة من أهل نَصِيبين، قَرْيَة بِالْيمن غير الَّتِي بالعراق، وَفِي رِوَايَة عَاصِم عَن زر بن حُبَيْش: أَنهم كَانُوا سَبْعَة: ثَلَاثَة من أهل حران، وَأَرْبَعَة من نَصِيبين، ذكره الْقُرْطُبِيّ فِي ( تَفْسِيره) وَعند الْحَاكِم: عَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَبَطُوا على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِبَطن نَخْلَة وَكَانُوا تِسْعَة: أحدهم زَوْبَعَة،.

     وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَعند الْقُرْطُبِيّ: كَانُوا اثْنَي عشر، وَعَن عِكْرِمَة: كَانُوا اثْنَي عشر ألفا.
وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وَقيل: كَانُوا من بني الشيبان، وهم أَكثر الْجِنّ عددا، وهم عَامَّة جنود إِبْلِيس.
قَوْله: { قُرْآنًا عجبا} ( الْجِنّ: 1) .
أَي: بديعا مُبينًا لسَائِر الْكتب فِي حسن نظمه وَصِحَّة مَعَانِيه، قَائِمَة فِيهِ دَلَائِل الإعجاز.
وانتصاب: عجبا، على أَنه مصدر وضع مَوضِع التَّعَجُّب وَفِيه مُبَالغَة، وَالْعجب مَا خرج عَن حد إشكاله، ونظائره قَوْله: { يهدي إِلَى الرشد} ( الْجِنّ: 2) .
أَي: يَدْعُو إِلَى الصَّوَاب.
وَقيل: يهدي إِلَى التَّوْحِيد وَالْإِيمَان.
قَوْله: { فَآمَنا بِهِ} ( الْجِنّ: 2) .
أَي: بِالْقُرْآنِ.
قَوْله: { وَلنْ نشْرك بربنا أحدا} ( الْجِنّ: 2) .
يَعْنِي: لما كَانَ الْإِيمَان بِالْقُرْآنِ إِيمَانًا بِاللَّه عز وَجل وبوحدانيته وَبَرَاءَة من الشّرك قَالُوا: { لن نشْرك بربنا أحدا} ( الْجِنّ: 2) .
قَوْله: ( فَأنْزل) الله على نبيه: { قل أُوحِي إليّ} ( الْجِنّ: 1) .
أَي: قل يَا مُحَمَّد، أَي: أخبر قَوْمك مَا لَيْسَ لَهُم بِهِ علم، ثمَّ بَين فَقَالَ: { أُوحي إِلَيّ أنع اسْتمع نفر من الْجِنّ} ( الْجِنّ: 1) ..
     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: لما أيس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من خبر ثَقِيف انْصَرف عَن الطَّائِف رَاجعا إِلَى مَكَّة حَتَّى كَانَ بنخلة، قَامَ من جَوف اللَّيْل يُصَلِّي.
فَمر بِهِ النَّفر من الْجِنّ الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى، وهم فِيمَا ذكر لي سَبْعَة نفر من أهل جن نَصِيبين، فَاسْتَمعُوا لَهُ، فَلَمَّا فرغ من صلَاته ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين قد آمنُوا وَأَجَابُوا إِلَى مَا سمعُوا، فَقص خبرهم عَلَيْهِ، فَقَالَ تَعَالَى: { وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} إِلَى قَوْله: { أَلِيم} ثمَّ قَالَ تَعَالَى: { قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} ( الْأَحْقَاف: 29) .
إِلَى آخر الْقِصَّة من خبرهم فِي هَذِه السُّورَة، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَشَارَ البُخَارِيّ بقوله: وَإِنَّمَا أُوحِي إِلَيْهِ قَول الْجِنّ،، وَأَرَادَ بقول الْجِنّ هم الَّذين قصّ خبرهم عَلَيْهِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِي وَقت صرف الْجِنّ إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ ذَلِك قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين، وَقبل الْإِسْرَاء.
وَذكر الْوَاقِدِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الطَّائِف لثلاث بَقينَ من شَوَّال وَأقَام خمْسا وَعشْرين لَيْلَة، وَقدم مَكَّة لثلاث وَعشْرين خلت من ذِي الْقعدَة يَوْم الثُّلَاثَاء، وَأقَام بِمَكَّة ثَلَاثَة أشهر، وَقدم عَلَيْهِ جن الْحجُون فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة من النُّبُوَّة.
الثَّانِي: أَن الْجِنّ كَانَت مُتعَدِّدَة وتعددت وفادتهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَالْمَدينَة بعد الْهِجْرَة، وَفِي كَلَام الْبَيْهَقِيّ: أَن لَيْلَة الْجِنّ وَاحِدَة نظر.
الثَّالِث: فِي الحَدِيث وجود الْجِنّ.
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابه ( الشَّامِل) : إِن كثيرا من الفلاسفة وجماهير الْقَدَرِيَّة وكافة الزَّنَادِقَة أَنْكَرُوا الشَّيَاطِين وَالْجِنّ رَأْسا،.

     وَقَالَ  أَبُو الْقَاسِم الصفار فِي ( شرح الْإِرْشَاد) : وَقد أنكرهم مُعظم الْمُعْتَزلَة، وَقد دلّت نُصُوص الْكتاب وَالسّنة على إثباتهم..
     وَقَالَ  أَبُو بكر الباقلاني: وَكثير من الْقَدَرِيَّة يثبتون وجود الْجِنّ قَدِيما وينفون وجودهم الْآن، وَمِنْهُم من يقر بوجودهم وَيَزْعُم أَنهم لَا يرَوْنَ لرقة أَجْسَادهم ونفوذ الشعاع.
وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّهُم لَا يرَوْنَ لأَنهم لَا ألوان لَهُم..
     وَقَالَ  الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس ابْن تَيْمِية: لم يُخَالف أحد من طوائف الْمُسلمين فِي وجود الْجِنّ وَجُمْهُور طوائف الْكفَّار على إِثْبَات الْجِنّ، وَإِن وجد من يُنكر ذَلِك مِنْهُم، كَمَا يُوجد فِي بعض طوائف الْمُسلمين، كالجهمية والمعتزلة، من يُنكر ذَلِك، وَإِن كَانَ جُمْهُور الطَّائِفَة وأئمتها مقرين بذلك، وَهَذَا لِأَن وجود الْجِنّ تَوَاتَرَتْ بِهِ أَخْبَار الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، تواترا مَعْلُوما بالاضطرار.
الرَّابِع: فِي ابْتِدَاء خلق الْجِنّ، وَفِي كتاب ( الْمُبْتَدَأ) : عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: خلق الله الْجِنّ قبل آدم بألفي سنة.
وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ الْجِنّ سكان الأَرْض وَالْمَلَائِكَة سكان السَّمَاء..
     وَقَالَ  بَعضهم: عمروا الأَرْض ألفي سنة.
وَقيل: أَرْبَعِينَ سنة..
     وَقَالَ  إِسْحَاق بن بشر فِي ( الْمُبْتَدَأ) : قَالَ أَبُو روق: عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما خلق الله شوما أَبَا الْجِنّ، وَهُوَ الَّذِي خلق من مارج من نَار، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: تمنَّ.
قَالَ أَتَمَنَّى أَن نرى وَلَا نُرى، وَأَن نغيب فِي الثرى، وَأَن يصير كهلنا شَابًّا، فَأعْطِي ذَلِك، فهم يرَوْنَ وَلَا يرَوْنَ، وَإِذا مَاتُوا غَيَّبُوا فِي الثرى، وَلَا يَمُوت كهلهم حَتَّى يعود شَابًّا، يَعْنِي: مثل الصَّبِي ثمَّ يرد إِلَى أرذل الْعُمر.
قَالَ: وَخلق الله آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، فَقيل لَهُ: تمنَّ فتمنى الْحِيَل فَأعْطِي الْحِيَل.
وَفِي ( التَّلْوِيح) : وَقد اخْتلف فِي أصلهم، فَعَن الْحسن: أَن الْجِنّ ولد إِبْلِيس، وَمِنْهُم الْمُؤمن وَالْكَافِر، وَالْكَافِر يُسمى شَيْطَانا.
وَعَن ابْن عَبَّاس: هم ولد الجان وَلَيْسوا شياطين مِنْهُم الْكَافِر وَالْمُؤمن، وهم يموتون، وَالشَّيَاطِين ولد إِبْلِيس لَا يموتون إلاّ مَعَ إِبْلِيس، وَاخْتلفُوا فِي مآل أَمرهم على حسب اخْتلَافهمْ فِي أصلهم.
فَمن قَالَ: أَنهم من ولد الجان، قَالَ: يدْخلُونَ الْجنَّة بإيمَانهمْ.
وَمن قَالَ: إِنَّهُم من ذُرِّيَّة إِبْلِيس، فَعِنْدَ الْحسن: يدْخلُونَهَا، وَعَن مُجَاهِد: لَا يدْخلُونَهَا..
     وَقَالَ : لَيْسَ لمؤمني الْجِنّ غير نجاتهم من النَّار.
قَالَ تَعَالَى: { ويجركم من عَذَاب أَلِيم} ( الْأَحْقَاف: 46) .
وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة.
وَيُقَال لَهُم كَالْبَهَائِمِ: كونُوا تُرَابا، وَفِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة أَنه تردد فيهم وَلم يجْزم..
     وَقَالَ  آخَرُونَ: يعاقبون فِي الْإِسَاءَة ويجازون فِي الْإِحْسَان كالأنس، وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي ليلى لقَوْله تَعَالَى: { وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} ( الْأَنْعَام: 132) .
بعد قَوْله: { يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس} ( الْأَنْعَام: 130) .
الْآيَات.
الْخَامِس: فِيهِ دلَالَة على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الْفجْر، وَعَلِيهِ بوب البُخَارِيّ.
السَّادِس: فِيهِ دلَالَة على مَشْرُوعِيَّة الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة فِي السّفر، وَأَنَّهَا شرعت من أول النُّبُوَّة.
السَّابِع: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل إِلَى الْأنس وَالْجِنّ، وَلم يُخَالف أحد من طوائف الْمُسلمين فِي أَن الله تَعَالَى أرسل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس، لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( بعثت إِلَى النَّاس عَامَّة) .
فِي حَدِيث جَابر فِي ( الصَّحِيحَيْنِ) .
قَالَ الْجَوْهَرِي: النَّاس قد يكون من الْإِنْس وَمن الْجِنّ، وَقد أخبر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن أَن الْجِنّ اسْتَمعُوا الْقُرْآن، وَأَنَّهُمْ آمنُوا بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} ( الْأَحْقَاف: 29) .
إِلَى قَوْله: { أُولئك فِي ضلال مُبين} ( الْأَحْقَاف: 32) .
ثمَّ أمره الله أَن يخبر النَّاس بذلك ليعلم الْإِنْس بأحوالها وَأَنه مَبْعُوث إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ.